فصل: باب شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كِتَاب الشَّهَادَاتِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتاب الشهادات‏)‏ هي جمع شهادة، وهي مصدر شهد يشهد‏.‏

قال الجوهري‏.‏

الشهادة خبر قاطع، والمشاهدة المعاينة، مأخوذة من الشهود أي الحضور، لأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره، وقيل مأخوذة من الإعلام‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي

لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ لَا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - باب ما جاء في البينة على المدعي‏)‏ كذا للأكثر، وسقط لبعضهم لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وقدم النسفي وابن شبويه البسملة على ‏"‏ كتاب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه‏)‏ الآية‏)‏ كذا لابن شبويه، ولأبي ذر بعد قوله‏:‏ ‏(‏فاكتبوه‏)‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم‏)‏ وساق في رواية الأصلي وكريمة الآية كلها وكذا التي بعدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله - إلى قوله - بما تعملون خبيرا‏)‏ كذا لأبي ذر وابن شبويه ووقع للنسفي بعد قوله في الآية الأولى فاكتبوه‏:‏ ‏(‏وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله - إلى قوله - بما تعملون خبيرا‏)‏ وهو غلط لا محالة، وكأنه سقط منه شيء أوضحته رواية غيره كما ترى، ولم يسق في الباب حديثا إما اكتفاء بالآيتين، وإما إشارة إلى الحديث الماضي قريبا في ذلك في آخر باب الرهن، وستأتي ترجمة الشق الآخر وهي ‏"‏ اليمين على المدعى عليه ‏"‏ قريبا‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ وجه الاستدلال بالآية للترجمة أن المدعي لو كان القول قوله لم يحتج إلى الإشهاد ولا إلى كتابة الحقوق وإملائها، فالأمر بذلك يدل على الحاجة إليه، ويتضمن أن البينة على المدعي، ولأن الله حين أمر الذي عليه الحق بالإملاء اقتضى تصديقه فيما أقر به، وإذا كان مصدقا فالبينة على من ادعى تكذيبه‏.‏

*3*باب إِذَا عَدَّلَ رَجُلٌ أَحَدًا فَقَالَ لَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا أَوْ قَالَ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا عدل رجل رجلا فقال‏:‏ لا نعلم إلا خيرا أو ما علمت إلا خيرا‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ أحدا ‏"‏ بدل ‏"‏ رجلا‏"‏‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ حكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال‏.‏

إذا قال ذلك قبلت شهادته، ولم يذكر خلافا عن الكوفيين في ذلك، واحتجوا بحديث الإفك‏.‏

وقال مالك‏:‏ لا يكون ذلك تزكية حتى يقول رضا أي بالقصر‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ حتى يقول عدل، وفي قول‏:‏ عدل علي ولي‏.‏

ولا بد من معرفة المزكي حاله الباطنة‏.‏

والحجة لذلك أنه لا يلزم من أنه لا يعلم منه إلا الخير أن لا يكون فيه شر‏.‏

وأما احتجاجهم بقصة أسامة فأجاب المهلب بأن ذلك وقع في العصر الذي زكى الله أهله، وكانت الجرحة فيهم شاذة، فكفى في تعديلهم أن يقال‏:‏ لا أعلم إلا خيرا، وأما اليوم فالجرحة في الناس أغلب، فلا بد من التنصيص على العدالة‏.‏

قلت‏:‏ لم يبت البخاري الحكم في الترجمة، بل أوردها مورد السؤال لقوة الخلاف فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وساق حديث الإفك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة حين استشاره، فقال‏:‏ أهلك ولا نعلم إلا خيرا‏)‏ كذا لأبي ذر، ولم يقع هذا كله عند الباقين، وهو اللائق لأن حديث الإفك قد ذكر في الباب موصولا، وإن كان اختصره، وسيأتي مطولا أيضا بعد أبواب، ويأتي الكلام عليه في تفسير سورة النور

