فصل: باب إِذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع‏)‏ يحتمل أن يكون من باب اللف والنشر مرتبا أو غير مرتب، ويحتمل كل منهما لكل منهما، إذ السهولة والسماحة متقاربان في المعنى فعطف أحدهما على الآخر من التأكيد اللفظي وهو ظاهر حديث الباب، والمراد بالسماحة ترك المضاجرة ونحوها لا المكايسة في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن طلب حقا فليطلبه في عفاف‏)‏ أي عما لا يحل، أشار بهذا القدر إلى ما أخرجه الترمذي وابن ماجة وابن حبان من حديث نافع عن ابن عمر وعائشة مرفوعا ‏"‏ من طلب حقا فليطلبه في عفاف واف أو غير واف‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن عياش‏)‏ بالتحتانية والمعجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رحم الله رجلا‏)‏ يحتمل الدعاء ويحتمل الخبر، وبالأول جزم ابن حبيب المالكي وابن بطال ورجحه الداودي، ويؤيد الثاني ما رواه الترمذي من طريق زيد بن عطاء بن السائب عن ابن المنكدر في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلا إذا باع ‏"‏ الحديث، وهذا يشعر بأنه قصد رجلا بعينه في حديث الباب‏.‏

قال الكرماني‏:‏ ظاهره الإخبار لكن قرينة الاستقبال المستفاد من ‏"‏ إذا ‏"‏ تجعله دعاء وتقديره رحم الله رجلا يكون كذلك، وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمحا‏)‏ بسكون الميم وبالمهملتين أي سهلا، وهي صفة مشبهة تدل على الثبوت، فلذلك كرر أحوال البيع والشراء والتقاضي، والسمح الجواد، يقال سمح بكذا إذا جاد، والمراد هنا المساهلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا اقتضى‏)‏ أي طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف، في رواية حكاها ابن التين ‏"‏ وإذا قضى ‏"‏ أي أعطى الذي عليه بسهولة بغير مطل، وللترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء ‏"‏ وللنسائي من حديث عثمان رفعه ‏"‏ أدخل الله الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا ‏"‏ ولأحمد من حديث عبد الله بن عمرو نحوه وفيه الحض على السماحة في المعاملة واستعمال معالي الأخلاق وترك المشاحة والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم‏.‏

*3*باب مَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أنظر موسرا‏)‏ أي فضل من فعل ذلك وحكمه‏.‏

وقد اختلف العلماء في حد الموسر‏:‏ فقيل من عنده مؤنته ومؤنة من تلزمه نفقته‏.‏

وقال الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق‏:‏ من عنده خمسون درهما أو قيمتها من الذهب فهو موسر‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ قد يكون الشخص بالدرهم غنيا مع كسبه وقد يكون بالألف فقيرا مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله، وقيل‏:‏ الموسر والمعسر يرجعان إلى العرف، فمن كان حاله بالنسبة إلى مثله يعد يسارا فهو موسر وعكسه، وهذا هو المعتمد وما قبله إنما هو في حد من تجوز له المسألة والأخذ من الصدقة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ أَنَّ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ حَدَّثَهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّتْ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالُوا أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَالَ كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُوسِرِ قَالَ قَالَ فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ عَنْ رِبْعِيٍّ كُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ أُنْظِرُ الْمُوسِرَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ رِبْعِيٍّ فَأَقْبَلُ مِنْ الْمُوسِرِ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏منصور‏)‏ هو ابن المعتمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن حذيفة حدثه‏)‏ زاد مسلم في روايته من طريق نعيم بن أبي هند عن ربعي ‏"‏ اجتمع حذيفة وأبو مسعود، فقال حذيفة‏:‏ رجل لقي ربه ‏"‏ فذكر الحديث وفي آخره ‏"‏ فقال أبو مسعود هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ومثله رواية أبي عوانة عن عبد الملك عن ربعي كما سيأتي في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تلقت الملائكة‏)‏ أي استقبلت روحه عند الموت‏.‏

