فصل: باب الْمَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب دخول المشرك المسجد‏)‏ هذه الترجمة ترد على الإسماعيلي حيث ترجم بها فيما مضى بدل ترجمة الاغتسال إذا أسلم، وقد يقال إن في هذه الترجمة بالنسبة إلى ترجمة ‏"‏ الأسير يربط في المسجد ‏"‏ تكرارا، لأن ربطه فيه يستلزم إدخاله‏.‏

لكن يجاب عن ذلك بأن هذا أعم من ذاك، وقد اختصر المصنف الحديث مقتصرا على المقصود منه، وسيأتي تاما في المغازي‏.‏

وفي دخول المشرك المسجد مذاهب‏:‏ فعن الحنفية الجواز مطلقا، وعن المالكية والمزني المنع مطلقا، وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية‏.‏

وقيل‏:‏ يؤذن للكتابي خاصة، وحديث الباب يرد عليه، فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب‏.‏

*3*باب رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع الصوت في المسجد‏)‏ أشار بالترجمة إلى الخلاف في ذلك، فقد كرهه مالك مطلقا سواء كان في العلم أم في غيره، وفرق غيره بين ما يتعلق بغرض ديني أو نفع دنيوي وبين ما لا فائدة فيه، وساق البخاري في الباب حديث عمر الدال على المنع، وحديث كعب الدال على عدمه، إشارة منه إلى أن المنع قيما لا منفعة فيه وعدمه فيما تلجئ الضرورة إليه‏.‏

وقد تقدم البحث فيه في باب التقاضي‏.‏

ووردت أحاديث في النهي عن رفع الصوت في المساجد، لكنها ضعيفة أخرج ابن ماجه بعضها، فكأن المصنف أشار إليها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا قَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ الجعد بن أوس ‏"‏ وهو هو، فإن اسمه الجعد وقد يصغر، وهو ابن عبد الرحمن بن أوس، فقد ينسب إلى جده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني بزيد بن خصيفة‏)‏ هو ابن عبد الله بن خصيفة نسب إلى جده، وروى حاتم بن إسماعيل هذا الحديث عن الجعيد عن السائب بلا واسطة، أخرجه الإسماعيلي، والجعيد صح سماعه من السائب كما تقدم في الطهارة، فليس هذا الاختلاف قادحا، وعند عبد الرزاق له طريق أخرى عن نافع قال ‏"‏ كان عمر يقول لا تكثروا اللغط‏.‏

فدخل المسجد فإذا هو برجلين قد ارتفعت أصواتهما‏.‏

فقال‏:‏ إن مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت ‏"‏ الحديث‏.‏

وفيه انقطاع، لأن نافعا لم يدرك ذلك الزمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت قائما في المسجد‏)‏ كذا في الأصول بالقاف‏.‏

وفي رواية ‏"‏ نائما ‏"‏ بالنون‏.‏

ويؤيده رواية حاتم عن الجعيد بلفظ ‏"‏ كنت مضطجعا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحصبني‏)‏ أي رماني بالحصباء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا عمر‏)‏ الخبر محذوف تقديره قائم أو نحوه، ولم أقف على تسمية هذين الرجلين، لكن في رواية عبد الرزاق أنهما ثقفيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو كنتما‏)‏ يدل على أنه كان تقدم نهيه عن ذلك، وفيه المعذرة لأهل الجهل بالحكم إذا كان مما يخفى مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأوجعتكما‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ جلدا‏"‏‏.‏

ومن هذه الجهة يتبين كون هذا الحديث له حكم الرفع، لأن عمر لا يتوعدهما بالجلد إلا على مخالفة أمر توقيفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ترفعان‏)‏ هو جواب عن سؤال مقدر كأنهما قالا له‏:‏ لم توجعنا‏؟‏ قال‏:‏ لأنكما ترفعان‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ برفعكما أصواتكما ‏"‏ وهو يؤيد ما قدرناه‏.‏

وقد تقدم توجيه جمع أصواتكما في حديث ‏"‏ يعذبان في قبورهما‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ يَا كَعْبُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ قَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ فَاقْضِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ في رواية أبي علي الشبوب عن الفربري ‏"‏ حدثنا أحمد بن صالح ‏"‏ وبذلك جزم ابن السكن، وقد تقدم الكلام على حديث كعب في ‏"‏ باب التقاضي ‏"‏ قبل عشرة أبواب أو نحوها‏.‏

وقوله هنا ‏"‏ حتى سمعها ‏"‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ سمعهما‏"‏‏.‏

