الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
وفي (الجواهر): للولي أن يحرم عن الصبي الذي لا يميز ويحضره المواقيت فيحصل الحج للصبي نفلا، والمميز يحرم بإذن الولي ويباشر لنفسه، ووافقنا (ش) وابن حنبل والجمهور، وقال (ح): لا ينعقد إحرامه بإحرام وليه؛ لأنه سبب يلزم الحج فلا يصير الصبي به محرما كالنذر، وجوابه: أنه ينتقض بالوضوء، فإنه لا يجب عليه بالنذر، ويصح منه، وفي الصحيحين عن ابن عباس: (أنه عليه السلام لقي ركبا بعسفان.. فذكر الحديث إلى أن قال: فرفعت إليه امرأة صبيا من محفتها، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر) وقد حج معه عليه السلام صبيان: ابن عباس وأنس وغيرهما، وقد سلم (ح): أنه إذا كان يتجنب ما يتجنبه المحرم فيكون محرما، وفي (الكتاب): إذا كان لا يتجنب ما ينهى عنه كابن ثمان سنين، فلا يجرد حتى يدنو من الحرم، وغيره يجرده من الميقاة خشية تكثير الأول من محظورات الحج، وإذا كان لا يتكلم لا يلبي عنه أبوه، وإذا نوى بتجريده الإحرام فهو محرم، ويجتنب ما يجتنبه البالغ كالصلاة، وإذا احتاج إلى دواء طبيب فعله به وفدى عنه، فإن الجائز لا يتوقف على التكليف كما يسجد لسهوه في صلاته، وإن لم يقو على الطواف طاف به من طاف عن نفسه محمولا على سنة الطواف، ولا يركع عنه إن لم يعقل الصلاة، لتعذر النيابة فيها شرعا، وله أن يسعى عنه وعن الصبي سعيا واحدا بخلاف الطواف، لخفة السعي لجوازه بغير وضوء، وقد قال (ح): إنه يجبر بالدم، ولا يرمي عنه إلا من رمى عن نفسه؛ لأن الأصل عدم تداخل الأعمال البدنية، ويجوز الإحرام بالصغار الذكور في أرجلهم الخلاخل، وفي أيديهم الإسورة، ويكره ذلك لهم من الذهب، قال سند: لا يحج بالصبي إلا أبوه أو وصيه، ومن له النظر في ماله، لتعلق ذلك بالإنفاق، وجوز ذلك في (الكتاب) لأمه وخاله وأخيه وعمه وشبههم، نظرا إلى شفقتهم، ويعضده حديث المرأة السابق، وللشافعية في غير الولي قولان، فإن أحرم المميز بغير إذن وليه: فظاهر قول مالك في (العتبية): عدم الانعقاد خلافا لأشهب؛ لأنه يؤدي إلى لزوم المال فلا ينعقد، وإذا كان الصبي يتكلم لقن التلبية، وإلا سقطت كما تسقط عن الأخرس، وإذا سقط وجوبها سقط دمها، وعلى قول ابن حبيب إنها كتكبيرة الإحرام: يلبي عنه وليه كما ينوي عنه. وفي (الجلاب): لا يجرد المرضع، ويجرد المتحرك، وكره مالك حج الرضيع. سؤال: الأجير يركع عن مستأجره فيركع الولي عن الصبي فإنه كالأجير؟ جوابه: ينتقض بالوقوف، فإن الأجير يقف عن المستأجر، والولي لا يقف عن الصبي، بل يقف به، قال: ويخرج به يوم التروية، ويقف به ويبيت به بالمزدلفة، وإن أمكنه الرمي رمى، وإلا رمى عنه، قال في (الموازية): إذا فسد حجه فعليه القضاء والهدي، وفي (الجواهر): إذا بلغ الصبي في حجه لم يقع عن حجة الإسلام. قال ابن القاسم في (الكتاب): ليس للأب أو لمن هو في حجره من وصي أو غيره أن يحجه ويزيد في نفقة الصبي إلا أن يخاف ضيعه فيخرجه معه، وفي (الجواهر): إذا لم يخف عليه فالزائد في مال الولي لقوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) [الأنعام: 152] وحيث كان في مال الصبي، فكذلك الفدية، وجزاء الصيد، وحيث قلنا: في مال الولي، فكذلك جزاء الصيد، وقيل: في مال الصبي إلحاقا بالمتلفات في الإقامة، قال سند: لو كان كراء الصبي ونفقته في السفر قدر نفقته في الإقامة ضمن الولي الكراء لسد خلته في السفر بدون أجرة الكراء وعدم حاجته إليه، ولا ضمان على الولي فيما طرأ من صنيع الله تعالى في سفر الصبي معه، نحو الموت والغرق والمرض، وفي (الكتاب): ما لزم الصبي من جزاء أو فدية لا يصوم والده عنه، ولكن يطعم ويهدي؛ لأن ضمان الأموال ممكن بخلاف الأفعال البدنية. وفي (التلقين): الإحرام يمنع عشرة أنواع: لبس المخيط، وتغطية الرأس والوجه، ولبس الخفين والشمشكين مع القدرة على النعلين، وحلق شعر الرأس أو غيره من البدن، والطيب وقص الأظفار، وقتل القمل، وقتل الصيد والوطء في الفرج، وإنزال الماء الدافق، وعقد النكاح، زاد غيره: إزالة الشعث بالزينة والتنظيف، وكلها تجبر إلا عقد النكاح والإنكاح؛ لأنهما وسيلتان لم يترتب عليها الانتفاع بالمقصد المحرم، وغيرهما انتفع فيه، فتعين الجابر لتعين الخلل. قاعدة. قاعدة: يحتاج إليها في هذا الباب والباب الذي قبله وكثير من أبواب الفقه وهي: أن الجوابر مشروعة لاستدراك المصالح الفائتة، والزواجر مشروعة لدرء المفاسد المتوقعة، ولا يشترط فيمن وجب في حقه الجابر أن يكون آثما، ولذلك شرع الجبر مع العمد والجهل والعلم والذكر والنسيان، وعلى المجانين والصبيان، بخلاف الزواجر، فإن معظمها على العصاة زجرا عن المعصية، وقد تكون على غير العصاة دفعا للمفاسد من غير إثم، كتأديب الصبيان ورياضة البهائم إصلاحا لهم وقتال البغاة درء لتفريق الكلمة مع عدم المأثم؛ لأنهم متأولون. وقد اختلف العلماء في بعض الكفارات هل هي زواجر لما فيها من مشاق تحمل الأموال وغيرها أو وهي جوابر؛ لأنها عبادات لا تصلح إلا بالنيات؟ وليس التقرب إلى الله سبحانه وتعالى زجرا بخلاف الحدود والتعزيرات؛ فأنها ليست قربات، إذ ليست فعلا للمزجورين بل تفعلها الأئمة فيهم. ثم الجوابر تقع مع العبادات والنفوس والأعضاء، ومنافع الأعضاء والجراح والأموال والمنافع، فجوابر العبادات كالتيمم مع الوضوء، وسجود السهو مع السنن وجهة السفر في الصلاة، والنافلة مع الكعبة، وجهة العدو في الخوف مع الكعبة، وصلاة الجماعة لمن صلى وحده، وأحد النقدين مع دون السن الواجب في الزكاة أو زيادة السن في ابن اللبون مع وصف أنوثة بنت مخاض، والإطعام لمن أخر القضاء ولم يصم للعجز، والصيام والإطعام والنسك في حق من ارتكب محظوراً من محظورات الحج، أو الدم، كترك الميقاة أو التلبية، أو شيء من واجبات الحج، ما عدا الأركان، أو جبرا لما فات من السفر، أو العمل في التمتع والقران، وجبر الدم ثلاثة أيام في الحج وسبعة في غيره، وجبر الصيد في الحرم والإحرام بالمثل أو الطعام أو الصيام، والصيد المملوك بذلك لحق الله تعالى، وبقيمته لحق المالك وهو متلف واحد جبر ببدلين فهو نادر ولم يشرع، كشجر الحرم الجائز، خلافا للشافعية. واعلم أن الصلاة لا تجبر إلا بعمل بدني، ولا تجبر الأموال إلا بالمال، وتجبر العمرة والحج والصيد بالبدني والمالي معا ومفترقين، والصوم يجبر بالبدني بالقضاء وبمال في الإطعام، وأما جوابر المال فالأصل أن يؤتى بغير المال مع الإمكان فأن أتى به كامل الذات والصفات برئ من عهدته، أو ناقص الأوصاف جبر بالقيمة، لأن الأوصاف ليست مثلية أو ناقص القيمة لم يضمن في بعض المواطن؛ لأن الفائت رغبات الناس وهي غير متقومة في الشرع ولا قائمة بالعين، وتجبر الأموال المثلية بأمثالها؛ لأن المثل أقرب إلى رد العين الذي هو الأصل من القيمة، وقد خولفت هذه القاعدة في صورتين: في لبن المصراة لأجل اختلاط لبن البائع بلبن المشتري، وعدم تمييز المقدار، وفيمن غصب ماء في المعاطش، قال جماعة من العلماء: يضمن بقيمتة في محل عزته، وأما المنافع: فالمحرم منها لا يجبر احتقارا لها كالمزمار ونحوه، كما لم تجبر النجاسات من الأعيان إلا مهر المزني بها كرها، ولم يجبر ذلك في اللواط؛ لأنه لم يقوم قط في الشرع فأشبه القتال والعتاق، وغير المحاوم منها يضمن بالعقود الصحيحة والفاسدة والفوات تحت الأيدي المبطلة، ولا تضمن منافع الحر بجنسه؛ لأن يده على منافعه، فلا يتصور فواتها في يد غيره، ومنافع الأبضاع تجبر بالعقد الصحيح والفاسد والشبهة والإكراه، ولا يجبر بالفوات تحت الأيدي العادية، والفرق: أن قليل المنافع يجبر بالقليل من الجابر وكثيرها بكثرة، وضمان البضع بمهر المثل، وهو يستحق بمجرد الإيلاج، فلو جبر بالفوات لوجب ما لا يمكن ضبطه، فضلا من القدرة عليه فأن في كل ساعة يفوت فيها من الإيلاجات شيء كثير جدا، وهذا بعيد من قواعد الشرع، وأما النفوس: فإنها خارجة عن هذه القوانين لمصالح تذكر في الجنايات إن شاء الله تعالى. ثم نشرع في تمهيد فقه أنواع المحظورات فنقول: وليس المراد خصوص المخيط، بل ما أوجب رفاهية للجسد، كان مخيطا أو محيطا كالطير أو