وفي رواية عبد الملك بن عمير عن ربعي في ذكر بني إسرائيل ‏"‏ أن رجلا كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعملت من الخير شيئا‏)‏ ‏؟‏ وفي رواية بحذف همزة الاستفهام وهي مقدرة، زاد في رواية عبد الملك المذكورة ‏"‏ فقال ما أعلم، قيل انظر، قال ما أعلم شيئا غير أني ‏"‏ فذكره‏.‏

ولمسلم من طريق شقيق عن أبي مسعود رفعه ‏"‏ حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا ‏"‏ وفي رواية أبي مالك المعلقة هنا ووصلها عند مسلم ‏"‏ أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالا فقال له‏:‏ ما عملت في الدنيا‏؟‏ - قال ولا يكتمون الله حديثا - قال‏:‏ يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان خلقي الجواز ‏"‏ الحديث‏.‏

وفي رواية ابن أبي عمر في هذا الحديث ‏"‏ فيقول‏:‏ يا رب ما عملت لك شيئا أرجو به كثيرا‏.‏

إلا أنك كنت أعطيتني فضلا من مال‏"‏؛ فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتياني‏)‏ بكسر أوله جمع فتى وهو الخادم حرا كان أو مملوكا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن ينظروا ويتجاوزوا عن الموسر‏)‏ كذا وقع في رواية أبي ذر والنسفي وهو لا يخالف الترجمة، وللباقين ‏"‏ أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه، وظاهره غير مطابق للترجمة، ولعل هذا هو السر في إيراد التعاليق الآتية لأن فيها ما يطابق الترجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو مالك عن ربعي كنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر‏)‏ وهذه الطريق عن حذيفة في هذا الحديث وصلها مسلم من طريق أبي خالد الأحمر عن أبي مالك كما تقدم أولا وقال في آخره ‏"‏ فقال أبو مسعود الأنصاري وعقبة بن عامر الجهني‏:‏ هكذا سمعناه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتابعه شعبة عن عبد الملك‏)‏ يعني ابن عمير ‏(‏عن ربعي‏)‏ أي عن حذيفة يعني في قوله ‏"‏ وأنظر المعسر ‏"‏ وقد وصله ابن ماجة من طريق أبي عامر عن شعبة بهذا اللفظ، ووصله المؤلف في الاستقراض عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ ‏"‏ فأتجوز عن الموسر وأخفف عن المعسر ‏"‏ وفي آخره قول أبي مسعود ‏"‏ هكذا سمعت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو عوانة عن عبد الملك الخ‏)‏ وصله المؤلف في ذكر بني إسرائيل مطولا، وهو كما قال ‏"‏ أنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر ‏"‏ وفي آخره قول أبي مسعود ‏"‏ هكذا سمعت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال نعيم بن أبي هند الخ‏)‏ وصله مسلم من طريق مغيرة بن مقسم عنه وقد تقدم لفظه، وفيه قول أبي مسعود أيضا، قال ابن التين‏:‏ رواية من روى ‏"‏ وأنظر الموسر ‏"‏ أولى من رواية من روى ‏"‏ وأنظر المعسر ‏"‏ لأن إنظار المعسر واجب‏.‏

قلت‏:‏ ولا يلزم من كونه واجبا أن لا يؤجر صاحبه عليه أو يكفر عنه بذلك من سيئاته، وسأذكر الاختلاف في الوجوب في الباب الذي يليه‏.‏

