فصل: تفسير الآيات (162- 163):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (159):

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}
لنت لهم: ترفّقت بهم. الفظ: الشرس الأخلاق، الجافي العشرة. القلب الغليظ: القاسي الذي لا يتأثر باللطف والرقة. انفض: تفرق: المشاورة: أخذ آراء الذين حولك من العقلاء وذوي الرأي. التوكل: تفويض الأمر إلى الله، للثقة بحسن تدبيره، مع أخذ الأهبة واستكمال العدة.
بعد أن أرشد الله المؤمنين من الآيات المتقدمة إلى ما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، اتجه في الخطاب هنا إلى الرسول الكريم بهذا التعبير الدقيق اللبق، والمدح العظيم. فهو يريد ان يلطّف الجو بعد معركة أحد، ويخفف مما في نفس الرسول على القوةم الذين كنوا سبباً في تلك النكبة.
ويتوجه سبحانه إلى الرسول بهذه الآية والتي بعدها يطيّب قبله، والى المسلمين يشعرهم بنعمة الله عليهم به، ويذكّرهم رحمة الله الممثلة في خُلقه الكريم.
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ المتوكلين} من رحمة الله عليك ان عاملتَ أصحابك بعد رجوعهم باللين والرفق، وهذا شيء خصّك الله به، فقد حباك بآداب القرآن العالية وحِكمه السامية، فهانت عليك المصائب. هذا مع انَّ كثيرا من أصحابك قد استحقوا اللوم والتعنيف، اذ تركوك وقت اشتداد الهول فيما الحرب قائمة على أشدها.
{وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} ولو كنت يا محمد رجلاً خشناً جافيا في معاملتهم لتفرقوا عنك، ونفرت قلوبهم منك، فلم تتم هدايتُهم وارشادهم إلى الصراط المستقيم.
هكذا يجب ان تكون أخلاق الزعيم والقائد الحاكم، فان الناس في حاجة إلى رعاية فائقة وقلب رحيم، وحلِم لا يضيق بجهلهم وأخطائهم، لا إلى حاكم، فان الناس في حاجة إلى رعاية فائقة وقلب رحيم، وحِلم لا يضيق بجهلهم وأخطائهم، لا إلى حاكم متعالٍ يتطاول بالغطرسة وادّعاء العظمة في غير حق. وما أرحمَ ما كان قلب الرسول الكريم، وما أجمل ما كانت سيرته مع الناس: ما غضِب لنفسه قط، ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، بل وَسِعَهم حلمُه وبره وعطفه. وسيرته طافحة بذلك.
{فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر} ما أحلى هذا الكلام وما أرقّة وأعطفه! وما أعظم قوله سبحانه: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر}، فهو نص قاطع في تقرير مبدأ الشورى في الحكم الإسلامي، لا الاستئثار بالسلطة الفردية المتحكمة. وانه لمبدأ عظيم هذا الذي يقرره القرآن بصدد ذلك، وهو المعمول به اليوم عند الأمم الراقية التي سقتنا. اما نحن فقد تأخرنا لأننا أردنا لهذه التعاليم الحكيمة الراشدة، واتّبعنا مبدأ التسلُّط والقهر. واتخذنا اسم (الرعيّة) وكأنه من الرعي للسائمة لا من الرعاية للبشَر.
فاذا عقدت عزمك يا محمد على أمر بعد المشاورة، فامض فيه متوكلاً على الله، ان الله يحب الواثقين به، فينصرهم ويرشدهم إلى ماهو خير لهم.
اذنْ فالتوكل يجب ان يكون مقروناً بالسعي والعزم والعمل لا نابعاً من التقصير ورغبة في التخلص من العناء، وإلا فهو تواكلُلٌ يمقُتُه الله.
في الحديث المعروف الذي رواه الترمذي والبهيقي وأبو نعيم وابن أبي الدنيا وابن حبّان. «قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أعقلُ ناقتي وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ فقال له الرسول الكريم: عقِلها وتوكل».
وقد سار هذا الحديث مثلاً.

.تفسير الآية رقم (160):

{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}
اذا اراد الله نصركم كما حدث يوم بدر، حين عملتم بإرشادات الرسول وثبتُّم في مواقفكم، كما اتكلتم على توفيق الله ومعونته فلن يغلبكم أحد. وإن يُرد خذلانكم ويحرمكم معونته، لعدم اتخاذككم أسباب النصر أو لشيء من التنازع وعصيان القائد فيما أمركم به (كما جرى يوم أحد) فلا ناصر لكم سواه. وعلى الله وحده يجب ان يعتمد المؤمنون.

