فصل: باب تَفْسِيرِ تَرْكِ الْخِطْبَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ كَارِهَةٌ فَنِكَاحُهُ مَرْدُودٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا زوج الرجل ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود‏)‏ هكذا أطلق، فشمل البكر والثيب، لكن حديث الباب مصرح فيه بالثيوبة، فكأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما سأبينه، ورد النكاح إذا كانت ثيبا فزوجت بغير رضاها إجماع، إلا ما نقل عن الحسن أنه أجاز إجبار الأب للثيب ولو كرهت كما تقدم‏.‏

وعن النخعي إن كانت في عياله جاز وإلا رد، واختلفوا إذا وقع العقد بغير رضاها، فقالت الحنفية إن أجازته جاز، وعن المالكية إن أجازته عن قرب جاز وإلا فلا، ورده الباقون مطلقا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ نِكَاحَهُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ وَمُجَمِّعَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَجُلًا يُدْعَى خِذَامًا أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ نَحْوَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏ومجمع‏)‏ بضم الميم وفتح الجيم وكسر الميم الثقيلة ثم عين مهملة‏.‏

قوله ‏(‏ابني يزيد بن جارية‏)‏ بالجيم أي ابن عامر بن العطاف الأنصاري الأوسي من بني عمرو بن عوف، وهو ابن أخي مجمع بن جارية الصحابي الذي جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج له أصحاب السنن، وقد وهم من زعم أنهما واحد، ومنه قيل إن لمجمع بن يزيد صحبة ليس كذلك، وإنما الصحبة لعمه مجمع بن جارية، وليس لمجمع بن يزيد في البخاري سوى هذا الحديث، وقد قرنه فيه بأخيه عبد الرحمن بن يزيد، وعبد الرحمن ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيما جزم به العسكري وغيره، وهو أخو عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه، قال ابن سعد‏:‏ ولي القضاء لعمر بن عبد العزيز يعني لما كان أمير المدينة، ومات سنة ثلاث وتسعين وقيل سنة ثمان، ووثقه جماعة، وما له في البخاري أيضا سوى هذا الحديث‏.‏

وقد وافق مالكا على إسناد هذا الحديث سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم وإن اختلف الرواة عنهما في وصل هذا الحديث عن خنساء وفي إرساله حيث قال بعضهم عن عبد الرحمن ومجمع أن خنساء زوجت، وكذا اختلفوا عنهما في نسب عبد الرحمن ومجمع‏:‏ فمنهم من أسقط يزيد وقال ابني جارية والصواب وصله وإثبات يزيد في نسبهما، وقد أخرج طريق ابن عيينة المصنف في ترك الحيل بصورة الإرسال كما سيأتي، وأخرجها أحمد عنه كذلك، وأوردها الطبراني من طريقه موصولة، وأخرجه الدار قطني في ‏"‏ الموطئات ‏"‏ من طريق معلى بن منصور عن مالك بصورة الإرسال أيضا والأكثر وصلوه عنه، وخالفهما معا سفيان الثوري في راو من السند فقال ‏"‏ عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن يزبد بن وديعة عن خنساء ‏"‏ أخرجه النسائي في ‏"‏ الكبرى ‏"‏ والطبراني من طريق ابن المبارك عنه، وهي رواية شاذة لكن يبعد أن ويكون لعبد الرحمن بن القاسم فيه شيخان، وعبد الله بن يزيد بن وديعة هذا لم أر من ترجم له، ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم ولا ابن حبان إلا عبد الله بن وديعة بن خدام الذي روى عن سلمان الفارسي في غسل الجمعة وعنه المقبري، وهو تابعي غير مشهور إلا في هذا الحديث، ووثقه الدار قطني وابن حبان، وقد ذكره ابن منده في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ وخطاه أبو نعيم في ذلك، وأظن شيخ عبد الرحمن بن القاسم ابن أخيه، وعبد الله بن يزيد بن وديعة هذا ممن أغفله المزي ومن تبعه فلم يذكروه في رجال الكتب الستة‏.‏

