فصل: قراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (11- 14):

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
الطغيان: مجاوزة الحد في الشر: يعمهون: يترددون فيحرتهم وضلالهم. القرون: جمع قرن ويطلق على كل مائة سنة، وفي كتب اللغة الختلاف كبير في تحديده. خلائف: جمع خليفة وهو من يخلف غيره.
{وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}.
لو أجاب اللهُ ما يستعجِلُ به الناسُ على أنفسٍهم من الشرّ مثلَ استعجالِهم لِطلبِ الخير لأَهَلَكَهُم جميعا، ولكنّه يتلطّف بهم، فيرجئُ هلاكَهم، انتظاراً لما يظهر منهم حسب ما علمه فيهم، فّتتضح عدالتُه في جزائهم.
وفي هذه الآية جواب لمشركي مكة الذين قالوا: اللهمّ إن كان ما يقولُ محمد حقّا في ادّعاء الرسالة فأَمطْر علينا حجارة من السماء.
لقد استعجلوا وقوعَ الشر، كما ستعجلون الخير، ولكنّ الله أخّرهم إلى ما أراده.
{فَنَذَرُ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
إننا ندعُ لا يتوقّعون لقاءَنا فيما هم فيه من طغيان في الكفر والتكذيب، يتردّدون فيه متحيّرين لا يهتدون سبيلاً للخروج منه.

.قراءات:

قرأ ابن عامر ويعقوب: {لقَضى اليهم أجلهم} بفتح القاف والباقون {لقُضي اليهم أجلهم} بضم القاف.
{وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً}.
واذا أصاب الإنسان ضررٌ في نفسه أو مالِه أو نحوِ ذلك أحسَّ بضعفه، ودعا ربَّه على أي حال من أحواله: مضجِعاً لجنْبه، أو هو قاعد، أو قائم على قدميه، حائراً في أمره- دعاه ان يكشف ما نزلَ به من مِحنته.
{فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ}.
فلما استجاب الله له، فكشف عنه ضره وأزال عنه السوء، انصرف عن جانبِ الله، مضى في طريقِه واستمرَّ على عصيانه ونسيّ فضلَ الله عليه، كأن لم يصبْه ضرر، ولم يدعُ الله ليكشفَه عنه.
{كذلك زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
وكمثلِ هذا المسْلك زُيَّن الشيطانُ للمشركين من طغاةِ مكّة وغيرِهم ما كانوا يعملون من سوءٍ وكفرٍ وعناد، وما اقترفوه من باطل.
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كذلك نَجْزِي القوم المجرمين}.
بيّن هنا ما يجري مجرى التهديد، وهو أنه تعالى يُنزل بهم عذابَ الاستئصال كما حدّث للأمم الغبرة قبلضهم حتى يكون ذلك رادعاً لهم عن هذا الطلب. ولقد أهلكْنا كثيراً من الأمم السابقة قبلكم بسبب كفِرهم حين جاءتهم رسُلهم بالآيات الواضحة على صِدق دعوتِهم إلى الإيمان، وما كان في عِلم الله أنهم سيؤْمنون، لإصرارهم على الكفر والعصيان. فاعتبروا يا كفّارَ قريش، فكما اهلكنا مَن قبلكم، سنجزي المجرمين بإهلاكهم.
{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
ثم جعلناكم يا امة محمد خلفاء الأرض، تعمرُونها من بعدِ هؤلاء السابقين، لنختبركم ونرى ماذا تعملون في خلافتكم فنجازيكم به بمقتضى سُنّتنا فيمن قبلكم. وهذا واضح في ان هذه الخلافة منوطةٌ الأعمال الصالحة والاستقامة والعدل والاحسان، حتى لا يغترَّ إنسان بما سيناله من مُلك أو ولاية. وهذا كما قال تعالى: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا استخلف الذين مِن قَبْلِهِمْ} [النور: 55].

