الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
فمن الحوادث فيها أنه ركب قاضي القضاة في المحرم عائدًا أبا نصر بن الصباغ. وفـي يـوم الخميـس حـادي عشر ربيع الآخر: وصل سعد الدولة وخرج الجماعة وقبّل عتبة باب النوبي ونزل دار المملكة وتردد إلى الديوان وسأل الوصول إلى الخدمة وتسليم كتابه من يديه وإيراد رسالة من لفظه فأذن في ذلك يوم السبت لعشر بقين من ربيع الآخر فوصل مع فخر الدولة أبي نصر بن جهير وكان يؤثر دخوله وحده فلم يجب فسلم كتاب السلطان في خريطة سوداء ولم يمكنه مع حضور فخر الدولة المشافهة بالرسالة فسطر في رقعة وتعرف الخليفة خبـر السلطـان وسلامتـه عـن سلامتـه فـي نفسـه واستقامـة الأمـور لديـه ثـم استـأذن فـي إحضـار ثلاثـة حجّاب فأذن لهم فدخلوا فخدموا ثم انصرفوا. وفـي ليلـة الجمعـة لأربـع بقيـن مـن ربيع الآخر وقت طلوع الفجر وقت طلوع الفجر: حدثت زلزلة ارتجت لها الأرض ست مرات. وفـي جمـادى الآخـرة: لقـي أبـو سعـد بـن أبـي عمامـة مغنيـة قـد خرجـت مـن تركي بنهر طابق فقبض على عودها وقطع أوتاره فعادت إلى التركي فأخبرته فبعث التركي إليه من كبس داره وأفلت وعبـر إلـى الحريـم إلـى ابـن أبـي موسـى الهاشمـي شاكيـًا مـا لقـي واجتمـع الحنابلـة في جامع القصر من الغد فأقاموا فيه مستغيثين وأدخلوا معهم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وأصحابه وطلبوا قلع المواخير وتتبع المفسدات ومن يبيع النبيذ وضرب دارهم تقع المعاملة بها عوض القراضة فتقدم أمير المؤمنين بذلك فهرب المفسـدات وكبسـت الـدور وارتفعـت الأنبـذة ووعـد بقلـع المواخيـر ومكاتبة عضد الدولة برفعها والتقدم بضرب دراهم يتعامل بها فلم يقتنع أقوام منهم بالوعد وحكـى أبـو المعالـي صالـح بـن شافـع عمّن حدّثه أن الشريف أبا جعفر رأى محمد ابن الوكيل حين غرقـت بغـداد فـي سنـة سـت وستيـن وجـرى علـى دار الخلافة العجائب وقد جاء ببعض الجهات إلى الترب بالرصافة أو غيرها من تلك الأماكن وهم على غاية التخبيط فقال له الشريف: يا محمد يا محمد قال: لبيك يا سيدنا قال. كتبنا وكتبتم وجاء جوابنا قبل جوابكم يشير إلى قوله سأكتب في رفع المواخير ويريد بالجواب الغرق وما فيه. وفـي هـذا الوقـت غلـت الأسعـار وتعـذر اللحـم ووقـع الموتـان فـي الحيـوان حتى إن راعيًا في بعض طريق خراسان قام عند الصباح إلى غنمه ليسوقها فوجدها موتى. ووقع سيل عظيم وبرد كثير في طريق خراسان وكان في المكان المسمى بباغ ثلاثة آلاف وخمسمائة جريب حنطة وشعيرًا فبرد ونسفته الريح فلم يشاهد له أثر وانقلع شجـر التـوت العظيـم من أصله وإحدى عشرة نخلة وقام في ساقية من البرد إلى فخذ الإنسان وأحضر قوم من قردلي بندقًا من الطين قد وقع مع البرد كبيضة العصفور طيب الرائحة. وفي هذه الأيام كان ابن محسن الوكيل قد توكل على صاحب الظفر الخادم في معنـى دار فحضر ظفر عند الوزير فخر الدين وخاصم ابن محسن واستخف به حتى قال: هذا يأخذ أموال الناس ويبيع الشريعة بالثمـن الخسيـس ويحكـم القضـاة بمـا لا يحـل ويشهـد الشهـود بمـا لا يجوز. وكان قاضي القضاة حاضرًا فغالظه وأظهر أنه لم يسمع فأعان الوزير ابن محسن فنهض ظفر مغضبًا وقال لأصحابه: أين رأيتم ابن محسن فاقتلوه. فركب قاضي القضاة للقاء صافي الخادم وقد قدم من عند السلطان فخـرج معـه ابـن محسـن فضربـه أصحـاب ظفـر ووقعـت مقرعـة فـي القاضـي القضـاة فامتعـض ونـزل عـن البغلـة ومشـى مـن الحلبة إلى شاطئ دجلة على ثقل بدنه وعبر إلى داره وراسله الوزير