فصل: تفسير الآية رقم (186):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (186):

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}
لتبلون: لتمتحَنُنَّ. من عزم الأمور: من صواب الرأي والتدبير.
ستُختبرون أيها المؤمنون في أموالكم: بالنقص والنفاق والانفاق والبذل في جميع وجوه البر، وفي أنفسكم: بالجهاد، وبالقتل في سبيل الله، والأمراض والآلام. وسوف تسمعون من اليهود والنصارى والمشركون كثيرا مما يؤذيكم من السب والطعن، فإن قابلتم ذلك كله بالصبر والتقوى، كان ذلك من صواب الرأي وحسن التصرفن، وهو ما يجب العزم على التمسّك به.

.تفسير الآية رقم (187):

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)}
الميثاق: العهد المؤكد. فنبذوه: فرموه. واشتروا به ثمنا قليلا: وأخذوا بدله شيئاً قليلا من مطامع الدنيا.
بعد أن بين الله تعالى شُبهة اليهود ومطامعهم في نبوة سيدنا محمد جاء هنا يفضح موقف أهل الكتاب جميعاً في مخالفتهم عهد الله معهم يوم آتاهم الكتاب. وقد تضمّن سياق السورة الكثير من أباطيل أهل الكتاب وأقاويلهم وبخاصة اليهود. ومن أبرزِها كتمانهم للحق الذي يعلمونه حق العلم، بغية إحداث البلبلة والاضطراب في الدين الاسلامي، وإنكاراً لوحدة المبادئ بينه وبين الأديان التي قبله. هذا مع ان التوراة بين ايديهم، ومنها يعلمون أن ما جاء به محمد هو الحق من عند الله. إذنْ، لماذا يكتمون الحق ولا يبالون به؟ طمعاً في حطام تافه من عرض الدنيا!
هنا يكشف الله ألا عيبهم ثم يخاطل رسوله والمؤمنين: اذكروا حين أخذ الله الميثاق على أهل الكتاب بلسان أنبيائهم أن يوضحوا معاينه ولا يحرّفوه عن مواضعه، أو يحفوا شيئا من آياته عن الناس.. لكنهم ألقوه وراء ظهورهنم واستبدلوا به حطام الدنيا ليتمتعوا بلذاتها الفانية، {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}.
وينطبق هذا المسلمين اليوم، فهم قد اتبعوا أهواءهم وتركوا كتاب الله وراء ظهورهم. من ثم أصبحوا حيارى، لا يدرون ماذا يعملون، فيما تتخطفهم الأمم من كل جانب.
قال الزمخشري رحمه الله: كفى بهذه الآية دليلاً على انه مأخوذ على العلماء ان يبيّنوا الحق للنار وما علموه، وان لا يكتموا منه شيئا. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أخذ الله على أَهل الجهل ان يتعلّموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلِّموا.
وها نحن نرى كلتا الطائفتين مقصرة أشد التقصير. وعذاب الجهّال منصبٌّ على رؤوس العالمِين. وقد ألهى الطمعُ في المال والجاه.

.تفسير الآيات (188- 189):

{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}
روى الامام أحمد والبخاري مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم «أن رسول الله سأل بعض احبار اليهود عن شيء فكتموا حقيقته، وأخبروه بغير الحقيقة، وخرجوا وقد أروه ان قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك اليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه» وروى البخاري أيضا عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله إلى الغزو تخلّفوا عنه وفرحوا بمقعدهم ذاك. فاذا قدم من الغزو واعتذروا اليه وحلفوا، وأحبوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا. فنزلت هذه الآية.
ولا منافاة بين الروايتين، لأ، الآية عامة في جميع ما ذُكر. وهي وان كانت في اليهود والمنافقين ففيها ترهيب للمؤمنين، وتنسحب على كل ما يجب أن يُحمد بما لم يفعل. وقد جاء عن النبي في الصحيحين: «من ادّعى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله الا قلة».
ومعنى الآية: لا تظننّ أيها النبي ان الذين يفرحون دائما بما يأتون من أفعال قبيحة، ويحبون الثناء بما لم يفعلوه سيكونون في نجوة من العذاب، فقد أعدّ الله لهم عذاباً عظيما يوم القيامة لا مفر منه. ولله ملك السماوات والأرض، وهو على كل شيء قدير، يؤاخذ المذنبين بذنوبهم ويثيب المسحنين على احسانهم.

