فصل: باب لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب شهادة المرضعة‏)‏ أي وحدها، وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك في كتاب الشهادات‏.‏

وأغرب ابن بطال هنا فنقل الإجماع على أن شهادة المرأة وحدها لا تجوز في الرضاع وشبهه، وهو عجيب منه فإنه قول جماعة من السلف حتى إن عند المالكية رواية أنها تقبل وحدها لكن بشرط فشو ذلك في الجيران‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قالَ وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ لَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ لِي إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا وَهِيَ كَاذِبَةٌ فَأَعْرَضَ عَنِّي فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ قُلْتُ إِنَّهَا كَاذِبَةٌ قَالَ كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْكَ وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى يَحْكِي أَيُّوبَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني، وإسماعيل بن إبراهيم هو المعروف بابن علية، وعبيد بن أبي مريم مكي ماله في الصحيح سوى هذا الحديث، ولا أعرف من حاله شيئا إلا أن ابن حبان ذكره في ثقات التابعين، وقد أوضحت في الشهادات بيان الاختلاف في إسناده على ابن أبي مليكة، وأن العمدة فيه على سماع ابن أبي مليكة له من عقبة بن الحارث نفسه، وتقدم تسمية المرأة المعبر عنها هنا بفلانة بنت فلان وتسمية أبيها، وأما المرضعة السوداء فما عرفت اسمها بعد‏.‏

قوله ‏(‏فأعرض عني‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ فأعرض عنه ‏"‏ وفيه التفات‏.‏

قوله ‏(‏دعها عنك، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى يحكي أيوب‏)‏ يعني يحكي إشارة أيوب، والقائل علي والحاكي إسماعيل، والمراد حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث أشار بيده وقال بلسانه ‏"‏ دعها عنك ‏"‏ فحكى ذلك كل راو لمن دونه‏.‏

واستدل به على أن الرضاعة لا يشترط فيها عدد الرضعات وفيه نظر لأنه لا يلزم من عدم ذكرها عدم الاشتراط لاحتمال أن يكون ذلك قبل تقرير حكم اشتراط العدد، أو بعد اشتهاره فلم يحتج لذكره في كل واقعة، وقد تقدم بيان الاختلاف في ذلك‏.‏

ويؤخذ من الحديث عند من يقول أن الأمر بفراقها لم يكن لتحريمها عليه بقول المرضعة بل للاحتياط أن يحتاط من يريد أن يتزوج أو يزوج ثم اطلع على أمر فيه خلاف بين العلماء كمن زنى بها أو باشرها بشهوة أو زنى بها أصله أو فرعه أو خلقت من زناه بأمها أو شك في تحريمها عليه بصهر أو قرابة ونحو ذلك، والله أعلم

*3*باب مَا يَحِلُّ مِنْ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَقَالَ أَنَسٌ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ الْحَرَائِرُ حَرَامٌ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَقَالَ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَهُوَ حَرَامٌ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَقَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي حَبِيبٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَرُمَ مِنْ النَّسَبِ سَبْعٌ وَمِنْ الصِّهْرِ سَبْعٌ ثُمَّ قَرَأَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ الْآيَةَ وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَجَمَعَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍّ فِي لَيْلَةٍ وَكَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى الْكِنْدِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وأَبِي جَعْفَرٍ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَلَا يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ وَيَحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا زَنَى بِهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَرَّمَهُ وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ بِسَمَاعِهِ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيُرْوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا تَحْرُمُ حَتَّى يُلْزِقَ بِالْأَرْضِ يَعْنِي يُجَامِعَ وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ عَلِيٌّ لَا تَحْرُمُ وَهَذَا مُرْسَلٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يحل من النساء وما يحرم، وقوله تعالى‏:‏ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم الآية إلى عليما حكيما‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق في رواية كريمة إلى قوله ‏(‏وبنات الأخت - ثم قال إلى قوله - عليما حكيما‏)‏ وذلك يشمل الآيتين، فإن الأول إلى قوله ‏(‏غفورا رحيما‏)‏ ‏.‏

قوله ‏(‏وقال أنس والمحصنات من النساء ذوات الأزواج الحرائر حرام إلا ما ملكت أيمانكم، لا يرى بأسا أن ينزع الرجل جاريته‏)‏ وفي رواية الكشميهني جارية ‏(‏من عبده‏)‏ وصله إسماعيل القاضي في كتاب ‏"‏ أحكام القرآن ‏"‏ بإسناد صحيح من طريق سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك أنه قال في قوله تعالى ‏(‏والمحصنات‏)‏ ذوات الأزواج الحرائر ‏(‏إلا ما ملكت أيمانكم‏)‏ فإذا هو لا يرى بما ملك اليمين بأسا أن ينزع الرجل الجارية من عبده فيطأها، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن التيمي بلفظ ذوات البعول وكان يقول بيعها طلاقها، والأكثر على أن المراد بالمحصنات ذوات الأزواج يعني أنهن حرام وأن المراد بالاستثناء في قوله ‏(‏إلا ما ملكت أيمانكم‏)‏ المسبيات إذا كن متزوجات فإنهن حلال لمن سباهن‏.‏

قوله ‏(‏وقال‏)‏ أي قال الله عز وجل ‏(‏ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن‏)‏ أشار بهذا إلى التنبيه على من حرم نكاحها زائدا على ما في الآيتين فذكر المشركة وقد استثنيت الكتابية والزائدة على الرابعة فدل ذلك على أن العدد الذي في قول ابن العباس الذي بعده لا مفهوم له وإنما أراد حصر ما في الآيتين‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ ما زاد على أربع فهو حرام كأمه وابنته وأخته‏)‏ وصله الفريابي وعبد بن حميد بإسناد صحيح عنه ولفظه في قوله تعالى ‏(‏والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم‏)‏ ‏:‏ لا يحل له أن يتزوج فوق أربع نسوة، فما زاد منهن عليه حرام، والباقي مثله، وأخرجه البيهقي‏.‏

قوله ‏(‏وقال لنا أحمد بن حنبل‏)‏ هذا فيما قيل أخذه المصنف عن الإمام أحمد في المذاكرة أو الإجازة، والذي ظهر لي بالاستقراء أنه إنما استعمل هذه الصيغة في الموقوفات، وربما استعملها فيما فيه قصور ما عن شرطه، والذي هنا من الشق الأول، وليس للمصنف في هذا الكتاب رواية عن أحمد إلا في هذا الموضع‏.‏

وأخرج عنه في آخر المغازي حديثا بواسطة وكأنه لم يكثر عنه لأنه في رحلته القديمة لقي كثيرا من مشايخ أحمد فاستغنى بهم، وفي رحلته الأخيرة كان أحمد قد قطع التحديث فكان لا يحدث إلا نادرا فمن ثم أكثر البخاري عن علي بن المديني دون أحمد، وسفيان المذكور هذا الإسناد هو الثوري، وحبيب هو ابن أبي ثابت‏.‏

قوله ‏(‏حرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع‏)‏ في رواية ابن مهدي عن سفيان عن الإسماعيلي ‏"‏ حرم عليكم ‏"‏ وفي لفظ ‏"‏ حرمت عليكم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ثم قرأ‏:‏ حرمت عليكم أمهاتكم الآية‏)‏ في رواية يزيد بن هارون عن سفيان عند الإسماعيلي ‏"‏ قرأ الآيتين ‏"‏ وإلى هذه الرواية أشار المصنف بقوله في الترجمة ‏"‏ إلى عليما حكيما ‏"‏ فإنها آخر الآيتين، ووقع عند الطبراني من طريق عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس في آخر الحديث ‏"‏ ثم قرأ‏:‏ حرمت عليكم أمهاتكم حتى بلغ‏:‏ وبنات الأخ وبنات الأخت، ثم قال‏:‏ هذا النسب‏.‏