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَقَالَ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَقَالَتْ بَرِيرَةُ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَعْذِرُنَا فِي رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏"‏ وقال الليث حدثني يونس ‏"‏ وصله هناك أيضا، وقوله‏:‏ ‏"‏ أهلك ولا نعلم إلا خيرا ‏"‏ بنصب أهلك للأكثر على الإغراء، أو على فعل محذوف تقديره أمسك أهلك، ولبعضهم بالرفع أي هم أهلك، قال ابن المنير‏:‏ التعديل إنما هو تنفيذ للشهادة، وعائشة رضي الله عنها لم تكن شهدت ولا كانت محتاجة إلى التعديل لأن الأصل البراءة، وإنما كانت محتاجة إلى نفي التهمة عنها حتى تكون الدعوى عليها بذلك غير مقبولة ولا شبهه فيكفي في هذا القدر هذا اللفظ فلا يكون فيه لمن اكتفى في التعديل بقوله‏:‏ ‏"‏ لا أعلم إلا خيرا ‏"‏ حجة‏.‏

*3*باب شَهَادَةِ الْمُخْتَبِي

وَأَجَازَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْكَاذِبِ الْفَاجِرِ

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ السَّمْعُ شَهَادَةٌ وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ لَمْ يُشْهِدُونِي عَلَى شَيْءٍ وَإِنِّي سَمِعْتُ كَذَا وَكَذَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب شهادة المختبي‏)‏ بالخاء المعجمة أي الذي يختفي عند التحمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأجازه‏)‏ أي الاختباء عند تحمل الشهادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عمرو بن حريث‏)‏ بالمهملة والمثلثة مصغر ابن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي من صغار الصحابة، ولأبيه صحبة، وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال وكذلك يفعل بالكاذب الفاجر‏)‏ كأنه أشار إلى السبب في قبول شهادته، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عن شريح أنه كان لا يجيز شهادة المختبئ، قال وقال عمرو بن حريث‏:‏ كذلك يفعل بالخائن الظالم أو الفاجر، وروى سعيد بن منصور من طريق محمد بن عبيد الله الثقفي أن عمرو بن حريث كان يجيز شهادته ويقول‏:‏ كذلك يفعل بالخائن الفاجر، وروي من طرق عن شريح أنه كان يرد شهادة المختبئ، وكذلك الشعبي، وهو قول أبي حنيفة والشافعي في القديم وأجازها في الجديد إذا عاين المشهود عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الشعبي وابن سيرين وعطاء وقتادة‏:‏ السمع شهادة‏)‏ أما قول الشعبي فوصله ابن أبي شيبة عن هشيم عن مطرفه عنه بهذا، ورويناه في ‏"‏ الجعديات ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ حدثنا شريك عن الأشعث عن عامر وهو الشعبي قال‏:‏ تجوز شهادة السمع إذا قال سمعته يقول وإن لم يشهده، وقول الشعبي هذا يعارض رده لشهادة المختبئ، ويحتمل أن يفرق بأنه إنما رد شهادة المختبئ لما فيها من المخادعة ولا يلزم من ذلك رده لشهادة السمع من غير قصد، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق، وعن مالك أيضا الحرص على تحمل الشهادة قادح، فإذا اختفى ليشهد فهو حرص، وأما قول ابن سيرين وقتادة فسيأتي في ‏"‏ باب شهادة الأعمى ‏"‏ وأما قول عطاء وهو ابن أبي رياح فوصله الكرابيسي في ‏"‏ أدب القضاء ‏"‏ من رواية ابن جريج عن عطاء ‏"‏ السمع شهادة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان الحسن يقول‏:‏ لم يشهدوني على شيء، ولكن سمعت كذا وكذا‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق يونس بن عبيد عنه قال‏:‏ لو أن رجلا سمع من قوم شيئا فإنه يأتي القاضي فيقول‏:‏ لم يشهدوني، ولكن سمعت كذا وكذا، وهذا التفصيل حسن لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏(‏ولا تكتموا الشهادة‏)‏ ولم يقل‏:‏ ‏"‏ الإشهاد ‏"‏ فيفترق الحال عند الأداء، فإن سمعه ولم يشهده وقال عند الأداء ‏"‏ أشهدني ‏"‏ لم يقبل، وإن قال‏:‏ ‏"‏ أشهد أنه قال كذا ‏"‏ قبل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَالِمٌ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ أَيْ صَافِ هَذَا مُحَمَّدٌ فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في قصة ابن صياد وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الفتن، والغرض منه قوله فيه‏:‏ ‏"‏ وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ‏"‏ وقوله في آخره‏:‏ ‏"‏ لو تركته بين ‏"‏ فإنه يقتضي الاعتماد على سماع الكلام وإن كان السامع محتجبا عن المتكلم إذا عرف الصوت، وقوله‏:‏ ‏"‏ يختل ‏"‏ بفتح أوله وسكون المعجمة وكسر المثناة أي يطلب أن يسمع كلامه وهو لا يشعر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفاعَةَ الْقُرَظِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة امرأة رفاعة، وسيأتي الكلام عليه في الطلاق والغرض منه إنكار خالد بن سعيد على امرأة رفاعة ما كانت تكلم به عند النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه محجوبا عنها خارج الباب، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه ذلك، فاعتماد خالد على سماع صوتها حتى أنكر عليها هو حاصل ما يقع من شهادة السمع‏.‏

