فصل: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلِهِ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ

إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ

إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ‏(‏سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم‏)‏ الآية‏)‏ سقط ‏(‏لكم‏)‏ من رواية الأصيلي والصواب إثباتها‏.‏

ثم ذكر فيه طرفا من حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته يتعلق بالترجمة، وقوله فيه ‏"‏ ما أنعم الله علي من نعمة ‏"‏ كذا للأكثر وللمستملي وحده ‏"‏ على عبد نعمة ‏"‏ والأول هو الصواب، وقد سبق شرح الحديث بطوله في كتاب المغازي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ وَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي أَعْظَمَ مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أُنْزِلَ الْوَحْيُ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ إِلَى قَوْلِهِ الْفَاسِقِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ‏(‏سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم‏)‏ الآية‏)‏ سقط ‏(‏لكم‏)‏ من رواية الأصيلي والصواب إثباتها‏.‏

ثم ذكر فيه طرفا من حديث كعب بن مالك الطويل في قصة توبته يتعلق بالترجمة، وقوله فيه ‏"‏ ما أنعم الله علي من نعمة ‏"‏ كذا للأكثر وللمستملي وحده ‏"‏ على عبد نعمة ‏"‏ والأول هو الصواب، وقد سبق شرح الحديث بطوله في كتاب المغازي‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ

خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ‏(‏وآخرون اعترفوا بذنوبهم‏)‏ الآية كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية إلى ‏(‏رحيم‏)‏ وذكر فيه طرفا من حديث سمرة بن جندب في المنام الطويل، وسيأتي بتمامه مع شرحه في التعبير‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ هُوَ ابْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَابْتَعَثَانِي فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَا لَهُمْ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالَا لِي هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَا أَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مؤمل‏)‏ زاد في رواية الأصيلي وغيره ‏"‏ هو ابن هشام ‏"‏ وإسماعيل بن إبراهيم هو المعروف بابن علية‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ كانوا شطر منهم حسن ‏"‏ قيل الصواب ‏"‏ حسنا ‏"‏ لأنه خبر كان، وخرجوه على أن كان تامة وشطر وحسن مبتدأ وخبره‏.‏

*3*بَاب قَوْلِهِ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَنَزَلَتْ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

الشرح‏:‏

ذكر فيه حديث سعيد بن المسيب عن أبيه في قصة وفاة أبي طالب، وقد سبق شرحه في كتاب الجنائز، ويأتي الإلمام بشيء منه في تفسير القصص إن شاء الله تعالى‏.‏

في كتاب الجنائز، ويأتي الإلمام بشيء منه في تفسير القصص إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ

الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ تَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ‏(‏لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار‏)‏ الآية‏)‏ كذا لأبي ذر وساق غيره الآية إلى ‏(‏رحيم‏)‏ ذكر فيه طرفا من حديث كعب الطويل في قصة توبته‏.‏

وقد سبق شرحه مستوفى في كتاب المغازي، والقدر الذي اقتصر عليه هنا أيضا في الوصايا، وقوله هنا ‏"‏ حدثنا أحمد بن صالح حدثني ابن وهب أخبرني يونس‏.‏

قال أحمد وحدثنا عنبسة حدثنا يونس ‏"‏ مراده أن أحمد بن صالح روى هذا الحديث عن شيخين عن يونس، لكن فرقهما لاختلاف الصيغة‏.‏

ثم إن ظاهره أن السند عنهما متحد، ليس كذلك لأن في رواية ابن وهب أن شيخ ابن شهاب هنا هو عبد الرحمن بن كعب كما في رواية عنبسة، وليس كذلك بل هو في رواية ابن وهب عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، كذلك أخرجه النسائي عن سليمان بن داود المهري عن ابن وهب، ولعل البخاري بناه على أن عبد الرحمن نسب لجده فتتحد الروايتان نبه على ذلك الحافظ أبو علي الصدفي فيما قرأته بخطه بهامش نسخته‏.‏

قلت‏:‏ قد أفرد البخاري رواية ابن وهب بهذا الإسناد في النذر، فوقع في رواية أبي ذر ‏"‏ عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ‏"‏ وإنما أخرج النسائي بعض الحديث، وقد وجدت بعض الحديث أيضا في سنن أبي داود عن سليمان بن دواد شيخ البخاري فيه كما في النسائي، وعن أبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب كذلك‏.‏

*3*باب وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا

حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، ساق غيره إلى ‏(‏الرحيم‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ وَغَزْوَةِ بَدْرٍ قَالَ فَأَجْمَعْتُ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى وَكَانَ قَلَّمَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ سَافَرَهُ إِلَّا ضُحًى وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِي وَكَلَامِ صَاحِبَيَّ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ غَيْرِنَا فَاجْتَنَبَ النَّاسُ كَلَامَنَا فَلَبِثْتُ كَذَلِكَ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ الْأَمْرُ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَمُوتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُونَ مِنْ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا يُصَلِّي وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الْآخِرُ مِنْ اللَّيْلِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي مَعْنِيَّةً فِي أَمْرِي

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى كَعْبٍ قَالَتْ أَفَلَا أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ قَالَ إِذًا يَحْطِمَكُمْ النَّاسُ فَيَمْنَعُونَكُمْ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ آذَنَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَكَانَ إِذَا اسْتَبْشَرَ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنْ الْقَمَرِ وَكُنَّا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا عَنْ الْأَمْرِ الَّذِي قُبِلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ لَنَا التَّوْبَةَ فَلَمَّا ذُكِرَ الَّذِينَ كَذَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ وَاعْتَذَرُوا بِالْبَاطِلِ ذُكِرُوا بِشَرِّ مَا ذُكِرَ بِهِ أَحَدٌ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد حدثنا أحمد بن أبي شعيب‏)‏ كذا للأكثر، وسقط محمد من رواية ابن السكن فصار للبخاري عن أحمد بن أبي شعيب بلا واسطة، وعلى قول الأكثر فاختلف في محمد فقال الحاكم هو محمد بن النضر النيسابوري، يعني الذي تقدم ذكره في تفسير الأنفال‏.‏

وقال مرة هو محمد بن إبراهيم البوشنجي لأن هذا الحديث وقع له من طريقه‏.‏

وقال أبو علي الغساني‏:‏ هو الذهلي، وأيد ذلك أن الحديث في ‏"‏ علل حديث الزهري للذهلي ‏"‏ عن أحمد بن أبي شعيب، والبخاري يستمد منه كثيرا، وهو يهمل نسبه غالبا‏.‏

وأما أحمد بن أبي شعيب فهو الحراني نسبه المؤلف إلى جده، واسم أبيه عبد الله بن مسلم وأبو شعيب كنية مسلم لا كنية عبد الله وكنية أحمد أبو الحسن، وهو ثقة باتفاق وليس له في البخاري سوى هذا الموضع‏.‏