ثم قرأ‏:‏ وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم حتى بلغ‏:‏ وأن تجمعوا بين الأختين، وقرأ‏:‏ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فقال‏:‏ هذا الصهر ‏"‏ انتهى، فإذا جمع بين الروايتين كانت الجملة خمس عشرة امرأة، وفي تسمية ما هو بالرضاع صهرا تجوز، وكذلك امرأة الغير، وجميعهن على التأبيد إلا الجمع بين الأختين وامرأة الغير، ويلتحق بمن ذكر موطوءة الجد وإن علا وأم الأم ولو علت وكذا أم الأب وبنت الابن ولو سفلت وكذا بنت البنت وبنت بنت الأخت ولو سفلت وكذا بنت بنت الأخ وبنت ابن الأخ والأخت وعمة الأب ولو علت وكذا عمة الأم وخالة الأم ولو علت وكذا خالة الأب وجدة الزوجة ولو علت وبنت الربيبة ولو سفلت وكذا بنت الربيب وزوجة ابن الابن وابن البنت والجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وسيأتي في باب مفرد ‏"‏ ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ‏"‏ وتقدم في باب مفرد، وبيان ما قيل إنه يستثنى من ذلك قوله ‏(‏وجمع عبد الله بن جعفر‏)‏ أي ابن أبي طالب ‏(‏بين بنت علي وامرأة علي‏)‏ كأنه أشار بذلك إلى دفع من يتخيل أن العلة في منع الجمع بين الأختين ما يقع بينهما من القطيعة فيطرده إلى كل قريبتين ولو بالصهارة فمن ذلك الجمع بين المرأة وبنت زوجها، والأثر المذكور وصله البغوي في ‏"‏ الجعديات ‏"‏ من طريق عبد الرحمن بن مهران أنه قال ‏"‏ جمع عبد الله بن جعفر بين زينب بنت علي وامرأة علي ليلى بنت مسعود ‏"‏ وأخرجه سعيد بن منصور من وجه آخر فقال ‏"‏ ليلى بنت مسعود النهشلية وأم كلثوم بنت علي لفاطمة فكانتا امرأتيه ‏"‏ وقوله لفاطمة أي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم لأنه تزوجهما واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته، وقد وقع ذلك مبينا عند ابن سعد‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن سيرين لا بأس به‏)‏ وصله سعيد بن منصور عنه بسند صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد ‏"‏ أن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته - أي من غيرها - قال أيوب‏:‏ فسئل عن ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسا وقال‏:‏ نبئت أن رجل كان بمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها ‏"‏ وأخرج الدار قطني من طريق أيوب أيضا عن ابن سيرين أن ‏"‏ رجلا من أهل مصر كانت له صحبة يقال له جبلة ‏"‏ فذكره قوله ‏(‏وكرهه الحسن مرة ثم قال لا بأس به‏)‏ وصله الدار قطني في آخر الأثر الذي قبله بلفظ ‏"‏ وكان الحسن يكرهه ‏"‏ وأخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح من طريق سلمة بن علقمة قال ‏"‏ إني لجالس عند الحسن إذ سأله رجل عن الجمع بين البنت وامرأة زوجها فكرهه، فقال له بعضهم‏:‏ يا أبا سعيد، هل ترى به بأسا‏؟‏ فنظر ساعة ثم قال‏:‏ ما أرى به بأسا ‏"‏ وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه، وعن سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي أنهم قالوا لا بأس به‏.‏

قوله ‏(‏وجمع الحسن بن الحسن بن علي بين بنتي عم في ليلة‏)‏ وصله عبد الرزاق وأبو عبيد من طريق عمرو ابن دينار بهذا وزاد ‏"‏ في ليلة واحدة بنت محمد بن علي وبنت عمر بن علي، فقال محمد بن علي هو أحب إلينا منهما ‏"‏ وأخرج عبد الرزاق أيضا والشافعي من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي فلم ينسب المرأتين ولم يذكر قول محمد بن علي وزاد ‏"‏ فأصبح النساء لا يدرين أين يذهبن‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وكرهه جابر بن زيد للقطيعة‏)‏ وصله أبو عبيد من طريقه‏.‏

وأخرج عبد الرزاق نحوه عن قتادة وزاد وليس بحرام‏.‏

قوله ‏(‏وليس فيه تحريم‏)‏ لقوله تعالى ‏(‏وأحل لكم ما وراء ذلكم‏)‏ هذا من تفقه المصنف، وقد صرح به قتادة قبله كما ترى، وقد قال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح، قال‏:‏ وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مثل هذا أن يحرمه، وقد أشار جابر بن زيد إلى العلة بقوله ‏"‏ للقطيعة ‏"‏ أي لأجل وقوع القطيعة بينهما، لما يوجبه التنافس بين الضرتين في العادة، وسيأتي التصريح بهذه العلة في حديث النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، بل جاء ذلك منصوصا في جميع القرابات، فأخرج أبو داود وابن أبي شيبة من مرسل عيسى بن طلحة ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة ‏"‏ وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن، وقد نقل العمل بذلك عن ابن أبي ليلى وعن زفر أيضا ولكن انعقد الإجماع على خلافه وقاله ابن عبد البر وابن حزم وغيرهما‏.‏

قوله ‏(‏وقال عكرمة عن ابن عباس‏:‏ إذا زنى بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته‏)‏ هذا مصير من ابن عباس إلى أن المراد بالنهي عن الجمع بين الأختين إذا كان الجمع بعقد التزويج وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ‏"‏ عن ابن عباس في رجل زنى بأخت امرأته قال‏:‏ تخطى حرمة إلى حرمة ولم تحرم عليه امرأته ‏"‏ قال ابن جريج وبلغني عن عكرمة مثله، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس قال ‏"‏ جاوز حرمتين إلى حرمة ولم تحرم عليه امرأته ‏"‏ وهذا قول الجمهور، وخالفت فيه طائفة كما سيجيء‏.‏

قوله ‏(‏ويروى عن يحيى الكندي عن الشعبي وأبي جعفر فيمن يلعب بالصبي أن أدخله فيه فلا يتزوجن أمه‏)‏ في رواية أبي ذر عن المستملي ‏"‏ وابن جعفر ‏"‏ يدل قوله وأبي جعفر، والأول هو المعتمد، وكذا وقع في رواية ابن نصر بن مهدي عن المستملي كالجماعة، وهكذا وصله وكيع في مصنفه عن سفيان الثوري عن يحيى‏.‏

قوله ‏(‏ويحيى هذا غير معروف ولم يتابع عليه‏)‏ انتهى وهو ابن قيس، روى أيضا عن شريح روى عنه الثوري وأبو عوانة وشريك‏.‏

فقول المصنف ‏"‏ غير معروف ‏"‏ أي غير معروف العدالة وإلا فاسم الجهالة ارتفع عنه برواية هؤلاء، وقد ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا، وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح، والقول الذي رواه يحيى هذا قد نسب إلى سفيان الثوري والأوزاعي وبه قال أحمد وزاد‏:‏ وكذا لو تلوط بأبي امرأته أو بأخيها أو بشخص ثم ولد للشخص بنت فإن كلا منهن تحرم على الواطئ لكونها بنت أو أخت من نكحه، وخالف ذلك الجمهور فخصوه بالمرأة المعقود عليها، وهو ظاهر القرآن لقوله ‏(‏وأمهات نسائكم وأن تجمعوا بين الأختين‏)‏ والذكر ليس من النساء ولا أختا، وعند الشافعية فيمن تزوج امرأة فلاط بها هل تحرم عليه بنتها أم لا‏؟‏ وجهان‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏وقال عكرمة عن ابن عباس‏:‏ إذا زنى بها لا تحرم عليه امرأته‏)‏ وصله البيهقي من طريق هشام عن قتادة عن عكرمة بلفظ في رجل غشى أم امرأته قال ‏"‏ تخطى حرمتين ولا تحرم عليه امرأته ‏"‏ وإسناده صحيح‏.‏