قوله ‏(‏عن خنساء بنت خدام‏)‏ بمعجمة ثم نون ثم مهملة وزن حمراء، وأبوها بكسر المعجمة وتخفيف المهملة، قيل اسم أبيه وديعة، والصحيح أن اسم أبيه خالد ووديعة اسم جده فيما أحسب، وقع ذلك في رواية لأحمد من طريق محمد بن إسحاق عن الحجاج بن السائب مرسلا في هذه القصة، ولكن قال في تسميتها خناس بتخفيف النون وزن فلان، ووقع في رواية الدار قطني والطبراني وابن السكن خنساء، ووصل الحديث عنها فقال ‏"‏ عن حجاج بن السائب بن أبي لبابة عن أبيه عن جدته خنساء ‏"‏ وخناس مشتق من خنساء كما يقال في زينب زناب، وكنية خدام والد خنساء أبو وديعة كناه أبو نعيم، وقد وقع ذلك عند عبد الرزاق من حديث ابن عباس ‏"‏ أن خداما أبا وديعة أنكح ابنته رجلا ‏"‏ الحديث، ووقع عند المستغفري من طريق ربيعة بن عبد الرحمن بن يزيد ابن جارية أن وديعة بن خدام زوج ابنته، وهو وهم في اسمه، ولعله كان‏:‏ أن خداما أبا وديعة، فانقلب‏.‏

وقد ذكرت في كتاب الصحابة ما يدل على أن لوديعة بن خدام أيضا صحبة، وله قصة مع عمر في ميراث سالم مولى أبي حذيفة ذكرها البخاري في تاريخه، وقد أطلت في هذا الموضع، لكن جر الكلام بعضه بعضا ولا يخلو من فائدة‏.‏

قوله ‏(‏إن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك‏)‏ ووقع في رواية الثوري المذكورة ‏"‏ قالت أنكحني أبي وأنا كارهة وأنا بكر ‏"‏ والأول أرجح، فقد ذكر الحديث الإسماعيلي من طرق شعبة عن يحيى بن سعيد عن القاسم فقال في روايته ‏"‏ وأنا أريد أن أتزوج عم ولدي ‏"‏ وكذا أخرج عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي عن أبي بكر بن محمد ‏"‏ أن رجلا من الأنصار تزوج خنساء بنت خدام فقتل عنها يوم أحد، فأنكحها أبوها رجلا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إن أبي أنكحني، وإن عم ولدي أحب إلي ‏"‏ فهذا يدل على أنها كانت ولدت من زوجها الأول، واستفدنا من هذه الرواية نسبة زوجها الأول واسمه أنيس بن قتادة سماه الواقدي في روايته من وجه آخر عن خنساء، ووقع في ‏"‏ المبهمات للقطب القسطلاني ‏"‏ أن اسمه أسير وأنه استشهد ببدر ولم يذكر له مستندا، وأما الثاني الذي كرهته فلم أقف على اسمه إلا أن الواقدي ذكر بإسناد له أنه من بني مزينة، ووقع في رواية ابن إسحاق عن الحجاج بن السائب بن أبي لبابة عن أبيه عنها أنه من بني عمرو بن عوف، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس ‏"‏ أن خداما أبا وديعة أنكح ابنته رجلا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تكرهوهن، فنكحت بعد ذلك أبا لبابة وكانت ثيبا ‏"‏ وروى الطبراني بإسناد آخر عن ابن عباس فذكر نحو القصة قال فيه ‏"‏ فنزعها من زوجها وكانت ثيبا، فنكحت بعده أبا لبابة ‏"‏ وروى عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن أبي الحويرث عن نافع بن جبير قال ‏"‏ تأيمت خنساء، فزوجها أبوها ‏"‏ الحديث نحوه وفيه ‏"‏ فرد نكاحه، ونكحت أبا لبابة ‏"‏ وهذه أسانيد يقوى بعضها ببعض‏.‏