*3*باب مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أنظر معسرا‏)‏ روى مسلم من حديث أبي اليسر بفتح التحتانية والمهملة ثم الراء رفعه ‏"‏ من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظل عرشه ‏"‏ وله من حديث أبي قتادة مرفوعا ‏"‏ من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه‏"‏، ولأحمد عن ابن عباس نحوه وقال ‏"‏ وقاه الله من فيح جهنم ‏"‏ واختلف السلف في تفسير قوله تعالى ‏(‏وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة‏)‏ فروى الطبري وغيره من طريق إبراهيم النخعي ومجاهد وغيرهما أن الآية نزلت في دين الربا خاصة، وعن عطاء أنها عامة في دين الربا وغيره، واختار الطبري أنها نزلت نصا في دين الربا ويلتحق به سائر الديون لحصول المعنى الجامع بينهما، فإذا أعسر المديون وجب إنظاره ولا سبيل إلى ضربه ولا إلى حبسه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الزبيدي‏)‏ بالضم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن عبد الله‏)‏ أي ابن عتبة بن مسعود، في رواية يونس عند مسلم عن الزهري ‏"‏ أن عبيد الله بن عبد الله حدثه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان تاجر يداين الناس‏)‏ في رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند النسائي ‏"‏ إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تجاوزوا عنه‏)‏ زاد النسائي ‏"‏ فيقول لرسوله خذ ما يسر واترك ما عسر وتجاوز ‏"‏ ويدخل في لفظ التجاوز الإنظار والوضيعة وحسن التقاضي‏.‏

وفي حديث الباب والذي قبله أن اليسير من الحسنات إذا كان خالصا لله كفر كثيرا من السيئات، وفيه أن الأجر يحصل لمن يأمر به وإن لم يتول ذلك بنفسه، وهذا كله بعد تقرير أن شرع من قبلنا إذا جاء في شرعنا في سياق المدح كان حسنا عندنا‏.‏

*3*باب إِذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا

وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ كَتَبَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ بَيْعَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ

وَقَالَ قَتَادَةُ الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ فَيَقُولُ جَاءَ أَمْسِ مِنْ خُرَاسَانَ جَاءَ الْيَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلَّا أَخْبَرَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا بين البيعان‏)‏ بفتح الموحدة وتشديد التحتانية أي البائع والمشتري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكتما‏)‏ أي ما فيه من عيب، و قوله‏:‏ ‏(‏ونصحا‏)‏ من العام بعد الخاص، وحذف جواب الشرط للعلم به وتقديره بورك لهما في بيعهما كما في حديث الباب‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ أصل هذا الباب أن نصيحة المسلم واجبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن العداء‏)‏ بالتثقيل وآخره همزة بوزن الفعال ابن خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو ابن عامر بن صعصعة، صحابي قليل الحديث، أسلم بعد حنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد‏)‏ هكذا وقع هذا التعليق، وقد وصل الحديث الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن الجارود وابن منده كلهم من طريق عبد المجيد ابن أبي يزيد عن العداء بن خالد فاتفقوا على أن البائع النبي صلى الله عليه وسلم والمشتري العداء عكس ما هنا، فقيل إن الذي وقع هنا مقلوب وقيل هو صواب وهو من الرواية بالمعنى لأن اشترى وباع بمعنى واحد، ولزم من ذلك تقديم اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على اسم العداء، وشرحه ابن العربي على ما وقع في الترمذي فقال فيه‏:‏ البداءة باسم المفضول في الشروط إذا كان هو المشتري، قال‏:‏ وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم له ذلك وهو ممن لا يجوز عليه نقض عهده لتعليم الخلق، قال‏:‏ ثم إن ذلك على سبيل الاستحباب لأنه قد يتعاطى صفقات كثيرة بغير عهدة، وفيه كتابة الاسم واسم الأب والجد في العهدة إلا إذا كان مشهورا بصفة تخصه، ولذلك قال ‏"‏ محمد رسول الله ‏"‏ استغنى بصفته عن نسبه ونسب العداء بن خالد، قال‏:‏ وفي قوله ‏"‏ هذا ما اشترى ‏"‏ ثم قال ‏"‏ بيع المسلم المسلم ‏"‏ إشارة إلى أن لا فرق بين الشراء والبيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بيع المسلم المسلم‏)‏ فيه أنه ليس من شأن المسلم الخديعة، وأن تصدير الوثائق بقول الكاتب هذا ما اشترى أو أصدق لا بأس به، ولا عبرة بوسوسة من منع من ذلك وزعم أنها تلتبس بما النافية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا داء‏)‏ أي لا عيب، والمراد به الباطن سواء ظهر منه شيء أم لا كوجع الكبد والسعال قاله المطرزي‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ قوله ‏"‏ لا داء ‏"‏ أي يكتمه البائع، وإلا فلو كان بعبد داء وبينه البائع لكان من بيع المسلم للمسلم، ومحصله أنه لم يرد بقوله لا داء نفي الداء مطلقا بل نفي داء مخصوص وهو ما لم يطلع عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا خبثة‏)‏ بكسر المعجمة وبضمها وسكون الموحدة بعدها مثلثة أي مسبيا من قوم لهم عهد قاله المطرزي، وقيل المراد الأخلاق الخبيثة كالإباق‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ العين ‏"‏ الريبة، وقيل المراد الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب‏.‏