وفي الباب حديث مرفوع أخرجه الدار قطني والطبراني من حديث عائشة ‏"‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يتبع المرأة حراما ثم ينكح ابنتها أو البنت ثم ينكح أمها، قال‏:‏ لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح حلال ‏"‏ وفي إسنادهما عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك، وقد أخرج ابن ماجه طرفا منه من حديث ابن عمر لا يحرم الحرام الحلال، وإسناده أصلح من الأول‏.‏

قوله ‏(‏ويذكر عن أبي نصر عن ابن عباس أنه حرمه‏)‏ وصله الثوري في جامعه من طريقه ولفظه أن رجلا قال أنه أصاب أم امرأته، فقال له ابن عباس‏:‏ حرمت عليك امرأتك، وذلك بعد أن ولدت منه سبعة أولاد كلهم بلغ مبالغ الرجال‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وأبو نصر هذا لم يعرف بسماعه من ابن عباس‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية ابن المهدي عن المستملي لا يعرف سماعه وهي أوجه وأبو نصر هذا بصري أسدي، وثقه أبو زرعة‏.‏

وفي الباب حديث ضعيف أخرجه ابن أبي شيبة من حديث أم هانئ مرفوعا ‏"‏ من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا بنتها ‏"‏ وإسناده مجهول قاله البيهقي‏.‏

قوله ‏(‏ويروى عن عمران بن حصين والحسن وجابر بن زيد وبعض أهل العراق أنها تحرم عليه‏)‏ أما قول عمران فوصله عبد الرزاق من طريق الحسن البصري عنه، قال فيمن فجر بأم امرأته حرمتا عليه جميعا، ولا بأس بإسناده، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن عمران وهو منقطع، وأما قول جابر بن زيد والحسن فوصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنهما قال‏:‏ حرمت عليه امرأته‏.‏

قال قتادة‏:‏ لا تحرم غير أنه لا يغشى امرأته حتى تنقضي عدة التي زنى بها‏.‏

وأخرجه أبو عبيد من وجه آخر عن الحسن بلفظ‏:‏ إذا فجر بأم امرأته أو ابنة امرأته حرمت عليه امرأته‏.‏

وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال‏:‏ قال يحيى بن يعمر للشعبي‏:‏ والله ما حرم حرام قط حلالا قط، فقال الشعبي‏:‏ بلى لو صببت خمرا على ماء حرم شرب ذلك الماء‏.‏

قال قتادة‏:‏ وكان الحسن يقول مثل قول الشعبي‏.‏

وأما قوله ‏"‏ وقال بعض أهل العراق ‏"‏ فلعله عنى به الثوري، فإنه ممن قال بذلك من أهل العراق‏.‏

وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال‏:‏ لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وبنتها‏.‏

ومن طريق مغيرة عن إبراهيم وعامر هو الشعبي في رجل وقع على أم امرأته قال‏:‏ حرمتا عليه كلتاهما، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، قالوا إذا زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها، وبه قال من غير أهل العراق عطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق، وهي رواية عن مالك، وأبى ذلك الجمهور وحجتهم أن النكاح في الشرع إنما يطلق على المعقود عليها لا على مجرد الوطء، وأيضا فالزنا لا صداق فيه ولا عدة ولا ميراث، قال ابن عبد البر‏:‏ وقد أجمع أهل الفتوى من الأمصار على أنه لا يحرم على الزاني تزوج من زنى بها، فنكاح أمها وابنتها أجوز‏.‏

قوله ‏(‏وقال أبو هريرة‏:‏ لا تحرم عليه حتى يلزق بالأرض، يعني حتى يجامع‏)‏ قال ابن التين يلزق بفتح أوله وضبطه غيره بالضم وهو أوجه، وبالفتح لازم وبالضم متعد يقال لزق به لزوقا وألزقه بغيره، وهو كناية عن الجماع كما قال المصنف وكأنه أشار إلى خلاف الحنفية فأنهم قالوا‏:‏ تحرم عليه امرأته بمجرد لمس أمها والنظر إلى فرجها، فالحاصل أن ظاهر كلام أبي هريرة أنها لا تحرم إلا إن وقع الجماع، فيكون في المسألة ثلاثة آراء‏:‏ فمذهب الجمهور لا تحرم إلا بالجماع مع العقد، والحنفية وهو قول عن الشافعي تلتحق المباشرة بشهوة بالجماع لكونه استمتاعا ومحل ذلك إذا كانت المباشرة بسبب مباح أما المحرم فلا يؤثر كالزنا، والمذهب الثالث إذا وقع الجماع حلالا أو زنا أثر بخلاف مقدماته‏.‏

قوله ‏(‏وجوزه سعيد بن المسيب وعروة والزهري‏)‏ أي أجازوا للرجل أن يقيم مع امرأته ولو زنى بأمها أو أختها سواء فعل مقدمات الجماع أو جامع ولذلك أجازوا له أن يتزوج بنت أو أم من فعل بها ذلك، وقد روى عبد الرزاق من طريق الحارث بن عبد الرحمن قال‏:‏ سألت سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن الرجل يزني بالمرأة هل تحل له أمها‏؟‏ فقالا‏:‏ لا يحرم الحرام الحلال، وعن معمر عن الزهري مثله، وعند البيهقي من طريق يونس بن يزيد عن الزهري أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها‏؟‏ فقال‏:‏ قال بعض العلماء لا يفسد الله حلالا بحرام‏.‏

قوله ‏(‏وقال الزهري قال علي‏:‏ لا يحرم وهذا مرسل‏)‏ أما قول الزهري فوصله البيهقي من طريق يحيى بن أيوب عن عقيل عنه أنه سئل عن رجل وطئ أم امرأته، فقال‏:‏ قال علي بن أبي طالب لا يحرم الحرام الحلال‏.‏

وأما قوله‏:‏ وهذا مرسل، ففي رواية الكشميهني وهو مرسل أي منقطع، فأطلق المرسل على المنقطع كما تقدم في فضائل القرآن والخطب فيه سهل، والله أعلم

*3*باب وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الدُّخُولُ وَالْمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الْجِمَاعُ وَمَنْ قَالَ بَنَاتُ وَلَدِهَا مِنْ بَنَاتِهِ فِي التَّحْرِيمِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ حَبِيبَةَ لَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ وَكَذَلِكَ حَلَائِلُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ هُنَّ حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ وَهَلْ تُسَمَّى الرَّبِيبَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِهِ وَدَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبِيبَةً لَهُ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهَا وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ ابْنَتِهِ ابْنًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن‏)‏ هذه الترجمة معقودة لتفسير الربيبة وتفسير المراد بالدخول‏.‏

فأما الربيبة فهي بنت امرأة الرجل، قيل لها ذلك لأنها مربوبة، وغلط من قال هو من التربية‏.‏

وأما الدخول ففيه قولان‏:‏ أحدهما أن المراد به الجماع وهو أصح قولي الشافعي، والقول الآخر وهو قول الأئمة الثلاثة المراد به الخلوة‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ الدخول والمسيس واللماس هو الجماع‏)‏ تقدم ذكر من وصله عنه في تفسير المائدة، وفيه زيادة‏.‏

