فصل: سورة الصَّفِّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*سورة الصَّفِّ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ مَنْ يَتَّبِعُنِي إِلَى اللَّهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْصُوصٌ مُلْصَقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَقَالَ يَحْيَى بِالرَّصَاصِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الصف - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر، ويقال لها أيضا سورة الحواريين‏.‏

وأخرج الطبري من طريق معمر عن قتادة أن الحواريين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من قريش، فسمى العشرة المشهورين إلا سعيد بن زيد وحده وحمزة وجعفر بن أبي طالب وعثمان بن مظعون‏.‏

وقد وقع لنا سماع هذه السورة مسلسلا في حديث ذكر في أوله سبب نزولها وإسناده صحيح قل أن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد ‏(‏من أنصاري إلى الله‏)‏ من يتبعني إلى الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ من تبعني إلى الله ‏"‏ بصيغة الماضي‏.‏

وقد وصله الفريابي بلفظ ‏"‏ من يتبعني ‏"‏ وقال أبو عبيدة‏:‏ إلى بمعنى في، أي من أنصاري في الله‏؟‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس مرصوص ملصق بعضه إلى بعض‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ ببعض ‏"‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قول ‏(‏كأنهم بنيان مرصوص‏)‏ ‏:‏ مثبت لا يزول ملصق بعضه ببعض فعلى تفسير ابن عباس هو من التراص أي التضام مثل تراص الأسنان أو من الملائم الأجزاء المستوى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال يحيى بالرصاص‏)‏ كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما ‏"‏ وقال غيره ‏"‏ وجزم أبو ذر بأنه يحيى بن زياد ابن عبد الله الفراء وهو كلامه في ‏"‏ معاني القرآن ‏"‏ ولفظه في قوله‏:‏ ‏(‏كأنهم بنيان مرصوص‏)‏ ‏:‏ يريد بالرصاص حثهم على القتال ورجح الطبري الأول‏.‏

والرصاص بفتح الراء ويجوز كسرها‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بعدي اسمه أحمد‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ باب يأتي من بعدي‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ لِي أَسْمَاءً أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ

الشرح‏:‏

حديث جبير بن مطعم، وقد تقدم شرحه مستوفى أوائل السيرة النبوية

*3*سورة الْجُمُعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الجمعة - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت سورة والبسملة لغير أبي ذر، وتقدم ضبطه في كتاب الصلاة

*3*باب قَوْلُهُ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ

وَقَرَأَ عُمَرُ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله وآخرين منهم لما يلحقوا بهم‏)‏ أي لم يلحقوا بهم، ويجوز في آخرين أن يكون منصوبا عطفا على الضمير المنصوب في يعلمهم، وأن يكون مجرورا عطفا على الأميين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ عمر‏:‏ فامضوا إلى ذكر الله‏)‏ ثبت هذا هنا في رواية الكشميهني وحده، وروى الطبري عن عبد الحميد بن بيان عن سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال ‏(‏ما سمعت عمر يقرؤها قط‏:‏ فامضوا ‏"‏ ومن طريق مغيرة عن إبراهيم قال ‏"‏ قيل لعمر إن أبى بن كعب يقرؤها فاسعوا، قال‏:‏ أما إنه أعلمنا وأقرؤنا للمنسوخ، وإنما هي فامضوا ‏"‏ وأخرجه سعيد بن منصور فبين الواسطة بين إبراهيم وعمر وأنه خرشة بن الحر فصح الإسناد‏.‏

وأخرجا أيضا من طريق إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرؤها ‏"‏ فامضوا ‏"‏ ويقول‏:‏ لو كان ‏"‏ فاسعوا ‏"‏ لسعيت حتى يسقط ردائي‏.‏

وأخرجه الطبراني ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع‏.‏

وللطبراني أيضا من طريق قتادة قال‏:‏ هي في حرف ابن مسعود ‏"‏ فامضوا ‏"‏ قال‏:‏ وهي كقوله‏:‏ ‏(‏إن سعيكم لشتى‏)‏ ‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ معنى فاسعوا أجيبوا وليس من العدو‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قَالَ قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنِي ثَوْرٌ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد العزيز‏)‏ كذا لهم غير منسوب، قال الجياني‏:‏ وكلام الكلاباذي يقتضى أنه ابن أبي حازم سلمة بن دينار، قال‏:‏ والذي عندي أنه الدراوردي لأن مسلما أخرجه عن قتيبة عن الدراوردي عن ثور‏.‏