*3*باب إِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَوْ شُهُودٌ بِشَيْءٍ

وَقَالَ آخَرُونَ مَا عَلِمْنَا ذَلِكَ يُحْكَمُ بِقَوْلِ مَنْ شَهِدَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ هَذَا كَمَا أَخْبَرَ بِلَالٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ وَقَالَ الْفَضْلُ لَمْ يُصَلِّ فَأَخَذَ النَّاسُ بِشَهَادَةِ بِلَالٍ كَذَلِكَ إِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِ مِائَةٍ يُقْضَى بِالزِّيَادَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا شهد شاهد أو شهود بشيء وقال آخرون ما علمنا بذلك يحكم بقول من شهد، قال الحميدي‏:‏ هذا كما أخبر بلال إلخ‏)‏ تقدم هذا في ‏"‏ باب العشر ‏"‏ من كتاب الزكاة، وأن المثبت مقدم على النافي، وهو وفاق من أهل العلم إلا من شذ، ولا سيما إذا لم يتعرض إلا لنفي علمه، وأشار إلى ذلك بقوله‏:‏ ‏"‏ وكذلك إن شهد شاهد أن إلخ ‏"‏ وقد اعترض بأن الشهادتين اتفقتا على الألف وانفردت إحداهما بالخمسمائة، والجواب أن سكوت الأخرى عن خمسمائة في حكم نفيها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لِأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي وَلَا أَخْبَرْتِنِي فَأَرْسَلَ إِلَى آلِ أَبِي إِهَابٍ يَسْأَلُهُمْ فَقَالُوا مَا عَلِمْنَا أَرْضَعَتْ صَاحِبَتَنَا فَرَكِبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ فَفَارَقَهَا وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ

الشرح‏:‏

حديث عقبة بن الحارث في قصة المرضعة، سيأتي الكلام عليها مستوفي بعد أبواب، والغرض منه هنا أنها أثبتت الرضاع ونفاه عقبة، فاعتمد النبي صلى الله عليه وسلم قولها فأمره بفراق امرأته إما وجوبا عند من يقول به وإما ندبا على طريق الورع‏.‏

وقوله في هذه الرواية لأبي إهاب بن عزيز بالعين المهملة المفتوحة وزايين منقوطتين وزن عظيم، ووقع عند أبي ذر عن المستملي والحموي عزير بزاي وآخره راء مصغر والأول أصوب‏.‏

*3*باب الشُّهَدَاءِ الْعُدُولِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشهداء العدول، وقول الله تعالى‏:‏ واشهدوا ذوي عدل منكم - و - ممن ترضون من الشهداء‏)‏ أي وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ممن ترضون‏)‏ فالواو عاطفة من كلام المصنف لا من التلاوة، والعدل والرضا عند الجمهور من يكون مسلما مكلفا حرا غير مرتكب كبيرة ولا مصر على صغيرة، زاد الشافعي‏:‏ وأن يكون ذا مروءة‏.‏

ويشترط في قبول شهادته أن لا يكون عدوا للمشهود عليه، ولا متهما فيها بجر نفع ولا دفع ضر، ولا أصلا للمشهود له ولا فرعا منه‏.‏

واختلف في تفاصيل من ذلك وغيره كما سيأتي بعض ذلك في بعض التراجم إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عبد الله بن عتبة‏)‏ أي ابن مسعود، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود، سمع من كبار الصحابة وله رؤية، وحديثه هذا عن عمر أغفله المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ والمرفوع منه ما أشار إليه مما كان الناس عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن الوحي قد انقطع‏)‏ أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم والمراد انقطاع أخبار الملك عن الله تعالى لبعض الآدميين بالأمر في اليقظة‏.‏

