فصل: باب لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كتاب الوضوء

*3*باب مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْإِسْرَافَ فِيهِ وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الوضوء‏.‏

باب ما جاء في قول الله عز وجل‏:‏ ‏(‏إذا قمتم إلى الصلاة‏)‏ الآية‏)‏ وفي رواية الأصيلي‏:‏ ‏"‏ ما جاء في قول الله ‏"‏ دون ما قبله، ولكريمة ‏"‏ باب في الوضوء وقول الله عز وجل الخ‏"‏‏.‏

والمراد بالوضوء ذكر أحكامه وشرائطه وصفته ومقدماته‏.‏

والوضوء بالضم هو الفعل، وبالفتح الماء الذي يتوضأ به على المشهور فيهما، وحكي في كل منهما الأمران‏.‏

وهو مشتق من الوضاءة، وسمي بذلك لأن المصلي يتنظف به فيصير وضيئا‏:‏ وأشار بقوله‏:‏ ‏"‏ ما جاء ‏"‏ إلى اختلاف السلف في معنى الآية فقال الأكثرون‏:‏ التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف، إلا أنه في حق المحدث على الإيجاب، وفي حق غيره على الندب‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ كان على الإيجاب ثم نسخ فصار مندوبا‏.‏

ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أسماء بنت زيد بن الخطاب حدثت أباه عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث‏.‏

ولمسلم من حديث بريدة‏:‏ ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر‏:‏ إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله‏.‏

فقال‏:‏ عمدا فعلته ‏"‏ أي لبيان الجواز‏.‏

وسيأتي حديث أنس في ذلك في باب الوضوء من غير حدث‏.‏

واختلف العلماء أيضا في موجب الوضوء فقيل‏:‏ يجب بالحدث وجوبا موسعا، وقيل به وبالقيام إلى الصلاة معا ورجحه جماعة من الشافعية، وقيل بالقيام إلى الصلاة حسب، ويدل له ما رواه أصحاب السنن من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة ‏"‏ واستنبط بعض العلماء من قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إذا قمتم إلى الصلاة‏)‏ إيجاب النية في الوضوء، لأن التقدير إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها، ومثله قولهم‏:‏ إذا رأيت الأمير فقم، أي لأجله‏.‏

وتمسك بهذه الآية من قال‏:‏ إن الوضوء أول ما فرض بالمدينة، فأما ما قبل ذلك فنقل ابن عبد البر اتفاق أهل السير على أن غسل الجنابة إنما فرض على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة كما فرضت الصلاة، وأنه لم يصل قط إلا بوضوء‏.‏

قال‏:‏ وهذا مما لا يجهله عالم‏.‏

وقال الحاكم في المستدرك‏:‏ وأهل السنة بهم حاجة إلى دليل الرد على من زعم أن الوضوء لم يكن قبل نزول آية المائدة‏.‏

ثم ساق حديث ابن عباس‏:‏ ‏"‏ دخلت فاطمة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي قالت‏:‏ هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك‏.‏

فقال‏:‏ ائتوني بوضوء‏.‏

فتوضأ‏.‏

‏.‏

الحديث‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهذا يصلح ردا على من أنكر وجود الوضوء قبل الهجرة، لا على من أنكر وجوبه حينئذ‏.‏

وقد جزم ابن الجهم المالكي بأنه كان قبل الهجرة مندوبا وجزم ابن حزم بأنه لم يشرع إلا بالمدينة، ورد عليهما بما أخرجه ابن لهيعة في المغازي التي يرويها عن أبي الأسود يتيم عروة عنه أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي، وهو مرسل، ووصله أحمد من طريق ابن لهيعة أيضا لكن قال‏:‏ عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه‏.‏

وأخرجه ابن ماجه من رواية رشدين بن سعد عن عقيل عن الزهري نحوه، لكن لم يذكر زيد بن حارثة في السند‏.‏

وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق الليث عن عقيل موصولا، ولو ثبت لكان على شرط الصحيح، لكن المعروف رواية ابن لهيعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن فرض الوضوء مرة مرة‏)‏ كذا في روايتنا بالرفع على الخبرية، ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق، أي فرض الوضوء غسل الأعضاء غسلا مرة مرة، أو على الحال السادة مسد الخبر، أي يفعل مرة، أو على لغة من ينصب الجزأين بأن‏.‏

