فصل: باب قَوْلُهُ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*سورة حم السَّجْدَةِ

وَقَالَ طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا أَعْطِيَا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ أَعْطَيْنَا وَقَالَ الْمِنْهَالُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ قَالَ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا إِلَى قَوْلِهِ دَحَاهَا فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ طَائِعِينَ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ وَقَالَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا عَزِيزًا حَكِيمًا سَمِيعًا بَصِيرًا فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى فَقَالَ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا وَعِنْدَهُ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا الْآيَةَ وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالْآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ دَحَاهَا وَقَوْلُهُ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ فَجُعِلَتْ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَخُلِقَتْ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الْمِنْهَالِ بِهَذَا وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ مَحْسُوبٍ أَقْوَاتَهَا أَرْزَاقَهَا فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا مِمَّا أَمَرَ بِهِ نَحِسَاتٍ مَشَائِيمَ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ اهْتَزَّتْ بِالنَّبَاتِ وَرَبَتْ ارْتَفَعَتْ مِنْ أَكْمَامِهَا حِينَ تَطْلُعُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي أَيْ بِعَمَلِي أَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا وَقَالَ غَيْرُهُ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ قَدَّرَهَا سَوَاءً فَهَدَيْنَاهُمْ دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَقَوْلِهِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ وَكَقَوْلِهِ هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الْإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَصْعَدْنَاهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ يُوزَعُونَ يُكَفُّونَ مِنْ أَكْمَامِهَا قِشْرُ الْكُفُرَّى هِيَ الْكُمُّ وَقَالَ غَيْرُهُ وَيُقَالُ لِلْعِنَبِ إِذَا خَرَجَ أَيْضًا كَافُورٌ وَكُفُرَّى وَلِيٌّ حَمِيمٌ الْقَرِيبُ مِنْ مَحِيصٍ حَاصَ عَنْهُ أَيْ حَادَ مِرْيَةٍ وَمُرْيَةٌ وَاحِدٌ أَيْ امْتِرَاءٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ هِيَ وَعِيدٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمْ اللَّهُ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة حم السجدة‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال طاوس عن ابن عباس ‏(‏ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏)‏ أعطينا‏)‏ وصله الطبري وابن أبي حاتم بإسناد على شرط البخاري في الصحة، ولفظ الطبري في قوله‏:‏ ‏(‏ائتيا‏)‏ قال أعطيا وفي قوله‏:‏ ‏(‏قالتا أتينا‏)‏ قالتا أعطينا‏.‏

وقال عياض‏:‏ ليس أتي هنا بمعنى أعطى، وإنما هو من الإتيان وهو المجيء بمعنى الانفعال للوجود، بدليل الآية نفسها‏.‏

وبهذا فسره المفسرون أن معناه جيئا بما خلقت فيكما وأظهراه، قالتا أجبنا‏.‏

وروي ذلك عن ابن عباس قال وقد روي عن سعيد بن جبير نحو ما ذكره المصنف، ولكنه يخرج على تقريب المعنى أنهما لما أمرتا بإخراج ما فيهما من شمس وقمر ونهر ونبات وغير ذلك وأجابتا إلى ذلك كان كالإعطاء، فعبر بالإعطاء عن المجيء بما أودعتاه‏.‏

قلت‏.‏

فإذا كان موجها وثبتت به الرواية فأي معنى لإنكاره عن ابن عباس، وكأنه لما رأى عن ابن عباس أنه فسره بمعنى المجيء نفى أن يثبت عنه أنه فسره بالمعنى الآخر، وهذا عجيب، فما المانع أن يكون له في الشيء قولان بل أكثر، وقد روى الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال الله عز وجل للسماوات اطلعي الشمس والقمر والنجوم‏.‏

وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك، قالتا أتينا طائعين‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ لعل ابن عباس قرأها آتينا بالمد ففسرها على ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وقد صرح أهل العلم بالقراآت أنها قراءته، وبها قرأ صاحباه مجاهد وسعيد بن جبير‏.‏

وقال السهيلي في أماليه‏:‏ قيل إن البخاري وقع له في أي من القرآن وهم، فإن كان هذا منها وإلا فهي قراءة بلغته، وجهه أعطيا الطاعة كما يقال فلان يعطى الطاعة لفلان، قال‏:‏ وقد قرئ ‏"‏ ثم سئلوا الفتنة لآتوها ‏"‏ بالمد والقصر، والفتنة ضد الطاعة‏.‏

وإذا جاز في إحداهما جاز في الأخرى انتهى وجوز بعض المفسرين أن آتينا بالمد بمعنى الموافقة، وبه جزم الزمخشري‏.‏

فعلى هذا يكون المحذوف مفعولا واحدا والتقدير‏:‏ لتوافق كل منكما الأخرى، قالتا توافقنا‏.‏

وعلى الأول يكون قد حذف مفعولان والتقدير‏:‏ أعطيا من أمركما الطاعة من أنفسكما قالتا أعطيناه الطاعة‏.‏

وهو أرجح لثبوته صريحا عن ترجمان القرآن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالتا‏)‏ قال ابن عطية أراد الفرقتين المذكورتين جعل السماوات سماء والأرضين أرضا‏.‏

ثم ذكر لذلك شاهدا‏.‏

وهي غفلة منه، فإنه لم يتقدم قبل ذلك إلا لفظ سماء مفرد ولفظ أرض مفرد، نعم قوله طائعين عبر بالجمع بالنظر إلى تعدد كل منهما، وعبر بلفظ جمع المذكر من العقلاء لكونهم عوملوا معاملة العقلاء في الإخبار عنهم، وهو مثل ‏(‏رأيتهم لي ساجدين‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال المنهال‏)‏ هو ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في قصة إبراهيم من أحاديث الأنبياء، وهو صدوق من طبقة الأعمش، وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وغيرهم، وتركه شعبة لأمر لا يوجب فيه قدحا كما بينته في المقدمة، وهذا التعليق قد وصله المصنف بعد فراغه من سياق الحديث كما سأذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد‏)‏ هو ابن جبير، وصرح به الأصيلي في روايته وكذا النسفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال رجل لابن عباس‏)‏ كأن هذا الرجل هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج وكان يجالس ابن عباس بمكة ويسأله ويعارضه، ومن جملة ما وقع سؤاله عنه صريحا ما أخرجه الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة قال ‏"‏ سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله تعالى ‏(‏هذا يوم لا ينطقون - ولا تسمع إلا همسا‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون - وهاؤم اقرءوا كتابيه‏)‏ الحديث بهذه القصة حسب، وهي إحدى القصص المسئول عنها في حديث الباب‏.‏

وروى الطبراني من حديث الضحاك بن مزاحم قال ‏"‏ قدم نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رءوس الخوارج مكة ‏"‏ فإذا هم بابن عباس قاعدا قريبا من زمزم والناس قياما يسألونه، فقال له نافع بن الأزرق‏:‏ أتيتك لأسألك، فسأله عن أشياء كثيرة من التفسير، ساقها في ورقتين‏.‏

وأخرج الطبري من هذا الوجه بعض القصة ولفظه ‏"‏ أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال‏:‏ قول الله ‏(‏ولا يكتمون الله حديثا‏)‏ و قوله‏:‏ ‏(‏والله ربنا ما كنا مشركين‏)‏ فقال‏:‏ أني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت لهم أين ابن عباس فألقي عليه متشابه القرآن‏؟‏ فأخبرهم أن الله تعالى إذا جمع الناس يوم القيامة قال المشركون‏:‏ إن الله لا يقبل إلا من وحده، فيسألهم فيقولون‏:‏ والله ربنا ما كنا مشركين، قال فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم ‏"‏ انتهى وهذه القصة إحدى ما ورد في حديث الباب، فالظاهر أنه المبهم فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني أجد في القرآن أشياء تختلف على‏)‏ أي تشكل وتضطرب، لأن بين ظواهرها تدافعا‏.‏

زاد عبد الرزاق في رواية عن معمر عن رجل عن المنهال بسنده ‏"‏ فقال ابن عباس‏:‏ ما هو، أشك في القرآن‏؟‏ قال‏:‏ ليس بشك ولكنه اختلاف، فقال‏:‏ هات ما اختلف عليك من ذلك، قال‏:‏ أسمع الله يقول‏.‏

