فصل: قراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.سورة الانشقاق:

.تفسير الآيات (1- 15):

{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}
انشقت السماء: تصدعت. أَذِنت لربها: استمعت اليه، أذِنَ للشيء: استمع اليه، وأذِنَ بالشيء: عَلِمَه. حُقت: أطاعت، وقع عليها الحق واعترفت بأنها محقوقة لربها. واذا الأرض مُدت: تغيرت جميع ملامحها وأصبحت قاعا صفصفا، بإزالة جبالها وتغيير معالمها. وألقت ما فيها وتخلّت: أخرجت جميع ما فيها من الخلائق والكنوز التي طوتها في أجيالها العديدة. كادح: عامل بجد ومشقة، كدح في العمل كَدحا: سعى، وأجهد نفسَه، وعملَ خيراً أو شرّا، وكدحَ لِعياله: كسبَ لهم بمشقة. فملاقيه: فسوف تجدُ عملَك امامك مسجلاً في سِجلٍّ دقيق، لا ينسى شيئا. ينقلب إلى أهله: يرجع إلى عشيرته فرحا مسرورا. من أُوتي كتابه وراء ظهره: صورةٌ عجيبة من الاحتقار والازدراء. الثبور: الهلاك، يدعو ثُبورا: يدعو على نفسه بالهلاك. يصلَى سعيرا: يدخل جهنم. إنه ظن انه لن يحُور: انه كان لا يؤمن بالبعث، والرجوع إلى الله، حار يحون حورا وحئورا: رجَعَ. بلى: سيرجع إلى الله ويحاسَب.
بين الله تعالى في مطلع هذه السورة الكريمة أهوالَ يوم القيامة، في آيات موجَزة هي من عجائب إيجازِ القرآن وبلاغته، وذَكَر أن ما يقع بين يدي الساعة من كوارث وأهوالٍ تُشِيبُ الوِلدان، ويفزع لها الانسان. فمنها:
إذا تشقّقت السماءُ وتصدّعت، واختلَّ نظامُ العالم، واستمعت السماءُ لأمرِ ربّها وانقادت لحُكمه، {وَإِذَا الأرض مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} أي انبسطت بنسفِ ما فيها من جبال، وأصبحت لا بناءَ فيها ولا وِهاد، كما قذفت ما في جوفها من الخلائق والكنوز. {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} واستمعت لأمرِ ربّها وأطاعت... إذا حصل كل هذا- لَقِيَ الإنسان من الأهوال ما لا يحيط به الخيالُ في ذلك اليوم العصيب.
بعد هذه المقدمة الهائلة أخبرَ اللهُ تعالى عن كدِّ الإنسانِ، وتعبه في هذه الحياة.
{يا أيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ}.
يا أيها الإنسانَ الغافل عن مصيره، لا تظنَّ أنك خالد، كلاّ انك مُجِدٌّ في السيرِ إلى ربك، وراجع إليه يومَ القيامة، وان كلَّ عملٍ عملتَه، خيراً أو شراً، سوف تُلاقيه أمامك في سجلٍّ دقيق، وسَيُجازيك ربُّك على كَدْحِك من ثوابٍ وعقاب.
في ذلك اليوم ينقسم الناسُ فريقين: فريقَ الصالحين البررة، وهؤلاء يحاسَبون حسابا يسيرا، وينقلبون إلى أهلهم فرحين مسرورين كما قال تعالى، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} إذ يتجاوز الله عن سيئاته. وقد روى البخاري ومسلم عن عائشة، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من نُوقش الحسابَ عُذِّب. فقالت عائشة: أوليسَ الله يقول: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} فقال: إنما ذلكَ العَرضُ، ولكنّ من نوقش الحسابَ عُذِّب».
وفي الحديث: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يُدني العبدَ يوم القيامة حتى يضعَ كَنَفَهُ عليه، فيقول له: فعلتَ كذا وكذا، ويعدِّدُ عليه ذنوبَه ثم يقول له: سترتُها عليك في الدنيا وأنا أغفرُها لك اليوم»، فهذا هو المرادُ من الحساب اليسير. الكنف: الرحمة والستر.
والفريق الثاني فريق العصاة الجاحدين، وهؤلاء يحاسبون حساباً عسيرا ويَلْقَون من العذاب ما لا يتصوره الانسان...
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً ويصلى سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بلى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً}.
هذه صورةٌ عجيبة جديدة، تأتي لأول مرة في القرآن الكريم، وهي إعطاء الكتاب للمجرمِ من وراءِ ظهره، وما هي الا نوعٌ من الاحتقار وازدراء به. وهو حين يتناوله على هذه الصورة يدعو على نفسه بالهلاك والموت، ولكن لا يجاب، ويكون مصيره النار وبئس القرار ويقول: {ياليتني لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ياليتها كَانَتِ القاضية مَآ أغنى عَنِّي مَالِيَهْ هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 25-29].
لماذا؟ انه كان في الدنيا ساهياً لاهيا، سادراً وراء شهواته يُنكر البعثَ والحسابَ والجزاء، وقد ظنَّ أن لن يرجعَ إلى الله، ولن يبعثَه بعدَ الموت.
{بلى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً}
بلى إن الله سيعيدُه بعد موته ويحاسِبُه على عمله، وهو لا تخفى عليه خافية.

