فصل: تفسير الآية رقم (70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (61- 62):

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا (62)}
يذكر تعالى عَدَاوَةَ إبليس- لعنه الله- لآدم، عليه السلام، وذريته، وأنها عداوة قديمة منذ خلق آدم، فإنه تعالى أمرالملائكة بالسجود، فسجدوا كلهم إلا إبليس استكبر وأبى أن يسجد له؛ افتخارًا عليه واحتقارًا له {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} كما قال في الآية الأخرى: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12].
وقال أيضًا: {أَرَأَيْتَكَ}، يقول للرب جراءة وكفرًا، والرب يحلم وينظر {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا}
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس يقول: لأستولين على ذريته إلا قليلا.
وقال مجاهد: لأحتوين.
وقال ابن زيد: لأضلنهم.
وكلها متقاربة، والمعنى: أنه يقول: أرأيتك هذا الذي شرفته وعظمته عليّ، لئن أنظرتني لأضلن ذرّيته إلا قليلا منهم.

.تفسير الآيات (63- 65):

{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا (65)}.
لما سأل إبليس عليه اللعنة النظرة قال الله له: {اذْهَبْ} فقد أنظرتك. كما قال في الآية الأخرى: {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [الحجر: 37، 38] ثم أوعده ومن تَبِعه من ذرية آدم جهنم، فقال: {فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} أي: على أعمالكم {جَزَاءً مَوْفُورًا}
قال مجاهد: وافرا.
وقال قتادة: مُوَفّرا عليكم، لا ينقص لكم منه.
وقوله: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} قيل: هو الغناء. قال مجاهد: باللهو والغناء، أي: استخفهم بذلك.
وقال ابن عباس في قوله: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} قال: كل داع دعا إلى معصية الله، عز وجل، وقال قتادة، واختاره ابن جرير.
وقوله: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} يقول: واحمل عليهم بجنودك خَيَّالتهم ورَجْلتَهم؛ فإن الرّجْل جمع راجل، كما أن الركب جمع راكب وصحب جمع صاحب.
ومعناه: تسلط عليهم بكل ما تقدرعليه. وهذا أمر قدري، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83] أي: تزعجهم إلى المعاصي إزعاجًا، وتسوقهم إليها سوقًا.
وقال ابن عباس، ومجاهد في قوله: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} قال: كل راكب وماش في معصية الله.
وقال قتادة: إن له خيلا ورجالا من الجن والإنس، وهم الذين يطيعونه.
وتقول العرب: أجلب فلان على فلان: إذا صاح عليه. ومنه: نهى في المسابقة عن الجَلَب والجَنَب ومنه اشتقاق الجلبة، وهي ارتفاع الأصوات.
وقوله: {وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ} قال ابن عباس ومجاهد: هو ما أمرهم به من إنفاق الأموال في معاصي الله.
وقال عطاء: هو الربا.
وقال الحسن: هو جمعها من خبيث، وإنفاقها في حرام.
وكذا قال قتادة.
وقال العوفي، عن ابن عباس، رضي الله عنهما: أما مشاركته إياهم في أموالهم، فهو ما حرموه من أنعامهم، يعني: من البحائر والسوائب ونحوها.
وكذا قال الضحاك وقتادة.
ثم قال ابن جرير: والأولى أن يقال: إن الآية تعم ذلك كله.
وقوله: {وَالأولادِ} قال العوفي عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: يعني أولاد الزنا.
وقال علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس: هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهًا بغير علم.
وقال قتادة، عن الحسن البصري: قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مَجَّسُوا وهودوا ونَصّروا وصبغوا غير صبغة الإسلام، وجَزَّؤوا من أموالهم جزءًا للشيطان وكذا قال قتادة سواء.
وقال أبو صالح، عن ابن عباس: هو تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد فلان.
قال ابن جرير: وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: كل مولود ولدته أنثى، عصى الله فيه، بتسميته ما يكرهه الله، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بالزنا بأمه، أو بقتله ووأده، وغير ذلك من الأمور التي يعصي الله بفعله به أو فيه، فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه؛ لأن الله لم يخصص بقوله: {وَشَارِكْهُمْ فِي الأمْوَالِ وَالأولادِ} معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى، فكل ما عصي الله فيه- أو به، وأطيع فيه الشيطان- أو به، فهو مشاركة.
وهذا الذي قاله مُتَّجه، وكل من السلف، رحمهم الله، فسر بعض المشاركة، فقد ثبت في صحيح مسلم، عن عياض بن حمار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حُنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرّمت عليهم ما أحللت لهم».
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يُقَدّر بينهما ولد في ذلك، لم يضره الشيطان أبدًا».
وقوله: {وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا} كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضى بالحق: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} الآية [إبراهيم: 22].
وقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}: إخبار بتأييده تعالى عباده المؤمنين، وحفظه إياهم، وحراسته لهم من الشيطان الرجيم؛ ولهذا قال: {وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا} أي: حافظًا ومؤيدًا وناصرًا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لَهيعة، عن موسى بن وَرْدَان، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن ليُنْضي شياطينه كما ينضي أحدكم بَعيرَه في السفر».
ينضي، أي: يأخذ بناصيته ويقهره.