*3*باب الْحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الحلق‏)‏ بفتح المهملة ويجوز كسرها واللام مفتوحة على كل حال‏:‏ جمع حلقة بإسكان اللام على غير قياس وحكى فتحها أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا تَرَى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سأل رجل‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما ترى‏)‏ أي ما رأيك‏؟‏ من الرأي، ومن الرؤية بمعنى العلم، و ‏(‏مثنى مثنى‏)‏ بغير تنوين أي اثنتين اثنتين، وكرر تأكيدا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأوترت‏)‏ بفتح الراء، أي تلك الواحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنه كان يقول‏)‏ بكسر الهمزة على الاستئناف، وقائل ذلك هو نافع، والضمير لابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالليل‏)‏ هي في رواية الكشميهني والأصيلي فقط‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ كَيْفَ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَقَالَ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَجُلًا نَادَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله في طريق أيوب عن نافع ‏(‏توتر‏)‏ بالجزم جوابا للأمر، وبالرفع على الاستئناف، وزاد الكشميهني والأصيلي ‏"‏ لك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الوليد بن كثير‏)‏ هذا التعليق وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن الوليد، وهو بمعنى حديث نافع عن ابن عمر، وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى‏.‏

وأراد البخاري بهذا التعليق بيان أن ذلك كان في المسجد ليتم له الاستدلال لما ترجم له‏.‏

وقد اعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ ليس فيما ذكر دلالة على الحلق ولا على الجلوس في المسجد بحال‏.‏

وأجيب بأن كونه كان في المسجد صريح من هذا المعلق، وأما التحلق فقال المهلب‏:‏ شبه البخاري جلوس الرجال في المسجد حول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بالتحلق حول العالم، لأن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لا يكون في المسجد وهو على المنبر إلا وعنده جمع جلوس محدقين به كالمتحلقين، والله أعلم‏.‏

وقال غيره‏:‏ حديث ابن عمر يتعلق بأحد ركني الترجمة وهو الجلوس، وحديث أبي واقد يتعلق بالركن الآخر وهو التحلق‏.‏

وأما ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال ‏"‏ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال‏:‏ مالي أراكم عزين ‏"‏ فلا معارضة بينه وبين هذا، لأنه إنما كره تحلقهم على ما لا فائدة فيه ولا منفعة بخلاف تحلقهم حوله فإنه كان لسماع العلم والتعلم منه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ وَأَمَّا الْآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد‏)‏ زاد في العلم ‏"‏ والناس معه ‏"‏ وهو أصرح فيما ترجم له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرأي فرجة‏)‏ زاد في العلم ‏"‏ في الحلقة ‏"‏ وزادها الأصيلي والكشميهني أيضا في هذه الرواية، وقد تقدم الكلام على فوائده في كتاب العلم‏.‏

*3*باب الِاسْتِلْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَمَدِّ الرِّجْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستلقاء في المسجد‏)‏ زاد في نسخة الصغاني ‏"‏ ومد الرجل‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن مسلمة‏)‏ هو القعنبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمه‏)‏ هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واضعا إحدى رجليه على الأخرى‏)‏ قال الخطابي‏:‏ فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ، أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة، والجواز حيث يؤمن ذلك‏.‏

قلت‏:‏ الثاني أولى من ادعاء النسخ لأنه لا يثبت بالاحتمال، وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين، وجزم ابن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ‏.‏

وقال المازري‏:‏ إنما بوب على ذلك لأنه وقع في كتاب أبي داود وغيره، لا في الكتب الصحاح، النهي عن أن يضع إحدى رجليه على الأخرى، لكنه عام لأنه قول يتناول الجميع، واستلقاؤه في المسجد فعل قد يدعي قصره عليه فلا يؤخذ منه الجواز، لكن لما صح أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك دل على أنه ليس خاصا به صلى الله عليه وسلم، بل هو جائز مطلقا، فإذا تقرر هذا صار بين الحديثين تعارض، فيجمع بينهما، فذكر نحو ما ذكره الخطابي‏.‏

وفي قوله عن حديث النهي ‏"‏ ليس في الكتب الصحاح ‏"‏ إغفال، فإن الحديث عند مسلم في اللباس من حديث جابر‏.‏

وفي قوله ‏"‏ فلا يؤخذ منه الجواز ‏"‏ نظر لأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، والظاهر أن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز، وكان ذلك في وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته من الجلوس بينهم بالوقار التام صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال الخطابي‏:‏ وفيه جواز الاتكاء في المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة‏.‏

وقال الداودي‏:‏ فيه أن الأجر الوارد للابث في المسجد لا يختص بالجالس بل يحصل للمستلقي أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب‏)‏ هو معطوف على الإسناد المذكور، وقد صرح بذلك أبو داود في روايته عن القعنبي، وهو كذلك في الموطأ، وقد غفل عن ذلك من زعم أنه معلق‏.‏