قلت‏:‏ وأخرجه الترمذي والنسائي أيضا عن قتيبة، وأورده الإسماعيلي وأبو نعيم مستخرجيهما من طريق قتيبة، وجزم أبو مسعود أن البخاري أخرجه ‏"‏ عن عبد الله بن عبد الوهاب أنبأنا عبد العزيز الدراوردي ‏"‏ كذا فيه، وتبعه المزي، وظاهره أن البخاري نسبه ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيح، ولم أقف على رواية عبد العزيز بن أبي حازم لهذا الحديث في شيء من المسانيد، ولكن يؤيده أن البخاري لم يخرج للدراوردي إلا متابعة أو مقرونا، وهو هنا كذلك فإنه صدره برواية سليمان بن بلال ثم تلاه برواية عبد العزيز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ثور‏)‏ هو ابن يزيد المدني، وأبو الغيث بالمعجمة والمثلثة اسمه سالم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنزلت عليه سورة الجمعة وآخرين منهم لما يلحقوا بهم‏)‏ كأنه يريد أنزلت عليه هذه الآية من سورة الجمعة، وإلا فقد نزل منها قبل إسلام أبي هريرة الأمر بالسعي، ووقع في رواية الدراوردي عن ثور عند مسلم ‏"‏ نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ وآخرين منهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال قلت من هم يا رسول الله‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ قالوا من هم يا رسول الله ‏"‏ وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ فقال له رجل ‏"‏ وفي رواية الدراوردي ‏"‏ قيل من هم ‏"‏ وفي رواية عبد الله بن جعفر عن ثور عند الترمذي ‏"‏ فقال رجل‏:‏ يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا ‏"‏ ولم أقف على اسم السائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يراجعوه‏)‏ كذا في نسختي من طريق أبي ذر، وفي غيرها ‏"‏ فلم يراجعه ‏"‏ وهو الصواب، أي لم يراجع النبي صلى الله عليه وسلم السائل، أي لم يعد عليه جوابه حتى سأله ثلاث مرات‏.‏

ووقع ذلك صريحا في رواية الدراوردي قال ‏"‏ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأل مرتين أو ثلاثا ‏"‏ وفي رواية ابن وهب عن سليمان بن بلال ‏"‏ حتى سأله ثلاث مرات ‏"‏ بالجزم، وكذا في رواية عبد الله بن جعفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان‏)‏ في رواية العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ يده على فخذ سلمان‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو كان الإيمان عند الثريا‏)‏ هي نجم معروف تقدم ذكره في تفسير سورة النجم‏.‏

قول ‏(‏لناله رجال - أو رجل - من هؤلاء‏)‏ هذا الشك من سليمان بن بلال‏.‏

بدليل الرواية التي أوردها بعده من غير شك مقتصرا على قوله ‏"‏ رجال من هؤلاء ‏"‏ وهي عند مسلم والنسائي كذلك، وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية ابن وهب عن سليمان بلفظ ‏"‏ لناله رجال من هؤلاء ‏"‏ أيضا بغير شك‏.‏

وعبد العزيز المذكور هو الدراوردي كما جزم به أبو نعيم والجياني ثم المزي، وقد أخرجه مسلم عن قتيبة عن الدراوردي، وجزم الكلاباذي بأنه ابن أبي حازم، والأول أولى فإن الحديث مشهور عن الدراوردي، ولم أر في شيء من المسانيد من حديث أبي حازم، والدراوردي قد أخرج له البخاري في المتابعات غير هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أبناء فارس‏)‏ قيل إنهم من ولد هدرام بن أرفخشد بن سام بن نوح وأنه ولد بضعة عشر رجلا كلهم كان فارسا شجاعا فسموا الفرس للفروسية، وقيل في نسبهم أقوال أخرى‏.‏

وقال صاعد في الطبقات كان أولهم على دين نوح، ثم دخلوا في دين الصابئة في زمن طمهورث فداموا على ذلك أكثر من ألفي سنة، ثم تمجسوا على يد زرادشت‏.‏

وقد أطنب أبو نعيم في أول ‏"‏ تاريخ أصبهان ‏"‏ في تخريج طرق هذا الحديث، أعني حديث ‏"‏ لو كان الدين عند الثريا ‏"‏ ووقع في بعض طرقه عند أحمد بلفظ ‏"‏ لو كان العلم عند الثريا ‏"‏ وفي بعض طرقه عند أبي نعيم عن أبي هريرة أن ذلك عند نزول قوله تعالى ‏(‏وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم‏)‏ ويحتمل أن يكون ذلك صدر عند نزول كل من الآيتين‏.‏

وقد أخرج مسلم الحديث مجردا عن السب من رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ لو كان الدين عند الثريا لذهب رجال من أبناء فارس حتى يتناولوه‏"‏، وأخرجه أبو نعيم من طريق سليمان التيمي حدثني شيخ من أهل الشام عن أبي هريرة نحوه وزاد في آخره ‏"‏ برقة قلوبهم‏"‏، وأخرجه أيضا من وجه آخر عن التيمي عن أبي عثمان عن سلمان الفارسي بالزيادة، ومن طريق أخرى من هذا الوجه فزاد فيه ‏"‏ يتبعون سنتي، ويكثرون الصلاة علي ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عيانا، فإنه وجد منهم من اشتهر ذكره من حفاظ الآثار والعناية بها ما لم يشاركهم فيه كثير من أحد غيرهم‏.‏

واختلف أهل النسب في أصل فارس فقيل إنهم ينتهي نسبهم إلى جيومرت وهو آدم، وقيل إنه من ولد يافث بن نوح، وقيل من ذرية لاوي ابن سام بن نوح، وقيل هو فارس بن ياسور بن سام، وقيل هو من ولد هدرام بن أرفخشد بن سام، وقيل إنهم من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، والأول أشهر الأقوال عندهم، والذي يليه أرجحها عند غيرهم

*3*باب وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وإذا رأوا تجارة أو لهوا‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغير ‏"‏ وإذا رأوا تجارة ‏"‏ حسب‏.‏

قال ابن عطية‏:‏ قال انفضوا إليها ولم يقل إليهما اهتماما بالأهم إذ كانت هي سبب اللهو من غير عكس‏.‏