أن يعود إلى الوزير بصرف ظفر من الدار والختم على داره وإصطبلاتـه وما يتعلق به ونقض الدار التي جرى عليها الخصام وضرب الغلام الذي ضرب ابن محسـن علـى بـاب النوبـي مائـة سـوط وركـب أحد الغلمان الخواص إلى قاضي القضاة فاعتذر إليه مما جرى. وعقد للأمير عدة الدين على ابنة السلطان من خاتون السفرية وكان القعد في دار المملكـة بنيسابور وضربـت الدبـادت والبوقـات وامتلـأت الـدّار بالفيلـة المزينـة والخيـل المجفجفـة وجلـس السلطان ألب أرسلان على سرير الملك ونظام الملك قائم بين يديه وخطب الشطبـي ووكـل السلطان نظام الملك وكان وكيل عدة الدين عميد الدولة أبي نصر بن جهير فعقد العقد ووقع النثار. أحمد بن عثمان بن الفضل بن جعفر أبو الفرج المخبزي ولـد فـي سنـة سـت وسبعيـن وثلثمائـة وحـدّث عـن أبـي القاسـم بـن حبابة وعلي بن عيسى وتوفي ليلة الأربعاء العشرين من صفر. بكر بن محمد بن حيدر أبو منصور النيسابوري ولد في سنة ست وثمانين وثلثمائة وذكر أنه من ولد عثمان بن عفان وسمع من أبي علي بن المذهب وكان ثقة وتوفي بالري في محرم هذه السنة. جابر بن ياسين بن الحسن بن محمد بن محمويه أبو الحسن الجبائي العطار ولد يوم الثلاثاء ثامن محرم سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة وسمع أبا حفص الكتانـي وأبـا طاهـر المخلص وعيسى بن علي وغيرهم وحدّث وكان ثقة من أهل السّنّة حدّثنا عنه جماعة من مشايخنـا وتوفـي فـي ليلة الأحد خامس عشرين شوال ودفن في مقبرة باب حرب قريبًا من قبة السعيد. أبو الحسن الهاشمي خطيب جامع المنصور. ولد فـي شـوال سنـة أربـع وثمانيـن وقـرأ القـرآن علـى أبـي القاسـم الصيدلانـي وحـدّث عـن الحسيـن بن أحمد بن عبد الله بن بكير الحافظ وأبي الحسن بن رزقويه وعثمان الباقلاوي وغيرهم حدّثنا عنه مشايخنا وقد حدّث عنـه الخطيـب وكـان عـدلًا ثقـة شهد عند ابن ماكولا وأبي عبد الله الدامغاني فقبلا شهادته وكان ممن يلبس القلانس الطول التـي تسميهـا العـوام: الدنيـات وتوفـي يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الأولى من هذه السنة وصلى عليه أبو الفوارس الزينبي النقيب في جامع المدينة ودفن بقرب قبر بشر الحافي. محمد بن أحمد بن شاده بن جعفر أبو عبد الله الاصبهاني القاضي بدجيل تفقه على مذهب الشافعـي رضـي اللـه عنـه وسمـع أبـا عمـرو بـن مهـدي وغيـره روى عنـه أشياخنا وكان ثقة توفي فجأة يوم الجمعة حادي عشر ذي القعدة من هذه السنة وصلي عليه في جامع المدنية وحمل إلى القرية المعروفة بواسط دجيل فدفن فيها. محمد بن علي بن عبيد الله أبو بكر الطحان بابن القابلة فمن الحوادث فيها أنه يوم الحادي عشر من محرم حضر أبو الوفاء ابن عقيل الديوان ومعه جماعـة مـن الحنابلـة واصطلحوا ولم يحضر الشريف أبو جعفر الديوان يومئذ لأجل ما جرى منه فيما يتعلق بإنكار المواخير على ما سبق ذكره فمضى ابن عقيل إلى بيت الشريف وصالحه وكانت نسخة ما كتـب بـه ابـن عقيـل خطـه ونسـب إلـى توبتـه: بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم يقـول علـي بـن عقيـل بن محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب المبتدعة والاعتزال وغيره ومـن صحبـة أربابـه وتعظيـم أصحابه والترحم على أسلافهـم والتكثـر بأخلافهـم ومـا كنـت علقتـه ووجـد خطـي بـه مـن مذاهبهم وضلالاتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته وإن قومـًا قالـوا: هـو أجسـام سـود وقلـت: الصحيـح مـا سمعـت مـن الشيخ أبي علي وأنه قال: هو