جلد حيوان يسلخ فيلبس، وقد لا يمنع المخيط إذا استعمل استعمال غير المخيط، كوضع القميص على الظهر، أو ما يؤتزر به، وقد تقدم في باب الإحرام سؤاله عليه السلام عما يلبس المحرم وما نبه عليه السلام عليه بذكر كل نوع على جنسه، وفقه ذلك كله، ونبين هنا ما يحرم مما لا يحرم. (تفريعان) الأول: في (الكتاب): يكره إدخال المنكبين في القباء، واليدين في كميه لأنهم اتفقوا على أن الطرح على الظهر لا شيء فيه، ووافقنا (ش) وابن حنبل في إدخال المنكبين، وسواهما (ح) بالطرح على الظهر، لنا: أن لبسه بالمنكبين في العادة يوجب الفدية، قال: وله طرح قميصه على ظهره وارتداؤه به؛ لأنه ليس لبسا له عادة، ولا يزرر الطيلسان عليه، ولا يجلل كساءه فإن طال ذلك حتى انتفع به افتدى؛ لأن العقد كالخياطة كما تجب الفدية في العمامة، قال: ويجوز للمحرمة وغير المحرمة من النساء لبس الحرير والحلي والسراويل، ويكره لهن القباء؛ لأنه يصف، قال سند: اختلف أصحابنا في تحريم الزينة فيها كالكحل والحلي النساء قياسا على الطيب، وكراهتها؛ لأنها عبادة لها تحريم وتحليل، فلا تحريم الزينة فيها كالصلاة أو يفرق - وهو المشهور - بين ما ظهر كالكحل، وما بطن كالحلي، قال: والأصل: حل الزينة لعدم منع السنة إياها، بل هي كلبس المرقومات وأجناس الملونات، والخاتم يلحق بالقلنسوة لإحاطته، قال ابن حبيب: والإجماع على الرخصة للمرأة في الخفين والسراويل، ووافقنا (ش) وابن حنبل في منعها من القفازين، خلافا ل (ح) لنا: نهيه عليه السلام إياهن في إحرامهن عن القفازين، وبالقياس على الوجه، وخالف ابن حبيب في إفتدائها لهما: والأصل في أن اللبس اليسير لا يوجب فدية ما في الصحاح أن رجلا أتى النبي - عليه السلام - وهو بالجعرانة، وهو مصفر لحيته ورأسه وعليه حبة، فقال يا رسول الله: أحرمت بعمرة وأنا كما ترى؟ فقال له عليه السلام: (انزع عنك الجبة، واغسل عنك الصفرة، وما كنت صانعا في حجرك فاصنعه في عمرتك) قال: والمعتبر في الطول دفع مضرة أو حر أو برد طال أو قصر، فأن لم يقصد دفع ضرر فكاليوم لحصول الترفه، قال (ش): لا فدية على الناسي والجاهل بخلاف العامد، طال الزمن أو قصر، وقال (ح): الاعتبار بيوم كامل أو ليلة؛ لأنه عليه السلام لما قيل له: ماذا يلبس المحرم؟ إنما سئل عن اللبس المعتاد، وقلة ذلك عادة يوم أو ليلة. لنا على (ش): أن الفدية جابرة لما وقع من خلل الإحرام، والجابر لا يتوقف على القصد كقيم المتلفات، وإنما يؤثر العمد في الإثم، وعلى (ح): أن اللبس يصدق لغة على اللحظة، وما ذكره من العادة عرف فعلي لا قولي، فلا يقضي على الأقوال بالتخصيص أو التقييد، كما لو حلف المالك أن لا يدخل بيتا فدخل بيوت العامة حنث، وإن كانت عادته القصور والقلاع نعم إذا غلب استعمال اللفظ في شيء قضي عليه به؛ لأنه ينسخ وضعه الأول، ويصير موضوعا للثاني فيحمل عليه، وفرق بين غلبة استعمال اللفظ، وبين غلبة مباشرة بعض أنواع مسماه، ولا خلاف في دخول تحت السقف والخيمة، واختلف في تظللة بالجمل، أجازه مالك والجمهور، ومنعه سحنون، واختلف في استظلاله إذا نزل في بثوب على شجرة، فمنعه مالك لما فيه من الترفه، وجوزه عبد الملك قياسا على الخيمة، وأما الراكب فلا يختلف في منعه من ذلك وهو راكب عندنا وعند ابن حنبل، لما روي أن ابن عمر - رضي الله عنهما - رأى رجلا جعل على رجله عودا له شعبتان، وجعل عليه ثوبا يستظل به وهو محرم فقال له: أضح للذي أحرمت له أي: أبرز للشمس، وجوزه (ش وح) في المحمل وعلى الأرض، لما روت أم الحصين فقالت: حججت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأيت أسامة وبلال أحدهما آخذ بزمام ناقته عليه السلام، والآخر رافع ثوبه من الحر يستره حتى يرمي جمرة العقبة وجوابه: أن هذا يسير، وإنما النزاع في الكثير وفي (الجواهر): قال الرياشي: رأيت أحمد بن المعدل الفقيه في يوم شديد الحر ضاحيا للشمس فقلت له: يا أبا الفضل هذا أمر مختلف فيه، فلو أخذت بالتوسعة فانشأ يقول: ضحيت له كي استظل بظله *** إذا الظل أمسى في القيامة قالصا فيا أسفا إن كان سعيك باطلا *** ويا حسرتا إن كان حجك ناقصا وقال مالك في الرجل يعادل المرأة في المحمل: لا يجعل عليها ظلا وعسى أنه يكون خفيفا، وروى أشهب: تستظل هي دونه، وقاله ابن القاسم، وقال اللخمي: إن لم يكشف المحارة افتدى، ولا يستظل تحتها أن كان نازلا فأن فعل اقتدى، ولا بأس أن يكون في ظلها خارجا عنها، ولا يمشي تحتها، واختلف إذا فعل هذا، وفي جواز الخاتم قولان. وأما من تحته فلا، وروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تشد الهميان على وسطها لضرورة حفظ النفقة، ولا يحتزم بحبل إذا لم يرد العمل، فإن فعل افتدى لما فيه من الرفاهية بضم القماش للجسد، ويكره جعل النفقة في العضد أو الفخذ أو الساق من غير فدية؛ لأنه خلاف المعتاد، فإن جعل نفقة غيره افتدى فإن شد نفقته، ثم أودع نفقته فضمها إليها أو التجأ لتقليد السيف فلا فدية، وإن شد جراحه بخرق أو عصب رأسه من صداع أو وضع على صدغيه للصداع افتدى، فإن ألصق على القروح خرقا صغارا فلا شيء عليه، قال سند: قال أصبغ: في شد النفقة على العضد الفدية، ويعفى عن السيف لما في أبي داود: صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الحديبية على أن لا يدخلوا إلا بجلبان السلاح يعني القراب بما فيه، فإن حمله من غير خوف قال مالك: لا فدية فيه؛ لأنه لا يصير كالشد، وقال أصبغ: فيه الفدية لما فيه من لبس المخيط ولو شد فوق مئزره مئزرا، قال محمد: يفتدي إلا أن يبسطهما ويتزر بهما، واختلف قول مالك في الاستغفار عند الركوب والنزول بالكراهية والجواز، وقال الشافعية: لا فدية في عصائب الجراح في غير الرأس؛ لأنه لا يمنع من تغطية غير الرأس إلا المخيط، وخرج بعض المتأخرين منا ذلك على قول في الجرح اليسير، والفرق على المشهور بين المنطقة والحمل على الرأس للضرورة وبين شد الجراح: أن الأولين للضرورة فيها عامة فيجوز مطلقاً كالقصر في السفر والمشقة في الجراح خاصة، فلا تباح مطلقا كأكل الميتة لا تباح إلا للمضطر، وقد تقدم في الإحرام بعض هذه الفروع. الفرع الثاني: تغطية الرأس والوجه، وفي (الكتاب): إذا غطى المحرم رأسه ناسيا أو جاهلا، ونزعه مكانه فلا شيء عليه، وإن انتفع به افتدى، والمحرمة في تغطية وجهها كالرجل، ولها شد ردائها من فوق رأسها على وجهها للستر وإلا فلا لحديث عائشة رضي الله عنها: كان الراكبان يمرون بنا ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. قال ابن القاسم: ما علمت مالكا يأمرها بتجافيه عن وجهها، وإن رفعته من أسفل وجهها افتدت؛ لأنه لا يثبت حتى تغرزه بخلاف السدل وتفتدي في الرفع والقفازين، قال سند: إذا لطخ رأسه بالطين افتدى كالعمامة، وسواء غطى جميع رأسه أو بعضه خلافا ل (ح) في قوله: لا يوجب الفدية إلا عضو كامل؛ لأن الانتفاع يحصل في البعض فتجب الفدية، ولو نقض رأسه بمنديل أو مسه بيده من الحر، أو وضع على رأسه أو ستر وجهه بيده من الشمس، أو وارى بعض وجهه بثوبه، قال مالك: لا شيء عليه؛ لأن ذلك لا يدوم، وكره مالك كب الوجه على الوسادة بخلاف الخد، وفي (الكتاب): إذا جر المحرم لحافه على وجهه وهو نائم فانتبه فنزعه فلا شيء عليه، وإن طال بخلاف المستيقظ؛ لأن الرفاهية مشروطة بالإدراك عادة وهو غير مدرك، فإن غطى رأسه أو وجهه، أو طيبه، أو حلق رأسه فانتبه فلينزع ذلك، والفدية على الفاعل دون النائم لجنايته على الإحرام فليزم موجب الجناية، ولو قتل صيدا فكالنقصان لتحقق الجناية منه بخلاف الترفه، قال سند: على قول مالك في الواطئ في رمضان كرها لا كفارة عليها، ولا عليه عنها لا فدية ههنا، وإذا قلنا بالفدية فيرعى بقاء ذلك مدى تحصيل الانتفاع فيها، فلو طيب محرم محرما ففدية عند ابن أبي زيد، وفديتان عند ابن القاسم ليس لترفه الفاعل والمفعول، ولو سقط عليه طيب أو تدحرج ثم استيقظ فنزعه، فإن استدام افتدى، ولو تقلب في نورة أو وقعت على رأسه فحلقته افتدى؛ لبقاء ذلك بعد اليقظة، وفي (الكتاب): للرجل أن يحمل على رأسه ما لابد له منه كالخرج، والجراب فإنه حمله لغيره بأجر أو بغير