كلها دالة على أنها كانت ثيبا‏.‏

نعم أخرج النسائي من طريق الأوزاعي عن عطاء عن جابر ‏"‏ أن رجلا زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما ‏"‏ وهذا سند ظاهره الصحة، ولكن له علة أخرجه النسائي من وجه آخر عن الأوزاعي فأدخل بينه وبين عطاء إبراهيم بن مرة وفيه مقال، وأرسله فلم يذكر في إسناده جابرا‏.‏

وأخرج النسائي أيضا وابن ماجه من طريق جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ‏"‏ أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها ‏"‏ ورجاله ثقات، لكن قال أبو حاتم وأبو زرعة إنه خطأ وأن الصواب إرساله‏.‏

وقد أخرجه الطبراني والدار قطني من وجه آخر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد نكاح بكر وثيب أنكحهما أبوهما وهما كارهتان ‏"‏ قال الدار قطني‏:‏ تفرد به عبد الملك الدماري وفيه ضعف، والصواب عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة مرسل‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ إن ثبت الحديث في البكر حمل على أنها زوجت بغير كفء والله أعلم قلت‏:‏ وهذا الجواب هو المعتمد، فإنها واقعة عين فلا يثبت الحكم فيها تعميما، وأما الطعن في الحديث فلا معنى له فإن طرقه يقوى بعضها ببعض، ولقصة خنساء بنت خدام طريق أخرى أخرجها الدار قطني والطبراني من طريق هشيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ‏"‏ ولم يقل فيه بكرا ولا ثيبا، قال الدار قطني‏:‏ رواه أبو عوانة عن عمر مرسلا لم يذكر أبا هريرة‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه ويزيد هو ابن هارون ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري‏.‏

قوله ‏(‏إن رجلا يدعى خداما أنكح ابنه له نحوه‏)‏ ساق أحمد لفظه عن يزيد بن هارون بهذا الإسناد ‏"‏ أن رجلا منهم يدعى خداما أنكح ابنته، فكرهت نكاح أبيها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فرد عنها نكاح أبيها، فتزوجت أبا لبابة بن عبد المنذر ‏"‏ فذكر يحيى بن سعيد أنه بلغه أنها كانت ثيبا، وهذا يوافق ما تقدم‏.‏

وكذا أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن شيبة عن يزيد بن هارون، وأخرجه الإسماعيلي من طرق عن يزيد كذلك، وأخرجه الطبراني والإسماعيلي من طريق محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد نحوه‏.‏

وأخرجه الطبراني من طريق عيسى بن يونس عن يحيى كذلك‏.‏

وأخرجه أحمد عن أبي معاوية عن يحيى كذلك، لكن اقتصر على ذكر مجمع بن يزيد، والذي بلغ يحيى ذلك يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن القاسم، فسيأتي في ترك الحيل من طريق ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم ‏"‏ إن امرأة من ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبد الرحمن ومجمع ابني جارية قالا‏:‏ فلا تخشين فإن خنساء بنت خدام أنكحها أبوها وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال سفيان‏:‏ وأما عبد الرحمن بن القاسم فسمعته يقول عن أبيه أن خنساء انتهى، وقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن عن أبيه عن خنساء موصولا، والمرأة التي من ولد جعفر هي أم جعفر بنت القاسم بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ووليها هو عم أبيها معاوية بن عبد الله بن جعفر، أخرجه المستغفري من طريق يزيد بن الهاد عن ربيعة بإسناده أنها تأيمت من زوجها حمزة بن عبد الله بن الزبير، فأرسلت إلى القاسم بن محمد وإلى عبد الرحمن بن يزيد فقالت‏:‏ إني لا آمن معاوية أن يضعني حيث لا يوافقني، فقال لها عبد الرحمن‏:‏ ليس له ذلك ولو صنع ذلك لم يجز، فذكر الحديث إلا أنه لم يضبط اسم والد خنساء ولا سمي بنته كما قدمته‏.‏

وكنت ذكرت في المقدمة في تسمية المرأة من ولد جعفر ومن ذكر معها غير الذي هنا، والمذكور هنا هو المعتمد، وقد حصل من تحرير ذلك ما لا أظن أنه يزاد عليه، فلله الحمد على جميع مننه