كذا قيل، وفيه نظر لأن العطف بأو لا يثنى معه الضمير، لكن يمكن أن يدعى أن ‏"‏ أو ‏"‏ هنا بمعنى الواو على تقدير أن تكون أو على بابها، فحقه أن يقول جيء بضمير التجارة دون ضمير اللهو للمعنى الذي ذكره، وقد تقدم بيان اختلاف النقلة في سبب انفضاضهم في كتاب الجمعة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَارَ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني حفص بن عمر‏)‏ هو الحوضي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حصين‏)‏ بالتصغير هو ابن عبد الرحمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم بن أبي الجعد وعن أبي سفيان عن جابر‏)‏ يعني كلاما عن جابر، وقد تقدم في الصلاة من طريق زائدة عن حصين عن سالم وحده قال ‏"‏ حدثنا جابر ‏"‏ والاعتماد على سالم، وأما أبو سفيان واسمه طلحة ابن نافع فليس على شرطه، وإنما أخرج له مقرونا، وقد تقدم له حديث في مناقب سعد بن معاذ قرنه بسالم أيضا‏.‏

وأخرج له حديثين آخرين في الأشربة مقرونين بأبي صالح عن جابر، وهذا جميع ماله عنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أقبلت عير‏)‏ بكسر المهملة وسكون التحتانية تقدم الكلام عليها في كتاب الجمعة مع بقية شرح هذا الحديث ولله الحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فثار الناس إلا اثنا عشر رجلا‏)‏ وقع عند الطبري من طريق قتادة ‏"‏ إلا اثني عشر رجلا وامرأة ‏"‏ وهو أصح مما روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ‏"‏ لم يبق معه إلا رجلان وامرأة ‏"‏ ووقع في الكشاف أن الذين بقوا ثمانية أنفس وقيل أحد عشر وقيل اثنا عشر وقيل أربعون، والقولان الأولان لا أصل لهما فيما وقفت عليه، وقد مضى استيفاء القول في هذا أيضا في كتاب الجمعة‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ إِلَى لَكَاذِبُونَ

الشرح‏:‏

‏(‏باب قوله إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله الآية‏)‏ وساق غير أبي ذر الآية إلى قوله ‏"‏ لكاذبون‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنْتُ فِي غَزَاةٍ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَقُولُ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ وَلَئِنْ رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِهِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي أَوْ لِعُمَرَ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا فَكَذَّبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّقَهُ فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ فَجَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ لِي عَمِّي مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَتَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ فَبَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي، ولإسرائيل فيه إسناد آخر أخرجه الترمذي والحاكم من طريقه عن السدي عن أبي سعد الأزدي عن زيد بن أرقم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن أرقم‏)‏ سيأتي بعد بابين من رواية زهير بن معاوية عن أبي إسحاق تصريحه بسماعه له من زيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت في غزاة‏)‏ زاد بعد باب من وجه آخر عن إسرائيل ‏"‏ مع عمي ‏"‏ وهذه الغزاة وقع في رواية محمد ابن كعب عن زيد بن أرقم عند النسائي أنها غزوة تبوك، ويؤيده قوله في رواية زهير المذكورة ‏"‏ في سفر أصاب الناس فيه شدة ‏"‏ وأخرج عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلا لم يرتحل منه حتى يصلي فيه، فلما كان غزوة تبوك نزل منزلا فقال عبد الله بن أبي ‏"‏ فذكر القصة، والذي عليه أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق، وسيأتي قريبا في حديث جابر ما يؤيده، وعند ابن عائذ وأخرجه الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ من طريقه ثم من طريق أبي الأسود عن عروة أن القول الآتي ذكره صدر من عبد الله بن أبي بعد أن قفلوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسمعت عبد الله بن أبي‏)‏ هو ابن سلول رأس النفاق، وقد تقدم خبره في تفسير براءة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول لا تنفقوا علي من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله‏)‏ هو كلام عبد الله بن أبي، ولم يقصد الراوي بسياقه التلاوة، وغلط بعض الشراح فقال هذا وقع في قراءة ابن مسعود وليس في المصاحف المتفق عليها فيكون على سبيل البيان من ابن مسعود‏.‏

قلت‏:‏ ولا يلزم من كون عبد الله بن أبي قالها قبل أن ينزل القرآن بحكاية جميع كلامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولئن رجعنا‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ ولو رجعنا ‏"‏ والأول أولى، وبعد الواو محذوف تقديره سمعته يقول، ووقع في الباب الذي بعده ‏"‏ وقال لئن رجعنا ‏"‏ وهو يؤيد ما قلته‏.‏

وفي رواية محمد بن كعب عن زيد بعد باب ‏"‏ وقال أيضا لئن رجعنا ‏"‏ وسيأتي في حديث جابر سبب قول عبد الله بن أبي ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكرت ذلك لعمي أو لعمر‏)‏ كذا بالشك، وفي سائر الروايات الآتية لعمي بلا شك، وكذا عند الترمذي من طريق أبي سعد الأزدي عن زيد، ووقع عند الطبراني وابن مردويه أن المراد بعمه سعد بن عبادة وليس عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه الخزرج، وعم زيد بن أرقم الحقيقي ثابت بن قيس له صحبة، وعمه زوج أمه عبد الله بن رواحة خزرجي أيضا‏.‏