وقال ابن العربي‏.‏

الداء ما كان في الخلق بالفتح والخبثة ما كان في الخلق بالضم، والغائلة سكوت البائع على ما يعلم من مكروه في المبيع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا غائلة‏)‏ بالمعجمة أي ولا فجور، وقيل المراد الإباق‏.‏

وقال ابن بطال هو من قولهم اغتالني فلان إذا احتال بحيلة يتلف بها مالي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال قتادة الخ‏)‏ وصله ابن منده من طريق الأصمعي عن سعيد بن أبي عروبة عنه، قال ابن قرقول‏:‏ الظاهر أن تفسير قتادة يرجع إلى الخبثة والغائلة معا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقيل لإبراهيم‏)‏ أي النخعي ‏(‏أن بعض النخاسين‏)‏ بالنون والخاء المعجمة أي الدلالين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسمى آري‏)‏ بفتح الهمزة الممدودة وكسر الراء وتشديد التحتانية هو مربط للدابة وقيل معلفها ورده ابن الأنباري، وقيل هو حبل يدفن في الأرض ويبرز طرفه تشد به الدابة أصله من الحبس والإقامة من قولهم‏:‏ تأرى الرجل بالمكان أي أقام به، والمعنى أن النخاسين كانوا يسمون مرابط دوابهم بأسماء البلاد ليدلسوا على المشتري بقولهم ذلك ليوهموا أنه مجلوب من خراسان وسجستان فيحرص عليها المشتري ويظن أنها قريبة العهد بالجلب، قال عياض‏:‏ وأظن أنه سقط من الأصل لفظة دوابهم، قلت أو سقطت الألف واللام التي للجنس كأنه كان فيه يسمى الآري أي الإصطبل، أو سقط الضمير كأنه كان فيه يسمى آرية، وقد تصحفت هذه الكلمة في رواية أبي زيد المروزي فذكرها ‏"‏ أرى ‏"‏ بفتحتين بغير مد وقصر آخره وزن دعا‏.‏

وفي رواية أبي ذر الهروي مثله لكن بضم الهمزة أي أظن، واضطرب فيها غيرهما فحكى ابن التين أنها رويت بفتح الهمزة وسكون الراء، قال وفي رواية ابن نظيف قرى بضم القاف وفتح الراء والأول هو المعتمد قال الراعي‏:‏ فقد فخروا بخيلهم علينا لنا آريهن على معد وقد بين الصواب في ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال ‏"‏ قيل له إن ناسا من النخاسين وأصحاب الدواب يسمي أحدهم إصطبل دوابه خراسان وسجستان ثم يأتي السوق فيقول جاءت من خراسان وسجستان، قال فكره ذلك إبراهيم ‏"‏ ورواه سعيد بن منصور عن هشيم ولفظه ‏"‏ إن بعض النخاسين يسمي آريه خراسان الخ ‏"‏ والسبب في كراهة إبراهيم ذلك ما يتضمنه من الغش والخداع والتدليس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عقبة بن عامر لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبره‏)‏ في رواية الكشميهني أخبر به، وهذا الحديث وصله أحمد وابن ماجة والحاكم من طريق عبد الرحمن بن شماسة بكسر المعجمة وتخفيف الميم وبعد الألف مهملة عن عقبة مرفوعا بلفظ ‏"‏ المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه غش إلا بينه له ‏"‏ وفي رواية أحمد ‏"‏ يعلم فيه عيبا ‏"‏ وإسناده حسن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن صالح أبي الخليل‏)‏ في الرواية التي بعد بابين ‏"‏ سمعت أبا الخليل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رفعه إلى حكيم بن حزام‏)‏ في الرواية المذكورة ‏"‏ عن حكيم ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب كم يجوز الخيار ‏"‏ بعد عشرين حديثا، والغرض منه قوله ‏"‏ فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما الخ ‏"‏ وقوله صدقا أي من جانب البائع في السوم ومن جانب المشتري في الوفاء، وقوله ‏"‏وبينا ‏"‏ أي لما في الثمن والمثمن من عيب فهو من جانبيهما وكذا نقصه‏.‏

