فصل: تفسير الآيات (17- 20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.سورة الفرقان:

.تفسير الآيات (1- 6):

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)}
تبارك: عظمت بركته، والبركة كثرة الخير لعباده بإنعامه عليهم. الفرقان: القرآن، وسمي الفرقان لانه فرق بين الحق والباطل. على عبده: على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. الافك: الكذب. افتراه: اختلقه. فقد جاؤا ظلما: قالوا باطلا. زورا: كذبا. أساطير الاولين: خرافات الأمم السابقة. اكتتبها: نقلها غن غيره. تُملى عليه: تلقى عليه ليحفظها. بُكرةً وأصيلاً: صباحا ومساء.
تعالى الله عما سواه، صاحب البركة العظيمة، نزّل القرآنَ الذي يَفْرُق بين الحق والباطل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، لينذرَ به الناس جميعا، ويبلّغه للعالم كله، ليجعلوه منهاج حياتهم في جميع امورهم.
ثم وصف نفسه بأربع صفات انفرد بها فقال:
1- الذي له مُلكُ السمواتِ والأرض: له السلطانُ القاهر عليهما، وهو وحدَه المالك المتصرف في هذا الكون، وله السيطرة المطلقة فيه.
2- ولم يتّخذ ولداً، وهو منزَّه عن اتخاذ الولد، والتناسلُ من نواميس الخلق لامتداد الحياة، والله تعالى باقٍ لا يفنى، قادر لا يحتاج.
3- ولم يكن له شريكٌ في المُلك، والدليل على ذلك وَحدة هذا الكوْن، ووحدة نظامه ووحدة التصريف، ولو كان له شريكٌ لاختلّ النظام وتعدد.
4- وخلقَ كل شيء فقدّره تقديرا، وهذه هي الصفةُ الرابعة التي انفرد بها سبحانه. فقد خلق كل شيء في هذا الوجود وقدَّره تقديراً دقيقا منظَّما بنواميس تكفل له أداء مهمته بنظام. وقد أثبت العلمُ الحديث ان كل الموجودات تسير بحكم تكوينها وما يجري عليها من تطورات مختلفة وَفْقَ نظامٍ دقيق ثابت لا يقدِر عليه الا خالق قدير مبدع. ويُظهر تقدُّمُ العلم للناس إعجاز القرآن الكريم ومعنى قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}.
{واتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُوراً}
مع كل هذه الأدلة الظاهرة اتخذ المشركون أرباباً لهم ضِعافاً عاجزين، لا يقدِرون ان يخلقوا شيئاً، وهم مع ذلك مخلوقون، ولا يستطيعون ان يدفعوا عن انفسهم الضرر، ولا جلْبَ الخير لها. وكذلك لا يستطيعون إماتة أحدٍ ولا إحياءه، ولا بعثاً من القبور. فهل يستحق هؤلاء ان يُعبَدوا؟
{وَقَالَ الذين كفروا إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ....}
وزعم الجاحدون أن هذا القرآن ليس من عند الله، وان النبيّ عليه الصلاة والسلام جاء به من عنده ونَسَبه إلى الله، أعانه على وضعه جماعةٌ من أهل الكتاب ممن أسلموا، فردّ الله عليهم بقوله: {فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً}.
لقد كذبوا في مقالهم، وظلموا وزوّروا الحقيقة، ولو أنه من عند محمدٍ نفسه لاستطاع كثير من الفصحاء أن يأتوا بمثله!! وقد تحدّاهم أكثر من مرة أن يأتوا بسورةٍ من مثله فلم يستطيعوا.... ولا يزال التحدي قائما.
ثم أمعنوا في الكذِب والافتراء بأن قوماً آخرين أعانوه عليه كما قال تعالى: {وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}.
وقالوا ايضا: إن القرآن ليس إلا خرافاتِ الأولين الماضين نَقَلَها محمّد ان قُرئت عليه صباحاً ومساء حتى يحفظها ويقولها للناس.
فأجابهم الله بقوله: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السماوات والأرض إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}
قال لهم أيها النبي: إن هذا القرآن أنزله الله الذي يعلم الأسرارَ الخفية في السماوات والارض، الرحيمُ الغفور.