.قراءات:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو {لا يحسبن الذين يفرحون...} بفتح الياء وضم الباء.

.تفسير الآيات (190- 195):

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}
الخلق: التقدير والترتيب الدال على الاتقان. اختلاف الليل والنهار: تعاقبهما. الألباب: العقول. وعلى جنوبهم: مضطجعين. الأبرار: المحسنون، واحدُها بار أو بَر. على رسُلك: على أَلسنة رسلك.
من أسلوب القرآن الكريم انه يجذب النفوس والعقول من الاشتغال بالخلق إلى الاستغراق في معرفة الحق، فيأتي بين الآيات وفي أواخر السور بآيات مشوّقة تريح الأعصاب وتشوق القلوب. فقد اشتملت هذه الآيات الحكيمة على ثلاثة أمور:
الأول: لما طال الكلام في تقرير الأخذ والرد والجواب عن شبهات المبطلين، عاد التنزيل إلى إثارة القلوب بِذِكر ما يدل على التوحيد والالوهية. فقال: إن هذا الكون بذاته كتابٌ مفتوح، يحمل دالائل الايمان وآياته، ويشير إلى أن وراء هذا الكون يداً تدبره بحكمة، ويوحي بأن وراء هذه الحياة الدنيا حياةً أخرة، وحساباً وجزاء.
هذا ما اتفقت على وجوده الأديان الكتابيّة، وان اختلفت في تمثيل الحياة الأخرى.
وقد آمن الفلاسفة بالحياة الاخرى قبل الاديان الكتابية جميعاً وبعد مجيئها أيضا. فمن أشهر المؤمنين بها قبل الأديان (أفلاطون)، ومن أشهرهم بعدها (عمانويل كانت)، وهما يجمعان أطراف الآراء الفلسفية في سبب الإيمان ببقاء النفس بعد الموت.... ونريد من الاشارة الموجزة إلى رأي هذين الفيلسوفين، ان يذكر الناظرون في مسألة الحياة بعد الموت انها مسألة بحث وتفكير، لا قضية اعتقاد وايمان فحسب.. ان العقل لا يرخجها من تناول بحثه، فلابد من توضيح الحقيقة الاعتقادية بالمحسوسات في كثير من الأحوال. وعلى هذا، ينبغي ان يروض فكره كلُّ من ينظر إلى عقيدة الحياة الأخرى في القرآن الكريم. وانما يدرك هذه الدلائل، ويرى هذه الحكمة {أُولو الألباب} من الناس، لا الذين يمرون بهذا الكتاب المفتوح وأعينهم مغمضة، وعقولهم مغلقة غير واعين.
والثاني: مدحٌ لأولي الألباب الذين يذكرون الله على كل حال، فهم يتفكرون في عظمة هذا الكون ثم يبتهلون إلى الله بهذه الدعوات الصادقة، المنبعثة من قلوب صافية مؤمنة.
والأمر الثالث: استجابة الخالق العظيم لهم، بأنه لا يضيع أجر أحد، وأنهم سيرجعون إلى رب رحيم، عادل، قد أعدّ لهم أحسن الثواب وأجمل الاقامة. وها هو التفسير باقتضاب:
ان في خلق الله للسماوات والأرض، بما فيهما من ابداع، وإحكام نظام، وبديع تقدير، وفي اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما بنظام دقيق نحسّ آثاره في أجسامنا بفعل حرارة الشمس وبرد الليل لدلائل بيناتٍ لأصحاب العقول المدركة على وحدانية الله، وكمال قدرته.
وفي هذه الآية اشارة إلى حقائق مذهلة في هذا الكون العجيب، ذلك ان السماء ما هي الا آية من آيات الله تبدو لنا بتأثير الاشعة الشمسية على الغلاف الجوي المحيط بالأرض.