وفي الحديث حصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدهما وهو الكذب والكتم، وهل تحصل البركة لأحدهما إذا وجد منه المشروط دون الآخر‏؟‏ ظاهر الحديث يقتضيه، ويحتمل أن يعود شؤم أحدهما على الآخر بأن تنزع البركة من المبيع إذا وجد الكذب أو الكتم من كل واحد منهما، وإن كان الأجر ثابتا للصادق المبين، والوزر حاصل للكاذب الكاتم‏.‏

وفي الحديث أن الدنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شؤم المعاصي يذهب بخير الدنيا والآخرة‏.‏

*3*باب بَيْعِ الْخِلْطِ مِنْ التَّمْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب بيع الخلط من التمر‏)‏ الخلط بكسر المعجمة التمر المجمع من أنواع متفرقة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ وَهُوَ الْخِلْطُ مِنْ التَّمْرِ وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَلَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ

الشرح‏:‏

وقوله في الحديث ‏"‏ كنا نرزق ‏"‏ بضم النون أوله أي نعطاه، وكان هذا العطاء مما كان صلى الله عليه وسلم يقسمه فيهم مما أفاء الله عليهم من خيبر وتمر الجمع بفتح الجيم وسكون الميم‏:‏ فسر بالخلط، وقيل هو كل لون من النخيل لا يعرف اسمه، والغالب في مثل ذلك أن يكون رديئه أكثر من جيده‏.‏

وفائدة هذه الترجمة رفع توهم من يتوهم أن مثل هذا لا يجوز بيعه لاختلاط جيده برديئه لأن هذا الخلط لا يقدح في البيع لأنه متميز ظاهر فلا يعد ذلك عيبا، بخلاف ما لو خلط في أوعية موجهة يرى جيدها ويخفى رديئها‏.‏

وفي الحديث النهي عن بيع التمر بالتمر متفاضلا، وكذا الدراهم‏.‏

وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في ‏"‏ باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه ‏"‏ في أواخر البيوع إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَا قِيلَ فِي اللَّحَّامِ وَالْجَزَّارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب اللحام والجزار‏)‏ كذا وقعت هذه الترجمة هنا‏.‏

وفي رواية ابن السكن بعد خمسة أبواب، وهو أليق لتتوالى تراجم الصناعات‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ قَصَّابٍ اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ فَدَعَاهُمْ فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا قَدْ تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فَأْذَنْ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ فَقَالَ لَا بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال لغلام له قصاب‏)‏ بفتح القاف وتشديد المهملة وآخره موحدة وهو الجزار، وسيأتي في المظالم من وجه آخر عن الأعمش بلفظ ‏"‏ كان له غلام لحام ‏"‏ واتفقت الطرق على أنه من مسند أبي مسعود إلا ما رواه أحمد عن ابن نمير عن الأعمش بسنده فقال فيه ‏"‏ عن رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه الجوع، فأتيت غلاما لي ‏"‏ فذكر الحديث، وكذا رويناه في الجزء التاسع من ‏"‏ أمالي المحاملي ‏"‏ من طريق ابن نمير، زاد مسلم في بعض طرقه ‏"‏ وعن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ‏"‏ وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث مستوفى في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَا يَمْحَقُ الْكَذِبُ وَالْكِتْمَانُ فِي الْبَيْعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يمحق الكذب والكتمان‏)‏ أي من البركة ‏(‏في البيع‏)‏ ذكر فيه حديث حكيم بن حزام المذكور قبل بابين وهو واضح فيما ترجم له‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل ‏(‏يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة‏)‏ الآية‏)‏ هكذا للنسفي ليس في الباب سوى الآية‏.‏