وفي رواية أبي فراس عن عمر عند الحاكم ‏"‏ إنا كنا نعرفكم إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذ الوحي ينزل وإذ يأتينا من أخباركم ‏"‏ وأراد أن النبي قد انطلق ورفع الوحي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمن أظهر لنا خيرا أمناه‏)‏ بهمزة بغير مد وميم مكسورة ونون مشددة من الأمن أي صيرناه عندنا أمينا‏.‏

وفي رواية أبي فراس ‏"‏ ألا ومن يظهر منكم خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الله يحاسب‏)‏ كذا لأبي ذر عن الحموي بحذف المفعول، وللباقين ‏"‏ الله محاسبه ‏"‏ بميم أوله وهاء آخره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سوءا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ شرا ‏"‏ وفي رواية أبي فراس ‏"‏ ومن يظهر لنا شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه؛ سرائركم فيما بينكم وبين ربكم ‏"‏ قال المهلب‏:‏ هذا إخبار من عمر عما كان الناس عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما صار بعده، ويؤخذ منه أن العدل من لم توجد منه الريبة وهو قول أحمد وإسحاق كذا قال، وهذا إنما هو في حق المعروفين لا من لا يعرف حاله أصلا‏.‏

*3*باب تَعْدِيلِ كَمْ يَجُوزُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏تعديل كم يجوز‏)‏ أي هل يشترط في قبول التعديل عدد معين‏؟‏ أورد فيه حديثي أنس وعمر في ثناء الناس بالخير والشر على الميتين، وفيهما قوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏ وجبت ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجنائز، وحكيت عن ابن المنير أنه قال في حاشيته‏:‏ قال ابن بطال فيه إشارة إلى الاكتفاء بتعديل واحد وذكرت أن فيه غموضا، وكأن وجهه أن في قوله‏:‏ ‏"‏ ثم لم نسأله عن الواحد ‏"‏ إشعارا بعيدا بأنهم كانوا يعتمدون قول الواحد في ذلك لكنهم لم يسألوا عن حكمه في ذلك المقام، وسيأتي للمصنف بعد أبواب التصريح بالاكتفاء في شهداء التزكية بواحد، وكأنه لم يصرح به هنا لما فيه من الاحتمال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا أَوْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَالَ وَجَبَتْ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ لِهَذَا وَجَبَتْ وَلِهَذَا وَجَبَتْ قَالَ شَهَادَةُ الْقَوْمِ الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏شهادة القوم‏)‏ هو مبتدأ وخبره محذوفه تقديره مقبولة أو هو خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه شهادة القوم، ووقع في رواية الأصيلي ‏"‏ شهادة ‏"‏ بالنصب بتقدير فعل ناصب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المؤمنون شهداء الله في الأرض‏)‏ كذا للأكثر، والمؤمنون مبتدأ خبره شهداء‏.‏

وفي رواية المستملي والسرخسي ‏"‏ شهادة القوم المؤمنين شهداء الله في الأرض ‏"‏ وشهداء على هذا خبر مبتدأ محذوف تقديره هم شهداء‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ رواه بعضهم برفع القوم‏.‏

فإن كانت الرواية بتنوين ‏"‏ شهادة ‏"‏ فهي على إضمار المبتدأ أي هذه شهادة، ثم استأنف فقال‏:‏ ‏"‏ القوم المؤمنون شهداء الله في الأرض ‏"‏ فالقوم مبتدأ والمؤمنون نعت أو بدل وما بعده خبر، قال‏:‏ وأكثر ما ورد في الحديث حذف المنعوت، لأن الحكم يتعلق بالصفة فلا يحتاج لذكر الموصوف‏.‏

ثم حكى وجهين آخرين فيهما تكلف، ولم يقع في شيء من الروايات بالتنوين ولا سيما مع رواية من رواه بنصب المؤمنين‏.‏

*3*باب الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَنْسَابِ وَالرَّضَاعِ الْمُسْتَفِيضِ وَالْمَوْتِ الْقَدِيمِ

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ وَالتَّثَبُّتِ فِيهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم‏)‏ هذه الترجمة معقودة لشهادة الاستفاضة وذكر منها النسب والرضاعة والموت القديم، فأما النسب فيستفاد من أحاديث الرضاعة فإنه من لازمه، وقد نقل فيه الإجماع‏.‏

وأما الرضاعة فيستفاد ثبوتها بالاستفاضة من أحاديث الباب، فإنها كانت في الجاهلية وكان ذلك مستفيضا عند من وقع له‏.‏

