فصل: تفسير الآيات (192- 212):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (176- 191):

{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)}
الأيكة: الشجر الكثيف، وهي غَيضة قرب مَدْيَنَ في شمال الحجاز. المخسرِين: هم الذين يأخذون من الناس اكثر ما لهم. القسطاس: الميزان. لا تعثوا: لا تفسدوا. لا تبخسوا الناس أشياءهم: لا تنقصوا حقوق الناس. الجبلّة: الطبيعة والخلقة، يقال جُبل فلان على كذا: خُلق. كسفا: قطعا، جمع كسفة. الظلّة: السحابة التي جاءت بالعذاب.
تقدمت قصة شعيب في سورة الأعراف، وفي سورة هود. وكان اصحاب الأيكة يسكنون في غايةٍ قرب (مدين) أرسل الله اليهم شُعيباً فكذّبوه. ونصحهم وقال لهم: أوفوا الكيلَ وزِنوا للناس دون زيادة أو نقصان، ولا تنقصوا حقوق الناس، ولا تفسدوا في الأرض بقتل الناس وقطع الطرقات، اتقوا الله الذي خلقكم والذين من قبلكم. فقالوا له: أنت رجل مسحور مختلّ العقل، ولستَ الا بشراً مثلنا، ونحن نعتقد أنك كاذب، لم يرسلك الله إلينا. اسقطْ علينا قطعاً من السماء ان كنت من الصادقين! فقال لهم: إن رب عليم بما تَعملون من سيئات، وبما تستحقونه من العذاب. فكذّبوهن فأهلكهم الله بتسليط الحر الشديد، وأظلّتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأسقطها الله عليهم ناراً فاهلكتهم جميعا، في يوم شديد الهول. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.
انتهى قصص الانبياء.... ويلاحَظ انه لم يأت القصص حسب التواريخ والاقدمية، وقد جاء اكثرها مختصرا حسب سياق السورة. والمقصود بذلك كله هو الانذارُ والتذكير، وتسلية الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.

.قراءات:

قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: {اصحاب ليكة} بدون الف. والباقون: {الأيكة}.

.تفسير الآيات (192- 212):

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)}
الروح الأمين: جبريل عليه السلام: جبريل عليه السلام. على قلبك: عليك وعلى روحك. زُبُر الاولين: كتب الاقدمين. الآية: الدليل والبرهان. الأعجمين: كل من لا يتكلم العربية. سلكناه: ادخلناه. بغتة: فجأة. منظَرون: مؤخرون. ذِكرى: تذكرة وعبرة. ما ينبغي لهم: لا يقدرون عليه، ولا يتيسر لهم. لمعزولون: لممنوعون.
بعد أن اختتم سبحانه هذا القصص، وبيّن ما دار بين الأنبياء واقوامهم من الجدل، وذَكَرَ انه قد أهلك المكذّبين، فدالت دولةُ الباطل وانتصر الحق (وفي ذلك كله تسلية لرسوله الكريم)- وعد الله رسولَه بأنه منتصر على قومه مهما آذوه ولقي منهم من الشدائد: {سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 62].
بعد ذلك بين الله تعالى ان هذا القرآن الذي جاء بذلك القصص وحيٌ من عنده أنزله على عبده ورسوله بلسان عربيّ مبين، لينذر به ويبشّر عباده، وان ذكره في الكتب المتقدمة المأثورة عن الانبياء الذين بشروا به كما جاء على لسان عيسى بن مريم {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يابني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ} [الصف: 6].
وان العلماء من بني اسرائيل يجدون ذكره في كتبهم كما قال تعالى: {الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل} [الاعراف: 157].
وان قومك ايها الرسول سمعوا القرآن وعرفوا فصاحته، وأدركوا انه معجز لا يعارَضُ بكلام مثله، ومعهذا لم يؤمنوا به فلو أنّا انزلناه على بعض الاعجمين فقرأه عليهم لكفروا به.
{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين}
بيَّنا لهم القرآن ودخل قلوبهم ولم يؤمنوا به. وهم لا يؤمنون به كفرا وعنادا منهم، حتى يأتيهم عذاب الله بغتة وهم لا يشعرون، فيتمنون عند ذلك ان يؤخَّروا حتى يؤمنوا. ولكن هيهات... فات الاوان. فقد جرت سنة الله ان لا يُهلك قوماً الا بعد أن يبعث فيهم مبشّرين ومنذرين.
ثم ردّ على مشركي قريش الذين قالوا: إن لمحمدٍ تابعاً من الجنّ يخبره كما يخبر الكهف فقال: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} يذكّرونهم وينذرونهم، وما كان شأننا الظلم فنعذّبَ أُمه قبل ان نبعث اليها رسولا. وما تنزلت الشياطينُ بهذا القرآن، وما يجوز لهم، وما يستطيعون.