ووقع في مغازي أبي الأسود عن عروة أن مثل ذلك وقع لأوس بن أرقم فذكره لعمر بن الخطاب سبب الشك في ذكر عمر، وجزم الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ أن هذه الرواية وهم والصواب زيد بن أرقم‏.‏

قلت‏:‏ ولا يمتنع تعدد المخبر بذلك عن عبد الله بن أبي، إلا أن القصة مشهورة لزيد بن أرقم، وسيأتي من حديث أنس قريبا ما يشهد لذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي ذكره عمي، وكذا في الرواية التي بعد هذه‏.‏

ووقع في رواية ابن أبي ليلى عن زيد ‏"‏ فأخبرت به النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وكذا في مرسل قتادة، فكأنه أطلق الإخبار مجازا، لكن في مرسل الحسن عن عبد الرزاق ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لعلك أخطأ سمعك، لعلك شبه عليك ‏"‏ فعلى هذا لعله راسل بذلك أولا على لسان عمه ثم حضر هو فأخبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحلفوا ما قالوا‏)‏ في رواية زهير ‏"‏ فأجهد يمينه ‏"‏ والمراد به عبد الله بن أبي، وجمع باعتبار من معه‏.‏

ووقع في رواية أبي الأسود عن عروة ‏"‏ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي فسأله، فحلف بالله ما قال من ذلك شيئا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكذبني‏)‏ بالتشديد، في رواية زهير ‏"‏ فقالوا كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وهذا بالتخفيف ورسول الله بالنصب على المفعولية، وقد تقدم تحقيقه في الكلام على حديث أبي سفيان في قصة هرقل‏.‏

وفي رواية ابن أبي ليلى عن زيد عند النسائي ‏"‏ فجعل الناس يقولون‏:‏ أتى زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصدقه‏)‏ وفي الرواية التي بعدها فصدقهم، وفد مضى توجيهها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأصابني هم‏)‏ في رواية زهير ‏"‏ فوقع في نفسي شدة ‏"‏ وفي رواية أبي سعد الأزدي عن زيد ‏"‏ فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد ‏"‏ وفي رواية محمد بن كعب ‏"‏ فرجعت إلى المنزل فنمت ‏"‏ زاد الترمذي في روايته ‏"‏ فنمت كئيبا حزينا ‏"‏ وفي رواية ابن أبي ليلى ‏"‏ حتى جلست في البيت مخافة إذا رآني الناس أن يقولوا كذبت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال لي عمي ما أردت إلى أن كذبك‏)‏ كذا للأكثر، وذكر أبو علي الجياني أنه وقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني‏:‏ فقال لي عمر‏.‏

قال الجياني‏:‏ والصواب ‏"‏ عمى ‏"‏ كما عند الجماعة، انتهى‏.‏

وقد ذكرت قبل ذلك ما يقتضي احتمال ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومقتك‏)‏ في رواية لمحمد بن كعب ‏"‏ فلامني الأنصار‏"‏، وعند النسائي من طريقه ‏"‏ ولامني قومي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله‏)‏ في رواية محمد بن كعب ‏"‏ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أي بالوحي‏.‏

وفي رواية زهير ‏"‏ حتى أنزل الله ‏"‏ وفي رواية أبي الأسود عن عروة ‏"‏ فبينما هم يسيرون أبصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه فنزلت ‏"‏ وفي رواية أبي سعد قال ‏"‏ فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خفقت برأسي من الهم أتاني فعرك بأذني وضحك في وجهي، فلحقني أبو بكر فسألني فقلت له، فقال‏:‏ أبشر‏.‏

ثم لحقني عمر مثل ذلك، فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا جاءك المنافقون‏)‏ زاد آدم إلى قوله ‏"‏ هم الذين يقولون لا تنفقوا علي من عند رسول الله - إلى قوله - ليخرجن الأعز منها الأذل ‏"‏ وهو يبين أن رواية محمد بن كعب مختصرة حيث اقتصر فيها على قوله ‏"‏ ونزل‏:‏ هم الذين يقولون لا تنفقوا الآية ‏"‏ لكن وقع عند النسائي من طريقه ‏"‏ فنزلت هم الذين يقولون لا تنفقوا علي من عند رسول الله حتى ينفضوا، حتى بلغ‏:‏ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله قد صدقك يا زيد‏)‏ وفي مرسل الحسن ‏"‏ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن الغلام فقال‏:‏ وفت أذنك يا غلام ‏"‏ مرتين‏.‏

زاد زهير في روايته ‏"‏ فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم ‏"‏ وسيأتي شرحه بعد ثلاثة أبواب‏.‏

وفي الحديث من الفوائد ترك مؤاخذة كبراء القوم بالهفوات لئلا ينفر أتباعهم والاقتصار على معاتباتهم وقبول أعذارهم وتصديق أيمانهم وإن كانت القرائن ترشد إلى خلاف ذلك، لما في ذلك من التأنيس والتأليف‏.‏

وفيه جواز تبليغ ما لا يجوز للمقول فيه، ولا يعد نميمة مذمومة إلا إن قصد بذلك الإفساد المطلق، وأما إذا كانت فيه مصلحة ترجح على المفسدة فلا

