فصل: تفسير الآيات (27- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (27- 28):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها} قال: أحمر وأصفر {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها} أي جبال حمر {وغرابيب سود} والغرابيب السود يعني لونه كما اختلفت ألوان هذه الجبال، وألوان الناس والدواب والأنعام كذلك {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال: كان يقال كفى بالرهبة علماً.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ثمرات مختلفاً ألوانها} قال: الأبيض، والأحمر، والأسود وفي قوله: {ومن الجبال جدد بيض} قال: طرائق بيض يعني الألوان.
وأخرج البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أيصبغ ربك؟ قال: نعم. صبغاً لا ينقض. أحمر. وأصفر. وأبيض».
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {جدد} قال: طرائق. طريقة بيضاء، وطريقة خضراء. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الشاعر وهو يقول:
قد غادر السبع في صفحاتها جدداً ** كأنها طرق لاحت على أكم

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ومن الجبال جدد بيض} قال: طرائق بيض {وغرابيب سود} قال: جبال سود.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الغرابيب الأسود الشديد السواد.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله: {مختلفاً ألوانها} قال: منها الأحمر والأبيض والأخضر والأسود، وكذلك ألوان الناس منهم الأحمر والأسود والأبيض، وكذلك الدواب، والأنعام.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله: {ومن الجبال جدد} قال: طرائق تكون في الجبل بيض وحمر، فتلك الجدد {وغرابيب سود} قال: جبال سود {ومن الناس والدواب والأنعام...}. قال: كذلك اختلاف الناس والدواب والأنعام، كاختلاف الجبال. ثم قال: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} فلا فضل لما قبلها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {ومن الجبال جدد بيض} قال: طرائق مختلفة، كذلك اختلاف ما ذكر من اختلاف ألوان الناس والدواب والأنعام، كذلك كما اختلفت هذه الأنعام تختلف الناس في خشية الله كذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: الخشية والايمان والطاعة والتشتت في الألوان.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال: العلماء بالله الذين يخافونه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ليس العلم من كثرة الحديث، ولكن العلم من الخشية.
وأخرج ابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير قال: العالم من خشي الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن صالح أبي الخليل رضي الله عنه في قوله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال: أعلمهم بالله أشدهم له خشية.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان عن أبي حيان التيمي عن رجل قال: كان يقال العلماء ثلاثة. عالم بالله، وعالم بأمر الله، وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله. فالعالم بالله وبأمر الله: الذي يخشى الله، ويعلم الحدود والفرائض. والعالم بالله ليس بعالم بأمر الله: الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض، والعالم بأمر الله ليس بعالم بالله: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى الله.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي عن مالك بن أنس رضي الله عنه قال: إن العلم ليس بكثرة الرواية، إنما العلم نور يقذفه الله في القلب.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: الإِيمان من خشي الله بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما أسخط الله. ثم تلا {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.
وأخرج عبد بن حميد عن مسروق قال: كفى بالمرء علماً أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعمله.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كفى بخشية الله علماً، وكفى باغترار المرء جهلاً.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال: الفقيه من يخاف الله.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن العباس العمي قال: بلغني أن داود عليه السلام قال: سبحانك! تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السموات والأرض، فأقرب خلقك إليك أشدهم لك خشية، وما علم من لم يخشك، وما حكمة من لم يطع أمرك.
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلم علمان: علم في القلب، فذاك العلم النافع. وعلم على اللسان، فتلك حجة الله على خلقه».
وأخرج ابن أبي شيبة عن حذيفة قال: بحسب المرء من العلم أن يخشى الله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن لا يكون صخاباً، ولا صياحاً، ولا حديداً.
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن وهب بن منبه قال: أقبلت مع عكرمة أقود ابن عباس رضي الله عنهما بعدما ذهب بصره حتى دخل المسجد الحرام، فإذا قوم يمترون في حلقة لهم عند باب بني شيبة فقال: أمل بي إلى حلقة المراء، فانطلقت به حتى أتاهم، فسلم عليهم، فارادوه على الجلوس، فأبى عليهم وقال: انتسبوا إليّ أعرفكم فانتسبوا إليه فقال: أما علمتم أن لله عباداً أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم، إنهم لهم الفصحاء، النطقاء، النبلاء، العلماء بأيام الله، غير أنهم إذا ذكروا عظمة الله طاشت عقولهم من ذلك، وانكسرت قلوبهم، وانقطعت ألسنتهم، حتى إذا استقاموا من ذلك سارعوا إلى الله بالأعمال الراكية، فأين أنتم منهم؟ ثم تولى عنهم، فلم ير بعد ذلك رجلان.