وحاصل ما وقع السؤال في حديث الباب أربعة مواضع‏:‏ الأول نفي المسائلة يوم القيامة وإثباتها، الثاني كتمان المشركين حالهم وإفشاؤه، الثالث خلق السماوات والأرض أيهما تقدم، الرابع الإتيان بحرف ‏"‏ كان ‏"‏ الدال على الماضي مع أن الصفة لازمة‏.‏

وحاصل جواب ابن عباس عن الأول أن نفي المسائلة فيما قبل النفخة الثانية وإثباتها فيما بعد ذلك، وعن الثاني أنهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم، وعن الثالث أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة ثم خلق السماء فسواها في يومين ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين فتلك أربعة أيام للأرض، فهذا الذي جمع به ابن عباس بين قوله تعالى في هذه الآية وبين قوله‏:‏ ‏(‏والأرض بعد ذلك دحاها‏)‏ هو المعتمد، وأما ما أخرجه عبد الرزاق من طريق أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس رفعه قال ‏"‏ خلق الله الأرض في يوم الأحد وفي يوم الاثنين، وخلق الجبال وشقق الأنهار وقدر في كل أرض قوتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، ثم استوى إلى السماء وهي دخان وتلا الآية إلى قوله‏:‏ ‏(‏في كل سماء أمرها‏)‏ قال في يوم الخميس ويوم الجمعة الحديث، فهو ضعيف لضعف أبي سعيد وهو البقال، وعن الرابع بأن ‏"‏ كان ‏"‏ وإن كانت للماضي لكنها لا تستلزم الانقطاع؛ بل المراد أنه لم يزل كذلك، فأما الأول فقد جاء فيه تفسر آخر أن نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فيما عدا ذلك، وهذا منقول عن السدي أخرجه الطبري، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن نفي المساءلة عند النفخة الأولى وإثباتها بعد النفخة الثانية، وقد تأول ابن مسعود نفي المساءلة على معنى آخر وهو طلب بعضهم من بعض العفو، فأخرج الطبري من طريق زاذان قال ‏"‏ أتيت ابن مسعود فقال‏:‏ يؤخذ بيد العبد يوم القيامة فينادي‏:‏ ألا إن هذا فلان ابن فلان، فمن كان له حق قبله فليأت، قال فتود المرأة يومئذ أن يثبت لها حق على أبيها أو ابنها أو أخيها أو زوجها، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون‏"‏‏.‏

ومن طريق أخرى قال ‏"‏ لا يسأل أحد يومئذ بنسب شيئا ولا يتساءلون به ولا يمت برحم، وأما الثاني فقد تقدم بسطه من وجه آخر عند الطبري، والآية الأخرى التي ذكرها ابن عباس وهي قوله‏:‏ ‏(‏والله ربنا ما كنا مشركين‏)‏ فقد ورد ما يؤيده من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم أثناء حديث وفيه ‏"‏ ثم يلقى الثالث فيقول‏:‏ يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك ويثنى ما استطاع، فيقول‏:‏ الآن نبعث شاهدا عليك، فيفكر في نفسه من الذي يشهد علي‏؟‏ فيختم على فيه وتنطق جوارحه ‏"‏ وأما الثابت فأجيب بأجوبة أيضا منها أن ‏"‏ ثم ‏"‏ بمعنى الواو فلا إيراد، وقيل المراد ترتيب الخبر لا المخبر به كقوله‏:‏ ‏(‏ثم كان من الذين آمنوا‏)‏ الآية، وقيل على بابها لكن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في الزمان، وقيل خلق بمعنى قدر‏.‏

وأما الرابع وجواب ابن عباس عنه فيحتمل كلامه أنه أراد أنه سمي نفسه غفورا رحيما، وهذه التسمية مضت لأن التعلق انقضى، وأما الصفتان فلا يزالان كذلك لا ينقطعان لأنه تعالى إذا أراد المغفرة أو الرحمة في الحال أو الاستقبال وقع مراده، قاله الكرماني‏.‏

قال‏:‏ ويحتمل أن يكون ابن عباس أجاب بجوابين أحدهما أن التسمية هي التي كانت وانتهت والصفة لا نهاية لها، والآخر أن معنى ‏"‏ كان ‏"‏ الدوام فإنه لا يزال كذلك‏.‏

ويحتمل أن يحمل السؤال على مسلكين والجواب على رفعهما كأن يقال‏:‏ هذا اللفظ مشعر بأنه في الزمان الماضي كان غفورا رحيما مع أنه لم يكن هناك من يغفر له أو يرحم، وبأنه ليس في الحال كذلك لما يشعر به لفظ كان، والجواب عن الأول بأنه كان في الماضي يسمى به، وعن الثاني بأن كان تعطى معنى الدوام، وقد قال النحاة‏.‏

كان لثبوت خبرها ماضيا دائما أو منقطعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يختلف‏)‏ بالجزم للنهي، وقد وقع في رواية ابن أبي حاتم من طريق مطرف عن المنهال بن عمرو وفي آخره ‏"‏ قال فقال له ابن عباس‏:‏ هل بقي في قلبك شيء‏؟‏ إنه ليس من القرآن شيء إلا نزل فيه شيء، ولكن لا تعلمون وجهه‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في السياق ‏"‏ والسماء بناها ‏"‏ والتلاوة ‏(‏أم السماء بناها‏)‏ كذا زعم بعض الشراح، والذي في الأصل من رواية أبي ذر ‏(‏والسماء وما بناها‏)‏ وهو على وفق التلاوة، لكن قوله بعد ذلك ‏"‏ إلى قوله دحاها ‏"‏ يدل على أن المراد الآية التي فيها ‏(‏أم السماء بناها‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنيه يوسف بن عدي‏)‏ أي ابن أبي زريق التيمي الكوفي نزيل مصر، وهو أخو زكريا بن عدي، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث‏.‏

وقد وقع في رواية القابسي ‏"‏ حدثنيه عن يوسف ‏"‏ بزيادة ‏"‏ عن ‏"‏ وهي غلط‏.‏

وسقط قوله ‏"‏ وحدثنيه إلخ ‏"‏ من رواية النسفي، وكذا من رواية أبي نعيم عن الجرجاني عن الفربري، وثبت ذلك عند جمهور الرواة عن الفربري، لكن ذكر البرقاني في ‏"‏ المصافحة ‏"‏ بعد أن أخرج الحديث من طريق محمد ابن إبراهيم البوشنجي ‏"‏ حدثنا أبو يعقوب يوسف بن عدي ‏"‏ فساقه بتمامه قال ‏"‏ وقال لي محمد بن إبراهيم الأردستاني قال‏:‏ شاهدت نسخة من كتاب البخاري في هامشها ‏"‏ حدثنيه محمد بن إبراهيم حدثنا يوسف بن عدي ‏"‏ قال البرقاني‏:‏ ويحتمل أن يكون هذا من صنيع من سمعه من البوشنجي فإن اسمه محمد بن إبراهيم، قال‏:‏ ولم يخرج البخاري ليوسف ولا لعبيد الله بن عمرو ولا لزيد بن أبي أنيسة حديثا مسندا سواه، وفي مغايرة البخاري سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه وإن صارت صورته صورة الموصول، وقد صرح ابن خزيمة في صحيحه بهذا الاصطلاح وأن ما يورده بهذه الكيفية ليس على شرط صحيحه وخرج على من يغير هذه الصيغة المصطلح عليها إذا أخرج منه شيئا على هذه الكيفية‏.‏

