فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (4):

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
يقول تعالى: اذكر لقومك يا محمد في قَصَصك عليهم من قصة يوسف إذ قال لأبيه، وأبوه هو: يعقوب، عليه السلام، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».
انفرد بإخراجه البخاري، فرواه عن عبد الله بن محمد، عن عبد الصمد به وقال البخاري أيضا:
حدثنا محمد، أخبرنا عبدة، عن عُبَيْد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: سُئِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم». قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله». قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: «فعن معادن العرب تسألوني؟» قالوا: نعم. قال: «فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقِهوا». ثم قال: تابعه أبو أسامة، عن عبيد الله.
وقال ابن عباس: رؤيا الأنبياء وحي.
وقد تكلم المفسرون على تعبير هذا المنام: أن الأحد عشر كوكبا عبارة عن إخوته، وكانوا أحد عشر رجلا سواه والشمس والقمر عبارة عن أبيه وأمه. رُوي هذا عن ابن عباس، والضحاك، وقتادة وسفيان الثوري، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد وقع تفسيرها بعد أربعين سنة، وقيل: ثمانين سنة، وذلك حين رفع أبويه على العرش، وهو سريره، وإخوته بين يديه: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100].
وقد جاء في حديث تسمية هذه الأحد عشر كوكبا- فقال الإمام أبو جعفر بن جرير.
حدثني علي بن سعيد الكندي، حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من يهود يقال له: بستانة اليهودي، فقال له: يا محمد، أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له، ما أسماؤها؟ قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة فلم يجبه بشيء، ونزل عليه جبريل، عليه السلام، فأخبره بأسمائها. قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال: «هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟» فقال: نعم. قال: «خرتان والطارِقُ، والذَّيَّال وذو الكَنَفَات، وقابس، ووَثَّاب، وعَمُودَان، والْفَيلَقُ، والمُصَبِّحُ، والضَّرُوحُ، وذو الفرغ، والضِّيَاُء، والنُّور»، فقال اليهودي: إيْ والله، إنها لأسماؤها.
ورواه البيهقي في الدلائل، من حديث سعيد بن منصور، عن الحكم بن ظهير.
وقد روى هذا الحديث الحافظان أبو يعلى الموصلي وأبو بكر البزار في مسنديهما، وابن أبي حاتم في تفسيره أما أبو يعلى فرواه عن أربعة من شيوخه عن الحكم بن ظهير، به وزاد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما رآها يوسف قَصّها على أبيه يعقوب، فقال له أبوه: هذا أمر متشتت يجمعه الله من بعد؛ قال: والشمس أبوه، والقمر أمه».
تفرد به الحكم بن ظهير الفزاري وقد ضَعَّفه الأئمة، وتركه الأكثرون، وقال الجوزجاني: ساقط، وهو صاحب حديث حُسْن يوسف.

.تفسير الآية رقم (5):

{قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)}
يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قَصّ عليه ما رأى من هذه الرؤيا، التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيما زائدًا، بحيث يخرون له ساجدين إجلالا وإكراما واحتراما فخشي يعقوب، عليه السلام، أن يحدث بهذا المنام أحدا من إخوته فيحسدوه على ذلك، فيبغوا له الغوائل، حسدا منهم له؛ ولهذا قال له: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} أي: يحتالوا لك حيلةً يُرْدُونَك فيها. ولهذا ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا رأى أحدكم ما يحب فليحدث به، وإذا رأى ما يكره فليتحوَّل إلى جنبه الآخر وليتفل عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من شرها، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره».
وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد، وبعض أهل السنن، من رواية معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا على رجل طائر ما لم تُعَبر، فإذا عُبرت وقعت» ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر، كما ورد في حديث: «استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود».

.تفسير الآية رقم (6):

{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)}
يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لولده يوسف: إنه كما اختارك ربك، وأراك هذه الكواكب مع الشمس والقمر ساجدة لك، {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي: يختارك ويصطفيك لنبوته، {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} قال مجاهد وغير واحد: يعني تعبير الرؤيا.
{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} أي: بإرسالك والإيحاء إليك؛ ولهذا قال: {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ} وهو الخليل، {وَإِسْحَاقَ} ولده، وهو الذبيح في قول، وليس بالرجيح، {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي: هو أعلم حيث يجعل رسالاته، كما قال في الآية الأخرى.

.تفسير الآيات (7- 10):