.قراءات:

قرأ ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي: {نزّلَ به الروحَ الأمينَ} بتشديد الزاي المفتوحة ونصب {الروح الامين}، والباقون: {نَزَلَ به الروح الامين} بفتح الزاي دون تشديد، ورفع {الروح الامين}. وقرأ ابن عامر: {اولم تكن لهم آيةٌ}، بالتاء ورفع {آية}، اسم {تكن}. والباقون: {اولم يكن لهم آيةً} بالياء ونصب {آية}، خبر {يكن}.

.تفسير الآيات (213- 220):

{فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)}
فلا تدعُ مع الله الها آخر: لا تعبد غير الله. واخفضْ جناحك: ترفّق بمن اتبعك من المؤمنين، وكن ليِّناً معهم. وتقلُّبك في الساجدين: يراك مع المصلين حين تصلّي.
أخلِص العبادة لله وحده، ولا تشرك به سواه، كما يدعوك قومك، فإن فعلت ذلك كنتَ منن المعذَّبين وانذر أقرب الناس اليك من عشريتك.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: «لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا، وأتى الصَّفا فصعد عليه ثم نادى: يا صباحاه، فاجتمع الناس اليه، فقال: يا بني عبدِ المطّلب، يا بني فِهر، يا بني لؤي، ارأيتم لو أخبرتكم ان خيلاً بسفح هذا الجبل تريد ان تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديدز فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، اما دعوتنا الا لهذا»؟ فأنزل الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}.
{واخفض جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} ألنْ جانبك، وترفّق مع المؤمنين.
{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ}
فإن عصاك من انذرتَهم من العشيرة وغيرهم فلا ضير عليك، وقد أديت ما أُمرت به، وقل لهم اني بريء منكم ومن شِرككم بالله.
وتوكل على الله وفوِّض جميع امورك اليه، وهو الذي يراك حين تقوم للعبادة، ويراك وانت تصلّي بين المصلين، انه هو السميع لدعائك وذكرك، العليم بنيتّك وعملك انت وجميع العباد واقوالهم وأفعالهم.

.تفسير الآيات (221- 227):

{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}
انبئكم: أخبركم. كل أفّاك: كل كذاب، أثيم: مجرم كثير الذنوب. يُلقون السمع: يصغون اشد الاصغاء إلى الشياطين، فيتلقون منهم. الغاوون: الضالون. في كل واد يهيمون: في كل مكان يسيرون وراء خيالاتهم. أيّ منقلَب: أي مرجع ومآب.
لقد اتهمت قريش النبيَّ صلى الله عليه وسلم ان الشياطين هي التي توحي اليه القرآن، فردّ عليهم ان الشياطين لا تُنَزل على الانبياء، بل على الكذّابين الآثمين المنحرفين الذين تلقي اليهم الإفكَ والكذب، وهم كاذبون يختلقون من عندهم ما يقولونه لأتباعهم. وأنّ الشعراء يتّبعهم الضالون الحائدون عن الطريق القويم، ألم تَرَ أنهم يجرون وراء خيالهم في ضروب من القول، ويقولون ما لا يفعلون!
ولما وصف الشعراء بهذه الاوصاف الذميمة استثنى منهم المؤمنين المتصفين بالصفات الحميدة من الايمان، والعمل الصالح، والقول الصادق، وعدمِ هجاءِ الناس واختلاق الاقوال السيئة مثلَ حسّان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك وغيرهم رضوان الله عليهم. والى هذا اشار بقوله تعالى: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ}.
روى ابن جرير: انه لما نزلت هذه الآية جاء حسّان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب ابن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم محزونون وقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا شعراء، فتلا النبي قوله تعالى: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} وقال: انتم. ثم تلا: {وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً} وقال: انتم. ثم {وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} وقال: انتم.... يعني بردّهم على المشركين، ثم قال لهم رسول الله: «انتصِروا ولا تقولوا إلا حقا، ولا تذكروا الآباء والأمهات».
ثم ختم الله السورة بالتهديد العظيم، والوعيد الشديد للكافرين فقال: {وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}
سيعلم الظالمون أي مصيرٍ ينتظرهم من الهلاك والشرّ والعذاب.