.تفسير الآية رقم (66):

{رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66)}.
يخبر تعالى عن لطفه بخلقه في تسخيره لعباده الفلك في البحر، وتسهيلها لمصالح عباده لابتغائهم من فضله في التجارة من إقليم إلى إقليم؛ ولهذا قال: {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} أي: إنما فعل هذا بكم من فضله عليكم، ورحمته بكم.

.تفسير الآية رقم (67):

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا (67)}
يخبر تعالى أنه إذا مس الناس ضرّ، دعوه منيبين إليه، مخلصين له الدين؛ ولهذا قال: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ} أي: ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير الله، كما اتفق لعكرمة بن أبي جهل لما ذهب فارًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة، فذهب هاربًا، فركب في البحر ليدخل الحبشة، فجاءتهم ريح عاصف، فقال القوم بعضهم لبعض: إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعو الله وحده. فقال عكرمة في نفسه: والله لئن كان لا ينفع في البحر غيره، فإنه لا ينفع في البر غيره، اللهم لك عليّ عهد، لئن أخرجتني منه لأذهبن فَأضعن يدي في يديه، فلأجدنه رءوفًا رحيمًا. فخرجوا من البحر، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه، رضي الله عنه وأرضاه.
وقوله: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} أي: نسيتم ما عرفتم من توحيده في البحر، وأعرضتم عن دعائه وحده لا شريك له.
{وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا} أي: سَجِيَّتُه هذا، ينسى النعم ويجحدها، إلا من عصم الله.

.تفسير الآية رقم (68):

{أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا (68)}
يقول تعالى: أفحسبتم أن نخرجكم إلى البر أمنتم من انتقامه وعذابه!
{أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا}، وهو: المطر الذي فيه حجارة. قاله مجاهد، وغير واحد، كما قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] وقد قال في الآية الأخرى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] وقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك: 16، 17].
وقوله: {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا} أي: ناصرًا يرد ذلك عنكم، وينقذكم منه والله سبحانه وتعالى أعلم.

.تفسير الآية رقم (69):

{أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)}.
يقول تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ} أيها المعرضون عنا بعدما اعترفوا بتوحيدنا في البحر، وخرجوا إلى البر {أَنْ يُعِيدَكُمْ} في البحر مرة ثانية {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ} أي: يقصف الصواري ويغرق المراكب.
قال ابن عباس وغيره: القاصف: ريح البحار التي تكسر المراكب وتغرقها.
وقوله: {فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ} أي: بسبب كفركم وإعراضكم عن الله تعالى.
وقوله: {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} قال ابن عباس: نصيرًا.
وقال مجاهد: نصيرًا ثائرًا، أي: يأخذ بثأركم بعدكم.
وقال قتادة: ولا نخاف أحدًا يتبعنا بشيء من ذلك.

.تفسير الآية رقم (70):

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا (70)}.
يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم، وتكريمه إياهم، في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كما قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] أي: يمشي قائمًا منتصبًا على رجليه، ويأكل بيديه- وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه- وجعل له سمعًا وبصرًا وفؤادًا، يفقه بذلك كله وينتفع به، ويفرق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدنيوية والدينية.
{وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ} أي: على الدواب من الأنعام والخيل والبغال، وفي البحر أيضًا على السفن الكبار والصغار.
{وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أي: من زروع وثمار، ولحوم وألبان، من سائر أنواع الطعوم والألوان، المشتهاة اللذيذة، والمناظر الحسنة، والملابس الرفيعة من سائر الأنواع، على اختلاف أصنافها وألوانها وأشكالها، مما يصنعونه لأنفسهم، ويجلبه إليهم غيرهم من أقطار الأقاليم والنواحي.
{وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} أي: من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات.
وقد استُدل بهذه الآية على أفضلية جنس البشر على جنس الملائكة، قال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن زيد بن أسلم قال: قالت الملائكة: يا ربنا، إنك أعطيت بني آدم الدنيا، يأكلون منها ويتنعمون، ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة. فقال الله: «وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان».
وهذا الحديث مرسل من هذا الوجه، وقد روي من وجه آخر متصلا.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن محمد بن صَدَقَة البغدادي، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المِصِّيصِيّ، حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا أبو غَسَّان محمد بن مطرف، عن صفوان بن سُليم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الملائكة قالت: يا ربنا، أعطيت بني آدم الدنيا، يأكلون فيها ويشربون ويلبسون، ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة. قال: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن، فكان».
وقد روى ابن عساكر من طريق محمد بن أيوب الرازي، حدثنا الحسن بن علي بن خلف الصيدلاني، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، حدثني عثمان بن حصن بن عبيدة بن عَلاق، سمعت عروة بن رُوَيْم اللخمي، حدثني أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الملائكة قالوا: ربنا، خلقتنا وخلقت بني آدم، فجعلتهم يأكلون الطعام، ويشربون الشراب، ويلبسون الثياب، ويتزوجون النساء، ويركبون الدواب، ينامون ويستريحون، ولم تجعل لنا من ذلك شيئًا، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة. فقال الله عز وجل: لا أجعل من خلقته بيدي، ونفخت فيه من روحي، كمن قلت له: كن، فكان».
وقال الطبراني: حدثنا عبدان بن أحمد، حدثنا عمر بن سهل، حدثنا عبيد الله بن تمام، عن خالد الحذاء، عن بشر بن شِغَاف عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم». قيل: يا رسول الله ولا الملائكة؟ قال: «ولا الملائكة، الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر». وهذا حديث غريب جدًا.