فصل: تفسير الآيات (23- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (7):

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)}
آيات محكمات: محكمة العبارة لا تقبل الصرف عن ظاهرها. أُم الكتاب: أصله الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود. وأخر متشابهات: محتملات لعدة معان لا يتضح المقصود فيها الا بتدقيق النظر. زيغ: عدول عن الحق. ابتغاء الفتنة: طلبا للفتنة. الراسخون في العلم: المتمكنون منه.
لقد أنزل الله عليك القرآن وجعل فيه آيات محكمات، محدّدة المعنى بينه المقاصد، هي الأصل واليها المرجع في الدين والفرائض والحدود. كما جعل فيه آيات متشابهات يدِقُّ معناها على كثير من الناس وتشتبه على غير الراسخين في العِلم. فأما الآيات المتشابهات فقد أُنزلت بحكمته تعالى لتبعث العلماء على تدقيق النظر ودقة الفكر في الاجتهاد. لكن أهل الشك والذين في قلوبهم ميل عن الحق يتّبعون ما تشابه من الآيات رغبةً في اثارة الفتنة.. يؤوّلونها حسب أهوائهم، فيُضلّون وراءهم خلقاً كثيرا.
ولا يعلم تأويل هذه الآيات المتشابهات الا الله والذين تثبتوا في العلم وتمكنوا منه، وهؤلاء يقولون: اننا نؤمن بالقرآن كاملاً، لا نفرق بين مُحكمة ومتشابهه. وما يعقل ذلك وبفقه حكمته الا ذوو البصائر المستنيرة، والقعول الراجحة.
هذا وقد استفاض الحديث حول أن في القرآن محكماً ومشابهاً، وان العلماء أمام هذه المتشابه فريقان: فريق السلف الذي يرى التفويض وعدم الخوض في معناه، وفريق الخلف الذي يرى التأويل وصرف اللفظ عن دلالته المعروفة إلى معنى يتفق مع ما دل عليه المحكم. ويعتبرون من ذلك أمثال قوله تعالى: {الرحمنُ على العرش استوى} {يد الله فوق أيديهم} {بل يداه مبسوطتان} {والارض جميعاً قبضتُهُ يوم القيامة والسّماواتُ مطويات بيمينه} فيقولون ان معنى الاستواء هو الاستيلاء. واليد بمعنى القدرة. واليمين بمعنى القوة. وبسطُ اليد بمعنى كثرة المنح والعطاء، إلى غير ذلك.
وهناك أقوال كثيرة اختلافات كبيرة في هذا الموضوع لا طائل منها ولا فائدة.

.تفسير الآيات (8- 9):

{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}
ويطلب اولئك العلماء الراسخون في العلم إلى الله كان الله ان يحفظهم من الزيغ بعد الهداية. ويهبهم الثبات على الإيمان فيقولون: ربنا لا تجعل قلوبنا تنحرف عن الحق بعد أن هديتنا اليه، وهبْ لنا رحمتك إنك أنت كثير النعم والافضال.
وهذا تعليم من الله لنا ان نعرف حدودنا ونقف عندها، ونطلب منه تعالى دائما ان يثبِّتنا على الإيمان فلا يتركنا عرضة للتقلب والنسيان.
{رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ الناس...} وهذا من تتمة كلام الراسخين في العلم، وذلك لأ، هم لما طلبوا من الله تعالى ان يصونهم عن الزيغ ويخصهم بالهداية والرحمة، فكأنهم قالوا: ليس الغرض من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا بل مايتعلق بالآخرة. فاننا نعلم يا إلَهنا انك جامع الناس للجزاء يوم القيامة. فمن زاغ قلبه بقي العذاب أبداً، ومن منحته الرحمة والهداية بقي في السعادة والكرامة أبدا.

.تفسير الآيات (10- 11):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}
وقود النار (فتح الواو): الحطب وكل ما يُحرق فيها. الدأب: العادة.
بعد أن بين الله لنا الدّين الحق وقرر التوحيد، ثم نوّه بشأن القرآن الكريم وايمان العلماء الراسخين بالمحكم والمتشابه به من آيات شرع يذكر حال أهل الكفر والجحود ويبين أسباب غرورهم باموالهم وأولادهم، فقال ما تفسيره:
ان الذين كفروا وجحدوا بنوة محمد صلى الله عليه وسلم لن تنجيهم أموالهم الوافرة، ولا أولادهم الكثيرون من عذاب الله يوم القيامة، بل سيكنون حطبا لنار جهنم. ذلك أنهم في تكذيبهم بمحمد وكفرهم بشريعته مثلُ آل فرعون مع موسى، ومثل من كان قبلهم من الأمم مع أنبيائهم، كذّبوا بآيات الله، فنكل بهم وأهلكهم بسبب كفرهم، والله شديد العقاب.

