فصل: باب ما جاء في قدر الماء في الغسل والوضوء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب تعاهد باطن الشعور وما جاء في نقضها

1- عن علي رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل اللَّه به كذا وكذا من النار قال علي‏:‏ فمن ثم عاديت شعري‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وزاد‏:‏ وكان يجز شعره رضي اللَّه عنه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وإسناده صحيح لأن من رواته عطاء بن السائب وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل الاختلاط وأخرجه أبو داود أيضًا وابن ماجه من حديث حماد لكن قيل إن الصواب وقفه على علي‏.‏ قال عبد الحق‏:‏ الأكثرون قالوا بوقفه‏.‏ وقال النووي‏:‏ ضعيف وعطاء قد ضعف قبل اختلاطه ولحماد أوهام وفي إسناده أيضًا زاذان وفيه خلاف‏.‏

وفي الباب من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏بلوا الشعر وأنقوا البشر‏)‏ أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي ومداره على الحارث بن وجيه وهو ضعيف جدًا‏.‏ قال أبو داود‏:‏ والحارث هذا حديثه منكر وهو ضعيف‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ غريب لا نعرفه إلا من حديث الحارث وهو شيخ ليس بذاك‏.‏

وقال الدارقطني في العلل‏:‏ إنما يروى هذا عن مالك بن دينار عن الحسن مرسلًا ورواه سعيد بن منصور عن هشيم عن يونس عن الحسن قال‏:‏ ‏(‏نبئت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ فذكره ورواه أبان العطار عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة من قوله‏:‏‏.‏ وقال الشافعي‏:‏ هذا الحديث ليس بثابت‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ أنكره أهل العلم بالحديث البخاري وأبو داود وغيرهما‏.‏

والحديث يدل على مشروعية تخليل الشعر بالماء في الغسل ولا أحفظ فيه خلافًا‏.‏

2- وعن أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللَّه إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة قال‏:‏ لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

الحديث قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضفر رأسي‏)‏ بفتح الضاد المعجمة وإسكان الفاء‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا هو المشهور المعروف في رواية الحديث والمستفيض عند المحدثين وهو الشعر المفتول ويجوز ضم الضاد والفاء جمع ضفيرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تحثي‏)‏ يقال حثيت وحثوت لغتان مشهورتان والحثية الحفنة‏.‏ وهو يدل على أنه لا يجب على المرأة نقض الضفائر وقد اختلف الناس في ذلك قال القاضي أبو بكر ابن العربي‏:‏ قال جمهورهم لا ينقضه إلا أن يكون ملبدًا ملتفًا لا يصل الماء إلى أصوله إلا بنقضه فيجب حينئذ من غير فرق بين جنابة وحيض‏.‏

وروي عن المؤيد باللَّه وأبي طالب والإمام يحيى وروي أيضًا عن القاسم‏.‏ وقال النخعي‏:‏ تنقضه في الجنابة والحيض وقال أحمد‏:‏ تنقضه في الحيض دون الجنابة ‏[‏قال في المغني‏:‏ قال بعض أصحابنا هو مستحب غير واجب وهو قول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء اللَّه لأن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة أنها قالت للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للحيضة وللجنابة فقال‏:‏ لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين الماء فتطهرين رواه مسلم وهذا صريح في نفي الوجوب‏.‏

وروت أسماء أنها سألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن غسل الحيض فقال‏:‏ تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلك دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء رواه مسلم ولو كان النقض واجبًا لذكره لأنه موضع من البدن فاستوى فيه الحيض والجنابة وحديث عائشة ليس فيه أمر بالغسل ولو أمرت لم يكن فيه حجة لأنه ليس للحيض لأنه كان للإحرام حال الحيض اهـ مختصرًا وقوله‏:‏ شؤون رأسه وهو بضم الشين المعجمة بعدها همزة أصول الشعر‏]‏‏.‏ وروي عن الحسن البصري وطاوس وروي عن مالك أنه لا يجب النقض لا على الرجال ولا على النساء‏.‏

ووجه ما ذهب إليه عموم نهيه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن نقض الشعر ولم يخص رجلًا من امرأة ولا يلزم من كون السائل عن ذلك من النساء أن يكون الحكم مختصًا بهن اعتبارًا بعموم النهي كذا قاله ابن سيد الناس‏.‏

ووجه قول من ذهب إلى التفرقة حديث ثوبان أنهم استفتوا النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ‏(‏أما الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه‏)‏ أخرجه أبو داود وأكثر ما علل به أن في إسناده إسماعيل بن عياش والحديث من مروياته عن الشاميين وهو قوي فيهم فيقبل‏.‏

ووجه ما روي عن النخعي أن عموم الغسل يجب في جميع الأجزاء من شعر وبشر وقد يمنع ضفر الشعر من ذلك ولعله لم تبلغه الرخصة في ذلك للنساء‏.‏