*3*باب الْمَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ

وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأَيُّوبُ وَمَالِكٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس‏)‏ قال المازري‏:‏ بناء المسجد في ملك المرء جائز بالإجماع‏.‏

وفي غير ملكه ممتنع بالإجماع، وفي المباحات حيث لا يضر بأحد جائز أيضا، لكن شذ بعضهم فمنعه، لأن مباحات الطرق موضوعة لانتفاع الناس، فإذا بنى بها مسجد منع انتفاع بعضهم، فأراد البخاري الرد على هذا القائل واستدل بقصة أبي بكر، لكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره‏.‏

قلت‏:‏ والمنع المذكور مروي عن ربيعة، ونقله عبد الرزاق عن علي وابن عمر، لكن بإسنادين ضعيفين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبه قال الحسن‏)‏ يعني أن المذكورين ورد التصريح عنهم بهذه المسألة، وإلا فالجمهور على ذلك كما تقدم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخبرني عروة‏)‏ هو معطوف على مقدر، والمراد بأبوي عائشة أبو بكر وأم رومان، وهو دال على تقدم إسلام أم رومان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم بدا لأبي بكر‏)‏ اختصر المؤلف المتن هنا، وقد ساقه في كتاب الهجرة مطولا بهذا الإسناد فذكر بعد قوله ‏"‏ وعشية ‏"‏ وقبل قوله ‏"‏ ثم بدا ‏"‏ قصة طويلة في خروج أبي بكر عن مكة ورجوعه في جوار ابن الدغنة واشتراطه عليه أن لا يستعلن بعبادته، فعند فراغ القصة قال ‏"‏ ثم بدا لأبي بكر ‏"‏ أي ظهر له رأى فبنى مسجدا، فذكر باقي القصة مطولا كما سيأتي الكلام عليه مبسوطا هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

ولم يجد بعض المتأخرين - حيث شرح جميع الحديث هنا - مع أنه لم يقع منه هنا سوى قدر يسير، وقد اشتمل من فضائل الصديق على أمور كثيرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ

وَصَلَّى ابْنُ عَوْنٍ فِي مَسْجِدٍ فِي دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمْ الْبَابُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في مسجد السوق‏)‏ ولغير أبي ذر ‏"‏ مساجد‏"‏‏.‏

موقع الترجمة الإشارة إلى أن الحديث الوارد في أن الأسواق شر البقاع وأن المساجد خير البقاع كما أخرجه البزار وغيره لا يصح إسناده، ولو صح لم يمنع وضع المسجد في السوق لأن بقعة المسجد حينئذ تكون بقعة خير‏.‏

وقيل‏:‏ المراد بالمساجد في الترجمة مواضع إيقاع الصلاة لا الأبنية الموضوعة لذلك، فكأنه قال‏:‏ باب الصلاة في مواضع الأسواق ولا يخفى بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصلى ابن عون‏)‏ كذا في جميع الأصول، وصحفه ابن المنير فقال‏:‏ وجه مطابقة الترجمة لحديث ابن عمر - مع كونه لم يصل في سوق - أن المصنف أراد أن يبين جواز بناء المسجد داخل السوق لئلا يتخيل متخيل من كونه محجورا منع الصلاة فيه لأن صلاة ابن عمر كانت في دار تغلق عليهم فلم يمنع التحجير اتخاذ المسجد‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لعل غرض البخاري منه الرد على الحنفية حيث قالوا بامتناع اتخاذ المسجد في الدار المحجوبة عن الناس ا ه‏.‏

والذي في كتب الحنفية الكراهة لا التحريم، وظهر بحديث أبي هريرة أن الصلاة في السوق مشروعة، وإذا جازت الصلاة فيه فرادى كان أولى أن يتخذ فيه مسجد للجماعة، أشار إليه ابن بطال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ وَتُصَلِّي يَعْنِي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة الذي ساقه المصنف هنا أخرجه بعد في ‏"‏ باب فضل صلاة الجماعة ‏"‏ ويأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

وزاد في هذه الرواية ‏"‏ وتصلي الملائكة‏.‏

إلخ ‏"‏ وقد تقدمت في ‏"‏ باب الحدث في المسجد ‏"‏ من وجه آخر عن أبي هريرة‏.‏

قوله في هذه الرواية ‏(‏صلاة الجميع‏)‏ أي الجماعة، وتكلف من قال التقدير في الجميع، و قوله‏:‏ ‏(‏على صلاته‏)‏ أي الشخص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن أحدكم‏)‏ كذا للأكثر بالفاء، وللكشميهني بالموحدة وهي سببية أو للمصاحبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأحسن‏)‏ أي أسبغ الوضوء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما لم يؤذ يحدث‏)‏ كذا للأكثر بالفعل المجزوم على البدلية ويجوز بالرفع على الاستئناف، وللكشميهني ‏"‏ ما لم يؤذ يحدث فيه ‏"‏ بلفظ الجار والمجرور متعلقا بيؤذ، والمراد بالحدث الناقض للوضوء‏.‏