.قراءات:

قرأ نافع وابن عامر وابن كثير والكسائي: {يُصلى} بضم الياء وفتح الصاد واللام المشددة، والباقون: {يصلى} بفتح الياء وإسكان الصاد وفتح اللام من غير تشديد.

.تفسير الآيات (16- 25):

{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}
الشفق: الحمرة التي تشاهَد في الأفق الغربي بعد الغروب، ويستمر إلى قبيل العشاء، والشفقُ: الشفقة. وسَقَ الليل الأشياء: جلّلها وجمعها، وسقت النخلة: حملت. اتّسَق: اكتمل وتم نوؤه وصار بدرا. لتركبنّ طبقا عن طبق: لَتُلاَقُنَّ حالاً بعد حال، بعضها أشدّ من بعض وهي الحياة، والموت، والبعث، وأهوال القيامة. بما يوعون: بما يُضمِرون في نفوسهم من الإعراض والجحود والحسد والبغي. غير ممنون: غير مقطوع.
بعد هذه الجولة العميقة الأثر بمشاهدِها، لتأكيد أن الإنسان راجع إلى ربه يوم القيامة، حيث يحاسَب حساباً يَسيرا أو عسيرا حسب أعماله- يُقسِم الله تعالى بآياتٍ له في الكائنات أنّ بعثَ الناس يوم القيامة كائن لا محالة.
{فَلاَ أُقْسِمُ بالشفق.....}
تتكرر هذه العبارة في القرآنِ، وهو أسلوبٌ يأتي عندما يكون الشيءُ الذي أقسَمَ الله عليه جليلَ القدر، فيقول سبحانه: لا أُقسِم بهذه الأشياءِ على إثباتِ ما أريد لأن أمره ظاهر، واثباته أعظمُ وأجلُّ من أن يقسَم عليه. وأول هذه الأمور الشفَق.. ثم يأتي:
فباللّيلِ وما وسَق، أي ما جمعه من الكائنات التي تسكن فيه عن الحركة، والقمرِ عندما يتم نوره ويصير بدراً كاملا.. بحق هذه الأمور الثلاثة، والتي لا يخفَى على الناس ما فيها من المنافع، وما فيها من الآيات الناطقة بحكمة واضعِ نظامها- {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ} وهنا جواب القسم: لتلاقُنَّ ايها الناس حالاً بعد حال، رخاءً بعد شدة، وسُقماً بعد صحة، وغنًى بعد فقر، منذ خَلْقِكم إلى طفولتكم، وشبابكم وشيخوختكم، ثم موتكم، ثم بعثكم يوم تُحشَرون إلى ربكم للحساب.
ثم بعد أن ذكر الأدلة القاطعة على صحة البعث والحساب والجزاء أتى باسلوب فيه استفهام يقصد به التوبيخ.
{فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ؟}.
ما لهؤلاء الجاحدين لا يؤمنون بالله، ولا يصدّقون بالبعث بعد وضوح الدلائل وقيام البراهين على وقوعه! {وَإِذَا قُرِئ عَلَيْهِمُ القرآن لاَ يَسْجُدُونَ}.. خضوعاً لربّ هذا الكون البديع!
وهنا موضع سجدة. لقد منعهم العنادُ والاستكبار من الإيمان، فهن يفعلون ذلك تعالياً عن الحق، ولذلك لا يخضعون عند تلاوته.
{والله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ}
والله أعلمُ بما يكنّون في نفوسهم، ويُضمرون في جوانحِهم من شر وإصرارٍ على الشرك.
ثم يتجه الخطاب إلى الرسول الكريم فيقول تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أيْ أخبِرْهم يا محمد عمّا ينتظرهم من عذاب. والتعبير بقوله: {فَبَشِّرْهُمْ} فيه تهكّم لاذع حيث استعمل البشارةَ مكان الإنذار.
ثم يختم السورة الكريمة بما أعد للمؤمنين من أجرٍ دائم غير منقطع، فقال: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} بل هو دائم غير مقطوع عنهم في دار البقاء، ولَنِعم دار المتقين.