ووجه ما ذهب إليه أحمد ومن معه من التفرقة بين الحيض والجنابة ما سيأتي وما روى الدارقطني في أفراده والبيهقي في سننه الكبرى من حديث مسلم بن صبيح عن أنس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضًا ‏[‏ص 313‏]‏ وغسلته بخطمى وأشنان فإذا اغتسلت من الجنابة صبت على رأسها الماء وعصرت‏)‏ وقد تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وفي الحديث مستدل لمن لم يوجب الدلك باليد‏.‏

وفي رواية لأبي داود أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث قالت‏:‏ فسألت لها النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بمعناه قال فيه ‏(‏واغمزي قرونك عند كل حفنة‏)‏ وهو دليل على وجوب بل داخل الشعر المسترسل انتهى وقد تقدم الكلام في ذلك‏.‏

3- وعن عبيد بن عمير قال‏:‏ ‏(‏بلغ عائشة أن عبد اللَّه بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت‏:‏ يا عجبًا لابن عمرو هو يأمر النساء إذا اغتسلن بنقض رؤوسهن أو ما يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت أغتسل أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من إناء واحد وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

الحديث يدل على عدم وجوب نقض الشعر على النساء وقد تقدم الكلام فيه‏.‏ وأما أمر عبد اللَّه بن عمرو بالنقض فيحتمل أنه أراد إيجاب ذلك عليهن ويكون ذلك في شعور لا يصل إليها الماء أو يكون مذهبًا له أنه يجب النقض بكل حال كما حكى عن غيره ولم يبلغه حديث أم سلمة وعائشة ويحتمل أنه كان يأمرهن بذلك على الاستحباب والاحتياط للإيجاب قاله النووي‏.‏

 باب استحباب نقض الشعر لغسل الحيض وتتبع أثر الدم فيه

1- عن عروة عن عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال لها وكانت حائضًا‏:‏ انقضي شعرك واغتسلي‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه بإسناد صحيح‏.‏

الحديث هو عند الستة إلا الترمذي بلفظ‏:‏ ‏(‏أنها قدمت مكة وهي حائض ولم تطف بالبيت إلا بين الصفا والمروة فشكت ذلك إليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ انقضي رأسك وأمشطي وأهلي بالحج‏)‏ وليس فيه ذكر الغسل‏.‏ وقد ثبت عند ابن ماجه كما ذكره المصنف وهو دليل لمن قال بالفرق بين الغسل للجنابة والحيض والنفاس وهو أحمد ابن حنبل والهادوية وأجيب بأن الخبر ورد في مندوبات الإحرام والغسل في تلك الحال للتنظيف لا للصلاة والنزاع في غسل الصلاة‏.‏

2- وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن امرأة من الأنصار سألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن غسلها من الحيض فأمرها كيف تغتسل ثم قال‏:‏ خذي فرصة من مسك فتطهري بها قالت‏:‏ كيف أتطهر بها قال‏:‏ سبحان اللَّه تطهري بها فاجتذبتها إلي فقلت‏:‏ تتبعي بها أثر الدم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي غير أن ابن ماجه وأبا داود قالا‏:‏ ‏(‏فرصة ممسكة‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الشافعي وسماها مسلم أسماء بنت شكل‏.‏ وقيل إنه تصحيف والصواب أسماء بنت يزيد بن السكن ذكره الخطيب في المبهمات‏.‏ وقال المنذري‏:‏ يحتمل أن تكون القصة تعددت وروي فرصة ممسكة في الصحيحين أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرصة‏)‏ هي بكسر الفاء وإسكان الراء وبالصاد المهملة القطعة من كل شيء حكاه ثعلب‏.‏ وقال ابن سيده‏:‏ الفرصة من القطن أو الصوف مثلثة الفاء‏.‏ والمسك هو الطيب المعروف‏.‏ وقال عياض‏:‏ رواية الأكثر بفتح الميم وهو الجلد وفيه نظر لقوله‏:‏ في بعض الروايات فإن لم يجد فطيبًا غيره كذا أجاب الرافعي‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهو متعقب فإن هذا لفظ الشافعي في الأم نعم في رواية عبد الرزاق يعني بالفرصة السك أو الزريرة وليس في الحديث ذكر نقض الشعر وغاية ما فيه الدلالة على التنظيف والمبالغة في إذهاب أثر الدم‏.‏

قال النووي‏:‏ وقد اختلف العلماء في الحكمة في استعمال المسك المختار الذي قاله الجماهير أن المقصود من استعمال المسك تطييب المحل ودفع الرائحة الكريهة‏.‏

 

باب ما جاء في قدر الماء في الغسل والوضوء

1- عن سفينة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يغتسل بالصاع ويتطهر بالمد‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه ومسلم والترمذي وصححه‏.‏