وأما الموت القديم فيستفاد منه حكمه بالإلحاق قاله ابن المنير، واحترز بالقديم عن الحادث، والمراد بالقديم ما تطاول الزمان عليه، وحده بعض المالكية بخمسين سنة وقيل بأربعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم أرضعتني وأبا سلمة ثويبة‏)‏ هو طرف من حديث وصله في الرضاع من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان وسيأتي الكلام عليه هناك‏.‏

وثويبة بالمثلثة ثم الموحدة مصغرة يأتي هناك ذكر شيء من خبرها وخبر أبي سلمة بن عبد الأسد إن شاء الله تعالى‏.‏

واختلف العلماء في ضابط ما تقبل فيه الشهادة بالاستفاضة، فتصح عند الشافعية في النسب قطعا والولادة، وفي الموت والعتق والولاء والوقف والولاية والعزل والنكاح وتوابعه والتعديل والتجريح والوصية والرشد والسفه والملك على الراجح في جميع ذلك، وبلغها بعض المتأخرين من الشافعية بضعة وعشرين موضعا وهي مستوفاة في ‏"‏ قواعد العلائي ‏"‏ وعن أبي حنيفة تجوز في النسب والموت والنكاح والدخول وكونه قاضيا، زاد أبو يوسف والولاء، زاد محمد والوقف، قال صاحب ‏"‏ الهداية ‏"‏ وإنما أجيز استحسانا وإلا فالأصل أن الشهادة لا بد فيها من المشاهدة، وشرط قبولها أن يسمعها من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب، وقبل أقل ذلك أربعة أنفس، وقيل يكفي من عدلين، وقيل يكفي من عدل واحد إذا سكن القلب إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والتثبت فيه‏)‏ هو بقية الترجمة‏.‏

وكأنه أشار إلى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة آخر الباب ‏"‏ انظرن من إخوانكن من الرضاعة ‏"‏ الحديث‏.‏

ثم أورد المصنف فيه أربعة أحاديث سيأتي الكلام عليها جميعا في الرضاع آخر النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

والإسناد الثاني كله بصريون إلا الصحابي وقد سكنها‏.‏

والثالث كله مدنيون إلا شيخه وقد دخلها‏.‏

والرابع كله كوفيون إلا عائشة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ قَالَ يَا عَائِشَةُ مَنْ هَذَا قُلْتُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ قَالَ يَا عَائِشَةُ انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ تَابَعَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه ابن مهدي عن سفيان‏)‏ أي أن عبد الرحمن بن مهدي روى حديث عائشة عن سفيان بإسناده كما رواه محمد بن كثير، ورواية ابن مهدي موصولة عند مسلم وأبي يعلى، وسيأتي الخلاف في أفلح هل كان عم عائشة من الرضاعة أو كان أباها‏.‏

*3*باب شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَجَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعًا بِقَذْفِ الْمُغِيرَةِ ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ

وَقَالَ مَنْ تَابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ وَأَجَازَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ وَشُرَيْحٌ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ الْقَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِذَا جُلِدَ الْعَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ اسْتُقْضِيَ الْمَحْدُودُ فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ ثُمَّ قَالَ لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ جَازَ وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ وَأَجَازَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ وَقَدْ نَفَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّانِيَ سَنَةً وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب شهادة القاذف والسارق والزاني‏)‏ أي هل تقبل بعد توبتهم أم لا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل‏:‏ ‏(‏ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا‏)‏ وهذا الاستثناء عمدة من أجاز شهادته إذا تاب‏.‏

وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا‏)‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏إلا الذين تابوا‏)‏ فمن تاب فشهادته في كتاب الله تقبل، وبهذا قال الجمهور إن شهادة القاذف بعد التوبة تقبل ويزول عنه اسم الفسق سواء كان بعد إقامة الحد أو قبله، وتأولوا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏أبدا‏)‏ على أن المراد ما دام مصرا على قذفه، لأن أبد كل شيء على ما يليق به كما لو قيل لا تقبل شهادة الكافر أبدا فإن المراد ما دام كافرا، وبالغ الشعبي فقال‏:‏ إن تاب القاذف قبل إقامة الحد سقط عنه‏.‏

وذهب الحنفية إلى أن الاستثناء يتعلق بالفسق خاصة فإذا تاب سقط عنه اسم الفسق؛ وأما شهادته فلا تقبل أبدا‏.‏