.قراءات:

قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي {لتركبَن} بفتح الباء والخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ الباقون: {لتركبُنّ} بضم الباء والخطاب للجميع.

.سورة البروج:

.تفسير الآيات (1- 22):

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)}
البروج: واحدها بُرج بضم الباء، ومن معانيه: القصر العالي، والحصن، وبروجُ السماء الاثنا عشر، وهي تضم منازلَ القمر الثمانية والعشرين، وسيأتي تفصيلها. اليوم الموعود: يوم القيامة. شاهد ومشهود: جميع ما خلق الله في هذا العالم. الأخدود: الشق المستطيل في الرض، جمعُه أخاديد. وأصحاب الأخدود: قومٌ من الكافرين، كان لهم قوة وسلطان. ما نقموا منهم: ما أنكروا عليهم، وعابوهم. فتنوا المؤمنين: ابتلوهم، وحرقوهم بالنار، يقال: فتن المعدنَ: صهره في النار. عذاب الحريق: عذاب النار في جهنم. البطش: الأخذُ بالعنف والشدة. يُبدئ ويعيد: يبدأ الخلق ثم يفنيهم، ثم يعيدهم أحياء. الودود: الذي يحب أولياءه وعباده الصالحين، ودَّهُ يودّه ودّا بكسر الواو وفتحها وضمّها ووِدادا، وودَادة، ومودّةً: أحبّه. الودود: كثير الحب، وهو أيضا اسم من أسماء الله الحسنى. ذو العرش: صاحب الملك والسلطان، والقدرة النافذة. المجيد: السامي القدر، المتناهي في الجود والكرم، يقال: مجثد مجادة، فهو مجيد. محيطٌ: بهم، فهم في قبضته. محفوظ: مصون من التحريف والتغيير والتبديل.
{والسمآء ذَاتِ البروج}
أقسَم الله تعالى بالسماءِ البديعة وما فيها من نجوم لِينبِّهَنا إلى ما فيها من دقة الصنع، وبالغ الحكمة، لِنعلمَ ان الذي خلَقها أجلُّ وأعظم.
والبروج اثنا عشر وهي: الحمَل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسُنبلة، والميزان، والعقرب، والدَّلو، والجَدي، والحوت، والقوس. وتحلُّ الشمس كل شهرٍ في واحد من هذه البروج، وكلٌّ منها يضمُّ منزلَين وثلُثاً من منازل القمر، وعددها ثمانية وعشرون منزلا، ينزل القمر كل يوم في واحد منها ويستتر ليلتين يغيب فيهما.
ومنازل القمر هي: الشرطان، والبطين، والثريا، والدَّبَران، والهَقْعَة، والهَنْعة، والذِراع، والنثرة، والطَرْف، والجَبْهة، والزّبرة، والصرفة، والعَوّاء، والسِّماك الأعزل، والغفر، والزُّبانى، والإكليل، والقلب، والشَّولة، والنعائم، والبلدة، وسعدُ الذابح، وسعد بَلَعَ، وسعدُ سُعود، وسعدُ الأخبية، والفرغُ الأول، والفرغُ الثاني، وبطنُ الحوت.
ونرى في السماء ستة بروج، والستة الاخرى تكون في سماء نصفِ الأرض المغيَّبة عنّا.
ونرى في المنازل اربعة عشر منزلا، والبقية في النصف المغيّب عنّا. والبروج الاثنا عشر، منها ستة في شمال خط الاستواء، وستة اخرى في جنوبه.
فاما التي في شماله فهي: الحمل، والثور، والجوزاء.
وهذه الثلاثة تقطعها الشمس في ثلاثة اشهر هي فصل الربيع، ثم السرطان، والاسد، والسنبلة، وهذه هي فصل الصيف.
والستة التي في جنوب خط الاستواء هس: الميزان، والعقرب، والقوس، وفيها يكون فصل الخريف.
ثم الجدي، والدلو، والحوت، وفيها يكون فصل الشتاء. هكذا قسّم القدماء البروج والمنازل.
ولقد اقسم الله تعالى بالسماء لما فيها من نجوم لا تُعدُّ ولا تحصى، ومن جملتها هذه البروج، لأننا نراها ونشاهدُها دائما، ولما فيها من مصالح ومنافع للناس في هذه الحياة.
وقد اهتم العربُ اهتماماً كبيرا بمعرفة هذه النجوم، ومن قبلِهم اهتمت الأمم التي سبقتهم. وكانوا احوجَ الناس إلى معرفتها، ومواقع طلوعها وغروبها، لأنهم يحتاجون اليها في السفَر برّاً وبحراً، إذ يهتدون ليلاً بهذه الدراري اللامعة، فلولاها لضلّت قوافلُهم وهلكت تجارتُهم ومواشيهم، وهذا ما أشار الله تعالى اليه بقوله: {وَهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر} [الأنعام: 97].