فزعم بعض الشراح أن البخاري سمعه أولا مرسلا وآخرا مسندا فنقله كما سمعه، وهذا بعيد جدا، وقد وجدت للحديث طريقا أخرى أخرجها الطبري من رواية مطرف من طريق عن المنهال بن عمرو بتمامه، فشيخ معمر المبهم يحتمل أن يكون مطرفا أو زيد بن أبي أنيسة أو ثالثا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد لهم أجر غير ممنون‏:‏ محسوب‏)‏ سقط هذا من رواية النسفي، وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد به، وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏غير ممنون‏)‏ قال‏:‏ غير منقوص، وهو بمعنى قول مجاهد محسوب، والمراد أنه يحسب فيحصى فلا ينقص منه شيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أقواتها أرزاقها‏)‏ أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن بلفظ ‏"‏ قال وقال قتادة جبالها وأنهارها ودوابها وثمارها ‏"‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ ‏"‏ وقدر فيها أقواتها ‏"‏ قال‏:‏ من المطر‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ أقواتها واحدها قوت وهي الأرزاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في كل سماء أمرها مما أمر به‏)‏ وصله الفريابي بلفظ ‏"‏ مما أمر به وأراده ‏"‏ أي من خلق الرجوم والنيرات وغير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نحسات مشائيم‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد به‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ‏"‏ ريحا صرصرا‏:‏ باردة‏.‏

نحسات‏:‏ مشومات ‏"‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ الصرصر هي الشديدة الصوت العاصفة، نحسات‏:‏ ذوات نحوس أي مشائيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقيضنا لهم قرناء تتنزل عليهم الملائكة عند الموت‏)‏ كذا في رواية أبي ذر والنسفي وطائفة، وعند الأصيلي ‏"‏ وقيضنا لهم قرناء قرناهم بهم تتنزل عليهم الملائكة عند الموت ‏"‏ وهذا هو وجه الكلام وصوابه، وليس تتنزل عليهم تفسيرا لقيضنا‏.‏

وقد أخرج الفريابي من طريق مجاهد بلفظ ‏"‏ وقيضنا لهم قرناء قال شياطين‏.‏

وفي قوله تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا قال عند الموت ‏"‏ وكذلك أخرجه الطبري مفرقا في موضعيه، ومن طريق السدي قال‏:‏ تتنزل عليهم الملائكة عند الموت، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ تتنزل عليهم الملائكة وذلك في الآخرة‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل الجمع بين التأويلين فإن حالة الموت أول أحوال الآخرة في حق الميت، والحاصل من التأويلين أنه ليس المراد تتنزل عليهم في حال تصرفهم في الدنيا‏.‏

د قوله‏:‏ ‏(‏اهتزت بالنبات، وربت ارتفعت من أكمامها حين تطلع‏)‏ كذا لأبي ذر والنسفي‏.‏

وفي رواية غيرهما إلى قوله ‏"‏ ارتفعت ‏"‏ وهذا هو الصواب، وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد إلى قوله ‏"‏ ارتفعت ‏"‏ وزاد ‏"‏ قبل أن تنبت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليقولن هذا لي أي بعلمي أنا محقوق بهذا‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا ولكن لفظه ‏"‏ بعملي ‏"‏ بتقديم المهم على اللام وهو الأشبه، واللام في ليقولن جواب القسم، وأما جواب الشرط فمحذوف، وأبعد من قال اللام جواب الشرط والفاء محذوفة منه لأن ذلك شاذ مختلف في جوازه في الشعر، ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ هذا لي ‏"‏ أي لا يزول عني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره سواء للسائلين قدرها سواء‏)‏ سقط ‏"‏ وقال غيره ‏"‏ لغير أبي ذر والنسفي وهو أشبه، فإنه معنى قول أبي عبيدة‏.‏

وقال في قوله سواء للسائلين‏:‏ نصبها على المصدر‏.‏

وقال الطبري‏:‏ قرأ الجمهور سواء بالنصب وأبو جعفر بالرفع ويعقوب بالجر، فالنصب على المصدر أو على نعت الأقوات، ومن رفع فعلى القطع، ومن خفض فعلى نعت الأيام أو الأربعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهديناهم دللناهم على الخير والشر‏)‏ ك قوله‏:‏ ‏(‏وهديناه النجدين‏)‏ وكقوله‏:‏ ‏(‏هديناه السبيل‏)‏ والهدى الذي هو الإرشاد بمنزلة أسعدناه، ومن ذلك قوله‏:‏ ‏(‏أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده‏)‏ ‏.‏

كذا لأبي ذر والأصيلي ولغيرهما ‏"‏ أصعدناه ‏"‏ بالصاد المهملة، قال السهيلي‏:‏ هو بالصاد أقرب إلى تفسير أرشدناه من أسعدناه بالسين المهملة، لأنه إذا كان بالسين كان من السعد والسعادة، وأرشدت الرجل إلى الطريق وهديته السبيل بعيد من هذا التفسير، فإذا قلت أصعدناهم بالصاد خرج اللفظ إلى معنى الصعدات في قوله ‏"‏ إياكم والقعود على الصعدات ‏"‏ وهي الطرق، وكذلك أصعد في الأرض إذا سار فيها على قصد، فإن كان البخاري قصد هذا وكتبها في نسخته بالصاد التفاتا إلى حديث الصعدات فليس بمنكر انتهى‏.‏

والذي عند البخاري إنما هو بالسين كما وقع عند أكثر الرواة عنه، وهو منقول من ‏"‏ معاني القرآن ‏"‏ قال في قوله تعالى ‏(‏وأما ثمود فهديناهم‏)‏ يقال دللناهم على مذهب الخير ومذهب الشر كقوله‏:‏ ‏(‏وهديناه النجدين‏)‏ ثم ساق عن علي في قوله‏:‏ ‏(‏وهديناه النجدين‏)‏ قال‏:‏ الخير والشر، قال‏:‏ وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏إنا هديناه السبيل‏)‏ قال‏:‏ والهدى على وجه آخر وهو الإرشاد، ومثله قولك أسعدناه من ذلك ‏(‏أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده‏)‏ في كثير من القرآن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوزعون يكفون‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏فهم يوزعون‏)‏ ‏:‏ أي يدفعون، وهو من وزعت‏.‏

وأخرج الطبري من طريق السدي في قوله‏:‏ ‏(‏فهم يوزعون‏)‏ قال‏:‏ عليهم وزعة ترد أولاهم على أخراهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أكمامها‏:‏ قشر الكفرى الكم‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره هي الكم، زاد الأصيلي‏:‏ واحدها هو قول الفراء بلفظه‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏من أكمامها‏)‏ ‏:‏ أي أوعيتها واحدها كمة وهو ما كانت فيه، وكم وكمة واحد، والجمع أكمام، وأكمة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ كاف الكم مضمومة ككم القميص وعليه يدل كلام أبي عبيدة وبه جزم الراغب، ووقع في الكشاف بكسر الكاف فإن ثبت فلعلها لغة فيه دون كم القميص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ ويقال للعنب إذا خرج أيضا‏:‏ كافور وكفرى‏)‏ ثبت هذا في رواية المستملي وحده، والكفرى بضم الكاف وفتح الفاء وبضمها أيضا والراء مثقلة مقصور، وهو وعاء الطالع وقشره الأعلى قاله الأصمعي وغيره، قالوا‏:‏ ووعاء كل شيء كافوره‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ قول الأكثرين الكفرى الطلع بما فيه، وعن الخليل أنه الطلع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولي حميم‏:‏ القريب‏)‏ كذا للأكثر، وعند النسفي‏:‏ وقال معمر فذكره، ومعمر هو ابن المثنى أبو عبيدة وهذا كلامه، قال في قوله‏:‏ ‏(‏كأنه ولي حميم‏)‏ قال‏:‏ ولي قريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من محيص حاص عنه حاد عنه‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏ما لنا من محيص‏)‏ يقال حاص عنه أي عدل وحاد‏.‏

وقال في موضع آخر ‏(‏من محيص‏)‏ أي من معدل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرية ومرية واحد‏)‏ أي بكسر الميم وضمها أي امتراء، هو قول أبي عبيدة أيضا، وقراءة الجمهور بالكسر، وقرأ الحسن البصري بالضم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد ‏(‏اعملوا ما شئتم‏)‏ الوعيد‏)‏ في رواية الأصيلي هو وعيد، وقد وصله عبد بن حميد من طريق سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏اعملوا ما شئتم‏)‏ قال‏:‏ هذا وعيد‏.‏