أجر فعليه الفدية؛ لدفع الحر عنه والبرد بذلك، وخروجه عن موضع الرخصة، وقاله (ح) و(ش) ولا يحمل على رأسه تجارة له لعدم الضرورة، وإذا جعل في أذنيه قطنا لأمر وجده فيهما افتدى؛ لأنهما من الرأس فلا يغطيان، وفي (الجواهر): إذا غطى المحرم وجهه فلا فدية، وروي عنه الفدية بناء على كراهة التغطية وتحريمها. وقد تقدمت فروعها في الإحرام. والأصل فيه قوله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) [البقرة: 196] تقديره: فحلق ففدية، والمرض: القروح والأذى القمل، وألحق الفقهاء بالرأس الشارب والإبط والعانة وإزالة سائر الشعث، وخصصه أهل الظاهر بالرأس. لنا: أن إماطة الأذى في العانة والإبط أكثر فيكون مثل قوله تعالى: (فلا تقل لهما أف) [الإسراء: 23] من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، والفدية - عندنا - متعلقة بإزالة الأذى فيه فما لا إزالة فيه فلا إطعام، وقال (ش) وابن حنبل: تجب الفدية كاملة بثلاث شعرات؛ لأن تقدير الآية: لا تحلقوا شعر رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله، والشعر جمع، وأقله ثلاثة، وقال (ح): يجب في ربع الرأس على أصله في الوضوء، وجوابهم: أن اسم الجنس إذا أضيف عم كقوله: ما لي صدقة فتكون الفدية مرتبة على حق الجميع أو ما هو في معناه في تحصيل الرفاهية وهو المطلوب. (تفريع) في (الكتاب): إن حلق المحرم رأس حلال افتدى. قال ابن القاسم: بل يتصدق بشيء من طعام، فإن حلق موضع المحاجم: فإن تيقن عدم قتل الدواب فلا شيء عليه، ومنع (ح) حلق الحرام شعر الحلال، ولو أمن قتل الدواب بأن يحلق ساقه لقوله تعالى: (ولا تحلقوا رءوسكم) [البقرة: 196] ومعناه: لا يحلق بعضكم رءوس بعض، وجوزه (ش) مطلقا قياسا على شعر البهيمة، والجواب عن الأول: أن الآية خطاب للمحرمين فلا تتناول محل النزاع، وعن الثانية: الفرق: بأن الحلق في صورة النزاع يؤدي إلى محظور وهو قتل الدواب فيكون وهو محظورا، قال سند: إذا حلق شعر حلال أو قصه أو نتف إبطه، ولم يقتل دواب فلا شيء عليه على المعروف من المذهب، فإن قتل دواب يسيرة أطعم شيئاً من طعام أو كسوة أو شك افتدى عند مالك، وقال ابن القاسم: يطعم واختلف في تعليل الفدية فقال بعض البغدادين: هي على الحلاق، وقال عبد الحق: للدواب، قال وهو الأظهر لقوله عليه السلام لكعب بن عجرة: (أتوذيك هوام رأسك؟ قال: نعم، قال: احلق وانسك بشاة، أو صم ثلاثة أيام أو أطعم..) الحديث، وراعى ابن القاسم ما يقابل الهوام، وهو غير متقوم فيجب شيء من طعام، قال مالك: ولا يحلق شارب حلال ولا حرام بخلاف الدابة إذا أمن الفواد لما فيه من الرفاهية، وفي (الكتاب): يجوز له حلق موضع محاجم محرم أخر ويحجمه إذا أمن قتل الدواب، والفدية على المفعول به إن دعت لذلك ضرورة، وإلا فلا، وأصل أخر الحجامة: ما في الصحاح أنه عليه السلام احتجم بطرق مكة - وهو محرم - وسط رأسه. وأجازه الأئمة في غير ضرورة، ومنعه مالك في (الموطأ) إلا لضرورة لما في (الموطأ) أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يقول: لا يحجم المحرم إلا إن يضطر إليه، ولأن فيه شد المحاجم، وهو ممنوع منه، قال سند: وروي عن مالك: لا فدية عليه في الحجامة ما لم يحلق لها شعر لقول ابن عمر - رضي الله عنهما: من احتجم لضرورة فلا شيء عليه، ولأنها لو وجبت الفدية من ضرورة لوجبت مع عدم الضرورة كالعصائب، والفرق بينهما وبين العصائب والجبائر: أنها لا تدوم بخلاف الجبائر، ولا تكره الفصادة بشد العصابة، وتجب بها الفدية، قال مالك: وله أن يبطء جرحه، ويحك رأسه حك رفيقا، وإذا دعاه محرم لحلق رأسه أو موضع المحاجم من غير ضرورة فلا يجيبه؛ لأنه إعانة على منكر، فإن فعل وكان محرما وأمن قتل الدواب ففي (الكتاب): الفدية على المفعول به، وقاله (ش)، وقال (ح): على الحالق صدقة كشعر الصيد، والحكم في الأصل ممنوع، والفرق بين هذا وبين ما إذا أمره بقتل صيد فإن الجزاء على القاتل دون الأمر: أن الشعر تحت يد صاحبه فهو كالمستعير، والمودع إذا تلف في يده بأمر ضمنه، وفي الصيد ليس تحت يد واحد منهما فتغلب المباشرة على التسبب، وفي (الجواهر): إذا خلل لحيته في وضوئه أو غسله فسقط بعض شعره فلا شيء عليه، وتكمل الفدية بحلق ما يترفه به، ويزول معه الأذى، وإلا أطعم شيئا من طعام، وإن نتف ما يخفف به عن نفسه أذى - وإن قل - افتدى، قال ابن القاسم: ولا يحد مالك فيما دون الإماطة أقل من حفنة بيدا واحدة، وكذلك في قملة أو قملات، والنسيان لا يكون عذرا في الحلق، وإن أكره حلال حراما فالفدية على الحلال، وإن حلق محرم رأس حلال، قال مالك: يفتدي، وقال ابن القاسم: يجزئه شيء من الطعام لمكان الدواب، وفي (الكتاب): إن نتف شعرة أو شعرات يسيرة أطعم شيئا من طعام، وإن كان جاهلا أو ناسيا، فإن نتف ما أماط به أذى افتدى، ولا شيء فيما أزاله الشرج أو الإكاف من ساقه لعموم البلوى. وفي (الكتاب): يكره له شم الطيب، والتجارة فيه، وإن لم يمسه، والمرور في العطارين ومواضع الرياحين من غير فدية، وقاله (ش) و(ح): لقصوره على محل الإجماع الذي هو مس الطيب، ومن مس الطيب بيده افتدى لصق به أم لا، لحديث الأعرابي المتقدم، ولا شيء فيما لصق به من خلوق الكعبة لعموم إصابة الناس، ولا تخلق الكعبة أيام الحج، ويقام العطارون من بين الصفا والمروة أيام الحج، ويكره الغسل بالأشنان المطيب بالريحان من غير فدية، إلا أن يكون مطيبا بالطيب فيفتدي، قال سند: الطيب مؤنث كالمسك والورس ففيه الفدية عند الجميع، ومذكر ينقسم إلى ما يوضع في الدهن كالورد، وإلى ما لا يوضع كالريحان والمردوش، والكل يختلف فيه فعند مالك و(ح) لا فدية، وعند (ش) الفدية؛ لأن جابرا سئل أيشم المحرم الريحان؟ فقال: لا لنا: أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - سئل عن المحرم أيدخل البستان؟ قال نعم، ويشم الريحان والقياس على العصفر والتفاح والفواكه، وأما الحشائش: كالزنجبيل والشيح والإذخر ونحوه فلا فدية عند الجميع وهو كالتفاح والأترج، ولا فرق في الفدية بين عضو أو دونه، وقاله (ش) وابن حنبل، وقال (ح): لابد من عضو كامل كالرأس والفخذ والشارب؛ لأنه المعدود تطبيا عادة وهو ممنوع، وفي (الكتاب): يكره للمحرم والحلال شرب ما فيه كافور للترف، فإن شرب المحرم دواء فيه طيب، وأكل طعاما فيه طيب افتدى، وإن كان طعاما مسته النار، قال سند: أما السرف في الكافور في الماء فمحمول على كونه على الثمن. وإلا فتطييب الماء من أغراض العقلاء، وقد كان الماء يستعذب له عليه السلام من بيوت السقيا، وبينها وبين المدينة يومان، وظاهر المذهب: أن الطبخ يبطل حكم الطيب وإن بقيت رائيحته، وقاله (ح) واشترط ابن حبيب و(ش) ذهاب الريح، وعدم علوقه باليد والفم. واختلف أصحابنا في التعليل فقال الأبهري؛ لأن النار غيرت فعل الطيب، وقال عبد الوهاب: بالطبخ خرج من كونه طيبا ولحق بالطعام، فعلى قول الأبهري يؤثر الطبخ بانفراده، وعلى قول القاضي لابد من عليه الامتزاج، وأما إذا خلط بطعام أو شراب فإن استهلك فلا أثر له عند الجميع، وإن لم يستهلك فروي عن مالك لا شيء عليه، وقال (ح) وفي (الجواهر): إذا حمل قرورة مسك مشدودة الرأس فلا فدية، ويوجب الطيب الفدية عمدا وسهوا وجهلا واضطرارا، ومن طيب نائما فليزله إذا انتبه فإن خرج افتدى، وعلى فاعله به الفدية بالنسك أو الطعام دون الصيام؛ لتعذر النيابة فيه، فإن كان معدما افتدى المحرم، ورجع على الفاعل إذا أيسر بالأقل من ثمن الطعام أو ثمن النسك، وإن صام لا يرجع عليه بشيء. وفي (الكتاب): إن قلم ظفره جاهلا أو ناسيا أو قلم له بأمره افتدى، فإن فعل به مكرها أو نائما فالفدية على الفاعل من حلال أو من حرام، وإن قلم ظفرا واحدا لإماطة الأذى افتدى، وإن لم يمط عنه به أذى أطعم شيئا من طعام، وإن انكسر ظفره فقلمه فلا شيء عليه لغلبة ذلك في الأسفار، وروى ابن وهب عن ابن مريم، قال: انكسر ظفري - وأنا محرم فتعلق وآذاني فذهبت إلى سعيد بن المسيب فسألته فقال: اقطعه (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) [البقرة: 185] وإذا توقفت مدواته على قص أظفاره قصها وافتدى كإزالة