{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)}
يقول تعالى: لقد كان في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات، أي عبرةٌ ومواعظُ للسائلين عن ذلك، المستخبرين عنه، فإنه خبر عجيب، يستحق أن يستخبر عنه، {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} أي: حلفوا فيما يظنون: والله ليوسف وأخوه- يعنون بنيامين، وكان شقيقه لأمه- {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي: جماعة، فكيف أحب ذينك الاثنين أكثر من الجماعة؛ {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} يعنون في تقديمهما علينا، ومحبته إياهما أكثر منا.
واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر هذا السياق يدل على خلاف ذلك، ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر. ويحتاج مُدّعي ذلك إلى دليل، ولم يذكروا سوَى قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ} [البقرة: 136]، وهذا فيه احتمال؛ لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم: الأسباط، كما يقال للعرب: قبائل، وللعجم: شعوب؛ يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل، فذكرهم إجمالا لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف، ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم، والله أعلم.
{اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} يقولون: هذا الذي يزاحمكم في محبة أبيكم لكم، أعدموه من وجه أبيكم، ليخلو لكم وحدكم، إما بأن تقتلوه، أو تلقوه في أرض من الأراضي- تستريحوا منه، وتختلوا أنتم بأبيكم، وتكونوا من بعد إعدامه قوما صالحين. فأضمروا التوبة قبل الذنب.
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ} قال قتادة، ومحمد بن إسحاق: كان أكبرهم واسمه روبيل.
وقال السدي: الذي قال ذلك يهوذا.
وقال مجاهد: هو شمعون {لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ} أي: لا تَصِلوا في عداوته وبغضه إلى قتله، ولم يكن لهم سبيلٌ إلى قتله؛ لأن الله تعالى كان يريد منه أمرًا لابد من إمضائه وإتمامه، من الإيحاء إليه بالنبوة، ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها، فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب، وهو أسفله.
قال قتادة: وهي بئر بيت المقدس.
{يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي: المارة من المسافرين، فتستريحوا بهذا، ولا حاجة إلى قتله.
{إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} أي: إن كنتم عازمين على ما تقولون.
قال محمد بن إسحاق بن يسار: لقد اجتمعوا على أمر عظيم، من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير الضَّرَع الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل، وخطره عند الله، مع حق الوالد على ولده، ليفرقوا بينه وبين ابنه وحبيبه، على كبر سنه، ورِقَّة عظمه، مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلا صغيرا، وبين أبيه على ضعف قوته وصغر سنه، وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه، يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين، فقد احتملوا أمرا عظيما.
رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل، عنه.

.تفسير الآيات (11- 12):

{قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)}
لما تواطئوا على أخذه وطَرْحه في البئر، كما أشار عليهم أخوهم الكبير رُوبيل، جاءوا أباهم يعقوب، عليه السلام، فقالوا: {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} وهذه توطئة وسلف ودعوى، وهم يريدون خلاف ذلك؛ لما له في قلوبهم من الحسد لحب أبيه له، {أَرْسِلْهُ مَعَنَا} أي: ابعثه معنا، {غَدًا نَرْتَعْ وَنَلْعَبْ} وقرأ بعضهم بالياء {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ}
قال ابن عباس: يسعى وينشط.
وكذا قال قتادة، والضحاك والُّسدِّي، وغيرهم.
{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} يقولون: ونحن نحفظه ونحوطه من أجلك.

.تفسير الآيات (13- 14):

{قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)}
يقول تعالى مخبرا عن نبيه يعقوب أنه قال لبنيه في جواب ما سألوا من إرسال يوسف معهم إلى الرعي في الصحراء: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} أي: يشق علي مفارقتُهُ مدة ذهابكم به إلى أن يرجع، وذلك لفَرْط محبته له، لما يتوسم فيه من الخير العظيم، وشمائل النبوة والكمال في الخُلُق والخلق، صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} يقول: وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورَعْيتكم فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم لا تشعرون، فأخذوا من فمه هذه الكلمة، وجعلوها عذرهم فيما فعلوه، وقالوا مجيبين عنها في الساعة الراهنة: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ} يقولون: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا، ونحن جماعة، إنا إذًا لهالكون عاجزون.

.تفسير الآية رقم (15):

{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15)}
يقول تعالى: فلما ذهب به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك، {وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} هذا فيه تعظيم لما فعلوه أنهم اتفقوا كلهم على إلقائه في أسفل ذلك الجب، وقد أخذوه من عند أبيه فيما يُظهرونه له إكراما له، وبسطا وشرحًا لصدره، وإدخالا للسرور عليه، فيقال: إن يعقوب عليه السلام، لما بعثه معهم ضمه إليه، وقَبَّله ودعا له.
وقال السدي وغيره: إنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الأذى له، إلا أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه، ثم شرعوا يؤذونه بالقول، من شتم ونحوه، والفعل من ضَرْب ونحوه، ثم جاءوا به إلى ذلك الجب الذي اتفقوا على رميه فيه فربطوه بحبل ودلوه فيه، فجعل إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه وشَتمه، وإذا تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه، ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة، فسقط في الماء فغمره، فصعد إلى صخرة تكون في وسطه، يقال لها: الراغوفة فقام فوقها.
قال الله تعال: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} يقول تعالى ذاكرًا لطفه ورحمته وعائدته وإنزاله اليسر في حال العسر: إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق، تطييبًا لقلبه، وتثبيتًا له: إنك لا تحزن مما أنت فيه، فإن لك من ذلك فرجًا ومخرجًا حسنًا، وسينصرك الله عليهم، ويعليك ويرفع درجتك، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع.
وقوله: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}- قال مجاهد وقتادة: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} بإيحاء الله إليه.
وقال ابن عباس: ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك، وهم لا يعرفونك، ولا يستشعرون بك، كما قال ابن جرير:
حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا صدقة بن عُبادة الأسدي، عن أبيه، سمعت ابن عباس يقول: لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون، قال: جيء بالصّواع، فوضعه على يده، ثم نقره فطن، فقال: إنه ليخبرني هذا الجام: أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف، يدنيه دونكم، وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب- قال: ثم نقره فطنّ- فأتيتم أباكم فقلتم: إن الذئب أكله، وجئتم على قميصه بدم كَذب- قال: فقال بعضهم لبعض: إن هذا الجام ليخبره بخبركم. قال ابن عباس، رضي الله عنهما: لا نرى هذه الآية نزلت إلا فيهم: {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}.