ثم ذكر المصنف قطعا من قصة توبة كعب بن مالك، وقد تقدم شرحه مستوفى في المغازي‏.‏

وقوله ‏"‏فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي علي ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ولا يسلم ‏"‏ وحكى عياض أنه وقع لبعض الرواة ‏"‏ فلا يكلمني أحد منهم ولا يسلمني ‏"‏ واستبعده لأن المعروف أن السلام إنما يتعدى بحرف جر، وقد يوجه بأن يكون اتباعا، أو يرجع إلى قول من فسر السلام بأن معناه أنت مسلم مني‏.‏

وقوله ‏"‏وكانت أم سلمة معنية في أمري ‏"‏ كذا للأكثر بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون بعدها تحتانية ثقيلة من الاعتناء‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ معينة ‏"‏ بضم الميم وكسر العين وسكون التحتانية بعدها نون من العون‏.‏

والأول أنسب‏.‏

وقوله ‏"‏يحطمكم ‏"‏ في رواية أبي ذر عن الكشميهني والمستملي ‏"‏ يخطفكم‏"‏

*3*باب يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏)‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْلَاهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَى قَوْلِهِ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ

الشرح‏:‏

ذكر فيه طرفا مختصرا من قصة توبة كعب أيضا‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ

عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ مِنْ الرَّأْفَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ ‏(‏لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم‏)‏ الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى ‏(‏رءوف رحيم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الرأفة‏)‏ ثبت هذا لغير أبي ذر، وهو كلام أبي عبيد، قال في قوله تعالى ‏(‏إن الله بالناس لرءوف رحيم‏)‏ هو فعول من الرأفة، وهي أشد الرحمة

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ إِلَى آخِرِهِمَا وَكَانَتْ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَاللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَقَالَ مُوسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ وَتَابَعَهُ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ أَبُو ثَابِتٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني ابن السباق‏)‏ بمهملة وتشديد الموحدة، اسمه عبيد، وسيأتي شرح الحديث مستوفى في فضائل القرآن، وتقدم في أوائل الجهاد التنبيه على اختلاف عبيد بن السباق وخارجة بن زيد في تعيين الآية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عثمان بن عمر والليث بن سعد عن يونس عن ابن شهاب‏)‏ أما متابعة عثمان بن عمر فوصلها أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه، وأما متابعة الليث عن يونس فوصلها المؤلف في فضائل القرآن وفي التوحيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب وقال‏:‏ مع أبي خزيمة‏)‏ يريد أن الليث فيه شيخا آخر عن ابن شهاب، وأنه رواه عنه بإسناده المذكور لكن خالف في قوله ‏"‏ مع خزيمة الأنصاري ‏"‏ فقال ‏"‏ مع أبي خزيمة ‏"‏ ورواية الليث هذه وصلها أبو القاسم البغوي في ‏"‏ معجم الصحابة ‏"‏ من طريق أبي صالح كاتب الليث عنه به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال موسى عن إبراهيم حدثنا ابن شهاب وقال مع أبي خزيمة، وتابعه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه‏)‏ أما موسى فهو ابن إسماعيل، وأما إبراهيم فهو ابن سعد، ويعقوب هو ولده، ومتابعة موسى وصلها المؤلف في فضائل القرآن‏.‏

وقال في آية التوبة ‏"‏ مع أبي خزيمة ‏"‏ وفي آية الأحزاب ‏"‏ مع خزيمة بن ثابت الأنصاري ‏"‏ ومما ننبه عليه أن آية التوبة وجدها زيد بن ثابت لما جمع القرآن في عهد أبي بكر، وآية الأحزاب وجدها لما نسخ المصاحف في عهد عثمان، وسيأتي بيان ذلك واضحا في فضائل القرآن‏.‏

وأما رواية يعقوب بن إبراهيم فوصلها أبو بكر بن أبي داود في ‏"‏ كتاب المصاحف ‏"‏ من طريقه، وكذا أخرجها أبو يعلى من هذا الوجه لكن باختصار، ورواها الذهلي في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ عنه لكن قال ‏"‏ مع خزيمة ‏"‏ وكذا أخرجه الجوزقي من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو ثابت حدثنا إبراهيم وقال‏:‏ مع خزيمة أو أبي خزيمة‏)‏ فأما أبو ثابت فهو محمد بن عبيد الله المدني، وأما إبراهيم فهو ابن سعد، ومراده أن أصحاب إبراهيم بن سعد اختلفوا فقال بعضهم ‏"‏ مع أبي خزيمة ‏"‏ وقال بعضهم ‏"‏ مع خزيمة ‏"‏ وشك بعضهم والتحقيق ما قدمناه عن موسى بن إسماعيل أن آية التوبة مع أبي خزيمة آية الأحزاب مع خزيمة وستكون لنا عودة إلى تحقيق هذا في تفسير سورة الأحزاب إن شاء الله تعالى‏.‏

ورواية أبي ثابت المذكورة وصلها المؤلف في الأحكام بالشك كما قال‏.‏

*3*سورة يُونُسَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - سورة يونس‏)‏ أخر أبو ذر البسملة‏.‏

*3*باب وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ

فَنَبَتَ بِالْمَاءِ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ وَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ خَيْرٌ يُقَالُ تِلْكَ آيَاتُ يَعْنِي هَذِهِ أَعْلَامُ الْقُرْآنِ وَمِثْلُهُ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ الْمَعْنَى بِكُمْ يُقَالُ دَعْوَاهُمْ دُعَاؤُهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَنَوْا مِنْ الْهَلَكَةِ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَاتَّبَعَهُمْ وَأَتْبَعَهُمْ وَاحِدٌ عَدْوًا مِنْ الْعُدْوَانِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ اللَّهُمَّ لَا تُبَارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ لَأُهْلِكُ مَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ وَلَأَمَاتَهُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى مِثْلُهَا حُسْنَى وَزِيَادَةٌ مَغْفِرَةٌ وَرِضْوَانٌ وَقَالَ غَيْرُهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ الْكِبْرِيَاءُ الْمُلْكُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس فاختلط فنبت بالماء من كل لون‏)‏ وصله ابن جرير من طريق آخر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض‏)‏ قال‏:‏ اختلط فنبت بالماء كل لون مما يأكل الناس كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني‏)‏ كذا ثبت هذا لغير أبي ذر ترجمة خالية من الحديث، ولم أر في هذه الآية حديثا مسندا، ولعله أراد أن يخرج فيها طريقا للحديث الذي في التوحيد مما يتعلق بذم من زعم ذلك فبيض له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال زيد بن أسلم ‏(‏أن لهم قدم صدق عند ربهم‏)‏ محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال مجاهد خير‏)‏ أما قول زيد بن أسلم فوصله ابن جرير من طريق ابن عيينة عنه بهذا الحديث، وهو في تفسير ابن عيينة ‏"‏ أخبرت عن زيد بن أسلم ‏"‏ وأخرج الطبري من طريق الحسن وقتادة قال ‏"‏ محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم ‏"‏ وهذا وصله ابن مردويه من حديث علي ومن حديث أبي سعيد بإسنادين ضعيفين، وأما قول مجاهد فوصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ‏(‏وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق‏)‏ قال‏:‏ خير‏.‏