قوله‏:‏ بالصاع الصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والمد رطل وثلث بالبغدادي فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا برطل بغداد ‏[‏قال في القاموس بعد أن ذكر ما ذكره الشوكاني‏:‏ قال الداودي معياره الذي لا يختلف أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما إذ ليس كل مكان يوجد فيه صاع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم انتهى‏.‏ وجربت ذلك فوجدته صحيحًا انتهى‏]‏‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا هو الصواب المشهور‏.‏ وذكر جماعة من أصحابنا وجهًا لبعض أصحابنا أن الصاع هنا ثمانية أرطال والمد رطلان انتهى‏.‏ والرطل البغدادي على ما قال الرافعي وغيره مائة وثلاثون درهمًا ورجح النووي أنه مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم‏.‏

والحديث يدل على كراهة الإسراف في الماء للغسل والوضوء واستحباب الاقتصاد وقد أجمع العلماء على النهي عن الإسراف في الماء ولو كان على شاطئ النهر قال بعض أصحاب الشافعي إنه حرام‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إنه مكروه كراهة تنزيه‏.‏

2- وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

3- وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يتوضأ بإناء يكون رطلين ويغتسل بالصاع‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث الثاني أخرجه الترمذي بنحوه وقال‏:‏ غريب وهو من طريق شريك عن عبد اللَّه بن عيسى عن عبد اللَّه بن جبر عن أنس وكلهم ثقات‏.‏

وقد ثبت في هذا الحديث إلى خمسة أمداد وفي حديث عائشة الآتي‏:‏ ‏(‏كنت أغتسل أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من إناء يقال له الفرق‏)‏‏.‏

ووقع في رواية ثلاثة أمداد أو قريب من ذلك‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏كان يغتسل من إناء واحد يقال له الفرق‏)‏ وفي أخرى‏:‏ ‏(‏فدعت بإناء قدر الصاع فاغتسلت فيه‏)‏ وفي الأخرى‏:‏ ‏(‏كان يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك‏)‏ وفي أخرى‏:‏ ‏(‏يغسله الصاع ويوضئه المد‏)‏ وفي أخرى‏:‏ ‏(‏يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع‏)‏ قال الشافعي وغيره‏:‏ الجمع بين هذه الروايات إنها كانت اغتسالات في أحوال والفرق سيأتي تقديره وأما المكوك فهو بفتح الميم وضم الكاف الأولى وتشديدها وجمعه مكاكيك ومكاكي قال النووي‏:‏ ولعل المراد بالمكوك هنا المد‏.‏

4- وعن موسى الجهني قال‏:‏ ‏(‏أتى مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال فقال‏:‏ حدثتني عائشة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يغتسل بمثل هذا‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

الحديث إسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا أحمد بن عبيد قال حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن موسى الجهني فذكره وأحمد بن عبيد هو ابن حسان وهو من رجال الصحيح‏.‏ قال أبو داود‏:‏ وهو حجة‏.‏ ويحيى بن زكريا هو الإمام الكبير وحديثه في الصحيحين وغيرهما‏.‏ وموسى الجهني أخرج له مسلم ووثقه أحمد وغيره وقد عرفت كيفية الجمع بين الروايات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حزرته‏)‏ أي قدرته قال الحافظ‏:‏ تمسك بهذا بعض الحنفية وجعل الفرق ثمانية أرطال والصحيح أن الفرق مقداره ما سيأتي والحزر لا يعارض به التحديد وأيضًا لم يصرح مجاهد بأن الإناء المذكور صاع فيحمل على اختلاف الأواني مع تقاربها‏.‏

وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ يجزئ من الغسل الصاع ومن الوضوء المد‏)‏‏.‏

رواه أحمد والأثرم‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود وابن خزيمة وابن ماجه بنحوه وصححه ابن القطان‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏يجزئ‏)‏ الخ ظاهره أنه لا يجزئ دون الصاع والمد يعارضه ما سيأتي‏.‏

6- وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كنت أغتسل أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من إناء واحد من قدح يقال له الفرق‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ والفرق ستة عشر رطلًا بالعراقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الفرق‏)‏ قال ابن التين‏:‏ بتسكين الراء قال الحافظ‏:‏ ورويناه بفتحها وجوز بعضهم الأمرين‏.‏ قال النووي‏:‏ الفتح أفصح وأشهر وزعم أبو الوليد الباجي أنه الصواب قال‏:‏ وليس كما قال بل هما لغتان‏.‏

قال الحافظ‏:‏ لعل مستند الباجي ما حكاه الأزهري عن ثعلب وغيره الفرق بالفتح والمحدثون يسكنونه وكلام العرب بالفتح انتهى‏.‏