وأخرج الخطيب فيه أيضاً عن سعيد بن المسيب قال: وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس ثماني عشرة كلمة حكم كلها قال: ما عاقبت من عصى الله فيك مثل أن تطيع الله فيه، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك منه ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شراً أنت تجد لها في الخير محملاً، ومن عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء الظن به. من كتم سره كانت الخيرة في يده، وعليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم زينة في الرخاء، عدة في البلاء، وعليك بالصدق وإن قتلك، ولا تعرض فيما لا يعني، ولا تسأل عما لم يكن، فإن فيما كان شغلاً عما لم يكن، ولا تطلب حاجتك إلى من لا يحب نجاحها لك، ولا تهاون بالحلف الكاذب فيهلكك الله، ولا تصحب الفجار لتعلم من فجورهم، واعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خشي الله، وتخشع عند القبور، وذل عند الطاعة، واستعصم عند المعصية، واستشر الذين يخشون الله، فإن الله تعالى يقول {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.
وأخرج عبد بن حميد عن مكحول قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العالم والعابد فقال: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ثم قال إن الله وملائكته، وأهل السماء، وأهل الأرض، والنون في البحر، ليصلون، على معلمي الخير».

.تفسير الآيات (29- 31):

{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)}
أخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس؛ أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي، نزلت فيه {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة...} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يرجون تجارة لن تبور} قال: الجنة {لن تبور} لا تبيد {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} قال: هو كقوله: {ولدينا مزيد} [ ق: 35] {إنه غفور} قال: لذنوبهم {شكور} لحسناتهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {يرجون تجارة لن تبور} قال: لن تهلك.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة...}. قال كان مطرف بن عبد الله يقول: هذه آية القراء.

.تفسير الآيات (32- 36):

{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} قال: هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وأخرج الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات} قال: هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة».
وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات، بإذن الله} فأما الذين سبقوا، فأولئك يدخلون الجنة بغير حساب. وأما الذين اقتصدوا، فأولئك الذين يحاسبون حساباً يسيراً، وأما الذين ظلموا أنفسهم، فأولئك يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلقاهم الله برحمة، فهم الذين يقولون {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} قال البيهقي: إن أكثر الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً».
وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة: أرأيت قول الله: {ثم أورثنا الكتاب...}. قالت: أما السابق، فقد مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالجنة. وأما المقتصد، فمن اتبع أمرهم، فعمل بمثل أعمالهم حتى يلحق بهم. وأما الظالم لنفسه، فمثلي ومثلك، ومن اتبعنا. وكل في الجنة.
وأخرج الطبراني والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد رضي الله عنه {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة».
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمتي ثلاثة أثلاث: فثلث يدخلون الجنة بغير حساب. وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة. وثلث يمحصون ويكسفون، ثم تأتي الملائكة فيقولون: وجدناهم يقولون: لا إله إلا الله وحده فيقول الله: أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلا الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب وهي التي قال الله: {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم} وتصديقاً في التي ذكر الملائكة قال الله تعالى {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} فجعلهم ثلاثة أنواع {فمنهم ظالم لنفسه} فهذا الذي يكسف ويمحص {ومنهم مقتصد} وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً {ومنهم سابق بالخيرات} فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب باذن الله. يدخلونها جميعاً لم يفرق بينهم {يحلون فيها من أساور من ذهب} إلى قوله: {لغوب}».
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: هذه الآية ثلاثة أثلاث يوم القيامة. ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، وثلث يحبسون بذنوب عظام إلا أنهم لم يشركوا. فيقول الرب «أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي» ثم قرأ {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا...}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية قال: الا أن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.
وأخرج العقيلي وابن لال وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له»، وقرأ عمر {فمنهم ظالم لنفسه...}.
وأخرج ابن النجار عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب. والمقتصد برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان: أنه نزع بهذه الآية قال: إن سابقنا أهل جهاد. ألا وأن مقتصدنا ناج أهل حضرنا، ألا وأن ظالمنا أهل بدونا.