وروى ابن جرير من وجه عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏قدم صدق‏)‏ قال‏:‏ صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم، ولا تنافي بين القولين‏.‏

ومن طريق الربيع بن أنس ‏(‏قدم صدق‏)‏ أي ثواب صدق‏.‏

ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏أن لهم قدم صدق‏)‏ قال سبقت لهم السعادة في الذكر الأول، ورجح ابن جرير قول مجاهد ومن تبعه العرب لفلان قدم صدق في كذا أي قدم فيه خير، أو قدم سوء في كذا أي قدم فيه شر‏.‏

وجزم أبو عبيدة بأن المراد بالقدم السابقة‏.‏

وروى الحاكم من طريق أنس عن أبي بن كعب في قوله‏:‏ ‏(‏قدم صدق‏)‏ قال سلف صدق، وإسناده حسن‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر عياض أنه وقع في رواية أبي ذر ‏"‏ وقال مجاهد بن جبير ‏"‏ قال وهو خطأ‏.‏

قلت لم أره في النسخة التي وقعت لنا من رواية أبي ذر إلا على الصواب كما قدمته، ذكر ابن التين أنها وقعت كذلك في رواية الشيخ أبي الحسن يعني القابسي، ومجاهد بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة، لكن المراد هنا أنه فسر القدم بالخير ولو كان وقع بزيادة ابن مع التصحيف لكان عاريا عن ذكر القول المنسوب لمجاهد في تفسير القدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقال تلك آيات يعني هذه أعلام القرآن ومثله ‏(‏حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم‏)‏ المعنى بكم‏)‏ هذا وقع لغير أبي ذر، وسيأتي للجميع في التوحيد‏.‏

وقائل ذلك هو أبو عبيدة بن المثنى، وفي تفسير السدي آيات الكتاب الأعلام، والجامع بينهما أن في كل منهما صرف الخطاب عن الغيبة إلى الحضور وعكسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دعواهم دعاؤهم‏)‏ هو قول أبي عبيدة، قاله في معنى قوله‏:‏ ‏(‏دعواهم فيها سبحانك اللهم‏)‏ وروى الطبري من طريق الثوري قال في قوله ‏"‏ دعواهم فيها قال‏:‏ إذا أرادوا الشيء قالوا اللهم فيأتيهم ما دعوا به، ومن طريق ابن جريج قال‏:‏ أخبرت، فذكر نحوه وسياقه أتم، وكل هذا يؤيد أن معنى ‏(‏دعواهم‏)‏ دعاؤهم لأن اللهم معناها يا الله أو معنى الدعوى العبادة أي كلامهم في الجنة هذا اللفظ بعينه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحيط بهم دنوا من الهلكة، أحاطت به خطيئته‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏وظنوا أنهم أحيط بهم‏)‏ أي دنوا للهلكة، يقال قد أحيط به أي أنه لهالك انتهى‏.‏

وكأنه من إحاطة العدو بالقوم، فإن ذلك يكون سببا للهلاك غالبا لجعل كناية عنه، ولها أردفه المصنف بقوله‏:‏ ‏(‏أحاطت به خطيئته‏)‏ إشارة إلى ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد ‏(‏ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير‏)‏ قوله الإنسان لولده وماله إذا غضب‏:‏ اللهم لا تبارك فيه والعنه‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏لقضى إليهم أجلهم أي لأهلك من دعى عليه ولأماته‏)‏ هكذا وصله الفريابي وعبد بن حميد وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في تفسير هذه الآية، ورواه الطبري بلفظ مختصر قال‏:‏ فلو يعجل الله لهم الاستجابة في ذلك كما يستجاب في الخير لأهلكهم‏.‏

ومن طريق قتادة قال‏:‏ هو دعاء الإنسان على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له، انتهى‏.‏

وقد ورد في النهي عن ذلك حديث مرفوع أخرجه مسلم في أثناء حديث طويل وأفرده أبو داود من طريق عبادة بن الوليد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولاكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏للذين أحسنوا الحسنى مثلها حسنى وزيادة مغفرة ورضوان‏)‏ هو قول مجاهد، وصله الفريابي وعبد وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره النظر إلى وجهه‏)‏ ثبت هذا لأبي ذر وأبي الوقت خاصة، والمراد بالغير هنا فيما أظن قتادة، فقد أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه قال‏:‏ الحسنى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن، وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏.‏

الحسنى الجنة، والزيادة فيما بلغنا النظر إلى وجه الله‏.‏

ولسعيد ابن منصور من طريق عبد الرحمن بن سابط مثله موقوفا أيضا‏.‏

ولعبد بن حميد عن الحسن مثله‏.‏

وله عن عكرمة قال ‏(‏للذين أحسنوا‏)‏ قالوا لا إله إلا الله، الحسنى الجنة، وزيادة النظر إلى وجه الله الكريم‏.‏

وقد ورد ذلك في حديث مرفوع أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا إن لكم عند الله وعدا فيقولون ألم يبيض وجوهنا ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة‏؟‏ قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم منه ‏"‏ ثم قرأ ‏(‏للذين أحسنوا الحسنى وزيادة‏)‏ قال الترمذي‏:‏ إنما أسنده حماد ابن سلمة ورواه سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى‏.‏

قلت‏:‏ وكذا قال معمر، أخرجه عبد الرزاق عنه، وحماد بن زيد عن ثابت أخرجه الطبري، وأخرجه أيضا من طريق أبي موسى الأشعري نحوه موقوفا عليه، ومن طريق كعب بن عجرة مرفوعا قال‏:‏ الزيادة النظر إلى وجه الرب، ولكن في إسناده ضعف، ومن تحديث حذيفة موقوفا مثله، ومن طريق أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي سعد عن أبي بكر الصديق مثله وصله قيس بن الربيع وإسرائيل عنه، ووقفه سفيان وشعبة وشريك على عامر بن سعد‏.‏

وجاء في تفسير الزيادة أقوال أخر‏:‏ منها قول علقمة والحسن إن الزيادة التضعيف، ومنها قول علي‏:‏ إن الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب أخرج جميع ذلك الطبري‏.‏

وأخرج عبد بن حميد رواية حذيفة ورواية أبي بكر من طريق إسرائيل أيضا، وأشار الطبري إلى أنه لا تعارض بين هذه الأقوال لأن الزيادة تحتمل كلا منها، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الكبرياء الملك‏)‏ هو قول مجاهد وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه‏.‏

وقال الفراء ‏"‏ قوله وتكون لكما الكبرياء في الأرض ‏"‏ لأن النبي إذا صدق صارت مقاليد أمته وملكهم إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاتبعهم وأتبعهم واحد‏)‏ يعني بهمزة القطع والتشديد، وبالثاني قرأ الحسن‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ فأتبعهم مثل تبعهم بمعنى واحد، وهو كردفته وأردفته بمعنى، وعن الأصمعي‏:‏ المهموز بمعنى أدرك، وغير المهموز بمعنى مضى وراءه أدركه أو لم يدركه، وقيل اتبعه بالتشديد في الأمر اقتدى به وأتبعه بالهمز تلاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عدوا من العدوان‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا، وهو وما قبله نعتان منصوبان على أنهما مصدران أو على الحال أي باغين متعدين، ويجوز أن يكونا مفعولين أي لأجل البغي والعدوان، وقرأ الحسن بتشديد الواو وضم أوله‏.‏