وأعاد لفظ مرة لإرادة التفصيل أي الوجه مرة واليد مرة الخ‏.‏

والبيان المذكور يحتمل أن يشير به إلى ما رواه بعد من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وهو بيان بالفعل لمجمل الآية، إذ الأمر يفيد طلب إيجاد الحقيقة ولا يتعين بعدد، فبين الشارع أن المرة الواحدة للإيجاب وما زاد عليها للاستحباب، وستأتي الأحاديث على ذلك فيما بعد‏.‏

وأما حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فتوضأ مرة مرة وقال‏.‏

‏"‏ هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ‏"‏ ففيه بيان الفعل والقول معا، لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن ماجه، وله طرق أخرى كلها ضعيفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتوضأ أيضا مرتين مرتين‏)‏ كذا في رواية أبي ذر، ولغيره ‏"‏ مرتين ‏"‏ بغير تكرار، وسيأتي هذا التعليق موصولا في باب مفرد مع الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وثلاثا‏)‏ أي وتوضأ أيضا ثلاثا، زاد الأصيلي ثلاثا على نسق ما قبله، وسيأتي موصولا أيضا في باب مفرد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يزد على ثلاث‏)‏ أي لم يأت في شيء من الأحاديث المرفوعة في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم أنه زاد على ثلاث، بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم ذم من زاد عليها، وذلك فيما رواه أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال‏.‏

‏"‏ من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم ‏"‏ إسناده جيد، لكن عده مسلم في جملة ما أنكر على عمرو بن شعيب لأن ظاهره ذم النقص من الثلاث، وأجيب بأنه أمر سيئ والإساءة تتعلق بالنقص، والظلم بالزيادة‏.‏

وقيل‏:‏ فيه حذف تقديره من نقص من واحدة‏.‏

ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد من طريق المطلب بن حنطب مرفوعا ‏"‏ الوضوء مرة ومرتين وثلاثا، فإن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث فقد أخطأ‏"‏، وهو مرسل رجاله ثقات‏.‏

وأجيب عن الحديث أيضا بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه، بل أكثرهم مقتصر على قوله‏:‏ ‏"‏ فمن زاد ‏"‏ فقط، كذا رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره‏.‏

ومن الغرائب ما حكاه الشيخ أبو حامد الإسفرايني عن بعض العلماء أنه لا يجوز النقص من الثلاث، وكأنه تمسك بظاهر الحديث المذكور، وهو محجوج بالإجماع‏.‏

وأما قول مالك في المدونة‏:‏ لا أحب الواحدة إلا من العالم، فليس فيه إيجاب زيادة عليها‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكره أهل العلم الإسراف فيه‏)‏ يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق هلال بن يساف أحد التابعين قال‏:‏ كان يقال‏:‏ ‏"‏ من الوضوء إسراف ولو كنت على شاطئ نهر‏"‏‏.‏

وأخرج نحوه عن أبي الدرداء وابن مسعود، وروي في معناه حديث مرفوع أخرجه أحمد وابن ماجه بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن يجاوزوا الخ‏)‏ يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن ابن مسعود قال‏:‏ ليس بعد الثلاث شيء‏.‏

وقال أحمد وإسحاق وغيرهما‏:‏ لا تجوز الزيادة على الثلاث‏.‏

وقال ابن المبارك‏:‏ لا آمن أن يأثم‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ لا أحب أن يزيد المتوضئ على ثلاث، فإن زاد لم أكرهه‏.‏

أي لم أحرمه، لأن قوله لا أحب يقتضي الكراهة‏.‏

وهذا الأصح عند الشافعية أنه مكروه كراهة تنزيه‏.‏

وحكى الدارمي منهم عن قوم أن الزيادة على الثلاث تبطل الوضوء كالزيادة في الصلاة، وهو قياس فاسد، ويلزم من القول بتحريم الزيادة على الثلاث أو كراهتها أنه لا يندب تجديد الوضوء على الإطلاق‏.‏

واختلف عند الشافعية في القيد الذي يمتنع منه حكم الزيادة على الثلاث، فالأصح إن صلى به فرضا أو نفلا، وقيل الفرض فقط، وقيل مثله حتى سجدة التلاوة والشكر ومس المصحف، وقيل ما يقصد له الوضوء وهو أعم، وقيل إذا وقع الفصل بزمن يحتمل في مثله نقض الوضوء عادة، وعند بعض الحنفية أنه راجع إلى الاعتقاد فإن اعتقد أن الزيادة على الثلاث سنة أخطأ ودخل في الوعيد، وإلا فلا يشترط للتحديد شيء بل لو زاد الرابعة وغيرها لا لوم، ولا سيما إذا قصد به القربة للحديث الوارد ‏"‏ الوضوء على الوضوء نور‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهو حديث ضعيف، ولعل المصنف أشار إلى هذه الرواية، وسيأتي بسط ذلك في أول تفسير المائدة إن شاء الله تعالى‏.‏