.سورة النمل:

.تفسير الآيات (1- 5):

{طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)}
يعمهون: يتحيرون، ويترددون في الضلال. الأخسَرون: أشد الناس خسرانا.
طاسين: هكذا يقرأ هذان الحرفان، وتقدم الكلام في المراد من فواتح السور، وان الأصح انها جاءت تنبيهاً إلى سر الاعجاز في القرآن مع الاشارة إلى انه من جنس ما يتكلمون ولتنبيه الاذهان للاستماع اليه.
{تِلْكَ آيَاتُ القرآن وَكِتَابٍ مُّبِينٍ}
هذه الآيات التي انزلتها اليك ايها الرسول هي آيات القرآن، وهو كتاب واضح بيّن لما تَدبره وفكر فيه انه من عند الله.
{هُدًى وبشرى لِلْمُؤْمِنِينَ}
هذا الكتاب هو الدليل الذي يهدي الناسَ إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة، وهو يشير المؤمنين بأن اله سيُدخلهم جناتٍ لهم فيها نعيم مقيم. {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ}
هذا وصفٌ للمؤمنين بأنهم آمنوا بالله، وعملوا الأعمالِ الصالحة، فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وآمنوا ايمانا صادقا بيوم القيامة والبعث والجزاء، فالايمان وحده لا يكفي.
{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}.
اما الذين لا يؤمنون بالبعث والجزاء فقد زينّا لهم أعمالَهم السيئة، ومددْنا في غَيِّهم فهم يترددون في ضلالهم، فلهم في الدنيا سوءُ العذاب بقتلِهم وأسْرِهم، وهم في الآخرة أعظمُ خسراناً مما هم فيه في الدنيا، لنه عذابٌ مستمر لا ينقطع.

.تفسير الآيات (6- 14):

{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
لتلقَّى: لتعطى، لتلقَّن. آنست: أبصرت. بشهاب: بشعلة نار. قبس: قطعة من نار. تصطلون: تستدفئون. جان: حية سريعة الحركة. ولّى مدبرا: هرب راجعا. ولم يعقّب: لم يرجع، ولم يلتفت. من غير سوء: يعني ان يده صارت بيضاء من غير مرض كالبرص ونحوه. آيات: معجزات دالة على صدقك. مبصِرة: واضحة، بينة. حجَدوا بها: كذّبوا بها. استيقنتْها انفسُهم: علمتُ علما يقينا انها من عند الله. علوّا: ترفعا واستكبارا.
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى القرآن مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}
وانك أيها الرسولُ لتتلقى القرآن وتتعلّمه من عند الله، الحكيم بتدبيرِ خلقه، العليم بأخبارهمن وما فيه خير لهم. وما هو من عندك كما يزعم الجاحدون.
واذكر ايها الرسول لقومك خبراً عن موسى وهو عائد من (مَدْيَن) إلى مصر ومعه زوجته، وكانا يسيران ليلاً فاشتبه عليهما الطريقُ، والبرد شديد. فرأى موسى ناراً فقال لأهله: سآتيكم منها بخبرٍ عن الطريق، أو آتيكم بشعلةٍ لعلّكم تستدفئون بها من البرد. فلما وصل المكان الذي رأى فيه النارَ ناداه الله: إن الله باركَ من في مكان النار ومن حولَها. (واللهُ منزّهٌ عن مشابهة المخلوقين) يا موسى: إني انا الله المستحقّ للعبادة وحده، العزيزُ الذي لا يُقهر، الحكيم في أقواله وأفعاله.... أَلقِ عصاك. فلما ألقاها رآها تهتز وتنقلب إلى حيّة عظيمة. فهرب موسى منها ولم يلتفت وراءة من شدة الخوف. فطمأنه الله بقوله: لا تخفْ، ان المرسَلين لا يخافون وأنا معهم. لكنّ من ظلم وعمل شيئا غير مأذون فه، ثم بدّل حُسناً وتابَ بعد هفوة {فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وأخلْ يَدك في جيبك تخرجْ بيضاء من غير بَرَصٍ أو مرض. وكان موسى أسمر البشرة. اذهبْ إلى فرعونَ وقومه في تسع آيات انهم كانوا قوماً خارجين عن امر الله. والآياتُ التسع هي: فلْق البحر، والطوفان، والجراد، والقملَّ، والضفادع، والدم، والجدْب، والعصا، وإخراج اليد بيضاء من غير سوء.
فلما جاءت هذه الآيات واضحةً ظاهرة إلى فرعون وقومه قالوا: هذا سِحر، وكذّبوا بها ظلمات واستكبارا، فانظر ايها النبي كيف كانت عاقبة المفسدين.
هذا عرضٌ سريع لقصة سيدنا موسى التي تكررت في الأعراف وطه والإسراء والشعراء يعرضها سبحانه وتعالى ليسلّي رسوله صلى الله عليه وسلم.

.قراءات:

قرأ أهل الكوفة: {بشهابٍ قبسٍ}، بالتنوين. والباقون: {بشهابِ قبسٍ}.