فصل: سورة السجدة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.سورة السجدة:

وهي مكية.
قال البخاري في كتاب الجمعة: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة: {الم * تَنزيلُ} السجدة، و{هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ}.
ورواه مسلم أيضًا من حديث سفيان الثوري، به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، أخبرنا الحسن بن صالح، عن لَيْث، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ {الم * تَنزيلُ} السجدة و{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} تفرد به أحمد.

.تفسير الآيات (1- 3):

{الم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)}.
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته.
وقوله: {تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ} أي: لا شك فيه ولا مرية أنه نزل، {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
ثم قال مخبرًا عن المشركين: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}، بل يقولون: {افْتَرَاهُ} أي: اختلقه من تلقاء نفسه، {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي يتبعون الحق.

.تفسير الآيات (4- 6):

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)}.
يخبر تعالى أنه الخالق للأشياء، فخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش. وقد تقدم الكلام على ذلك.
{مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} أي: بل هو المالك لأزمة الأمور، الخالق لكل شيء، المدبر لكل شيء، القادر على كل شيء، فلا ولي لخلقه سواه، ولا شفيع إلا من بعد إذنه.
{أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} يعني: أيها العابدون غيره، المتوكلون على من عداه- تعالى وتقدس وتنزه أن يكون له نظير أو شريك أو نديد، أو وزير أو عديل، لا إله إلا هو ولا رب سواه.
وقد أورد النسائي هاهنا حديثا فقال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب، حدثني محمد بن الصباح، حدثنا أبو عبيدة الحداد، حدثنا الأخضر بن عَجْلان، عن أبي جُريْج المكي، عن عطاء، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي فقال: «إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش في اليوم السابع، فخلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الاثنين، والمكروه يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة في آخر ساعة من النهار بعد العصر، وخلقه من أديم الأرض، بأحمرها وأسودها، وطيبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله من بني آدم الطيب والخبيث».
هكذا أورد هذا الحديث إسنادًا ومتنا، وقد أخرج مسلم والنسائي أيضا من حديث الحجاج بن محمد الأعور، عن ابن جُرَيج، عن إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من هذا السياق.
وقد علَّله البخاري في كتاب التاريخ الكبير فقال: وقال بعضهم: أبو هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح، وكذا علَّله غير واحد من الحفاظ، والله أعلم.
وقوله: {يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أي: يتنزل أمره من أعلى السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة، كما قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12].
وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا، ومسافة ما بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة، وسمك السماء خمسمائة سنة.
وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك: النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام، وصعوده في مسيرة خمسمائة عام، ولكنه يقطعها في طرفة عين؛ ولهذا قال تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}.
{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي: المدبر لهذه الأمور الذي هو شهيد على أعمال عباده، يرفع إليه جليلها وحقيرها، وصغيرها وكبيرها- هو {الْعَزِيزُ} الذي قد عَزَّ كلَّ شيء فقهره وغلبه، ودانت له العباد والرقاب، {الرَّحِيمُ} بعباده المؤمنين. فهو عزيز في رحمته، رحيم في عزته وهذا هو الكمال: العزة مع الرحمة، والرحمة مع العزة، فهو رحيم بلا ذل.

.تفسير الآيات (7- 9):

{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (9)}.
يقول تعالى: إنه الذي أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها.
وقال مالك، عن زيد بن أسلم: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} قال: أحسن خلق كل شيء. كأنه جعله من المقدم والمؤخر.
ثم لما ذكر خلق السموات والأرض، شرع في ذكر خلق الإنسان فقال: {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ} يعني: خلق أبا البشر آدم من طين.
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} أي: يتناسلون كذلك من نطفة تخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة.
{ثُمَّ سَوَّاهُ} يعني: آدم، لما خلقه من تراب خلقه سويا مستقيما، {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ}، يعني: العقول، {قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} أي: بهذه القوى التي رزقكموها الله عز وجل. فالسعيد مَنْ استعملها في طاعة ربه عز وجل.