وقد حكى الإسكان أبو زيد وابن دريد وغيرهما وحكى ابن الأثير أن الفرق بالفتح ستة عشر رطلًا وبالإسكان مائة وعشرون رطلًا قال الحافظ‏:‏ وهو غريب وقد ثبت تقديره في صحيح مسلم عن سفيان بن عيينة فقال‏:‏ هو ثلاثة آصع قال النووي‏:‏ وكذا قال الجماهير‏.‏ وقيل الفرق صاعان قال الحافظ‏:‏ لكن نقل أبو عبد اللَّه الاتفاق على أن الفرق ثلاثة آصع وعلى أن الفرق ستة عشر رطلًا ولعله يريد اتفاق أهل اللغة‏.‏

 

باب من رأى التقدير بذلك استحبابًا وأن ما دونه يجزئ إذا أسبغ

1- عن عائشة‏:‏ ‏(‏أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبًا من ذلك‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

القدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر وسواء كان صاعًا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلًا أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف‏.‏

وهكذا الوضوء القدر المجزئ منه ما يحصل به غسل أعضاء الوضوء سواء كان مدًا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في الزيادة إلى حد السرف أو النقصان إلى حد لا يحصل به الواجب‏.‏

وقد أخرج ابن ماجه من حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال‏:‏ ما هذا السرف فقال‏:‏ أفي الوضوء إسراف قال‏:‏ نعم وإن كنت على نهر جار‏)‏ وفي إسناده ابن لهيعة‏.‏

وروى ابن عدي من حديث ابن عباس مرفوعًا‏:‏ ‏(‏كان يتعوذ باللَّه من وسوسة الوضوء‏)‏ قال ابن حجر‏:‏ وإسناده واه‏.‏

2- وعن عباد بن تميم عن أم عمارة بنت كعب‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم توضأ فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي‏.‏

الحديث أخرجه ابن خزيمة وابن حبان من حديث عبد اللَّه بن زيد بلفظ‏:‏ ‏(‏توضأ بنحو ثلثي مد‏)‏ وصحح حديث الباب أبو زرعة‏.‏ وأما حديث ‏(‏أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم توضأ بنصف مد‏)‏ فأخرجه الطبراني والبيهقي من حديث أبي أمامة وفي إسناده الصلت بن دينار وهو متروك‏.‏ وحديث ‏(‏أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم توضأ بثلث مد‏)‏ قال الحافظ‏:‏ لم أجده‏.‏

3- وعن عبيد بن عمير أن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من هذا فإذا تور موضوع مثل الصاع أو دونه فنشرع فيه جميعًا فأفيض على رأسي بيدي ثلاث مرات وما أنقض لي شعرًا‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

الحديث إسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا سويد بن نصر قال أخبرنا عبد اللَّه عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير فذكره ورجاله ثقات‏.‏

وهو يدل على عدم وجوب الاغتسال بمقدار صاع من الماء لاشتراك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وعائشة في صاع أو دونه والاكتفاء بمجرد الإفاضة على الرأس من دون نقض الشعر‏.‏

وقد ورد في أحاديث كثيرة وقد سبق بعضها وقد تقدم الكلام على عدم وجوب نقض الشعر على المرأة في غسل الجنابة وهذا الحديث من الأدلة الدالة على ذلك‏.‏ والتور قد تقدم الكلام عليه‏.‏

 

باب الاستتار من الأعين للمغتسل وجواز تجرده في الخلوة‏‏

1- عن يعلى بن أمية‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا يغتسل بالبراز فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال‏:‏ إن اللَّه عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي‏.‏

الحديث رجال إسناده رجال الصحيح‏.‏ وقد أخرج البزار نحوه من حديث ابن عباس مطولًا وقد ذكره الحافظ في الفتح ولم يتكلم عليه‏.‏

وهو يدل على وجوب التستر حال الاغتسال وقد ذهب إلى ذلك ابن أبي ليلى وذهب أكثر العلماء إلى أنه أفضل وتركه مكروه وليس بواجب‏.‏ واستدلوا على ذلك بما سيأتي‏.‏ وقد ذهب بعض الشافعية أيضًا إلى تحريمه قال الحافظ‏:‏ والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالبراز‏)‏ المراد به هنا الفضاء والباء للظرفية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ستير‏)‏ بسين مهملة مفتوحة وتاء مثناة من فوق مكسورة وياء تحتية ساكنة ثم راء مهملة‏.‏ قال في النهاية‏:‏ فعيل بمعنى فاعل‏.‏

ومن الأدلة الدالة على استحباب الاستتار حال الغسل ما أخرجه النسائي من حديث أبي السمح قال‏:‏ ‏(‏كنت أخدم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فكان إذا أراد أن يغتسل قال‏:‏ ولني فأوليه قفاي فأستره به‏)‏ أخرجه النسائي‏.‏ وما أخرجه مسلم من حديث أم هانئ قالت‏:‏ ‏(‏ذهبت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة رضي اللَّه عنها تستره بثوب‏)‏‏.‏