.تفسير الآيات (7- 16):

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)}
مسحورا: مغلوبا على عقله، مخدوعا. الأمثال: الأقاويل العجيبة. فضلّوا: فبقوا متحيرين في ضلالهم. أعتدنا: هيأنا. سعيرا: ناراَ شديدةاللهب، يعني جهنم. أذا رأتهم: إذا قربوا منها وكانت بمرأى منهم. سمعوا لها تَغيظاً: غلياناً وهيجانا عظيما. وزفيرا: وتنفسا شديدا. مقرّنين: مقيدين بالسلاسل. ثبورا: هلاكا.
سخِر المشركون من النبي الكريم، وقالوا: انه لا يتميز عنا بشيء، بل هو مثلُنا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، فهل الانبياء مثل البشر؟ لو كان رسولاً لأنزل الله معه مَلَكاً من السماء يساعده على الإنذار والتبليغ، أو يُنزّل الله عليه كنزاً يُنفِق منه، أو يكون له سبتان يأكل منه. ثم زادوا في تعنُّتِهِم فقال الجاحدون: إنكم تتبعون رَجلا سُحِرَ فاختلّ عقلُه فهو لا يعي ما يقول.
انظر ايها النبي كيف ضربوا لك الأمثال، وقالوا عنك إنك مخدوعٌ بما يتراءى لك. بذلك ضلّوا عن طريق الهدى، وصاروا حائرين لا يدرون ماذا يقولون.
ثم رد الله عليهم بما اقترحوه من الجَنّة والكنز فقال: {تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً....}.
تعالى الله وتزايد خيره، وهو قادرٌ على أن يجعل لك في الدنيا أحسنَ مما اقترحوا، جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ وقصوراً عاليات، لكنّه أراد ان يكون ذلك لك في الآخرة، والآخرةُ خير وأبقى.
ثم انتقلَ من ذلك إلى كلامهم في البعث وإنكار أمر الساعة وما ينتظرهم فقال: {بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً}.
ولقد أتَوا بأعجبَ من هذا كله، وهو تكذيبُهم بيوم القيامة. وهم يتعلّلون بهذه المطالب ليصرِفوا الناس إلى باطلهم، وقد أعدَدْنا لمن كذّب بيوم القيامة ناراً مستعرة شديدة الحرارة واللهب، إذا قربوا منها ورأتهم من مكان بعيد سَمِعوا غليانها وأصواتَ زفراتها التي تملؤهم بالرعب. واذا أُلقوا في مكانٍ ضَيّق منها مقرونةً أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل- نادَوا هنالك طالبي هلاكهم ليستريحوا من العذاب.
فيقال لهم توبيخاً: لا تطلبوا هلاكاً واحدا، بل اطلبوه مِرارا، فلن تجدوا خلاصاً مما أنتم فيه.
ثم يعرض في المقابل ما وعد الله المتقين لتزدادَ حسرةُ المكذبين وندامتهم: {قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد....}.
قل ايها النبي للكافرين: هل هذا العذابُ خير من جنة الخلد التي أعدّها الله للمتقين، ثواباً لهم يجدون فيها جزاء ما قدموه!؟

.قراءات:

قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر: {ويجعلُ لك قصورا} برفع لام {يجعل}. والباقون: {يجعلْ} بالجزم.

.تفسير الآيات (17- 20):

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}
ضلّ السبيل: خرج عن طريق الهدى. نسوا الذِكر: تركوا ما ذكِّروا به من القرآن وهدى النبي الكريم. بورا: هالكين. يقال رجل بور وأمرأة بور، وجماعة بور. فما تستطيعون صَرفا ولا نصرا: فلا تقدرون على رفع العذاب، ولا نصر أنفسكم. فتنة: ابتلاء واختبار.
بعد أن ذكر الله ما أعدّ للمكذّبين الجاحدين يوم القيامة من العذاب الأليم، وما أعدّ للمتقين من النعيم في جنات الخلد- بيّن هنا أحوال الكافرين مع من عبدوهم من دون الله، وأن هؤلاء المبعوداتِ تكذّبهم فيما نسبوه اليها. فيوم القيامة يحشُر الله المشركين مع من عبدوهم من دون الله مثل عيسى بن مريم وعُزير والملائكة فيسألهم ويقول لهم: أأنتم أضللتم عبادي فأمرتموهم أن يعبدوكم، أم هم الذين ضلّوا باختيارهم؟
فيقولون: سبحانك، ما كان يحقّ لنا ان نطلب من أحدٍ ان يتخذ إلهاً غيرك، لكن هؤلاء الذين أنعمتَ عليهم بالرزق الكثير (هم وآباؤهم) أطغاهم ذلك، ونسوا شكرك والتوجّه إليك وحدك، وبذلك كانوا قوماً خاسرين.
فيقال للمشركين الذين عبدوا غير الله: إن الذين عبدتموهم قد كذّبوكم، فاليوم لا تستطيعون دفع العذاب عن أنفسكم، ولا تجدون من ينصركم ويخلّصكم منه، ولْيعلمِ الناسُ جميعا ان من يَظْلِم بالكفر والطغيان- نعذبه عذابا شديدا.
ثم يّرد الله تعالى على الذين اعترضوا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بكونه بشَرا، وانهم يريدون ملائكة تأتي بالرسالة، فيقول: {وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِي الأسواق وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً}.
اذا كان المشركون لا يعجبهم ان تكون رسولاً لأنك تأكل الطعامَ وتمشي في الاسواق، فإن تلك سُنّةُ الله في المرسَلين من قبلك.... كلّهم كانوا رجالاً يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. كما قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى} [يوسف: 109].
{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}
وامتحنّا بعضَكم ببعض. وهذا صراعٌ طويل طويل منذ بدءِ العالم ولا يزال مسمر. اصبروا إنَّ الله مطّلع على كل شيء، ويجازي كلاً بما عمل. وهو البصير بحال الصابرين وحال الجازعين.

