فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (4):

{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)}
الجوارح: كل ما يصيد من الكلاب والفهود والطير. مكلبين: من التكليب، وهو تعليم الكلاب الصيد، وصار يستعمل في تعليم الجوارح.
يسألك المؤمنون أيها الرسول: ماذا أُحل لنا من الطعام؟ فقل لهم: أُحِلّ لكم كل طيب تستطيعه النفوس السليمة، وأُحل لكم صيدُ الجوارح التي علّمتموها الصيدَ بالتدريب. مستمدِّين ذلك مما علّمكم الله، فكلوا ما تمسكه هذه الجوارح عليكم وتصيده لكم. واذكروا اسم الله عند إرسالها كما روي ذلك عن ابن عباس «إذا ارسلتَ كلبَك وسمَّيْتَ فأخذَ، فقتَل، فكُل». واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه سريع الحساب.

.تفسير الآية رقم (5):

{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}
المحصنات: الحرائر الغفيفات. الأجور: المهور. محصنِين: أعفّاء. مسافحين: مجاهرين بالزنا. أخدان: عشاق. حبط عمله: بطل ثواب عمله.
اليوم، بعد نزول هذه الآية، أُحلت لكم الطّيبات وصار حكمها مستقراً ثابتاً. وأُحلّّ لكم طعامُ اليهود والنصارى وذبائحهم مما لم يرد نص بتحريمهن، كما أُحلّ طعامكم لهم. ومن النساء أَحلَّ الله لكم نكاح الحرائر العفيفات من المؤمنات، ومن نساء أهل الكتاب، إذا أدّيتم لهن مهورهن بقصد الزواج، لا لإنشاء علاقات غير شرعية، أو اتخاذ عشّاق. كل هذا حلال لكم. ومن ينكر شرائع الإسلام التي من جملتها ما بينّا هنا فقد بطَل ثواب عمله وخاب، وهو في الآخرة من الهالكين.

.تفسير الآية رقم (6):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)}
ان أعظم الطاعات بعد الايمان الصلاة، ولا يمكن إقامتها الا مع توافر الطهارة. لذلك بدأ سبحانه في بيان كيفية الوضوء. فأبان:
إذا أردتم ان تقوموا إلى الصلاة، أيها المؤمنون، لم تكونوا متوضئين، فابدأوا بغسل وجودهكم وأيديكم إلى المرافلق، وامسحوا رؤوسكم كلَّها أو بعضها، واغسِلوا أرجلكم إلى الكعبين.
هذه هي فروض الوضوء، أما سُننه ومستحباته فيه مفصّلة في كتب الفقه. وعند الشيعة الإمامية يجب مسح ظاهر القدمين إلى الكعبين فقط. وقد قال بعض علماء السلَف بالمسح، لكنْ مسح القدمين بكاملهما إلى الكعبين.
أما إذا كنتم جنُباً وتودون الصلاة فعليكم ان تتطهروا بغسل جميع جسدكم بالماء. وان كنتم مرضى مرضاً يضر معه استعمال الماء فتيمّموا. فإن كنتم مسافرين ولم تجدوا ماء فتيمّموا. واذا ذهبتم لقضاء الحاجة، أو لا مستم النساء ولم تجدوا ماء فتيمموا أيضاً، ففي ذلك كافية.
وكيفية التيمُّم أن يضربَ بكفّيه على التراب ويمسح بهما وجهه، ثم يضرب ضربةً اخرى يمسح بها كفّيه إلى الرسغين.
الترخيص تيسيرٌ من فضل الله، فهو لا يريد ان يُحرجنا، بل ان يطهّرنا ظاهراً وباطناً وأن يُتم نِعمَه علينا بالهداية والبيان والتيسير، حتى نشكره على ذلك بالمداومة على طاعته. انظر الآية (43) من سورة النساء.

.قراءات: قرأ ابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب {وأرجلكم} بنصبه، وقرأ حمزة والكسائي {وأرجلكم} بجره، عطفاً على {رؤوسكم}. وقرأ حمزة والكسائي {لمستم} دون ألف، والباقون {لامستم}.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}
بعد أن بين سبحانه هذه الأحكام للمسلمين يومذاك أَتبع بنعمه التي أنعم بها عليهم، ومنها انهم كانوا كفاراً متباغضين فأصبحوا بهدايته إخواناً متحابّين. وهو يخاطبهم أن اذكروا العهد الذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمداً على السمع والطاعة حين قلتم له: سمعْنا ما أمرتَنا به ونهيتنا عنه، وأطعْناك فيه فلا نعصيك في معروف. اتّقوا الله بالمحافظة على هذه العهود فإنته عليم بخفيّات ما تضمرونه فمُجازيكم.