*3*باب تَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ

لِقَوْلِهِ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا وَإِذَا قَالَ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ فَمَكُثَ سَاعَةً أَوْ قَالَ مَا مَعَكَ فَقَالَ مَعِي كَذَا وَكَذَا أَوْ لَبِثَا ثُمَّ قَالَ زَوَّجْتُكَهَا فَهُوَ جَائِزٌ فِيهِ سَهْلٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تزويج اليتيمة‏)‏ لقول الله تعالى ‏(‏وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة في تفسير الآية المذكورة، وقد تقدم شرحه في التفسير، وفي دلالة على تزويج الولي غير الأب التي دون البلوغ بكرا كانت أو ثيبا، لأن حقيقة اليتيمة من كانت دون البلوغ ولا أب لها، وقد أذن في تزويجها بشرط أن لا يبخس من صداقها، فيحتاج من منع ذلك إلى دليل قوي‏.‏

وقد احتج بعض الشافعية بحديث ‏"‏ لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر ‏"‏ قال فإن قيل الصغيرة لا تستأمر، قلنا فيه إشارة إلى تأخير تزويجها حتى تبلغ فتصير أهلا للاستثمار، فإن قيل لا تكون بعد البلوغ يتيمة قلنا التقدير لا تنكح اليتيمة حتى تبلغ فتستأمر، جمعا بين الأدلة‏.‏

قوله ‏(‏وإذا قال للولي زوجني فلانة فمكث ساعة أو قال ما معك‏؟‏ فقال معي كذا وكذا أو لبثا، ثم قال زوجتكها فهو جائز، فيه سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يعني حديث الواهبة، وقد تقدم مرارا ويأتي شرحه قريبا، ومراده منه أن التفريق بين الإيجاب والقبول إذا كان في المجلس لا يضر ولو تخلل بينهما كلام آخر، وفي أخذه من هذا الحديث نظر لأنها واقعة عين يطرقها احتمال أن يكون قبل عقب الإيجاب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ لَهَا يَا أُمَّتَاهْ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى إِلَى قَوْلِهِ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ صَدَاقِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ قَالَتْ عَائِشَةُ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ إِلَى قَوْلِهِ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ مَالٍ وَجَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَنَسَبِهَا وَالصَّدَاقِ وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبًا عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنْ النِّسَاءِ قَالَتْ فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الْأَوْفَى مِنْ الصَّدَاقِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري‏.‏

وقال الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب‏)‏ تقدم طريق الليث موصولا في ‏"‏ باب الأكفاء في المال ‏"‏ وساق المتن هناك على لفظه وهنا على لفظ شعيب، وقد أفرده بالذكر في كتاب الوصايا كما تقدم، والله أعلم

*3*باب إِذَا قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتُكَ بِكَذَا وَكَذَا جَازَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلزَّوْجِ أَرَضِيتَ أَوْ قَبِلْتَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إذا قال الخاطب زوجني فلانة فقال قد زوجتك بكذا وكذا جاز النكاح وإن لم يقل للزوج أرضيت أو قبلت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إذا قال الخاطب للولي ‏"‏ وبه يتم الكلام، وهو الفاعل في قوله ‏"‏ وإن لم يقل ‏"‏ وأورد المصنف فيه حديث سهل بن سعد في قصة الواهبة أيضا وهذه الترجمة معقودة لمسألة هل يقوم الالتماس مقام القبول فيصير كما لو تقدم القبول على الإيجاب كأن يقول تزوجت فلانة على كذا فيقول الولي زوجتكها بذلك، أو لا بد من إعادة القبول‏؟‏ فاستنبط المصنف من قصة الواهبة أنه لم ينقل بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ زوجتكها بما معك من القرآن ‏"‏ أن الرجل قال قد قبلت، لكن اعترضه المهلب فقال‏:‏ بساط الكلام في هذه القصة أغني عن توقيف الخاطب على القبول لما تقدم من المراوضة والطلب والمعاودة في ذلك، فمن كان في مثل حال هذا الرجل الراغب لم يحتج إلى تصريح منه بالقبول لسبق العلم برغبته، بخلاف غيره ممن لم تقم القرائن على رضاه انتهى‏.‏