الشعر للأذى، وإذا قلم أظفار حلال فلا شيء عليه، قال سند: إن قلم أظفاره غيره وهو ساكت من غير أمر، ولا إكراه أو حلق شعره فالفدية عليه؛ لأنه راض، وقال بعض الشافعية: الفدية على الفاعل؛ لأنه لم يأمره فهو كما لو ألقى عليه حجرا وهو ساكت فإنه يضمنه، والفرق أن الأول راض بشهادة العرف، بخلاف الثاني والذي انكسر ظفره إن قصه جميعه ضمنه، كمن أزال بعض ظفره افتدى، وأوجب (ح) في الظفر الهدي، ومنع التخير ولا خلاف في تكميل الكفارة في جميع الأظفار أو في أصابع عضو، وقال مالك: في ظفرين الفدية، وأوجب ابن القاسم في الظفر الواحد الفدية، قال في (الموازية): لا شيء عليه في الظفر الواحد إلا أن يميط به أذى، وقال أشهب: يطعم شيئا، وروي عن مالك يطعم مسكينا، وقال (ح): لا يجب كمال الفدية إلا في خمسه أظفار من يد واحدة، وأوجبها (ش) في ثلاثة فما دون ذلك يطعم عن كل واحد مدا، لنا: أنه أماط الأذى فتجب الكفارة بحلق بعض الرأس، قال: وينبغي إذا أراد أن ينسك أن يجزئه؛ لأنه كمال الفدية أو صام يوما أن يجزئه، وإن أطعم مسكينا فينبغي أن يطعمه مدين؛ لأنه الإطعام في باب الفدية، وإذا وجب الإطعام لظفر فأطعم ثم قلم آخر أطعم أيضا ولا يكمل الكفارة بخلاف قصها في فور واحد؛ لأن الجناية الأولى قد استقرت قبل الثانية. وفي (الكتاب): في القملة والقملتين حفنة من طعام، وفي الكثير الفدية. ولتحريمه سببان: والإحرام والحرم، السبب الأول: الإحرام؛ لقوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) [المائدة: 95] والحرم جمع محرم، والمحرم من دخل في الحرم وفي الحرمات، كقولنا: أصبح وأمسى وأنجد وأتهم: إذا دخل في الصباح أو المساء أو نجد أو تهامة، فتتناول الآية السببين، ومنه قول الشاعر: قتلوا ابن عفان الخليفة محرما *** فدعا فلم أرى مثله مظلوما أي: في حرم المدينة وفي الشهر الحرام، وهو ذو الحجة، وترتيب الحكم على الوصف يدل على غلبة ذلك الوصف لذلك الحكم، فيكون الإحرام والحرم سببين. ويتمهد ويتبين الفقه بيان حقيقة الصيد المعصوم، والأفعال الموجبة للضمان، وجواز الأكل من لحمه، والجزاء المرتب على الضمان. فهذه أربعة فصول: وفي (الجواهر): الصيد إما بحري فيباح فلقوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه) [المائدة 99] وسيأتي فيه تفصيل، وإما بري فيحرم إتلافه جميعه: ما أكل لحمه، وما لم يوكل، كان متأنسا أو متوحشا، مملوكا أو مباحا، ويحرم التعرض لأجزائه وبيضه، ويلزم الجزاء بقتله وبتعريضه للتلف، إلا أن تعلم سلامته. إلا ما في قوله عليه السلام في الصحاح: (خمسة من الدواب كلهن فواسق) يقتلن في الحل والحرام: الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور. فائدة: الفسق في اللغة: الخروج، ومنه فسقت النواة عن الثمرة أي: خرجت عنها، وسمي العاصي فاسقا لخروجه عن طاعة الله، وهذه الخمس سمين فواسق لخروجهن عن الحيوانات في الأذى، قال: والمشهور: قتل الحدأة والغراب وإن لم يبديا الأذى، وروي: المنع، وقال ابن القاسم: إن آذت قتلت، وإلا فلا تقتل، وإن قتلت فلا شيء فيها، وقال أشهب: إن قتلها من غير ضرر وداهما، والمشهور حمل الكلب على المتوحش، فيندرج فيه الأسد ونحوه، وقيل: الإنسي المتخذ، وفي (الطراز): الحيوان المتوحش في حق المحرم ثلاث أقسام مباح القتل وهو ما كان ضررا من كل وجه كالحية والعقرب والكلب العقور ونحوها، ومحرم القتل - وهو ما يبلغ الضرر - كصغار أولاد السبع، وقال (ش): كل ما لا يأكل لحمه يجوز للمحرم قتله إلا ما لم يبلغ الضرر كصغار أولاد السباع، وقال (ش): كل ما يؤكل لحمه يجوز للمحرم قتله إلا ما تولد من نوعين نحو السبع والبزاة المتولد بين المعز الوحشية والأهلية، ولا جزاء عليه فيما يجوز له قتله، وقال (ح): كل ما عدا الخمس التي في الحديث فيه الجزاء إلا الذئب، فإنه سئل عليه السلام عما يقتل المحرم فقال: خمس، فاقتصر عليها لنا على الفريقين: تنبيهه عليه السلام بقوله: والكلب العقور (نبه بالعقر على صفة الأذى الموجود في السباع، بل هو فيها أشد وفي أبي داود الكلب العقور) والسبع العادي، وقد دعا عليه السلام إليه على عتيبة بن أبي لهب فقال: (اللهم سلط عليه كلبا من كلابك) فافترسه الأسد، ولأن الكلب المعروف لا تعلق له بالإحرام منعا ولا إباحة، ولو قتله المحرم وليس بعقور لا شيء عليه، كما لو قتل حماره فدل ذلك على أن المراد التنبه على صفة العقر الموجودة في غيره، ولأن ذكر هذه خمسة كذكره عليه السلام الأنواع الستة في حديث الربا، والعيوب الأربعة في الضحايا فيطرد الحكم في معانيها، وينعكس بدونها كما في ذينك المواطنين. تفريعات: الأول في (الكتاب): ليس على المحرم في قتل سباع الوحش التي تعدو وتفترس وإن لم تبتدئ شيء، ولا يقتل صغار أولادها التي لا تعد، وقاله (ح) خلافا لـ (ش) ويكره له: قتل الهر الوحشي، والثعلب والضبع، فإن فعل ضمنها إلا أن يفتدياه، ويكره قتل سباع الطير وغير سباعها، وعليه الجزاء إلا أن تعدوا. ويجوز صيد البحر والأنهار والبرك، وعليه في طير الماء الجزاء، وفي (الطراز) قال أشهب: عليه في صغار الأسود ونحوها الجزاء، ولمالك في قتل الذئب روايتان؛ لأنه أضر من الثعلب، وقتله حسن وهو قول الأئمة، وعنه في القرد والخنزير روايتان، وتردد ابن المواز في خنزير الماء، قال: والصواب أنه من صيد البحر، وعند ابن حبيب في الدب الجزاء، ومنع مالك قتل المحرم الوزغ من إباحة قتلها في الحرم، والفرق: أن الإحرام سريع الزوال ولو لم تقتل في الحرم لكثرت، فإن قتلها تصدق بمثل ما تصدق في شحمة الأرض، واتفق مالك والأصحاب والأئمة على قتل الفأر، ويلحق به ابن عرس وما يقرض الأثواب من الدواب، ويلحق بالعقرب الزنبور والرتيلاء ويقتل صغار الفأرة والحية والعقرب، وإن لم يوذين بخلاف الأشبال، والفرق من وجهين: أنهن يؤذين بخلاف الأشبال وتصدق اسم كبارها عليها، بخلاف الكلب العقور والسبع الضاري الوارد في لفظ الحديث، وكذلك صغار الغربان لا تقتل فإن فعل وداها عند أصبغ، وأوجب أصبغ الجزاء في الضبع والثلعب والهر وإن عدت، وقاله أشهب في سباع الطير، والجمهور على قول ابن القاسم؛ لأن الصيال يسقط حرمة الإنسان فأولى غيره من الحيوان. وأما صيد الماء فما اختلف في احتياجه إلى الذكاة يختلف في ديته. الثاني: في (الكتاب): كره مالك ذبح المحرم الحمام الوحشي وغير الوحشي، والحمام الرمية التي لا تطير؛ لأن أصلها يطير ويصاد، وأجاز ذبح الأوز والدجاج؛ لأنها لا تطير حتى تصاد، قال سند: قال مالك: ليس في الحمام المتخذ في البيوت جزاء كالدجاج، وقال أصبغ: عليه الجزاء كالصيد إذا تأنس، وأما حمام الأبرجة: فحكمها حكم الصيد، قال: ولا يذبح فراخها محرم، ولا يأكل ما ذبح له، وكل ما صيد واستأنس من الأوز والحجل والقط ونحوه فلا يحل لمحرم ذبحه، وما يتناسل في البيوت وليس له نهضة الطيران من البط والإوز ونحوه فله ذبحه كالدجاج، وما نهض للطيران لم يذبح كالحمام، وفي (الموازية): قال مالك: في الذباب يكثر حتى يطأ عليه فليطعم مسكينا أو مسكينين، وقال بعد ذلك: لا يطعم؛ لأنه عرض نفسه لإتلافه، ويمنع من لبن الصيد كما يمنع من بيضه فإن وجد محلوبا فلا شيء عليه كلحم الصيد، وقال (ح): إن حلبه فتقص ضمن ما نقص، وقال (ش): يضمن اللبن بقيمته كالبيض ولا يضمن عندنا؛ لأنه ليس من أجزاء الصيد، ولا يكون منه صيد والأصل: براءة الذمة، وفي (الكتاب): إذا فسد وكر طائر فلا شيء فيه إلا أن يكون فيه بيض أو فراخ فعليه ما تقدم بيانه؛ لتعريضهما للهلاك، وإن طرح جنين صيد ميت وسلمت أمه فعليه عشر قيمتها فإن ماتت بعد ذلك فعليه جزاؤها أيضا. (قاعدة): أسباب الضمان في الشريعة ثلاث: الإتلاف، أو التسبب للإتلاف، أو وضع اليد التي ليست مؤمنة كيد الغاضب والمشتري في الخيار، وإذا اجتمع التسبب والمباشرة غلبت المباشرة إلا أن تكون معمورة كقتل المكره وتقديم السم لإنسان فأكله، وإذا لم يترتب على السبب مسببه سقط اعتباره، وعلى هذه القاعدة تخرج فروع هذا الفصل والجنايات والضمانات. تفريعات سبعة: الأول في (الكتاب): لا شيء في الصيد إذا جرح وسلم، وقاله ابن القاسم: ولو زمن ولم يلحق