ويستثنى من ذلك ما لو علم أنه بقي من العضو شيء لم يصبه الماء في المرات أو بعضها فإنه يغسل موضعه فقط، وأما مع الشك الطارئ بعد الفراغ فلا، لئلا يؤول به الحال إلى الوسواس المذموم‏.‏

*3*باب لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تقبل صلاة بغير طهور‏)‏ هو بضم الطاء المهملة، والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل‏.‏

وهذه الترجمة لفظ حديث رواه مسلم وغيره من حديث ابن عمر، وأبو داود وغيره من طريق أبي المليح بن أسامة عن أبيه، وله طرق كثيرة لكن ليس فيها شيء على شرط البخاري، فلهذا اقتصر على ذكره في الترجمة وأورد في الباب ما يقوم مقامه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تقبل‏)‏ كذا في روايتنا بالضم على البناء لما لم يسم فاعله، وأخرجه المصنف في ترك الحيل عن إسحاق بن نصر، وأبو داود عن أحمد بن حنبل كلاهما عن عبد الرزاق بلفظ ‏"‏ لا يقبل الله ‏"‏ والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة‏.‏

ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا، وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من أتى عرافا لم تقبل له صلاة ‏"‏ فهو الحقيقي، لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع، ولهذا كان بعض السلف يقول‏:‏ لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا، قاله ابن عمر‏.‏

قال‏:‏ لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏(‏إنما يتقبل الله من المتقين‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحدث‏)‏ أي وجد منه الحدث، والمراد به الخارج من أحد السبيلين، وإنما فسره أبو هريرة بأخص من ذلك تنبيها بالأخف على الأغلظ، ولأنهما قد يقعان في أثناء الصلاة أكثر من غيرهما، وأما باقي الأحداث المختلف فيها بين العلماء - كمس الذكر ولمس المرأة والقيء ملء الفم والحجامة - فلعل أبا هريرة كان لا يرى النقض بشيء منها‏.‏

وعليه مشى المصنف كما سيأتي في باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين‏.‏

وقيل إن أبا هريرة اقتصر في الجواب على ما ذكر لعلمه أن السائل كان يعلم ما عدا ذلك، وفيه بعد‏.‏

واستدل بالحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريا أم اضطراريا، وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء، وما بعدها مخالف لما قبلها فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتوضأ‏)‏ أي بالماء أو ما يقوم مقامه، وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا ‏"‏ الصعيد الطيب وضوء المسلم ‏"‏ فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه، ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب فَضْلِ الْوُضُوءِ وَالْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل الوضوء، والغر المحجلون‏)‏ كذا في أكثر الروايات بالرفع، وهو على سبيل الحكاية لما ورد في بعض طرق الحديث ‏"‏ أنتم الغر المحجلون ‏"‏ وهو عند مسلم، أو الواو استئنافية والغر المحجلون مبتدأ وخبره محذوف تقديره لهم فضل، أو الخبر قوله‏:‏ ‏"‏ من آثار الوضوء ‏"‏ وفي رواية المستملي ‏"‏ والغر المحجلين ‏"‏ بالعطف على الوضوء أي وفضل الغر المحجلين كما صرح به الأصيلي في روايته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن خالد‏)‏ هو ابن يزيد الإسكندراني أحد الفقهاء الثقات، وروايته عن سعيد بن أبي هلال من باب رواية الأقران‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن نعيم المجمر‏)‏ بضم الميم وإسكان الجيم هو ابن عبد الله المدني، وصف هو وأبوه بذلك لكونهما كانا يبخران مسجد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وزعم بعض العلماء أن وصف عبد الله بذلك حقيقة ووصف ابنه نعيم بذلك مجاز، وفيه نظر فقد جزم إبراهيم الحربي بأن نعيما كان يباشر ذلك‏.‏