*3*باب وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ

فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ نُنَجِّيكَ نُلْقِيكَ عَلَى نَجْوَةٍ مِنْ الْأَرْضِ وَهُوَ النَّشَزُ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وجاوزنا ببني إسرائيل البحر‏)‏ سقط للأكثر ‏"‏ باب ‏"‏ وساقوا الآية إلى ‏(‏من المسلمين‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ننجيك نلقيك على نجوة من الأرض، وهو النشز، المكان المرتفع‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏فاليوم ننجيك ببدنك‏)‏ أي نلقيك على نجوة أي ارتفاع ا هـ، والنجوة هي الربوة المرتفعة وجمعها نجا بكسر النون والقصر، وليس قوله ننجيك من النجاة بمعنى السلامة، وقد قيل هو بمعناها والمراد مما وقع فيه قومك من قعر البحر، وقيل هو وقد قرأ ابن مسعود وابن السميع وغيرهما ‏(‏ننحيك‏)‏ بالتشديد والحاء المهملة أي نلقيك بناحية، وورد سبب ذلك فيما أخرجه عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي السليل عن قيس بن عباد أو غيره قال‏:‏ قلا بنو إسرائيل لم يمت فرعون فأخرجه الله إليهم ينظرون إليه كالثور الأحمر، وهذا موقوف رجاله ثقات‏.‏

وعن معمر عن قتادة قال‏:‏ لما أغرق الله فرعون لم يصدق طائفة من الناس بذلك فأخرجه الله ليكون لهم عظة وآية‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال‏:‏ فلما خرج موسى وأصحابه قال من تخلف من قوم فرعون‏:‏ ما غرق فرعون وقومه، ولكنهم في جزائر البحر يتصيدون‏.‏

فأوحى الله إلى البحر أن لفظ فرعون عريانا، فلفظه عريانا أصلع أخنس قصيرا، فهو قوله‏:‏ ‏(‏فاليوم ننجيك ببدنك‏)‏ ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ‏(‏ببدنك‏)‏ قال بجسدك‏.‏

ومن طريق أبي صخر المدني قال‏:‏ البدن الدرع الذي كان عليه‏.‏

ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس في صيام عاشوراء وقد تقدم شرحه في الصيام، ومناسبته للترجمة قوله في بعض طرقه‏:‏ ذاك يوم نجى فيه موسى وأغرق فرعون‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوا

الشرح‏:‏

ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس في صيام عاشوراء وقد تقدم شرحه في الصيام، ومناسبته للترجمة قوله في بعض طرقه‏:‏ ذاك يوم نجى فيه موسى وأغرق فرعون‏.‏

*3*سورة هُودٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة براءة‏)‏ هي سورة التوبة وهي أشهر أسمائها، ولها أسماء أخرى تزيد على العشرة، واختلف في ترك البسملة أولها فقيل لأنها نزلت بالسيف والبسملة أمان، وقيل لأنهم لما جمعوا القرآن شكوا هل هي والأنفال واحدة أو ثنتان ففصلوا بينهما بسطر لا كتابة فيه ولم يكتبوا فيه البسملة‏.‏

وروى ذلك ابن عباس عن عثمان وهو المعتمد، وأخرجه أحمد والحاكم وبعض أصحاب السنن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرصد طريق‏)‏ كذا في بعض النسخ، وسقط للأكثر وهو قول أبو عبيدة قال في قوله تعالى ‏(‏واقعدوا لهم كل مرصد‏)‏ أي كل طريق، والمراصد الطرق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا‏:‏ الإل القرابة والذمة والعهد‏)‏ تقدم في الجزية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليجة‏:‏ كل شيء أدخلته في شيء‏)‏ تقدم في بدء الخلق وسقط هو والذي قبله لأبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الشقة السفر‏)‏ هو كلام أبي عبيدة وزاد ‏"‏ البعيد ‏"‏ وقيل الشقة الأرض التي يشق سلوكها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخبال الفساد‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏ما زادوكم إلا خبالا‏)‏ ‏:‏ الخبال الفساد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والخبال الموت‏)‏ كذا لهم والصواب الموتة بضم الميم وزيادة هاء في آخره وهو ضرب من الجنون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تفتني لا توبخني‏)‏ كذا للأكثر بالموحدة والخاء المعجمة من التوبيخ، وللمستملي والجرجاني ‏"‏ توهني ‏"‏ بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف، ولابن السكن ‏"‏ تؤثمني ‏"‏ بمثلثة ثقيلة وميم ساكنة من الإثم، قال عياض وهو الصواب، وهي الثابتة في كلام أبي عبيدة الذي يكثر المصنف النقل عنه، وأخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏ولا تفتني‏)‏ قال‏:‏ لا تؤثمني ‏(‏ألا في الفتنة سقطوا‏)‏ ألا في الإثم سقطوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كرها وكرها واحد‏)‏ أي بالضم والفتح وهو كلام أبي عبيدة أيضا، وسقط لأبي ذر، وبالضم قرأ الكوفيون حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي والباقون بالفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مدخلا يدخلون فيه‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏ملجأ يلجئون إليه أو مغارات أو مدخلا‏)‏ يدخلون فيه ويتغيبون انتهى، وأصل مدخلا مدتخلا فأدغم وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر بتشديد الخاء أيضا، وعن ابن كثير في رواية مدخلا بفتحتين بينهما سكون ‏(‏يجمحون‏)‏ يسرعون هو قول أبي عبيدة وزاد‏:‏ لا يرد وجوههم شيء، ومنه فرس جموح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمؤتفكات ائتفكت انقلبت بها الأرض‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏والمؤتفكات أتتهم رسلهم‏)‏ هم قوم لوط ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت بهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أهوى ألقاه في هوة‏)‏ هذه اللفظة لم تقع في سورة براءة وإنما هي في سورة النجم، ذكرها المصنف هنا استطرادا من قوله‏:‏ ‏(‏والمؤتفكة أهوى‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عدن خلد إلخ‏)‏ واقتصر أبو ذر على ما هنا، قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏جنات عدن‏)‏ أي خلد يقال‏:‏ عدن فلان بأرض كذا أي أقام، ومنه المعدن، عدنت بأرض أقمت، ويقال في معدن صدق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخوالف الخالف الذي خلفني فقعد بعدي، ومنه يخلفه في الغابرين‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله ‏(‏مع الخالفين‏)‏ الخالف الذي خلف بعد شاخص فقعد في رحله، وهو من تخلف عن القوم، ومنه اللهم اخلفني في ولدي‏.‏