بالصيد ففي (الجلاب): عليه جزاؤه، وقاله (ح) و(ش) فلو رمى على شيئين: قال ابن القاسم في (الكتاب): لا شيء عليه؛ لأن الضمان رتبه الله تعالى على القتل وقد سماه كفارة، والكفارة لا تتبعض على أجزاء المكفر عنه، قال سند:، وقال أشهب و(ش): عليه ما نقص بناء على أن الجراحات، والجوابر تتبعض كقيم المتلفات والمشهور: أنه كفارة لوجوب كفارات عدة على قتله صيد واحد كالشركاء في قتل المسلم، قال: وعلى هذا يخرج إذا من قطع عضوا من أعضائه وسلمت بقيته، قال ابن الجلاب: لا شيء عليه، وقيل: عليه بقدر النقص، وإذا قلنا يضمن ما نقص ففي غير الهدي لتعذر تبغيض الهدي بل يضمن طعاما أو صياما، وقال (ش): إن نقص قيمته عشر قيمة شاة، وهو على أصله في تقويم المثل من النعم لمزيد الإطعام، وعندنا يقوم الصيد نفسه، وإن برئ من غير شين فعلى رأي ابن حبيب يطعم؛ لأنه قال: يطعم إذا نتف ريش طائر أو مسكه حتى تنسل، وعلى قول مالك في الطائر إذا نتف ريشه بحبسه حتى ينسل يحبس الصيد ههنا إذا كان الجرح مخوفا، وليس هو مثل الصيد الممنوع؛ لأن هذا إمساك حفظ لا إمساك تملك، وإن أرسله والجرح عظيم، قال في (الكتاب): عليه الجزاء ولم يحدد الجرح، وقال عبد الملك: إن كان يتيقن موته ضمن، وإذا قلنا بالجزاء فليؤخره؛ لئلا يكفر قبل فوت الصيد، فإن كفر ثم عطب الصيد فعليه جزآن، قال عبد الملك: إلا أن يتيقن أن عطبه من غير الجراحة فإن شك إضافة للجراحة؛ لأن الأصل عدم سبب آخر فإن قتله بعد الجراحة أخر، قال أشهب: الجزاء عليهما، قال محمد: إن كان فور واحد بخلاف الإنسان يجهز عليه غير من جرحه؛ لأن الصيد لو لم يقتله الثاني لزم الأول الجزاء، فلو حبسه ليبرأ فحل قبل برئه فعلى رأي أشهب: لا يضمنه ولو ذبحه بعد ذلك، وقال ابن القاسم: يضمنه إن خاف هلاكه، ولو جرحه ثم قتله من فوره أو قبل الأمان من الجرح الأول فجزاء واحد، قال محمد: وإن برئ من الأول فجزاآن. الثاني: في (الكتاب): إذا تعلق بأطناب فسطاطه صيد فعطب، أو حفر بئرا للماء فوقع فيها صيد فعطب فلا جزاء فيه؛ لأن ذلك من فعل الصيد، وفي (الجلاب): عن ابن قاسم عليه الجزاء في الفسطاط، كما لو جاز الطائر على رمحه المركوز فعطب، ووجه المذهب: أن هذا لا يضمن دية الآدمي فلا يضمن الصيد، وإذا أخذ المحرم بيضا فحصنه حتى خرج فراخا وطار فلا شيء عليه فإن جعله مع بيض وحش فنفر الوحش وفسد الجميع ضمن الجميع. الثالث: في (الكتاب): إذا رأى الصيد محرما فهرب منه وفزع ومات في هربه فعليه جزاؤه؛ لأن رؤيته مكرهة له على الهرب بخلاف حفر البئر. قال ابن القاسم: ولو نصب شركا ليصيد به ما يفترس غنمه فعطب فيه صيد ضمنه كمن حفر بئرا للسارق فعطب فيها غير السارق وداه، قال ابن يونس: قال ابن سحنون: لا شيء عليه؛ لأن العطب من قتل الصيد. الرابع: في (الكتاب): إذا أمر المحرم عبده بإرسال صيد كان معه، فظن العبد أنه أمره بذبحه فذبحه، قال ابن القاسم: على السيد جزاؤه؛ لأنه عطب تحت يده، ولو أمره فأطاعه في الذبح فعليهما جميعا الجزاء، وإن دل محرم محرما أو حلالا على صيد فقتله فليستغفر الدال الله ولا شيء عليه، وكذلك إن أشار إليه أو أمره إلا أن يكون المأمور عبده فعليه الجزاء، وعلى العبد جزاء آخر إن كان محرما، وقاله (ش)، وقال (ح) على الدال جزاء، وعلى المدلول آخر إن كان محرما، وإلا فعلى الدال فقط، وقال ابن حنبل: عليهما جزاء واحد إن كانا محرمين أو على المحرم منهما، قال ابن يونس، وقال أشهب: إن كانا محرمين فعلى كل واحد منهما جزاء؛ لأنه أمر أمرا محرما والمدلول حلالا فلا شيء على الدال؛ لأنه لم يأمر المحرم، قال سند: وروي عن أشهب الفدية، وإن كان المدلول حلالا، وإذا قلنا: لا جزاء عليه فلا يأكل منه، فإن فعل فعليه الجزاء، قال عبد الوهاب: لما في الصحيحين في حديث أبي قتادة، قال عليه السلام: (ما منكم أحد أمره؟) وأشار إليه، وفي (الجواهر): لو دل على صيد عصى ولا جزاء عليه، وقيل: عليه، وقيل: يختص بدلالة المحرم دون الحلال، وقيل: بالعكس. الخامس: في (الكتاب): وإذا اجتمع محرومون على قتل صيد، أو مخلوق على قتل صيد في الحرم، أو محل وحرام فقتلا في الحرم فعلى كل واحد جزاء كامل، وقاله (ح)، وقال (ش): على الجميع جزاء واحد، والخلاف ينبني على أنه كفارة أو قيمة، وقد تقدم تقريره، وإذا جرح محرم صيدا فغاب عنه فعليه جزاؤه، قال ابن القاسم: قال مالك: إذا جرح محرم صيدا فغاب عنه فعليه جزاؤه، قال سند: يريد أن مالكا أوجب الجزاء بمجرد الجرح وكل واحد منهم جارح، قال: وإذا أمسك محرم صيد البر لمثله فقتله حرام فعلى القاتل جزاؤه، أو حلال فعلى الممسك جزاؤه، وإن أمسكه لمن يقتله فقتله محرم فعليهما جزاءان، أو حلال فعلى المحرم جزاؤه وحده، قال سند: إن أراد إرساله فقتله حلال وكان ملك المحرم على الصيد متقدما فيختلف في ضمانه لربه بقيمته، فروى ابن القاسم فيمن أحرم، وبيده صيد فأرسل فلا ضمان عليه، وروى أشهب يضمنه بقيمته، ومنشأ الخلاف أن الإحرام هل يزيل الملك وهو مذهب ابن القاسم أو لا يزيل، وإنما عليه الإرسال وهو مذهب الأبهري؟ ويتخرج القتل على هذه القاعدة، ولو أمسكه ولم يرد إرساله ولا قتله فقتله محرم فعليه جزاؤه دون الماسك؛ لأنه لم يقصد إتلافه، وجعل بعض الشافعية الجزاء عليهما، وهو باطل كمن أمسك إنسانا بقصد القتل فقتله آخر فلا شيء على الممسك إجماعا، وأما لو قتله حلال فالجزاء على ربه؛ لأنه بإمساكه قتل، والآخر مأذون له. السادس: في (الكتاب): ما صاده في إحرامه أرسله فإن أرسله آخر من يده لم يضمنه، وإن نازعه محرم فقتلاه فعلى كل واحد منهما الجزاء، وإن نازعه حلال فلا شيء على الحلال ولا يضمن له هو شيئا، قال سند: وكما يحرم الاصطياد يحرم ابتياعه بحضرته. وقبول هبته ففي (الموطأ): أن رجلا أهدى له - عليه السلام - حمار وحش وهو بالأبواء أو بودان فرده، قال الرجل: فلما رأى ما في وجهي قال: (إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم) فإن ابتاعه ففي (الموازية): عليه إرساله، قال ابن حبيب: فإن رده على بائعه فعليه جزاؤه، وقال في (الموازية): أيضا يرده على البائع ويلزمه القبول؛ لأنه بيع فاسد لم يفت جزاء البيع قبل حرام، فلو ابتاعه بالخيار وهما حلالان ثم أحرما فإن اختار المبتاع البيع غرم الثمن وأطلق الصيد، وإن رده فلا ثمن عليه ويطلق على البائع، فلو تأخر البيع قبل الإحرام، ثم أحرم البائع وفلس المبتاع فله أخذه وإرساله، أو يتبع المبتاع بثمنه، وقال الشافعية: ليس له الرجوع فيه؛ لأنه ممنوع من تملك الصيد وهذه جهة من جهات التملك، وما قلناه أبين؛ لأنه يختاره من بيعه الماضي وهو صحيح، ولو ابتاع به سلعة قبل الإحرام فوجد بها عيبا بعده فردها ما لم يلزم البائع غرم الثمن مع وجوده، وله رده عليه، وكذلك لو كان العيب بالصيد بقي على ملكه، أو تحصن به ملكه وأرسل عليه، قال أشهب: وإذا صاد المحرم صيدا فقتله في يده حلال في الحرم، فعلى كل واحد منهما جزاء ويغرم الحلال قيمته للمحرم كان القاتل حرا أو عبد أو صبيا أو كافرا، غير أن الكافر لا جزاء عليه، قال: وظاهر هذا الكلام أنه أثبت ملكه عليه بالاصطياد، وإنما يجب إرساله عليه لينجو الصيد بنفسه فإذا قتله فقد أبطل ملكه بغير الوجه الذي وجب إرساله، وخالفه ابن القاسم في تضمين الحلال القيمة، ولو أرسله المحرم فأخذه حلال فليس للمحرم أخذه منه بعد إحلاله، قاله ابن القاسم وأشهب. السابع: في (الكتاب):، قال ابن القاسم: من طرد صيدا من الحرم إلى الحل فعليه جزاؤه لتعريضه للاصطياد، وإن رمى صيدا في الحرم من الحل أو من الحل في الحرم، أو في الحل من الحل، وأدركته الرمية في الحرم فعليه جزاؤه، وقاله (ش) و(ح) نظرا لبداية الفعل كالعقد في العدة والوطئ بعدها ونهايته، وإن أرسل بازه على صيد في الحل بقرب الحرم فقتله في الحرم أو أدخله الحرم، وأخرجه معه فقتله فعليه جزاؤه لتغريره فلو كان يبعد من الحرم فلا جزاء عليه في الصورتين، ولا يؤكل؛ لأن ذكاته غير مشروعه لعصمة الصيد بالحرم ابتداء وانتهاء، ولو أرسل سهمه بقرب الحرم فأنفذ مقاتله في الحل فمات في الحرم فلا جزاء عليه يؤكل لنفوذ المقاتل في الحل، وإذا أرسل كلبه على صيد في الحرم فأنشلا رجل آخر بانشلائه فعليهما جزاءان، وإن أرسل كلبه على ذئب في الحرم فأخذ صيدا فعليه جزاؤه لتفريطه إذ ذلك من طبع الجارح، قال ابن يونس: إذا طرد الصيد من الحرم إلى الحل إنما يضمنه إذا كان لا ينجو بنفسه، وقال أشهب: إذا رماه بقرب الحرم، ولم تنفذ مقاتله ومات في الحرم يؤكل لكمال الفعل قبل الدخول، وقال عبد الملك: له إرسال كلبه من الحرم على ما في الحل ويؤكل؛ لأن المعتبر من الصيد غايته، وكذلك قال أشهب: في الرجل المعين باشلائه لا شيء عليه؛ لأن أصل الاصطياد الإرسال، والحكم له بدليل أنه لو نوى بعده أو سمى لم يؤكل صيده، قال سند: واختلف قول مالك فيما يقرب من الحرم هل يمنع الصيد كما يمنع الحرم احتياطا؟ لأن تحديده باجتهاد عمر - رضي الله عنه - فرواية ابن القاسم لا يمنع ولو قتل طائرا في الحرم وله فراخ فماتوا بذلك ضمنها، فإن دنت إلى الحل فماتت فيه ضمنها على أصل ابن القاسم، وكذلك لو حبس الطائر في الحرم وله فراخ في الحل فماتت، ولو نقل فراخا من الحل إلى الحرم فماتت فيه ضمنها؛ لأنه صيد تلف في الحرم بسببه، ولو كان أصل شجرة في الحرم ولها غصن في الحل جاز صيد ما عليه من الطير عند ابن القاسم، وتوقف فيه مالك، فإن كان أصلها في الحل فلا يصاد ما عليه، ويجوز قطعه، وقال عبد الملك: لا يصاد ما عليه، وإن كان بعض الصيد في الحرم وبعضه في الحل ففيه الجزاء، وقاله (ش)، وقال (ح): إن كانت قوائمه في الحرم ضمن، وإن كان رأسه في الحرم وقوائمه في الحل فلا، وإن كان قائما في الحل ورأسه في الحرم ضمن؛ لأن النائم لا يستقر على قوائمه بخلاف اليقظان. الثامن: في (الكتاب): إذا صاد طيرا فنتفه ثم حبسه حتى نسل فطار فلا شيء عليه، والجزاء على قاتل الصيد عمدا أو خطأ. قواعد: العمد والخطأ في ضمان المتلفات سواء إجماعا في المفهوم إذا خرج محرج الغالب فليس بحجة إجماعا، الأصل في الكفارات أن لا تكون إلا مع الإثم كما في الظهار؛ لأن التكفير فرع التأثيم، وقد يوجد بدونه كما في قتل الخطأ لرفع التأثيم عن المخطئ، للحديث المشهور، وحنث اليمن لأمره عليه السلام بالحنث إذا رأى غيرها خيرا منها. وحنث معه وهو عليه السلام لا يفعل الإثم، ولا يأمر به فإن جعلنا الصيد من باب الكفارات لظاهر قوله تعالى: (أو كفارة طعام مساكين) [المائدة: 95] وهو المشهور فنجيب عن نفي الإثم بما تقدم، وعن مفهوم قوله تعالى: (ومن قتله منكم متعمدا) [المائدة 95] فإنه خرج مخرج الغالب على الصيد إنما يقتل مع القصد، وإن جعلناه من باب قيم المتلفات وهو أحد الأقوال لنا وللعلماء سوينا بين العمد والخطأ بالقاعدة الإجمالية، وقال مجاهد: الجزاء في الخطأ دون العمد؛ لأن معنى الآية عنده: ومن قتله منكم متعمدا لقتله ناسيا لإحرامه بدليل قوله تعالى: (ومن عاد فينتقم الله منه) [المائدة 95] فلو كان ذاكرا للإحرام لوجبت العقوبة بدون العود، ومفهومه إذا قصد مع ذكره للإحرام لا شيء عليه، وجوابه: أن المراد بالعود أي: في الإسلام بعدما تقدم في الكفر، وفي (الطراز) قال ابن عبد الحكم: لا جزاء في الخطأ لمفهوم قوله تعالى: (متعمدا). التاسع: في (الكتاب): من قتل صيودا فعليه بعددها كفارات، وإذا أصاب المعتمر الصيد قبل السعي فعليه الجزاء أو بعده وقبل الحلاق فلا جزاء عليه، فإذا قتل بازا فعليه جزاؤه غير معلم أو قيمته لصاحبه معلما، وقاله الأئمة، قال سند: قال ابن عبد الحكم: لا يتكرر الجزاء بتكرر الصيد، وقاله ابن حنبل: إن لم يكفر عن الأول، لنا: أن الحكم يتكرر بتكرر سببه. العاشر في (الكتاب): إذا أحرم العبد بإذن سيده فكل ما لزمه من جزاء صيده وغيره فعلى العبد، وليس له إخراجه من مال سيده إلا بإذنه؛ لأن هذا لم يتعين عليه بإذن حتى يكون السيد أذن فيه، وقاله (ش) فإن لم يأذن له صام ولا يمنعه الصوم، وإن أضربه إلا أن يهدي عنه، أو يطعم أو يكون تسببه في ذلك عمدا، فله المنع إن أضر به، وإن كسر محرم، أو حلال بيض طير وحش في الحرم وليس فيه فرج أو فيه ومات قبل الاستهلال ففيه عشر قيمته الأم، قال ابن القاسم: فإن استهل ففيه جزاء أمه كاملا كغرة الآدمية. وقال (ش): إنما عليه قيمه البيضة؛ لأنه - عليه السلام - قضى في بيض النعام بقيمته. واتفق الأئمة على تحريم بيض الصيد على المحرم، وخالف المزني؛ لأنه في نفسه ليس بصيد، وإن أصاب المحرم بيضة من حمام بمكة أو حلال في الحرم فعليه عشر دية أمه، وفي أمه شاة، وقاله (ش) وابن حنبل، وقال (ح): إنما فيه قيمة أمه؛ لأنه مذهبه في جميع الصيد، لنا: أنه مروي عن عمر وعثمان وابن عباس وابن عمر - رضوان الله عليهم - ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة، ولأنه تكثر ملابسة الناس له فيغلظ فيه حفظا له وهو يشبه الشاة؛ لأنه يعف كما تعف الشاة، وإذا كسر المحرم بيض النعام أو سواه لم يأكله حلال ولا حرام، قال ابن يونس: قماري مكة ويمامها كحمامها. وقاله أصبغ، وقال عبد الملك: في القماري واليمام حكومة، فإن لم يجد الشاة في حمام مكة صام عشرة أيام وليس فيه صدقة ولا يخير؛ لأن الشاة فيه تغليظ، وفي (الواضحة): هذه الشاة لا تذبح إلا بمكة كهدي الجزاء قال وقال في كتاب الصيد: يجوز صيد حمام مكة في الحل للحلال، وهذا يدل على أن المحرم إذا أصابه في الحل إنما عليه قيمته، وإن الشاة خاصة بمكة أو بالحرم، وقال ابن وهب: إن كان في البيضة فرخ فما، قال مالك، وإلا فعليه طعام مسكين أو صيام يوم؛ لقوله عليه السلام: (في كل بيضة صيام يوم) قال سند: قال ابن نافع: في البيضة صيام يوم ولم يفصل، ومالك يرى أن نطفة الطير قد انعقدت بيضة كما ينعقد المني علقة، فإن كانت البيضة مذرة فينبغي نفي الضمان؛ لأنها ميته كالصيد الميت، ولا قيمة إلا لبيض النعامة لقشرها، ويوجب مالك في الفرخ يستهل ما في الكبير، وفي كل صغير ما في كبيره؛ لأنه مروي عن عمر رضي الله عنه. في (الكتاب): من أحرم وفي بيته صيد فليس عليه إرساله فإن كان في يده يقوده أو في قفص معه فليرسله، ثم لا يأخذه حتى يحل، وإن أرسله من يده حلال أو حرام لم يضمن لزوال ملك ربه بالإحرام، ولو حبسه معه حتى حل أو بعث به إلى بيته بعد إحرامه وهو بيده ثم حل وجب إرساله، ورأى بعض الناس أن له إمساكه، ولا أخذ به. قاعدة: الموانع الشرعية ثلاثة أقسام: منها ما يمنع ابتداء الحكم واستمراره كالرضاع يمنع ابتداء النكاح، ويقطعه إذا طرأ عليه، وما يمنع ابتداءه فقط كالاستبراء يمنع ابتداء النكاح، ولا يقطعه إذا طرأ عليه، وما هو مختلف فيه هل يلحق بالأول أو بالثاني؟ كالطول يمنع نكاح الأمة ابتداء، فإن طرأ عليه هل يقطعه؟ خلاف ووجدان الماء مع الصلاة بالتيمم يمنع ابتداء، فإن طرأ بعده خلاف والإحرام يمنع من إنشاء الملك في الصيد، وهل يبطله إذا طرأ عليه خلاف؟ فعند مالك وابن حنبل: لا يبطله، وعند (ش): يزول لقوله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) [المائدة 96] والحرام لا يملك؛ لأن الملك إذن في المنفعة، والتحريم منع ولأن الإحرام يمنع ابتداءه فيمنع دوامه كاللباس، والجواب عن الأول: أن الصيد مصدر اسم الفعل تقول: صاد يصيد صيدا واصطاد يصطاد اصطيادا، المعنى واحد فيكون الحرام هو فعل الاصطياد؛ لأن الأصل في الكلام الحقيقة، ونحن نقول بموجبه؛ لأن الملك حكم شرعي لا تعاط فعلي، وعن الثاني: المعارضة بالقياس على بقاء الطيب واللباس في ملكه إذا تقرر هذا فلا فرق عندنا بين كونه في يده أو في قفص معه؛ لأن اليد الحسبة أقوى من اليد الحكمية فبقوتها أشبهت الاصطياد بوجوب إزالة اليد الحسية، قال مالك والأئمة، قال سند: لم يفصل المذهب إذا كان صيدا في بيته إن كان بيته في الحرم أو في الحل بين يديه أو خلفه، وقال بعض الأصحاب: إن كان بيته من وراء موضع إحرامه فلا شيء عليه، وإن مر ببيته فنزل فعليه إرساله، وقال مالك في (الموطأ): من أحرم وعنده صيد لا بأس بجعله عند أهله، وظاهره أنه يجعله بعد إحرامه، وإن أحرم وعنده صيد لغيره رده إلى ربه إن كان حاضرا، فإن كان ربه محرما، قال ابن حبيب: يرسله ربه فإن كان ربه غائبا، قال مالك: إن أرسله ضمنه بل يودعه حلالا إن وجده، وإلا بقي في صحبته للضرورة