فعندما تسقط هذه الأشعة على ذريرات العناصر الكيماوية التي يتألف منها الجو، وما يحمله من دقائق عالقة به تنعكس هذه الأشعة وتتشتت، فنرى نحن الضوء الأبض الذي يتألف من جميع الألوان المرئية.
وصفوة القول، ان ضور النهار يتطلب الاشعاع الشمسي، وكميةً متناسية من الغبار الجوي. فقد حدث في سنة 1944 أن أظلمت السماء فجأة في وضح النهار، ولشدة ظلمتها صار النهار كأنه الليل. وقد ظل الأمر كذلك زمناً وجيزاً، ثم تحولت السماء إلى لون أحمر، تدرّج إلى لون برتقالي، فأصفر، حتى عادت إلى حالتها الطبيعية، بعد نحو ساعة أو أكثر.
وقد تبين فيما بعد أن هذه الظاهرة نشأت من تفتُّت نيزك في السماء، استحال إلى رماد، وحملته الرياح إلى مسافات بعيدة من أواسط افريقية إلى شمالها، ثم إلى غربي آسيا، حيث شوهدت هذه الظاهرة في سورية. وتفسير ذلك ان الغبار المعلق في الفضاء قد حجب نور الشمس، فلما قلّت كثافته أخذ الضوءُ في الاحمرار والاصفرار إلى ان عاد طبيعيا.
أما ما نراه في هذه السماء من نجوم وأجرام سمايوة ومجرّات وكائنات، فهي أمور كُتب فيها مجلدات وموسوعات يتطلب التعرف على أنظمتها دراسة واسعة وتخصصا كبيرا، وهي مظهر من مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى التي تتجلى في خلقه كلَّ ذلك.
والأرض أهم عالم عرفناه، وفيها أحوال لا تُوجد مثلها في شيء من هذا الكون الواسع. هي على ضخامتها في نظرنا لا تساوي في الحقيقة ذرة في هذا الكون العجيب. ولو ان حجمها كان أقل أو أكثر مما هي عليه الآن، لاستحالت الحياة فوقها. وهي تدور بسرعة مقدراها ألف ميل في الساعة، وفيها جاذبية غير عادية، وهي تشد كل شيء اليها بفعل تلك الجاذبية.
وتُكلم الأرض دورة واحدة حول محورها كل أربع وعشرين ساعة، ولو فرضنا ان انخفضت هذه السرعة إلى مائتي ميل في الساعة، لطالت أوقات لَيلِنا ونهارنا عشرات المرات، عما هي عليه الآن. ويترتب على ذلك ان تحرق الشمس كل شيء فوق الأرض، فإن بقي بعد ذلك شيء قضت عليه البرودة الشديدة في الليل.
ثم ان هذه الأرض دائرة في الفضاء حول الشمس، وعلى زواية محددة، الأمر الذي تنشأ عنه فصول السنة، وصلاحية البقاع للزراعة والسكن، فلو لم تَسِر الأرض على هذه الزاوية لغمر الظلام القطبين طوال السنة، ولسار بخار البحار شمالاً وجنوبا، ولما بقي على الأرض غير جبال الثلج وفيافي الصحراوات.. اذ ذاك تغدو الحياة على هذه الأرض مستحيلة تماماً.
ولو ك انت قشرة الأرض أكثر سُمكاً مما هي الآن بمقدار عشرة أقدام لما وجد الأكسجين، لأن القشرة الأرضية ستمتص الاوكسجين في تلك الحال. وبدونه تستحيل الحياة الحيوانية.
وكذلك لو كانت البحار أعمق مما هي الآن بضعة أقدام، لا نجذبَ إليها غاز ثاني اوكسيد الكربون، والاوكسجين، ولاستحال وجود النباتات عند ذلك.
ويحيط بالأرض غلاف جوي خليط من الغازات التي تحتفظ بخاصائصها، وأقربُ طبقات الأرض إلى سحطها تسمى تروبوسفير، وهي تمتد إلى ارتفاع ثمانية كليو مترات عند القطبين والى 11 كم في خطوط العرض الوسطى، و12 كم عند خط الاستواء. وفي هذه الطبقة يحدث خلط مستمر للهواء نتيجة للتيارات الصاعدة والهابطة.... وتتركب الغلاف الجوي من الأزوت والأوكسجين، والأرغون، وثاني أوكسيد الكربون، وكميات ضئيلة من غازات النيون والكريتون والهيليوم والأيدروجين والكسينون والأوزون، بالاضافة إلى كميات متغيرة من بخار الماء والغبار. ولكل هذه المواد نسب معينة محددة لا تزيد ولا تنقص.