وروى عبد الرزاق من طريق بكر بن عبد الله المزني قال قال ابن عباس‏:‏ الدخول والتغشي والإفضاء والمباشرة والرفث واللمس الجماع، إلا أن الله حيي كريم يكنى بما شاء عما شاء‏.‏

قوله ‏(‏ومن قال بنات ولدها هن من بناتها في التحريم‏)‏ سقط من هنا إلى آخر الترجمة من رواية أبي ذر عن السرخسي، وقد تقدم حكم ذلك في الباب الذي قبله‏.‏

قوله ‏(‏لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة إلخ‏)‏ قد وصله في الباب، ووجه الدلالة من عموم قوله ‏"‏ بناتكن ‏"‏ لأن الابن بنت‏.‏

قوله ‏(‏وكذلك حلائل ولد الأبناء هن حلائل الأبناء‏)‏ أي مثلهن في التحريم، وهذا بالاتفاق، فكذلك بنات الأبناء وبنات البنات‏.‏

قوله ‏(‏وهل تسمى الربيبة وإن لم تكن في حجره‏)‏ أشار بهذا إلى أن التقييد بقوله ‏"‏ في حجوركم ‏"‏ هل هو للغالب، أو يعتبر فيه مفهوم المخالفة‏؟‏ وقد ذهب الجمهور إلى الأول، وفيه خلاف قديم أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما من طريق إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس قال‏:‏ كانت عندي امرأة قد ولدت لي، فماتت فوجدت عليها، فلقيت علي بن أبي طالب فقال لي‏:‏ مالك‏؟‏ فأخبرته، فقال‏:‏ ألها ابنة‏؟‏ يعني من غيرك، قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ كانت في حجرك‏؟‏ قلت‏:‏ لا، هي في الطائف، قال‏:‏ فانكحها، قلت‏:‏ فأين قوله تعالى ‏(‏وربائبكم‏)‏ قال إنها لم تكن في حجرك‏.‏

وقد دفع بعض المتأخرين هذا الأثر وادعى نفي ثبوته بأن إبراهيم بن عبيد لا يعرف، وهو عجيب، فإن الأثر المذكور عند ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، وإبراهيم ثقة تابعي معروف، وأبوه وجده صحابيان، والأثر صحيح عن علي‏.‏

وكذا صح عن عمر أنه أفتى من سأله إذ تزوج بنت رجل كانت تحته جدتها ولم تكن البنت في حجره أخرجه أبو عبيد، وهذا وإن كان الجمهور على خلافه فقد احتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏فلا تعرضن علي بناتكن ‏"‏ قال نعم ولم يقيد بالحجر، وهذا فيه نظر لأن المطلق محمول على المقيد، ولولا الإجماع الحادث في المسألة وندرة المخالف لكان الأخذ به أولى‏.‏

لأن التحريم جاء مشروطا بأمرين‏:‏ أن تكون في الحجر وأن يكون الذي يريد التزويج قد دخل بالأم، فلا تحرم بوجود أحد الشرطين‏.‏

واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي ‏"‏ وهذا وقع في بعض طرق الحديث ما تقدم، وفي أكثر طرقه ‏"‏ لو لم تكن ربيبتي في حجري ‏"‏ فقيد بالحجر كما قيد به القرآن فقوي اعتباره، والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏ودفع النبي صلى الله عليه وسلم ربيبة له إلى من يكفلها‏)‏ هذا طرف من حديث وصله البزار والحاكم من طريق أبي إسحاق عن فروة بن نوفل الأشجعي عن أبيه ‏"‏ وكان النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه زينب بنت أم سلمة وقال‏:‏ إنما أنت ظئري، قال فذهب بها ثم جاء، فقال‏:‏ ما فعلت الجويرة به‏؟‏ قال‏:‏ عند أمها - يعني من الرضاعة - وجئت لتعلمني ‏"‏ فذكر حديثا فيما يقرأ عند النوم، وأصله عند أصحاب السنن الثلاثة بدون القصة، وأصل قصة زينب بنت أم سلمة عند أحمد وصححه ابن حبان من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث أن أم سلمة أخبرته أنها ‏"‏ لما قدمت المدينة - فذكرت القصة في هجرتها ثم موت أبي سلمة - قالت فلما وضعت زينب جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني - الحديث وفيه - فجعل يأتينا فيقول أين زناب‏؟‏ حتى جاء عمار هو ابن ياسر فاختلجها وقال‏:‏ هذه تمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، وكانت ترضعها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين زناب‏؟‏ فقالت قريبة بنت أبي أمية وهي أخت أم سلمة‏:‏ وافقتها عندما أخذها عمار بن ياسر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إني آتيكم الليلة ‏"‏ وفي رواية لأحمد ‏"‏ فجاء عمار وكان أخاها لأمها - يعني أم سلمة - فدخل علها فانتشطها من حجرها وقال‏:‏ دعي هذه المقبوحة ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله ‏(‏وسمى النبي صلى الله عليه وسلم ابن ابنته ابنا‏)‏ هذا طرف من حديث تقدم موصولا في المناقب من حديث أبي بكرة وفيه ‏"‏ إن ابني هذا سيد ‏"‏ يعني الحسن بن علي، وأشار المصنف بهذا إلى تقوية ما تقدم ذكره في الترجمة أن بنت ابن الزوجة في حكم بنت الزوجة ثم ساق حديث أم حبيبة ‏"‏ قلت يا رسول الله هل لك في بنت أبي سفيان ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى قبل هذا، وقوله ‏"‏أرضعتني وأباها ثويبة ‏"‏ هو بفتح الهمزة والموحدة الخفيفة، وثويبة بالرفع الفاعل والضمير لبنت أم سلمة، والمعنى أرضعتني ثويبة وأرضعت والد درة بنت أبي سلمة، وقد تقدم في الباب الماضي التصريح بذلك فقال ‏"‏ أرضعتني وأبا سلمة ‏"‏ وإنما نبهت على ذلك لأن صاحب ‏"‏ المشارق ‏"‏ نقل أن بعض الرواة عن أبي ذر رواها بكسر الهمزة وتشديد التحتانية فصحف، ويكفي في الرد عليه قوله الرواية في الأخرى ‏"‏ إنها ابنة أخي من الرضاعة ‏"‏ ووقع في رواية لمسلم ‏"‏ أرضعتني وأباها أبا سلمة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ فَأَفْعَلُ مَاذَا قُلْتُ تَنْكِحُ قَالَ أَتُحِبِّينَ قُلْتُ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِيكَ أُخْتِي قَالَ إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي قُلْتُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ قَالَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي مَا حَلَّتْ لِي أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ دُرَّةُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وقال الليث حدثنا هشام درة بنت أم سلمة‏)‏ يعني أن الليث رواه عن هشام بن عروة بالإسناد المذكور فسمى بنت أم سلمة درة، وكأنه رمز بذلك إلى غلط من سماها زينب، وقد قدمت أنها في رواية الحميدي عن سفيان؛ وأن المصنف أخرجه عن الحميدي فلم يسمها، وقد ذكر المصنف الحديث أيضا في الباب الذي بعده من طريق الليث أيضا عن ابن شهاب عن عروة فسماها أيضا درة

*3*باب وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب وأن تجمعوا بين الأختين‏)‏ أورد فيه حديث أم حبيبة المذكور لقوله ‏"‏ فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن ‏"‏ والجمع بين الأختين في التزويج حرام بالإجماع، سواء كانتا شقيقتين أم من أب أم من أم، وسواء النسب والرضاع‏.‏

