فصل: تفسير الآيات (56- 61):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (38- 43):

{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43)}
هامان: وزير فرعون. صرحا: قصرا عاليا. اطّلع: أصعد واتطلع من فوقه. فنبذناهم: طرحناهم. يدعون إلى النار: يدعون إلى الكفر الموجب إلى النار. لعنة: طرداً من الرحمة. من المقبوحين: المخزيين المهلكين. القرون الأولى: قوم نوح وهود وصالح. بصائر: أنوارا تهدي قلوبهم.
وقال فرعون عندما عجز عن محاجّة موسى: يا أيها القوم، ما علمت لكم إلهاً غيري كما يدّعي موسى، فاعملْ يا هامان لي بناءً عالياً أصعد وأرى اله موسى {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين}.
واستكبر فرعون وجنودُه في أرض مصر... بغير الحق، وحسِبوا أنهم لا يُرْجَعون الينا حتى يلاقوا جزاءهم. فأخذْنا فرعونَ وجنوده فألقيناهم في البحر حين تعقبوا موسى ومن معه حتى يمنعوهم من الخروج من مصر.... فانظر يا محمد كيف كانت عاقبة الظالمين.
وجعلناهم دعاةً يدعُون إلى الكفر الذي يؤدي إلى النار {وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ} وجعلنا اللعنة تتبعهم في هذه الدنيا، وهم يوم القيامة من المهلكين.
ولقد أنزلْنا التوراةَ على موسى بعد ما أهلكنا الأممَ التي سبقتْهم من الكافرين نوراً للناس ينصرون به الحق، وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون.

.قراءات:

قرأ ابن كثير: {قال موسى}، والباقون: {وقال موسى} بالواو. وقرأ حمزة والكسائي: {ومن يكون له عاقبة الدار} بالياء، والباقون: {ومن تكون} بالتاء. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: {لا يَرجِعون} بفتح الياء وكسر الجيم، والباقون: {لا يُرجَعون} بضم الياء وفتح الجيم.

.تفسير الآيات (44- 51):

{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51)}
بجانب الغربي: هو جبل الطور في سيناء. قضينا: عهِدنا اليه وكلفناه أمرنا ونهينا. فتطاول عليهم العمُر: طال عليهم الأمد الذي بينهم وبين القرون الماضية. ثاويا: مقيما. وصّلنا لهم القولَ: انزلنا متواصلا بعضه اثر بعض.
وما كنتَ يا محمد حاضراً بجانب الوادي الغربي الذي وقع فيه الميقاتُ وأعطى الله فيه ألواحَ التوراة إلى موسى حين عهد إليه امرَ النبوة، فكيف يكذّب قومُك برسالتك وانت تتلو عليهم انباء السابقين!؟.
لقد كان ذلك منذ قرونٍ طويلةِ انقطعت فيها الرسالاتُ وطال الزمن فأتينا بك لقومك لتنذرَهم برسالتك، وما كنتَ مقيماً في (مدين) حتى تخبرَ أهلَ مكة بأنبائهم، ولكنّا أرسلناك وأخبرناك بقصصهم واخبارهم.
ولم تكن ايها الرسول حاضراً في جانب الطور حين نادى الهُ موسى واصطفاه لرسالته، ولكن الله أعلمَكَ بهذا القرآنِ رحمةً منه بك وبأمتك، لتبلّغه قوماً لم يأتهم رسول من قبلك، {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}. وحتى لا يقول قومك حين تصيبهم كارثةٌ بسبب كفرهم: يا ربّ، إنك لم ترسلْ إلينا رسولاً يبلّغنا فنتبعه {وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين} فأزحْنا العذرَ وبعثناك ايها الرسول اليهم.
فلما جاء محمد بالحق قالوا تمرداً وعنادا: هلاّ أوتيَ مثلَ ما أوتيَ موسى من المعجزات الحسيّة حتى نؤمن به! ويلهم، ألم يكفُروا بموسى كما كفروا بك! وقالوا إنما انتما ساحران ينصر أحدُكما الآخر ويعاونه.
ثم امر رسوله ان يتحدّى قومه أن يأتوا بكتابٍ أهدى من القرآن والتوراة للبشرَ وأصلحَ لحالهم فقال: {قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ الله هُوَ أهدى مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
ثم توعّدهم لأنهم لم يستطيعوا ان يأتوا بالكتاب فقال: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ}
ومن أضلُّ ممن اتبعَ هواه بغيرِ هدى من الله! ان الله لا يهدي الذين يظلمون أنفسهَم بالتمادي في اتباع الهوى.