.تفسير الآيات (15- 17):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}
من تلقاء نفسي: من عند نفسي. لبثت قيكم عمراً: مدة من الحياة.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائت بِقُرْآنٍ غَيْرِ هاذآ أَوْ بَدِّلْهُ}.
واذا تتلى على هؤلاء المشركين آياتُنا الواضحة، قال لك يا محمد الكافرون الذين لا يتوقّعون لقاءَنا ولا يخافون عذابَ الله: أحضِر لنا كتاباً غير القرآن، أو بدِّلْ ما فيه مما لا يُعجبنا ولا يخالفُ دينّنا ومعتقداتِنا الوثنية.
{قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
قل لهم ايها الرسول: لا يمكنني أن أُغير أو ابدل من عندي ولا يجوز لي ذلك، وما أنا الا متَّبعٌ ومبلّغٌ ما يوحي إلي من ربي، إن أخاف إن خالفتُ ربي عذابَ يومٍ عظيمَ الشأن هو يوم القيامة.
{قُل لَّوْ شَآءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ}.
قل لهم، ايها الرسول: لو شاءَ اللهُ ان لا يُنزل عليَّ قرآناً من عنده، وان لا أبلّغكم به- ما أنزله، وما تلوته عليكم، ولا أعلمكم اللهُ به.. لكنه نَزَل، وأرسلني به، وتلوتُه عليكم كما أمرني.
{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.
وقد مكثتُ بينكم زمناً طويلا قبل البعث لم ادَّعِ فيه الرسالة، ولم أتلُ عليكم شيئا، وانتم تشهدون لي بالصدق والامانة. أفلا تعقِلون أن مَن عاش بينكم أربعين سنةً لم يقرأ كتابا ولم يلقَّن من أحدٍ علما، ولم يمارس اسالي البيان من شعرٍ ونثر- لا يمكنه ان يأتَي بمثلٍ هذا القرآن المعجِز، فاعقِلوا الأمور وأدركوها.

.قراءات:

قرأ ابن كثير: {ولأدراكم به} والباقون: {ولا أدراكم به}.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ}.
ان شر أنواعِ الظلم الإجرام افتراءُ الكذب على الله، والتكذيبُ بآيات الله التي جاء بها رسوله.
{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ المجرمون}.
لن يفوز الذين اجترموا الكفر وافتروا على الله الكذب عندما يلاقون ربهم.

.تفسير الآيات (18- 20):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)}
بعد أن بيّن الله في الآيات السابقة أن المشركين طلبوا ان يأتي محمد بقرآن غير هذا أو تبديله، لأن فيه طعناً على آلهتهم، وتسفيه آرائهم في عبادتها- نعى عليهم هنا عبادة الأصنام وبين حقارة شأنها، إذا لا تستطيع ضرا ولا نفعا، فلا يليق بالعاقل ان يعبدها من دون الله.
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}.
ان هؤلاء القوم يعبدون اصناما لا تملك لهم نفعا ولا ضرا.
{وَيَقُولُونَ هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله}.
ويقولون: إن هذه الاصنام تشفع لنا عند الله في الآخرة.
{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض}.
قل لهم أيها الرسول مبينّا لهم كذبهم، وافتراءهم على الله: هل تخبرون الله بشيء لا يعلم له وجوداً في السماوات ولا في الأرض!؟ ما الذي تزعمون!
{سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
تنزّه ربُّنا وعلا علواً كبيرا عكن الشريك، وعما تزعمون بعبادة هؤلاء الشركاء.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي: {عما تشركون} بالتاء، والباقون {عما يشركون} بالياء.
{وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فاختلفوا وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
بعد أن اقام الأدلة على فساد عبادة الاصنام- ذكر هنا ما كان عليه الناس من الوحدة في الدين، ثم ما صاروا اليه من الاختلاف والفرقة. وقد كان الناس أمةً واحدة على الفِطرة، والقطرة في أصلها كانت على التوحيد، ثم بعث الله اليهم الرسل لارشادهم وهدايتهم. فاختلفت نزعاتهم، منهم من غلب عليه الخير، ومنهم من غلب عليه الشر. وقد اقتضت مشيئة الله ان يُمهِلهم جميعا إلى أجَل يستوفونه، وسبقت كلمته بذلك لحكمة يريدها، ولولا ذلك لعجَّل لهم الهلاك بسبب الخلاف الذي وقعوا فيه.
{وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الغيب للَّهِ فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين}.
ويقول هؤلاء المشركون: هلاّ أُنزل على محمد معجزةٌ غير القرآن تُقْنعنا بصدق رسالته كآيات الانبياء السابقين الين يحدّثنا عنهم!! ومعنى هذا أنهم ما زالوا غير مدركين طبيعة الرسالة المحمدية، من حيث أنها ليست معجزةً وقتية تنتهي بانتهاء جيلهم، بل معجزة دائمة وعامة تخاطب الناس جميعا جيلا بعد جيل. ولذلك اجابهم جوابا فيه الامهال والتهديد: قُل لهم ايها الرسول: إن نزول الآيات غيبٌ، ولا يعلم الغيبَ الا الله، فإن كان القرآن لا يقنعكم فانتضِروا قضاء الله بيني وبينكم في ذلك، وانا معكم من المنتظرين.
روى البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ما من نبي الا وقد أُعطيَ من الآيات ما مثله آمنَ عليه البشر، وانما كان الذي أُوتيتُه وحياً أوحاه الله ليّ، فأرجوا ان أكونَ اكثرَهم تابعاً يوم القيامة».

