الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الدرر في اختصار المغازي والسير
.صرف القبلة: وصرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة في السنة الثانية على رأس ستة عشر شهرا، وقيل: سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وذلك قبل بدر بشهرين، وقد ذكرنا الاختلاف في الصلاة بمكة قبل الهجرة، هل كانت إلى الكعبة أو إلى بيت المقدس؟ والروايات بالوجهين في كتاب التمهيد في كتاب الاستذكار، وَرُوِيَ أن أول من صلى إلى الكعبة حين صرفت القبلة عن بيت المقدس أَبُو سعيد بْن المعلى، وذلك أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب بتحويل القبلة، فقام فصلى ركعتين إلى الكعبة..غزوة بدر: .غزوة بدر الثانية: وهي أعظم المشاهد فضلا لمن شهدها، فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة بعد بعث عَبْد اللهِ بْن جحش باقي رجب وشعبان، ثم اتصل به في رمضان أن عيرا لقريش عظيمةً، فيها أموال لهم كثيرة، مقبلة من الشام إلى مكة معها ثلاثون أو أربعون رجلا، رئيسهم أَبُو سفيان بْن حرب، وفيهم عمرو بْن العاص، ومخرمة بْن نوفل الزهري، فندب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين إلى تلك العير، وأمر من كان ظهره حاضرا بالخروج، ولم يحتفل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحشد، لأنه أراد العير، ولم يعلم أنه يلقى حربا، فاتصل بأبي سفيان أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خرج في طلبهم، فاستأجر ضمضم بْن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة مستصرخا لهم إلى نصر عيرهم، فنهض إلى مكة وهتف بها واستنفر، فخرج أكثر أهل مكة في ذلك النفير، ولم يتخلف من أشرافهم إلا أقلهم، وكان فيمن تخلف من أشرافهم أَبُو لهب، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة لثمان خلون من رمضان، واستعمل على المدينة عمرو بْن أم مكتوم العامري ليصلي بالمسلمين، ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة، ودفع اللواء إلى مصعب بْن عمير، ودفع الراية الواحدة إلى علي، والثانية إلى رجل من الأنصار، وكانتا سوداوين، وكانت راية الأنصار يومئذ مع سعد بْن معاذ، وكان مع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ سبعون بعيرا يعتقبونها، فكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلي، ومرثد بْن أبي مرثد يعتقبون بعيرا، وكان حمزة، وزيد بْن حارثة، وأبو كبشة، وأنسة موالي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتقبون بعيرا، وكان أَبُو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بْن عوف يعتقبون بعيرا، وجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الساقة قيس بْن أبي صعصعة من بني النجار، وسلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طريق العقيق إلى ذي الحليفة، إلى ذات الجيش، إلى فج الروحاء، إلى مضيق الصفراء، فلما قرب من الصفراء، بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبس بْن عمرو الجهني حليف بني ساعدة، وعدي بْن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتجسسان أخبار أبي سفيان وعيره، واستخبر النبي عليه السلام عن جبلي الصفراء، هل لهما اسم يعرفان به؟ فَأُخْبِرَ عنهما، وعن سكانهما بأسماء كرهها: بنو النار، وبنو حراق بطنان من غفار فتركهما على يساره وأخذ على يمينه، فلما خرج من ذلك الوادي، وأتاه الخبر بخروج نفير قريش لنصر العير، فأخبر أصحابه بذلك واستشارهم فيما يعملون، فتكلم كثير من المهاجرين، فتمادى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مشورته، وهو يريد ما تقول الأنصار، فبدر سعد بْن معاذ وقال: يا رسول الله، والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، فَسِرْ بنا يا رسول الله على بركة الله حيث شئت، فَسَرَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ وقال: سيروا وأبشروا، فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين، وسار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى نزل قريبا من بدر، وركب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع رجال من أصحابه مستخبرا، ثم انصرف، فلما أمسى بعث عليا، والزبير، وسعد بْن أبي وقاص في نفر إلى بدر يلتمسون الخبر، فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج السهميين، وأبو يسار عريض غلام بني سعيد بْن العاص بْن أمية، فَأَتَوْا بهما، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم يصلي، فسألوهما: من أنتما؟ فقالا: نحن سقاة قريش، فكره أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الخبر، وكانوا يرجون أن يكونا من العير لما في العير من الغنيمة وقلة المئونة، ولأن شوكة قريش شديدة، فجعلوا يضربونهما، فإذا آلمهما الضرب قالا: نحن من عير أبي سفيان، فسلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صلاته، وقال: إذا صَدَقَاكُمْ ضربتموهما، وإذا كَذَبَاكُمْ تركتموهما؟ ثم قَالَ لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أخبراني أين قريش؟»، قالا: هم وراء هذا الكثيب، فسألهما: «كم ينحرون كل يوم من الإبل؟»، قالا: عشرا من الإبل يوما وتسعا يوما، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «القوم ما بين التسع مائة إلى الألف»، وكان بسبس بْن عمرو، وعدي بْن أبي الزغباء اللذان بعثهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخبرين قد وصلا إلى ماء بدر، فأناخا بقرب الماء ثم استقيا في شنهما، ومجدي بْن عمرو بقربهما لم يفطنا به، فسمع بسبس وعدي جاريتين من جواري الحي وإحداهما تقول للأخرى: أعطيني دَيْنِي، فقالت الأخرى: إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك، فصدقهما مجدي، وكان عينا لأبي سفيان، ورجع بسبس وعدي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبراه بما سمعا، ولما قرب أَبُو سفيان من بدر، تقدم وحده حتى أتى ماء بدر، فقال لمجدي: هل أحسست أحدا؟ فقال: لا، إلا راكبين أناخا إلى هذا التل واستقيا الماء ونهضا، فأتى أَبُو سفيان مناخهما، فأخذ من أبعار بَعِيرَيْهِمَا فَفَتَّهُ، فإذا فيه النَّوَى، فقال: هذه والله علائف يثرب، فرجع سريعا حذرا فصرف العير عن طريقها، وأخذ طريق الساحل فنجا، وأوحى إلى قريش يخبرهم بأنه قد نجا هو والعير فارجعوا، فأبى أَبُو جهل، وقال: والله لا نرجع حتى نرى ماء بدر ونقيم عليه ثلاثا فتهابنا العرب أبدا، ورجع الأخنس بْن شريق الثقفي حليف بني زهرة بجميع بني زهرة، فلم يشهد بدرا أحد منهم، وكان الأخنس مطاعا فيهم، فقال لهم: إنما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت، وكان قد نفر من جميع بطون قريش جماعة إلا عدي بْن كعب فلم يكن نفر منهم أحد، فلم يحضر بدرا من المشركين عدوي ولا زهري، فسبق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا إلى ماء بدر، ومنع قريشا من السبق إليه مَطَرٌ أنزله الله عليهم عظيم، ولم يصب منه المسلمين إلا ما شد لهم دهس الوادي، وأعانهم على السير، فنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة، فأشار عليه الحباب بْن المنذر بْن عمرو بْن الجموح بغير ذلك، وقال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرأيت هذا المنزل؟ أَمَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ الله فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال عليه السلام: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله إن هذا ليس لك بمنزل، فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ونغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون، فاستحسن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك من رأيه وفعله، وَبُنِيَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريش يكون فيه، ومشى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مواضع الوقعة يعرض على أصحابه مصارع رءوس الكفار من قريش مصرعا مصرعا، يقول: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فما عَدَا واحد منهم مَصْرَعَهُ ذلك الذي حَدَّهُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نزلت قريش فيما يليهم بعثوا عمير بْن وهب الجمحي فحزر لهم أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا، منهم فارسان: المقداد والزبير، ثم انصرف، وأراد حكيم بْن حزام وعتبة بْن ربيعة قريشا على الرجوع وترك الحرب، وراما بهم كل مرام، فأبوا، وكان أَبُو جهل هو الذي أبى ذلك، وساعدوه على رأيه، وبدأت الحرب، فخرج عتبة بْن ربيعة، وشيبة بْن ربيعة، والوليد بْن عتبة يطلبون البراز، فخرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء، وعبد الله بْن رواحة الأنصاري، فقالوا: لستم لنا بأكفاء، وأبوا إلا قومهم، فخرج إليهم حمزة بْن عَبْد المطلب، وعبيدة بْن الحارث، وعلي بن أبي طالب، فقتل الله عتبة، وشيبة، والوليد، وَسَلِمَ حمزة، وعبيدة، وعلي، إلا أن عبيدة ضربه عتبة فقطع رجله، وَارْتُثَّ منها فمات بالصفراء، وَعَدَّلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصفوف، ورجع إلى العريش ومعه أَبُو بكر، وسائر أصحابه بارزون للقتال إلا سعد ابن معاذ في قوم من الأنصار، فإنهم كانوا وقوفا على باب العريش يحمون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أول قتيل قتل من المسلمين مهجع مولى عمر بْن