وغايته أنه يسلم الاستدلال لكن يخصه بخاطب دون خاطب، وقد قدمت في الذي قبله وجه الخدش في أصل الاستدلال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا فَقَالَ مَا لِي الْيَوْمَ فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا قَالَ مَا عِنْدَكَ قَالَ مَا عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ قَالَ مَا عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ فَمَا عِنْدَكَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ

الشرح‏:‏

قوله في هذه الرواية ‏(‏فقال مالي اليوم في النساء من حاجة‏)‏ فيه إشكال من جهة أن في حديث ‏"‏ فصعد النظر إليها وصوبه ‏"‏ فهذا دال على أنه كان يريد التزويج لو أعجبته، فكان معنى الحديث مالي في النساء إذا كن بهذه الصفة من حاجة‏.‏

ويحتمل أن يكون جواز النظر مطلقا من خصائصه وإن لم يرد التزويج، وتكون فائدته احتمال أنها تعجبه فيتزوجها مع استغنائه حينئذ عن زيادة على من عنده من النساء صلى الله عليه وسلم

*3*باب لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَدَعَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع‏)‏ كذا أورده بلفظ ‏"‏ أو يدع ‏"‏ وذكره في الباب عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ أو يترك ‏"‏ وأخرجه مسلم من حديث عقبة بن عامر بلفظ ‏"‏ حتى يذر ‏"‏ وقد أخرجه أبو الشيخ في كتاب النكاح من طريق عبد الوارث عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ حتى ينكح أو يدع ‏"‏ وإسناده صحيح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض‏)‏ تقدم شرحه في البيوع والبحث في اختصاص ذلك بالمسلم، وهذا اللفظ لا يعارض ذلك من جهة أن المخاطبين هم المسلمون‏.‏

قوله ‏(‏ولا يخطب‏)‏ بالجزم على النهي، أي وقال لا يخطب‏.‏

ويجوز الرفع على أنه نفي، وسياق ذلك بصيغة الخبر أبلغ في المنع، ويجوز النصب عطفا على قوله ‏"‏ يبيع ‏"‏ على أن لا في قوله ‏"‏ ولا يخطب ‏"‏ زائدة، ويؤيد الرفع قوله في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عند مسلم ‏"‏ ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب ‏"‏ برفع العين من يبيع والباء من يخطب وإثبات التحتانية في يبيع‏.‏

قوله ‏(‏أو يأذن له الخاطب‏)‏ أي حتى يأذن الأول للثاني‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَأْثُرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ

الشرح‏:‏

قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏الليث عن جعفر بن ربيعة‏)‏ لليث فيه إسناد آخر أخرجه مسلم من طريقه عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر في قصة الخطبة فقط؛ وسأذكر لفظه‏.‏

قوله ‏(‏قال قال أبو هريرة يأثر‏)‏ بفتح أوله وضم المثلثة تقول آثرت الحديث آثره بالمد أثرا بفتح أوله ثم سكون إذا ذكرته عن غيرك، ووقع عند النسائي من طريق محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره مختصرا‏.‏

قوله ‏(‏إياكم والظن إلخ‏)‏ يأتي من وجه آخر عن أبي هريرة في كتاب الأدب مع شرحه، وقد أخرجه البيهقي من طريق، أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه فزاد في المتن زيادات ذكرها البخاري مفرقة لكن من غير هذا الوجه، قال الجمهور‏:‏ هذا النهي للتحريم‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ هذا النهي للتأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند الفقهاء، كذا قال، ولا ملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد، بل حكى النووي أن النهي فيه للتحريم بالإجماع ولكن اختلفوا في شروطه فقال الشافعية والحنابلة‏:‏ محل التحريم ما إذا صرحت المخطوبة أو وليها الذي أذنت له حيث يكون إذنها معتبرا بالإجابة، فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم، فلو لم يعلم الثاني بالحال فيجوز الهجوم على الخطبة لأن الأصل الإباحة، وعند الحنابلة في ذلك روايتان، وإن وقعت الإجابة بالتعريض كقولها لا رغبة عنك فقولان عند الشافعية، الأصح وهو قول المالكية والحنفية لا يحرم أيضا، وإذا لم ترد ولم تقبل فيجوز، والحجة فيه قول فاطمة‏:‏ خطبني معاوية وأبو جهم فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما بل خطبها لأسامة، وأشار النووي وغيره إلى أنه لا حجة فيه لاحتمال أن يكونا خطبا معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول، والنبي صلى الله عليه وسلم أشار بأسامة ولم يخطب، وعلى تقدير أن يكون خطب فكأنه لما ذكر لها ما في معاوية وأبي جهم ظهر منها الرغبة عنهما فخطبها لأسامة‏.‏

