فصل: تفسير الآيات (144- 147):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (144- 147):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)}
الدرك: بسكون الراء وبفتحها الطبقةُ من جهنم. اعتَصموا بالله: لجأوا اليه.
يا أيها المؤمنون لا تتتخذوا الكافرين أحبابا وانصاراً لكم من دون المؤمنين، أتريدون ان تجعلوا لله حجةً عليكم بأنكم منافقون؟.
إن المنافقين في سفلى طبقاتت جنهم، لأنهم شر أهلها.. فقد جمعوا بين الكفر والنفاق، ومخادعة الرسول والمؤمنين وغشّهم. ولن تجد لهم يا محمد نصيراً ينقذهم من العذاب. ولا ينسحب ذلك على الذين رجعوا عن النفاق ولاذوا بالله وأخلصوا لدينه، فأولئك يعدُّون من المؤمين، وقد أعدّ لهم جزاءً عظيماً في الدنيا والآخرة.
ما ذا ينال الله من تعذيبه إياكم ان شكرتم وآمنتم؟ إنه لا يعذّب احداً من خلقه انتقاماً منه، ولا طلبنا لنفع، ولا دفعاً لضرٍ وانما يعاقب المجرمين لإصلاحهم وتطهيرهم، وهو شاكر لعباده عمل الخير، كما يعلم حالهم من خير أو شر.

.قراءات:

قرأ الكوفيون {الدرك} بسكون الراء والباقون {الدرك} بفتح الراء وهم لغتان.

.تفسير الآيات (148- 149):

{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)}
حُبُّ الله للشيء: الرضا به والإثابة عليه. السوء من القول: ما يسوء الذي يقال فيه، كذِكر عيوبه ومساويه.
إن الله لا يرضى من المؤمين ان يقول السوءَ بضعهم لبعض، الا الّذي وقع عليه ظلم، فإن الله رخص له أن يشكوَ من ظلمه، ويشرح ذلك لصدق أو حاكم أو غيره مما يساعده على ازالته. واللهُ لا يحب لعباده ان يسكتوا على الظلم، وهو سميع لكلام المظلوم، وعليم باظلم الظالم، لا يخفى عليه شيء من أقوال العباد ولا افعالهم ونيّاتهم فيها.
وهكذا فإن الإسلام يحمي سمعة الناس مال م يَظلِموا.. فإذا ظَلموا لم يستحقّوا هذه الحماية، عند ذلك يحق للمظلوم ان يجهر بكلمة السوء في ظالمه. بذا يوفّق الإسلام بين حرصه على العدل، وحرصه على الأخلاق.. ثم يوجه الناس إلى الخير عامة ويدعوهم إلى العفو عن السوء.

.تفسير الآيات (150- 151):

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151)}
الايمان بالله ورسله ركنان أساسيان في العقيدة الاسلامية، والإيمان بهما واجب بدون تفرقة بين رسول وآخر. وهناك فريق من الناس يؤمن ببعض الرسل دون بعض كقول اليهود: نؤمن بموسى ونكفر بعيسى ومحمد، وقول النصارى: نؤمن بموسى وعيسى ونكفر بمحمد.. والفريقان على خطأ. وهناك فريق ينكرون النبوّات. وكل هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى: {أولئك هُمُ الكافرون حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً}.
ثم بعد أن بيّن حال الخارجين عن طريق الايمان ذَكر حال الفريق الذي هو على الصراط المستقيم فقا: والّذين آمنوا بالله ورسوله.. الآية: 152.

.تفسير الآية رقم (152):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)}
أما هؤلاء الذين يعتقدون بالله وبجميع رسله فإن الله سوف يجزل لهم الأجر يوم القيامة، ويهيِّئ لهم الثواب العظيم، والله سبحانه غفور رحيم.

.قراءات:

قرأ حفص عن عاصم وقالون عن يعقوب {سوف يؤتيهم} بالياء. والباقون: {نؤتيهم} بالنون.