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله: {فمنهم ظالم لنفسه} قال: أشهد على الله أنه يدخلهم الجنة جميعاً.
وأخرج الفريابي وابن مردويه عن البراء قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} قال: كلهم ناج وهي هذه الأمة».
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: {ثم أورثنا الكتاب...}. قال: هي مثل الذي في الواقعة {فأصحاب الميمنة} {وأصحاب المشئمة} {والسابقون} صنفان ناجيان، وصنف هالك.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله: {فمنهم ظالم لنفسه...}. قال: {الظالم لنفسه} هو الكافر {والمقتصد} أصحاب اليمين.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن كعب الأحبار أنه تلا هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} إلى قوله: {لغوب} قال: دخلوها ورب الكعبة، وفي لفظ قال: كلهم في الجنة.
ألا ترى على أثره {والذين كفروا لهم نار جهنم} فهؤلاء أهل النار فذكر ذلك للحسن فقال: أبت ذلك عليهم الواقعة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة فقال: «مسوّرون بالذهب والفضة، مكللة بالدر وعليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة، وعليهم تاج كتاج الملوك، جرد، مرد، مكحلون».
وأخرج ابن مردويه والديلمي عن حذيفة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يبعث الله الناس على ثلاثة أصناف، وذلك في قوله: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} فالسابق بالخيرات يدخل الجنة بلا حساب، والمقتصد يحاسب حساباً يسيراً، والظالم لنفسه يدخل الجنة برحمة الله».
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ثم أورثنا الكتاب} قال: جعل الله أهل الإِيمان على ثلاثة منازل كقوله: {أصحاب الشمال ما أصحاب الشمال} [ الواقعة: 41]، {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} [ الواقعة: 27]، {والسابقون السابقون} [ الواقعة: 10]، {أولئك المقربون} [ الواقعة: 11] فهم على هذا المثال.
وأخرج ابن مردويه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فمنهم ظالم لنفسه} قال: الكافر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {فمنهم ظالم لنفسه} قال: هذا المنافق {ومنهم مقتصد} قال: هذا صاحب اليمين {ومنهم سابق بالخيرات} قال: هذا المقرب قال قتادة: كان الناس ثلاث منازل عند الموت، وثلاث منازل في الدنيا، وثلاث منازل في الآخرة. فأما الدنيا فكانوا: مؤمن، ومنافق، ومشرك. وأما عند الموت فإن الله قال: {فأما إن كان من المقربين...} [ الواقعة: 88] {وأما إن كان من أصحاب اليمين...} [ الواقعة: 90] {وأما إن كان من المكذبين الضالين} [ الواقعة: 92]. وأما الآخرة فكانوا أزواجاً ثلاثة {فأصحاب الميمنة} {وأصحاب المشئمة} {والسابقون السابقون أولئك المقربون}.
وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن الحسن {فمنهم ظالم لنفسه} قال: هو المنافق سقط والمقتصد والسابق بالخيرات في الجنة.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي عن عبيد بن عمير في الآية قال: كلهم صالح.
وأخرج عبد بن حميد عن صالح أبي الخليل قال: قال كعب يلومني أحبار بني إسرائيل إني دخلت في أمة فرقهم الله ثم جمعهم، ثم أدخلهم الجنة، ثم تلا هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} حتى بلغ {جنات عدن يدخلونها} قال: قال فادخلهم الله الجنة جميعاً.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: العلماء ثلاثة: منهم عالم لنفسه ولغيره، فذلك أفضلهم وخيرهم. ومنهم عالم لنفسه محسن. ومنهم عالم لا لنفسه ولا لغيره، فذلك شرهم.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مسلم الخولاني قال: قرأت في كتاب الله أن هذه الأمة تصنف يوم القيامة على ثلاثة أصناف: صنف منهم يدخلون الجنة بغير حساب.
وصنف يحاسبهم الله حساباً يسيراً ويدخلون الجنة. وصنف يوقفون ويؤخذ منهم ما شاء الله، ثم يدركهم عفو الله وتجاوزه.