وحكى الترمذي عن الشافعي أن معنى حديث الباب إذا خطب الرجل المرأة فرضيت به وركنت إليه فليس لأحد أن يخطب على خطبته، فإذا لم يعلم برضاها ولا ركونها فلا بأس أن يخطبها، والحجة فيه قصة فاطمة بنت قيس فإنها لم تخبره برضاها بواحد منهما ولو أخبرته بذلك لم يشر عليها بغير من اختارت فلو لم توجد منها إجابة ولا رد فقطع بعض الشافعية بالجواز، ومنهم من أجرى القولين، ونص الشافعي في البكر على أن سكوتها رضا بالخاطب، وعن بعض المالكية لا تمنع الخطبة إلا على خطبة من وقع بينهما التراضي على الصداق، وإذا وجدت شروط التحريم ووقع العقد للثاني فقال الجمهور يصح مع ارتكاب التحريم‏.‏

وقال داود يفسخ النكاح قبل الدخول وبعده، وعند المالكية خلاف كالقولين‏.‏

وقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده، وحجة الجمهور أن المنهي عنه الخطبة والخطبة ليست شرطا صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة، وحكى الطبري أن بعض العلماء قال‏:‏ أن هذا النهي منسوخ بقصة فاطمة بنت قيس، ثم رده وغلطه بأنها جاءت مستشيرة فأشير عليها بما هو الأولى ولم يكن هناك خطبة على خطبة كما تقدم، ثم إن دعوى النسخ في مثل هذا غلط، لأن الشارع أشار إلى علة النهي في حديث عقبة بن عامر بالأخوة، وهي صفة لازمة وعلة مطلوبة للدوام فلا يصح أن يلحقها النسخ والله أعلم‏.‏

واستدل به على أن الخاطب الأول إذا أذن للخاطب الثاني في التزويج ارتفع التحريم، ولكن هل يختص ذلك بالمأذون له أو يتعدى لغيره‏؟‏ لأن مجرد الإذن الصادر من الخاطب الأول دال على إعراضه عن تزويج تلك المرأة وبإعراضه ويجوز لغيره أن يخطبها، الظاهر الثاني فيكون الجواز للمأذون له بالتنصيص ولغير المأذون له بالإلحاق، ويؤيده قوله في الحديث الثاني من الباب ‏"‏ أو يترك‏"‏، وصرح الروياني من الشافعية بأن محل التحريم إذا كانت الخطبة من الأول جائزة، فإن كانت ممنوعة كخطبة المعتدة لم يضر الثاني بعد انقضاء العدة أن يخطبها وهو واضح لأن الأول لم يثبت له بذلك حق، واستدل بقوله ‏"‏ على خطبة أخيه ‏"‏ أن محل التحريم إذا كان الخاطب مسلما فلو خطب الذمي ذمية فأراد المسلم أن يخطبها جاز له ذلك مطلقا، وهو قول الأوزاعي ووافقه من الشافعية ابن المنذر وابن جويرية والخطابي، ويؤيده قوله في أول حديث عقبة بن عامر عند مسلم ‏"‏ المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته حتى يذر ‏"‏ وقال الخطابي‏:‏ قطع الله الأخوة بين الكافر والمسلم فيختص النهي بالمسلم‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ الأصل في هذا الإباحة حتى يرد المنع، وقد ورد المنع مقيدا بالمسلم فبقي ما عدا ذلك على أصل الإباحة، وذهب الجمهور إلى إلحاق الذمي بالمسلم في ذلك وأن التعبير بأخيه خرج على الغالب فلا مفهوم له، وهو كقوله تعالى ‏(‏ولا تقتلوا أولاكم‏)‏ وكقوله ‏(‏وربائبكم اللاتي في حجوركم‏)‏ ونحو ذلك‏.‏

