فصل: باب الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ

وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَتُحْلَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الرهن مركوب ومحلوب‏)‏ هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الحاكم وصححه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا قال الحاكم‏:‏ لم يخرجاه، لأن سفيان وغيره وقفوه على الأعمش انتهى‏.‏

وقد ذكر الدار قطني الاختلاف على الأعمش وغيره، ورجح الموقوف وبه جزم الترمذي، وهو مساو لحديث الباب من حيث المعنى وفي حديث الباب زيادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مغيرة‏)‏ أي ابن مقسم ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ أي النخعي ‏(‏تركب الضالة بقدر علفها وتحلب بقدر علفها‏)‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ بقدر عملها ‏"‏ والأول أصوب‏.‏

وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والرهن مثله‏)‏ أي في الحكم المذكور، وقد وصله سعيد بن منصور بالإسناد المذكور ولفظه ‏"‏ الدابة إذا كانت مرهونة تركب بقدر علفها، وإذا كان لها لبن يشرب منه بقدر علفها ‏"‏ ورواه حماد بن سلمة في جامعه عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم بأوضح من هذا ولفظه ‏"‏ إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر ثمن علفها، فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ وَيُشْرَبُ لَبَنُ الدَّرِّ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زكريا‏)‏ هو ابن أبي زائدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عامر‏)‏ هو الشعبي، ولأحمد عن يحيى القطان عن زكريا ‏"‏ حدثني عامر ‏"‏ وليس للشعبي عن أبي هريرة في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في تفسير الزمر وعلق له ثالثا في النكاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الرهن يركب بنفقته‏)‏ كذا للجميع بضم أول يركب على البناء للمجهول، وكذلك ‏"‏ يشرب ‏"‏ وهو خبر بمعنى الأمر، لكن لم يتعين فيه المأمور، والمراد بالرهن المرهون، وقد أوضحه في الطريق الثانية حيث قال‏:‏ ‏"‏ الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الدر‏)‏ بفتح المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي ذات الضرع، وقوله‏:‏ ‏"‏ لبن الدر ‏"‏ هو من إضافة الشيء إلى نفسه، وهو كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وحب الحصيد‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وعلى الذي يركب ويشرب النفقة‏)‏ أي كائنا من كان، هذا ظاهر الحديث، وفيه حجة لمن قال يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك، وهو قول أحمد وإسحاق‏.‏

وطائفة قالوا‏:‏ ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث، وأما دعوى الإجمال فيه فقد دل بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق، وهذا يختص بالمرتهن لأن الحديث وإن كان مجملا لكنه يختص بالمرتهن لأن انتفاع الراهن بالمرهون لكونه مالك رقبته لا لكونه منفقا عليه بخلاف المرتهن، وذهب الجمهور إلى أن المرتهن لا ينتفع من المرهون بشيء، وتأولوا الحديث لكونه ورد على خلاف القياس من وجهين‏:‏ أحدهما التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه، والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها، ويدل على نسخه حديث ابن عمر الماضي في أبواب المظالم ‏"‏ لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه ‏"‏ انتهى‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن من درها وظهرها فهي محلوبة ومركوبة له كما كانت قبل الرهن، واعترضه الطحاوي بما رواه هشيم عن زكريا في هذا الحديث ولفظه ‏"‏ إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ‏"‏ الحديث، قال فتعين أن المراد المرتهن لا الراهن، ثم أجاب عن الحديث بأنه محمول على أنه كان قبل تحريم الربا فيما حرم الربا، حرم أشكاله من بيع اللبن في الضرع وقرض كل منفعة تجر ربا، قال‏:‏ فارتفع بتحريم الربا ما أبيح في هذا للمرتهن، وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، والتاريخ في هذا متعذر؛ والجمع بين الأحاديث ممكن، وطريق هشيم المذكور زعم ابن حزم أن إسماعيل بن سالم الصائغ تفرد عن هشيم بالزيادة وأنها من تخليطه، وتعقب بأن أحمد رواها في مسنده عن هشيم، وكذلك أخرجه الدار قطني من طريق زياد بن أيوب عن هشيم وقد ذهب الأوزاعي والليث وأبو ثور إلى حمله على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن الإنفاق على الحيوان حفظا لحياته ولإبقاء المالية فيه، وجعل له في مقابلة نفقته الانتفاع بالركوب أو بشرب اللبن بشرط أن لا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر علفه، وهي من جملة مسائل الظفر‏.‏

وقيل‏:‏ إن الحكمة في العدول عن اللبن إلى الدر الإشارة إلى أن المرتهن إذا حلب جاز له، لأن الدر ينتج من العين بخلاف ما إذا كان اللبن في إناء مثلا ورهنه فإنه لا يجوز للمرتهن أن يأخذ منه شيئا أصلا، كذا قال، واحتج الموفق في المغني بأن نفقة الحيوان واجبة وللمرتهن فيه حق وقد أمكن استيفاء حقه من نماء الرهن والنيابة عن المالك فيما وجب عليه واستيفاء ذلك من منافعه فجاز ذلك كما يجوز للمرأة أخذ مئونتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه والنيابة عنه في الإنفاق عليها‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الرَّهْنِ عِنْدَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الرهن عن اليهود وغيرهم‏)‏ ذكر فيه حديث عائشة المتقدم قريبا، وغرضه جواز معاملة غير المسلمين وقد تقدم البحث فيه قريبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ

الشرح‏:‏

حديث عائشة المتقدم قريبا، وغرضه جواز معاملة غير المسلمين قد تقدم البحث فيه قريبا‏.‏

*3*باب إِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَنَحْوُهُ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

سيأتي ذكر تعريف المدعي والمدعى عليه في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى وألخص ما قيل فيه إن المدعي من إذا ترك ترك والمدعى عليه بخلافه، ثم أورد فيه ثلاثة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتبت إلى ابن عباس‏)‏ حذف المفعول وقد ذكره في تفسير آل عمران‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكتب إلي أن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يجوز فتح همزة إن وكسرها، وسيأتي الكلام على هذا الحديث في كتاب الشهادات‏.‏

وأراد المصنف منه الحمل على عمومه خلافا لمن قال إن القول في الرهن قول المرتهن ما لم يجاوز قدر الرهن، لأن الرهن كالشاهد للمرتهن، قال ابن التين‏:‏ جنح البخاري إلى أن الرهن لا يكون شاهدا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا فَقَرَأَ إِلَى عَذَابٌ أَلِيمٌ ثُمَّ إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ فَحَدَّثْنَاهُ قَالَ فَقَالَ صَدَقَ لَفِيَّ وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ قُلْتُ إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا إِلَى وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

الشرح‏:‏

حديثا عبد الله بن مسعود والأشعث، وقد تقدما قريبا في كتاب الشرب، وأراد من إيرادهما قوله صلى الله عليه وسلم للأشعث ‏"‏ شاهداك أو يمينه ‏"‏ فإن فيه دليلا لما ترجم به من أن البينة على المدعي، ولعله أشار في الترجمة إلى ما ورد في بعض طرق حديث ابن عباس بلفظ الترجمة، وهو عند البيهقي وغيره كما سيأتي بيانه وكأنه لما لم يكن على شرطه ترجم به، وأورد ما يدل عليه مما ثبت على شرطه‏.‏

والله أعلم‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الرهن من الأحاديث المرفوعة على تسعة أحاديث موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ستة والخالص ثلاثة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة‏.‏

وفيه من الآثار أثران عن إبراهيم النخعي‏.‏

والله أعلم‏.‏