ورجال هذا الإسناد الستة نصفهم مصريون، وهم الليث وشيخه والراوي عنه، والنصف الآخر مدنيون‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏رقيت‏)‏ بفتح الراء وكسر القاف أي صعدت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتوضأ‏)‏ كذا لجمهور الرواة، وللكشميهني يوما بدل قوله فتوضأ وهو تصحيف، وقد رواه الإسماعيلي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه البخاري بلفظ ‏"‏ توضأ ‏"‏ وزاد الإسماعيلي فيه ‏"‏ فغسل وجهه ويديه فرفع في عضديه، وغسل رجليه فرفع في ساقيه ‏"‏ وكذا لمسلم من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال نحوه، ومن طريق عمارة بن غزية عن نعيم وزاد في هذه‏:‏ أن أبا ‏"‏ هريرة قال‏:‏ ‏"‏ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ‏"‏ فأفاد رفعه، وفيه رد على من زعم أن ذلك من رأي أبي هريرة بل من روايته ورأيه معا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمتي‏)‏ أي أمة الإجابة وهم المسلمون، وقد تطلق أمة محمد ويراد بها أمة الدعوة وليست مرادة هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدعون‏)‏ بضم أوله أي ينادون أو يسمون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غرا‏)‏ بضم المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي ذو غرة، وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وغرا منصوب على المفعولية ليدعون أو على الحال، أي أنهم إذا دعوا على رءوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف وكانوا على هذه الصفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏محجلين‏)‏ بالمهملة والجيم من التحجيل وهو بياض يكون في ثلاث قوائم من قوائم الفرس، وأصله من الحجل بكسر المهملة وهو الخلخال، والمراد به هنا أيضا النور‏.‏

واستدل الحليمي بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، وفيه نظر لأنه ثبت عند المصنف في قصة سارة رضي الله عنها مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي، وفي قصة جريج الراهب أيضا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام، فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء، وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن أبي هريرة أيضا مرفوعا قال‏:‏ ‏"‏ سيما ليست لأحد غيركم ‏"‏ وله من حديث حذيفة نحوه‏.‏

و ‏"‏ سيما ‏"‏ بكسر المهملة وإسكان الياء الأخيرة أي علامة‏.‏

وقد اعترض بعضهم على الحليمي بحديث ‏"‏ هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ‏"‏ وهو حديث ضعيف كما تقدم لا يصح الاحتجاج به لضعفه، ولاحتمال أن يكون الوضوء من خصائص الأنبياء دون أممهم إلا هذه الأمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من آثار الوضوء‏)‏ بضم الواو، ويجوز فتحها على أنه الماء قاله ابن دقيق العيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل‏)‏ أي فليطل الغرة والتحجيل‏.‏

واقتصر على إحداهما لدلالتها على الأخرى نحو ‏(‏سرابيل تقيكم الحر‏)‏ واقتصر على ذكر الغرة وهي مؤنثة دون التحجيل وهو مذكر لأن محل الغرة أشرف أعضاء الوضوء، وأول ما يقع عليه النظر من الإنسان‏.‏

على أن في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية ذكر الأمرين، ولفظه ‏"‏ فليطل غرته وتحجيله ‏"‏ وقال ابن بطال‏:‏ كني أبو هريرة بالغرة عن التحجيل لأن الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله، وفيما قال نظر لأنه يستلزم قلب اللغة، وما نفاه ممنوع لأن الإطالة ممكنة في الوجه بأن يغسل إلى صفحة العنق مثلا‏.‏

ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على كل من الغرة والتحجيل‏.‏

ثم إن ظاهره أنه بقية الحديث، لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم وفي آخره‏:‏ قال نعيم لا أدري قوله من استطاع الخ من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة، ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه والله أعلم‏.‏

واختلف العلماء في القدر المستحب من التطويل في التحجيل فقيل‏:‏ إلى المنكب والركبة، وقد ثبت عن أبي هريرة رواية ورأيا‏.‏

وعن ابن عمر من فعله أخرجه ابن أبي شيبة، وأبو عبيد بإسناد حسن، وقيل المستحب الزيادة إلى نصف العضد والساق، وقيل إلى فوق ذلك‏.‏

وقال ابن بطال وطائفة من المالكية‏:‏ لا تستحب الزيادة على الكعب والمرفق لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏من زاد على هذا فقد أساء وظلم ‏"‏ وكلامهم معترض من وجوه، ورواية مسلم صريحة في الاستحباب فلا تعارض بالاحتمال‏.‏

وأما دعواهم اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة في ذلك فهي مردودة بما نقلناه عن ابن عمر، وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية‏.‏