.تفسير الآية رقم (161):

{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)}
الغل: الأخذ خِفية كالسرقة، يقال غلّ فلان الغنيمة يغُل غلولاً، وأغل إغلالا خان فيها، وأخذ شيئا منها خفية. تُوفّى: تعطى.
روي «ان هذه الآية نزلت يوم أحد عندما ترك الرماة موقعهم على الجبال طلباً للغنيمة، إذ قالوا: نخشى أن يقول النبي: مَن أخذ شيئاً فهو له، وان لا يقسم الغنائم كما قسمها يوم بدر. فقال لهم الرسول: ألم أعهد اليكم الا تتركوا موضعكم حتى يأتيكم أمري؟ فأجابوا: تركنا بقية اخواننا وقوفا. فقال لهم: بل ظننتم أنا نغلّ ولا نقسم».
وكان بعض المنافقين قد اشاعوا ان الغنائم يوم بدر قد اختفت، واتهموا الرسول الكريم انه اخفاها. فكذّبهم الله. والمعنى هنا:
لا يجوز لنبي ان يخون في الغنائم، لأن النبوة أساسها الأمامنة. وفي هذا نفي الخيانة عن جميع الأنبياء. لقد عصمهم الله من الغلول والخيانة لأن النبوة أعلى المناصب الانسانية، فصحابُها معصوم عن كل ما فيه دناءة وخسة. اما الناس فقد يقع منهم ذلك، فمن فعله أتى بما غل به يوم القيامة، ليفتضَح فيه أمره ويزيد به عذابه.
{ثُمَّ توفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} يومذاك تعطى كل نفس جزاء ما علمت وافيا تاما، لا تلقى ظلماً بقصان في الثواب أو زيادة في العقاب.
روى عبدالله بن احمد عن عبادة بن الصامت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اياكم والغُلول، فان الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أَدُّوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله القريب البعيد، في الحاضر والسفر، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة. إنه لَينجي الله تبارك وتعالى به من الهم والغم. وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذْكم في الله لومةُ لائم».
وهناك أحاديث كثرة في هذا الموضوع.
وقد علمتْ هذه الآية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة عملها في تربية السلف الصالح من المسلمين حتى أتوا بالعجب العجاب:
حُملتع الغنائم إلى عمر بن الخطاب بعد القادسية، وفيها تاج كسرى وإيوانه لا يقوَّمان بثمن فنظرَ رضي الله عنه إلى ما أدَّاه الجندُ في غبطة وقال: «ان قوماً أدوا هذا لأمِيرهم لأمناء».

.قراءات:

قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب: {ان يُغَل} على البناء للمفعول، والمعنى على هذه القراءة ما صح لنبي أن ينسب إلى الغلول أو يخونه أحد، أما عند قراءاتها {يغُل} بفتح الياء وضم الغين فالمعنى المقصود ان يخون في الغنائم.

.تفسير الآيات (162- 163):

{أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}
باء: رجع. مأواه: منزله.
أردف الله تعالى بهذه الآية ليبين أن جزاء المطيعين ليس جزاء المسيئين: أفمن اتقى وسعى في تحصيل رضا الله بالعمل الطيب والطاعة التامة مثلُ الذي باء بغضب عظيم من الله بسبب عصيانه وغلوله وخيانته!! كلا، ان منزل العاصي الذي غلّ وخان هو جهنم، وساءت منقلبا.
والحق ان كلاً ممن اتبع رضوان الله ومن باء بغضب من الله طبقات مختلفة ومنازل متفاوتة، حسب الأعمال الحسنة أو السيئة. ولا يعلم هذه الدرجات الا من أحاط بكل شيء علما، لأه جلّ جلاله هو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

.تفسير الآية رقم (164):