وبناه بعضهم على أن هذا المنهي عنه هل هو م حقوق العقد واحترامه أو من حقوق المتعاقدين‏؟‏ فعلى الأول فالراجح ما قال الخطابي، وعلى الثاني فالراجح ما قال غيره، وقريب من هذا البناء اختلافهم في ثبوت الشفعة للكافر فمن جعلها من حقوق الملك أثبتها له ومن جعلها من حقوق المالك منع، وقريب من هذا البحث ما نقل عن ابن القاسم صاحب مالك أن الخاطب الأول إذا كان فاسقا جاز للعفيف أن يخطب على خطبته، ورجحه ابن العربي منهم وهو متجه فيما إذا كانت المخطوبة عفيفة فيكون الفاسق غير كفء لها فتكون خطبته كلا خطبة‏.‏

ولم يعتبر الجمهور ذلك إذا صدرت منها علامة القبول، وقد أطلق بعضهم الإجماع على خلاف هذا القول، ويلتحق بهذا ما حكاه بعضهم من الجواز إذا لم يكن الخاطب الأول أهلا في العادة لخطبة تلك المرأة كما لو خطب سوق بنت ملك وهذا يرجع إلى التكافؤ، واستدل به على تحريم خطبة المرأة على خطبة امرأة أخرى إلحاقا لحكم النساء بحكم الرجال، وصورته أن ترغب امرأة رجل وتدعوه إلى تزويجها فيجيبها كما تقدم فتجيء امرأة أخرى فتدعوه وترغبه في نفسها وتزهده في التي قبلها، وقد صرحوا باستحباب خطبة أهل الفضل من الرجال، ولا يخفى أن محل هذا إذا كان المخطوب عزم أن لا يتزوج إلا بواحدة، فأما إذا جمع بينهما فلا تحريم، وسيأتي بعد ستة أبواب في ‏"‏ باب الشروط التي لا تحل في النكاح ‏"‏ مزيد بحث في هذا‏.‏

قوله ‏(‏حتى ينكح‏)‏ أي حتى يتزوج الخاطب الأول فيحصل اليأس المحض، وقوله ‏"‏أو يترك ‏"‏ أي الخاطب الأول التزويج فيجوز حينئذ للثاني الخطبة، فالغايتان مختلفتان‏:‏ الأولى ترجع إلى اليأس، والثانية ترجع إلى الرجاء، ونظير الأولى قوله تعالى ‏(‏حتى يلج الجمل في سم الخياط‏)

*3*باب تَفْسِيرِ تَرْكِ الْخِطْبَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب تفسير ترك الخطبة‏)‏ ذكر فيه طرفا من حديث عمر حين تأيمت حفصة، وفي آخره قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‏"‏ ولو تركها لقبلتها ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفي قبل أبواب‏.‏

قال ابن بطال ما ملخصه‏:‏ تقدم في الباب الذي قبله تفسير ترك الخطبة صريحا في قوله ‏"‏ حتى ينكح أو يترك ‏"‏ وحديث عمر في قصة حفصة لا يظهر منه تفسير ترك الخطبة لأن عمر لم يكن علم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حفصة، قال‏:‏ ولكنه قصد معنى دقيقا يدل على ثقوب ذهنه ورسوخه في الاستنباط، وذل أن أبا بكر علم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب إلى عمر أنه لا يرده بل يرغب فيه ويشكر الله على ما أنعم عليه به من ذلك، فقام علم أبي بكر بهذا الحال مقام الركون والتراضي، فكأنه يقول‏:‏ كل من علم أنه لا يصرف إذا خطب لا ينبغي لأحد أن يخطب على خطبته‏.‏