.قراءات:

قرأ ابن كثير ويعقوب وحفص: {ويوم يحشرهم} بالياء، والباقون: {يوم نحشرهم} بالنون. وقرأ ابن عامر: {فنقول} بالنون، والباقون: {فيقول} بالياء. وقرأ حفص: {فما تستطيعون} بالتاء، والباقون: {فما يستطيعون} بالياء.
اللهم اجعلنا من الصابرين على أذى السفهاء، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واعفُ عنا وارحمنا واثبتنا على الإيمان.

.تفسير الآيات (21- 29):

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)}
لا يرجون: لا يخافون ولا يتوقعون. واستكبروا في أنفسِهم: تكبروا، تمكن الكبر من نفوسهم. وعتَوا عتواً كبيرا: تمردوا، وتجاوزا حد كبيرا في الظلم. لا بشرى لهم: سوف يكون ذلك اليوم مصدر ازعاج لهم لا بشارة فيه. حِجراً محجورا: تعبير تقوله العرب عندما ينزل بهم مكروه، ومعناه نسأل الله ان يمنع ذلك منعا، ويحجره حجرا. وقدمنا إلى ما عملوا: ونأتي إلى ما عملوه. هباء منثورا: غبارا متفرقا لا قيمة له. خيرٌ مستقرا: افضل مكان يُستقر فيه. وأحسن مقيلا: وأحسن مكان للراحة والقيلولة.
وقال الذين ينكرون البعث، ولا يتوقّعون لقاءنا: لماذ لا تُنَزَّلُ علينا الملائكةُ فيخبرونا بأن محمداً صادقٌ فيما يدّعي؟ ولماذا لا نرى الله فيخبرنا بأنه أرسلك؟ لقد استكبروا ووضعوا أنفسَهم في مكانٍ لا يستحقونه، وتجاوزوا الحد في الظلم والطغيان.
ثم بين الله انهم سيَلْقَون الملائكة يوم القيامة، ولكن ذلك اليوم لن يسرَّهم ولن يكون لهم فيه بشارة، وسوف يقولون لهم: لا بشرى لكم اليوم. ويومئذٍ يقولون: {حِجْراً مَّحْجُوراً} حراماً محرَّماً، وهي جملة تقال اتقاءً للشر والأعداء، وذلك لا يعصمهم من العذاب.
{وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً}
ويوم القيامة نأتي إلى ما عملوه من الخير فنحرِمُهم ثوابه ونجعلُه كالغبار المتطاير في الهواء، لا قيمةَ له ولا وزن.
{أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً}
وفي المقابل ستكون منازلُ أهل الجنة في ذلك اليوم خيراً من منازل المشركين، فهي أحسن الأماكن للاستقرار الدائم، وأعظمها راحةً وسعادة.
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلاً....}
في ذلك اليوم يختلف كل نظام هذا العالم الذي نراه، فتنفرج السماءُ ويُحشر الناس جيمعا. وعند ذلك تنزل الملائكةُ، ويكون المُلك لله وحده، ويكون اليوم شديدا عسيراً على الجاحدين. يومئذ يتحقق الظالمون انهم كانوا على الباطل، فيعَضُّ الظالمُ منهم على يديه من الندم ويقول متمنيا: يا ليتني اتبعتُ الرسُل وآمنت بهم.
ثم ان ذلك الظالم يتحسّر ويأسف ويقول: يا ليتني لم أصادقْ ذلك الصاحبَ الذي أضلَّنين وأبعدني عن الخير، وعن ذكر الله بعد أن يسَّره الله لي. لقد خذلني الشيطان. ولكن هذا كله لن ينجيه من العذاب.