.تفسير الآيات (10- 11):

{وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)}
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين في استبعادهم المعاد حيث قالوا: {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرْضِ} أي: تمزقت أجسامنا وتفرقت في أجزاء الأرض وذهبت، {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}؟ أي: أئنا لَنَعُودُ بعد تلك الحال؟! يستبعدون ذلك، وهذا إنما هو بعيد بالنسبة إلى قُدْرَتهم العاجزة، لا بالنسبة إلى قُدْرة الذي بدأهم وخلقهم من العدم، الذي إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون؛ ولهذا قال: {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ}.
ثم قال: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}، الظاهر من هذه الآية أن ملك الموت شخص معين من الملائكة، كما هو المتبادر من حديث البراء المتقدم ذكره في سورة إبراهيم، وقد سمي في بعض الآثار بعزرائيل، وهو المشهور، قاله قتادة وغير واحد، وله أعوان.
وهكذا ورد في الحديث أن أعوانه ينتزعون الأرواح من سائر الجسد، حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها ملك الموت.
قال مجاهد: حُويت له الأرض فجعلت له مثل الطست، يتناول منها حيث يشاء.
ورواه زهير بن محمد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه مرسلا. وقاله ابن عباس، رضي الله عنهما.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن أبي يحيى المقري، حدثنا عمرو بن شمر عن جعفر بن محمد قال: سمعت أبي يقول: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا ملك الموت، ارفق بصاحبي فإنه مؤمن». فقال مَلَك الموت: يا محمد، طِبْ نفسًا وقَر عينًا فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم أن ما في الأرض بيت مَدَر ولا شَعَر، في بر ولا بحر، إلا وأنا أتصفحه في كل يوم خمس مرات، حتى إني أعرفُ بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله يا محمد، لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قَدَرتُ على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها.
قال جعفر: بلغني أنه إنما يتصفحهم عند مواقيت الصلاة، فإذا حضرهم عند الموت فإن كان ممن يحافظ على الصلاة دنا منه الملك، ودفع عنه الشيطان، ولقنه المَلَك: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) في تلك الحال العظيمة.
وقال عبد الرزاق: حدثنا محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن مَيْسَرة قال: سمعت مجاهدًا يقول ما على ظهر الأرض من بيت شعر أو مدر إلا وملك الموت يُطيف به كل يوم مرتين.
وقال كعب الأحبار: والله ما من بيت فيه أحد من أهل الدنيا إلا وملك الموت يقوم على بابه كل يوم سبع مرات. ينظر هل فيه أحد أمر أن يتوفاه. رواه ابن أبي حاتم.
وقوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي: يوم معادكم وقيامكم من قبوركم لجزائكم.

.تفسير الآيات (12- 14):

{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رؤُُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)}.
يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة، وحالهم حين عاينوا البعث، وقاموا بين يدي الله حقيرين ذليلين، ناكسي رؤوسهم، أي: من الحياء والخجل، يقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} أي: نحن الآن نسمع قولك ونطيع أمرك، كما قال تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [مريم: 38]. وكذلك يعودون على أنفسهم بالملامة إذا دخلوا النار بقولهم: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10].
وهكذا هؤلاء يقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا} أي: إلى الدار الدنيا، {نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} أي: قد أيقنا وتحققنا أن وعدك حق ولقاءك حق، وقد علم الرب تعالى منهم أنه لو أعادهم إلى الدار الدنيا لكانوا كما كانوا فيها كفارا يكذبون آيات الله ويخالفون رسله، كما قال: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [الأنعام: 27- 29].
وقال هاهنا: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}، كما قال تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99].
{وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} أي: من الصنفين، فدارهم النار لا محيد لهم عنها ولا محيص لهم منها، نعوذ بالله وكلماته التامة من ذلك.
{فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} أي: يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم به، واستبعادكم وقوعه، وتناسيكم له؛ إذ عاملتموه معاملة من هو ناس له، {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} أي: إنا سنعاملكم معاملة الناسي؛ لأنه تعالى لا ينسى شيئا ولا يضل عنه شيء، بل من باب المقابلة، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 34].
وقوله: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: بسبب كفركم وتكذيبكم، كما قال في الآية الأخرى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا. إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاءً وِفَاقًا. إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا. وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا. وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا. فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} [النبأ: 24- 30].