.قراءات:

قرأ أهل الكوفة: {سِحران} بغير الف يعني القرآن والتوراة. الباقون: {ساحران} يعني موسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام.

.تفسير الآيات (52- 55):

{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)}
مسلمين: منقادين لله. يدرأون: يدفعون: اللغو: ما لا فائدة فيه. لا نبتغي الجاهلين: لا نطلب صحبتهم.
قال ابن اسحاق: قدِم جماعة من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من الحبشة فوجدوه في المسجد، فجلسوا اليه وكلّموه وسألوه، ورجال من قريش حول الكعبة. فلما فرغوا من اسئلتهم عما أرادوا دعاهم الرسولُ إلى الله تعالى وتلا عليهم القرآن. فلما سمعوا القرآن فاضت أعيُنهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوا الرسول، وعرفوا منه ما كان يوصَف لهم في كتابهم من أمره. فاعترضهم أبو جهل ونفرٌ من قريش وحاولوا ان يصدّوهم عن إيمانهم. وأغلظوا لهم القول. فقالوا لهم: سلامٌ عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه.
وقال بعض المفسرين: إنهم نصارى من أهل نَجران.
والحق، أن بعض أهلِ الكتاب من النصارى يؤمنون بهذا القرآن، ويقولون: إنه الحقُّ من ربنا، بشّرنا الله به من قبلِ ان ينزل القرآن.... هؤلاء يعطيهم اللهُ أجرهم مرتَين نتيجةَ صبرهم على اذى الناس، وإيمانِهم، وايثارهم العملَ الصالح، وأنهم يقابلون السيئة بالعفو والاحسان، وينفقون في سبيل الله مما أعطاهم من اموال وخيرات، وإذا سمعوا الباطل من الجاهلين انصرفوا عنهم، وقالوا: لنا أعمالُنا ولكم اعمالكم، سلام عليكم لا نريد مصاحبة الجاهلين.

.تفسير الآيات (56- 61):

{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)}
نتخطف: نسلب بلدنا ونقتل. يُجبى اليه: يجلب اليه. بطِرت معيشتَها: بغت وتجبّرت وكفرت بالنعمة. أمها: اكبرها، عاصمتها. من المحضَرين: الذين يحشرون للحساب والجزاء. وقد تكرر هذا التعبير في القرآن: {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} [الصافات: 57]. {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 127] {فأولئك فِي العذاب مُحْضَرُونَ} [الروم: 16] [سبأ: 38].
{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين}
يقرر جمهور المفسرين ان هذه الآية نزلت في أبي طالب، فقد ورد في الصحيحين أنها نزلت فيه. وروي عن ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة أنها نزلت في أبي طالب. ففي الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد بن المسيّب: «لما حضرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدَ الله بن أمية بن المغيرة، فقال رسول الله: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدَ الله بن أمية بن المغيرة، فقال رسول الله: يا عم، قل لا اله الا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن امية: يا أبا طالب، أترغبُ عن ملّة عبد المطلب؟. فكان آخر ما قال: انه على ملة عبد المطلب» وعند الشيعة الامامية الاجماع على أن ابا طالب مات مسلما، والله أعلم.
ومعنى الآية: انك لا تستطيع هداية من أحببتَ من قومك أو غيرهم، وانما عليك البلاغ، واللهُ يهدي من يشاء، وله الحكمة بالبالغة في ذلك. {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين}.
ثم اخبر سبحانه عن اعتذار كفار قريش في عدم اتّباع الهدى فقال: {وقالوا إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ}
وقال مشركو مكة: إننا نخشى إن اتبعناك على دينك وخالفنا من حولنا من العرب ان يقصدونا بالأذى، ويُجلونا عن ديارنا، ويغلبونا على سلطاننا.
وقد رد الله عليهم مقالتهم فقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}
إن ما اعتذرتم به غيرُ صحيح، فقد كنتم آمنين في حرمي، تأكلون رزقي، وتعبدون غير، افتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي؟ وقد تفضّل عليكم ربك وأطعمكم من كل الثمرات التي تُجلَب من فِجاج الأرض. ولكن اكثرهم جهلةٌ لا يعلمون ما فيه خيرهم وسعادتهم.