وساق غيره فيه حديث أبي هريرة الماضي في ‏"‏ باب من لم يبال من حيث كسب المال ‏"‏ بإسناده ومتنه، وهو بعيد من عادة البخاري ولا سيما مع قرب العهد، ولعله أشار بالترجمة إلى ما أخرجه النسائي من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ يأتي على الناس زمان يأكلون الربا، فمن لم يأكله أصابه من غباره ‏"‏ وروى مالك عن زيد بن أسلم في تفسير الآية قال ‏"‏ كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل حق إلى أجل، فإذا حل قال أتقضي أم تربي‏؟‏ فإن قضاه أخذ وإلا زاده في حقه وزاده الآخر في الأجل‏"‏‏.‏

وروى الطبري من طريق عطاء ومن طريق مجاهد نحوه، ومن طريق قتادة ‏"‏ أن ربا أهل الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاد وأخر عنه‏.‏

والربا مقصور، وحكى مده وهو شاذ، وهو من ربا يربو فيكتب بالألف، ولكن قد وقع في خط المصحف بالواو‏.‏

وأصل الربا الزيادة إما في نفس الشيء كقوله تعالى ‏(‏اهتزت وربت‏)‏ وإما في مقابلة كدرهم بدرهمين، فقيل هو حقيقة فيهما، وقيل حقيقة في الأول مجاز في الثاني، زاد ابن سريج أنه في الثاني حقيقة شرعية، ويطلق الربا على كل بيع محرم‏.‏

*3*باب آكِلِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ وَكَاتِبِهِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب آكل الربا وشاهده وكاتبه‏)‏ أي بيان حكمهم، والتقدير باب إثم أو ذم‏.‏

في رواية الإسماعيلي ‏"‏ وشاهديه ‏"‏ بالتثنية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قول الله تعالى ‏(‏الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم‏)‏ إلى آخر الآية‏)‏ وهو قوله ‏(‏هم فيها خالدون‏)‏ روى الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس‏)‏ قال‏:‏ ذاك حين يبعث من قبره‏.‏

ومن طريق سعيد عن قتادة قال‏:‏ تلك علامة أهل الربا يوم القيامة، يبعثون وبهم خبل‏.‏

وأخرجه الطبري من حديث أنس نحوه مرفوعا‏.‏

وقيل معناه أن الناس يخرجون من الأجداث سراعا، لكن آكل الربا يربو الربا في بطنه فيريد الإسراع فيسقط فيصير بمنزلة المتخبط من الجنون‏.‏

وذكر الطبري في قوله تعالى ‏(‏ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا‏)‏ أنهم لما قيل لهم هذا ربا لا يحل قالوا‏:‏ لا فرق إن زدنا الثمن في أول البيع أو عند محله، فأكذبهم الله تعالى‏.‏

قال الطبري‏:‏ إنما خص الآكل بالذكر لأن الذين نزلت فيهم الآيات المذكورة كانت طعمتهم من الربا، وإلا فالوعيد حاصل لكل من عمل به سواء أكل منه أم لا‏.‏

ثم ساق البخاري في الباب حديثين‏:‏ أحدهما حديث عائشة ‏"‏ لما نزلت آخر البقرة قرأهن النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرم التجارة في الخمر ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه في أبواب المساجد من كتاب الصلاة، ويأتي الكلام على تحريم التجارة في الخمر في أواخر البيوع‏.‏