وقال: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [الحجر: 16].
وقال: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} [يونس: 5].
ولذلك اهتم العرب بهذه السماء العجيبة، وعرفوا عدة من الكواكب الثابتة وسمّوها بأسماء مخصوصة، وذكروا في أشعارهم بعضها، مثل الفَرْقَدَين والدَّبَران، والعَيُّوق، والثريا، والسِّماكَين، والشِّعْرَيَيْن، وغيرهما مما ذكر في كتب الفلك والأدب والتفسير والتاريخ....
وقد صور العلامة أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي جميع أسماء الكواكب المستعملة عند العرب في كتابه البديع: صور الكواكب الثمانية والاربعين، والذي حوى نحو مئتين وخمسين كوكبا....
فالقَسم بهذه السماء البديعة الصنع، العجيبة التركيب، وما فيها من نجوم ومجرات، ومجموعات لا نعلم منها الا القليل القليل- قَسَمٌ عظيم، والذي أقسَمَ أجَلُّ أعظمُ.
{واليوم الموعود}
هو يوم القيامة الذي وعَدَ اللهُ أنه لابد آتٍ للحساب والجزاء.
{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}
وبجميع ما خلق اللهُ في هذا الكون العجيب، مما يشهده الناس ويرونه رأيَ العين. وبهذا يوجه الله تعالى انظارنا إلى ما في هذا الكون الواسع الكبير من العظمة والفخامة والحكمة، لنعتبر ونتعظ، ونعلم أن الله الذي خلق هذا الكون هو الذي يستحق أن يعبد.
{قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود}
قاتلَ اللهُ أصحابَ الأخدود ولعنهم، فهم الذين شقّوا في الأرض شقاً مستطيلا كالخندق، وملأوه بالنيران، وحرقوا بها المؤمنين بالله.
ثم بيَّنَ من هُم أسحابُ الأخدود فقال: {النار ذَاتِ الوقود}
إنهم أصحابُ النار المتأججة التي أوقدوا فيها الحطب الكثير، فارتفع لهبها.
ثم بيّن إجرامَهم وقسوةَ قلوبهم بقوله: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين شُهُودٌ}
قُتل هؤلاء المجرمون ولُعنوا حين أحرقوا المؤمنين بالنار، وهم جلوسٌ حولَها، يشهدون العذابَ، ويتشَفَّون بإحراقهم.
{وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض}
وما كان للمؤمنين من ذنْبٍ عندهم، ولا انتقموا منهم، إلا لأنهم آمنوا بالله العزيزِ، الغالبِ الذي لا يُضام مَنْ لاذَ به، الحميدِ في جميع اقواله وافعاله.
ثم بين الله تعالى انه مطلع على ما فعلوا بالمؤمنين، وأوعدهم بانهم سيلاقون جزاء ما فعلوا فقال: {والله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}
إنه تعالى مطَّلع على اعمال عباده، لا تخفى عليه خافية من شئونهم، فهو عليم بما يكون من خلقه ومجازيهم عليه.
وبعد أن ذكر قصةَ أصحابِ الأُخدود، وما فعلوه من العذاب الكبير بالمؤمنين- شدَّد النكير على أولئك المجرمين الذي عذّبوهم، بأنه أعدَّ لهم عذاباً أليما في نار جهنم، وانه إن أمهَلَهم فإنه لا يُهمِلُهم، فقال: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الحريق}.
ان الذين امتحنوا المؤمنين والمؤمنات في دِينهم بالأذى والتعذيبِ بالنار ولم يتوبوا إلى الله من ذلك الجرم الكبير، بل ظلّوا مصرّين على كفرهم وعنادهم- لهم في الآخرة عذابُ جهنم وحريقُها كما أحرقوا المؤمنين.
وقد اختلف المفسرون في حقيقة أصحاب الأخدود، وأين كان موضعهم ومن هم، وأوردوا أقوالا كثيرة لا فائدة منها فأضربنا عنها وتركناها.....
وبعد أن ذَكر اللهُ تعالى ما أعدّ لأولئك المجرمين من العذاب، بين هنا ما يكون لأوليائه المؤمنين من النعيم المقيم، فقال: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ذَلِكَ الفوز الكبير}.