ويحتمل أن يكون أعم من ذلك، لكن صرح في رواية أبي داود من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بالأول‏.‏

*3*باب تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره‏)‏ أورد فيه حديث أبي موسى، وهو دال على جواز التشبيك مطلقا، وحديث أبي هريرة وهو دال على جوازه في المسجد، وإذا جاز في المسجد فهو في غيره أجوز‏.‏

ووقع في بعض الروايات قبل هذين الحديثين حديث آخر، وليس هو في أكثر الروايات ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم، بل ذكره أبو مسعود في الأطراف عن رواية ابن رميح عن الفربري وحماد ابن شاكر جميعا عن البخاري قال ‏"‏ حدثنا حامد بن عمر حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عاصم بن محمد حدثنا واقد يعني أخاه، عن أبيه يعني محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر أو ابن عمرو قال‏:‏ شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه‏"‏‏.‏

قال البخاري ‏"‏ وقال عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد قال سمعت هذا الحديث من أبي فلم أحفظه فقومه لي واقد عن أبيه قال‏:‏ سمعت أبي وهو يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس ‏"‏ وقد ساقه الحميدي في الجمع بين الصحيحين نقلا عن أبي مسعود، وزاد هو ‏"‏ قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا وشبك بين أصابعه ‏"‏ الحديث‏.‏

وحديث عاصم بن علي الذي علقه البخاري وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له قال ‏"‏ حدثنا عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد عن واقد سمعت أبي يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وجه إدخال هذه الترجمة في الفقه معارضة ما ورد في النهي عن التشبيك في المسجد، وقد وردت فيه مراسيل مسندة من طرق غير ثابتة ا ه‏.‏

وكأنه يشير بالمسند إلى حديث كعب بن عجرة قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة ‏"‏ أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وفي إسناده اختلاف ضعفه بعضهم بسببه‏.‏

وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر بلفظ ‏"‏ إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من الشيطان‏.‏

وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه ‏"‏ وفي إسناده ضعيف ومجهول‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض، إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث، والذي في الحديث إنما هو لمقصود التمثيل، وتصوير المعنى في النفس بصورة الحس‏.‏

قلت‏:‏ هو في حديث أبي موسى وابن عمر كما قال، بخلاف حديث أبي هريرة‏.‏

وجمع الإسماعيلي بأن النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصدا لها، إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي، وأحاديث الباب الدالة على الجواز خالية عن ذلك، أما الأولان فظاهران، وأما حديث أبي هريرة فلأن تشبيكه إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه، فهو في حكم المنصرف من الصلاة‏.‏

والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة كما قدمنا، فهي غير معارضة لحديث أبي هريرة كما قال ابن بطال‏.‏

واختلف في حكمة النهي عن التشبيك فقيل‏:‏ لكونه من الشيطان كما تقدم في رواية ابن أبي شيبة‏.‏

وقيل لأن التشبيك يجلب النوم وهو ‏[‏من‏]‏ مظان الحدث، وقيل لأن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف كما نبه عليه في حديث ابن عمر فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهي عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين ‏"‏ ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في موضعه، ويأتي الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الفتن، وعلى حديث أبي موسى في كتاب الأدب، وعلى حديث أبي هريرة في سجود السهو‏.‏

وسفيان هو الثوري وأبو بردة هو ابن عبد الله‏.‏

ووقع للكشميهني ‏"‏ عن بريد ‏"‏ وهو اسمه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ حَدَّثَنَا وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَوْ ابْنِ عَمْرٍو شَبَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي فَلَمْ أَحْفَظْهُ فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَقُولُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنْ النَّاسِ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره‏)‏ أورد فيه حديث أبي موسى، وهو دال على جواز التشبيك مطلقا، وحديث أبي هريرة وهو دال على جوازه في المسجد، وإذا جاز في المسجد فهو في غيره أجوز‏.‏

ووقع في بعض الروايات قبل هذين الحديثين حديث آخر، وليس هو في أكثر الروايات ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم، بل ذكره أبو مسعود في الأطراف عن رواية ابن رميح عن الفربري وحماد ابن شاكر جميعا عن البخاري قال ‏"‏ حدثنا حامد بن عمر حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عاصم بن محمد حدثنا واقد يعني أخاه، عن أبيه يعني محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر أو ابن عمرو قال‏:‏ شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه‏"‏‏.‏