وأشار بقوله ‏"‏ ومنه يخلفه في الغابرين ‏"‏ إلى حديث عوف بن مالك في الصلاة على الجنازة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويجوز أن يكون النساء من الخالفة، وإن كان جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حرفان فارس وفوارس وهالك وهوالك‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏رضوا بأن يكونوا مع الخوالف‏)‏ يجوز أن يكون الخوالف هاهنا النساء، ولا يكادون يجمعون الرجال على فواعل، غير أنهم قد قالوا فارس وفوارس وهالك وهوالك انتهى‏.‏

وقد استدرك عليه ابن مالك شاهق وشواهق وناكس ونواكس وداجن ودواجن، وهذه الثلاثة مع الاثنين جمع فاعل وهو شاذ، والمشهور في فواعل جمع فاعلة، فإن كان من صفة النساء فواضح وقد تحذف الهاء في صفة المفرد من النساء وإن كان من صفة الرجال فالهاء للمبالغة يقال رجل خالفة لا خير فيه‏:‏ والأصلي في جمعه بالنون‏.‏

واستدرك بعض الشراح على الخمسة المتقدمة كأهل وكواهل وجائح وجوائح وغارب وغوارب وغاش وغواش، ولا يرد شيء منها لأن الأولين ليسا من صفات الآدميين، والآخران جمع غارب وغاشية والهاء للمبالغة إن وصف بها المذكر، وقد قال المبرد في الكامل في قول الفرزدق‏:‏ وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرقاب نواكس الأذقان احتاج الفرزدق لضرورة الشعر فأجرى نواكس على أصله، ولا يكون مثل هذا أبدا إلا في ضرورة، ولا تجمع النجاة ما كان من فاعل نعتا على فواعل لئلا يلتبس بالمؤنث، ولم يأت ذا إلا في حرفين فارس وفوارس، وهالك وهوالك، أما الأول فإنه لا يستعمل في الفرد فأمن فيه اللبس، وأما الثاني فلأنه جرى مجرى المثل يقولون هالك في الهوالك فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال‏.‏

قلت‏:‏ فظهر أن الضابط في هذا أن يؤمن اللبس أو يكثر الاستعمال أو تكون الهاء للمبالغة أو يكون في ضرورة الشعر والله أعلم‏.‏

وقال ابن قتيبة‏:‏ الخوالف النساء ويقال خساس النساء ورذالتهم، ويقال فلان خالفه أهله إذا كان دينا فيهم‏.‏

والمراد بالخوالف في الآية النساء والرجال العاجزون والصبيان فجمع جمع المؤنث تغليبا لكونهن أكثر في ذلك من غيرهن‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏(‏مع الخالفين‏)‏ فجمع جمع الذكور تغليبا لأنه الأصل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الخيرات واحدها خيرة وهي الفواضل‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏وأولئك لهم الخيرات‏)‏ جمع خيرة ومعناها الفاضلة من كل شيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرجون مؤخرون‏)‏ سقط هذا لأبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الشفا الشفير وهو حده‏)‏ في رواية الكشميهني وهو حرفه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والجرف ما تجرف من السيول والأودية‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏على شفا جرف‏)‏ الشفا الشفير، والجرف ما لم بين من الركايا، قال‏:‏ والآية على التمثيل لأن الذي يبني على الكفر فهو على شفا جرف وهو ما تجرف من السيول والأودية ولا يثبت البناء عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هار هائر، تهورت البئر إذا انهدمت، وانهار مثله‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏هار‏)‏ أي هائر‏:‏ والعرب تنزع الياء التي في الفاعل، وقيل لا قلب فيه وإنما هو بمعنى ساقط، وقد تقدم شيء من هذا في آل عمران قوله‏:‏ ‏(‏لأواه شفقا وفرقا، قال الشاعر‏:‏ إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏إن إبراهيم لأواه‏)‏ ‏:‏ هو فعاله من التأوه ومعناه متضرع شفقا وفرقا لطاعة ربه قال الشاعر فذكره‏.‏

وقوله ‏"‏أرحلها ‏"‏ هو بفتح الهمزة والحاء المهملة، وقوله ‏"‏آهة ‏"‏ بالمد للأكثر وفي رواية الأصيلي بتشديد الهاء بلا مد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ هذا الشعر للمثقب العبدي واسمه جحاش بن عائذ، وقيل ابن نهار وهو من جملة قصيدة أولها‏:‏ أفاطم قبل بينك متعيني ومنعك ما سألت كأن تبيني ولا تعدي مواعد كاذبات تمر بها رياح الصيف دوني فإني لو تخالفني شمالي لما أتبعتها أبدا يميني ويقول فيها‏:‏ فأما أن تكون أخي بحق فأعرف منك غثي من سميني وإلا فاطرحني واتخذني عدوا أتقـيك وتتقيني وهي كثيرة الحكم والأمثال‏.‏

وكان أبو محمد بن العلاء يقول‏:‏ لو كان الشعر مثلها وجب على الناس أن يتعلموه‏.‏

*3*وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ الْأَوَّاهُ الرَّحِيمُ بِالْحَبَشِيَّةِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَادِئَ الرَّأْيِ مَا ظَهَرَ لَنَا وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْجُودِيُّ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَقْلِعِي أَمْسِكِي عَصِيبٌ شَدِيدٌ لَا جَرَمَ بَلَى وَفَارَ التَّنُّورُ نَبَعَ الْمَاءُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَجْهُ الْأَرْضِ أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ وَقَالَ غَيْرُهُ وَحَاقَ نَزَلَ يَحِيقُ يَنْزِلُ يَئُوسٌ فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَبْتَئِسْ تَحْزَنْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ شَكٌّ وَامْتِرَاءٌ فِي الْحَقِّ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ مِنْ اللَّهِ إِنْ اسْتَطَاعُوا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو ميسرة‏:‏ الأواه الرحيم بالحبشية‏)‏ تقدم في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء، وسقط هنا من رواية أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ بادئ الرأي ما ظهر لنا‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ الجودي جبل بالجزيرة‏.‏

وقال الحسن ‏(‏إنك لأنت الحليم الرشيد‏)‏ يستهزئون به‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ أقلعي أمسكي، وفار التنور نبع الماء‏.‏

وقال عكرمة وجه الأرض‏)‏ تقدم جميع ذلك في أحاديث الأنبياء وسقط هنا لأبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ عصيب شديد‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله‏:‏ ‏(‏وقال هذا يوم عصيب‏)‏ قال‏:‏ شديد‏.‏

وأخرجه الطبري من طرق عن مجاهد وقتادة وغيرهما مثله‏.‏

وقال‏:‏ ومنه قول الراجز ‏"‏ يوم عصيب يعصب الأبطالا ‏"‏ ويقولون‏:‏ عصب يومنا يعصب عصبا أي اشتد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا جرم بلى‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏لا جرم أن الله‏)‏ قال أي بلى إن الله يعلم‏.‏