ويدل على مشروعية مطلق الاستتار ما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول اللَّه عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال‏:‏ احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك قلت‏:‏ يا رسول اللَّه فالرجل يكون خاليًا قال‏:‏ اللَّه أحق أن يستحي منه من الناس‏)‏‏.‏

2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏بينا أيوب عليه السلام يغتسل عريانًا فخر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه تبارك وتعالى‏:‏ يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال‏:‏ بلى وعزتك ولكن لا غنى بي عن بركتك‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحثي‏)‏ في رواية البخاري يحتثي والحثية هي الأخذ باليد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا غنى بي‏)‏ بالقصر بلا تنوين‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ورويناه بالتنوين أيضًا على أن لا بمعنى ليس قال ابن بطال‏:‏ ووجه الدلالة من الحديث أن اللَّه تعالى عاتبه على جمع الجراد ولم يعاتبه على الاغتسال عريانًا فدل على جوازه‏.‏ وقال أيضًا‏:‏ وجه الاستدلال بهذا الحديث وحديث أبي هريرة الذي سيأتي أنهما يعني أيوب وموسى ممن أمر بالإقتداء به‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا إنما يأتي على رأي من يقول شرع من قبلنا شرع لنا والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قص القصتين ولم يتعقب شيئًا منهما فدل على موافقتهما لشرعنا وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق لبينه فيجمع بين الأحاديث بحمل الأحاديث التي فيها الإرشاد إلى التستر على الأفضل‏.‏

3- وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده فقالوا‏:‏ واللَّه ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر قال‏:‏ فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال‏:‏ فجمح موسى عليه السلام بأثره يقول‏:‏ ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى عليه السلام فقالوا‏:‏ واللَّه ما بموسى بأس قال‏:‏ فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربًا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانت بنو إسرائيل‏)‏ أي جماعتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يغتسلون عراة‏)‏ ظاهره أن ذلك كان جائزًا في شرعهم وإلا لما أقرهم موسى على ذلك وكان هو عليه السلام يغتسل وحده أخذًا بالأفضل‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وأغرب ابن بطال فقال‏:‏ هذا يدل على أنهم كانوا عصاة له وتبعه على ذلك القرطبي فأطال في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آدر‏)‏ هو بالمد وفتح الدال المهملة وتخفيف الراء قال الجوهري‏:‏ الأدرة نفخة في الخصية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجمح‏)‏ بالجيم ثم بالميم ثم الحاء المهملة أي جرى مسرعًا‏.‏ وفي رواية فخرج‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثوبي حجر‏)‏ إنما خاطبه لأنه أجراه مجرى من يعقل لكونه فر بثوبه فانتقل من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه فلما لم يرد عليه ثوبه ضربه‏.‏ وقيل يحتمل أن يكون أراد بضربه إظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه ويحتمل أن يكون عن وحي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى نظرت‏)‏ ظاهره أنهم رأوا جسده وبه يتم الاستدلال على جواز النظر عند الضرورة وأبدى ابن الجوزي احتمال أن يكون كان عليه مئزر لأنه يظهر ما تحته بعد البلل واستحسن ذلك ناقلًا له عن بعض مشايخه قال الحافظ‏:‏ وفيه نظر‏.‏ والحديث قد تقدم الكلام على وجه دلالته في الذي قبله‏.‏

 باب الدخول في الماء بغير إزار‏

1- عن علي بن زيد عن أنس بن مالك قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إن موسى بن عمران عليه السلام كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث قال في مجمع الزوائد‏:‏ رجاله موثقون إلا أن علي بن زيد مختلف في الاحتجاج به وهذا نوع من الستر المندوب إليه فهو مندرج تحت عموم الأدلة القاضية بمشروعية الستر‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى‏:‏ وقد نص أحمد على كراهة دخول الماء بغير إزار وقال إسحاق‏:‏ هو بالإزار أفضل لقول الحسن والحسين رضي اللَّه عنهما وقد قيل لهما وقد دخلا الماء وعليهما بردان فقالا‏:‏ إن للماء سكانًا قال إسحاق‏:‏ وإن تجرد رجونا أن لا يكون إثمًا واحتج بتجرد موسى عليه السلام انتهى‏.‏

 باب ما جاء في دخول الحمام

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كانت تؤمن باللَّه واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث في إسناده أبو خيرة قال الذهبي‏:‏ لا يعرف‏.‏ وأحاديث الحمام لم يتفق على صحة شيء منها‏.‏ قال المنذري‏:‏ وأحاديث الحمام كلها معلولة وإنما يصح منها عن الصحابة‏.‏

ويشهد لحديث الباب حديث عمر بن الخطاب الذي سيذكره المصنف في باب من دعي فرأى منكرًا من كتاب الوليمة وقد أخرج الفصل الأول من هذا الحديث الترمذي من حديث جابر وقال‏:‏ حسن غريب وفيه ليث بن أبي سليم‏.‏ وقد رواه أحمد أيضًا من طريق ثانية من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر‏.‏

