فصل: سورة لقمان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.سورة لقمان:

وهي مكية.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 5):

{الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}.
تقدم في أول سورة البقرة عامة الكلام على ما يتعلق بصدر هذه السورة، وهو أنه تعالى جعل هذا القرآن هدى وشفاء ورحمة للمحسنين، وهم الذين أحسنوا العمل في اتباع الشريعة، فأقاموا الصلاة المفروضة بحدودها وأوقاتها، وما يتبعها من نوافل راتبة وغير راتبة، وآتوا الزكاة المفروضة عليهم إلى مستحقيها، ووصلوا قراباتهم وأرحامهم، وأيقنوا بالجزاء في الدار الآخرة، فرغبوا إلى الله في ثواب ذلك، لم يراؤوا به ولا أرادوا جزاءً من الناس ولا شكورا، فَمَنْ فعل ذلك كذلك فهو من الذين قال الله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} أي: على بصيرة وبينة ومنهج واضح وجلي، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي: في الدنيا والآخرة.

.تفسير الآيات (6- 7):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)}.
لما ذكر تعالى حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه، كما قال الله تعالى: {اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23]، عطف بذكر حال الأشقياء، الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قال: هو- والله- الغناء.
قال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يزيد بن يونس، عن أبي صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء البكري، أنه سمع عبد الله بن مسعود- وهو يسأل عن هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}- فقال عبد الله: الغناء، والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.
حدثنا عمرو بن علي، حدثنا صفوان بن عيسى، أخبرنا حُمَيْد الخراط، عن عمار، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء: أنه سأل ابن مسعود عن قول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قال: الغناء.
وكذا قال ابن عباس، وجابر، وعِكْرِمة، وسعيد بن جُبَيْر، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وعلي بن بَذيمة.
وقال الحسن البصري: أنزلت هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} في الغناء والمزامير.
وقال قتادة: قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}: والله لعله لا ينفق فيه مالا ولكنْ شراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضلالة أن يختارَ حديثَ الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع.
وقيل: عنى بقوله: {يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}: اشتراء المغنيات من الجواري.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحْمَسي: حدثنا وَكِيع، عن خَلاد الصفار، عن عُبَيْد الله بن زَحْر، عن علي بن يزيد، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن، وأكل أثمانهن حرام، وفيهن أنزل الله عز وجل عَلَيّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}».
وهكذا رواه الترمذي وابن جرير، من حديث عُبَيد الله بن زحر بنحوه، ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب. وضَعُفَ علي بن يزيد المذكور.
قلت: علي، وشيخه، والراوي عنه، كلهم ضعفاء. والله أعلم.
وقال الضحاك في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} يعني: الشرك. وبه قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ واختار ابن جرير أنه كل كلام يصد عن آيات الله واتباع سبيله.
وقوله: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي: إنما يصنع هذا للتخالف للإسلام وأهله.
وعلى قراءة فتح الياء، تكون اللام لام العاقبة، أو تعليلا للأمر القدري، أي: قُيضوا لذلك ليكونوا كذلك.
وقوله: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} قال مجاهد: ويتخذ سبيل الله هزوا، يستهزئ بها.
وقال قتادة: يعني: ويتخذ آيات الله هزوا. وقول مجاهد أولى.
وقوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} أي: كما استهانوا بآيات الله وسبيله، أهينوا يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر.
ثم قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} أي: هذا المقبل على اللهو واللعب والطرب، إذا تليت عليه الآيات القرآنية، ولى عنها وأعرض وأدبر وتَصَامّ وما به من صَمَم، كأنه ما يسمعها؛ لأنه يتأذى بسماعها، إذ لا انتفاع له بها، ولا أرَبَ له فيها، {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي: يوم القيامة يؤلمه، كما تألم بسماع كتاب الله وآياته.