وقال بذلك بعض التابعين‏.‏

وفيه مذهب آخر يقبل بعد الحد لا قبله‏.‏

وعن الحنفية لا ترد شهادته حتى يحد، وتعقبه الشافعي بأن الحدود كفارة لأهلها، فهو بعد الحد خير منه قبله فكيف يرد في خير حالتيه ويقبل في شرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجلد عمر أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا بقذف المغيرة، ثم استتابهم وقال‏:‏ من تاب قبلت شهادته‏)‏ وصله الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏ قال‏:‏ سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز، فأشهد لأخبرني فلان أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة تب وأقبل شهادتك‏.‏

قال سفيان‏:‏ سمى الزهري الذي أخبره فحفظته ثم نسيته، فقال لي عمر بن قيس‏:‏ هو ابن المسيب قلت‏:‏ رواه ابن جرير من وجه آخر عن سفيان فسماه ابن المسيب، وكذلك رويناه بعلو من طريق الزعفراني عن سفيان، ورواه ابن جرير في التفسير من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب أتم من هذا ولفظه ‏"‏ أن عمر بن الخطاب ضرب أبا بكرة وشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كلدة الحد وقال لهم‏:‏ من أكذب نفسه قبلت شهادته فيما يستقبل، ومن لم يفعل لم أجز شهادته‏.‏

فأكذب شبل نفسه ونافع، وأبي أبو بكرة أن يفعل ‏"‏ قال الزهري‏:‏ هو والله سنة فاحفظوه‏.‏

ورواه سليمان بن كثير عن الزهري عن سعيد بن المسيب ‏"‏ أن عمر حيث شهد أبو بكرة ونافع وشبل على المغيرة، وشهد زياد على خلاف شهادتهم، فجلدهم عمر واستتابهم وقال‏:‏ من رجع منكم عن شهادته قبلت شهادته‏.‏

فأبى أبو بكرة أن يرجع ‏"‏ أخرجه عمر بن شبة في ‏"‏ أخبار البصرة ‏"‏ من هذا الوجه، وساق قصة المغيرة هذه من طرق كثيرة محصلها أن المغيرة بن شعبة كان أمير البصرة لعمر، فاتهمه أبو بكرة - وهو نفيع - الثقفي الصحابي المشهور، وكان أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة الثقفي وهو معدود في الصحابة وشبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة ابن معبد بن عتيبة بن الحارث البجلي وهو معدود في المخضرمين وزياد بن عبيد الذي كان بعد ذلك يقال له زياد بن أبي سفيان إخوة من أم أمهم سمية مولاة الحارث بن كلدة، فاجتمعوا جميعا فرأوا المغيرة متبطن المرأة وكان يقال لها الرقطاء أم جميل بنت عمرو بن الأفقم الهلالية وزوجها الحجاج بن عتيك بن الحارث بن عوف الجشمي، فرحلوا إلى عمر فشكوه، فعزله وولى أبا موسى الأشعري، وأحضر المغيرة فشهد عليه الثلاثة بالزنا، وأما زياد فلم يبت الشهادة وقال‏:‏ رأيت منظرا قبيحا، وما أدري أخالطها أم لا، فأمر عمر بجلد الثلاثة حد القذف وقال ما قال‏.‏

وأخرج القصة الطبراني في ترجمة شبل بن معبد والبيهقي من رواية أبي عثمان النهدي أنه شاهد ذلك عند عمر وإسناده صحيح‏.‏

ورواه الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق عبد العزيز بن أبي بكرة مطولا وفيها ‏"‏ فقال زياد رأيتهما في لحاف وسمعت نفسا عاليا ولا أدري ما وراء ذلك ‏"‏ وقد حكى الإسماعيلي في ‏"‏ المدخل ‏"‏ أن بعضهم استشكل إخراج البخاري هذه القصة واحتجاجه بها مع كونه احتج بحديث أبي بكرة في عدة مواضع، وأجاب الإسماعيلي بالفرق بين الشهادة والرواية وأن الشهادة يطلب فيها مزيد تثبت لا يطلب في الرواية كالعدد والحرية وغير ذلك، واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطا في قبول توبته، لأن أبا بكرة لم يكذب نفسه ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعملوا بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأجازه عبد الله بن عتبة‏)‏ أي ابن مسعود، وصله الطبري من طريق عمران بن عمير قال‏:‏ ‏"‏ كان عبد الله بن عتبة يجيز شهادة القاذف إذا تاب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعمر بن عبد العزيز‏)‏ أي الخليفة المشهور، وصله الطبري والخلال من طريق ابن جريج عن عمران بن موسى ‏"‏ سمعت عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة القاذف ومعه رجل ‏"‏ ورواه عبد الرزاق عن ابن جريح فزاد مع عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسعيد بن جبير‏)‏ وصله الطبري من طريقه بلفظ ‏"‏ تقبل شهادة القاذف إذا تاب ‏"‏ وروى ابن أبي حاتم من وجه آخر عنه لا تقبل، لكن إسناده ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وطاوس ومجاهد‏)‏ وصله سعيد بن منصور والشافعي والطبري من طريق ابن أبي نجيح قال‏:‏ ‏"‏ القاذف إذا تاب تقبل شهادته‏.‏