وأخرج معناه أبو داود والترمذي من حديث عائشة قالت‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الرجال والنساء عن دخول الحمام ثم رخص للرجال أن يدخلوه في المآزر‏)‏‏.‏

لكنه من حديث حماد بن سلمة عن عبد اللَّه بن شداد عن أبي عذرة عنها وأبو عذرة مجهول‏.‏ قال الترمذي‏:‏ لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة وإسناده ليس بذاك القائم‏.‏

وأخرج أبو داود والترمذي من حديثها أنها قالت لنسوة دخلن عليها من نساء الشام‏:‏ لعلكن من الكورة التي يدخل نساؤها الحمام قلن‏:‏ نعم قالت‏:‏ أما إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت ما بينها وبين اللَّه من حجاب‏)‏ وهو من حديث شعبة عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبي المليح عنها وكلهم رجال الصحيح‏.‏

وروي عن جرير عن سالم عنها وكان سالم يدلس ويرسل وقال الترمذي بعد ذكر الحديث‏:‏ حسن‏.‏ وفي رواية للنسائي عن جابر‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام إلا من عذر‏)‏ هكذا بلفظ إلا من عذر في الجامع ولم يذكر هذا الاستثناء الترمذي ولم يوجد الحديث في النسائي ولعل ذلك في بعض النسخ‏.‏

قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير في بعض أجوبته‏:‏ والظاهر أنه غلط ولم يذكره الشريف أبو المحاسن في كتابه في الحمام ولم يذكر الاستثناء في حديث جابر ولا عزاه إلى النسائي‏.‏ وقد رواه من حديث جابر بلفظ‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر‏)‏ ورواه الشريف أبو المحاسن في كتابه في الحمام من طريق سعيد بن أبي عروبة عن أبي الزبير عن جابر وليس في شيء من الطرق ذكر العذر‏.‏

وحديث الباب يدل على جواز الدخول للذكور بشرط لبس المآزر وتحريم الدخول بدون مئزر وعلى تحريمه على النساء مطلقًا واستثناء الدخول من عذر لهن لم يثبت من طريق تصلح للاحتجاج بها فالظاهر المنع مطلقًا‏.‏ ويؤيد ذلك ما سلف من حديث عائشة الذي روته لنساء الكورة وهو أصح ما في الباب إلا لمريضة أو نفساء كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا إن صح‏.‏

2- وعن عبد اللَّه بن عمر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إنها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمامات فلا يدخلنها الرجال إلا بالإزار وامنعوا النساء إلا مريضة أو نفساء‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏

الحديث في إسناده عبد الرحمن بن أنعم الإفريقي وقد تكلم عليه غير واحد‏.‏ وفي إسناده أيضًا عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية وقد غمزه البخاري وابن أبي حاتم وهو يدل على تقييد الجواز للرجال بلبس الإزار ووجوب المنع على الرجال للنساء إلا لعذر المرض والنفاس وهذا أعني استثناء المريضة والنفساء أخص من استثناء العذر المذكور في حديث النسائي فيقتصر عليهما وقد عرفت ما فيه‏.‏

قال المصنف‏:‏ وفيه أن من حلف لا يدخل بيتًا فدخل حمامًا حنث انتهى‏.‏

 كتاب التيمم

التيمم في اللغة القصد‏.‏ قال الأزهري‏:‏ التيمم في كلام العرب القصد يقال تيممت فلانًا وتأممته ويممته وأممته أي قصدته‏.‏ وفي الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة ونحوها قاله في الفتح‏.‏

واعلم أن التيمم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وهي خصيصة خصص اللَّه تعالى بها هذه الأمة‏.‏

قال في الفتح‏:‏ واختلف هل التيمم عزيمة أو رخصة وفصل بعضهم فقال‏:‏ هو لعدم الماء عزيمة وللعذر رخصة‏.‏

 باب تيمم الجنب للصلاة إذا لم يجد ماء

1- عن عمران بن حصين قال‏:‏ ‏(‏كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل فقال‏:‏ ما منعك أن تصلي قال‏:‏ أصابتني جنابة ولا ماء قال‏:‏ عليك بالصعيد فإنه يكفيك‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا هو برجل‏)‏ وقع في شرح العمدة للشبح سراج الدين ابن الملقن أن هذا الرجل هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة شهد بدرًا‏.‏ قال ابن الكلبي‏:‏ وقتل يومئذ وقال غيره‏:‏ له رواية‏.‏ وهذا يدل على أنه عاش بعد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أما على قول الكلبي فيستحيل أن يكون هو صاحب هذه القصة لتقدم وقعة بدر على هذه القصة بمدة طويلة بلا خلاف وأما على قول غيره فيحتمل أن يكون هو لكن لا يلزم من كون له رواية أن يكون عاش بعد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لاحتمال أن تكون الرواية عنه منقطعة أو متصلة لكن نقلها عنه صحابي آخر وعلى هذا فلا منافاة بين هذا وبين من قال أنه قتل ببدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصابتني جنابة ولا ماء‏)‏ بفتح الهمزة أي معي أي موجود وهو أبلغ في إقامة عذره لما فيه من عموم النفي كأنه نفى وجود الماء بالكلية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عليك بالصعيد‏)‏ اللام للعهد المذكور في الآية الكريمة ودل قوله‏:‏ يكفيك على أن المتيمم في مثل هذه الحال لا يلزمه القضاء ويحتمل أن يكون المراد بقوله‏:‏ ‏(‏يكفيك‏)‏ أي للأداء فلا يدل على ترك القضاء والأول أظهر‏.‏