.تفسير الآيات (15- 17):

{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}.
يقول تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} أي: إنما يصدق بها {الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا} أي: استمعوا لها وأطاعوها قولا وفعلا {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} أي عن اتباعها والانقياد لها، كما يفعله الجهلة من الكفرة الفجرة، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
ثم قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} يعني بذلك: قيام الليل، وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة. قال مجاهد والحسن في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} يعني بذلك: قيام الليل.
وعن أنس، وعكرمة، ومحمد بن المُنْكَدِر، وأبي حازم، وقتادة: هو الصلاة بين العشاءين.
وعن أنس أيضًا: هو انتظار صلاة العتمة. رواه ابن جرير بإسناد جيد.
وقال الضحاك: هو صلاة العشاء في جماعة، وصلاة الغداة في جماعة.
{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} أي: خوفًا من وبال عقابه، وطمعًا في جزيل ثوابه، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، فيجمعون بين فعل القربات اللازمة والمتعدية، ومقدم هؤلاء وسيدهم وفخرهم في الدنيا والآخرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال عبد الله بن رَوَاحة، رضي الله عنه:
وَفِينَا رَسُولُ الله يَتْلُو كتَابَه ** إذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الصُّبْحِ سَاطعُ

أرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلُوبُنَا ** به مُوقِنَاتٌ أنَّ مَا قَال وَاقِعُ

يَبيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِه ** إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بالْمُشْرِكِين المَضَاجِعُ