قيل له‏:‏ من قاله‏؟‏ قال‏:‏ عطاء وطاوس ومجاهد‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏والشعبي‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي خالد عنه أنه كان يقول ‏"‏ يقبل الله توبته ويردون شهادته، وكان يقبل شهادته إذا تاب ‏"‏ ورويناه في ‏"‏ الجعديات ‏"‏ عن شعبة عن الحكم في شهادة القاذف أن إبراهيم قال‏:‏ ‏"‏ لا تجوز‏"‏، وكان الشعبي يقول‏:‏ ‏"‏ إذا تاب قبلت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعكرمة‏)‏ أي مولى ابن عباس وصله البغوي في ‏"‏ الجعديات ‏"‏ عن شعبة عن يونس هو ابن عبيد عن عكرمة قال‏:‏ ‏"‏ إذا تاب القاذف قبلت شهادته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والزهري‏)‏ قد تقدم قوله في قصة المغيرة ‏"‏ هو سنة ‏"‏ ورواه ابن جرير من وجه آخر عن الزهري قال‏:‏ ‏"‏ إذا حد القاذف فإنه ينبغي للإمام أن يستتيبه، فإن تاب قبلت شهادته وإلا لم تقبل ‏"‏ وفي الموطأ عن الزهري نحوه في قصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومحارب بن دثار وشريح‏)‏ أي القاضي ‏(‏ومعاوية بن قرة‏)‏ هؤلاء الثلاثة من أهل الكوفة، فدل على أن مراد الزهري الماضي في قصة المغيرة بما نسبه إلى الكوفيين من عدم قبولهم شهادة القاذف بعضهم لا كلهم ولم أر عن واحد من الثلاثة المذكورين التصريح بالقبول، نعم الشعبي من أهل الكوفة وقد ثبت عنه القبول كما تقدم، وروى ابن جريج بإسناد صحيح عن شريح أنه كان يقول في القاذف ‏"‏ يقبل الله توبته، ولا أقبل شهادته ‏"‏ وروى ابن أبي خالد بإسناد ضعيف عن شريح ‏"‏ أنه كان لا يقبل شهادته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو الزناد‏)‏ هو المدني المشهور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأمر عندنا إلخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق حصين بن عبد الرحمن قال‏:‏ ‏"‏ رأيت رجلا جلد حدا في قذف بالزنا، فلما فرغ من ضربه أحدث توبة فلقيت أبا الزناد فقال لي‏:‏ الأمر عندنا ‏"‏ فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الشعبي وقتادة‏)‏ وصله الطبري عنهما مفرقا، وروى ابن أبي حاتم من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال‏:‏ ‏"‏ إذا أكذب القاذف نفسه قبلت شهادته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الثوري إلخ‏)‏ هو في ‏"‏ الجامع ‏"‏ له من رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعض الناس‏:‏ لا تجوز شهادة القاذف وإن تاب‏)‏ هذا منقول عن الحنفية، واحتجوا في رد شهادة المحدود بأحاديث قال الحفاظ‏:‏ لا يصح منها شيء، وأشهرها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ‏"‏ لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الإسلام ‏"‏ أخرجه أبو داود وابن ماجة، ورواه الترمذي من حديث عائشة نحوه وقال‏:‏ ‏"‏ لا يصح ‏"‏ وقال أبو زرعة منكر، وروى عبد الرزاق عن الثوري عن واصل عن إبراهيم قال‏:‏ ‏"‏ لا تقبل شهادة القاذف، توبته فيما بينه وبين الله ‏"‏ قال الثوري‏:‏ ‏"‏ ونحن على ذلك ‏"‏ وأخرج عبد الرزاق من رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس نحوه وهو منقطع، ولم يصب من قال إنه سند قوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال‏)‏ أي بعض الناس الذي أشار إليه ‏(‏لا يجوز نكاح بغير شاهدين، فإن تزوج بشهادة محدودين جاز‏)‏ هو منقول عن الحنفية أيضا، واعتذروا بأن الغرض شهرة النكاح، وذلك حاصل بالعدل وغيره عند التحمل، وأما عند الأداء فلا يقبل إلا العدل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأجاز شهادة العبد والمحدود والأمة لرؤية هلال رمضان‏)‏ هو منقول عن الحنفية أيضا، واعتذروا بأنها جارية مجرى الخبر لا الشهادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكيف تعرف توبته‏)‏ أي القاذف، وهذا من كلام المصنف، وهو من تمام الترجمة وكأنه أشار إلى الاختلاف في ذلك، فعن أكثر السلف‏:‏ لا بد أن يكذب نفسه، وبه قال الشافعي، وقد تقدم التصريح به عن الشافعي وغيره‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس مثله، وعن مالك ‏"‏ إذا ازداد خيرا كفاه، ولا يتوقف على تكذيب نفسه لجواز أن يكون صادقا في نفس الأمر ‏"‏ وإلى هذا مال المصنف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ونفى النبي صلى الله عليه وسلم الزاني سنة، ونهى عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه حتى مضى خمسون ليلة‏)‏ أما نفي الزاني فموصول آخر الباب، وأما قصة كعب فستأتي بطولها في آخر تفسير براءة وفي غزوة تبوك، ووجه الدلالة منه أنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم كلفهما بعد التوبة بقدر زائد على النفي والهجران‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ يَدُهَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة المرأة التي سرقت مختصرة، والمراد منه قول عائشة ‏"‏ فحسنت توبتها ‏"‏ الحديث‏.‏