.تفسير الآيات (21- 23):

{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
أصل الذوق: ادراك الطعم بالفم، ومعنى {اذقنا الناس رحمة}: اعطيناهم صحة ومالا ونعمة. المراد بمكر الله: تدبيره الخفي. الفلك: السفن يطلق على الجمع والواحد. بريح طيبة: موافقة، مريحة سهلة، ريح عاصف: شديدة مهلكة. احيط بهم: هلكوا.
بعد أن ينتهي الكتاب من عرض ما يقول المشركون وما يعترضون به ويطلبون، يعود إلى الحديث عن بعض طبائع البشر، حين يذوقون الرحمةً والنِعم بعد الضّرِ، كما تحدّث من قبل عنهم حين يصيبهم الضرُّ ثم ينجُون منه. ويضرب لهم مَثَلاً مما يقع في الحياة بصدق ذلك.
{وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ في آيَاتِنَا}.
عجيبٌ أمرُ هذا الإنسان لا يذكُر اللهَ إلا ساعة العسرة، فاذا أنعمنا على الناس من بعد شدةٍ أصابتْهم في أنفسهم أو أهليهم وأموالهم، لم يشكروا الله على ما أنعمَ به، بل تجدهم يقابلون ذلك بالإصرار على التكذيب والكفرِ بالآيات.
{قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ}.
قل لهم أيها الرسول: إن الله أقدرُ على التدبير وإبطال ما يمكرون، وأن الحَفَظَةَ من الملائكة الموكّلين بكم يكتبون اعمالكم سيحاسبكم الله عليها ويجازيكم بها.

.قراءات:

قرأ يعقوب: {ما يمكرون} بالياء، وبالباقون {ما تمكرون} بالتاء.
ثم ضرب الله مثلاً من أبلغِ أمثلا القرآن الكريم في صورة حيَّة كأنها واقعةٌ يشاهدها الناس، وتتبعها المشاعر ليَظْهَر لهم بهذا المثَلِ ما هم عليه فقال: {هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين}.
ان الله تكفُرون بِنِعمِه وتكذّبون بآياته، هو الذي وهبكم القدرةً على السَّير والسعي في البر مشاةً وركبانا، وفي البحر بما سخّر لكم من السفُن التي سخّرها لكم، وجَرَت بكم تدفعُها ريح طيّبة اطمأنتم اليها وفرحتم بها- هبّت ريح شديدة أثرات عليكم الموجَ من كل جانب، وأيقنتم أن الهلاكَ واقع لا محالة، ولا تجدون ملجأً غيرَ الله. عند ذلك تدعونه مخِلصين له الدّعاء موقنين أنه لا منقذّ لكم سواه، ومتعهدين بأن تكونوا من الشاكرين إن انجااكم من هذه الشدة.
{فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق}.
هذه تكملة للصورة. فلما أنجاهم اللهُ مما تعرّضوا له من الشدّة والهلاك، نقضُوا عهدَهم، وعادوا بيغون في الأرض ويفسدون بغير الحق.

.قراءات:

قرأ ابن عامر. {ينشركم} بالنون والشين. والباقون {يسيركم} بالياء والسين والياء أي زمان وُجدوا فقال: {يا أيها الناس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الحياة الدنيا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
أيها الناقضون للعهد، ان عاقبةَ بغيكم وظلمكم سترجِع عليكم وحدَكم، أما ما تحصُلون عليه من ظلمكم هذا فهو مجرد متاع دنيوي زائل، ينقضي بسرعة، ثم تعودون إلى الله فيجزيكم بأعمالهكم التي اقترفتموها.
والحق، أن البغي، وهو أشدّ أنواع الظلم، يرجع على صاحبه، لما يولّد م العداوة والبغضاء بين الأفراد، ولما يوقد من نيران الفتن في الشعوب.
روى الامام احمد والبخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ هنّ رواجع على أهلها: المكر، والنكث، والبغي» ثم تلا: {بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ}. {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} [الفتح: 11].