.تفسير الآيات (12- 13):

{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
قال يا محمد للكافرين عامة: ستُغلبون أيها الكافرون، وستُحشرون إلى جهنم التي ستكون لكم فراشا، وياله من فراش سوء!. وفي سنن أبي داود والبَيْهَقي (في الدلائل) ان رسول الله لما رجع من وقعة بدر، جمع اليهود في سوق قينقاع وقال: يا معشر يهود، أَسلِمموا قبل ان يصيبكم الله بما أصاب قريشا، فقالوا: يا محمد لا يغرّنَك من نفسك ان قتلت نفرا من قريش كانوا أَغْماراً لا يعرفون القتال. إنك والله لو قاتلتنا لعرفتَ انا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا. فأنزل الله تعالى هذه الآية {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ...} وقد صدق وعدَه بقتل بني قريظة وإجلاء بني النضير، وفتح خيبر.
لقد كان لكم عبرة ظاهرة في طائفتين من المحاربين التقتا يوم بدر، إحداهما مؤمنة تحارب لإعلاء كلمة الله، والاخرى كافرة تحارب في سبيل الشيطان. فأيد الله المؤمنين ونصَرهم. لقد جعل الكافرين يرونهم ضعف عددهم الحقيقي، وبذلك وقع الرعب في قلوبهم فانهزموا. أليس في هذا النصر عبرة لأصحاب البصائر الرشيدة والعقول السليمة!

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي {سيغلبون ويحشرون} بالياء. وقرأ نافع {ترونهم مثيلهم} بالتاء.

.تفسير الآية رقم (14):

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}
الشهوات: مفردها شهوة. وهي التي فسرها الله في الآية بمعنى جميع ما يشتهي الانسان. الانعام: الابل والبقر والغنم. الخيل المسوّمة: الخيل الحسان المعدّة للركوب والقتال:
فُطر الناس على حب التملك واشباع شهواتهم إلى الاستحواذ، كما في محال التمتع بالنساء وكثرة البنين وتركيم قناطير الذهب والفضة واقتناء الخيل الحسان، الانعام العائدة بالربح، والعقار، والاراضي المفلوحة.. ولكن ذلك كله لا يقاس بشيء مما عند الله الذي أعدّه لعباده في الحياة الآخرة. فلا ينبغي للناس ان يجعلوا همّهم في هذا المتاع العاجل بحيث يشغلهم عن الاستعداد لخير الثواب الآجل، والله عنده حسن المآب.
روى البخاري ومسلم عن بان عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنّى ان لكون لهما ثالث، لا يملأ جوفَ ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب».

.تفسير الآيات (15- 17):

{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}
أُؤنبئكم: أخبركم. مطهرة: نظيفة خالية من الدنس. الرضوان: الرضا. القانتين: العابدين، المداومين على الطاعة والعبادة.
قل يا محمد للناس الذين زُيّن لهم حب الشهوات التي أسلفنا: أيها الناس، هل أُخبركم بخير من ذلكم وأفضل لكم؟ ان للذين اتقوا ربهم ثواباً عنده: هو جنات ظليلة تجري من تحتها الأنهار، وزوجات خلّصهن الله من كل ما يعيب النساء في الدنيا، ورضاء من الله يتمتعون في ظله بنعيم أكبر. ان الله هو البصير بعباده، الخبير بقراءة أنفسهم، ودخائل أحوالهم. فمن هم هؤلاء؟ إنهنم الذين تتأثر قلوبهم بثمرات ايمانهم، فيقولون: ربنا إنننا آمنّا استجابة لدعوتك، فاغفر لنا ذنوبنا بعفوك، وأبعد عنا عذاب النار.
ثم بين أحسن ما امتازوا به من أوصافهم فقال:
الصابرين: على أداء الطاعات وترك المحرمات.
والصادقين: والصدق هو منتهى الكمال.
والقانتين: وهم الذي داوموا على العبادة والطاعة لله تعالى مع الخشوع والخضوع.
والمنفقين: أي الذين ينفقون المال في سبيل الله، عن طيب قلب وصدق نية..
والمستغفرين بالأسحار: الذين يتهجدون في آخر الليل، ساعة النوم، حين يشق على النفس القيام. وهو وقت عظيم تكون فيه النفوس صافية والقلوب فارغة عن مشاغل الدنيا.

.قراءات:

قرأ عاصم في رواية أبي بكر {رضوان} بضم الراء في جميع القرآن ما عدا قوله تعالى: {يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام} في سورة المائدة فإنه قرأها بكسر الراء. والباقون قرأوها بكسر الراء.