وأخرجه عبد الرزاق من وجهين آخرين عن مجاهد‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ لم يأمرهم بعمل الكفر، وإنما هو توعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس ‏(‏ادفع بالتي هي أحسن‏)‏ الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم‏)‏ سقط ‏"‏ كأنه ولي حميم ‏"‏ من رواية أبي ذر وحده وثبت للباقين، وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة إلخ، ومن طريق عبد الكريم الجزري عن مجاهد ‏(‏ادفع بالتي هي أحسن‏)‏ ‏:‏ السلام

*3*باب قَوْلُهُ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ

الشرح‏:‏

قوله باب قوله‏:‏ ‏(‏وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم‏)‏ الآية قال الطبري‏:‏ اختلف في معنى قوله ‏"‏ تستترون ‏"‏ ثم أخرج من طريق السدي قال‏:‏ تستخفون، ومن طريق مجاهد قال‏:‏ تتقون، ومن طريق شعبة عن قتادة قال‏:‏ ما كنتم تظنون أن يشهد عليكم إلخ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ الْآيَةَ قَالَ كَانَ رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفَ أَوْ رَجُلَانِ مِنْ ثَقِيفَ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ فِي بَيْتٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ حَدِيثَنَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْمَعُ بَعْضَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَئِنْ كَانَ يَسْمَعُ بَعْضَهُ لَقَدْ يَسْمَعُ كُلَّهُ فَأُنْزِلَتْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن مسعود‏:‏ وما كنتم تستترون‏)‏ أي قال في تفسير قوله تعالى ‏(‏وما كنتم تستترون‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف أو رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش‏)‏ هذا الشك من أبي معمر رواية عن ابن مسعود وهو عبد الله بن سخبرة، وقد أخرجه عبد الرزاق من طريق وهب بن ربيعة عن ابن مسعود بلفظ ‏"‏ ثقفي وختناه قرشيان ‏"‏ ولم يشك‏.‏

وأخرج مسلم من طريق وهب هذه ولم يسق لفظها، وأخرجه الترمذي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال ‏"‏ ثلاثة نفر ‏"‏ ولم ينسبهم، وذكر ابن بشكوال في ‏"‏ المبهمات ‏"‏ من طريق ‏"‏ تفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي ‏"‏ أحد الضعفاء بإسناده عن ابن عباس قال‏:‏ القرشي الأسود بن عبد يغوث الزهري والثقفيان الأخنس بن شريق والآخر لم يسم، وراجعت التفسير المذكور فوجدته قال في تفسير قوله تعالى ‏(‏أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم‏)‏ قال‏:‏ جلس رجلان عند الكعبة أحدهما من ثقيف وهو الأخنس بن شريق والآخر من قريش وهو الأسود بن عبد يغوث، فذكر الحديث‏.‏

وفي تنزيل هذا على هذا ما لا يخفى‏.‏

وذكر الثعلبي وتبعه البغوي أن الثقفي عبد ياليل بن عمرو بن عمير والقرشيان صفوان وربيعة ابنا أمية بن خلف‏.‏

وذكر إسماعيل بن محمد التيمي في تفسيره أن القرشي صفوان بن أمية والثقفيان ربيعة وحبيب ابنا عمرو، فالله أعلم

*3*باب وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين‏)‏ الإشارة في قوله‏:‏ ‏(‏وذلكم‏)‏ لما تقدم من صنيع الاستتار ظنا منهم أنهم يخفى عملهم عند الله‏.‏

وهو مبتدأ والخبر أرداكم، وظنكم بدل من ذلكم‏.‏

ثم ذكر فيه الحديث الذي قبله من طريق أخرى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ قَالَ الْآخَرُ يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلَا يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا وَقَالَ الْآخَرُ إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ الْآيَةَ وَكَانَ سُفْيَانُ يُحَدِّثُنَا بِهَذَا فَيَقُولُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ أَوْ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَوْ حُمَيْدٌ أَحَدُهُمْ أَوْ اثْنَانِ مِنْهُمْ ثُمَّ ثَبَتَ عَلَى مَنْصُورٍ وَتَرَكَ ذَلِكَ مِرَارًا غَيْرَ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏اجتمع البيت‏)‏ أي عند الكعبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم‏)‏ كذا للأكثر بإضافة بطون لشحم وإضافة قلوب لفقه وتنوين كثيرة وقليلة‏.‏

وفي رواية سعيد بن منصور والترمذي من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود ‏"‏ كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم ‏"‏ وذكره بعض الشراح بلفظ إضافة شحم إلى كثيرة وبطونهم بالرفع على أنه المبتدأ أي بطونهم كثيرة الشحم والآخر مثله وهو محتمل، وقد أخرجه ابن مردويه من وجه آخر بلفظ ‏"‏ عظيمة بطونهم قليل فقههم ‏"‏ وفيه إشارة إلى أن الفطنة قلما تكون مع البطنة، قال الشافعي‏:‏ ما رأيت سمينا عاقلا إلا محمد بن الحسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله‏)‏ أي لأن نسبة جميع المسموعات إليه واحدة فالتخصيص تحكم، وهذا يشعر بأن قائل ذلك كان أفطن أصحابه، وأخلق به أن يكون الأخنس بن شريق لأنه أسلم بعد ذلك، وكذا صفوان بن أمية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان سفيان يحدثنا بهذا فيقول‏:‏ حدثنا منصور أو ابن أبي نجيح أو حميد أحدهم أو اثنان منهم، ثم ثبت على منصور وترك ذلك مرارا غير واحدة‏)‏ هذا كلام الحميدي شيخ البخاري فيه، وقد أخرجه عنه في كتاب التوحيد قال ‏"‏ حدثنا سفيان حدثنا منصور عن مجاهد ‏"‏ فذكره مختصرا ولم يذكر مع منصور أحدا‏.‏

وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن سفيان بن عيينة عن منصور وحده به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ لسفيان فيه إسناد آخر أخرجه مسلم عن أبي بكر بن خلاد عن يحيى القطان عن سفيان الثوري عن سليمان وهو الأعمش عن عمارة بن عمير عن وهب بن ربيعة عن ابن مسعود، وكأن البخاري ترك طريق الأعمش للاختلاف عليه قيل عنه هكذا، وقيل عنه عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود أخرجه الترمذي بالوجهين‏.‏

*3*سُورَةُ حم عسق

وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَقِيمًا الَّتِي لَا تَلِدُ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا الْقُرْآنُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ نَسْلٌ بَعْدَ نَسْلٍ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ لَا خُصُومَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ذَلِيلٍ وَقَالَ غَيْرُهُ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ يَتَحَرَّكْنَ وَلَا يَجْرِينَ فِي الْبَحْرِ شَرَعُوا ابْتَدَعُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة حم عسق‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن ابن عباس عقيما التي لا تلد‏)‏ وصله ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ ‏(‏ويجعل من يشاء عقيما‏)‏ قال‏:‏ لا يلقح‏.‏

وذكره باللفظ المعلق بلفظ جويبر عن الضحاك عن ابن عباس وفيه ضعف وانقطاع، فكأنه لم يجزم به لذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏روحا من أمرنا‏:‏ القرآن‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بهذا، وروى الطبري من طريق السدي قال في قوله‏:‏ ‏(‏روحا من أمرنا‏)‏ قال‏:‏ وحيا‏.‏

ومن طريق قتادة عن الحسن في قوله‏:‏ ‏(‏روحا من أمرنا‏)‏ قال‏:‏ رحمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد يذرؤكم فيه نسل بعد نسل‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏يذرؤكم فيه‏)‏ قال نسلا بعد نسل من الناس والأنعام، وروى الطبري من طريق السدي في قوله‏:‏ ‏(‏يذرؤكم‏)‏ قال‏:‏ يخلقكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا حجة بيننا وبينكم‏)‏ لا خصومة بيننا وبينكم، وصله الفريابي عن مجاهد بهذا، وروى الطبري من طريق السدي في قوله‏:‏ ‏(‏حجتهم داحضة عند ربهم‏)‏ قال‏:‏ هم أهل الكتاب قالوا للمسلمين‏:‏ كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من طرف خفي‏:‏ ذليل‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد بهذا، وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مثله، ومن طريق قتادة ومن طريق السدي في قوله‏:‏ ‏(‏ينظرون من طرف خفي‏)‏ قال‏:‏ يسارقون النظر، وتفسير مجاهد هو بلازم هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شرعوا ابتدعوا‏)‏ هو قول أبي عبيدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيظللن رواكد عل ظهره‏:‏ يتحركن ولا يجرين في البحر‏)‏ وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال سفن هذا البحر تجري بالريح فإذا أمسكت عنها الريح ركدت، وقوله يتحركن أي يضربن بالأمواج، ولا يجرين في البحر بسكون الريح، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من زعم أن ‏"‏ لا ‏"‏ سقطت في قوله ‏"‏ يتحركن ‏"‏ قال‏:‏ لأنهم فسروا ‏"‏ رواكد ‏"‏ بسواكن، وتفسير ‏"‏ رواكد ‏"‏ بسواكن قول أبي عبيدة، ولكن السكون والحركة في هذا أمر نسبي