الخطاب، أصابه سهم فقتله، وسمع عمير بْن الحمام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحث على القتال، ويرغب في الجهاد، وَيُشَوِّقُ إلى الجنة، وفي يده تمرات يأكلهن، فقال: بخ بخ، أما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ ثم رمى بالتمرات وقاتل حتى قتل، ثم منح الله عز وجل المسلمين النصر، وهزم المشركين، وانقطع يومئذ سيف عكاشة بْن محصن، فأعطاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جذلا من حطب، وقال له: دونك هذا، فصار في يده سيفا لم يكد الناس يرون مثله، أبيض كالملح، فلم يزل عنده يقاتل به حتى قتل في الردة رضي الله عنه، وكانت وقعة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، ثم أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلى المشركين فسحبوا إلى القليب ورموا فيه، وضم عليهم التراب، ثم وقف عليهم فناداهم: «هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا؟» فقيل له: يا رسول الله، تنادي أقواما أمواتا قد جَيَّفُوا؟ فقال: «ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون»، ومن هذا المعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الميت إذا دفن وانصرف الناس عنه: «إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين»، وجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأنفال عَبْد اللهِ بْن كعب بْن عمرو الأنصاري، ثم انصرف، فلما نزل الصفراء قسم بها الغنائم كما أمر الله عز وجل، وضرب بها عنق النضر بْن الحارث بْن علقمة بْن كلدة العبدري، وهو الذي جاءت ابنته قتيلة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنشدته: يا راكبا إن الأثيل مظنة من صبح خامسة وأنت موفق أبلغ به ميتا بأن تحية ما إن تزال بها النجائب تخفق مني إليه وعبرة مسفوحة جادت بواكفها وأخرى تخنق ظلت سيوف بني أبيه تنوشه لله أرحام هناك تشقق أمحمد يا خير ضنء كريمة من قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما مَنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق والنضر أقرب من قتلت قرابة وأحقهم إن كان عتق يعتق فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنِّي لَوْ سَمِعْتُ هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمْ أَقْتُلْهُ»، وهذا ليس معناه الندم، لأنه عليه السلام لا يقول ولا يفعل إلا حقا، لكن معناه لو شفعت عندي بهذا القول لقبلت شفاعتها، وفيه تنبيه على حق الشفاعة والضراعة، ولاسيما الاستعطاف بالشعر، فإن مكارم الأخلاق تقتضي إجازة الشاعر وتبليغه قصده، والله أعلم، ثم لما نزل عرق الظبية ضرب عنق عقبة بْن أبي معيط، قَالَ أَبُو عمر: روى عن عبادة بْن الصامت، قَالَ: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر فَلَقُوا العدو، فلما هزمهم الله، اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستلوت طائفة على العسكر والنهب، فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم، قالوا: لنا النفل، نحن طلبنا العدو، وبنا نفاهم الله وهزمهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أنتم أحق به منا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لئلا ينال العدو منه غرة، وقال الذين استلووا على العسكر والنهب: ما أنتم أحق به منا، هو لنا، نحن حويناه واستلوينا عليه، فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، فقسمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فواق بينهم، قَالَ أَبُو عمر: قَالَ أهل العلم بلسان العرب: استلووا: أطافوا وأحاطوا، يقال: الموت مستلو على العباد، وقوله: فقسمه عن فواق يعني عن سرعة، قالوا: والفواق: ما بين حلبتي الناقة، يقال: انتظره فواق ناقة أَيْ هذا المقدار، ويقولونها بالفتح والضم فَوَاق فُوَاق، وكان هذا قبل أن ينزل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية، وكان المعنى عند العلماء: أي إلى الله وإلى الرسول الحكم فيها والعمل بها بما يقرب من الله، وذكر مُحَمَّد بْن إسحاق قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَبِي الأَشْدَقِ، عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنِ الأَنْفَالِ، فَقَالَ: فِينَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللهُ مِنْ أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ إِلَى الرَّسُولِ، فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَوَاءٍ، يَقُولُ: عَلَى السَّوَاءِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللهِ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، وَإِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ. |