وقال الطبري معنى جرم أي كسب الذنب ثم كثر استعماله في موضع لا بد كقولهم لا جرم أنك ذاهب، وفي موضع حقا كقولك لا جرم لتقومن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره وحاق نزل يحيق ينزل‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏وحاق بهم‏)‏ أي نزل بهم وأصابهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يئوس فعول من يئست‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا، قال في قوله تعالى ‏(‏ليئوس كفور‏)‏ هو فعول من يئست‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد تبتئس تحزن‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضا قال في قوله ‏(‏فلا تبتئس‏)‏ قال‏:‏ لا تحزن، ومن طريق قتادة وغير واحد نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يثنون صدورهم شك وامتراء في الحق ليستخفوا منه من الله إن استطاعوا‏)‏ وهو قول مجاهد أيضا قال في قوله‏:‏ ‏(‏ألا إنهم يثنون صدورهم‏)‏ قال شك وامتراء في الحق ليستخفوا من الله إن استطاعوا، وصله الطبري من طرق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه، ومن طريق معمر عن قتادة قال‏:‏ أخفى ما يكون الإنسان إذا أسر في نفسه شيئا بثوبه، والله مع ذلك يعلم ما يسرون وما يعلنون‏.‏

ومن طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله ‏(‏يثنون صدورهم‏)‏ الشك في الله وعمل السيئات يستغشي بثيابه ويستكن من الله، والله يراه ويعلم ما يسر وما يعلن‏.‏

والثني يعبر به عن الشك في الحق والإعراض عنه‏.‏

ومن طريق عبد الله بن شداد أنها نزلت في المنافقين، كان أحدهم إذا مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وطأطأ رأسه وتغشى بثوبه لئلا يراه، أسنده الطبري من طرق عنه، وهو بعيد فإن الآية مكية، وسيأتي عن ابن عباس ما يخالف القول الأول، لكن الجمع بينهما ممكن‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قدمت هذه التفاسير من أول السورة إلى هنا في رواية أبي ذر، وهي عند الباقين مؤخرة عما سيأتي إلى قوله ‏"‏ أقلعي أمسكي‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني محمد بن عباد بن جعفر‏)‏ هكذا رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج، وتابعه حجاج عند أحمد‏.‏

وقال أبو أسامة عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أخرجه الطبري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه سمع ابن عباس يقرأ ألا إنهم يثنون‏)‏ يعني بفتح أوله بتحتانية وفي رواية بفوقانية وسكون المثلثة وفتح النون وسكون الواو وكسر النون بعدها ياء على وزن تفعوعل، وهو بناء مبالغة كأعشوشب، لكن جعل الفعل للصدور، وأنشد الفراء لعنترة‏:‏ وقولك للشيء الذي لا تناله إذا ما هو احلولي ألا ليت ذا ليا وحكى أهل القراآت عن ابن عباس في هذه الكلمة قراآت أخرى وهي يثنون بفتح أوله وسكون المثلثة وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون من الثني بالمثلثة والنون وهو ما هش وضعف من النبات، وقراءة ثالثة عنه أيضا بوزن يرعوي‏.‏

وقال أبو حاتم السجستاني‏:‏ في هذه القراءة غلط إذ لا يقال ثنوته فانثوى كرعوته فارعوى‏.‏

قلت‏:‏ وفي الشواذ قراآت أخرى ليس هذا موضع بسطها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أناس كانوا يستخفون أن يتخلوا‏)‏ أي أن يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة، وحكى ابن التين أنه روى يتحلوا بالمهملة‏.‏

وقال الشيخ أبو الحسن يعني القابسي أنه أحسن أي يرقد على حلاوة قفاه‏.‏

قلت‏:‏ والأول أولى‏.‏

وفي رواية أبي أسامة‏:‏ كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ قُلْتُ يَا أَبَا الْعَبَّاسِ مَا تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فَيَسْتَحِي أَوْ يَتَخَلَّى فَيَسْتَحِي فَنَزَلَتْ أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني محمد بن عباد بن جعفر‏)‏ هكذا رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج، وتابعه حجاج عند أحمد‏.‏

وقال أبو أسامة عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أخرجه الطبري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه سمع ابن عباس يقرأ ألا إنهم يثنون‏)‏ يعني بفتح أوله بتحتانية وفي رواية بفوقانية وسكون المثلثة وفتح النون وسكون الواو وكسر النون بعدها ياء على وزن تفعوعل، وهو بناء مبالغة كأعشوشب، لكن جعل الفعل للصدور، وأنشد الفراء لعنترة‏:‏ وقولك للشيء الذي لا تناله إذا ما هو احلولي ألا ليت ذا ليا وحكى أهل القراآت عن ابن عباس في هذه الكلمة قراآت أخرى وهي يثنون بفتح أوله وسكون المثلثة وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون من الثني بالمثلثة والنون وهو ما هش وضعف من النبات، وقراءة ثالثة عنه أيضا بوزن يرعوي‏.‏

وقال أبو حاتم السجستاني‏:‏ في هذه القراءة غلط إذ لا يقال ثنوته فانثوى كرعوته فارعوى‏.‏

قلت‏:‏ وفي الشواذ قراآت أخرى ليس هذا موضع بسطها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أناس كانوا يستخفون أن يتخلوا‏)‏ أي أن يقضوا الحاجة في الخلاء وهم عراة، وحكى ابن التين أنه روى يتحلوا بالمهملة‏.‏

وقال الشيخ أبو الحسن يعني القابسي أنه أحسن أي يرقد على حلاوة قفاه‏.‏

قلت‏:‏ والأول أولى‏.‏

وفي رواية أبي أسامة‏:‏ كانوا لا يأتون النساء ولا الغائط إلا وقد تغشوا بثيابهم كراهة أن يفضوا بفروجهم إلى السماء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ و قَالَ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْتَغْشُونَ يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ سِيءَ بِهِمْ سَاءَ ظَنُّهُ بِقَوْمِهِ وَضَاقَ بِهِمْ بِأَضْيَافِهِ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ بِسَوَادٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ إِلَيْهِ أُنِيبُ أَرْجِعُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏في رواية عمرو‏)‏ هو ابن دينار ‏(‏قال قرأ ابن عباس ألا إنهم يثنون صدورهم‏)‏ ضبط أوله بالياء التحتانية وبنون آخره وصدورهم بالنصب على المفعولية وهي قراءة الجمهور، كذا للأكثر ولأبي ذر كالذي قبله، ولسعيد بن منصور عن ابن عيينة يثنوني أوله تحتانية وآخره تحتانية أيضا، وزاد وعن حميد الأعرج عن مجاهد أنه كان يقرؤها كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏)‏ أي عن ابن عباس ‏(‏يستغشون يغطون رءوسهم‏)‏ الضمير في غيره يعود على عمرو بن دينار، وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وتفسير التغشي بالتغطية متفق عليه‏.‏

وتخصيص ذلك بالرأس يحتاج إلى توقيف، وهذا مقبول من مثل ابن عباس، يقال منه استغشى بثوبه وتغشاه‏.‏

