الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)
.الفصل التاسع عشر: عجبًا لراحل مات وما تزود للرحلة، ولمسافر ماج وما جمع للسفر رحلة، ولمنتقل إلى قبره لم يتأهب للنقلة، ولمفرط في أمره لم يستشر عقله.لصردر:أخواني، مر الأقران على مدرجة، وخيول الرحيل للباقين مسرجة سار القوم إلى القبور هملجة وباتت أرواح من الأشباح مستخرجة، إلى كم هذا التسويف والمجمجة؟ بضائعكم كلها بهرجة، وطريقكم صعبة عوسجة، وستعرفون الخبر وقت الحشرجة.يا من قد ساخ في أوساخ، إلى كم تملى؟ تعبت النساخ، يا من ضيع الشباب، وما يسمع العتاب وقد شاخ، بادر صبابة القوى، فاستدرك باقي الطباخ، وتأهب للرحيل فما هذه الدنيا بمناخ، كم بات مزمار في بيت فأصبح فيه الصراخ، أين من حصن الحصون واحترس وعمر الحدائق واحترس، ونصب سرير الكبر وجلس، وظن بقاء للنفس فخاب الظن في نفس، نازله الموت، وتركه في ظلام ظلمة بين العيب والدنس، فالعاقل من بادر الندامة، فإن السلامة خلس.لابن المعتز: سابقة القدر قضت لقوم بدليل {سبقت لهم} وعلى قوم بدليل {غلبتْ علينا} تلقيح {سبقت} نور قلوب الجن {فقالوا سمعنا قرآنًا عجبا} وخذلان {غلبت} أعمى بصائر قريش {فقالوا أساطير الأولين} إذا هزت صوارم القدر، تقلقلت رقاب المقربين غضب على قوم فلم تنفعهم الحسنات، ورضي عن قوم فلم تضرهم السيئات، ما نفعت عبادة إبليس، ولا ضر عناد السحرة.هبت عواصف الأقدار في بيداء الأكوان، فنقلت الوجود وعم الخبر، فلما ركدت الريح، إذا أبو طالب غريق في لجة الهلاك وسلمان على ساحل السلامة، والوليد بن المغيرة يقدم قومه في التيه، وصهيب قد قدم بقافلة الروم، وأبو جهل في رقدة المخالفة، وبلال ينادي الصلاة خير من النوم، لما قضيت في القدم سلامة سلمان، أقبل يناظر أباه في دين قد أباه، فلم يعرف أبوه جوابًا إلا القيد، وهذا الجواب المرذول قديم من يوم {حرقوه} فنزل به ضيف {ولنبلونكم} فنال بإكرامه مرتبة «سلمان منا» سمع أن ركبًا على نية السفر، فسرق نفسه من حرز أبيه، ولا قطع، فوقف نفسه على خدمة الأدلاء وقرف الأذلاء، فلما أحس الرهبان بانقطاع دولتهم، سلموا إليه أعلام الأعلام على علامات نبينا، وقالوا أن زمنه قد أظل فاحذر أن تضل، وأنه يخرج بأرض العرب، ثم يهاجر إلى أرض بين حرتين، فلو رأيتموه قد فلى الفلا والدليل شوقه، وخلى الوطن خلاء يزعجه توقه.لأبي العلاء المعري: رحل مع رفقة لم يرفقوا {فشروه بثمن بخس} فابتاعه يهودي بالمدينة، فلما رأى الحرتين توقد خَرُشَوْقه، وما علم المنزل بوجد النازل.للمتنبي: فبينا هو يكابد ساعات الانتظار، قدم البشير بقدوم البشير وسلمان في رأس نخلة، فكاد القلق يلقيه، لولا أن الحزم أمسكه، كما جرى يوم {أن كادت لتبدي به} ثم عجل النزول، ليلقى ركب السيارة. فصاح به المالك: مالك ولهذا؟ انصرف إلى شغلك، فأجاب لسان وجده، كيف انصرافي ولي في داركم شغل فاخذ يضربه، فأخذ لسان حاله يترنم، لو سمع الأطروش. فلما لقي الرسول عرض نسخة الرهبان بكتاب الأصل، فوافق ووافق، يا محمد أنت تريد أبا طالب ونحن نريد سلمان، أبو طالب إذا سئل عن اسمه، قال عبد مناف، وإذا انتسب افتخر بالآباء، إذا ذكرت الأموال عد الإبل، وسلمان، إذا سئل عن اسمه قال عبد الله وعن نسبه، قال ابن الإسلام، وعن لباسه قال التواضع، وعن طعامه قال الجوع، وعن شرابه قال الدموع، وعن وساده قال السهر، وعن فخره قال «سلمان منا» وعن قصده، قال: {يريدون وجهه}.للشبلي: .الفصل العشرون: يا من يمشي على ظهور الحفر، ويرى السابقين إلى بيوت المدر، لو أصغى سمع التدبير، سمع العبر، كفى بالموت واعظًا يا عمر.