واختلف فيما إذا كانتا بملك اليمين، فأجازه بعض السلف وهو رواية عن أحمد والجمهور، وفقهاء الأمصار على المنع، ونظيره الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وحكاه الثوري عن الشيعة

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ وَتُحِبِّينَ قُلْتُ نَعَمْ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ ذَلِكِ لَا يَحِلُّ لِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب وأن تجمعوا بين الأختين‏)‏ أورد فيه حديث أم حبيبة المذكور لقوله ‏"‏ فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن ‏"‏ والجمع بين الأختين في التزويج حرام بالإجماع، سواء كانتا شقيقتين أم من أب أم من أم، وسواء النسب والرضاع‏.‏

واختلف فيما إذا كانتا بملك اليمين، فأجازه بعض السلف وهو رواية عن أحمد والجمهور، وفقهاء الأمصار على المنع، ونظيره الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وحكاه الثوري عن الشيعة

*3*باب لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لا تنكح المرأة على عمتها‏)‏ أي ولا على خالتها وهذا اللفظ رواية أبي بكر ابن أبي شيبة عن عبد الله ابن المبارك بإسناد حديث الباب، وكذا هو عند مسلم من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ومن طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَقَالَ دَاوُدُ وَابْنُ عَوْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عاصم‏)‏ هو ابن سليمان البصري الأحول‏.‏

قوله ‏(‏الشعبي سمع جابرا‏)‏ كذا قال عاصم وحده‏.‏

قوله ‏(‏وقال داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة‏)‏ أما رواية داود وهو ابن أبي هند فوصلها أبو داود والترمذي والدارمي من طريقه قال ‏"‏ حدثنا عامر هو الشعبي أنبأنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها‏.‏

أو المرأة على خالتها، أو العمة على بنت أخيها، أو الخالة على بنت أختها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى ‏"‏ لفظ الدارمي والترمذي نحوه، ولفظ أبي داود ‏"‏ لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ‏"‏ وأخرجه مسلم من وجه آخر عن داود بن أبي هند فقال ‏"‏ عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فكان لداود فيه شيخين، وهو محفوظ لابن سيرين عن أبي هريرة من غير هذا الوجه‏.‏

وأما رواية ابن عون وهو عبد الله فوصلها النسائي من طريق خالد بن الحارث عنه بلفظ ‏"‏ لا تزوج المرأة على عمتها ولا على خالتها ‏"‏ ووقع لنا في ‏"‏ فوائد أبي محمد بن أبي شريح ‏"‏ من وجه آخر عن ابن عون بلفظ ‏"‏ نهى أن تنكح المرأة على ابنة أخيها أو ابنة أختها ‏"‏ والذي يظهر أن الطريقين محفوظان، وقد رواه حماد بن سلمة عن عاصم عن الشعبي عن جابر أو أبي هريرة لكن نقل البيهقي عن الشافعي أن هذا الحديث لم يرو من وجه يثبته أهل الحديث إلا عن أبي هريرة، وروى من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث، قال البيهقي هو كما قال، قد جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة، وليس فيها شيء على شرط الصحيح، وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة‏.‏

وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر وبين الاختلاف على الشعبي فيه، قال‏:‏ والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ، والصواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند ا هـ‏.‏

وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري، لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة، وللحديث طرق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر، والحديث محفوظ أيضا من أوجه عن أبي هريرة، فلكل من الطريقين ما يعضده، وقول من نقل البيهقي عنهم تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له، وكفى بتخريج البخاري له موصولا قوة‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة - يعني من وجه يصح - وكأنه لم يصحح حديث الشعبي عن جابر وصححه عن أبي هريرة، والحديثان جميعا صحيحان‏.‏

وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله ‏"‏ وفي الباب ‏"‏ لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا، وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة وسمرة‏.‏

ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود فصار عدة من رواه غير الأولين ثلاثة عشر نفسا، وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم، ولولا خشية التطويل لأوردتها مفصلة، لكن في لفظ حديث ابن عباس عند ابن أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين، وفي روايته عند ابن حبان ‏"‏ نهي أن تزوج المرأة على العمة والخالة‏.‏

وقال‏:‏ إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن، قال الشافعي‏:‏ تحريم الجمع بين من ذكر هو قول من لقيته من المفتين لا اختلاف بينهم في ذلك‏.‏

وقال الترمذي بعد تخريجه‏:‏ العمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا أنه لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ولا أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم، وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج، وإذا ثبت الحكم بالسنة واتفق أهل العلم على القول به لم يضره خلاف من خالفه، وكذا نقل الإجماع ابن عبد البر وابن حزم والقرطبي والنووي، لكن استثنى ابن حزم عثمان البتي وهو أحد الفقهاء القدماء من أهل البصرة وهو بفتح الموحدة وتشديد المثناة، واستثنى النووي طائفة من الخوارج والشيعة، واستثنى القرطبي الخوارج ولفظه‏:‏ اختار الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها، ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين ا هـ‏.‏

وفي نقله عنهم جواز الجمع بين الأختين غلط بين، فإن عمدتهم التمسك بأدلة القرآن لا يخالفونها البتة وإنما يردون الأحاديث لاعتقادهم عدم الثقة بنقلتها، وتحريم الجمع بين الأختين بنصوص القرآن‏.‏

ونقل ابن دقيق العيد تحريم الجمع بين المرأة وعمتها عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف‏.‏

قوله ‏(‏لا يجمع ولا ينكح‏)‏ كله في الروايات بالرفع على الخبر عن المشروعية وهو يتضمن النهي قاله القرطبي‏.‏

قوله ‏(‏على عمتها‏)‏ ظاهره تخصيص المنع بما إذا تزوج إحداهما على الأخرى، ويؤخذ منه منع تزويجهما معا، فإن جمع بينهما بعقد بطلا أو مرتبا بطل الثاني‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عاصم‏)‏ هو ابن سليمان البصري الأحول‏.‏

قوله ‏(‏الشعبي سمع جابرا‏)‏ كذا قال عاصم وحده‏.‏

قوله ‏(‏وقال داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة‏)‏ أما رواية داود وهو ابن أبي هند فوصلها أبو داود والترمذي والدارمي من طريقه قال ‏"‏ حدثنا عامر هو الشعبي أنبأنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها‏.‏

أو المرأة على خالتها، أو العمة على بنت أخيها، أو الخالة على بنت أختها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى ‏"‏ لفظ الدارمي والترمذي نحوه، ولفظ أبي داود ‏"‏ لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ‏"‏ وأخرجه مسلم من وجه آخر عن داود بن أبي هند فقال ‏"‏ عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فكان لداود فيه شيخين، وهو محفوظ لابن سيرين عن أبي هريرة من غير هذا الوجه‏.‏

وأما رواية ابن عون وهو عبد الله فوصلها النسائي من طريق خالد بن الحارث عنه بلفظ ‏"‏ لا تزوج المرأة على عمتها ولا على خالتها ‏"‏ ووقع لنا في ‏"‏ فوائد أبي محمد بن أبي شريح ‏"‏ من وجه آخر عن ابن عون بلفظ ‏"‏ نهى أن تنكح المرأة على ابنة أخيها أو ابنة أختها ‏"‏ والذي يظهر أن الطريقين محفوظان، وقد رواه حماد بن سلمة عن عاصم عن الشعبي عن جابر أو أبي هريرة لكن نقل البيهقي عن الشافعي أن هذا الحديث لم يرو من وجه يثبته أهل الحديث إلا عن أبي هريرة، وروى من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث، قال البيهقي هو كما قال، قد جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة، وليس فيها شيء على شرط الصحيح، وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة‏.‏

وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر وبين الاختلاف على الشعبي فيه، قال‏:‏ والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ، والصواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند ا هـ‏.‏

وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري، لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة، وللحديث طرق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر، والحديث محفوظ أيضا من أوجه عن أبي هريرة، فلكل من الطريقين ما يعضده، وقول من نقل البيهقي عنهم تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له، وكفى بتخريج البخاري له موصولا قوة‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة - يعني من وجه يصح - وكأنه لم يصحح حديث الشعبي عن جابر وصححه عن أبي هريرة، والحديثان جميعا صحيحان‏.‏

وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله ‏"‏ وفي الباب ‏"‏ لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا، وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة وسمرة‏.‏

ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود فصار عدة من رواه غير الأولين ثلاثة عشر نفسا، وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم، ولولا خشية التطويل لأوردتها مفصلة، لكن في لفظ حديث ابن عباس عند ابن أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين، وفي روايته عند ابن حبان ‏"‏ نهي أن تزوج المرأة على العمة والخالة‏.‏

وقال‏:‏ إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن، قال الشافعي‏:‏ تحريم الجمع بين من ذكر هو قول من لقيته من المفتين لا اختلاف بينهم في ذلك‏.‏

وقال الترمذي بعد تخريجه‏:‏ العمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا أنه لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها ولا أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم، وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج، وإذا ثبت الحكم بالسنة واتفق أهل العلم على القول به لم يضره خلاف من خالفه، وكذا نقل الإجماع ابن عبد البر وابن حزم والقرطبي والنووي، لكن استثنى ابن حزم عثمان البتي وهو أحد الفقهاء القدماء من أهل البصرة وهو بفتح الموحدة وتشديد المثناة، واستثنى النووي طائفة من الخوارج والشيعة، واستثنى القرطبي الخوارج ولفظه‏:‏ اختار الخوارج الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وخالتها، ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين ا هـ‏.‏

وفي نقله عنهم جواز الجمع بين الأختين غلط بين، فإن عمدتهم التمسك بأدلة القرآن لا يخالفونها البتة وإنما يردون الأحاديث لاعتقادهم عدم الثقة بنقلتها، وتحريم الجمع بين الأختين بنصوص القرآن‏.‏

ونقل ابن دقيق العيد تحريم الجمع بين المرأة وعمتها عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف‏.‏

قوله ‏(‏لا يجمع ولا ينكح‏)‏ كله في الروايات بالرفع على الخبر عن المشروعية وهو يتضمن النهي قاله القرطبي‏.‏

قوله ‏(‏على عمتها‏)‏ ظاهره تخصيص المنع بما إذا تزوج إحداهما على الأخرى، ويؤخذ منه منع تزويجهما معا، فإن جمع بينهما بعقد بطلا أو مرتبا بطل الثاني‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَالْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا فَنُرَى خَالَةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ لِأَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏فنرى‏)‏ بضم النون أي نظن، وبفتحها أي نعتقد‏.‏

قوله ‏(‏خالة أبيها بتلك المنزلة‏)‏ أي من التحريم‏.‏

قوله ‏(‏لأن عروة حدثني إلخ‏)‏ في أخذ هذا الحكم من هذا الحديث نظر، وكأنه أراد إلحاق ما يحرم بالصهر بما يحرم بالنسب كما يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب، ولما كانت خالة الأب من الرضاع لا يحل نكاحها فكذلك خالة الأب لا يجمع بينها وبين بنت ابن أخيها، وقد تقدم شرح حديث عائشة المذكور‏.‏

قال النووي‏:‏ احتج الجمهور بهذه الأحاديث وخصوا بها عموم القرآن في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأحل لكم ما وراء ذلكم‏)‏ وقد ذهب الجمهور إلى جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الآحاد، وانفصل صاحب الهداية من الحنفية عن ذلك بأن هذا من الأحاديث المشهورة التي تجوز الزيادة على الكتاب بمثلها، والله أعلم

*3*باب الشِّغَارِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الشغار‏)‏ بمعجمتين مكسور الأول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏نهى عن الشغار‏)‏ في رواية ابن وهب عن مالك ‏"‏ نهى عن نكاح الشغار، ذكره ابن عبد البر، وهو مراد من حذفه‏.‏

قوله ‏(‏والشغار أن يزوج الرجل ابنته إلخ‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ ذكر تفسير الشغار جميع رواة مالك عنه‏.‏

قلت‏:‏ ولا يرد على إطلاقه أن أبا داود أخرجه عن القعنبي فلم يذكر التفسير، وكذا أخرجه الترمذي من طريق معن بن عيسى لأنهما اختصرا ذلك في تصنيفهما، وإلا فقد أخرجه النسائي من طريق معن بالتفسير، وكذا أخرجه الخطيب في ‏"‏ المدرج ‏"‏ من طريق القعنبي‏.‏

نعم اختلف الرواة عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار، فالأكثر لم ينسبوه لأحد، ولهذا قال الشافعي فيما حكاه البيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏‏:‏ لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك، ونسبه محرز بن عون وغيره لمالك‏.‏

قال الخطيب‏:‏ تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول مالك وصل بالمتن المرفوع، وقد بين ذلك ابن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون، ثم ساقه كذلك عنهم، ورواية محرز بن عون عند الإسماعيلي والدار قطني في ‏"‏ الموطآت ‏"‏ وأخرجه الدار قطني أيضا من طريق خالد بن مخلد عن مالك قال‏:‏ سمعت أن الشغار أن يزوج الرجل إلخ، وهذا دال على أن التفسير من منقول مالك لا من مقوله‏.‏

ووقع عند المصنف - كما سيأتي في كتاب ترك الحيل - من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث تفسير الشغار من قول نافع ولفظه ‏"‏ قال عبيد الله بن عمر قلت لنافع‏:‏ ما الشغار‏؟‏ فذكره ‏"‏ فلعل مالكا أيضا نقله عن نافع‏.‏

وقال أبو الوليد الباجي‏:‏ الظاهر أنه من جملة الحديث، وعليه يحمل حتى يتبين أنه من قول الراوي وهو نافع‏.‏

قلت‏:‏ قد تبين ذلك، ولكن لا يلزم من كونه لم يرفعه أن لا يكون في نفس الأمر مرفوعا، فقد ثبت ذلك من غير روايته، فعند مسلم من رواية أبي أسامة وابن نمير عن عبيد الله بن عمر أيضا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مثله سواء، قال‏:‏ وزاد ابن نمير ‏"‏ والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي وزوجني أختك وأزوجك أختي ‏"‏ وهذا يحتمل أن يكون من كلام عبيد الله بن عمر فيرجع إلى نافع، ويحتمل أن يكون تلقاه عن أبي الزناد، ويؤيد الاحتمال الثاني وروده في حديث أنس وجابر وغيرهما أيضا، فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت وأبان عن أنس مرفوعا ‏"‏ لا شغار في الإسلام، والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته ‏"‏ وروى البيهقي من طريق نافع بن يزيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ‏"‏ نهي عن الشغار، والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق، بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه‏.‏

وأخرج أبو الشيخ في كتاب النكاح من حديث أبي ريحانة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المشاغرة، والمشاغرة أن يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعا فهو المقصود، وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال ا هـ‏.‏