.تفسير الآية رقم (153):

{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153)}
جهرة: عيانا، جهرا. الصاعقة: الشرارة الكهربائية التي تسبق سماع الرعد. البينات: الدلائل الواضحة.
في هذه الآية الكريمة وما يليها بيان لتعنُّت اليهود وجدلهم واصرارهم على الفكر، فقد طلبوا إلى رسول الله ان يأتيهم بكتاب من السماء {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السمآء} يَرَوْنَه ويلمسونه بأيديهم. فقد قالوا: يا محمد، إن موسى جاء بالأرواح من عند الله، فأتِنا بألواح مكتوبة بخط سماوي يشهد انك رسول الله.
ولقد روى الطبري في تفسيره ان اليهود قالوا للنبي: «لن نبايعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند الله يكون فيه» من الله تعالى إلى فلان.. انك رسول الله، والى فلان.. انك رسول الله، وهكذا، ذكروا أسماء معينة من أحبارهم. ما قصدُهم من ذلك الا التعنت والجدل. ولن يقتنعوا حتى لو انزل الله ذلك الكتاب ولمسوه بأيديهم كما قال تعالى. {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الذين كَفَرُواْ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الأنعام: 7].
فلا تعجب ايها الرسول من سؤالهم هذا، فقد سألوا موسى فقالوا: أرِنا الله عَياناً، فعاقبهم الله بأن أرسل عليهم صاعقة أهلكتهم. ولم يقِفوا عند هذا الحدّ بل ازدادوا كفراً، فاتخذوا العجل إلَها وعبدوه، وهم عبيد الذهب والمادة، كل هذا رغم ما جاءهم به موسى من الأدلة الواضحة. ومع ذلك فقد عفونا عنهم. لكن العفو لم ينفع معهم ولم يقدّروه، فآتينا موسى سُلطة ظاهرة فأخضعناهم له.

.تفسير الآية رقم (154):

{وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154)}
ورفعنا فوقهم جبل الطُّور المعروف ظُلَّة، مهدِّدين بإسقاطه عليهم، لِيفوفوا بعهدم بعد أن امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة. وقلنا لهم ادخلوا باب القرية خاضعين لله، وأمرناهم ألا يعتدوا يوم السبت فلا يتعاطون فيه عملا. وأخذنا منهم عهداً مؤكداً بذلك، لكنهم نقضوه.

.تفسير الآية رقم (155):

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)}
فسبب نقضهم للميثاق الذي أُخذ عليهم، إذ أحلّوا ما حرّم الله وحرّموا ما أحلّه من جراء كفرهم بآيات ربهم، وقتلهم الأنبياء الذين أرسلناهم، ظلماً وعدوانا، وإصرارهم على الضلال بقولهم: إن قلوبَنا غُلْف لا تعي شيئا ختم الله على قلوبهم وأبقاهم في كفرهم فلا يؤمن منهم الا نفر قليل.

.تفسير الآيات (156- 158):

{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)}
بهتانا: اختلافا وكذبا. شُبّه لهم: وقع لهم الشبه بين عيسى والمقتول الذي صلبوه.
لقد غضب الله عليهم جزاء كفرهم، بسبب رميهم مريم كذباً من عندهم باقتراف الزنا، وبحكم قولهم إنّا قتلنا عيسى بن مريم رسول الله مع ان الحق انهم لم يقتلوه ولم يصلبوه وإنما شُبّه لهم ذلك. والواقع أنهم قتلوا شخصاً يشبهه. اما الذين اختلفوا في شأنه فهم في شك من أمره، اذ ليس لهم به علم قطعي، وما يتبعون إلا مجرد الظن.
وروايات الأناجيل الموجودة الآن حول هذا الموضوع متناقضة، فبضعها يرى أن يهوذا الاسخريوطي أحد تلاميذ المسيح هو الذي سلّمه للجند وأخذ ثلاثين قطعة من الفضة اشترى بها قالا. اعمال: 18 و19.
وفي انجيل مَتَّى ان يهوذا ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلا: قد اخطأت إذ سلّمت دماً بريئا.... متّى 37 7.
وفي انجيل متّى أيضاً أن يهوذا ندم ومضى وخنق نفسه. 27: 5.
اما كتاب اعمال الرسل فيذكر ان يهوذا لم يخنق نفسه بل (سقط على وجهه فانشقّ من الوسط......): الخ ذلك.
والخلاصة: إن روايات المسلمين جميعها متفقة على أن عيسى نجا ممن أرادوا قتله فقتلوا آخر ظناً منهم انه المسيح.
{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً....}
وهذا تأكيد من القرآن بأن عيسى لم يُقتل أو يصلب بل رفعه الله إليه وأنقذه من أعدائه، والله عزيز لا يُغلب. بهذه العزة أنقذ رسوله الكريم من أعدائه، وبحكمته جازى كل عامل بعمله. وموضوع الرفع: أهو بالروح أو بالجسد موضوع تكلم فيه المفسرون كثيرا فلا داعي لتفصيله هنا.