وقال الشاعر ‏"‏ وتارة أتغشى فضل أطماري‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سيء بهم ساء ظنه بقومه وضاق بهم بأضيافه‏)‏ هو تفسير ابن عباس، وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في هذه الآية ‏(‏ولما جاءت رسلنا لوطا‏)‏ ساء ظنا بقومه وضاق زرعا بأضيافه، ويلزم منه اختلاف الضميرين، وأكثر المفسرين على اتحادهما‏.‏

وصله ابن أبي حاتم من طريق الضحاك قال‏:‏ ساءه مكانهم لما رأى بهم من الجمال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بقطع من الليل بسواد‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏

وقال أبو عبيدة معناه ببعض من الليل‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بطائفة من الليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد إليه أنيب أرجع‏)‏ وكذا للأكثر، وسقط لأبي ذر نسبته إلى مجاهد فأوهم أنه عن ابن عباس كما قبله، وقد وصله عبد بن حميد من طريق ابن نجيح عن مجاهد بهذا، ووقع للأكثر قبيل قوله ‏"‏ باب وكان عرشه على الماء‏"‏‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله وكان عرشه على الماء‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة، وفيه قوله ‏"‏ وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع ‏"‏ وسيأتي شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى، وقوله ‏"‏لا يغيضها ‏"‏ بالغين المعجمة والضاد المعجمة الساقطة أي لا ينقصها، وسحاء بمهملتين مثقلا ممدود أي دائمة، ويروي سحا بالتنوين فكأنها لشدة امتلائها تغيض أبدا، والليل والنهار بالنصب على الظرفية، والميزان كناية عن العدل

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ وَقَالَ يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَقَالَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ اعْتَرَاكَ افْتَعَلَكَ مِنْ عَرَوْتُهُ أَيْ أَصَبْتُهُ وَمِنْهُ يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا أَيْ فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ عَنِيدٌ وَعَنُودٌ وَعَانِدٌ وَاحِدٌ هُوَ تَأْكِيدُ التَّجَبُّرِ اسْتَعْمَرَكُمْ جَعَلَكُمْ عُمَّارًا أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ فَهِيَ عُمْرَى جَعَلْتُهَا لَهُ نَكِرَهُمْ وَأَنْكَرَهُمْ وَاسْتَنْكَرَهُمْ وَاحِدٌ حَمِيدٌ مَجِيدٌ كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ مَحْمُودٌ مِنْ حَمِدَ سِجِّيلٌ الشَّدِيدُ الْكَبِيرُ سِجِّيلٌ وَسِجِّينٌ وَاللَّامُ وَالنُّونُ أُخْتَانِ وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ وَرَجْلَةٍ يَضْرِبُونَ الْبَيْضَ ضَاحِيَةً ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الْأَبْطَالُ سِجِّينَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏اعتراك افتعلك من عروته أي أصبته، ومنه يعروه واعتراني‏)‏ هو كلام أبي عبيدة، وقد تقدم شرحه في فرض الخمس، وثبت هنا للكشميهني وحده، ووقع في بعض النسخ اعتراك افتعلت بمثناة في آخره وهو كذلك عند أبي عبيدة، واعترى افتعل من عراه يعروه إذا أصابه، وقوله‏:‏ ‏(‏إن نقول إلا اعتراك‏)‏ ما بعد إلا مفعول بالقول قبله ولا يحتاج إلى تقدير محذوف كما قدره بعضهم أي ما نقول إلا هذا اللفظ، فالجملة محكية، نحو ما قلت إلا زيد قائم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آخذ بناصيتها في ملكه وسلطانه‏)‏ هو كلام أبي عبيدة أيضا وقد تقدم في بدء الخلق وثبت هنا للكشميهني وحده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عنيد وعنود وعاند واحد، هو تأكيد التجير‏)‏ هو قول أبي عبيدة بمعناه، لكن قال‏:‏ وهو العادل عن الحق وقال ابن قتيبة‏:‏ المعارض المخالف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استعمركم جعلكم عمارا، أعمرته الدار فهي عمري‏)‏ سقط هذا لغير أبي ذر، وقد تقدم شرحه في كتاب الهبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نكرهم وأنكرهم واستنكرهم واحد‏)‏ هو قول أبي عبيدة وأنشد ‏"‏ وأنكرتني وما كان الذي نكرت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حميد مجيد كأنه فعيل من ماجد محمود من حمد‏)‏ كذا وقع هنا، والذي في كلام أبي عبيدة‏:‏ حميد مجيد أي محمود ماجد، وهذا هو الصواب، والحميد فعيل من حمد فهو حامد أي يحمد من يطيعه، أو هو حميد بمعنى محمود، والمجيد فعيل من مجد بضم الجيم يمجد كشرف يشرف وأصله الرفعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سجيل الشديد الكبير، سجيل وسجين واحد، واللام والنون أختان‏.‏

وقال تميم بن مقبل‏:‏ ورجلة يضربون البيض ضاحية ضربا تواصى به الأبطال سجينا هو كلام أبي عبيدة بمعناه، قال في قوله تعالى ‏(‏حجارة من سجيل‏)‏ هو الشديد من الحجارة الصلب، ومن الضرب أيضا قال ابن مقبل، فذكره‏.‏

قال‏:‏ وقوله سجيلا أي شديدا، وبعضهم يحول اللام نونا‏.‏

وقال في موضع آخر‏:‏ السجيل الشديد الكثير‏.‏

وقد تعقبه ابن قتيبة بأنه لو كان معنى السجيل الشديد لما دخلت عليه من وكان يقول حجارة سجيلا لأنه لا يقال حجارة من شديد، ويمكن أن يكون الموصوف حذف‏.‏

وأنشد غير أبي عبيدة البيت المذكور فأبدل قوله ‏"‏ ضاحية ‏"‏ بقوله ‏"‏ عن عرض ‏"‏ وهو بضمتين وضاد معجمة، وسيأتي قول ابن عباس ومن تبعه أن الكلمة فارسية في تفسير سورة الفيل، وقد قال الأزهري‏:‏ إن ثبت أنها فارسية فقد تكلمت بها العرب فصارت، وقيل هو اسم لسماء الدنيا، وقيل بحر معلق بين السماء والأرض نزلت منه الحجارة، وقيل هي جبال في السماء‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ تميم بن مقبل هو ابن خبيب بن عوف بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن عامر بن صعصعة العامري ثم العجلاني، شاعر مخضرم أدرك في الجاهلية والإسلام، وكان أعرابيا جافيا، وله قصة مع عمر، ذكره المرزباني ‏"‏ ورجلة بفتح الراء ويجوز كسرها على تقدير ذوي رجلة والجيم ساكنة، وحكى ابن التين في هذا الحاء المهملة، والبيض بفتح الموحدة جمع بيضة وهي الخوذة، أو بكسرها جمع أبيض وهو السيف ‏"‏ فعلى الأول المراد مواضع البيض وهي الرءوس، وعلى الثاني المراد يضربون بالبيض على نزع الخافض والأول أوجه‏.‏