وقد اختلف الفقهاء هل يعتبر في الشغار الممنوع ظاهر الحديث في تفسيره، فإن فيه وصفين أحدهما تزويج من الوليين وليته للآخر بشرط أن يزوجه وليته، والثاني خلو بضع كل منهما من الصداق، فمنهم من اعتبرهما معا حتى لا يمنع مثلا إذا زوج كل منهما الآخر بغير شرط وإن لم يذكر الصداق، أو زوج كل منهما الآخر بالشرط وذكر الصداق‏.‏

وذهب أكثر الشافعية إلى أن علة النهي الاشتراك في البضع لأن بضع كل منهما يصير مورد العقد، وجعل البضع صداقا مخالف لا يراد عقد النكاح، وليس المقتضي للبطلان ترك ذكر الصداق لأن النكاح يصح بدون تسمية الصداق‏.‏

واختلفوا فيما إذا لم يصرحا بذكر البضع فالأصح عندهم الصحة، ولكن وجد نص الشافعي على خلافه ولفظه‏:‏ إذا زوج الرجل ابنته أو المرأة يلي أمرها من كانت لآخر على أن صداق كل واحدة بضع الأخرى أو على أن ينكحه الأخرى ولم يسم أحد منهما لواحدة منهما صداقا فهذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منسوخ، هكذا ساقه البيهقي بإسناده الصحيح عن الشافعي، قال‏:‏ وهو الموافق للتفسير المنقول في الحديث، واختلف نص الشافعي فيما إذا سمي مع ذلك مهرا فنص في ‏"‏ الإملاء ‏"‏ على البطلان، وظاهر نصه في ‏"‏ المختصر ‏"‏ الصحة، وعلى ذلك اقتصر في النقل عن الشافعي من ينقل الخلاف من أهل المذاهب‏.‏

وقال القفال‏:‏ العلة في البطلان التعليق والتوقيف، فكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح بنتي حتى ينعقد لي نكاح بنتك‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ كان ابن أبي هريرة يشبه برجل تزوج امرأة ويستثنى عضوا من أعضائها وهو مما لا خلاف في فساده، وتقرير ذلك أنه يزوج وليته ويستثنى بضعها حيث يجعله صداقا للأخرى‏.‏

وقال الغزالي في ‏"‏ الوسيط ‏"‏‏:‏ صورته الكاملة أن يقول زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك على أن يكون بضع كل واحدة منهما صداقا للأخرى، ومهما انعقد نكاح ابنتي انعقد نكاح ابنتك‏.‏

قال شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ ينبغي أن يزاد‏:‏ ولا يكون مع البضع شيء آخر ليكون متفقا على تحريمه في المذهب‏.‏

ونقل الخرقي أن أحمد نص على أن علة البطلان ترك ذكر المهر، ورجح ابن تيمية في ‏"‏ المحرر ‏"‏ أن العلة التشريك في البضع‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ ما نص عليه أحمد هو ظاهر التفسير المذكور في الحديث لقوله فيه ولا صداق بينهما، فإنه يشعر بأن جهة الفساد ذلك، وإن كان يحتمل أن يكون ذلك ذكر لملازمته لجهة الفساد، ثم قال‏:‏ وعلى الجملة ففيه شعور بأن عدم الصداق له مدخل في النهي، ويؤيده حديث أبي ريحانة الذي تقدم ذكره‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان‏.‏

وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده، وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي‏.‏

وذهب الحنفية إلى صحته ووجوب مهر المثل، وهو قول الزهري ومكحول والثوري والليث ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور، وهو قول على مذهب الشافعي، لاختلاف الجهة‏.‏

لكن قال الشافعي‏:‏ إن النساء محرمات إلا ما أحل الله أو ملك يمين، فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر البنت في تفسير الشغار مثال، وقد تقدم في رواية أخرى ذكر الأخت، قال النووي‏:‏ أجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن كالبنات في ذلك، والله أعلم

*3*باب هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِأَحَدٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد‏)‏ أي فيحل له نكاحها بذلك، وهذا يتناول صورتين‏:‏ إحداهما مجرد الهبة من غير ذكر مهر، والثاني العقد بلفظ الهبة‏.‏

فالصورة الأولى ذهب الجمهور إلى بطلان النكاح، وأجازه الحنفية والأوزاعي، ولكن قالوا يجب مهر المثل‏.‏

وقال الأوزاعي‏:‏ إن تزوج بلفظ الهبة وشرط أن لا مهر لم يصح النكاح‏.‏

وحجة الجمهور قوله تعالى ‏(‏خالصة لك من دون المؤمنين‏)‏ فعدوا ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأنه يتزوج بلفظ الهبة بغير مهر في الحال ولا في المآل‏.‏

وأجاب المجيزون عن ذلك بأن المراد أن الواهبة تختص به لا مطلق الهبة‏.‏

والصورة الثانية ذهب الشافعية وطائفة إلى أن النكاح لا يصح إلا بلفظ النكاح أو التزويج، لأنهما الصريحان اللذان ورد بهما القرآن والحديث‏.‏

وذهب الأكثر إلى أنه يصح بالكنايات، واحتج الطحاوي لهم بالقياس على الطلاق فإنه يجوز بصرائحه وبكناياته مع القصد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ مِنْ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ فَلَمَّا نَزَلَتْ تُرْجِئُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَعَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو ابن عروة عن أبيه ‏(‏قال كانت خولة‏)‏ هذا مرسل، لأن عروة لم يدرك زمن القصة، لكن السياق يشعر بأنه حمله عن عائشة‏.‏

وقد ذكر المصنف عقب هذه الطريق رواية من صرح فيه بذكر عائشة تعليقا، وقد تقدم في تفسير الأحزاب من طريق أبي أسامة عن هشام كذلك موصولا‏.‏

قوله ‏(‏بنت حكيم‏)‏ أي ابن أمية بن الأوقص السلمية، وكانت زوج عثمان بن مظعون، وهي من السابقات إلى الإسلام، وأمها من بني أمية‏.‏

قوله ‏(‏من اللائي وهبن‏)‏ وكذا وقع في رواية أبي أسامة المذكورة ‏"‏ قالت كنت أغار من اللائي وهبن أنفسهن ‏"‏ وهذا يشعر بتعدد الواهبات وقد تقدم تفسيرهن في تفسير سورة الأحزاب، ووقع في رواية أبي سعيد المؤدب الآتي ذكرها في المعلقات عن عروة عن عائشة ‏"‏ قالت التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم ‏"‏ وهذا محمول على تأويل أنها السابقة إلى ذلك، أو نحو ذلك من الوجوه التي لا تقتضي الحصر المطلق‏.‏

قوله ‏(‏فقالت عائشة‏:‏ أما تستحي المرأة أن تهب نفسها‏)‏ وفي رواية محمد بن بشر الموصولة عن عائشة أنها كانت تعير اللائي التقبيح وهبن أنفسهن‏.‏

قوله ‏(‏أن تهب نفسها‏)‏ زاد في رواية محمد بن بشر ‏"‏ بغير صداق‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فلما نزلت‏:‏ ترجئ من تشاء‏)‏ في رواية عبدة بن سليمان ‏"‏ فأنزل الله ترجئ ‏"‏ وهذا أظهر في أن نزول الآية بهذا السبب، قال القرطبي حملت عائشة على هذا القبيح الغيرة التي طبعت عليها النساء وإلا فقد علمت أن الله أباح لنبيه ذلك وأن جميع النساء لو ملكن له رقهن لكان قليلا‏.‏