*3*باب اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً يَجْتَنُّونَ بِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله اتخذوا أيمانهم جنة يجتنون بها‏)‏ قال عبد بن حميد ‏"‏ حدثني شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏اتخذوا أيمانهم جنة‏)‏ قال يجتنون أنفسهم ‏"‏ وأخرجه الطبري وجه آخر عن ابن أبي نجيح باللفظ الذي ذكره المصنف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَمِّي فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَقَالَ أَيْضًا لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي فَذَكَرَ عَمِّي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَنِي فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ إِلَى قَوْلِهِ هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهَا عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ

الشرح‏:‏

حديث زيد بن أرقم، وقد تقدم شرحه في الذي قبله مستوفى

*3*باب قَوْلِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا‏)‏ ساق إلى قوله ‏"‏ لا يفقهون‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَقَالَ أَيْضًا لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ أَخْبَرْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَامَنِي الْأَنْصَارُ وَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ مَا قَالَ ذَلِكَ فَرَجَعْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ فَنِمْتُ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ وَنَزَلَ هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا الْآيَةَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت محمد بن كعب القرظي‏)‏ زاد الترمذي في روايته‏:‏ منذ أربعين سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرت به النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي على لسان عمي جمعا بين الروايتين، ويحتمل أن يكون هو أيضا أخبر حقيقة بعد أن أنكر عبد الله بن أبي ذلك كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بضم همزة أتى، أي بالوحي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن أبي زائدة‏)‏ هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وطريقه هذه وصلها النسائي، وقد بينت ما فيه من فائدة قبل‏.‏

قوله فيه ‏(‏عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن زيد بن أرقم‏)‏ كذا رواه الأعمش عن عمرو بن مرة عنه، وقد رواه شعبة عن عمرو بن مرة فقال عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم، فكأن لعمرو بن مرة فيه شيخين

*3*باب وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ

يَحْسِبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية إلى ‏"‏ يؤفكون ‏"‏ ذكر فيه حديث زيد بن أرقم من رواية زهير عن أبي إسحاق نحو رواية إسرائيل عنه كما تقدم بيان ذلك‏.‏

وقال في آخره‏:‏ حتى أنزل الله عز وجل تصديقي إذا جاءك المنافقون، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رءوسهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لِأَصْحَابِهِ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ وَقَالَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ قَالُوا كَذَبَ زَيْدٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالُوا شِدَّةٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقِي فِي إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ فَدَعَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَقَوْلُهُ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ قَالَ كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ شَيْءٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقوله خشب مسندة قال كانوا رجالا أجمل شيء‏)‏ هذا تفسير لقوله‏:‏ ‏(‏تعجبك أجسامهم‏)‏ وخشب مسندة تمثيل لأجسامهم، ووقع هذا في نفس الحديث وليس مدرجا، فقد أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن عمرو بن خالد شيخ البخاري فيه بهذه الزيادة، وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن زهير‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قرأ الجمهور ‏"‏ خشب ‏"‏ بضمتين، وأبو عمرو والأعمش والكسابي بإسكان الشين

*3*باب قَوْلُهُ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ

لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ حَرَّكُوا اسْتَهْزَءُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ لَوَيْتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم - إلى قوله - مستكبرون‏)‏ كذا لأبي ذر وساق غيره الآية كلها‏.‏

في مرسل سعيد بن جبير ‏"‏ وجاء عبد الله بن أبي فجعل يعتذر، فقال الله النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ تب فجعل يلوي رأسه فنزلت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حركوا استهزءوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ بالتخفيف من لويت‏)‏ يعني لووا وهي قراءة نافع، وقرأ الباقون بالتثقيل‏.‏

ثم ذكر حديث زيد بن أرقم من وجه آخر كما مضى بيانه‏.‏

ووقع لأكثر الرواة مختصرا من أثنائه، وساقه أبو ذر تاما إلا قوله ‏"‏ وصدقهم‏"‏‏.‏

وقد تعقبه الإسماعيلي بأنه ليس في السياق الذي أورده خصوص ما ترجم به، والجواب أنه جرى على عادته في الإشارة إلى أصل الحديث، ووقع في مرسل الحسن ‏"‏ فقال قوم لعبد الله بن أبي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه، فنزلت ‏"‏ وكذا أخرج عبد بن حميد من طريق قتادة، وعن طريق مجاهد، ومن طريق عكرمة أنها نزلت في عبد الله بن أبي

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَمِّي فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي فَذَكَرَ عَمِّي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا وَكَذَّبَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّقَهُمْ فَأَصَابَنِي غَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي وَقَالَ عَمِّي مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَتَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهَا وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم - إلى قوله - مستكبرون‏)‏ كذا لأبي ذر وساق غيره الآية كلها‏.‏

في مرسل سعيد بن جبير ‏"‏ وجاء عبد الله بن أبي فجعل يعتذر، فقال الله النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ تب فجعل يلوي رأسه فنزلت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حركوا استهزءوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ بالتخفيف من لويت‏)‏ يعني لووا وهي قراءة نافع، وقرأ الباقون بالتثقيل‏.‏