لأبي العتاهية:يا سادرًا في سكر سروره، يا سادلًا ثوب غروره، كأنك بك قد اقتعدت غارب الغربة، واستبدلت بالأثواب التربة، سيقسم مالك من لا يحمدك، وستقدم على من لا يعذرك، غدًا يرجع الحبيبان عنك، حبيبك من أهلك يقسم حبيبك من مالك، وأنت في قفر الفقر إلى ما أسلفت، تبكي على ما خلفت، بين أناس كلهم أسير الفرق، وجميعهم على مهاد القلق. إلى متى تبقى بدائك؟ أهذا الذي تفعله برائك؟ لقد حل فناؤك بفنائك، وأخبر انتقاض بنائك بنمائك، وأن وراءك طالبًا لا تفوته، وقد نصب لك علم لا تجوز، فما أسرع ما يدركك الطالب، وما أعجل ما تبلغ العلم، أخواني، هذا الموت غدًا، يقول للرحيل غد، كيف بكم إذا صاح إسرافيل؟ في الصور بالصور، فأسمع العظام البالية تحت المدر، فاجتمعت من بطون السباع، وحواصل الطير، فقامت تبكي على فوات الخير، وسار الخلائق كلهم حفاة عراة، كل منهم مشغول بما عراه، وقد رجت الأرض وبست الجبال، وذهلت العقول وشاب الأطفال. يا أهل الذنوب والخطايا ألكم صبر على العقوبة؟ {كلا إنها لظى} إذا شاهدت من اشترى لذة ساعة بعذاب سنين {تكاد تميَّز من الغيظ} من أراد أن ينجو منها فليتب {من قبل أن يتماسا} كيف أمن العصاة؟ {وإن منكم إلا واردها} كيف نسوا غب الزلل؟ {ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره}.أخواني، مثلوا أهل الجنة {يوم نحشر المتقين} {ونورهم يسعى بين أيديهم} ومعهم توقيع {لا خوفٌ عليهم} فلما وصلوا إلى الجنان {وفُتحت أبوابها} وبدأهم الخزنة {سلام عليكم طبتم} وبشروهم بالبقاء الدائم {فادخلوها خالدين} وقرأت الأملاك من سجل الأملاك مبلغ الثمن {بما صبرتم} وجميع المرادات داخلة في إقطاع {ما تشتهي أنفسكم} وقد استرجح في الميزان {ولدينا مزيد} وأتم التمام {وما هم منها بمخرجين}. ويحك ميز بعقلك وحسك بين الدارين، وأحضر الذنب والعقاب والمح العاقبتين، هذا الحيوان البهيمي ينظر في العواقب، الإبل يأكل الحيات فيشتد عطشه فيحوم حول الماء ولا يشرب لعلمه أن الماء ينفد السموم إلى أماكن لا يبلغها الطعام، ومن عادته أن يسقط قرنه كل سنة وهو سلاحه فيختفي إلى أن ينبت، هذه الحية، تختفي طول الشتاء بالأرض، فتخرج وقد عشى بصرها، فتحكه بأصول الرازايانج لأنه يزيل العشا، هذا الفهد إذا سمن علم أنه مطلوب وشحمه يمنعه من الهرب فهو يستر نفسه إلى أن ينحل الشحم، هذه النملة تدخر في الصيف للشتاء، فإذا خافت عفن الحب أخرجته إلى الهواء فإذا حذرت أن ينبت نقرت موضع القطمير.أسمعت يا مقطوع الحيلة؟ متى تدخر من صيف قوتك إلى شتاء عجزك؟ هذه السمكة إذا حبستها الشبكة جمزت بكل قوتها لتقطع الحابس، لو نهضت بقوة العزم لانخرقت شبكة الهوى، إذا مد النهر اغتنمت ذلك المد الزنابير، فبنت منه بيوتًا لأنه لا يصلح لها غيره، مد بحر الشباب وما بنيت بيت جد، فحدثني ما الذي تصنع في القحل؟ إن فاتك زمن المد، فمد اليد للسؤال حيلة المفلس.يا محصرًا عن الوصول لا يجزيه الهدى، يا منقطعًا في الطريق عن جملة الوفد، تحامل إلى بعض خيم أهل الوصل، واشهد على وصيتك ذوي عدل، وناد في النادي بصوت الذل. وابسط في الدجى يد الطلب، فأطيب ما أكل الرجل، من كسب يده، وقل بلسان التملق: إذا جلست في ظلام الليل بيد يدي سيدك فاستعمل أخلاق الأطفال، فإن الطفل إذا طلب من أبيه شيئًا فلم يعطه يكن عليه. يا من قد نزلت به بلية الطرد، تروح إلى حديث المناجاة وإن لم تسمع منك، وابعث رسائل الأحزان مع رياح الأسحار ولو لم تصل.
|