فإن مات في يده ضمنه؛ لأن المحرم يضمن الصيد باليد، ولا يجوز له أن يأخذ صيدا وديعة فإن فعل رده، فإن غاب ربه ولم يوجد من يودعه عمده أطلقه وضمنه؛ لأن الإطلاق بسبب وصفه هو فهو كالمعتدي، ولو وجد ربه حراما فامتنع من أخذه أرسله بحضرته، ولا ضمان لامتناع ربه منه. الحادي عشر: في (الكتاب): إذا طرح المحرم عن نفسه الحلمة والقراد والحمنان والبرغوث أو العلقة عن دابته، أو دابة غيره فلا شيء عليه، وإن طرح المنان أو الحلم أو القراد عن بعيره فليطعم؛ لأنها من الدواب التي لا تعيش إلا في الدواب. والهوام ضربان: ما لا يختص بالأجسام كالدود والنمل فلا شيء في طرحه؛ لإمكان حياته بعد الطرح، وإن قتله افتدى وما يختص: لا يجوز طرحه عن الجسم الذي شأنه أن يكون فيه لتعرضه للهلاك، والحلم والقراد لا يختص بالآدمي والبرغوث ينشأ من التراب، والحلم يسمى صغيرا قمقاما، فإن زاد فحمنان، فإن ولد فقراد فإن تناهى فحلم، وجوز (ش) و(ح) تقريد الدابة لما في (الموطأ) أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يقرد بعيره. لنا: أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يكره ذلك وعموم آية الصيد، ويحمل فعله على الضرورة وقياسا على القمل، قال: وإن غسل رأسه بالخطمي افتدى، وله فعل ذلك إذا حل له الحلاق وهو الأشنان، وقاله (ش)، وجوزه (ح) وابن حنبل مطلقا من غير فدية، قياسا على الغسل بالماء والفرق أنه يزيل الشعث ويقتل الهوام، وإذا أجنب صب على رأسه الماء وحركه بيده، ويجوز صب الماء على الرأس للحر وزوال العرق، ويكره غمس الرأس في الماء؛ لأنه يقتل الدواب فإن فعل أطعم شيئا، وإن دخل الحمام وتدلك افتدى، ويكره له غسل ثوبه وثوب غيره خشية قتل الدواب إلا أن تصيبه جنابة فبالماء وحده. قال سند: قال ابن حبيب: يدخل الحمام للتدفي، ولا خلاف في تطهير جسده من الجنابة، ويجوز إزالة العرق المنتن، قال ابن القاسم: وإن اغتسل للجنابة فقتل قملا في رأسه فلا شيء عليه وعليه الفدية في التبريد، وله طرح ثوبه عنه إن لم يكن فيه هوام فإن كان فيه أجاز مالك طرحه، ورأى سحنون: الإطعام، لمالك: أن القمل كان في الثوب وبقي فيه، فلو كان على جسده فألقاه في الثوب حين نزعه كان هلاكا له، وإبقاؤه في الثوب كرحيله من البيت فيموت بقه. وفي (الكتاب): إن أكل من لحم صيد صاده ليس عليه جزاء آخر ولا قيمة ما أكل، وقاله (ش) وابن حنبل، وقال (ح): عليه جزاء ما أكل؛ لأنه فعل محرم في الصيد كالقتل. لنا: القياس على صيد الحلال وصيد الحرم وما ذبح من أجله بأمره أو بغير أمره فلا يأكله محرم ولا حلال ذبحة حلال أو حرام؛ لأن للمحرم مشاركة فأشبه مشاركة البازي المعلم لغير المعلم، قال سند: وذكاة المحل من غير إعانة المحرم وأمره مبيحة للمحرم، ومنعه قوم لقوله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) [المائدة 96] وفي أبي داود أنه عليه السلام أهدي إليه عضد صيد فلم يقبله. وقال إنا حرم، والجواب عن الأول: أن الصيد مصدر فهو فعل الصائد لا المصيد، وعن الثاني: أنها واقعة عين فلعله - عليه السلام - فهم أنه صيد من أجله، ويعضده قوله - عليه السلام - في أبي داود: (صيد البر لكم حلال، ما لم تصيدوه أو يصاد لكم - زاد الترمذي - وأنتم حرم) قال: وسواء في التحريم ذبحه ليهدى له أو يباع منه لوجود القصد، فإن أكل وعلم، قال مالك: عليه جزاء الصيد كله؛ لأن الصيد إنما حرم اصطياده لأكله فهو مقصود الجناية فأولى بترتب الجابر، وقال أصبع و(ح): لا شيء عليه؛ لأنه أكل ميتة، والميتة لا جزاء لها، وقال (ش): عليه من الجزاء بقدر ما أكل منه. لنا: أنه كفارة، والكفارة لا تتبعض، وروي عن مالك أن الحلال إذا أكل منه فلا شيء عليه لقول عثمان رضي الله عنه: كلوا إنما صيد من أجلي، وإذا أكل منه محرم غير المقصود به عالما بذلك فعلى القول بوجوب الجزاء على المقصود بذلك بوجوب الجزاء على المختلف بوجوب الجزاء، واختلف في هذا فروي عن مالك لا شيء عليه، وقاله ابن القاسم، وروي الجزاء فإن صيد من أجله قبل أن يحرم: كره له أكله بعد الإحرام مرة، وأجازه أخرى، ولو صيد من أجله وهو محرم ولم يأكله حتى حل، قال ابن القاسم: أكله مكروه ولا جزاء عليه إن فعل، ومعناه أنه لم يذبح حتى حل، قال سند: وفي تحريم البيض على الحلال إذا أصابه المحرم نظر؛ لأن البيض لا يفتقر إلى ذكاة، والظاهر جوازه ويلزم على قول ابن القاسم لا يأكل المحرم بيضا شوي من أجله، وإن يكفر إذا أكله. والأصل فيه قوله تعالى: (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) [المائدة 95] فالواجب عندنا وعند (ش): المثل في النعم، كما قال تعالى، وقال (ح): القيمة لوجوه أحدها، قوله تعالى: (فجزاء مثل ما قتل) ولم يقل: جزاء ما قتل فجعل الهدي من النعم لمثل المقتول وهو القيمة فيصرف في الهدي، وثانيها: اشتراط الحكمين ولو كان المراد المثل من النعم لاكتفى بما حكم به الصحابة - رضي الله عنهم - بل المراد: القيمة التي تختلف باختلاف الرغبات في سائر الأوقات، وثالثها: أن الآية تسلم من التخصيص وعلى القول بالمثل من النعم يخرج ما لا مثل له كالعصافير والنمل والقمل، وقوله تعالى: (لا تقتلوا الصيد) عام فيه، ورابعها: أنه متلف عدوانا فيسوى كسائر المتلفات، والجواب عن الأول: أن الآية قرئت فجزاء مثل ما قتل بتنوين الجزاء وبإضافته، والقراءتان منزلتان فيجيب العمل بهما، والجمع بينهما ما أمكن فعلى التنوين يكون المعنى فجزاء مماثل من النعم وهذا تصريح بأن المماثلة تقع بين المقتول والنعم وعلى الإضافة يحتمل ما ذكرناه، وما ذكرتموه فيرد المحتمل إلى الصريح، وعن الثاني: أن الصيد فيه ما هو مختلف فيه وما لم يتقرر فيه شيء وما هو مجمع عليه، وعلى كل تقدير فقضاء الصحابة - رضوان الله عليهم - مختص بتلك الأعيان، والوقائع التي حضرتهم ولم يوجد في النص ما يقتضي أن ذلك قاعدة كلية في أصناف تلك الصيود، ولا أن نقلدهم بل الفعل المضارع الذي في الآية وهو قوله يحكم به وكونه جزاء الشرط يقتضي وقوع ذلك في الزمان المستقبل بعد قتل الصيد المحكوم فيه، وهذا هو الذي فهمه الصحابة - رضي الله عنهم - ولذلك لم يزالوا يقضون في النعامة ببدنه وفي حمار الوحش ببقرة، وفي الضبع بشاة، وفي الغزال بعنز مع اختلاف قيم المتلفات وتقديم مثل ذلك الحكم فدل على أن المراد تجرد الحكم في كل واقعة وعدم التقليد، وإن القيمة ملغاة فنحن نمنع التقليد فما حكم فيه، بل إجماعهم مستند للحكمين كسائر الأحكام الاجتهادية، ومواقع اختلافهم يجتهد فيه الحكمان في ترجيح أحد القولين والأقوال، وما ليس فيه حكم ينظر بما وقع فيه الحكم أو ما تقتضيه الممائلة الواقعة في الآية. وعن الثالث: أن القاعدة الأصولية: أن الضمير الخاص لا يوجب تخصيص عامة فالضمير في قوله تعالى: (ومن قتله منكم) خاص بما له مثل ولا يختص عمومة، سلمنا التخصيص لكن التخصيص أولى من إلغاء قوله تعالى: (من النعم) (هديا بالغ الكعبة) ومن لبيان جنس الجزاء والهدي إنما يكون من النعم أيضا، وإلغاء الظواهر كلها للتخصيص تعسف. وعن الرابع: قوله تعالى: (أو كفارة طعام مساكين) وتسميته بالكفارة يمنع قياسه على المتلفات، وإنه من باب الكفارات، وقال (ش): كل ما حكم فيه الصحابة - رضوان الله عليهم - بمثل من النعم لا يجتهد فيه؛ لأنه يؤدي إلى تخطئتهم وليس مخالفا للآية، ولأنه قد حكم به الصحابة، وجوابه: لا يلزم تخطئتهم؛ لأنا لا نخالفهم، بل لا نحكم إلا بما حكموا به على ما تقدم، ويلزمه أن يكون حكمهم ردا على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه قد نص على أن في الضبع كبشا ولم يمنعهم ذلك من الاجتهاد، والواجب في الصيد مثله في الصورة أو ما يقاربه، أو طعام بمثل قيمه الصيد أو صيام بقدر الطعام لكل مد يوم وكسرة؛ لأن الله تعالى سمى الجزاء كفارة، والكفارات الإطعام فيها بعدد أيام الصيام إمدادا أو مساكين، فإن لم يكن له مثل كالعصافير خير بين قيمته طعاما أو عدله صياما. تفريعات: خمسة الأول في (الكتاب): يحكم في جزاء الصيد حكمان عدلان فقيهان خلافا ل (ش) في الفقه ليعلما، مواضع الإجماع والخلاف، وأقضية السلف، وماله