وأما تأويلهم الإطالة المطلوبة بالمداومة على الوضوء فمعترض بأن الراوي أدرى بمعنى ما روى، كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع صلى الله عليه وسلم وفي الحديث معنى ما ترجم له من فضل الوضوء، لأن الفضل الحاصل بالغرة والتحجيل من آثار الزيادة على الواجب، فكيف الظن بالواجب‏؟‏ وقد وردت فيه أحاديث صحيحة صريحة أخرجها مسلم وغيره، وفيه جواز الوضوء على ظهر المسجد لكن إذا لم يحصل منه أذى للمسجد أو لمن فيه‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏لا يتوضأ‏)‏ بفتح أوله على البناء للفاعل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الشك‏)‏ أي بسبب الشك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ح وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا يَنْفَتِلْ أَوْ لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ هو ابن عبد الله المديني وسفيان هو ابن عيينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن عباد‏)‏ هو معطوف على قوله عن سعيد بن المسيب، وسقطت الواو من رواية كريمة غلطا لأن سعيدا لا رواية له عن عباد أصلا، ثم إن شيخ سعيد فيه يحتمل أن يكون عم عباد كأنه قال كلاهما عن عمه أي عم الثاني وهو عباد، ويحتمل أن يكون محذوفا من مراسيل ابن المسيب، وعلى الأول جرى صاحب الأطراف‏.‏

ويؤيد الثاني رواية معمر لهذا الحديث عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري أخرجه ابن ماجه ورواته ثقات لكن سئل أحمد عنه فقال إنه منكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمه‏)‏ هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري، سماه مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق ابن عيينة، واختلف هل هو عم عباد لأبيه أو لأمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه شكا‏)‏ كذا في روايتنا شكا بألف ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي، وصرح بذلك ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ولفظه عن عمه عبد الله بن زيد قال‏:‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل‏.‏

ووقع في بعض الروايات ‏"‏ شكي ‏"‏ بضم أوله على البناء للمفعول، وعلى هذا فالهاء في أنه ضمير الشأن‏.‏

ووقع في مسلم ‏"‏ شكي ‏"‏ بالضم أيضا كما ضبطه النووي‏.‏

وقال‏:‏ لم يسم الشاكي، قال‏:‏ وجاء في رواية البخاري أنه الراوي‏.‏

قال‏:‏ ولا ينبغي أن يتوهم من هذا أن ‏"‏ شكى ‏"‏ بالفتح أي في رواية مسلم، وإنما نبهت على هذا لأن بعض الناس قال إنه لم يظهر له كلام النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الرجل‏)‏ بالضم على الحكاية‏.‏

وهو وما بعده في موضع النصب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخيل‏)‏ بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد الياء الأخيرة المفتوحة، وأصله من الخيال، والمعنى يظن، والظن هنا أعم من تساوي الاحتمالين أو ترجيح أحدهما على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجد الشيء‏)‏ أي الحدث خارجا منه، وصرح به الإسماعيلي ولفظه ‏"‏ يخيل إليه في صلاته أنه يخرج منه شيء ‏"‏ وفيه العدول عن ذكر الشيء المستقذر بخاص اسمه إلا للضرورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الصلاة‏)‏ تمسك بعض المالكية بظاهره فخصوا الحكم بمن كان داخل الصلاة، وأوجبوا الوضوء على من كان خارجها، وفرقوا بالنهي عن إبطال العبادة، والنهي عن إبطال العبادة متوقف على صحتها، فلا معنى للتفريق بذلك، لأن هذا التخيل إن كان ناقضا خارج الصلاة فينبغي أن يكون كذلك فيها كبقية النواقض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا ينفتل‏)‏ بالجزم على النهي، ويجوز الرفع على أن ‏"‏ لا ‏"‏ نافية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو لا ينصرف‏)‏ هو شك من الراوي، وكأنه من علي، لأن الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ لا ينصرف من غير شك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صوتا‏)‏ أي من مخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو يجد‏)‏ أو للتنويع وعبر بالوجدان دون الشم ليشمل ما لو لمس المحل ثم شم يده، ولا حجة فيه لمن استدل على أن لمس الدبر لا ينقض لأن الصورة تحمل على لمس ما قاربه لا عينه‏.‏

ودل حديث الباب على صحة الصلاة ما لم يتيقن الحدث، وليس المراد تخصيص هذين الأمرين باليقين، لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى قاله الخطابي‏.‏