بهذا القول الكريم يتمثل رضى الله وإنعامُه على الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ، حيث تكون خاتمتُهم في جناتِ النعيم التي تجري من تحتِ أشجارها الانهارُ، وهذا هو الفوزُ الكبير، جزاء صبرهم وإيمانهم وعملهم الصالح.
ثم اخبر تالى عن انتقامهِ الشديد من أعدائه وأعداء رسُله والمؤمنين فقال: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئ وَيُعِيدُ وَهُوَ الغفور الودود ذُو العرش المجيد فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}.
ان انتقام الله من الجبابرة والظَلَمة، وأخْذَه إياهم بالعقوبة، بالغُ الغايةِ في الشدة، والنهايةِ في الأذى، فهو الخالقُ القادر الذي يبدأ الخَلْق من العدم، ثم يعيدُهم أحياءً بعد الموت. فإذا كان قادراً على البدءِ والإعادة، فهو قادرٌ على البطش بهم... لأنهم في قبضتِه وخاضعون لسلطانه.
ثم ذكر سبحانه أنه يغفر دائماً، وانه رحيمٌ لعباده، كثيرُ المحبّة لمن اطاعه، فبين في ذلك خمسةَ أوصافٍ من صفات الرحمةِ والجَلال فقال:
1- {وَهُوَ الغفور} وهو كثير المغفرة لمن يتوب ويرجع اليه، في أيها الناس لا تقنَطوا من رحمة الله، فإن رحمته وسِعت كلَّ شيء.
2- {الودود} المحبّ لأوليائه المخلِصين، اللطيف المحسِن اليهم. وأي صفة أعظمُ من هذه الصفة؟
3- {ذُو العرش} صاحبُ الملك والعظمة، والسلطان والقدرة النافذة، والأمر الذي لا يُرَدّ.
4- {المجيد} العظيم الكرم والفضل، العالي على جميع الخلائق، المتصف بجميع صفات الجلال والكمال.
5- {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقّب لحُكمه ولا رادَّ لقضائه.
روي أن ابا بكر الصدّيق رضي الله عنه، قيل له وهو في مرض الموت: هل نظرتَ إلى طبيب؟ فقال: نعم، قالوا: فماذا قال لك؟ قال: قال لي إني فعّال لما أريد.
{هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ والله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}.
بعد أن ذكر قصّة اصحاب الأخدود وبيّن حالَهم، وما فعلوا بالمؤمنين- ذكر هنا ان حال الكفار في كل عصر، ومع كل نبيٍّ وشِيعته، جارٍ على هذا المنهج، فهم دائما يؤذون المؤمنين ويعادونهم، ولم يرسِل اللهُ نبياً إلا واجَه من قومه مثلَ ما لقي هؤلاء من اقوامهم.
والغرضُ من هذا كله تسليةُ النبيّ الكريم وصحبه، وشدُّ عزائمهم على التذرع بالصبر.
هل بلغك يا محمد ما صَدَرَ من تلك الجموع الطاغية من التمادي في الكفر والضلال وما حلّ بهم؟ إنهم فرعونُ وقومه، وثمود. والكفّار في كل عصر متشابهون، فقومك أيها الرسول ليسوا ببدْع في الأمم، فقد سبقهم أمم قبلهم وحلّ بهم النَّكال، وكذلك سيكون مآل الجاحدين من قومك، {فاصبر إِنَّ العاقبة لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49]. إنّ الكفّار في كل عصرٍ غارقون في شَهوة التكذيب، فلا تجزَعْ. إنك لمن المنتصِرين.
{والله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ} لا يفلتون من قبضته، ولا يُعجِزونه.
ثم رد على تماديهم في تكذيب القرآن، وادّعائهم أنه أساطيرُ الأولين فقال: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}
إن ما جئتهم به يا محمد من قرآن عظيم، وكذّبوا به- هو من عند الله واضحُ الدلالة على صِدقك، وهو محفوظٌ من الزيادة والنقص، والتحريف والتبديل.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي: {ذو العرش المجيدِ} بكسر الدال، وقرأ الباقون: {المجيدُ} بالرفع، وقرأ نافع: {في لوح محفوظٌ} بالرفع، والباقون: {محفوظٍ} بالجر.