وقال ابن المنير الذي يظهر لي أن البخاري أراد أن يحقق امتناع الخطبة على الخطبة مطلقا، لأن أبا بكر امتنع ولم يكن انبرم الأمر بين الخاطب والولي فكيف لو انبرم وتركنا فكأنه استدلال منه بالأولى‏.‏

قلت‏:‏ وما أبداه ابن بطال أدق وأولى والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ قَالَ عُمَرُ لَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا تَابَعَهُ يُونُسُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏تابعه يونس وموسى بن عقبة وابن أبي عتيق عن الزهري‏)‏ أي بإسناده، أما متابعة يونس وهو ابن يزيد فوصلها الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ من طريق أصبغ عن ابن وهب عنه، وأما متابعة الآخرين فوصلها الذهلي في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ من طريق سليمان بن بلال عنهما، وقد تقدم للمصنف هذا الحديث من رواية معمر من رواية صالح بن كيسان أيضا عن الزهري أيضا

*3*باب الْخُطْبَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الخطبة‏)‏ بضم أوله أي عند العقد، ذكر فيه حديث ابن عمر ‏"‏ جاء رجلان من المشرق فخطبا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن من البيان لسحرا ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ سحرا ‏"‏ بغير لام، وهو طرف من حديث سيأتي بتمامه في الطب مع شرحه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ جَاءَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر ‏"‏ جاء رجلان من المشرق فخطبا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن من البيان لسحرا ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ سحرا ‏"‏ بغير لام، وهو طرف من حديث سيأتي بتمامه في الطب مع شرحه‏.‏

قال ابن التين‏:‏ أدخل هذا الحديث في كتاب النكاح وليس هو موضعه، قال‏:‏ والبيان نوعان، الأول ما يبين به المراد، والثاني تحسين اللفظ حتى يستميل قلوب السامعين‏.‏

والثاني هو الذي يشبه بالسحر، والمذموم منه ما يقصد به الباطل، وشبهه بالسحر لأن السحر صرف الشيء عن حقيقته‏.‏

قلت‏:‏ فمن هنا تؤخذ المناسبة ويعرف أنه ذكره في موضعه، وكأنه أشار إلى أن الخطبة وإن كانت مشروعة في النكاح فينبغي أن تكون مقتصدة، ولا يكون فيها ما يقتضي صرف الحق إلى الباطل بتحسين الكلام‏.‏

والعرب تطلق لفظ السحر على الصرف تقول‏:‏ ما سحرك عن كذا‏؟‏ أي ما صرفك عنه‏؟‏ وأخرجه أبو داود من حديث صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده رفعه ‏"‏ أن من البيان سحرا‏.‏

قال فقال صعصعة ابن صوحان‏:‏ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجة من صاحب الحق فيسحر الناس بيانه فيذهب بالحق ‏"‏ وقال المهلب‏:‏ وجه إدخال هذا الحديث في هذه الترجمة أن الخطبة في النكاح إنما شرعت للخاطب ليسهل أمره فشبه حسن التوصل إلى الحاجة بحسن الكلام فيها باستنزال المرغوب إليه بالبيان بالسحر، وإنما كان كذلك لأن النفوس طبعت على الأنفة من ذكر الموليات في أمر النكاح، فكان حسن التوصل لرفع تلك الأنفة وجها من وجوه السحر الذي يصرف الشيء إلى غيره‏.‏

وورد في تفسير خطبة النكاح أحاديث من أشهرها ما أخرجه أصحاب السنن وصححه أبو عوانة وابن حبان عن ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ‏"‏ الحديث‏.‏

قال الترمذي‏:‏ حسن رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود وقال شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه، قال فكلا الحديثين صحيح لأن إسرائيل رواه عن أبي إسحاق فجمعهما‏.‏

قال وقد قال أهل العلم‏:‏ إن النكاح جائز بغير خطبة، وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم ا هـ‏.‏

وقد شرطه في النكاح بعض أهل الظاهر وهو شاذ