قوله ‏(‏ما أرى ربك إلا يسارع في هواك‏)‏ في رواية محمد بن بشر ‏"‏ إني لأرى ربك يسارع لك في هواك ‏"‏ أي في رضاك، قال القرطبي‏:‏ هذا قول أبرزه الدلال والغيرة، وهو من نوع قولها ما أحمدكما ولا أحمد إلا الله، وإلا فإضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تحمل على ظاهره، لأنه لا ينطق عن الهوى ولا يفعل بالهوى، ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق، ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك‏.‏

قوله ‏(‏رواه أبو سعيد المؤدب ومحمد بن بشر وعبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة يزيد بعضهم على بعض‏)‏ أما رواية أبي سعيد واسمه محمد بن مسلم بن أبي الوضاح فوصلها ابن مردويه في التفسير والبيهقي من طريق منصور بن أبي مزاحم عنه مختصرا كما نبهت عليه ‏"‏ قالت التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم ‏"‏ حسب، وأما رواية محمد بن بشر فوصلها الإمام أحمد عنه بتمام الحديث، وقد بينت ما فيه من زيادة وفائدة، وأما رواية عبدة وهو ابن سليمان فوصلها مسلم وابن ماجه من طريقه وهي نحو رواية محمد بن بشر

*3*باب نِكَاحِ الْمُحْرِمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب نكاح المحرم‏)‏ كأنه يحتج إلى الجواز، لأنه لم يذكر في الباب شيئا غير حديث ابن عباس في ذلك، ولم يخرج حديث المنع كأنه لم يصح عنده على شرطه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرنا عمرو‏)‏ هو ابن دينار، وجابر بن زيد هو أبو الشعثاء‏.‏

قوله ‏(‏تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم‏)‏ تقدم في أواخر الحج من طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس بلفظ ‏"‏ تزوج ميمونة وهو محرم ‏"‏ وفي رواية عطاء المذكورة عن ابن عباس عند النسائي ‏"‏ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم جعلت أمرها إلى العباس فأنكحها إياه ‏"‏ وتقدم في عمرة القضاء من رواية عكرمة بلفظ حديث الأوزاعي وزاد ‏"‏ وبنا بها وهي حلال ‏"‏ وماتت بسرف، قال الأثرم‏:‏ قلت لأحمد إن أبا ثور يقول بأي شيء يدفع حديث ابن عباس - أي مع صحته - قال فقال‏:‏ الله المستعان، ابن المسيب يقول‏:‏ وهم ابن عباس، وميمونة تقول تزوجني وهو حلال ا هـ‏.‏

وقد عارض حديث ابن عباس حديث عثمان ‏"‏ لا ينكح المحرم ولا ينكح ‏"‏ أخرجه مسلم، ويجمع بينه وبين حديث ابن عباس يحمل حديث ابن عباس على أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ اختلفت الآثار في هذا الحكم؛ لكن الرواية أنه تزوجها وهو حلال، جاءت من طرق شتى، وحديث ابن عباس صحيح الإسناد، لكن الوهم إلى الواحد أقرب إلى الوهم من الجماعة فأقل أحوال الخبرين أن يتعارضا فتطلب الحجة من غيرهما وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم فهو المعتمد ا هـ، وقد تقدم في أواخر كتاب الحج البحث في ذلك ملخصا وأن منهم من حمل حديث عثمان على الوطء، وتعقب بأنه ثبت فيه ‏"‏ لا ينكح بفتح أوله ولا ينكح بضم أوله ولا يخطب ‏"‏ ووقع في صحيح ابن حبان زيادة ‏"‏ ولا يخطب عليه ‏"‏ ويترجح حديث عثمان بأنه تقعيد قاعدة، وحديث ابن عباس واقعة عين تحتمل أنواعا من الاحتمالات‏:‏ فمنها أن ابن عباس كان يرى أن من قلد الهدي يصير محرما كما تقدم تقرير ذلك عنه في كتاب الحج، والنبي صلى الله عليه وسلم كان قلد الهدي في عمرته تلك التي تزوج فيها ميمونة، فيكون إطلاقه أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم أي عقد عليها بعد أن قلد الهدي وإن لم يكن تلبس بالإحرام، وذلك أنه كان أرسل إليها أبا رافع يخطبها فجعلت أمرها إلى العباس فزوجها من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد أخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من طريق مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ لا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر، ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان مرسلا‏.‏

ومنها أن قول ابن عباس تزوج ميمونة وهو محرم أي داخل الحرام أو في الشهر الحرام، قال الأعشى ‏"‏ قتلوا كسرى بليل محرما ‏"‏ أي في الشهر الحرام‏.‏

وقال آخر ‏"‏ قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ‏"‏ أي في البلد الحرام، وإلى هذا التأويل جنح ابن حبان فجزم به في صحيحه‏.‏

وعارض حديث ابن عباس أيضا حديث يزيد بن الأصم ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال ‏"‏ أخرجه مسلم من طريق الزهري قال ‏"‏ وكانت خالته كما كانت خالة ابن عباس ‏"‏ وأخرج مسلم من وجه آخر عن يزيد ابن الأصم قال ‏"‏ حدثتني ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، قال‏:‏ وكانت خالتي وخالة ابن عباس ‏"‏ وأما أثر ابن المسيب الذي أشار إليه أحمد فأخرجه أبو داود‏.‏

وأخرج البيهقي من طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس الحديث قال‏:‏ وقال سعيد بن المسيب ذهل ابن عباس وإن كانت خالته ما تزوجها إلا بعدما أحل، قال الطبري‏:‏ الصواب من القول عندنا أن نكاح المحرم فاسد لصحة حديث عثمان، وأما قصة ميمونة فتعارضت الأخبار فيها ثم ساق من طريق أيوب قال‏:‏ أنبئت أن الاختلاف في زواج ميمونة إنما وقع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعث إلى العباس لينكحها إياه فأنكحه، فقال بعضهم أنكحها قبل أن يحرم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال بعضهم بعدما أحرم، وقد ثبت أن عمر وعليا وغيرهما من الصحابة فرقوا بين محرم نكح وبين امرأته ولا يكون هذا إلا عن ثبت‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قدمت في الحج أن حديث ابن عباس جاء مثله صحيحا عن عائشة وأبي هريرة، فأما حديث عائشة فأخرجه النسائي من طريق أبي سلمة عنه، وأخرجه الطحاوي والبزار من طريق مسروق عنها وصححه ابن حبان، وأكثر ما أعل بالإرسال وليس ذلك بقادح فيه‏.‏

وقال النسائي ‏"‏ أخبرنا عمرو بن علي أنبأنا أبو عاصم عن عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة عن عائشة مثله ‏"‏ قال عمرو بن علي قلت لأبي عاصم‏:‏ أنت أمليت علينا من الرقعة ليس فيه عائشة، فقال‏:‏ دع عائشة حتى أنظر فيه، وهذا إسناد صحيح لولا هذه القصة، لكن هو شاهد قوي أيضا وأما حديث أبي هريرة أخرجه الدار قطني وفي إسناده كامل أبو العلاء وفيه ضعف، لكنه يعتضد بحديثي ابن عباس وعائشة، وفيه رد على قول ابن عبد البر أن ابن عباس تفرد من بين الصحابة بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم، وجاء عن الشعبي ومجاهد مرسلا مثله أخرجهما ابن أبي شيبة‏.‏

وأخرج الطحاوي من طريق عبد الله بن محمد بن أبي بكر قال‏:‏ سألت أنسا عن نكاح المحرم فقال‏:‏ لا بأس به وهل هو ‏[‏إلا‏]‏ كالبيع وإسناده قوي لكنه قياس في مقابل النص فلا عبرة به، وكان أنسا لم يبلغه حديث عثمان