والحديث يدل على مشروعية التيمم للصلاة عند عدم الماء من غير فرق بين الجنب وغيره وقد أجمع على ذلك العلماء ولم يخالف فيه أحد من الخلف ولا من السلف إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن مسعود وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب‏.‏ وقيل إن عمر وعبد اللَّه رجعا عن ذلك‏.‏ وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة‏.‏

وإذا صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء إلا ما يحكى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام التابعي أنه قال‏:‏ لا يلزمه وهو مذهب متروك بإجماع من بعده ومن قبله وبالأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم للجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء‏.‏

 باب تيمم الجنب للجرح

1- عن جابر قال‏:‏ ‏(‏خرجنا في سفر فأصاب رجلًا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه‏:‏ هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا‏:‏ ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أخبر بذلك فقال‏:‏ قتلوه قتلهم اللَّه ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والدارقطني‏.‏

الحديث رواه أيضًا ابن ماجه وصححه ابن السكن وقد تفرد به الزبير بن خريق وليس بالقوي قاله الدارقطني وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء عن ابن عباس وهو الصواب‏.‏

قال الحافظ‏:‏ رواه أبي داود أيضًا من حديث الأوزاعي قال‏:‏ بلغني عن عطاء عن ابن عباس‏.‏ ورواه الحاكم عن بشر بن بكر عن الأوزاعي حدثني عطاء عن ابن عباس‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ اختلف فيه الأوزاعي والصواب أن الأوزاعي أرسل آخره عن عطاء‏.‏ وقال أبو زرعة وأبو حاتم‏:‏ لم يسمعه الأوزاعي من عطاء إنما سمعه من إسماعيل بن مسلم عن عطاء ونقل ابن السكن عن ابن أبي داود أن حديث الزبير بن خريق أصح من حديث الأوزاعي‏.‏ وقد رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث الوليد بن عبيد بن أبي رباح عن عمه عطاء ابن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعًا‏.‏ والوليد بن عبيد ضعفه الدارقطني وقواه من صحح حديثه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العي‏)‏ بكسر العين هو التحير في الكلام قيل هو ضد البيان‏.‏

والحديث يدل على جواز العدول إلى التيمم لخشية الضرر وقد ذهب إلى ذلك العترة ومالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وذهب أحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه إلى عدم جواز التيمم لخشية الضرر قالوا‏:‏ لأنه واحد‏.‏ والحديث وقوله‏:‏ تعالى ‏{‏وإن كنتم مرضى‏}‏ الآية يردان عليهما‏.‏

ويدل الحديث أيضًا على وجوب المسح على الجبائر ومثله حديث علي عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏أمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمسح على الجبائر‏)‏ وقد اتفق الحفاظ على ضعفه وقد ذهب إلى وجوب المسح على الجبائر المؤيد باللَّه والهادي في أحد قوليه‏.‏

وروي عن أبي حنيفة والفقهاء السبعة فمن بعدهم وبه قال الشافعي لكن بشرط أن توضع على طهر وأن لا يكون تحتها من الصحيح إلا ما لا بد منه والمسح المذكور عندهم يكون بالماء لا بالتراب‏.‏

وذهب أبو العباس وأبو طالب وهو أحد قولي الهادي وروي عن أبي حنيفة أنه لا يمسح بل يسقط كعبادة تعذرت ولأن الجبيرة كعضو آخر وآية الوضوء لم تتناول ذلك واعتذروا عن حديث جابر وعلي بالمقال الذي فيهما وقد تعاضدت طرق حديث جابر فصلح للاحتجاج به على المطلوب وقوي بحديث علي ولكن حديث جابر قد دل على الجمع بين الغسل والمسح والتيمم‏.‏

 باب الجنب يتيمم لخوف البرد

1- عن عمرو بن العاص‏:‏ ‏(‏أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال‏:‏ احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذكروا ذلك له فقال‏:‏ يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فقلت‏:‏ ذكرت قول اللَّه تعالى ‏{‏ولا تقتلوا أنفسكم إن اللَّه كان بكم رحيمًا‏}‏ فتيممت ثم صليت فضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم يقل شيئًا‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والدارقطني‏.‏

