فصل: سورة التين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.سورة الشرح:

وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 8):

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}
يقول تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} يعني: أما شرحنا لك صدرك، أي: نورناه وجعلناه فَسيحًا رحيبًا واسعًا كقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ} [الأنعام: 125]، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شَرْعه فسيحا واسعًا سمحًا سهلا لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق.
وقيل: المراد بقوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} شرح صدره ليلة الإسراء، كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة وقد أورده الترمذي هاهنا. وهذا وإن كان واقعًا، ولكن لا منافاة، فإن من جملة شرح صدره الذي فُعِل بصدره ليلة الإسراء، وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضًا، والله أعلم.
قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثني محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز حدثنا يونس بن محمد، حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبي بن كعب، حدثني أبي محمد بن معاذ، عن معاذ، عن محمد، عن أبي بن كعب: أن أبا هريرة كان جريًّا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول الله، ما أولُ ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال: «لقد سألتَ يا أبا هريرة، إني لفي الصحراء ابنُ عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ قال: نعم فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط. فأقبلا إلي يمشيان، حتى أخذ كل واحد منهما بعَضُدي، لا أجد لأحدهما مسا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه. فأضجعاني بلا قَصْر ولا هَصْر. فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره. فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغِلّ والحَسَد. فأخرج شيئًا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أخرج شبهُ الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال: اغدُ واسلم. فرجعت بها أغدو، رقة على الصغير، ورحمةً للكبير».
وقوله: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} بمعنى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} الإنقاض: الصوت.
وقال غير واحد من السلف في قوله: {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} أي: أثقلك حمله.
وقوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قال مجاهد: لا أُذْكرُ إلا ذُكِرتَ معي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
وقال قتادة: رفع اللهُ ذكرَه في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا مُتشهد ولا صاحبُ صلاة إلا ينادي بها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
قال ابن جرير: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن دَراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أتاني جبريل فقال: إنّ ربي وربك يقول: كيف رفعت ذكرك؟ قال: الله أعلم. قال: إذا ذُكِرتُ ذُكِرتَ معي»، وكذا رواه ابن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلى، به ورواه أبو يعلى من طريق ابن لَهِيعة، عن دَرَّاج.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا أبو عُمر الحَوضي، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي مسألة وَدَدْتُ أني لم أكن سألته، قلت: قد كانت قبلي أنبياء، منهم من سخرت له الريح ومنهم من يحيي الموتى. قال: يا محمد، ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قلت: بلى يا رب. قال: ألم أجدك ضالا فهديتك؟ قلت: بلى يا رب. قال: ألم أجدك عائلا فاغنيتك؟ قال: قلت: بلى يا رب. قال: ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت: بلى يا رب».
وقال أبو نعيم في دلائل النبوة: حدثنا أبو أحمد الغطريفي، حدثنا موسى بن سهل الجَوْني، حدثنا أحمد بن القاسم بن بَهْرام الهيتي، حدثنا نصر بن حماد، عن عثمان بن عطاء، عن الزهري، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما فرغت مما أمرني الله به من أمر السموات والأرض قلت: يا رب، إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد كرمته، جعلت إبراهيم خليلا وموسى كليما، وسخرت لداود الجبال، ولسليمان الريح والشياطين، وأحييت لعيسى الموتى، فما جعلت لي؟ قال: أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله، أني لا أذكر إلا ذُكِرْتَ معي، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرءون القرآن ظاهرا، ولم أعطها أمة، وأعطيتك كنزا من كنوز عرشي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».
وحكى البغوي، عن ابن عباس ومجاهد: أن المراد بذلك: الأذان. يعني: ذكره فيه، وأورد من شعر حسان بن ثابت:
أغَرّ عَلَيه للنبوة خَاتَم ** مِنَ الله من نُور يَلوحُ وَيشْهَد

وَضمَّ الإلهُ اسم النبي إلى اسمه ** إذا قَالَ في الخَمْس المؤذنُ أشهدُ

وَشَقَّ لَهُ مِن اسمه ليُجِلَّه ** فَذُو العَرشِ محمودٌ وهَذا مُحَمَّدُ

وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوه به، حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به، ثم شهر ذكره في أمته فلا يُذكر الله إلا ذُكر معه.
وما أحسن ما قال الصرصري، رحمه الله:
لا يَصِحُّ الأذانُ في الفَرْضِ إلا ** باسمِه العَذْب في الفم المرْضي

وقال أيضًا:
ألَم تَر أنَّا لا يَصحُّ أذانُنَا ** وَلا فَرْضُنا إنْ لم نُكَررْه فيهما

وقوله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} أخبر تعالى أن مع العسر يوجَدُ اليسر، ثم أكد هذا الخبر.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا حُميد بن حماد بن خَوَار أبو الجهم، حدثنا عائذ بن شُريح قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا وحياله حجر، فقال: «لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه»، فأنزل الله عز وجل: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن مَعْمَر، عن حُميد بن حماد، به ولفظه: «لو جاء العسر حتى يدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يخرجه» ثم قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح.
قلت: وقد قال فيه أبو حاتم الرازي: في حديثه ضعف، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرة، عن رجل، عن عبد الله بن مسعود موقوفا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا أبو قَطَن حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: كانوا يقولون: لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن الحسن قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يومًا مسرورًا فرحًا وهو يضحك، وهو يقول: «لن يَغْلِب عُسْر يسرين، لن يغلب عسر يسرين، فإن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا».
وكذا رواه من حديث عوف الأعرابي ويونس بن عبيد، عن الحسن مرسلا.
وقال سعيد، عن قتادة: ذُكِرَ لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال: «لن يغلب عسر يسرين».
ومعنى هذا: أن العسر معرف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكر فتعدد؛ ولهذا قال: «لن يغلب عسر يسرين»، يعني قوله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد.
وقال الحسن بن سفيان: حدثنا يزيد بن صالح، حدثنا خارجة، عن عباد بن كثير، عن أبي الزناد، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نزل المعونة من السماء على قدر المؤونة، ونزل الصبر على قدر المصيبة».
ومما يروى عن الشافعي، رضي الله عنه، أنه قال:
صَبرا جَميلا ما أقرَبَ الفَرجا ** مَن رَاقَب الله في الأمور نَجَا