وقال النووي‏:‏ هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها‏.‏

وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء‏.‏

وروي عن مالك النقض مطلقا، وروي عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها، وروي هذا التفصيل عن الحسن البصري، والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي، وهو رواية ابن القاسم عنه‏.‏

وروى ابن نافع عنه لا وضوء عليه مطلقا كقول الجمهور، وروى ابن وهب عنه‏.‏

أحب إلي أن يتوضأ‏.‏

ورواية التفصيل لم تثبت عنه وإنما هي لأصحابه، وحمل بعضهم الحديث على من كان به وسواس، وتمسك بأن الشكوى لا تكون إلا عن علة، وأجيب بما دل على التعميم، وهو حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه ‏"‏ إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ‏"‏ وقوله‏:‏ فلا يخرجن من المسجد أي من الصلاة، وصرح بذلك أبو داود في روايته‏.‏

وقال العراقي‏:‏ ما ذهب إليه مالك راجح، لأنه احتاط للصلاة وهي مقصد، وألغى الشك في السبب المبرئ، وغيره احتاط للطهارة وهي وسيلة وألغى الشك في الحدث الناقض لها، والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل‏.‏

وجوابه أن ذلك من حيث النظر قوي، لكنه مغاير لمدلول الحديث لأنه أمر بعدم الانصراف إلى أن يتحقق‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ يستدل به لمن أوجب الحد على من وجد منه ريح الخمر لأنه اعتبر وجدان الريح ورتب عليه الحكم، ويمكن الفرق بأن الحدود تدرأ بالشبهة والشبهة هنا قائمة، بخلاف الأول فإنه متحقق‏.‏

*3*باب التَّخْفِيفِ فِي الْوُضُوءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التخفيف في الوضوء‏)‏ أي جواز التخفيف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى وَرُبَّمَا قَالَ اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ وَقَامَ يُصَلِّي فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ عَنْ شِمَالِهِ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قُلْنَا لِعَمْرٍو إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأَ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سفيان‏)‏ هو ابن عيينة، وعمرو هو ابن دينار المكي لا البصري، وكريب بالتصغير من الأسماء المفردة في الصحيحين‏.‏

والإسناد مكيون‏.‏

سوى علي وقد أقام بها مدة‏.‏

وفيه رواية تابعي عن تابعي‏:‏ عمرو عن كريب‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏وربما قال اضطجع‏)‏ أي كان سفيان يقول تارة نام وتارة اضطجع، وليسا مترادفين بل بينهما عموم وخصوص من وجه، لكنه لم يرد إقامة أحدهما مقام الآخر، بل كان إذا روى الحديث مطولا قال اضطجع فنام كما سيأتي، وإذا اختصره قال نام أي مضطجعا أو اضطجع أي نائما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم حدثنا‏)‏ يعني أن سفيان كان يحدثهم به مختصرا ثم صار يحدثهم به مطولا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليلة فقام‏)‏ كذا للأكثر، ولابن السكن ‏"‏ فنام ‏"‏ بالنون بدل القاف وصوبها القاضي عياض لأجل قوله بعد ذلك ‏"‏ فلما كان في بعض الليل قام ‏"‏ انتهى‏.‏

ولا ينبغي الجزم بخطئها لأن توجيهها طاهر وهو أن الفاء في قوله ‏"‏ فلما ‏"‏ تفصيلية، فالجملة الثانية وإن كان مضمونها مضمون الأولى لكن المغايرة بينهما بالإجمال والتفصيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما كان‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏في بعض الليل‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ من ‏"‏ بدل في، فيحتمل أن تكون بمعناها ويحتمل أن تكون زائدة وكان تامة، أي فلما حصل بعض الليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شن‏)‏ بفتح المعجمة وتشديد النون أي القربة العتيقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏معلق‏)‏ ذكر على إرادة الجلد أو الوعاء، وقد أخرجه بعد أبواب بلفظ معلقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يخففه عمرو ويقلله‏)‏ أي يصفه بالتخفيف والتقليل‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ يخففه أي لا يكثر الدلك، ويقلله أي لا يزيد على مرة مرة‏.‏

قال‏:‏ وفيه دليل على إيجاب الدلك، لأنه لو كان يمكن اختصاره لاختصره، لكنه لم يختصره‏.‏

انتهى‏.‏

وهي دعوى مردودة، فإنه ليس في الخبر ما يقتضي الدلك، بل الاقتصار على سيلان الماء على العضو أخف من قليل الدلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نحوا مما توضأ‏)‏ قال الكرماني‏.‏