ولو كان الغلاف الجوي للأرض ألطف مما عليه الآن، لاخترقت النيازك الغلاف الخارجي منه كل يوم، ولرأينا هذه النيازك مضيئة في الليل، ولقسطت على كل بقعة من الأرض وأحرقتها. فولا ان غلاف الأرض الهوائي يقينا من هذه الشهب لأحرقتنا. ذلك ان سرعتها أكبر من سرعة طلقة البندقية بتسعين مرة، كما ان حرارتها الشديدة كافية لإهلاك كل ما على سطح الأرض.
والآن. ألا يدل على التوازن الدقيق العجيب جداً على قدرة الخالق وبديع صنعه! الحق أنه لم يكن صدفة، ولا وُجد عفوا كما يقول المبطلون الجاهلون.
لكن، من يدرك ذلك؟ إنهم أولوا الألباب، فهم الذين ينظرون إليه ثم يستحضرون في نفوسهم عظمة الله وجلاله. ومن ثم تجدهم لا يغفلون عنه تعالى في جميع أحوالهم: قائمين، وقاعدين، وعلى جنوبهم. وهم يتفكرون في خلق السماوات والارض، وما فيها من عجائب ثم يقولون: ربنا ما خلقتَ كل هذا الكون العجيب عبثا، بل وِفق حكمة قدّرتَها، إنك أنت العزيز الحكيم.
وفي هذا تعليم للمؤمنين كيف يخاطبون ربهم عندما يهتدون إلى شيء من معاني إحسانه وكرمه في بدائع خلقه، فوفّقنا يا ربُّ بعنايتك إلى العمل الصالح حتى يكن ذلك وقاية لنا من عذاب النار.
ثم إنهم يضرعون إلى ربهم قائلين: يا ربنا وخالقنا، إن من يستحق النار باعماله السيئة سيلقاها، وبذلك تكون قد أخزيته وأظهرتَ فضيحته. وليس للظالمين الذين استحقوا النار أنصار يحمونهم يوم القيامة من دخول النار.
ثم يتّجهون بقلوب خاشعة تطلب المغفرة الواسعمة، والوفاةَ مع الأبرار فيبتهلون: يا ربنا، إننا سمعنا رسولك الكريم يدعو إلى الإيمان بك، فأطعناه وآمنّا، فاغفر بنا ذنوبنا كبيرها وصغيرها، وكفّر عنا سيئاتنا واجعلنا في الآخرة من عبادك الأخيار. أعطنا يا ربُّ ما وعدتنا على ألسنة رُسلك الكرام من حسن الجزاء في الدنيا كالنصر والتأييد، ومن النعيم في الآخرة. لا تفضحنا يا ربّ ولا تهتك سترنا يوم القيامة، انك لاتخلِف ما وعد به جزاء الإيمان وصالح الأعمال.
ولقد استجاب لهم ربهم طلبهم بعد تلك المناجاة اللطيفة، والدعاء الخالص، فطمأنهم إلى انه لا يُضيع ثواب عامل، ذكراً ك ان أم أنثى، فكلّهم سواء في الانسانية.
وفي هذه الآية نصٌّ على أن الذكر والأثنى متساويان عند الله ولا تفاضل بينهما الا بالأعمال.
بعد ذلك ينتقل البحث إلى المهاجرين من مكّة، فالذين هاجروا يريدون وجه الله، أو أُخرجوا من ديارهم وناهلم الأذى في سبيل الله، وقاتلوا وتعرضوا للقتل قد كتب الله على نفسه ان سيمحو عنهم سيئاتهم، ويُدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار. والله وحده عنده الثواب الجميل.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي {وقتلوا واقاتلوا}، وقرأ ابن كثير وابن عامرم {وقتلوا} بتشديد التاء.