وكأنه أراد إلحاق القاذف بالسارق لعدم الفارق عنده‏.‏

وإسماعيل شيخه فيه هو ابن أبي أويس، وقوله‏:‏ ‏"‏ وقال الليث حدثني يونس ‏"‏ وصله أبو داود من طريقه لكن بغير هذا اللفظ، وظهر أن هذا اللفظ لابن وهب، أشار المصنف إلى أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فيشترط مضي مدة يظن فيها صحة توبته، وقدرها الأكثرون بسنة‏.‏

ووجهوه بأن للفصول الأربعة في النفس تأثيرا فإذا مضت أشعر ذلك بحسن السريرة ولهذا اعتبرت في مدة تغريب الزاني، والمختار أن هذا في الغالب وإلا ففي قول عمر لأبي بكرة ‏"‏ تب أقبل ش هادتك ‏"‏ دلالة للجمهور، قال ابن المنير‏:‏ اشتراط توبة القاذف إذا كان عند نفسه محقا في غاية الإشكال، بخلاف ما إذا كان كاذبا في قذفه فاشتراطها واضح، ويمكن أن يقال‏:‏ إن المعاين للفاحشة مأمور بأن لا يكشفه صاحبها إلا إذا تحقق كمال النصاب معه، فإذا كشفه قبل ذلك عصى فيتوب من المعصية في الإعلان لا من الصدق في علمه‏.‏

قلت‏:‏ ويعكر عليه أن أبا بكرة لم يكشف حتى يحقق كمال النصاب معه كما تقدم، ومع ذلك فأمره عمر بالتوبة لتقبل شهادته‏.‏

ويجاب عن ذلك بأن عمر لعله لم يطلع على ذلك فأمره بالتوبة، ولذلك لم يقبل منه أبو بكرة ما أمره به لعلمه بصدقه عند نفسه والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ

الشرح‏:‏

حديث زيد بن خالد في تغريب الزاني، واستشكل الداودي إيراده في هذا الباب، ووجهه أنه أراد منه الإشارة إلى أن هذه المدة أقصى ما ورد في استبراء العاصي والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ جمع البخاري في الترجمة بين السارق والقاذف للإشارة إلى أنه لا فرق في قبول التوبة منهما، وإلا فقد نقل الطحاوي الإجماع على قبول شهادة السارق إذا تاب، نعم ذهب الأوزاعي إلى أن المحدود في الخمر لا تقبل شهادته وإن تاب، ووافقه الحسن بن صالح، وخالفهما في ذلك جميع فقهاء الأمصار‏.‏