.تفسير الآيات (8- 9):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}.
هذا ذكر مآل الأبرار من السعداء في الدار الآخرة، الذين آمنوا بالله وصَدّقوا المرسلين، وعملوا الأعمال الصالحة المتابعة لشريعة الله {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} أي: يتنعمون فيها بأنواع الملاذ والمسارّ، من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والمراكب والنساء، والنضرة والسماع الذي لم يخطر ببال أحد، وهم في ذلك مقيمون دائما فيها، لا يظعنون، ولا يبغون عنها حولا.
وقوله: {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} أي: هذا كائن لا محالة؛ لأنه من وعد الله، والله لا يخلف الميعاد؛ لأنه الكريم المنان، الفعال لما يشاء، القادر على كل شيء، {وَهُوَ الْعَزِيزُ}، الذي قد قهر كل شيء، ودان له كل شيء، {الْحَكِيمُ}، في أقواله وأفعاله، الذي جعل القرآن هدى للمؤمنين {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44]، {وَنُنزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الإسراء: 82].

.تفسير الآيات (10- 11):

{خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (11)}.
يبين سبحانه بهذا قدرته العظيمة على خلق السموات والأرض، وما فيهما وما بينهما، فقال: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ}، قال الحسن وقتادة: ليس لها عَمَد مرئية ولا غير مرئية.
وقال ابن عباس، وَعكْرِمة، ومجاهد: لها عمد لا ترونها. وقد تقدم تقرير هذه المسألة في أول سورة الرعد بما أغنى عن إعادته.
{وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ} يعني: الجبال أرست الأرض وثقلتها لئلا تضطرب بأهلها على وجه الماء؛ ولهذا قال: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي: لئلا تميد بكم.
وقوله: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} أي: وذرأ فيها من أصناف الحيوانات مما لا يعلم عدد أشكالها وألوانها إلا الذي خلقها.
ولما قرر أنه الخالق نبه على أنه الرازق بقوله تعالى {وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي: من كل زوج من النبات كريم، أي: حسن المنظر.
وقال الشعبي: والناس- أيضًا- من نبات الأرض، فَمَنْ دخل الجنة فهو كريم، ومَنْ دخل النار فهو لئيم.
وقوله: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} أي: هذا الذي ذكره تعالى من خلق السموات، والأرض وما بينهما، صادر عن فعل الله وخلقه وتقديره، وحده لا شريك له في ذلك؛ ولهذا قال: {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أي: مما تعبدون وتدعون من الأصنام والأنداد، {بَلِ الظَّالِمُونَ} يعني: المشركين بالله العابدين معه غيره {فِي ضَلالٍ} أي: جهل وعمى، {مُبِينٍ} أي: واضح ظاهر لا خفاء به.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)}.
اختلف السلف في لقمان، عليه السلام: هل كان نبيًا، أو عبدًا صالحا من غير نبوة؟ على قولين، الأكثرون على الثاني.
وقال سفيان الثوري، عن الأشعث، عن عِكْرِمَة، عن ابن عباس قال: كان لقمان عبدًا حبشيًا نجارًا.
وقال قتادة، عن عبد الله بن الزبير، قلت لجابر بن عبد الله: ما انتهى إليكم من شأن لقمان؟ قال: كان قصيرًا أفطس من النوبة.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب قال: كان لقمان من سودان مصر، ذا مشافر، أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة.
وقال الأوزاعي: رحمه الله، حدثني عبد الرحمن بن حَرْمَلة قال: جاء رجل أسود إلى سعيد بن المسيب يسأله، فقال له سعيد بن المسيب: لا تحزن من أجل أنك أسود، فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان: بلال، ومهْجَع مولى عمر بن الخطاب، ولقمان الحكيم، كان أسود نوبيًا ذا مشافر.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا أبي، عن أبي الأشهب، عن خالد الرَّبَعِيّ قال: كان لقمان عبدًا حبشيا نجارا، فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة. فذبحها، فقال: أخْرجْ أطيب مُضغتين فيها. فأخرج اللسان والقلب، فمكث ما شاء الله ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة. فذبحها، فقال: أخرج أخبث مضغتين فيها. فأخرج اللسان والقلب، فقال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما. فقال لقمان: إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خَبُثا.
وقال شعبة، عن الحكم، عن مجاهد: كان لقمان عبدًا صالحًا، ولم يكن نبيا.
وقال الأعمش: قال مجاهد: كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتين، مشقق القدمين.