ثم ذكر حديث زيد بن أرقم من وجه آخر كما مضى بيانه‏.‏

ووقع لأكثر الرواة مختصرا من أثنائه، وساقه أبو ذر تاما إلا قوله ‏"‏ وصدقهم‏"‏‏.‏

وقد تعقبه الإسماعيلي بأنه ليس في السياق الذي أورده خصوص ما ترجم به، والجواب أنه جرى على عادته في الإشارة إلى أصل الحديث، ووقع في مرسل الحسن ‏"‏ فقال قوم لعبد الله بن أبي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه، فنزلت ‏"‏ وكذا أخرج عبد بن حميد من طريق قتادة، وعن طريق مجاهد، ومن طريق عكرمة أنها نزلت في عبد الله بن أبي

*3*باب قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ

لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله سواء عليهم أستغفرت لهم الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية‏.‏

وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال ‏"‏ أنزلت هذه الآية بعد التي في التوبة‏:‏ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا فِي غَزَاةٍ قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً فِي جَيْشٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ فَعَلُوهَا أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ثُمَّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَثُرُوا بَعْدُ قَالَ سُفْيَانُ فَحَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرًا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو‏)‏ وقع في آخر الباب ‏"‏ قال سفيان فحفظته من عمرو قال فذكره ‏"‏ ووقع رواية الحميدي الآتية بعد باب ‏"‏ حفظناه من عمرو‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا في غزاة، قال سفيان مرة في جيش‏)‏ وسمى ابن إسحاق هذه الغزوة غزوة بني المصطلق، وكذا وقع عند الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان قال‏:‏ يرون أن هذه الغزاة غزاة بني المصطلق، وكذا في مرسل عروة الذي سأذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكسع رجل‏)‏ الكسع يأتي تفسيره بعد باب، والمشهور فيه أنه ضرب الدبر باليد أو بالرجل‏.‏

ووقع عند الطبري من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن جابر ‏"‏ أن رجلا من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار برجله ‏"‏ وذلك عند أهل اليمن شديد، والرجل المهاجري هو جهجاه بن قيس - ويقال ابن سعيد - الغفاري، وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه، والرجل الأنصاري هو سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار‏.‏

وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا أن الأنصاري كان حليفا لهم من جهينة، وأن المهاجري كان من غفار، وسماهما ابن إسحاق في المغازي عن شيوخه‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عقيل عن الزهري عن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت أنهما أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة المريسيع وهي التي هدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلل وبين البحر فاقتتل رجلان فاستعلى المهاجري على الأنصاري، فقال حليف الأنصار‏:‏ يا معشر الأنصار، فتداعوا إلى أن حجز بينهم، فانكفأ كل منافق إلى عبد الله بن أبي فقالوا‏:‏ كنت ترجي وتدفع، فصرت لا تضر ولا تنفع، فقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكر القصة بطولها، وهو مرسل جيد‏.‏

واتفقت هذه الطرق على أن المهاجري واحد‏.‏

ووقع في حديث أبي الزبير عن جابر عند مسلم ‏"‏ اقتتل غلامان من المهاجرين وغلام من الأنصار، فنادى المهاجري‏:‏ يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري‏:‏ يا للأنصار، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏ أدعوى الجاهلية، قالوا‏:‏ لا، إن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر، فقال‏:‏ لا بأس، ولينصرن الرجل أخاه ظالما أو مظلوما ‏"‏ الحديث‏.‏

ويمكن تأويل هذه الرواية بأن قوله ‏"‏ من المهاجرين ‏"‏ بيان لأحد الغلامين، والتقدير اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فحذف لفظ غلام من الأول ويؤيده قوله في بقية الخبر ‏"‏ فقال المهاجري ‏"‏ فأفرده، فتتوافق الروايات‏.‏

ويستفاد من قوله ‏"‏ لا بأس ‏"‏ جواز القول المذكور بالقصد المذكور والتفصيل المبين، لا على ما كانوا عليه في الجاهلية من نصرة من يكون من القبيلة مطلقا، وقد تقدم شرح قوله ‏"‏ انصر أخاك ظالما أو مظلوما ‏"‏ مستوفى في ‏"‏ باب أعن أخاك ‏"‏ من كتاب المظالم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا للأنصار‏)‏ بفتح اللام وهي للاستغاثة أي أغيثوني، وكذا قول الآخر يا للمهاجرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دعوها فإنها منتنة‏)‏ أي دعوة الجاهلية‏.‏

وأبعد من قال المراد الكسعة‏.‏

ومنتنة بضم الميم وسكون النون وكسر المثناة من النتن أي أنها كلمة قبيحة خبيثة، وكذا ثبتت في بعض الروايات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعلوها‏)‏ ‏؟‏ هو استفهام بحذف الأداة أي افعلوها أي الأثرة أي شركناهم فيما نحن فيه فأرادوا الاستبداد به علينا‏.‏

وفي مرسل قتادة ‏"‏ فقال رجل منهم عظيم النفاق‏:‏ ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل‏:‏ سمن كلبك يأكلك ‏"‏ وعند ابن إسحاق‏:‏ فقال عبد الله بن أبي أقد فعلوها‏؟‏ نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما مثلنا وجلاليب قريش هذه إلا كما قال القائل‏:‏ سمن كلبك يأكلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام عمر فقال‏:‏ يا رسول الله دعني أضرب عنقه‏)‏ في مرسل قتادة ‏"‏ فقال عمر‏:‏ مر معاذا أن يضرب عنقه ‏"‏ وإنما قال ذلك لأن معاذا لم يكن من قومه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه‏)‏ أي أتباعه، ويجوز في ‏"‏ يتحدث ‏"‏ الرفع على الاستئناف والكسر على جواب الأمر‏.‏