وقال الإمام أحمد: حدثنا روح وعفان قالا حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا عطاء بن السائب، عن مُرَّة الهمداني، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عجب ربنا من رجلين: رجل ثار من وِطَائه ولحافه، ومن بين أهله وَحَيِّه إلى صلاته، فيقول ربنا: أيا ملائكتي، انظروا إلى عبدي، ثار من فراشه ووطائه، ومن بين حيه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي. ورجل غزا في سبيل الله، عز وجل، فانهزموا، فعلم ما عليه من الفرار، وما له في الرجوع، فرجع حتى أهريق دمه، رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي. فيقول الله، عز وجل للملائكة: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي، ورهبة مما عندي، حتى أهريق دمه».
وهكذا رواه أبو داود في الجهاد، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، به بنحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال: «لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت». ثم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل». ثم قرأ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}، حتى بلغ {يَعْمَلُون}. ثم قال: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟» فقلت: بلى، يا رسول الله. فقال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سَنَامه الجهاد في سبيل الله». ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» فقلت: بلى، يا نبي الله. فأخذ بلسانه ثم قال: «كُفّ عليك هذا». فقلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به. فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُب الناس في النار على وجوههم- أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم».
رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه في سننهم، من طرق عن معمر، به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
ورواه ابن جرير من حديث شعبة، عن الحكم قال: سمعت عُرْوَة بن النزال يحدث عن معاذ بن جبل؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام العبد في جوف الليل»، وتلا هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.
ورواه أيضًا من حديث الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن الحكم، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، ومن حديث الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، والحكم عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ مرفوعا بنحوه. ومن حديث حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النَّجُود، عن شهر، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} قال: «قيام العبد من الليل».
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سَنَان الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا فِطْر بن خليفة، عن حبيب بن أبي ثابت، والحكم، وحكيم بن جُبَيْر، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال: «إن شئت أنبأتك بأبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل»، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.
ثم قال: حدثنا أبي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مُسْهِر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، جاء مناد فنادى بصوت يُسمعُ الخلائق: سيعلم أهل الجمع اليوم مَن أولى بالكرم. ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانت {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} الآية، فيقومون وهم قليل».
وقال البزار: حدثنا عبد الله بن شَبِيب، حدثنا الوليد بن عطاء بن الأغر، حدثنا عبد الحميد بن سليمان، حدثني مصعب، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال بلال لما نزلت هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} الآية، كنا نجلس في المجلس، وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بعد المغرب إلى العشاء، فنزلت هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}.
ثم قال: لا نعلم روى أسلم عن بلال سواه، وليس له طريق عن بلال غير هذه الطريق.
وقوله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، لَمَّا أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقا؛ فإن الجزاء من جنس العمل.
قال الحسن البصري: أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر. رواه ابن أبي حاتم.
قال البخاري: قوله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآية: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، عن أبي الزِّنَاد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر». قال أبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.
قال: وحدثنا سفيان، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال الله مثله. قيل لسفيان: روايةً؟ قال: فَأيُّ شيء؟.
ورواه مسلم والترمذي من حديث سفيان بن عيينة، به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
ثم قال البخاري: حدثنا إسحاق بن نصر، حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، حدثنا أبو صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذُخْرًا منْ بَله ما أطلعْتم عليه»، ثم قرأ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
قال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، قرأ أبو هريرة: {قُرَّات أَعْيُنٍ}.
انفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن همام بن مُنَبِّه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قال: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».
أخرجاه في الصحيحين من رواية عبد الرزاق.
ورواه الترمذي في التفسير، وابن جرير، من حديث عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله. ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال حماد: أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».
رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة، به.
وروى الإمام أحمد: حدثنا هارون، حدثنا ابن وهب، حدثني أبو صخر، أن أبا حازم حدَّثه قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، يقول: شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة، حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، ثم قرأ هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}، إلى قوله: {يَعْمَلُون}.
وأخرجه مسلم في صحيحه عن هارون بن معروف، وهارون بن سعيد، كلاهما عن ابن وهب، به.
وقال ابن جرير: حدثني العباس بن أبي طالب، حدثنا معلى بن أسد، حدثنا سلام بن أبي مطيع، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يروي عن ربه، عز وجل، قال: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر». لم يخرجوه.
وقال مسلم أيضا في صحيحه: حدثنا ابن أبي عمر وغيره، حدثنا سفيان، حدثنا مُطَرّف بن طَريف وعبد الملك بن سعيد، سمعا الشعبي يخبر عن المغيرة بن شعبة قال: سمعته على المنبر- يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم- قال: «سأل موسى، عليه السلام ربه عز وجل: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: أي رب، كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب. فيقول: لك ذلك، ومثله، ومثله، ومثله، ومثله، فَقَال في الخامسة: رضيت رب. فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولَذَّت عينك. فيقول: رضيت رب. قال: رب، فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أرَدتُ، غَرَسْتُ كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر»، قال: ومصداقه من كتاب الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر، وقال: حسن صحيح، قال: ورواه بعضهم عن الشعبي، عن المغيرة ولم يرفعه، والمرفوع أصح.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن منير المدائني، حدثنا أبو بدر شجاعُ بن الوليد، حدثنا زياد بن خَيْثَمة، عن محمد بن جُحَادة، عن عامر بن عبد الواحد قال: بلغني أن الرجل من أهل الجنة يمكث في مكانه سبعين سنة، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه، فتقول له: قد أنَى لك أن يكون لنا منك نصيب؟ فيقول: من أنت؟ فتقول: أنا من المزيد. فيمكث معها سبعين سنة، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه، فتقول له: قد أنى لك أن يكون لنا منك نصيب، فيقول: من أنت؟ فتقول: أنا التي قال الله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}.
وقال ابن لَهِيعَة: حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جُبَيْر قال: تدخل عليهم الملائكة في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات، معهم التحف من الله من جنات عدن ما ليس في جناتهم، وذلك قوله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}، ويُخْبَرون أن الله عنهم راض.
وقال ابن جرير: حدثنا سهل بن موسى الرازي، حدثنا الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو، عن أبي اليمان الهوزني- أو غيره- قال: الجنة مائة درجة، أوَّلها درجة فضة وأرضها فضة، ومساكنها فضة، وآنيتها فضة وترابها المسك. والثانية ذهب، وأرضها ذهب، ومساكنها ذهب، وآنيتها ذهب، وترابها المسك. والثالثة لؤلؤ، وأرضها لؤلؤ، ومساكنها اللؤلؤ، وآنيتها اللؤلؤ، وترابها المسك. وسبع وتسعون بعد ذلك، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ثم تلا هذه الآية: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن الغِطْرِيف، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن الروح الأمين قال: «يؤتى بحسنات العبد وسيئاته، ينقص بعضها من بعض، فإن بقيت حسنة واحدة وسع الله له في الجنة»، قال: فدخلت على يزداد فَحَدَّث بمثل هذا الحديث، قال: فقلت: فأين ذهبت الحسنة؟ قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف: 16]. قلت: قوله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}، قال: العبد يعمل سرًّا أسرَّه إلى الله، لم يُعلم به الناس، فأسَرَّ الله له يوم القيامة قُرَّة أعين.