*3*بَاب قَوْلِهِ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ طَاوُسًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ الْقَرَابَةِ

الشرح‏:‏

حديث طاوس ‏"‏ عن ابن عباس سئل عن تفسيرها، فقال سعيد بن جبير‏:‏ قربى آل محمد، فقال ابن عباس‏:‏ عجلت ‏"‏ أي أسرعت في التفسير‏.‏

وهذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعا فأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت قالوا يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم‏؟‏ الحديث، وإسناده ضعيف، وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح‏.‏

والمعنى إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني، والخطاب لقريش خاصة، والقربى قرابة العصوبة والرحم، فكأنه قال احفظوا للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة‏.‏

ثم ذكر ما تقدم عن عكرمة في سبب نزول صلى الله عليه وسلم 0 وقد جزم بهذا التفسير جماعة من المفسرين واستندوا إلى ما ذكرته عن ابن عباس من الطبراني وابن أبي حاتم، وإسناده واه فيه ضعيف ورافضي‏.‏

وذكر الزمخشري هنا أحاديث ظاهر وضعها، ورده الزجاج بما صح عن ابن عباس من رواية طاوس في حديث الباب، وبما نقله الشعبي عنه، وهو المعتمد‏.‏

وجزم بأن الاستثناء منقطع‏.‏

وفي سبب نزولها قول آخر ذكره الواحدي عن ابن عباس قال‏:‏ لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس بيده شيء، فجمع له الأنصار مالا فقالوا‏:‏ يا رسول الله إنك ابن أختنا، وقد هدانا الله بك، وتنوبك النوائب وحقوق وليس لك سعة، فجمعنا لك من أموالنا ما تستعين به علينا، فنزلت‏.‏

وهذه من رواية الكلبي ونحوه من الضعفاء‏.‏

وأخرج من طريق مقسم عن ابن عباس أيضا قال بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنصار شيء فخطب فقال ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي الحديث، وفيه فجثوا على الركب وقالوا أنفسنا وأموالنا لك فنزلت‏.‏

وهذا أيضا ضعيف ويبطله أن الآية مكية والأقوى في سبب نزولها صلى الله عليه وسلم 0 عن قتادة قال‏:‏ قال المشركون لعل محمدا يطلب أجرا على ما يتعاطاه فنزلت‏.‏

وزعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة، ورده الثعلبي بأن الآية دالة على الأمر بالتودد إلى الله بطاعته أو باتباع نبيه أو صلة رحمه بترك أذيته أو صلة أقاربه من أجله وكل ذلك مستمر الحكم غير منسوخ، والحاصل أن سعيد بن جبير ومن وافقه كعلي بن الحسين والسدي وعمرو بن شعيب فيما أخرجه الطبري عنهم حملوا الآية على أمر المخاطبين بأن يواددوا أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عباس حملها على أن يواددوا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينهم وبينه، فعلى الأول الخطاب عام لجميع المكلفين، وعلى الثاني الخطاب خاص بقريش‏.‏

ويؤيد ذلك أن السورة مكية‏.‏

وقد قيل إن هذه الآية نسخت بقوله‏:‏ ‏(‏قل ما أسألكم عليه من أجر‏)‏ ويحتمل أن يكون هذا عاما خص بما دلت عليه آية الباب، والمعنى أن قريشا كانت تصل أرحامها، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعوه فقال‏:‏ صلوني كما تصلون غيري من أقاربكم‏.‏

وقد روى سعيد بن منصور من طريق الشعبي قال‏:‏ أكثروا علينا في هذه الآية، فكتبت إلى ابن عباس أسأله عنها فكتب‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واسط النسب في قريش، لم يكن حي من أحياء قريش إلا ولده، فقال الله ‏(‏قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى‏)‏ تودوني بقرابتي منكم، وتحفظوني في ذلك‏.‏

وفيه قول ثالث أخرجه أحمد من طريق مجاهد عن ابن عباس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏قل لا أسألكم عليه أجرا‏)‏ على ما جئتكم به من البينات والهدى إلا أن تقربوا إلى الله بطاعته، وفي إسناده ضعف‏.‏

وثبت عن الحسن البصري نحوه، والأجر على هذا مجاز‏.‏

وقوله ‏"‏القربى ‏"‏ هو مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة، والمراد في أهل القربى، وعبر بلفظ ‏"‏ في ‏"‏ دون اللام كأنه جعلهم مكانا للمودة ومقرا لها، كما يقال لي في آل فلان هوى أي هم مكان هواي، ويحتمل أن تكون ‏"‏ في ‏"‏ سببية، وهذا على أن الاستثناء متصل، فإن كان منقطعا فالمعنى لا أسألكم عليه أجرا قط، ولكن أسألكم أن تودوني بسب قرابتي فيكم

*3*سورة حم الزُّخْرُفِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَلَى أُمَّةٍ عَلَى إِمَامٍ وَقِيلَهُ يَا رَبِّ تَفْسِيرُهُ أَيَحْسِبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَلَا نَسْمَعُ قِيلَهُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَوْلَا أَنْ جَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سَقْفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ وَهِيَ دَرَجٌ وَسُرُرَ فِضَّةٍ مُقْرِنِينَ مُطِيقِينَ آسَفُونَا أَسْخَطُونَا يَعْشُ يَعْمَى وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذِّكْرَ أَيْ تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ يَعْنِي الْإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ يَنْشَأُ فِي الْحِلْيَةِ الْجَوَارِي جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ يَعْنُونَ الْأَوْثَانَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ أَيْ الْأَوْثَانُ إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فِي عَقِبِهِ وَلَدِهِ مُقْتَرِنِينَ يَمْشُونَ مَعًا سَلَفًا قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفًا لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَثَلًا عِبْرَةً يَصِدُّونَ يَضِجُّونَ مُبْرِمُونَ مُجْمِعُونَ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ الْعَرَبُ تَقُولُ نَحْنُ مِنْكَ الْبَرَاءُ وَالْخَلَاءُ وَالْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمِيعُ مِنْ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ يُقَالُ فِيهِ بَرَاءٌ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَلَوْ قَالَ بَرِيءٌ لَقِيلَ فِي الِاثْنَيْنِ بَرِيئَانِ وَفِي الْجَمِيعِ بَرِيئُونَ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّنِي بَرِيءٌ بِالْيَاءِ وَالزُّخْرُفُ الذَّهَبُ مَلَائِكَةً يَخْلُفُونَ يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة حم الزخرف‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ قوله‏:‏ ‏(‏على أمة على إمام‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية أبي ذر ‏"‏ وقال مجاهد فذكره ‏"‏ والأول أولى وهو قول أبي عبيدة وروى عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏على أمة‏)‏ قال‏:‏ على ملة‏:‏ وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏على أمة‏)‏ أي على دين، ومن طريق السدي مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقيله يا رب تفسيره أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع قيلهم‏)‏ قال ابن التين‏:‏ هذا التفسير أنكره بعضهم، وإنما يصح لو كانت التلاوة ‏"‏ وقيلهم ‏"‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ وقيله منصوب في قول أبي عمرو بن العلاء على نسمع سرهم ونجواهم وقيله، قال وقال غيره‏:‏ هي في موضع الفعل، أي ويقول‏.‏