وفي مرسل قتادة ‏"‏ فقال لا والله لا يتحدث الناس ‏"‏ زاد ابن إسحاق ‏"‏ فقال مر به معاذ بن بشر بن وقش فليقتله، فقال‏:‏ لا ولكن أذن بالرحيل، فراح في ساعة ما كان يرحل فيها، فلقيه أسيد بن حضير فسأله عن ذلك فأخبره فقال‏:‏ فأنت يا رسول الله الأعز وهو الأذل‏"‏‏.‏

قال وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ بلغني أنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فقال بل ترفق به وتحسن صحبته‏.‏

قال فكان بعد ذلك إذا أحدث الحديث كان قومه هم الذين ينكرون عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر‏:‏ كيف ترى ‏"‏‏؟‏ ووقع في مرسل عكرمة عند الطبري ‏"‏ أن عبد الله بن عبد الله بن أبي قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن والدي يؤذي الله ورسوله، فذرني حتى أقتله، قال لا تقتل أباك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم إن المهاجرين كثروا بعد‏)‏ هذا مما يؤيد تقدم القصة، ويوضح وهم من قال إنها كانت بتبوك لأن المهاجرين حينئذ كانوا كثيرا جدا، وقد انضافت إليهم مسلمة الفتح في غزوة تبوك فكانوا حينئذ أكثر من الأنصار‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا يَنْفَضُّوا يَتَفَرَّقُوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله هم الذين يقولون لا تنفقوا علي من عند رسول الله حتى ينفضوا‏)‏ كذا لهم وزاد أبو ذر ‏"‏ الآية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينفضوا يتفرقوا‏)‏ سقط هذا لأبي ذر، قال أبو عبيد في قوله‏:‏ ‏(‏حتى ينفضوا‏)‏ حتى يتفرقوا‏.‏

ووقع في رواية زهير سبب قول عبد الله بن أبي ذلك وهو قوله ‏"‏ خرجنا في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله ابن أبي لا تنفقوا الآية ‏"‏ فالذي يظهر أن قوله ‏"‏ لا تنفقوا ‏"‏ كان سببه الشدة التي أصابتهم، وقوله ‏"‏ليخرجن الأعز منها الأذل ‏"‏ سببه مخاصمة المهاجري والأنصاري كما تقدم في حديث جابر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الكسع أن تضرب بيدك على شيء أو برجلك، ويكون أيضا إذا رميته بسوء‏)‏ كذا لأبي ذر عن الكشميهني وحده، وحق هذا أن يذكر قبل الباب، أو في الباب الذي يليه، لأن الكسع إنما وقع في حديث جابر‏.‏

قال ابن التين‏:‏ الكسع أن تضرب بيدك على دبر شيء أو برجلك‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ أن تضرب عجز إنسان بقدمك‏.‏

وقيل الضرب بالسيف على المؤخر‏.‏

وقال ابن القطاع‏:‏ كسع القوم ضرب أدبارهم بالسيف، وكسع الرجل ضرب دبره بظهر قدمه، وكذا إذا تكلم فأثر كلامه بما ساءه ونحوه في ‏"‏ تهذيب الأزهري‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ لَهُ بِأُذُنِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل بن عبد الله‏)‏ هو ابن أبي أويس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الله بن الفضل‏)‏ أي ابن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، تابعي صغير مدني ثقة ماله في البخاري عن أنس إلا هذا الحديث، وهو من أقران موسى بن عقبة الراوي عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حزنت على من أصيب بالحرة‏)‏ هو بكسر الزاي من الحزن، زاد الإسماعيلي من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة ‏"‏ من قومي ‏"‏ وكانت وقعة الحرة في سنة ثلاث وستين، وسببها أن أهل المدينة خلعوا بيعة يزيد ابن معاوية لما بلغهم ما يتعمده من الفساد فأمر الأنصار عليهم عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر وأمر المهاجرون عليهم عبد الله بن مطيع العدوي، وأرسل إليهم يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش كثير فهزمهم واستباحوا المدينة وقتلوا ابن حنظلة وقتل من الأنصار شيء كثير جدا، وكان أنس يومئذ بالبصرة فبلغه ذلك فحزن على من أصيب من الأنصار، فكتب إليه زيد بن أرقم وكان يومئذ بالكوفة يسليه، ومحصل ذلك أن الذي يصير إلى مغفرة الله لا يشتد الحزن عليه، فكان ذلك تعزية لأنس فيهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وشك ابن الفضل في أبناء أبناء الأنصار‏)‏ رواه النضر بن أنس عن زيد بن أرقم مرفوعا ‏"‏ اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار ‏"‏ أخرجه مسلم من طريق قتادة عنه من غير شك‏.‏