مَن صَدَق الله لَم يَنَلْه أذَى ** وَمَن رَجَاه يَكون حَيثُ رَجَا

وقال ابن دُرَيد: أنشدني أبو حاتم السجستاني:
إذا اشتملت على اليأس القلوبُ ** وضاق لما به الصدر الرحيبُ

وأوطأت المكاره واطمأنت ** وأرست في أماكنها الخطوبُ

ولم تر لانكشاف الضر وجها ** ولا أغنى بحيلته الأريبُ

أتاك على قُنوط منك غَوثٌ ** يمن به اللطيف المستجيبُ

وكل الحادثات إذا تناهت ** فموصول بها الفرج القريب

وقال آخر:
وَلَرُب نازلة يضيق بها الفتى ** ذرعا وعند الله منها المخرج

كملت فلما استحكمت حلقاتها ** فرجت وكان يظنها لا تفرج

وقوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} أي: إذا فَرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها، فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة. ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء، فابدءوا بالعَشَاء».
قال مجاهد في هذه الآية: إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة، فانصب لربك، وفي رواية عنه: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك، وعن ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل.
وعن ابن عياض نحوه. وفي رواية عن ابن مسعود: {فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} يعني: في الدعاء.
وقال زيد بن أسلم، والضحاك: {فَإِذَا فَرَغْتَ} أي: من الجهاد {فَانْصَبْ} أي: في العبادة. {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} قال الثوري: اجعل نيتك ورغبتك إلى الله، عز وجل.
آخر تفسير سورة ألم نشرح ولله الحمد.

.سورة التين:

وهي مكية.
قال مالك وشعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في سَفَر في إحدى الركعتين بالتين والزيتون، فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا أو قراءة منه. أخرجه الجماعة في كتبهم.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 8):

{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}
اختلف المفسرون هاهنا على أقوال كثيرة فقيل: المراد بالتين مسجد دمشق. وقيل: هي نفسها. وقيل: الجبل الذي عندها.
وقال القرطبي: هو مسجد أصحاب الكهف.
وروى العوفي، عن ابن عباس: أنه مسجد نوح الذي على الجودي.
وقال مجاهد: هو تينكم هذا.
{وَالزَّيْتُونِ} قال كعب الأحبار، وقتادة، وابن زيد، وغيرهم: هو مسجد بيت المقدس.
وقال مجاهد، وعكرمة: هو هذا الزيتون الذي تعصرون.
{وَطُورِ سِينِينَ} قال كعب الأحبار وغير واحد: هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى.
{وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ} يعني: مكة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وإبراهيم النَّخَعِي، وابن زيد، وكعب الأحبار. ولا خلاف في ذلك.
وقال بعض الأئمة: هذه مَحَالٌّ ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيًا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار، فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم. والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران. والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم.
قالوا: وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء- يعني الذي كلم الله عليه موسى بن عمران- وأشرق من سَاعيرَ- يعني بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى- واستعلن من جبال فاران- يعني: جبال مكة التي أرسل الله منها محمدًا- فذكرهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما.
وقوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} هذا هو المقسم عليه، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة، وشكل منتصب القامة، سَويّ الأعضاء حسنها.
{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} أي: إلى النار. قاله مجاهد، وأبو العالية، والحسن، وابن زيد، وغيرهم. ثم بعد هذا الحسن والنضارة مصيره إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل؛ ولهذا قال: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
وقال بعضهم: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} أي: إلى أرذل العمر. رُوي هذا عن ابن عباس، وعكرمة- حتى قال عكرمة: من جمع القرآن لم يُرَدّ إلى أرذل العمر. واختار ذلك ابن جرير. ولو كان هذا هو المراد لما حَسُن استثناء المؤمنين من ذلك؛ لأن الهَرَم قد يصيبُ بعضهم، وإنما المراد ما ذكرناه، كقوله: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: 1- 3].
وقوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي: غير مقطوع، كما تقدم.
ثم قال: {فَمَا يُكَذِّبُكَ} يعني: يا ابن آدم {بَعْدُ بِالدِّينِ}؟ أي: بالجزاء في المعاد وقد علمت البدأة، وعرفت أن من قدر على البدأة، فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى، فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا؟
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصور قال: قلت لمجاهد: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} عنى به النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَعَاذ الله! عنى به الإنسان.
وهكذا قال عكرمة وغيره.
وقوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} أي: أما هو أحكم الحاكمين، الذي لا يجور ولا يظلم أحدًا، ومن عَدْله أن يقيم القيامة فينصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه. وقد قدمنا في حديث أبي هريرة مرفوعًا: «فإذا قرأ أحدكم {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فأتى على آخرها: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} فليقل: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين».
آخر تفسير سورة وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ولله الحمد.