.تفسير الآية رقم (8):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)}
قوامين لله: دائبين على القيام بعهود الله واماناته. شهداء بالقسط: بالعدل. لايجرمنكم: لا يحملنكم الشنئان: البغض الشديد.
بعد أن أمر الله عباده بالوفاء بالعقود عامة، ثم امتنّ عليهم بإباحة كثير من الطيبات وأمرهم بالطهارة مع رف الحرج عنهم دعاهم إلى العدالة المطلقة مع الأولياء والأعداء على السواء.
يا أيها المؤمنون، حافِظوا على أداء حقوق الله دائماً، وأدّوا الشهادة بين الناس بالعدل، فالعدل ميزان الحقوق. وحين يسود الجور والظلم في أمةٍ تزول الثقة في الناس. لذا انتشرت المفاسد وتقطّعت روابط المجتمع في هذه الأيام.
ولا تسمحوةا لأنفسكم ان تنساق وراء مشاعركم الخاصة، فلا يجوز أن يدفعكم بُغضكم الشديد لقوم ان تُجانِبوا العدلَ معهم. ان العدل منكم اقربُ للتقوى وخشية الله، فاخشوا الله في كل أموركم، انه عليم بها، وسيجازيكم على أساسها. فالعدالة في الإسلام أساس عظيم ترتكز عليه هذه العقيدة المتينتة التي ترتقي بها النفوس إلى اعلى مستوى في هذه الحياة.
وقد كثرت أوامر الله في القيام بالعدل، فأمر به عاماً وخاصاً، مع المخالفين في الدين، وفي الحكم والقضاء، وبين الأولاد والزوجات، بل أمر به المؤمنَ مع نفسه.

.تفسير الآيات (9- 10):

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)}
لقد تفضل سبحانه فوعد المؤمنين العاملين بإيمانهم أن يعفو عن ذنوبهم ويعطيهم الأجر العظيم. وهنا قَرَن الإيمان بالعمل، ذلك ان العملَ مظهر لازمٌ عنه في تلك الحال.
اما الذين جحدوا دينه، وكذّبوا بآياته الدالة على وحدانيته فهم من أهل جهنم يوم القيامة.
وهكذا يأتي القرآن بصور متقابلة في كثير من آياته حتى يظهر الفرق بين المؤمن والكافر، وما ينتظر كلاً منهما.

.تفسير الآية رقم (11):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}
هناك عدة روايات في سبب نزول هذه الآية، احداها قصة أعرابي «جاء إلى الرسول الكريم وهو جالس تحت شجرة، سيفه معلَّق عليها، وأصحابه متفرقون عنه. فأخذ الأعرابي السيف وقال للنبي: ما يمنعك منّي؟ فقال: الله، فسقط السيف من يد الرجل. وهنا أخذه الرسول وقال للرجل: ما يمنعك مني؟ فقال: لا أحد، فكن خير آخِذٍ.. أي اقتلني برِفق ان كنت ستفعل. وقد عفا عنه الرسل. فأسلم وذهب إلى قومه وقال لهم: جئتكم من عند خير الناس».
وهناك عدة روايات أخرى.. والمهمّ أن الله تعالى يمنّ على المؤمنين ويذكّرهم بنعمه عليهم.
يا أيها الذين آمنوا، تذكّروا نعمة الله عليكم وقت الشدّة حين همَّ قوم من المشركين ان يغدِروا بكُم وبنبيّكم، فأحبط الله كيدهم وكفّ أذاهم. فاتّقوا الله الذي أراكم قدرته على أعدائكم، وتوكّلوا عليه وحده في جميع أموركم، انه خير كافل وأعظم معين.

.تفسير الآيات (12- 13):