وأخرج عبد بن حميد عن كعب في قوله: {جنات عدن يدخلونها} قال: دخلوها ورب الكعبة، فأخبر الحسن بذلك فقال: أبت والله ذلك عليهم الواقعة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبدالله بن الحارث أن ابن عباس سأل كعباً عن قوله: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا...}. نجوا كلهم، ثم قال: تحاكت مناكبهم ورب الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن الحنفية قال: أعطيت هذه الأمة ثلاثاً لم تعطها أمة كانت قبلها {منهم ظالم لنفسه} مغفور له {ومنهم مقتصد} في الجنان {ومنهم سابق} بالمكان الأعلى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه} قال: هم أصحاب المشئمة {ومنهم مقتصد} قال: هم أصحاب الميمنة {ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله} قال: هم السابقون من الناس كلهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ذلك هو الفضل الكبير} قال: ذاك من نعمة الله.
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري «أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله: {جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ} فقال: إن عليهم التيجان. ان أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله أهل الجنة حين دخلوا الجنة {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: هم قوم كانوا في الدنيا يخافون الله، ويجتهدون له في العبادة سراً وعلانية، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت. فعندها {قالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} غفر لنا العظيم، وشكر لنا القليل من أعمالنا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: حزن النار.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {الذي أذهب عنا الحزن} قال: ما كانوا يعملون.
وأخرج الحاكم وأبو نعيم وابن مردويه عن صهيب رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المهاجرون هم السابقون الْمُدِلُّون على ربهم، والذي نفس محمد بيده انهم ليأتون يوم القيامة على عواتقهم السلاح، فيقرعون باب الجنة، فتقول لهم الخزنة، من أنتم؟ فيقولون: نحن المهاجرون فتقول لهم الخزنة: هل حوسبتم؟ فيجثون على ركبهم ويرفعون أيديهم إلى السماء فيقولون: أي رب أبهذه نحاسب؟! قد خرجنا وتركنا الأهل والمال والولد، فيمثل الله لهم أجنحة من ذهب، مخوّصة بالزبرجد والياقوت، فيطيرون حتى يدخلوا الجنة فذلك قوله: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} إلى قوله: {ولا يمسنا فيها لغوب} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلهم بمنازلهم في الجنة أعرف منهم بمنازلهم في الدنيا».
وأخرج ابن المنذر عن شمر بن عطية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حيث دخلوا الجنة {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: حزنهم هو الحزن».
وأخرج ابن أبي حاتم عن شمر بن عطية رضي الله عنه في قوله: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: الجوع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه في قوله: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: طلب الخبز في الدنيا، فلا نهتم له كاهتمامنا له في الدنيا طلب الغداء والعشاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه قال: ينبغي لمن يحزن أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة، لأنهم قالوا {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} وينبغي لمن يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة، لأنهم {قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} [ الطور: 26].
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن شمر بن عطية رضي الله عنه في قوله: {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} قال: حزن الطعام {إن ربنا لغفور شكور} قال: غفر لهم الذنوب التي عملوها، وشكر لهم الخير الذي دلهم عليه، فعملوا به، فأثابهم عليه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي رافع رضي الله عنه قال: يأتي يوم القيامة العبد بدواوين ثلاثة: بديوان فيه النعم. وديوان فيه ذنوبه. وديوان فيه حسناته. فيقال لأصغر نعمة عليه: قومي فاستوفي ثمنك من حسناته، فتقوم فتستوهب تلك النعمة حسناته كلها، وتبقي بقية النعم عليه وذنوبه كاملة. فمن ثم يقول العبد إذا أدخله الله الجنة {إن ربنا لغفور شكور}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إن ربنا لغفور شكور} يقول {غفور} لذنوبهم {شكور} لحسناتهم {الذي أحلنا دار المقامة من فضله} قال: أقاموا فلا يتحوّلون ولا يحوّلون {لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب} قال: قد كان القوم ينصبون في الدنيا في طاعة الله، وهم قوم جهدهم الله قليلاً، ثم أراحهم كثيراً فهنيئاً لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله إن النوم مما يُقِرُّ الله به أعيننا في الدنيا، فهل في الجنة من نوم؟ قال: «لا إن النوم شريك الموت، وليس في الجنة موت قال: يا رسول الله فما راحتهم؟ فأعظم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ليس فيها لغوب، كل أمرهم راحة فنزلت {لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب}».
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {لا يمسنا فيها نصب} أي وجع.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لغوب} قال: إعياء.