لم يقل مثلا لأن حقيقة مماثلته صلى الله عليه وسلم لا يقدر عليها غيره انتهى‏.‏

وقد ثبت في هذا الحديث كما سيأتي بعد أبواب ‏"‏ فقمت فصنعت مثل ما صنع ‏"‏ ولا يلزم من إطلاق المثلية المساواة من كل جهة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فآذنه‏)‏ بالمد أي أعلمه، وللمستملي فناداه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى ولم يتوضأ‏)‏ فيه دليل على أن النوم ليس حدثا بل مظنة الحدث لأنه صلى الله عليه وسلم كان تنام عينه ولا ينام قلبه فلو أحدث لعلم بذلك، ولهذا كان ربما توضأ إذا قام من النوم وربما لم يتوضأ، قال الخطابي‏:‏ وإنما منع قلبه النوم ليعي الوحي الذي يأتيه في منامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلنا‏)‏ القائل سفيان، والحديث المذكور صحيح كما سيأتي من وجه آخر، وعبيد بن عمير من كبار التابعين، ولأبيه عمير بن قتادة صحبة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ رؤيا الأنبياء وحي ‏"‏ رواه مسلم مرفوعا، وسيأتي في التوحيد من رواية شريك عن أنس‏.‏

ووجه الاستدلال بما تلاه من جهة أن الرؤيا لو لم تكن وحيا لما جاز لإبراهيم عليه السلام الإقدام على ذبح ولده‏.‏

وأغرب الداودي الشارح فقال‏:‏ قول عبيد بن عمير لا تعلق له بهذا الباب‏.‏

وهذا إلزام منه للبخاري بأن لا يذكر من الحديث إلا ما يتعلق بالترجمة فقط، ولم يشترط ذلك أحد‏.‏

وإن أراد أنه لا يتعلق بحديث الباب أصلا فممنوع والله أعلم‏.‏

وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الوتر من كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ الْإِنْقَاءُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إسباغ الوضوء‏)‏ الإسباغ في اللغة الإتمام، ومنه درع سابغ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر‏)‏ هذا التعليق وصله عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح، وهو من تفسير الشيء بلازمه، إذ الإتمام يستلزم الإنقاء عادة، وقد روى ابن المنذر بإسناد صحيح أن ابن عمر كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات، وكأنه بالغ فيهما دون غيرهما لأنهما محل الأوساخ غالبا لاعتيادهم المشي حفاة والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغْ الْوُضُوءَ فَقُلْتُ الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَمَامَكَ فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن مسلمة‏)‏ هو القعنبي، والحديث في الموطأ، والإسناد كله مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي‏:‏ موسى عن كريب، وأسامة بن زيد أي ابن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، له لأبيه وجده صحبة‏.‏

وستأتي مناقبه في مكانها إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دفع من عرفة‏)‏ أي أفاض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالشعب‏)‏ بكسر الشين المعجمة هو الطريق في الجبل، واللام فيه للعهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يسبغ الوضوء‏)‏ أي خففه، ويأتي فيه ما تقدم في توجيه الحديث الماضي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت الصلاة‏)‏ و بالنصب على الإغراء، أو على الحذف، والتقدير أتريد الصلاة‏؟‏ ويؤيده قوله في رواية تأتي ‏"‏ فقلت أتصلي يا رسول الله ‏"‏ ويجوز الرفع، والتقدير حانت الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الصلاة‏)‏ هو بالرفع على الابتداء، وأمامك بفتح الهمزة خبره‏.‏

وفيه دليل على مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة لأنه صلى الله عليه وسلم لما يصل بذلك الوضوء شيئا، وأما من زعم أن المراد بالوضوء هنا الاستنجاء فباطل، لقوله في الرواية الأخرى ‏"‏ فجعلت أصب عليه وهو يتوضأ ‏"‏ ولقوله هنا ‏"‏ ولم يسبغ الوضوء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء‏)‏ فيه دليل على مشروعية إعادة الوضوء من غير أن يفصل بينهما بصلاة، قاله الخطابي، وفيه نظر لاحتمال أن يكون أحدث‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ الماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم ليلتئذ كان من ماء زمزم، أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات مسند أبيه بإسناد حسن من حديث علي بن أبي طالب، فيستفاد منه الرد على من منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب‏.‏