{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)}
النقيب: الرئيس. عزرتموهم: نصرتموهم.. التعزير يأتي بمعنى النصر والتعظيم.
لقد اخذ الله عهداً على بني اسرائيل ان يعملوا بما في التوراة، شريعتهم التي اختارها لهم، ولا يزال هذا الميثاق في آخر الاسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى. يومذاك أقام عليهم اثني عشر رئيساً منهم لتنفيذ العهد، ووعَدَهم أن يكون معهم ويمُدّهم بالعون والنصر إن أقاموا الصلاة على حقيقتها، وأدعوا الزكاة المفروضة عليهم، وصدّقوا بجميع رسله ونصروهم، ثم بذلوا المال نافلةً منهم في سبيل الخير. إذا فعلوا كل ذلك، تجاوضزَ عن ذنوبهم، وأدخلهم جناتٍ في الآخرة من تحتِها الأنهار. أما من جحد ونقض العهد فقد حاد عن الطريق السويّ، فله جزاءٌ آخر.
لكن بني اسرائيل نقضوا الميثاق. لذا استحقّوا اللعن والطرد من رحمة الله وصارت قلوبهم قاسيةً لا تلين لقبول الحق. لقد أخذوا يحرّفون كلام الله عن معناه الأصلي إلى ما يوافق هواهم، وتخلّوا عن كثير مما أُمروا به في التوراة. وها أنت يا محمد لا تزال تطَّلع من اليهود على خيانة إثر خيانة، فلا تظنَّ أنك أمِنت كيدهم بتأمينك إياهم على أنفسهم.. لا، فهم قوم غدّارون لا أمان لهم، الا قليلا منهم أسلموا وصدّقوا فلم يخونوا. وعن هؤلاء تجاوزْ يا محمد واصفحْ، وأسحن اليهم، ان الله يحب المحسنين.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)}
وكما أخذنا ميثاقاً على اليهود أخذنا مثله من النصارى: أن يؤمنوا بالإنجيل وبالوحدانية، والثبات على طاعتنا وأداء فرائضنا، وابتاع رسلنا والتصديق بهم. لكن هؤلاء أيضاً تخلّوا عن كثيرا مما أُمروا به في الأنجيل الحقيقي. فعاقبلهم الله على ذلك بإثارة العداوة والخصومة بينهم، وهذه المشاهد والحوادث تثبت هذه العداوة. وأكبر دليل على ذلك ما يجرى اليوم من قتال مرير في ايرلندا الشمالية بسبب التعصب الديني والطائفي. وفي كل الدول التي تدّعي المدنيّة ممن يدين بالنصرانية، لا تدخل طائفةٌ كنيسة الطائفة الأخرى حتى هذا اليوم. ولا يصلّون الا في كنائسهم، ولا يتزاوجون الا نادراً، ويكون الزواج مدنياً في أغلبِ الأحيان. وسوف يخبركم الله يوم القيامة بما كانوا يعملون.

.تفسير الآيات (15- 16):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)}
يا أهل الكتاب: لقد جاءكم محمد داعياً إلى الحق، يظهر لكم كثيراً مما كنتم تكتمونه من التوراة والانجيل، مثل: صفة النبي، وقضيته الرجم، وبشارة عيسى فيه، وغير ذلك.. ومع هذا فإن رسولنا لا يتعرض لكثير مما تخفونه وتكتمونه لأنه لا حاجة إلى إظهاره. فلماذا تحيدون عن صواب اتّباعه!! لقد جاءكم من عند الله بشريعة كاملة هي نور بذاتها، أضاءت العالم، ونشرت فيه العدالة والمساواة.. فلماذا تتعامون عن الحقيقة!! إن الله يهدي بهذا الكتاب كلَّ من أطاعه واتّبع رضاه وبه يُخرج هذا العالم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، كما يهديهم إلى الطريق القويم.

.تفسير الآية رقم (17):

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}
لقد دخل على عقيدة النصارى كثير من التغيير والتبديل، ولم تتسرّب هذه الانحرافات والتبديلات كلها دفعة واجدة، بل على فترات. لقد أضافتها المجامع واحدةً بعد الأخرى، إلى ان انتهت بهذا الخلط العجيب الذي تحار فيه العقول، حتى عقول الشارحين للعقيدة من اهلها.
وقد كُتب الكثير في هذا الموضوع في الغرب والشرق. والأقوال في المسيح كثيرة، عُقدت لتصفية الخلافات فيها عدة مجامع. منها: (مجمع نيقية) عام 325 ميلادية، و(مجمع القسطنطينية) عام381م. و(مجمع إفسس) عام 430م. و(مجمعُ خلقيدونية) عام 451م، وغير ذلك. ومن أحبَّ التفصيل فليراجع كتاب (محاضرات في النصرانية) للاستاذ الشيخ محمد أبو زهرة.
والله تعالى هنا يكذّب الجميع ويقول: لقد كفر الذين زعموا باطلاً أن الله هو المسيح ابنُ مريم. اسألهم يا محمد: هل يقدر أحد على دفع الهلاك والموت عن المسيح وأمه، بل عن سائر الخلق جميعاً ان اراد الله ان يهلكهم؟ ان هناك فرقاً مطلقاً بين ذات الله سبحانَه وطبيعتِه ومشيئته وسلطانه، وبين ذات عيسى وذاتِ أمه وكلّ ذاتٍ أخرى. فذاتُ الله واحدة، ومشيئته طليقة، وسلطانه منفرد. فإذا كان المسيح لا يستطيع أن يدفع عن نفسه أو أمه الهلاك، كما لا يستطيع ان يدفعه عن غيره فكيف يكون هو الله؟! ان لله وحدَه، لا لعيسى، مُلك السماوات والأرض وما بينهما، يخلق ما يشاء على أي مثال أراد، والله على كل شيء قدير.