مثل وما ليس كذلك، ويجوز أن يكونا غير الإمام، ولا يكتفي بالمروي، وليبديا بالاجتهاد، ولا يخرجان عن آثار من مضي فإن اختلفا ابتدأ الحكم حتى يحصل فيه اثنان، وإن اخطأ خطأ بينا كوضع الشاة موضع البدنة نقص الحكم والخيرة للمحكوم عليه فيما يحكمان به من النعم أو الطعام أو الصيام يأمرهما بأيتها شاء فيحكمان به؛ لأن (أو) في الآية للتخيير، وقاله الأئمة، وله أن يختار بعد الحكم غير المحكوم به فيحكم به عليه، قال ابن يونس، قال محمد: لابد من الحكم في كل شيء حتى الجراد، فإن كفر بغير حكم أعاد إلا حمام مكة لا يحتاج إلى الحكم، وأحب إلينا أن يكونا في مجلس واحد لا متعاقبين، وتوقف ابن القاسم في حمام الحرم، وفي الضب اختلاف، فروى ابن وهب فيه شاة، وروى ابن القاسم قيمته طعاما أو عدل ذلك صياما وكذلك الثعلب، قال سند: ولابد من لفظ الحكم والأمر بالجزاء، ولا تكفي الفتوى لظاهر الآية، ولا يجوز أن يكون القاتل أحدهما لظاهر الآية أن الحكمين غير المحكوم عليه، وقال عبد الوهاب: ليس له الرجوع بعد الحكم إلى اختيار غير ما حكم به؛ لأنه حكم بالعدل فلا ينتقض كسائر صور الحكم، وجوابه الفرق بأن التخيير في هذه الكفارة حكم شرعي فلا يتمكن أحد من إبطاله ككفارة الحنث وإفساد رمضان، والتخيير في مواضع الخلاف بين أقوال العلماء مستفاد من البراءة الأصلية فللحاكم والمفتي رفعه، قال: والحكم فيما أجمع عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - بالدليل لا بالتقليد فيكون إجماعهم دليلا، فإن اختلفوا على قولين واستووا عند الحكمين لا يقلدان ويطلبان الترجيح. الثاني: في (الجواهر): الواجب في النعامة بدنة، وكذلك الفيل لكن من الهجان العظام التي لها سنمان خراسانية، فإن لم توجد فقيمته طعاما دون ما يشبع لحمه، قال بعض القرويين: ليس فيه رواية ولا له نظير لكن يجعل في مركب في الماء وينظر ما نزلت به في الماء ينزل بالطعام مثل ذلك، ولا ينظر إلى قيمته فإنها ضرر عظيم لعظمها، وفي حمار الوحش والإبل وبقر الوحش بقرة، وفي الضبع شاة، وفي (الكتاب): في اليربوع والضبع والأرنب ونحوه قيمته طعاما، ويخير بين الطعام والصيام، وفي حمام والحرام مكة شاة. وكذلك الدنسي والقمري إن كان من الحمام عند الناس، واليمام مثل الحمام، وأما غيره من الحمام فحكومة، وفي الذباب والنمل شيء من الطعام، قال سند: روي عن مالك في اليربوع والأرنب عنز، وفي الضب شاة، وأجمع الصحابة في الشاة في حمام مكة، وظاهر اللغة أن كل مطوق حمام، وقال ابن الماجشون: في القمري ونحوه حكومة لاختلاف هديره مع الحمام، وإذا عدمت الشاة في حمام مكة صام عشرة أيام، وليس فيه صدقة، ولا تخيير والدبا: صغار الجراد، ويجب في صغار الصيد من النعم مثل كبارة، وفي معيبه مثل سليمه، وقال (ش): يجب في المعيب معيب، وفي الأعور هدي أو عور والمكسور ويراعي جنس العيب فلا يخرج الأعرج عن الأعور؛ لقوله تعالى: (فجزاء مثل ما قتل من النعم) [المائدة 95] وأنفقوا على إجزاء الصحيح عن المعييب، واختلفوا في إجزاء الذكر عن الأنثى. لنا: قوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة) والهدي لا يجزئ فيه الصغير، ولأنه كفارة بالنص، ولدخول الصيام فيه فلا يختلف في الصغر والكبر ككفارة الآدمي إذا قتل، وما لا مثل له يلحق صغيره بكبيره اعتبارا بما له مثل، وإذا أوجبنا عشر قيمة الأم فمن وسط أقل ما يجزئ. وفي (الجواهر): إذا لم يستهل جنين الصيد صراخا، قال أشهب: فيه دية بخلاف الآدميات، وفي البيضة عشر الدية، وقيل: حكومة. الثالث: في (الكتاب): أدنى ما يجزئ في جزاء الصيد: الجذع من الضأن والثني مما سواه؛ لأن الله تعالى سماه هديا فيشترط فيه ما يشترط في الهدي، وما لم يبلغ ذلك: فطعام أو صيام، وإذا أراد الطعام قوم للصيد وقت تلفه حيا، ويجزئ التمر والشعير إن كان طعام ذلك الموضع، ويجزئ في الإطعام ما يجزئ في كفارات اليمن، ويقوم الصيد ولا يقوم جزاؤه، وقال (ش): يقوم الجزاء لا الصيد بدراهم، ثم تقوم الدراهم بطعام؛ لأن كل متلف وجب مثله فإنما يجب إذا ساواه في القيمة، وجوابه أن سائر الصور المثل فيها مساو للمتلف في الرغبات والقيمة، وههنا قيمة البدنة مخالفة لقيمة النعامة، والأصل: مساواة العقوبة للجناية، قال: ولو قوم الصيد بدراهم فاشترى بها طعاما أجزأه لعدم التفاوت غالبا، والطعام أصوب، فإن شاء الصوم صام عدد إمداد الطعام أياما بمده عليه السلام، وإن جاوز شهورا، والأفضل أن يصوم مكان كسر المد يوما، وإذا أطعم فلكل مسكين مد، ولو أعطى المساكين ثمنا أو عرضا لم يجزئه، والفراهة والجمال لا تعتبر في تقويم الصيد بل اللحم؛ لأن التحريم كان للأكل، وإنما يؤكل اللحم بخلاف المملوكات التحريم فيها لما يتعلق به أغراض المالك فيندرج فيه الجمال وغيره، وإذا حكم في الجزاء بثلاثين مدا فأطعم العاشر وعدم الباقي فله ذبح النسك، وليس له أن يصوم مكان العشرة ولا تلفق الكفارة من نوعين؛ لأن التخيير إنما وقع بين الأنواع، لا بين أجزائها، وتتابع الصيام أفضل من تفريقه، قال ابن يونس: ويقوم بغالب طعام الموضع الذي قتل فيه فإن تعذر فأقرب المواضع إليه، قال سند: قال يحيى: ينظر كم يشبع الصيد من نفس فيخرج قدر شبعهم طعاما؛ لأن كثيرا من الحيوان لا قيمة له كالضبع فيتعين مراعاة المقدار، وإذا كان رأي الحكمين رأي الحنفية فحكما بالقيمة دراهم أجزأ إذا حكما بها، وإذا أراد الانتقال إلى خصلة من الثلاثة لتعذر الذي حكم به فلابد من الحكم أيضا، وقال ابن شعبان يتعين عليه ذلك الحكم، ويصبر حتى يتيسر له أو ييأس فيحكم عليه بغيره. الرابع: في (الكتاب): جزاء الصيد كالهدايا لا ينحر إلا بمكة أو بمنى إن وقفه بعرفة، وإن لم يوقفه بعرفة سيق إلى الحل ونحر بمكة، وإن أوقفه بعرفة وفاته أيام منى نحره بمكة ولا يخرجه إلى الحل ثانية؛ لقوله تعالى: (هديا بالغ الكعبة) [المائدة 95]، وإنما يحكم عليه بالطعام في الموضع الذي أصاب الصيد فيه، ولا يطعم في غيره فإن فعل لم يجزئه، وأما الصيام: فحيث شاء، أما الطعام: فلأنه قيمة متلف فيتعين موضع الإتلاف، وقال (ش): يقومه بمكة، قال سند: وظاهر المذهب مراعاة الزمان أيضا، وأما على قول يحيى: فيراعي الشبع خاصة، وحمل محمد قوله: يطعم بموضع الإتلاف على اختلاف السعر فإن أصابه بالمدينة وأطعم بمصر لم يجزئه إلا أن يتفق سعراهما، فإن أصاب بمصر وأطعم بالمدينة أجزأه لغلاء سعرها، وهذا الفرع يلاحظ فيه معنى نقل الزكاة من موضعها، وإذا قلنا: يطعم بغير موضع الإتلاف: قال ابن وهب: يخرج بقيمة الطعام به حيث اتلف فيشتري بها طعاما غلا أو رخص، وراعى ابن حبيب الأكثر من ملكية ما وجب عليه أو مبلغ قيمته، فلو لم يحكم عليه بموضع التلف بشيء حتى رجع إلى أهله فأراد الإطعام، فليحكم عليه اثنين ويصف لهما الصيد وسعر الطعام بموضع الصيد، فإن تعذر عليهما تقويمه بالطعام قوماه بالدراهم ويبعث بالطعام إلى موضع الصيد، كما يبعث بالهدايا إلى مكة، وعلى قول ابن وهب: يبتاع بتلك القيمة طعاما في بلده، وعلى قول ابن حبيب: يخرج الأكثر، وإن أراد الصوم صام على قول ابن وهب: بعدد ما يحفظ القيمة من إمداد الطعام بموضعه، وعلى أصل ابن حبيب: يصوم بعدد ما يحفظ الأكثر وفي (الجواهر): لا يجوز إخراج شيء في جزاء الصيد بغير الحرم إلا الصيام، وحكى الشيخ أبو اسحق يطعم حيث شاء، وقيل: يطعم في موضع قتل الصيد. الخامس في (الكتاب): إذا حكما عليه بالهدي فله أن يهدي متى شاء، ولكن إن قلده وهو في الحج لم ينحره إلا بمنى، وإن قلده معتمرا بعث به إلى مكة؛ لأنه دم وجب لارتكاب محظور فهو كالكفارة في الذمة، والهدي له تعلق بالحج فيتعين حينئذ من حيث هو هدي، لا من حيث هو كفارة. السبب الثاني: لتحريم الصيد الحرم وهو أيضا يقتضي تحريم النبات والشجر، وهما حرمان حرم مكة وحرم المدينة فالحرم الأول حرم مكة، والأصل فيه: ما في الصحيحين (لما فتح الله على رسوله مكة قام عليه السلام فيهم فحمد لله وأثنى عليه، وقال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقبورنا وبيوتنا فقال عليه السلام: إلا الإذخر). فائدة القين: الحداد، والعضد: الكسر. وفيه فصلان:
|