وضاحية أي ظاهرة، أو المراد في وقت الضحوة‏.‏

وتواصى أصله تتواصى فحذفت إحدى التاءين، وروي تواصت بمثناة بدل التحتانية في آخره، وقوله سجينا بكسر المهملة وتشديد الجيم، قال الحسن بن المظفر‏:‏ هو فعيل من السجن كأنه يثبت من وقع فيه فلا يبرح مكانه، وعن ابن الأعرابي أنه رواه بالخاء المعجمة بدل الجيم أي ضربا حارا‏.‏

*3*وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا

أَيْ إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ لِأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ وَمِثْلُهُ وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ وَاسْأَلْ الْعِيرَ يَعْنِي أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَأَصْحَابَ الْعِيرِ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا يَقُولُ لَمْ تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ وَيُقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ الرَّجُلُ حَاجَتَهُ ظَهَرْتَ بِحَاجَتِي وَجَعَلْتَنِي ظِهْرِيًّا وَالظِّهْرِيُّ هَا هُنَا أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ أَرَاذِلُنَا سُقَّاطُنَا إِجْرَامِي هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ أَجْرَمْتُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ جَرَمْتُ الْفُلْكُ وَالْفَلَكُ وَاحِدٌ وَهْيَ السَّفِينَةُ وَالسُّفُنُ مُجْرَاهَا مَدْفَعُهَا وَهُوَ مَصْدَرُ أَجْرَيْتُ وَأَرْسَيْتُ حَبَسْتُ وَيُقْرَأُ مَرْسَاهَا مِنْ رَسَتْ هِيَ وَمَجْرَاهَا مِنْ جَرَتْ هِيَ وَمُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا مِنْ فُعِلَ بِهَا رَاسِيَاتٌ ثَابِتَاتٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإلى مدين‏)‏ أي لأهل مدين، لأن مدين بلد ومثله ‏(‏واسأل القرية‏.‏

والعير‏)‏ أي أهل القرية وأصحاب العير، قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏وإلى مدين أخاهم شعيبا‏)‏ مدين لا ينصرف لأنه اسم بلد مؤنث، ومجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، أي إلى أهل مدين، ومثله واسأل القرية أي أهل القرية والعير أي من في العير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وراءكم ظهريا يقول لم يتلفتوا إليه، ويقال إذا لم يقض الرجل حاجته ظهرت لحاجتي إلخ‏)‏ ثبت هذا للكشميهني وحده، وقد تقدم شرحه في ترجمة شعيب عليه السلام من أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أراذلنا سقاطنا‏)‏ بضم المهملة وتشديد القاف، والأراذل جمع أرذال إما على بابه كما جاء ‏"‏ أحاسنكم أخلاقا ‏"‏ أو جرى مجرى الأسماء كالأبطح، وقيل أراذل جمع أرذل بضم الذال وهو جمع رذل مثل كلب وأكلب وأكالب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إجرامي مصدر أجرمت، وبعضهم يقول جرمت‏)‏ هو كلام أبي عبيدة وأنشد‏:‏ طريد عشيرة ورهين ذنب بما حرمت يدي وجنى لساني وجرمت بمعنى كسبت، وقد تقدم قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الفلك والفلك واحد وهي السفينة والسفن‏)‏ كذا وقع لبعضهم بضم الفاء فيهما وسكون اللام في الأولى وفتحها في الثانية، ولآخرين بفتحتين في الأول وبضم ثم سكون في الثانية، ورجحه ابن التين وقال‏:‏ الأول واحد والثاني جمع مثل أسد وأسد، قال عياض‏:‏ ولبعضهم بضم ثم سكون فيهما جميعا وهو الصواب، والمراد أن الجمع والواحد بلفظ واحد‏.‏

وقد ورد ذلك في القرآن فقد قال في الواحد ‏(‏في الفلك المشحون‏)‏ وقال في الجمع ‏(‏حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم‏)‏ والذي في كلام أبي عبيدة الفلك واحد وجمع وهي السفينة والسفن، وهذا أوضح في المراد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مجراها مدفعها، وهو مصدر أجريت، وأرسيت حبست ويقرأ مجرها من جرت هي ومرسيها من رست، ومجريها ومرسيها من فعل بها‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏بسم الله مجراها‏)‏ أي مسيرها وهي من جرت بهم، ومن قرأها بالضم فهو من أجريتها أنا، ومرساها أي وقفها وهو مصدر أي أرسيتها أنا انتهى‏.‏

ووقع في بعض الشروح‏:‏ مجراها موقفها بواو وقاف وفاء وهو تصحيف لم أره في شيء من النسخ‏.‏

ثم وجدت ابن التين حكاها عن رواية الشيخ أبي الحسن يعني القابسي قال‏:‏ وليس بصحيح لأنه فاسد المعنى، والصواب ما في الأصل بدال ثم فاء ثم عين‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الذي قرأ بضم الميم في مجراها الجمهور، وقرأ الكوفيون حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالفتح، وأبو بكر عن عاصم كالجمهور، وقرءوا كلهم في المشهور بالضم في مرساها، وعن ابن مسعود فتحها أيضا رواه سعيد بن منصور بإسناد حسن، وفي قراءة يحيى بن وثاب مجريها ومرسيها بضم أولهما وكسر الراء والسين أي الله فاعل ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏راسيات ثابتات‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏وقدور راسيات‏)‏ أي ثقال ثابتات عظام، وكأن المصنف ذكرها استطرادا لما ذكر مرساها‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ

أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ وَاحِدُهُ شَاهِدٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَأَصْحَابٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى ‏(‏ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا‏)‏ الآية‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر في النجوى يوم القيامة، وسيأتي شرحه في كتاب الأدب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقول الأشهاد واحده شاهد مثل صاحب وأصحاب‏)‏ هو كلام أبي عبيدة أيضا واختلف في المراد بهم هنا فقيل الأنبياء وقيل الملائكة أخرجه عبد بن حميد عن مجاهد، وعن زيد بن أسلم الأنبياء والملائكة والمؤمنون وهذا أعم، وعن قتادة فيما أخرجه عبد الرزاق الخلائق وهذا أعم من الجميع‏.‏

وقوله ‏"‏حدثنا وقال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه‏)‏ أي ما تجبروا وتكبروا عن أمر الله وصدروا عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهِشَامٌ قَالَا حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ بَيْنَا ابْنُ عُمَرَ يَطُوفُ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ قَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يُدْنَى الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ وَقَالَ هِشَامٌ يَدْنُو الْمُؤْمِنُ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا يَقُولُ أَعْرِفُ يَقُولُ رَبِّ أَعْرِفُ مَرَّتَيْنِ فَيَقُولُ سَتَرْتُهَا فِي الدُّنْيَا وَأَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ ثُمَّ تُطْوَى صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْآخَرُونَ أَوْ الْكُفَّارُ فَيُنَادَى عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَقَالَ شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال شيبان عن قتادة حدثنا صفوان‏)‏ وصله ابن مردويه من طريق شيبان، وسيأتي بيان ذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى‏.‏