.قراءات:

قرأ الحمهور: {يُجبى} بالياء وقرأ نافع: {تُجبى} بالتاء.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين}
وكثير من القرى أثرى أهلُها فبطِروا وأفسدوا في الأرض فخرّب الله ديارهم واصبحت خاوية لم يسكنها أحدٌ بعدهم الا فترات عابرةً للمارين بها، وورثها الله جل جلاله. ومثلُه قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117].
ثم اخبر سبحانه عن عدله وانه لا يُهلك أحدا الا بعد الإنذار وقيام الحجّة بارسال الرسل فقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى حتى يَبْعَثَ في أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}
ليست سنّة الله وعدله ان يُهلك القرى حتى يبعثَ في كُبراها رسولاً يتلو عيلهم الآياتِ ويدعوهم إلى الله، ولا يمكن ان نهلك القرى والمدنَ الا إذا استمر أهلهُها على الظلم والفساد والاعتداء.
{وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}؟
وما أُعظيتم أيها الناس من أعراضِ الدنيا وزينتِها من الأموال والاولاد إلا مجرد متاعٍ محدود تتمتعون به في هذه الحياة، أما الذي عند الله فهو خيرٌ من ذلك وأبقى لأهل طاعته من ذلك كله. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أيها الناس وتتدبرون اموركم فتعرفون الخير من الشر!؟

.قراءات:

قرأ أبو عمرو: يعقلون بالياء. والباقون: تعقلون بالتاء.
{أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الحياة الدنيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ القيامة مِنَ المحضرين}؟
هل يستوي المؤمن الذي وعدَه الله السعادةَ والنصر ثم يوم القيامة يدخله الجنة، مع الكافر الذي أعطاه الله الرزقَ الكثير وتمتّع في حياته، ثم هو يوم القيامة من المحضَرين للحساب والجزاء، الهالكين في النار!! انهما لا يستويان.

.تفسير الآيات (62- 70):

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)}
حقّ عليهم: وجب عليهم. القول: العذاب. أغويناهم: أضللناهم، الغواية: الضلال والفعل غوى يغَوى غياً وغواية فهو غاو. وفي سورة النجم {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غوى}. فعميت: خفيت. الأنباء: الحجج والاعذار، الخِيرة: الاختيار. تكنّ: تخفي. يعلنون: يظهرون. وله الحكم: له القضاء النافذ في كل شيء.
اذكر ايها الرسول لقومك يومَ ينادي ربُّ العزة المشركين ويقول لهم: أين الذين زعمتم انهم شركائي وعبدتموهم من دوني.
فيجيبه قادةُ الكفر ودعاة الضلال الذين ثَبَتَ عليهم العذابُ قائلين: يا ربنا، هؤلاء الذين أضللناهم، إنما أغويناهم باختيارهم كما غوينا نحن. لقد دعوناهم إلى ما نحن فضلّوا مثلنا باختيارهم، واننا نبرأ اليك منهم فما كانوا يعبدوننا في الحقيقة، وانما كانوا يعبدون أهواءهم.
ويقال للأتباع ادعوا شركاءَكم واستغيثوا بهم، ففعلوا فلم يجيبوهم، ورأوا العذابَ حاضرا، وتمنّوأنهم كانوا في دنياهم مؤمنين.
ويوم ينادي الله المشركين ويقول لهم: بماذا أجبتم الرسَلين؟ هل آمنتم بهم. فلا يستطيعون ان يقولوا شيئا، وغابت عنهم الحُجج، ولم يجدوا معذرة، ولا يسأل بعضهم بعضا من الدَّهَش والخوف.
وبعد أن بيّن حال الكفار المعذَّبين وما يجري عليهم من التوبيخ والاهانة- أَتبعه بذِكر من يتوب في الدنيا وما ينتظره من نعيم فقال: {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين}.
وأما من تاب من الشِرك، وآمن ايماناً قادقا وعمل الأعملَ الصالحةن فانهم يكونون عند الله من الفائزين برضوان الله وبالنعيم الدائم.
وربك يخلق ما يشاء ويختار ما يريد، ليس لأحدٍ الخيارُ في شيء، تنزه وتعالى عما يشركون، وربك يعلم ما تخفي صدورهم وما به يجهرون.
وهو الله لا إله يُعبد ويرجى الا هو، له الحمد في الدنيا من عباده على إنعامه وهدايته، وفي الآخرة على عدله ومثوبته. وهو وحده صاحب الحكم والفضل، واليه المرجع والمصير.