ثانيهما حديث سمرة في المنام الطويل، وقد تقدم بطوله في كتاب الجنائز، واقتصر منه هنا على قصة آكل الربا‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ ليس في حديثي الباب ذكر لكاتب الربا وشاهده، وأجيب بأنه ذكرهما على سبيل الإلحاق لإعانتهما للآكل على ذلك، وهذا إنما يقع على من واطأ صاحب الربا عليه فأما من كتبه أو شهد القصة ليشهد بها على ما هي عليه ليعمل فيها بالحق فهذا جميل القصد لا يدخل في الوعيد المذكور، وإنما يدخل فيه من أعان صاحب الربا بكتابته وشهادته فينزل منزلة من قال ‏(‏إنما البيع مثل الربا‏)‏ وأيضا فقد تضمن حديث عائشة نزول آخر البقرة ومن جملة ما فيه قوله تعالى ‏(‏وأحل الله البيع وحرم الربا‏)‏ وفيه ‏(‏إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه‏)‏ وفيه ‏(‏وأشهدوا إذا تبايعتم‏)‏ فأمر بالكتابة والإشهاد في البيع الذي أحله، فأفهم النهي عن الكتابة والإشهاد في الربا الذي حرمه، ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في الكاتب والشاهد صريحا، فعند مسلم وغيره من حديث جابر ‏"‏ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال‏:‏ هم في الإثم سواء ‏"‏ ولأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود عن أبيه ‏"‏ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه ‏"‏ وفي رواية الترمذي بالتثنية‏.‏

وفي رواية النسائي من وجه آخر عن ابن مسعود ‏"‏ آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

*3*باب مُوكِلِ الرِّبَا

لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب موكل الربا‏)‏ أي مطعمه والتقدير فيه كالذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقول الله عز وجل ‏(‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين - إلى قوله وهم لا يظلمون‏)‏‏)‏ هكذا في جميع الروايات ووقع عند الداودي - إلى قوله - لا تظلمون ولا تظلمون، وفسره أي لا تظلمون بأخذ الزيادة ولا تظلمون بأن تحبس عنكم رءوس أموالكم‏.‏

ثم اعترض بما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ هذه آخر آية نزلت‏)‏ وصله المصنف في التفسير من طريق الشعبي عنه، واعترضه الداودي فقال‏:‏ هذا إما أن يكون وهما وإما أن يكون اختلافا عن ابن عباس، لأن الذي أخرجه المصنف في التفسير عنه فيه التنصيص على أن آخر آية نزلت قوله تعالى ‏(‏واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله‏)‏ الآية، قال‏:‏ فلعل الناقل وهم لقربها منها‏.‏

انتهى‏.‏

وتعقبه ابن التين بأنه هو الواهم لأن من جملة الآيات التي أشار إليها البخاري في الترجمة قوله تعالى ‏(‏واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله‏)‏ الآية، وهي آخر آية ذكرها لقوله إلى قوله وهم لا يظلمون وإليها أشار بقوله هذه آخر آية أنزلت‏.‏

انتهى‏.‏

وكأن البخاري أراد بذكر هذا الأثر عن ابن عباس تفسير قول عائشة ‏"‏ لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَثَمَنِ الدَّمِ وَنَهَى عَنْ الْوَاشِمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عون بن أبي جحيفة‏)‏ في رواية آدم عن شعبة ‏"‏ حدثتا عون ‏"‏ وسيأتي في أواخر أبواب الطلاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت أبي اشترى عبدا حجاما فسألته‏)‏ كذا وقع هنا، وظاهره أن السؤال وقع عن سبب مشتراه، وذلك لا يناسب جوابه بحديث النهي، ولكن وقع في هذا السياق اختصار بينه ما أخرجه المصنف بعد هذا في آخر البيوع من وجه آخر عن شعبة بلفظ ‏"‏ اشترى حجاما فأمر بمحاجمه فكسرت، فسألته على ذلك ‏"‏ ففيه البيان بأن السؤال إنما وقع عن كسر المحاجم، وهو المناسب للجواب‏.‏

وفي كسر أبي جحيفة المحاجم ما يشعر بأنه فهم أن النهي عن ذلك على سبيل التحريم فأراد حسم المادة، وكأنه فهم منه أنه لا يطيع النهي ولا يترك التكسب بذلك فلذلك كسر محاجمه، وسيأتي الكلام على كسب الحاجم بعد أبواب، ونذكر هناك بقية فوائده إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونهى عن الواشمة والموشومة‏)‏ أي نهى عن فعلهما، لأن الواشم والموشوم لا ينهى عنهما وإنما ينهى عن فعلهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وآكل الربا وموكله‏)‏ هكذا وقع في هذه الرواية معطوفا على النهي عن الوشمة، والجواب عنه كالذي قبله، ثم ظهر لي أنه وقع في هذه الرواية تغيير فأبدل اللعن بالنهي فسيأتي في أواخر البيوع وفي أواخر الطلاق بلفظ ‏"‏ ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ‏"‏ والله أعلم‏.‏