وللترمذي من رواية علي بن زيد عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم أنه كتب إلى أنس بن مالك يعزيه فيمن أصيب من أهله وبني عمه يوم الحرة، فكتب إليه‏:‏ إني أبشرك ببشرى من الله أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ اللهم اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذراريهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسأل أنسا بعض من كان عنده‏)‏ هذا السائل لم أعرف اسمه، ويحتمل أن يكون النضر بن أنس فإنه روى حديث الباب عن زيد بن أرقم كما ترى، وزعم ابن التين أنه وقع عند القابسي‏:‏ فسأل أنس بعض بالنصب وأنس بالرفع على أنه الفاعل، والأول هو الصواب، قال القابسي‏:‏ الصواب أن المسئول أنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوفى الله له بأذنه‏)‏ أي بسمعه، وهو بضم الهمزة والذال المعجمة ويجوز فتحهما، أي أظهر صدقه فيما أعلم به، والمعنى أوفى صدقه‏.‏

وقد تقدم في الكلام على حديث جابر أن في مرسل الحسن ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بأذنه فقال‏:‏ وفي الله بأذنك يا غلام ‏"‏ كأنه جعل أذنه ضامنة بتصديق ما ذكرت أنها سمعت، فلما نزل القرآن بتصديقه صارت كأنها وافية بضمانها‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية الإسماعيلي في آخر هذا الحديث من رواية محمد بن فليح عن موسى بن عقبة ‏"‏ قال ابن شهاب سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب‏:‏ لئن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير، فقال زيد‏:‏ قد والله صدق، ولأنت شر من الحمار‏.‏

ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجحده القائل، فأنزل الله على رسوله ‏(‏يحلفون بالله ما قالوا‏)‏ الآية، فكان مما أنزل الله في هذه الآية تصديقا لزيد انتهى‏.‏

وهذا مرسل جيد‏.‏

وكأن البخاري حذفه لكونه على غير شرطه، ولا مانع من نزول الآيتين في القصتين في تصديق زيد

*3*باب قَوْلُهُ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ

وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية إلى ‏(‏يعلمون‏)‏ ‏.‏

ذكر فيه حديث جابر الماضي، وقد تقدم شرحه قبل بباب، ولعله أشار بالترجمة إلى ما وقع في آخر الحديث المذكور، فإن الترمذي لما أخرجه عن ابن أبي عمر عن أبي سفيان بإسناد حديث الباب قال في آخره ‏"‏ وقال غير عمرو‏:‏ فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي‏:‏ والله لا ينقلب أبي إلى المدينة حتى تقول إنك أنت الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز، ففعل ‏"‏ وهذه الزيادة أخرجها ابن إسحاق في المغازي عن شيوخه، وذكرها أيضا الطبري من طريق عكرمة

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمَّعَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ قَالَ جَابِرٌ وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ ثُمَّ كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَوَقَدْ فَعَلُوا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية إلى ‏(‏يعلمون‏)‏ ‏.‏

ذكر فيه حديث جابر الماضي، وقد تقدم شرحه قبل بباب، ولعله أشار بالترجمة إلى ما وقع في آخر الحديث المذكور، فإن الترمذي لما أخرجه عن ابن أبي عمر عن أبي سفيان بإسناد حديث الباب قال في آخره ‏"‏ وقال غير عمرو‏:‏ فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي‏:‏ والله لا ينقلب أبي إلى المدينة حتى تقول إنك أنت الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز، ففعل ‏"‏ وهذه الزيادة أخرجها ابن إسحاق في المغازي عن شيوخه، وذكرها أيضا الطبري من طريق عكرمة

*3*سورة التَّغَابُنِ

وَقَالَ عَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ هُوَ الَّذِي إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ رَضِيَ وَعَرَفَ أَنَّهَا مِنْ اللَّهِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ التَّغَابُنُ غَبْنُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة التغابن والطلاق‏)‏ كذا لأبي ذر، ولم يذكر غيره ‏"‏ والطلاق ‏"‏ بلى اقتصروا على التغابن وأفردوا الطلاق بترجمة، وهو الأليق لمناسبة ما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال علقمة عن عبد الله‏:‏ ومن يؤمن بالله يهد قلبه إلخ‏)‏ أي يهتدي إلى التسليم فيصبر ويشكر‏.‏

وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن عيينة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن علقمة مثله، لكن لم يذكر ابن مسعود‏.‏

وكذا أخرجه الفريابي عن الثوري وعبد بن حميد عن عمر بن سعد عن الثوري عن الأعمش، والطبري من طريق عن الأعمش، نعم أخرجه البرقاني من وجه آخر فقال ‏"‏ عن علقمة قال‏:‏ شهدنا عنده - يعني عند عبد الله - عرض المصاحف، فأتى على هذه الآية ‏(‏ومن يؤمن بالله يهد قلبه‏)‏ قال‏:‏ هي المصيبات تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيسلم ويرضى ‏"‏ وعند الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ المعنى يهدي قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد التغابن غبن أهل الجنة أهل النار‏)‏ كذا لأبي ذر عن الحموي وحده وقد وصله الفريابي وعبد بن حميد من طريق مجاهد وغبن بفتح المعجمة والموحدة وللطبري من طريق شعبة عن قتادة يوم التغابن يوم غبن أهل النار أي لكون أهل الجنة بايعوا على الإسلام بالجنة فربحوا وأهل النار امتنعوا من الإسلام فخسروا، فشبهوا بالمتبايعين يغبن أحدهما الآخر في بيعه، ويؤيد ذلك ما سيأتي في الرقاق من طريق الأعرج عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ لا يدخل أحد الجنة إلا أرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، ولا يدخل أحد النار إلا أرى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة‏"‏‏.‏