وقال غيره‏:‏ هذا التفسير محمول على أنه أراد تفسير المعنى، والتقدير ونسمع قيله فحذف العامل، لكن يلزم منه الفصل بين المتعاطفين بجمل كثيرة‏.‏

وقال الفراء‏:‏ من قرأ وقيله فنصب تجوز من قوله نسمع سرهم ونجواهم ونسمع قيلهم؛ وقد ارتضى ذلك الطبري وقال‏:‏ قرأ الجمهور وقيله بالنصب عطفا على قوله أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم والتقدير ونسمع قيله يا رب، وبهذا يندفع اعتراض ابن التين وإلزامه بل يصح والقراءة وقيله بالإفراد، قال الطبري‏:‏ وقراءة الكوفيين وقيله بالجر على معنى وعنده علم الساعة وعلم قيله، قال‏:‏ وهما قراءتان صحيحتا المعنى، وسيأتي أواخر هذه السورة أن ابن مسعود قرأ ‏"‏ وقال الرسول يا رب ‏"‏ - في موضع وقيله يا رب‏.‏

وقال بعض النحويين‏:‏ المعنى إلا من شهد بالحق وقال قيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون؛ وفيه أيضا الفصل بين المتعاطفين بجمل كثيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة إلخ‏)‏ وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظه مقطعا‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ أمة واحدة كفارا، وروى الطبري من طريق عوف عن الحسن في قوله‏:‏ ‏(‏ولولا أن يكون الناس أمة واحدة‏)‏ قال‏:‏ كفارا يميلون إلى الدنيا‏.‏

قال‏:‏ وقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل، فكيف لو فعل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مقرنين مطيقين‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏وما كنا له مقرنين‏)‏ قال‏:‏ مطيقين‏.‏

وهو بالقاف‏.‏

ومن طريق للسدي مثله‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ‏(‏وما كنا له مقرنين‏)‏ لا في الأيدي ولا في القوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آسفونا أسخطونا‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏فلما آسفونا‏)‏ قال‏:‏ أسخطونا‏.‏

وقال عبد الرزاق سمعت ابن جريح يقول ‏(‏آسفونا‏)‏ أغضبونا‏.‏

وعن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه مثله وأورده في قصة له مع عروة بن محمد السعدي عامل عمر بن عبد العزيز على اليمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعش يعمى‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق شبيب عن بشر عن عكرمة عن ابن عباس في قوله ‏(‏ومن يعش عن ذكر الرحمن‏)‏ قال‏:‏ يعمى‏.‏

وروى الطبري من طريق السدي قال ‏(‏ومن يعش‏)‏ أي يعرض‏.‏

ومن طريق سعيد عن قتادة مثله‏.‏

قال الطبري‏:‏ من فسر يعش بمعنى يعمى فقراءته بفتح الشين‏.‏

وقال ابن قتيبة قال أبو عبيدة قوله‏:‏ ‏(‏ومن يعش‏)‏ بضم الشين أي تظلم عينه‏.‏

وقال الفراء‏.‏

يعرض عنه، قال‏:‏ ومن قرأ يعش بفتح الشين أراد تعمى عينه، قال‏:‏ ولا أرى القول إلا قول أبي عبيدة، ولم أر أحدا يجيز عشوت عن الشيء أعرضت عنه، إنما يقال تعاشيت عن كذا تغافلت عنه ومثله تعاميت‏.‏

وقال غيره‏:‏ عشى إذا مشى ببصر ضعيف مثل عرج مشى مشية الأعرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد أفنضرب عنكم الذكر صفحا أي تكذبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه‏)‏ ‏؟‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه، وروى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال‏:‏ أفحسبتم أن نصفح عنكم ولم تفعلوا ما أمرتم به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومضى مثل الأولين‏:‏ سنة الأولين‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏ومضى مثل الأولين‏)‏ قال سنتهم، وسيأتي له تفسير آخر قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مقرنين يعني الإبل والخيل والبغال‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وزاد‏:‏ والحمير‏.‏

وهذا تفسير المراد بالضمير في قوله له، وأما لفظ ‏"‏ مقرنين ‏"‏ فتقدم معناه قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو من ينشأ في الحلية الجواري، يقول جعلتموهن للرحمن ولدا فكيف تحكمون‏)‏ وصله االفريابي عن مجاهد بلفظه والمعنى أنه تعالى أنكر على الكفرة الذين زعموا أن الملائكة بنات الله فقال ‏(‏أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين‏)‏ وأنتم تمقتون البنات وتنفرون منهن حتى بالغتم في ذلك فوأدتموهن، فكيف تؤثرون أنفسكم بأعلى الجزأين وتدعون له الجزء الأدنى مع أن صفة هذا الصنف الذي هو البنات أنها تنشأ في الحلية والزينة المفضية إلى نقص العقل وعدم القيام بالحجة‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏أو من ينشأ في الحلية‏)‏ قال‏:‏ البنات ‏(‏وهو في الخصام غير مبين‏)‏ قال فما تكلمت المرأة تريد أن تكلم بحجة لها إلا تكلمت بحجة عليها‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قرأ ينشأ بفتح أوله مخففا الجمهور، وحمزة والكسائي وحفص بضم أوله مثقلا، والجحدري مثله مخففا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم، يعنون الأوثان‏.‏

يقول الله تعالى‏:‏ ما لهم بذلك من علم الأوثان إنه لا يعلمون‏)‏ وصله الفريابي من طريق، مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم‏)‏ قال‏:‏ الأوثان‏.‏

قال الله ‏(‏ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون‏)‏ ما تعلمون قدرة الله على ذلك والضمير في قوله ما لهم بذلك من علم للكفار أي ليس لهم علم بما ذكروه من المشيئة ولا برهان معهم على ذلك إنما يقولونه ظنا وحسبانا، أو الضمير للأوثان ونزلهم منزلة من يعقل ونفى عنهم علم ما يصنع المشركون من عبادتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في عقبه ولده‏)‏ وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظه، والمراد بالولد الجنس حتى يدخل فيه ولد الولد وإن سفل‏.‏

وقال عبد الرزاق في عقبه لا يزال في ذريته من يوحد الله عز وجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مقترنين يمشون معا‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏أو جاء معه الملائكة مقترنين‏)‏ يمشون معا‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ يعني متتابعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سلفا قوم فرعون‏.‏

سلفا لكفار أمة محمد‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد قال‏:‏ هم قوم فرعون كفارهم سلفا لكفار أمة محمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومثلا عبرة‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وزاد ‏"‏ لمن بعدهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصدون يضجون‏)‏ وصله الفريابي والطبري عن مجاهد بلفظه، وهو قول أبي عبيدة وزاد‏:‏ ومن ضمها فمعناه يعدلون‏.‏

وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ومن طريق آخر عن ابن عباس ومن طريق سعيد عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏يصدون‏)‏ قال‏:‏ يضجون‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن عاصم أخبرني زر هو ابن حبيش أن ابن عباس كان يقرؤها ‏"‏ يصدون ‏"‏ يعني بكسر الصاد يقول‏:‏ يضجون‏.‏

قال عاصم‏:‏ وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقرؤها بضم الصاد، فبالكسر معناه يضج وبالضم معناه يعرض‏.‏

وقال الكسائي‏:‏ هما لغتان بمعنى وأنكر بعضهم قراءة الضم، واحتج بأنه لو كانت كذاك لكانت عنه لا منه‏.‏

وأجيب بأن المعنى منه أي من أجله فيصح الضم، وروى الطبري من طريق أبي يحيى عن ابن عباس أنه أنكر على عبيد بن عمير قراءته يصدون بالضم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مبرمون مجمعون‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد بلفظه وزاد إن كادوا شرا كدناهم مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أول العابدين أول المؤمنين‏)‏ وصله الفريابي عن مجاهد بلفظ ‏"‏ أول المؤمنين بالله فقولوا ما شئتم ‏"‏ وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏فأنا أول العابدين‏)‏ يقول‏:‏ فأنا أول من عبد الله وحده وكفر بما تقولون‏.‏