الحديث أخرجه البخاري تعليقًا وابن حبان والحاكم واختلف فيه على عبد الرحمن بن جبير فقيل عنه عن أبي قيس عن عمرو وقيل عنه عن عمرو بلا واسطة لكن الرواية التي فيها أبو قيس ليس فيها إلا أنه غسل مغابنه فقط‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ روى هذه القصة الأوزاعي عن حسان بن عطية وفيه ‏(‏فتيمم‏)‏ ورجح الحاكم إحدى الروايتين وقال البيهقي‏:‏ يحتمل أن يكون فعل ما في الروايتين جميعًا فيكون قد غسل ما أمكنه وتيمم للباقي وله شاهد من حديث ابن عباس ومن حديث أبي أمامة عند الطبراني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذات السلاسل‏)‏ هي موضع وراء وادي القرى وكانت هذه الغزوة في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأشفقت‏)‏ أي خفت وحذرت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم يقل شيئًا‏)‏ فيه دليلان على جواز التيمم عند شدة البرد ومخافة الهلاك‏:‏ الأول التبسم والاستبشار والثاني عدم الإنكار لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يقر على باطل والتبسم والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على الجواز فإن الاستبشار دلالته على الجواز بطريق الأولى‏.‏

وقد استدل بهذا الحديث الثوري ومالك وأبو حنيفة وابن المنذر على أن من تيمم لشدة البرد وصلى لا تجب عليه الإعادة لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يأمره بالإعادة ولو كانت واجبة لأمره بها ولكنه أتى بما أمر به وقدر عليه فأشبه سائر من يصلي بالتيمم‏.‏

قال ابن رسلان‏:‏ لا يتيمم لشدة البرد من أمكنه أن يسخن الماء أو يستعمله على وجه يأمن الضرر مثل أن يغسل عضوًا ويستره وكلما غسل عضوًا ستره ودفاه من البرد لزمه ذلك وإن لم يقدر تيمم وصلى في قول أكثر العلماء‏.‏ وقال الحسن وعطاء‏:‏ يغتسل وإن مات ولم يجعلا له عذرًا‏.‏

ومقتضى قول ابن مسعود ‏[‏قول ابن مسعود هذا ذكره البخاري في باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت عن شقيق بن سلمة قال‏:‏ كنت عند عبد اللَّه وأبي موسى فقال له أبو موسى‏:‏ أرأيت يا أبا عبد الرحمن وهي كنية ابن مسعود إذا أجنب فلم يجد الماء كيف يصنع فقال عبد اللَّه‏:‏ لا يصلي حتى يجد الماء فقال أبو موسى‏:‏ فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ كان يكفيك قال‏:‏ ألم تر عمر لم يقنع بذلك فقال أبو موسى‏:‏ فدعنا من قول عمار كيف تصنع بهذه الآية فما درى عبد اللَّه ما يقول فقال‏:‏ إنا لو رخصنا لهم في هذا ولا شك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم فقلت لشقيق‏:‏ فإنما كره عبد اللَّه لهذا قال‏:‏ نعم‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ فيه جواز التيمم للجنب بخلاف ما نقل عن عمر وابن مسعود وفيه إشارة إلى ثبوت حجة أبي موسى لقوله‏:‏ فما درى عبد اللَّه ما يقول‏.‏

ثم قال في الباب الثاني إن ابن مسعود لا عذر له في التوقف عن قبول حديث عمار فلهذا جاء عنه أنه رجع عن الفتيا بذلك كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد فيه انقطاع عنه اهـ‏.‏ والآية التي أشار إليها أبو موسى هي آية سورة المائدة كما جاء في الباب الذي بعد هذا الباب قال الحافظ‏:‏ وإنما عين سورة المائدة لكونها أظهر في مشروعية تيمم الجنب من آية النساء لتقدم حكم الوضوء في المائدة قال الخطابي وغيره‏:‏ وفيه دليل على أن عبد اللَّه كان يرى أن المراد بالملامسة الجماع فلهذا لم يدفع دليل أبي موسى وإلا لكان يقول له المراد من الملامسة التقاء البشرتين فيما دون الجماع وجعل التيمم بدلًا من الوضوء لا يستلزم جعله بدلًا من الغسل اهـ‏]‏‏:‏ لو رخصنا لهم لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا أنه لا يتيمم لشدة البرد‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى بعد أن ساق الحديث ما لفظه‏:‏ فيه من العلم إثبات التيمم لخوف البرد وسقوط الفرض به وصحة إقتداء المتوضئ بالمتيمم وأن التيمم لا يرفع الحدث وأن التمسك بالعمومات حجة صحيحة انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏وأن التيمم لا يرفع الحدث‏)‏ لعله مستفاد من قوله‏:‏ صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏صليت بأصحابك وأنت جنب‏)‏‏.‏