وقال حَكَّام بن سَلْم، عن سعيد الزبيدي، عن مجاهد: كان لقمان الحكيم عبدا حبشيا غليظ الشفتين، مُصَفح القدمين، قاضيا على بني إسرائيل.
وذكر غيره: أنه كان قاضيا على بني إسرائيل في زمن داود، عليه السلام.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حُمَيد، حدثنا الحكم، حدثنا عمرو بن قيس قال: كان لقمان، عليه السلام، عبدًا أسود غليظ الشفتين، مُصَفَّح القدمين، فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدثهم، فقال له: ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا، قال: نعم. فقال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد عن جابر قال: إن الله رفع لقمان الحكيم بحكمته، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك، فقال له: ألست عبد بني فلان الذي كنت ترعى بالأمس؟ قال: بلى. قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: قَدَرُ الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وتركي ما لا يعنيني.
فهذه الآثار منها ما هو مُصرَّح فيه بنفي كونه نبيا، ومنها ما هو مشعر بذلك؛ لأن كونه عبدًا قد مَسَّه الرق ينافي كونه نبيا؛ لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها؛ ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبيا، وإنما ينقل كونه نبيا عن عكرمة- إن صح السند إليه، فإنه رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث وَكِيع عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة فقال: كان لقمان نبيًا. وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، والله أعلم.
وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عبد الله بن عياش القتْبَاني، عن عُمَر مولى غُفرَة قال: وقف رجل على لقمان الحكيم فقال: أنت لقمان، أنت عبد بني الحسحاس؟ قال: نعم. قال: أنت راعي الغنم؟ قال: نعم. قال: أنت الأسود؟ قال: أما سوادي فظاهر، فما الذي يعجبك من أمري؟ قال: وَطءْ الناس بسَاطك، وغَشْيُهم بابك، ورضاهم بقولك. قال: يا بن أخي إن صَغَيتَ إلى ما أقول لك كنت كذلك. قال لقمان: غضي بصري، وكفي لساني، وعفة طعمتي، وحفظي فرجي، وقولي بصدق، ووفائي بعهدي، وتكرمتي ضيفي، وحفظي جاري، وتركي ما لا يعنيني، فذاك الذي صيرني إلى ما ترى.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن نُفَيل، حدثنا عمرو بن واقد، عن عَبْدَةَ بن رَبَاح، عن ربيعة، عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، أنه قال يومًا- وذُكرَ لقمان الحكيم- فقال: ما أوتي ما أوتي عن أهل ولا مال، ولا حسب ولا خصال، ولكنه كان رجلا صَمْصَامة سكيتا، طويل التفكر، عميق النظر، لم ينم نهارًا قط، ولم يره أحد قط يبزق ولا يتنخَّع، ولا يبول ولا يتغوط، ولا يغتسل، ولا يعبث ولا يضحك، وكان لا يعيد منطقًا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحد، وكان قد تزوج وولد له أولاد، فماتوا فلم يبك عليهم. وكان يغشى السلطان، ويأتي الحكام، لينظر ويتفكر ويعتبر، فبذلك أوتي ما أوتي.
وقد ورد أثر غريب عن قتادة، رواه ابن أبي حاتم، فقال:
حدثنا أبي، حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة قال: خَيّر الله لقمان الحكيم بين النبوة والحكمة، فاختار الحكمة على النبوة. قال: فأتاه جبريل وهو نائم فَذرَّ عليه الحكمة- أو: رش عليه الحكمة- قال: فأصبح ينطق بها.
قال سعيد: فسمعت عن قتادة يقول: قيل للقمان: كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خَيَّرك ربك؟ فقال: إنه لو أرسل إليَّ بالنبوة عَزْمَة لرجوت فيه الفوز منه، ولكنت أرجو أن أقوم بها، ولكنه خَيّرني فخفت أن أضعف عن النبوة، فكانت الحكمة أحب إليَّ.
فهذا من رواية سعيد بن بشير، وفيه ضعف قد تكلموا فيه بسببه، فالله أعلم.
والذي رواه سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} أي: الفقه في الإسلام، ولم يكن نبيًا، ولم يوح إليه.
وقوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} أي: الفهم والعلم والتعبير، {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} أي: أمرناه أن يشكر الله، عز وجل، على ما أتاه الله ومنحه ووهبه من الفضل، الذي خصَّه به عمن سواه من أبناء جنسه وأهل زمانه.
ثم قال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي: إنما يعود نفع ذلك وثوابه على الشاكرين لقوله تعالى: {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم: 44].
وقوله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} أي: غني عن العباد، لا يتضرر بذلك، ولو كفر أهل الأرض كلهم جميعًا، فإنه الغني عمن سواه؛ فلا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه.