فصل: تفسير الآيات (36- 39):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (36- 39):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)}
لا يقضي عليهم: لا يحكم عليهم بموت ثان. يصطرخون: يصيحون أشد الصياح للاستغاثة.
نعمّركم: نمهلكم. خلائف: جمع خليف وهو الذي يخلق من قبله.
ثم بيّن حال الجاحدين الكافرين وما ينتظرهم من عذاب فقال: {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا}
هؤلاء الذين لم يؤمنوا واستمرّوا على عنادهم وجحودهم سيكون مقامُهم في نارِ جهنّم يعذَّبون فيها لا يموتون، ولا يخفف عنهم العذاب.
{كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} هذا جزاء كل من يكفر.
وهم من شدة العذاب يستغيثون فيها قائلون: ربنا، أخرِجنا من النار حتى نعملَ صالحاً غير الذي كنا نعمله في الدنيا، فيقول لهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ}
ألم نمكّنكم من العمل ونُطِلْ أعماركم زمنا يمكن فيه التدبر لِمَنْ يريد ذلك؟ لقد جاءكم الرسول يحذّركم من هذا العذاب.... فذوقوا في جهنم جزاء ظُلمكم ومخالفتكم للانبياء في حياتكم الدنيا. {فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}.
ان الله مطلع على كل غائب في السموات والأرض، لا يغيبُ عن علمه شيء، ولو أجابكم وأعادكم إلى الدنيا لعُدتم إلى ما نهاكم عنه {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور}.
والله هو الذي جعل بعضكم يخلُفُ بعضاً في تعمير الأرض وتثميرها، فمن كفر بالله فعليه وِزْرُ كفرِه، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم الا مقتا وبغضا.

.قراءات:

قرأ أبو عمرو وحده: {كذلك يجزي كل كفور} بضم الياء وفتح الزاي. والباقون: {نجزي} بفتح النون وكسر الزاي.

.تفسير الآيات (40- 43):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)}
أرأيتم: أَخبروني. ام لهم شِرك: ام لهم شركة. يمسك: يحفظ. جهد ايمانهم: بالغو في ايمانهم. نفورا: تباعد.
أخبِروني ايها المشركون عن شركائكم الذين تعبدونهم من دون الله، ماذا خلقوا؟ ألهم شركة مع الله في خلق السموات؟ أم أعطيناهم كتابا ينطق بأنّا اتخذناهم شركاءَ، فهم على حجة ظاهرة من ذلك الكتاب.
{بَلْ إِن يَعِدُ الظالمون بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً}
ان وعد بعضهم لبعض أن الآلهة التي يعبدونها من دون الله ستشفع لهم- هو كذب وغرور.
ان الله يحفظ السمواتِ من الخلل أو من الزوال، بنظام دقيق. ولو انها زالت لما كان هناك احد في الكون يمنعها الا الله.
{إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} يحلم وينظِر، ويؤجّل ولا يعجّل، ويستر ويغفر.
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}
أقسم المشركون بالله باغلظ الايمان، وبالغوا فيها اشد المبالغة، لئن جاءهم رسول ينذرهم ليكونُنّ اكثر هداية من كل امة من الأمم التي خلت من قبلهم.
{فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً}
فلما جاءهم رسول منهم ينذرهم ما زادهم مجيئه وانذارُه ونصحه الا نفورا عن الحق. {استكبارا فِي الأرض وَمَكْرَ السيئ وَلاَ يَحِيقُ المكر السيئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}
لقد نفروا استكبارا في الأرض وأنفة من الخضوع للرسول الكريم وللدينِ الذي جاء به، ومكروا مكرا سيئا، ولا يحيط شرر المكر السيء الا بأهله الذين دبروه.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَحْوِيلاً}
هل ينتظر هؤلاء المشركون الا ما جرت به سنّة الله في الذين سبقوهم، وسنّةُ الله في معاملة الأمم لن تتبدل، ولن تتحول.

.قراءات:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص: {على بينة} بالافراد والباقون: {على بينات} بالجمع.

.تفسير الآيات (44- 45):

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)}
الدابة: كل حيوان يدب على الأرض بما فيه الانسان.
أوَلَم يَسِرْ هؤلاء المشركون أثناء رضحلاتهم إلى الشام ويروا الأرض التي اهلكنا فيها أهلَها بكفرهم وجعلناهم مثلاً لمن بعدهم. لقد كان أولئك أقوى منهم واغنى فلم تمنعهم قوتهم من عذاب الله.
{وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً}
وهذا تهديدٌ لهم أنهم إذا ساروا على تمرّدِهم وعنادهم فمصيرهم مصيرُ منسبقَهم، وان هذا سهلٌ عليه، ولا يُعجِزه شيء يريده في هذا الكون الكبير كله.
ولو يؤاخذ الله الناس بما يكسبونه من آثام وما يجرّونه على أنفسهم من الفتن، ما تَرَكَ على ظهر الأرض دابةً تدبّ عليها، ولكنه يؤخرهم إلى يوم الحساب والجزاء، فإذا جاء موعدُهم هذا فسيجازيهم بكل ما عملوا ولا يفلِتُ من حسابه احد، إنه باعمال عباده بصير لا يخفى عليه شيء.

.سورة يس:

.تفسير الآيات (1- 12):

{يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)}
صراط مستقيم: طريق قويم من عقائد صحيحة وشرائع حقة. حق القول: ثبت القول. الأغلال: واحدها غُل بضم الغين، وهوما تشد به اليد إلى العنق للتعذيب. قمح الغلُّ الأسير: ضاق على عنقه فاضطره إلى رفع رأسه. فمعنى فقمحون: رفعوا رؤوسهم وغضوا ابصارهم من الذل. من بين ايديهم: من امامهم. فأغشيناهم: غطينا ابصارهم وجعلنا على اعينهم غشاوة. الذِكر: القرآن. ما قدّموا: ما عملوا من الأعمال. وآثارهم: ما أبقوه من الحسنات أو السيئات. في امام مبين: في أصلٍ يؤتمّ به....
يس: تُلفظ ياسين. من الحروف التي ابتدئت بها بعض السور، وتقدّم الكلامُ عليها، وقال بعضهم: معناها: يا إنسان، أو الحكيم. وشاع عند الناس أنها اسم للرسول الكريم، وسمّوا بها. أقسم الله تعالى بالقرآن الكريم أنك أيها الرسول الكريم من المرسَلين الذين أرسلهم لهداية الناس إلى دين قويم، وشرع مستقيمٍ من التوحيد ومكارم الأخلاق. وذلك لتنذِرَ قوماً لم يأتِهم نذير قبلك، فهم غافلون عما يجب عليهم وفي غفلة ساهون.
{لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ}
لقد وجب العقاب على أكثرِهم لعدم إيمانهم.
{إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً....} مرتفعة إلى أذقانِهم، ولذلك ترى رؤوسَهم مرتفعة مشدودةً إلى الوراء، لا يستطيعون ان يطأطئوها. وجعلنا أمامهم سدّا ومن خلْفِهم سدّا فهم محبوسون في سِجن الجهالة، وغطينا على أعينِهم فهم لا يُبصرِرون. وإن إنذارَك لهم وعدَمه سوء، فهم لا يؤمنون.
انما تنذرُ من اتبع القرآنَ، وخشي الله في سريرته، فبشِّره بمغفرةٍ من الله وأجرٍ كريم.
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى} ونسجل عليهم ما قدّموا من الأعمال الحسنة والسيئة.
{وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ} في اللوح المحفوظ.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي وروح وأبو بكر: {يس} بإمالة الياء. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص: {تنزيلَ} بفتح اللام، والباقون: {تنزيلُ} بالضم. وقرأ حمزة والكسائي وحفص: {سَدّا} بفتح السين. والباقون: بضمّها، وهما لغتان.

.تفسير الآيات (13- 27):

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)}
ضربُ المثل: تشبيه حالٍ غريبة بأخرى مثلها. القرية: يقول كثير من المفسرين انها انطاكية، والرسل غير معروفين ولم يردْ خبر صحيح عنهم. فعزّزنا بثالث: فقويناهم بثالث. البلاغ المبين: التبليغ الواضح. تطيّرنا: تشاءمنا بكم. لنرجُمنكم: لنرمينكم بالحجارة. طائركم معكم: شؤمكم معكم. ائن ذكِّرتم: أئن وُعظتم بما فيه سعادتكم تتشاءمون بنا! مسرفون: مجازون الحد في العصيان. لا تغني: لا تنفع. ولا يُنقِذون: ولا يخلصونني....
يذكّرهم الله تعالى بقومٍ مثلهم في الكفر والعناد والإصرار على التكذيب، فيقول: اذكر لقومك أيها النبي قصةَ أهل قريةِ انطاكية لمّا أرسلنا إليهم الرسلَ لهدايتهم.... أرسلنا اليهم رسولَين اثنين، فكذّبوهما، فوّيناهما بثالثٍ وقالوا لهم: لقد أرسلَنا الله إليكم، فقال أهل القرية لهم: ما أنتم الا بشرٌ مثلنا وليس لكم علينا مَزِية، وما أنزل الرحمنُ إليكم شيئا، ولا أمَرَكم بشيء، وما انتم الا كاذبون.
قال الرسل مؤكدين رسالتهم: الله يعلم أنّا رسُلُه اليكم، وما علينا الا ان نبلّغكم رسالته... وقد فعلْنا.
فقال أهل القرية مهدِّدين: إنّا تشاءمنا بكم، لئن لم تتركوا ما تقولون قتلْناكم رجماً بالحجارة ولحِقَكم منا عذابٌ شديد.
فقال الرسل لهم: {طَائِرُكُم مَّعَكُمْ} شؤمُكم معكم {أَإِن ذُكِّرْتُم؟} بمعنى: أئن وُعظتم بما فيه سعادتكم تتشاءمون بنا؟ فخبر {أئن ذُكرتم} محذوفٌ....
{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} بالبغي والعناد والكفر.
وفي هذه الأثناء يأتي رجلٌ مؤمن من أقصى أطراف المدينة مسرعاً لينصح قومه حين بلغه أنهم عقدوا النية على قتل الرسل.
{قَالَ يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ}
بعد ذلك بيّن لهم ذلك الساعي انه ما اختار لهم الا ما اختار لنفسه فقالك وأيَّ شيء يمنعني ان أعبدَ الذي خلقني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. وكيف أعبد آلهة لا تفيدني شفاعتُهم شيئاً إن أرادني الله بسوء، {وَلاَ يُنقِذُونَ} ولا يخلصونني من أي سوء! إذا فعلت ذلك فأنا في ضلال مبين.
ثم التفت إلى الرسل وخاطبهم بما يثبت ايمانه بالله فقال: {إني آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون} اشهدوا لي بذلك عنده.
{قِيلَ ادخل الجنة قَالَ ياليت قَوْمِي يَعْلَمُونَ} بغفران ربّي لي وإكرامه إياي، فيؤمنون كما آمنت. إنه يتمنى لو يرى قومُه ما اعطاه الله من الرضى والكرامة لعلهم يؤمنون.

.قراءات:

قرأ أبو بكر: {فعززنا} بفتح الزاي الأولى من غير تشديد. والباقون بالتشديد.

.تفسير الآيات (28- 36):

{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}
الجند: الملائكة. خامدون: ميتون. الحسرة: شدة التلهف والحزن. ويقال: واحسرتا، ويا حسرتا. محضَرون: للحساب والجزاء. من القرون: من أهل القرون القديمة. الازواج: الأصناف.
وما انزلنا على قوم ذلك المؤمنِ جندا من السماء نهلكهم على أيديهم. إن أمْرَهم كان أهونَ من لذلك، وما تحمَّلوا إلا صيحة واحدة فاذا هم أمواتٌ لا حراك بهم.
{ياحسرة عَلَى العباد} تُتاح لهم فرصة النجاة فيُعرِضون عنها، وما نبعث إليهم برسولٍ إلا كانوا به يستهزئون.
ألم يروا مصارع الهالكين قبلهم من أهل القرون الغابرة ويدركون أنهم لا يرجعون على مدار السنين وتطاول القرون!! لقد كان في هذا عظةً لمن يتدبّر.
ولكن الله تعالى لا يتركه يفتلون من الحساب.
{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ}
ذلك يوم القيامة. والدليل على قدرتنا على البعث والنشور تلك الأرض المجدبة، نحييها بانزال الماء عليها ونخرج منها حَباً يأكلون منه، كما نُنشئ فيها حدائق وبساتين من نخيل وأعناب، ونجعل فيها أنهاراً وعيونا من الماء العذب الصافي {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} خالقَ هذا النعم؟
سبحان الذي خلق هذا الخلْقَ العظيم، من أزواج على سُنّة الذكورةِ والأنوثة، وخَلَقَ أنواعَ الكائنات مما تنبت الأرض ومن الأنفس، وخَلَقَ ما نعلم، وفيه الدليل الكبير على عظيم قدرته تعالى.

.قراءات:

قرأ عاصم وابن عامر وحمزة: {وان كل لمّا بتشديد} الميم. والباقون: {لما} بفتح الميم دون تشديد. وقرأ نافع: {الأرض الميِّتة} بتشديد الياء. والباقون: {الميْتة} باسكان الياء. وقرأ الكوفيون: {ما عملتْ ايديهم}، الا عاصما: {ما عملته أيديهم}.