.تفسير الآيات (18- 20):

{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}
القسط: العدل. الدين: مجموعة التكاليف التي يدين بها العباد لله. الاسلام: الخضوع الاستسلام. حاجّوك: جادلوك. الأميّون: مشركو العرب.
بعد أن بين سبحانه وتعالى جزاء المتقين، وشرح أوصافهم التي استحقوا بها هذا الجزاء بيّن لنا هنا أصول الايمان، فقال: شهد الله بما نصبه من الأدلة وأوحاه من الآيات أنهن لا الَه غيره، وانه قائم على شئون خلقه بالعدل، وشهدت بذلك ملائكته الاطهار وأهل العلم. انهو هو العزيز الذي لا يغلِب أحد على أمره، والحكيم الذي شملت حكمته كل شيء.
ان الدين عند الله هوة الاسلام، فجمي المال والشرائع التي جاء بها الأنبياء أساسُها التسليم الانقياد والخضوع. اما أهل الكمتاب فقد اختلفوا في هذا الأمر من بعد هذا الامر من بعدما جاءهم اليقين على صحته. ولم يكن اختلافهم عن شُبهةٍ أو جهل، كلا بل من جرّاء التكبر وطلب الجاه والرياسة والمال. ومن يكفر بآيات الله الدالة على وجوب الاعتصام بالدين، ووحدته، وحرمة الاختلاف فيه فان الله ما أسرع ان يحاسبه على ذلك. فإن جادلوك يا محمد في هذا الدين بعد أن أقمتَ لهم الحجج فلا تجارهم، بل قل لهم: اني اخصلت عبادتي لله وحده، انا ومن اتبعني من المؤمنين. وقل لهؤلاء اليهود والنصارى والمشركين من العرب: أسلمتم مثل اسلامي بعد أن ظهرت لكم الدلائل؟ فان اسملموا فقد عرفوا طريق الهدى واتبعوه، وان أعرضوا فليس عليك الا ان تبلّغهم رسالة الله، والله بصير بعباده لا يخفى عليه شيء من أحوالهم وأعمالهم.

.قراءات:

قرأ الكسائي {أن الدين عند الله الاسلام} بفتح ان والباقون بالكسر.

.تفسير الآيات (21- 22):

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)}
حبطت أعمالهم: بطلت. أصل البشارة: الخبر السار، وجاء استعمالها هنا على طريق التهكم والسخرية.
ان الذين يكفرون بدينك من يهود زمانك يا محمد، وكان اسلافهم يقتلون الأنبياء بغير حق، كما يقتلون الذين يأمورن بالعدل من الناس لن ينالوا خيراً أبداً، بل لك ان تبشّرهم بعنذاب مؤلم في الدنيا والآخرة. هؤلاء هم الذين خسروا أنفسهم وفسدت أعمالهم في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا، فلأنهم لم ينالوا حمداً ولا ثناء من الناس، وأما في الآخرة فلأنهم فعلوا كل ما سبق من الشائنات. لذا فقد أعد لهم الله الخلود في النار، وما لهم من أحد يجنبهم بأس الله وعذابه.

.قراءات:

قرأ حمزة: {ويقاتلون الذي يأمرون بالقسط}.

.تفسير الآيات (23- 25):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)}
النصيب: الحظ. الكتاب: التوراة. يتولى: يعرض. يفترون: يكذبون. لا ريب فيه: لا شك فيه.
ألم تعلم يا محمد حال هؤلاء الذين أُعطوا حظاً من التوراة كيف يُعرضون عن العمل بموجبه حين يُدعون اليه إذا لم يوافق أهواءهم! هذا دأب أرباب الديانات في طور انحلالها واضمحلالها.
روى البخاري عن عبدالله بن عمر «ان اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم: كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ قالوا: نحمِّهما ونضربهما. فقال: لا تجدون في التوراة الرجم؟ فقالوا: لا نجد فيه شيئاً. قال لهم عبدالله بن سلام وكان من علمائهم وقد أسلم: كذبتم، فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين. فلما جاءوا بها وجدوا فيها آية الرجم، فأمر بهما النبي فرجما» فغضب جماعة من اليهود من ذلك، لأنهم يزعمون ان النار لن تمسّهم الا أياماً معدودات.
وقد دفعهم إلى ذلك غرورهم بأنفسهم وتكبرهم، حتى لقد صدّقوا ما كانوا يفترون من الكذب على دينهم وما يحرّفون من كتبهم.
كيف سيكن حالهم إذا جمعناهم ليوم القيامة، وهو آتٍ لا ريب فيه، حيث توفّى كل نفس جزاء ما علمته من خير أو شر، وبالقسطاس المستقيم!! هناك العدل الكامل، ولا يظلم ربك أحداً.