وروى الطبري من طريق محمد بن ثور عن معمر بسنده قال ‏"‏ قل إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول من عبد الله وحده وكذبكم ‏"‏ وسيأتي له بعد هذا تفسير آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره إنني براء مما تعبدون، العرب تقول‏:‏ نحن منك البراء والخلاء، الواحد والاثنان والجميع من المذكر والمؤنث سواء يقال فيه براء لأنه مصدر، ولو قيل بريء لقيل في الاثنين بريئان وفي الجميع بريئون‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏إنني براء‏)‏ مجازها لغة عالية يجعلون الواحد والاثنين والثلاثة من المذكر والمؤنث على لفظ واحد، وأهل نجد يقولون‏:‏ أنا بريء وهي بريئة ونحن براء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ عبد الله إنني بريء بالياء‏)‏ وصله الفضل بن شاذان في ‏"‏ كتاب القراءات ‏"‏ بإسناده عن طلحة ابن مصرف عن يحيى بن وثاب عن علقمة عن عبد الله بن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والزخرف الذهب‏)‏ قال عبد الله بن حميد حدثنا هاشم بن القاسم عن شعبة عن الحكيم عن مجاهد قال‏:‏ كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيتها في قراءة عبد الله أي ابن مسعود ‏"‏ أو يكون لك بيت من ذهب ‏"‏ وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ‏"‏ وزخرفا ‏"‏ قال الذهب‏.‏

وعن معمر عن الحسن مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ملائكة في الأرض يخلفون يخلف بعضهم بعضا‏)‏ أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وزاد في آخره‏:‏ مكان ابن آدم‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله ونادوا يا مالك‏)‏ ظاهرها أنهم بعدما طال إبلاسهم تكلموا، والمبلس الساكت بعد اليأس من الفرج، فكان فائدة الكلام بعد ذلك حصول بعض فرج لطول العهد، أو النداء يقع قبل الإبلاس لأن الواو لا تستلزم ترتيبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ وَقَالَ قَتَادَةُ مَثَلًا لِلْآخِرِينَ عِظَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ مُقْرِنِينَ ضَابِطِينَ يُقَالُ فُلَانٌ مُقْرِنٌ لِفُلَانٍ ضَابِطٌ لَهُ وَالْأَكْوَابُ الْأَبَارِيقُ الَّتِي لَا خَرَاطِيمَ لَهَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ أَيْ مَا كَانَ فَأَنَا أَوَّلُ الْآنِفِينَ وَهُمَا لُغَتَانِ رَجُلٌ عَابِدٌ وَعَبِدٌ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ وَيُقَالُ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الْجَاحِدِينَ مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ جُمْلَةِ الْكِتَابِ أَصْلِ الْكِتَابِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن صفوان بن يعلى عن أبيه‏)‏ هو يعلى بن أمية المعروف بابن منية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك‏)‏ كذا للجميع بإثبات الكاف وهي قراءة الجمهور، وقرأ الأعمش ‏"‏ ونادوا يا مال ‏"‏ بالترخيم، ورويت عن علي، وتقدم في بدء الخلق أنها قراءة ابن مسعود، قال عبد الرزاق قال الثوري‏:‏ في حرف ابن مسعود ‏"‏ ونادوا يا مال ‏"‏ يعني بالترخيم، وبه جزم ابن عيينة‏.‏

ويذكر عن بعض السلف أنه لما سمعها قال‏:‏ ما أشغل أهل النار عن الترخيم‏؟‏ وأجيب باحتمال أنهم يقتطعون بعض الاسم لضعفهم وشدة ما هم فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال قتادة مثلا للآخرين عظة لمن بعدهم‏)‏ قال عبد الرزاق‏.‏

عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏فلما آسفونا‏)‏ قال أغضبونا ‏(‏فجعلناهم سلفا‏)‏ قال إلى النار ‏(‏ومثلا للآخرين‏)‏ قال‏:‏ عظة للآخرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ مقرنين ضابطين، يقال‏:‏ فلان مقرن لفلان ضابط له‏)‏ هو قول أبي عبيدة، واستشهد بقول الكميت ‏"‏ ولستم للصعاب مقرنينا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها‏)‏ هو قول أبي عبيدة بلفظه، وروى الطبري من طريق السدي قال‏:‏ الأكواب الأباريق التي لا آذان لها‏.‏

قوله وقال قتادة ‏(‏في أم الكتاب‏)‏ جملة الكتاب، أصل الكتاب‏)‏ قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏وإنه في أم الكتاب‏)‏ قال‏:‏ في أصل الكتاب وجملته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أول العابدين أي ما كان فأنا أول الآنفين، وهما لغتان رجل عابد وعبد‏)‏ وأخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ يقول لم يكن للرحمن ولد‏.‏

ومن طريق سعيد عن قتادة قال‏:‏ هذه كلمة في كلام العرب، إن كان للرحمن ولد أي أن ذلك لم يكن‏.‏

ومن طريق زيد بن أسلم قال‏:‏ هذا معروف من قول العرب‏:‏ إن كان هذا الأمر قط‏.‏

أي ما كان‏.‏

ومن طريق السدي ‏"‏ إن ‏"‏ بمعنى لو أي لو كان للرحمن ولد كنت أول من عبده بذلك لكن لا ولد له، ورجحه الطبري‏.‏

وقال أبو عبيدة إن بمعنى ما في قول، والفاء بمعنى الواو، أي ما كان للرحمن ولد وأنا أول العابدين‏.‏

وقال آخرون‏:‏ معناه‏.‏

إن كان للرحمن في قولكم ولد فأنا أول العابدين أي الكافرين بذلك والجاحدين لما قلتم، والعابدين من عبد بكسر الباء يعبد بفتحها، قال الشاعر‏:‏ أولئك قومي إن هجوني هجوتهم وأعبد أن أهجو كليبا بدارم أي أمتنع‏.‏

وأخرج الطبري أيضا عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب‏:‏ عبد معناه استنكف، ثم ساق قصة عن عمر في ذلك‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ عبد بفتحتين بمعنى عابد‏.‏

وقال الجوهري‏:‏ العبد بالتحريك الغضب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ عبد الله‏:‏ وقال الرسول يا رب‏)‏ تقدمت الإشارة إلى إسناد قراءة عبد الله وهو ابن مسعود‏.‏

وأخرج الطبري من وجهين عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏وقيله يا رب‏)‏ قال‏:‏ هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقال أول العابدين‏:‏ أول الجاحدين، من عبد يعبد‏)‏ وقال ابن التين كذا ضبطوه ولم أر في اللغة عبد بمعنى جحد انتهى‏.‏

وقد ذكرها الفربري‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ضبطت عبد يعبد هنا بكسر الموحدة في الماضي وفتحها في المستقبل

*3*أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ الذِّكْرَ صَفْحًا

أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ مُشْرِكِينَ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ رُفِعَ حَيْثُ رَدَّهُ أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَهَلَكُوا فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ عُقُوبَةُ الْأَوَّلِينَ جُزْءًا عِدْلًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين‏:‏ مشركين، والله لو أن هذا القرآن رفع حيث رده أوائل هذه الأمة لهلكوا‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظه وزاد‏:‏ ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاهم إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين، عقوبة الأولين‏)‏ وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جزءا عدلا‏)‏ وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بهذا، وهو بكسر العين‏.‏

وكذا أخرجه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مثله، وأما أبو عبيدة فقال جزءا أي نصيبا، وقيل جزءا إناثا، تقول جزأت المرأة إذا أتت بأنثى

*3*سُورَةُ حم الدُّخَانِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَهْوًا طَرِيقًا يَابِسًا وَيُقَالُ رَهْوًا سَاكِنًا عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ عَلَى مَنْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ أَنْكَحْنَاهُمْ حُورًا عِينًا يَحَارُ فِيهَا الطَّرْفُ فَاعْتُلُوهُ ادْفَعُوهُ وَيُقَالُ أَنْ تَرْجُمُونِ الْقَتْلُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَالْمُهْلِ أَسْوَدُ كَمُهْلِ الزَّيْتِ وَقَالَ غَيْرُهُ تُبَّعٍ مُلُوكُ الْيَمَنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسَمَّى تُبَّعًا لِأَنَّهُ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ وَالظِّلُّ يُسَمَّى تُبَّعًا لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الشَّمْسَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة حم الدخان‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ رهوا طريقا يابسا، ويقال رهوا ساكنا‏)‏ أما قول مجاهد فوصله الفريابي من طريقه بلفظه وزاد كهيئته يوم ضرب يقول لا تأمره أن يرجع بل اتركه حتى يدخل آخره‏.‏

وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر عن مجاهد في قوله ‏"‏ رهوا ‏"‏ قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عطف موسى ليضرب البحر ليلتئم وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده فقيل له اترك البحر رهوا، يقول‏:‏ كما هو طريقا يابسا إنهم جند مغرقون‏.‏

وأما القول الآخر فهو قول أبي عبيدة قال في قوله ‏"‏ واترك البحر رهوا ‏"‏ أي ساكنا، يقال جاءت الخيل رهوا أي ساكنة، وأره على نفسك أي ارفق بها، ويقال عيش راه‏.‏

وسقط هذا القول هنا لغير أبي ذر، وإثباته هو الصواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على علم على العالمين على من بين ظهريه‏)‏ هو قول مجاهد أيضا، وصله الفريابي عنه بلفظ فضلناهم على من هم بين ظهريه أي على أهل عصرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزوجناهم حور عين‏:‏ أنكحناهم حورا عينا يحار فيها الطرف‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد بلفظ‏:‏ أنكحناهم الحور التي يحار فيها الطرف، بيان مخ سوقهن من وراء ثيابهن، ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمرآة من رقة الجلد وصفاء اللون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اعتلوه ادفعوه‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد‏.‏

وقال في قوله‏:‏ ‏(‏خذوه فاعتلوه‏)‏ قال‏:‏ ادفعوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقال أن ترجمون‏:‏ القتل‏)‏ سقط ‏"‏ ويقال ‏"‏ لغير أبي ذر فصار كأنه من كلام مجاهد، وقد حكاه الطبري ولم يسم من قاله، وأورد من طريق العوفي عن ابن عباس أنه بمعنى الشتم، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله ‏"‏ ترجمون ‏"‏ قال‏:‏ بالحجارة، واختار ابن جرير حمل الرجم هنا على جميع معانيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورهوا ساكنا‏)‏ كذا لغير أبي ذر هنا، وقد تقدم بيانه في أول السورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس كالمهل أسود كمهل الزيت‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق مطرف عن عطية سئل ابن عباس عن المهل، قال‏:‏ شيء غليظ كدردي الزيت‏.‏

وقال الليث‏:‏ المهل ضرب من القطران، إلا أنه رقيق شبيه بالزيت يضرب إلى الصفرة وعن الأصمعي‏:‏ المهل بفتح الميم هو الصديد وما يسيل من الميت، وبالضم هو عكر الزيت، وهو كل شيء يتحات عن الجمر من الرماد‏.‏

وحكى صاحب المحكم أنه خبث الجواهر الذهب وغيره‏.‏

وقيل في تفسير المهل أقوال أخرى‏:‏ فعند عبد بن حميد عن سعيد بن جبير هو الذي انتهى حره، وقيل الرصاص المذاب أو الحديد أو الفضة، وقيل السم، وقيل خشار الزيت وعند أحمد من حديث أبي سعيد في قوله تعالى ‏(‏كالمهل‏)‏ قال كعكر الزيت إذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ تبع ملوك اليمن، كل واحد منهم يسمى تبعا لأنه يتبع صاحبه، والظل يسمى تبعا لأنه يتبع الشمس‏)‏ هو قول أبي عبيدة بلفظه وزاد‏:‏ وموضع تبع في الجاهلية موضع في الخليفة في الإسلام، وهم ملوك العرب الأعاظم‏.‏

وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال‏:‏ قالت عائشة كان تبع رجلا صالحا‏.‏

قال معمر وأخبرني تميم بن عبد الرحمن أنه سمع سعيد بن جبير يقول إنه كسا البيت، ونهى عن سبه‏.‏

وقال عبد الرزاق أنبأنا بكار بن عبد الرحمن سمعت وهب بن منبه يقول ‏"‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب أسعد وهو تبع ‏"‏ قال وهب‏:‏ وكان على دين إبراهيم‏.‏

وروى أحمد من حديث سهل بن سعد رفعه ‏"‏ لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم ‏"‏ وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس مثله وإسناده أصلح من إسناد سهل‏.‏

وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ لا أدري تبعا كان لعينا أم لا ‏"‏ وأخرجه ابن أبي حاتم والحاكم والدار قطني وقال تفرد به عبد الرزاق، فالجمع بينه وبين ما قبله أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بحاله بعد أن كان لا يعلمها، فلذلك نهى عن سبه خشية أن يبادر إلى سبه من سمع الكلام الأول

*3*باب فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ

قَالَ قَتَادَةُ فَارْتَقِبْ فَانْتَظِرْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، فارتقب فانتظر‏)‏ كذا لأبي ذر‏.‏

وفي رواية غيره ‏"‏ وقال قتادة فارتقب فانتظر ‏"‏ وقد وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة به‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَضَى خَمْسٌ الدُّخَانُ وَالرُّومُ وَالْقَمَرُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعمش عن مسلم‏)‏ هو ابن صبيح بالتصغير أبو الضحى كما صرح به في الأبواب التي بعده، وقد ترجم لهذا الحديث ثلاث تراجم بعد هذا وساق الحديث بعينه مطولا ومختصرا، وقد تقدم أيضا في تفسير الفرقان مختصرا وفي تفسير الروم وتفسير ‏"‏ص‏"‏ مطولا، ويحيى الراوي فيه عن أبي معاوية وفي الباب الذي يليه عن وكيع هو ابن موسى البلخي، وقوله في الطريق الأولى ‏"‏ حتى أكلوا العظام ‏"‏ زاد في الرواية التي بعدها ‏"‏ والميتة ‏"‏ وفي التي تليها ‏"‏ حتى أكلوا الميتة ‏"‏ وفي التي بعدها ‏"‏ حتى أكلوا العظام والجلود ‏"‏ وفي رواية فيها ‏"‏ حتى أكلوا الجلود والميتة ‏"‏ وقع في جمهور الروايات ‏"‏ الميتة ‏"‏ بفتح الميم وبالتحتانية ثم المثناة، وضبطها بعضهم بنون مكسورة ثم تحتانية ساكنة وهمزة وهو الجلد أول ما يدبغ، والأول أشهر

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنْ الْجَهْدِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ قَالَ لِمُضَرَ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا فَنَزَلَتْ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ فَلَمَّا أَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ قَالَ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ

الشرح‏:‏

قوله بعد قوله يغشى الناس هذا عذاب أليم ‏(‏قال فأتى رسول الله‏)‏ كذا بضم الهمزة على البناء للمجهول، والآتي المذكور هو أبو سفيان كما صرح به في الرواية الأخيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل‏:‏ يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت‏)‏ إنما قال ‏"‏ لمضر ‏"‏ لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم فحسن أن يطلب الدعاء لهم، ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش لئلا يذكرهم فيذكر بجرمهم، فقال لمضر ليندرجوا فيهم، ويشير أيضا إلى أن غير المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم‏.‏

وقد وقع في الرواية الأخيرة ‏"‏ وإن قومك هلكوا ‏"‏ ولا منافاة بينهما لأن مضر أيضا قومه، وقد تقدم في المناقب أنه صلى الله عليه وسلم كان من مضر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لمضر‏؟‏ إنك لجريء‏)‏ أي أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراك به‏؟‏ ووقع في ‏"‏ شرح الكرماني ‏"‏ قوله ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمضر ‏"‏ أي لأبي سفيان فإنه كان كبيرهم في ذلك الوقت وهو كان الآتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المستدعى منه الاستسقاء، تقول العرب‏:‏ قتلت قريش فلانا ويريدون شخصا منهم، وكذا يضيفون الأمر إلى القبيلة والأمر في الواقع مضاف إلى واحد منهم انتهى‏.‏

وجعله اللام متعلقة يقال غريب، وإنما هي متعلقة بالمحذوف كما قررته أولا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما أصابهم الرفاهية‏)‏ بتخفيف التحتانية بعد الهاء أي التوسع والراحة