قال البخاري ‏"‏ وقال عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد قال سمعت هذا الحديث من أبي فلم أحفظه فقومه لي واقد عن أبيه قال‏:‏ سمعت أبي وهو يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس ‏"‏ وقد ساقه الحميدي في الجمع بين الصحيحين نقلا عن أبي مسعود، وزاد هو ‏"‏ قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا وشبك بين أصابعه ‏"‏ الحديث‏.‏

وحديث عاصم بن علي الذي علقه البخاري وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له قال ‏"‏ حدثنا عاصم بن علي حدثنا عاصم بن محمد عن واقد سمعت أبي يقول قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وجه إدخال هذه الترجمة في الفقه معارضة ما ورد في النهي عن التشبيك في المسجد، وقد وردت فيه مراسيل مسندة من طرق غير ثابتة ا ه‏.‏

وكأنه يشير بالمسند إلى حديث كعب بن عجرة قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة ‏"‏ أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وفي إسناده اختلاف ضعفه بعضهم بسببه‏.‏

وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر بلفظ ‏"‏ إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه فإن التشبيك من الشيطان‏.‏

وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه ‏"‏ وفي إسناده ضعيف ومجهول‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ التحقيق أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض، إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث، والذي في الحديث إنما هو لمقصود التمثيل، وتصوير المعنى في النفس بصورة الحس‏.‏

قلت‏:‏ هو في حديث أبي موسى وابن عمر كما قال، بخلاف حديث أبي هريرة‏.‏

وجمع الإسماعيلي بأن النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصدا لها، إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي، وأحاديث الباب الدالة على الجواز خالية عن ذلك، أما الأولان فظاهران، وأما حديث أبي هريرة فلأن تشبيكه إنما وقع بعد انقضاء الصلاة في ظنه، فهو في حكم المنصرف من الصلاة‏.‏

والرواية التي فيها النهي عن ذلك ما دام في المسجد ضعيفة كما قدمنا، فهي غير معارضة لحديث أبي هريرة كما قال ابن بطال‏.‏

واختلف في حكمة النهي عن التشبيك فقيل‏:‏ لكونه من الشيطان كما تقدم في رواية ابن أبي شيبة‏.‏

وقيل لأن التشبيك يجلب النوم وهو ‏[‏من‏]‏ مظان الحدث، وقيل لأن صورة التشبيك تشبه صورة الاختلاف كما نبه عليه في حديث ابن عمر فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة حتى لا يقع في المنهي عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين ‏"‏ ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في موضعه، ويأتي الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الفتن، وعلى حديث أبي موسى في كتاب الأدب، وعلى حديث أبي هريرة في سجود السهو‏.‏

وسفيان هو الثوري وأبو بردة هو ابن عبد الله‏.‏

ووقع للكشميهني ‏"‏ عن بريد ‏"‏ وهو اسمه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ

الشرح‏:‏

و قوله‏:‏ ‏(‏يشد بعضه‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ شد ‏"‏ بلفظ الماضي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا قَالَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّه غَضْبَانُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَخَرَجَتْ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا قَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلَاةُ قَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ فَقَالَ أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نَعَمْ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ ثُمَّ سَلَّمَ فَيَقُولُ نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن منصور كما جزم به أبو نعيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إحدى صلاتي العشي‏)‏ كذا للأكثر وللمستملي والحموي العشاء بالمد وهو وهم، فقد صح أنها الظهر أو العصر كما سيأتي، وابتداء العشي من أول الزوال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى‏)‏ عند الكشميهني ‏"‏ خده الأيمن ‏"‏ بدل يده اليمنى وهو أشبه لئلا يلزم التكرار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فربما سألوه‏:‏ ثم سلم‏؟‏‏)‏ أي ربما سألوا ابن سيرين هل في الحديث ‏"‏ ثم سلم فيقول نبئت الخ ‏"‏ وهذا يدل على أنه لم يسمع ذلك من عمران‏.‏

وقد بين أشعث في روايته عن ابن سيرين الواسطة بينه وبين عمران فقال ‏"‏ قال ابن سيرين حدثني خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمه أبي المهلب عن عمران بن حصين ‏"‏ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، ووقع لنا عاليا في جزء الذهلي، فظهر أن ابن سيرين أبهل ثلاثة‏.‏

وروايته عن خالد من رواية الأكابر عن الأصاغر‏.‏