الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)
.الفصل السابع والتسعون: من ركب الهوى هوى به والنفس إذا استعملت التقوى تقوى به،يا من يخطي على نفسه ويقترف متى تندم وتعترف؟ يا من بحب العاجل قد كلف، ستعلم غدًا جفن من يكف، يا محبوسًا في سجن الهوى لو ارعوى أنف، يا مترددًا في التوبة سارع ولا تقف إلى متى أعمالك كلها قباح؟ إلى كم فساد؟ متى يكون الصلاح؟ ستفارق هذه الأجساد الأرواح، إما في غدو وإما في رواح، سيفنى هذا المساء والصباح، وسيخلو البلى بالوجوه الصباح، أفي هذا شك؟ والأمر صراح، أين شارب الراح؟ راح إلى قبر تسفي عليه الرياح، خلى للبلى والدود مباح، لهما اغتباق به ثم اصطباح، عليه نطاق من التراب ووشاح، عنوانه لا يزال مفهومه لا براح، مشغول عمن بكى عليه وناح، أما هذا لنا عن قليل؟ إنا لوقاح، كأنك بملك الموت قد صوت بالروح وراح، فتأهب للنقلة على غفلة: هذا حادي الرحيل قد استعجلكم فالبدار البدار خلوا كسلكم ودعوا التواني فالتواني قد قتلكم، وا أسفي قد سبق الصالحون فماذا شغلكم {فستذكرونَ ما أَقولُ لكُمْ}: يا معدودًا مع الشيب في الصبيان، يا محبوسًا مع البصراء في العميان، يا واقفًا في الماء وهو ظمآن، يا عارفًا بالطريق وهو حيران، أما وعظت بآي القرآن؟ أما زُجرت بناي الأقران؟ أما تعتبر بصروف الزمان؟ أتعمر المنزل وعلى الرحيل السكان؟ أما يكفي وعظ؟ {كلُّ مَنْ عليها فان}، تسافر ببضائع الأمانة وما تنزل إلا في خان من خان، أفعالك كلها مكتوبة فيا ليت ما كان ما كان، تدفن الميت ولا وعظ كالعيان، ثم تعود غافلًا يا قرب ذا النسيان، ويحك أما تدري أن الهوى هوان {ألَمْ أَعْهَدْ إليكمْ يا بني آدمَ أنْ لا تعبدوا الشيطان}. يا مستأنسًا بظل متقلص، يا حريصًا على الهوى والموت عليه يحرص، يا من إذا كال فمطفف وإن وزن فمتلصص، ما تتخلص من معامل وهو عند الله متخلص، تفكر فيمن أصبح مسرورًا فأمسى وهو متنغص، ومتى ازددت لذة فاذكر قبلها المنغص، حاسب نفسك وخذ على يديها، لا ترخص حائط الباطن خراب فلماذا تجصص؟.يا ابن آدم أنت بين ذنب لا تدري أغفر؟ وحسنة لا تدري أقبلت؟ فأين الانزعاج؟ لما سترت عن الصالحين العواقب استراحوا إلى الأحزان وفزعوا إلى البكاء، كانوا يتزاورون فلا تجري في خلوة الزيارة إلا دموع الحذر. كان أشعث الحراني يزور حبيب العجمي فيبكيان طول النهار. أخواني: أتدرون ما أقلق هذا التائب؟ أعلمتم ما أقدم هذا الغائب؟. يحق لمن رأى الراحلين إلى الحبيب وهو قاعد أن يبكي ولمن سمع بأخبار الواصلين وهو متباعد أن يقلق. إذا رأيتم قلقًا فارحموه، وإذا شاهدتم باكيًا فوافقوه، وإذا عاينتم واجدًا فاتركوه. يا أطفال الهوى أين أنتم والرجال؟. يا هذا إذا هممت بخير فبادر لئلا تغلب، وإذا هممت بشر فسوف هواك لعلك تغلب، ثقف نفسك بالآداب قبل صحبة الملوك فإن سياسة الأخلاق مراقي المعالي.قال بزرجمهر: أخذت من كل شيء أحسن ما فيه حتى من الكلب والهر والغراب، قيل ما أخذت من الكلب؟ قال: ذبه عن حريمه وإلفه لأهله، قيل فما أخذت من الهر؟ قال: رفقها عند المسألة ولين صياحها، قيل: ومن الغراب؟ قال: شدة حذره.لولا سخط نفس أبي بكر عليه لمفارقة هواها ما نال مرتبة: أنا عنك راض، لولا عري أويس ما لبس حلة، يشفع مثل ربيعة ومضر، يا كثير الذنوب متى تقضي؟ يا مقيمًا وهو في المعنى يمضي، أترك الهوى محمودًا قبل أن يتركك مذمومًا، إن فاتتك قصبات السبق في الزهد فلا تفوتنك ساعات الندم في التوبة، يا من كلما حرك إلى الجد الجد سوف، يا من شدد عليه الوعيد وما تخوّف، يا مريض الهوى بل يا مدنف إن كنت لا تعرف الدواء فالطبيب قد عرف، هذا ممكن النصائح ثم أنت بنفسك أعرف. .الفصل الثامن والتسعون: إخواني: من عرف ما بين يديه لم يؤثر الهوى ولم يلتفت إليه، ومن تفكر في رحيل من كان لديه صار النهوض للتزود متعينًا عليه.