.تفسير الآية رقم (159):

{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)}
ان كل فرد من أهل الكتاب ينكشف له الحق في أمر عيسى قبل ان يفارق الحياة، فيدرك ان عيسى ما كانت إلا عبد الله ورسوله، ويؤمن على ذلك الأساس. غير أن ايمانه يأتي متأخراً لا ينفعه. ولسوف يشهد عليهم عيسى يوم القيامة انه قد بلّغ رسالة ربه، كما جاء في آخر سورة المائدة: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117].

.تفسير الآيات (160- 161):

{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)}
فبسبب ما ارتكبه اليهود من الجرائم، ولمنعهم كثيراً من الناس الدّخولَ في دين الله، وتعاملهم بالربا وقد نهى الله عنه، وأخذِهم أموال الناس بالرشوة والخيانة بسبب كل ذلك عاقبهم الله، فحرم عليهم ألواناً من الطيبات كانت حلالاً لهم من قبلُ وأعدّ لهم عذابا مؤلماً في جهنم إلى الأبد.

.تفسير الآية رقم (162):

{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)}
ولكن: هنك في اليهود والنصارى علماء راسخون في العلم، يؤمنون، شأن المؤمنين من أُمتك أيها النبي، بما أوحي اليك، أنت والرسل من قبلك (مثل عبدالله بن سلام وأسيد بن سعية وثعلبة بن سعية، وغيرهم)، ويقيمون الصلاة ويؤدونها على أحسن وجوهها، ويدفعون الزكاة ولا يبخلون بها، ويؤمنون بالله واليوم الآخر.. هؤلاء جميعاً سيجزيهم الله جزاءً وافياً وأجراً عظيماً لا يدرك وصفه إلا هو.

.تفسير الآيات (163- 166):

{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)}
الأسباط: جمع سِبط وهو ولد الولد، والمراد بهم قبائل بني اسرائيل. قصصناهم عليك: روينا لك أخبارهم. الزبور: الكتاب اسمه الزبور.
يا محمد، لقد أوحينا اليك هذا القرآن بنفس الطريق التي أوحينا بها إلى نوح والنبيين من بعده، ولم يُنزل الله تعالى صفائح مسطورة من السماء على أحد، كما سألك اليهود للتعجيز والعناد. كذلك أوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وباقي الأنبياء المذكورين، وآتينا داود كتاباً اسمه الزّبور. بل لقد أرسلنا غير هؤلاء رسلاً آخرين أخبرناك ببعض أحداثهم ووقائعهم، (كما في سورة الأنعام والقصص والأنبياء وهود والشعراء) ورسلاً لم نخبرك عنهم شيئاً.
اما طريقة الوحي إلى موسى على الخصوص، فاعلم يا محمد أن الله قد كلّمه تكليماً. والحق أننا قد أرسلنا كل هؤلاء الرسل ليبشّروا من آمنَ وعمل صالحاً بالثواب العظيم، وينذروا من كفر بالعقاب المقيم.
اما إذا لم يشهد مجادلوك اليهود بصدق رسالتك، فان الله تعالى يشهد بذلك. لقد أنزل كتابه اليك محكماً بمقتضى علمه، والملائكة يشهدون بذلك.. وشهادة الله تعالى وملائكته تكفيك وتغنيك.

.قراءات:

قرأ حمزة: {زبوراً} بضم الزاي والباقون بفتح الزاي.

.تفسير الآيات (167- 169):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)}
ان الذيبن كفروا بمحمد والقرآن، ومنعوا غيرهم من الدخول في دين الله بشتى الوسائل قد ضلّوا وبعدوا عن الحق.
ان الذين كفروا بما أُنزل إليك قد ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن الطريق والموصل إلى الخير والسعادة، كما ظلموا غيرهم بإغوائهم وكذبهم على الناس بكتمان الحقيقة. لذلك لن يغفر الله لهم ما داموا على الكفر، ولن يهديهم طريق النجاة. أما جزاؤهم فهو النار يُعذَّبون خالدين فيها ابدا. تلك مقتضى حكمته تعالى سنُته في خلقه: إن أحسنوا أثيبوا، وإن أساؤا حق عقابهم... وكاتن ذلك على الله يسيرا.