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}
يزكيهم: يطهرهم. الكتاب: القرآن. الحكمة: السنَّة، والمعرفة بجميع أنواعها.
لقد مرّ نظير الآية في سورة البقرة، الآية129.
بعد أن نفى الله الغلول والخيانة عن النبي الكريم على أبلغ وجه أكد بذلك بهذه الآية فأبان نه قد تفضل على المؤمنين بأن يبعث فيهم رسولا منهم، وُلد في بلدهم فعرفوه حق المعرفة ولم يروا فيه طوال حياته الا الصدق والأمانة حتى فاز بلقب محمد الأمين. وقد جاء هذا الرسول يتلو عليهم آيات الله الدالة على القدرة والوحدانية، ويوجه النفوس إلى الاستفادة منها والاعتبار بها.
ها كما جاء محمد ليزكّيهم، أي يطهّرهم من العقائد الزائفة، ويطهر بيوتهم وأعرضهم ومجتمعهم من دنس الجاهلية وشِركها. كذلك جاء يعلّمهم القرآن والكتابة والقراءاة بعد أن كانوا أُميّين ضالين.
وعلى أية حال، فقد تضمنت هذه الآية الأمور التالية:
01 ان الرسول احسان من الله إلى الخلق، لأن الرسول ينقلهم من الجهل إلى العلم، ومن المذلَة إلى الكرامة، ومن معصية الله وعقابه إلى عطاعته وثوابه.
02 ان هذا الاحسان قد تضاعف على العرب بالخصوص لأن محمداً (صلى الله عليه وسلم) منهم، يباهون به جميع الأمم.
03 انه يتلو عليهم آيات الله الدالة على وحدانيته، وقدرته وعلمه وحمكته.
04 انه يطهّرهم من أرجاس الشرك والوثنية، ومن الاساطير والخرافات والتقاليد الضارة، والعادات القبيحة.
05 يعلّمهم الكتاب أي القرآن الذي جَمَعَ كلمتهم، وحفظ لغتهم، وحثّهم على العلم ومكارم الأخلاق، ويعلمهم الرسول أيضاً الحكمة، وهي وضع الأشياء في مواضعها، وقيل: إن المراد بها هنا الفقه..
يقول جعفر بن أبي طالب الصاحبي الجليل مخاطباً النجاشي عندما لجأ اليه المسلمون في أول بدء الدعوة: (أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف، حتى بعث الله الينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه. فدعانا إلى الله وحده لنوحّده، ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرَرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصِلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل ما اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا ان نعبد الله ولا نشرك به شيئاً وأمرَنا بالصلاة والزكاة والصيام).

.تفسير الآية رقم (165):

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)}
لا ينبغي ان تعجبوا وتجزعوا مما حل بكم يوم أُحُد من ظهور المشركين عليكم، وقتْل سبعين رجلاً منكم، فلقد أصبتم منهم مِثْلَيْها يوم بدر بقتل سبعين رجلاً منهم وأسر سبعين آخرين. اذن كان نصركم في بدر ضِعف انتصار المشركين في أحد.
وقد كان سبب تعجبهم ان بعضهم قال: نحن ننصر دين الله وفينا رسوله، وهم ينصرون الشرك بالله، ومع ذلك يُنصرون علينا؟ فرد الله عليهم بهذه الآية بقوله: {قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا}، و{قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} أي أن الذي أصابكم انما هو من عند أنفسكم: لقد خالفتم الرسول في أمور كثيرة، فقد كان من رأيه البقاء في المدينة ومحاربة المشركين فيها إذا هاجموا، لكنكم تحمستم وأردتم الخروج للقاء العدو. ثم إنكم تنازعتم الرأي فيما بينكم. ثم كانت الطامة الكبرى بمخالفة الرماة منكم أمر الرسول ونزولهم عن الجبل.. كل هذه المخالفات أدّت إلى الهزيمة. والله قادر على كل شيء، ومن مقتضى قدرته ان تنفُذ سُنَنُه، وأن تمضي الأمور وفق حكمة وارادته، وألا تتعطل سُنّته التي أقام عليها الكون والحياة.

.تفسير الآية رقم (166):

{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)}
وكل ما أصابكم أيها المؤمنون يوم التقى جمعُكم وجمع المشركين في أحد إنما وقع بإذن الله وارادته، وليُظهر للناس ما عَمِله من أيمان المؤمنين حقا. إن هزيمتكم لم تقع مصادفة ولا عبثاً ولا سدى، فكل حركة محسوبٌ حسابها في تصميم هذه الكون، هي في مجموعها تجري وفق السنن والقوانين الثابتة التي فرضها الله لحكمةٍ مدبَّرة يجري كل شيء في نطاقها.

.تفسير الآية رقم (167):

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)}
وكما يُظهر اللهُ حال المؤمنين من قوة الايمان وضعفه، واستفادتهم من المصائب حتى لا يعودوا إلى أسبابها، يُظهر حال المنافقين (من أمثال عبد الله بن أبي سلول) ويفضح موقفهم يوم أُحد. وقد كشفهم الله على حقيقتهم يومذاك، إذا انصرفوا ورجعوا إلى المدينة. وتبعهم أبو جابر السلمي من الصحابة يناديهم وقول لهم: تعالوا قاتِلوا في سبيل الله. فأجابوه: لو نعلم انكم ستلقون قتالاً في خروجكم لذهبنا معكم. لقد كانوا غير صادقين في ذلك، بل إنهم في مقالتهم هذه أقرب إلى الكفر منهم إلى الايمان. وما كان اعتذارهم الا على وجه الخديعة والاستهزاء، يقولون بأفواههم (ليس هناك حرب) مع أنهم يعتقدون في قلوبهم أنها واقعة. ومع ذلك فقد أصروا على الارتداد.
ثم أكد الله كفرهم ونفاقهم بقوله: {والله أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} من الكفر والكيد للمسلمين وتربُّص الدوائر بهم. ثم مضى يكشف بقية موقفهم في محاولة خلخلة الصفوف والنفوس.