*3*باب يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم‏)‏ روى ابن أبي حاتم من طريق الحسن قال‏:‏ ذاك يوم القيامة يمحق الله الربا يومئذ وأهله‏.‏

وقال غيره‏:‏ المعنى أن أمره يئول إلى قلة‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان قال ‏"‏ ما كان من ربا وإن زاد حتى يغبط صاحبه فإن الله يمحقه ‏"‏ وأصله من حديث ابن مسعود عند ابن ماجة وأحمد بإسناد حسن مرفوعا ‏"‏ إن الربا وإن كثر عاقبته إلى قل ‏"‏ وروى عبد الرزاق عن معمر قال‏:‏ سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يونس‏)‏ هو ابن يزيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحلف‏)‏ بفتح المهملة وكسر اللام أي اليمين الكاذبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏منفقة‏)‏ بفتح الميم والفاء بينهما نون ساكنة مفعلة من النفاق بفتح النون وهو الرواج ضد الكساد، والسلعة بكسر السين المتاع، وقوله ممحقة بالمهملة والقاف وزن الأول وحكى عياض ضم أوله وكسر الحاء، والمحق النقص والإبطال‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ المحدثون يشددونها والأول أصوب والهاء للمبالغة ولذلك صح خبرا عن الحلف‏.‏

وفي مسلم اليمين، ولأحمد اليمين الكاذبة وهي أوضح، وهما في الأصل مصدران مزيدان محدودان بمعنى النفاق والمحق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏للبركة‏)‏ تابعه عنبسة بن خالد عن يونس عند أبي داود‏.‏

وفي رواية ابن وهب وأبي صفوان عند مسلم ‏"‏ للربح ‏"‏ وتابعهما أنس بن عياض عند الإسماعيلي، ورواه الليث عند الإسماعيلي بلفظ ‏"‏ ممحقة للكسب ‏"‏ وتابعه ابن وهب عند النسائي، ومال الإسماعيلي إلى ترجيح هذه الرواية، وقد اختلف في هذه اللفظة على الليث كما اختلف على يونس، ووقع للمزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ في نسبة هذه اللفظة لمن خرجها وهم يعرف مما حررته، قال ابن المنير‏:‏ مناسبة حديث الباب للترجمة أنه كالتفسير للآية لأن الربا الزيادة والمحق النقص فقال‏:‏ كيف تجتمع الزيادة والنقص‏؟‏ فأوضح الحديث أن الحلف الكاذب وإن زاد في المال فإنه يمحق البركة فكذلك قوله تعالى ‏(‏يمحق الله الربا‏)‏ أي يمحق البركة من البيع الذي فيه الربا وإن كان العدد زائدا لكن محق البركة يفضي إلى اضمحلال العدد في الدنيا كما مر في حديث ابن مسعود، وإلى اضمحلال الأجر في الآخرة على التأويل الثاني‏.‏

*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من الحلف في البيع‏)‏ أي مطلقا فإن كان كذبا فهي كراهة تحريم، وإن كان صدقا فتنزيه‏.‏

وفي السنن من حديث قيس بن أبي غرزة بفتح المعجمة والراء والزاي مرفوعا ‏"‏ يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً وَهُوَ فِي السُّوقِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي أوفى‏)‏ في رواية يزيد عن العوام ‏"‏ سمعت عبد الله بن أبي أوفى ‏"‏ وسيأتي في التفسير مع بقية الكلام عليه، وقد تعقب بأن السبب المذكور في الحديث خاص والترجمة عامة لكن العموم مستفاد من قوله في الآية ‏(‏وأيمانهم‏)‏ وسيأتي في الشهادات في سبب نزولها من حديث ابن مسعود ما يقوي حمله على العموم‏.‏