وسيأتي بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب غَسْلِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة‏)‏ راده بهذا التنبيه على عدم اشتراط الاغتراف باليدين جميعا، والإشارة إلى تضعيف الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل وجهه بيمينه‏.‏

وجمع الحليمي بينهما بأن هذا حيث كان يتوضأ من إناء يصب منه بيساره على يمينه، والآخر حيث كان يغترف، لكن سياق الحديث يأباه، لأن فيه أنه بعد أن تناول الماء بإحدى يديه أضافه إلى الأخرى وغسل بهما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ بِلَالٍ يَعْنِي سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ يَعْنِي الْيُسْرَى ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الرحيم‏)‏ هو أبو يحيى المعروف بصاعقة‏.‏

وكان أحد الحفاظ، وهو من صغار شيوخ البخاري من حيث الإسناد، وشيخه منصور كان أحد الحفاظ أيضا، وقد أدركه البخاري لكنه لم يلقه‏.‏

وفي الإسناد رواية تابعي عن تابعي‏:‏ زيد عن عطاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه توضأ‏)‏ زاد أبو داود في أوله من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم ‏"‏ أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ‏؟‏ فدعا بإناء فيه ماء‏"‏‏.‏

وللنسائي من طريق محمد بن عجلان عن زيد في أول الحديث ‏"‏ توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغسل وجهه‏)‏ الفاء تفصيلية لأنها داخلة بين المجمل والمفصل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخذ غرفة‏)‏ وهو بيان الغسل وظاهره أن المضمضة والاستنشاق من جملة غسل الوجه، لكن المراد بالوجه أولا ما هو أعم من المفروض والمسنون، بدليل أنه أعاد ذكره ثانيا بعد ذكر المضمضة والاستنشاق بغرفة مستقلة، وفيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة، وغسل الوجه باليدين جميعا إذا كان بغرفة واحدة لأن اليد الواحدة قد لا تستوعبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أضافها‏)‏ بيان لقوله فجعل بها هكذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغسل بها‏)‏ أي بالغرفة‏.‏

وللأصيلي وكريمة ‏"‏ فغسل بهما ‏"‏ أي باليدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم مسح برأسه‏)‏ لم يذكر لها غرفة مستقلة، فقد يتمسك به من يقول بطهورية الماء المستعمل، لكن في رواية أبي داود ‏"‏ ثم قبض قبضة من الماء، ثم نفض يده، ثم مسح رأسه ‏"‏ زاد النسائي من طريق عبد العزيز الدراوردي عن زيد ‏"‏ وأذنيه مرة واحدة ‏"‏ ومن طريق ابن عجلان ‏"‏ باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه ‏"‏ وزاد ابن خزيمة من هذا الوجه ‏"‏ وأدخل إصبعيه فيهما‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرش‏)‏ أي سكب الماء قليلا قليلا إلى أن صدق عليه مسمى الغسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى غسلها‏)‏ صريح في أنه لم يكتف بالرش، وأما ما وقع عند أبي داود والحاكم ‏"‏ فرش على رجله اليمنى وفيها النعل، ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل ‏"‏ فالمراد بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ في النعل كما سيأتي عند المصنف من حديث ابن عمر، وأما قوله‏:‏ ‏"‏ تحت النعل ‏"‏‏:‏ فإن لم يحمل على التجوز عن القدم وإلا فهي رواية شاذة وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرد به فكيف إذا خالف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغسل بها رجله يعني اليسرى‏)‏ قائل‏:‏ ‏"‏ يعني ‏"‏ هو زيد بن أسلم أو من دونه، واستدل ابن بطال بهذا الحديث على أن الماء المستعمل طهور، لأن العضو إذا غسل مرة واحدة فإن الماء الذي يبقى في اليد منها يلاقي ماء العضو الذي يليه‏.‏

وأيضا فالغرفة تلاقي أول جزء من أجزاء كل عضو فيصير مستعملا بالنسبة إليه‏.‏

وأجيب بأن الماء ما دام متصلا باليد مثلا لا يسمى مستعملا حتى ينفصل، وفي الجواب بحث‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر ابن التين أنه رواه بلفظ ‏"‏ فعل بها رجله ‏"‏ بالعين المهملة واللام المشددة قال‏:‏ فلعله جعل الرجلين بمنزلة العضو الواحد فعد الغسلة الثانية تكريرا لأن العل هو الشرب الثاني انتهى، وهو تكلف ظاهر، والحق أنها تصحيف‏.‏