كم فرح بشهر وإهلاله متهلل لرؤية هلاله اختطفه الموت في خلاله، كم مائل إلى جمع ماله تركه تركة ومرّ بأثقاله، هل رحم الموت مريضًا لضعف أوصاله؟ هل ترك كاسبًا لأجل أطفاله؟ هل أمهل ذا عيال من جرا عياله؟ كم راع قصرًا؟ وما راعى عن أبطاله، كم أشرف على شريف فلم ينظر في خلاله؟ كم خرق درعًا نبيلًا بوقع نباله؟ كم أيتم طفلًا صغيرًا ولم يباله؟ كم شد نفسًا في سعة نعاماه وشماله؟ كم بعث عليلًا إلى البلى؟ بعد التراقي إلى إبلاله فرقى روحه إلى التراقي ولم ينظر في حاله. بينا محب الدنيا في اختيال ومرح، وكلما جاء بابًا من أبوابها فتح، وكلما عانى أمرًا من أرها صلح، فبينا هو في لذاته يدير القدح، قدح زناد العمر في حراق القدح فمن يستدرك ما فات؟ ومن يداوي ما جرح؟. إلى كم تعصي وتتمرد؟ وأقبح من قبحك أنك تتعمد، يا رديّ العزم يا سيّء المقصد يا نقي الثوب والقلب أسود، ما هذا الأمل ولست بمخلد؟ يا مستورًا على القبيح أم تجحد أما الطريق طويلة؟ فمتى تتزود؟ تخلص من أسر الهوى فإنك مقيد، أتشتري لذة ساعة بعذاب سرمد؟ يا مدمن الذنوب منذ كان غلامًا، علام عوّلت قل لي علاما؟ أتأمن مأتى من أتى حراما؟ قد ترى ما حلّ بهم، إليك قد ترامى أين المجتمعون على خمورهم والندامى؟ كل القوم في قبورهم ندامى، أما ما جرى على العصاة يكفي إماما؟ لقد ضيّعنا حديثا طويلًا وكلامًا ما أرى إلاّ داءً عقاما: متى تفيق من هذا المرض المراض؟ متى تستدرك هذه الأوقات الطوال العراض؟ يا عرض المنون كيف تبقي الأعراض؟ أما الأعمار في كل يوم في انقراض؟ لقد نبت قبل شكة السهم صكة المعراض، أما ترى الراحلين ماضيًا خلف ماض؟ كم بنيان ما تم حتى تم مأتم؟ وهذا قد استفاض، إن الموت إليك كما كان لأبويك في ارتكاض، إن لم تقدر على مشارع الصالحين فرد باقي الحياض، إن لم يكن لك ابن لبون فلتكن بنت مخاض، إلى متى؟ وحتى متى؟ أتعبت الرواض، كلما بنينا نقضت ولا بناء مع نقاض، يا من قد باع نفسه بلذة ساعة بيعًا عن تراض، لبئس ما لبست أتدري ما تعتاض؟ يا علة لا كالعلل ويا مرضًا لا كالأمراض. يا مخالفًا من نهاه وأمره، يا مضيّعًا في البطالة عمره، الزمان صولجان والعمر كرة الدنيا بحر، والساحل المقبرة احذر نوائبها فإن مشاربها كدرة، على أنها مزرعة يحصد كل ما بذره فلا تحتقر معصية فربما أحرقت شررة، أما عرفت سر {ولا تقْرَبا هذهِ الشَّجَرَة}، لو اقتنع اكتفى ولكن المحنة الشرة.أخواني: كل مقاتل ليس معه سلاح عزم مغلوب، إذا برز شجاع اليقظة بسلاح الجد هشم وجه الأمل وهزم جيوش الزلل، إذا استشعرت النفس زرمانقة الزهد ودخلت مترهبنة دير العزوف وجدت أنيس، أنا جليس من ذكرني، الخلوة شرك لصيد الموانسة فأخفى الصيادين شخصًا، وأقلهم حركة أكثرهم التقاطًا للصيد ما صاد هر صاح، وحل المخالطة يلزم المتهذب المتمذهب رفع أذيال قميص الدين.قيل للحسن ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها؟ قال لأنهم: خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره. رحم الله أعظمًا طالما نصبت وانتصبت، جنَّ عليها الليل فلما تمكن وثبت، وثبت إن ذكرت عدله رهبت وهربت، وإن تصورت فضله فرحت وطربت، عرفت أذنبت عن خدمته إنها قد أذنبت، هبت على قلوبهم عقيم الحذر فاقشعرّت وندبت، فبكت عليها سحاب الرجاء فاهتزت وربت، حسبك إن قومًا موتى تحيى بذكرهم النفوس وإن قومًا أحياء تقسو برؤيتهم القلوب، سلام الله على تلك القبور ورضوان الله حشو تلك اللحود. أماكن تعبدهم باكية ومواطن خلواتهم لفقدهم شاكية، زال التعب وبقي الأجر وذهب ليل النصب وطلع الفجر، جاء في الحديث: تحت شجرة طوبى مستراح العابدين، إنما يطيب مكان الاستراحة بإجراء حديث التعب وإنما يلذ الظل البارد لمن تأذّى بحرِّ الهجير.إخواني: مثلوا الاستراحة تحت شجرة طوبى يهون عليكم السفر، ادأبوا في السير، فقد لاح العلم.
|