عدم ولا يسمى جسمًا ولا شيئًا أصلًا واعتقدت أنا ذلك وأنا تائب إلى الله تعالى منه واعتقدت في الحلاج أنه من أهل الدين والزهد والكرامات ونصرت ذلك في جزء عملته وأنا تائب إلى الله تعالى منه وأنه قتل بإجماع فقهـاء عصـره وأصابـوا فـي ذلك وأخطأ هو ومع ذلك فإني استغفر الله تعالى وأتوب إليه مخالطة المبتدعة والمعتزلة وغيرهم ومكاثرتهم والترحم عليهم والتعظيـم لهـم فـإن ذلـك كلـه حـرام ولا يحل لمسلم فعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام " وقد كان الشريف أبو جعفر ومن معه من الشيوخ واالأتباع ساداتي وإخواني - حرسهم الله - مصيبين في الإنكـار علـي لمـا شاهـدوه بخطـي فـي الكتـب التـي أبـرأ إلـى اللـه تعالـى منهـا وأتحقق أني كتبت مخطئًا وغير مصيب ومتى حفظ عليّ ما ينافي هذا الخط وهذا الإقرار فلإمـام المسلميـن مكافأتـي علـى ذلـك بما يوجبه الشرع من ردع ونكال وإبعاد وغير ذلك فأشهدت الله تعالى وملائكتـه وأولـي العلـم علـى غيـر مجبـر ولا مكـره وباطنـي وظاهـري يعلـم اللـه تعالـى فـي ذلـك سواء. قال الله تعالى: وكان لما بلغ أهل بخارى عبوره وتقدمت سريته اجتاحت ونهبت واجتمع الصالحون وصاموا ودعوا عليه فهلك. فلما مات جمع العسكر وجلس ولده على سدة الملك والأمـراء وقيـام فقـال لـه نظـام الملـك: تكلم أيها السلطان! فقال: الأكبر منكم أبي والأوسط أخي والأصغر ولدي وسأفعل معكم ما لم أسبق إليه فأمسكوا فأعاد القول فأجوبوا بالسمع والطاعة. وتولى نظام الملك وأبو سعد المستوفي أخذ البيعة عليهم وإطلاق الأمـوال لهـم وزيـدوا فـي الجامكية ما قدره سبع مائة ألف دينار وسار إلى مرو فدفن بها إلىجنب قبر أبيه وجلس الوزيـر فخـر الدولـة للعزاء بالسلطان في صحن السلام يوم الأحد الثامن من جمادى الأولى وخرج فـي يـوم الثلاثـاء توقيع من الخليفة يتضمن الجزع على السلطان ويذكر سعيه في مصالح المسلمين وفتكـه بالـوم وغلقـت الأسواق أيام العزاء وأقامت خاتون زوجة الخليفة العزاء والمناحة وجلست على التراب. ووردت كتب السلطان إلى دار الخلافة في ثامن رجب يذكر وفاة والده ويسأل إقامة الخطبة فأقيمـت مـن غـد على المنابر. وفي شعبان: ثارت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة والقلائين أحرق فيها أحرق فيها من الكرخ الصاغة وقطعة من الصف وقتل فيها خلق كثير. ولما بلغ قاورت بك وفاة أخيه ألب أرسلان سار طالبًا للري والممالك فسبقه إليها ملك شاه فالتقـوا بقـرب همذان في رابع شعبان وكان العسكر مائلًا إلى قاورت بك فحمل قاورت على ميمنة ملك شاه فكسرها وحمل هؤلاء على مينته فهزموها فالتجأ قاورت إلى بعض القرى فجاء رجل سوادي فأخبر ملك شاه فأخذه وكان قبل ذلك قد داراه ووعده بالاقطاع الكثير فسطع وأبى وحارب فجيء به ماشيًا فأومأ بتقبيل الأرض ثم قبّل يد السلطان فقال له ملك شـاه: يـا عـم كيـف أنـت مـن تعبـك أمـا تستحـي مـن هـذا الفعـل أطرحت وصية أخيك وأظهرت الشماتة به وقصدت ولده وفعلت ما لقاك الله جوابه فقال: والله ما أردت قصدك وإنما عسكرك واصلوا مكاتبتي. فأنفـذ إلـى همـذان فاعتقـل هنـاك فلما وصل السلطان إلى همذان أمر بقتله فخنق ثم إن العسكر تبسطوا وقالوا: ما يمنع السلطان أن يعطينا ما نريد إلا نظام الملك وبسطوا أيديهم في التصرف فذكر النظـام للسلطـان طرفًا من هذا وبيّن له ما في هذا من الوهن وخرق السياسية وقال: ما يمكننـي أن أعمـل شيئًا من غير إذنك فإنما أن تدبر أنت أو تأمرني فيه بما أعتمده فقال له: قد ورددت إليك الأمور كبيرهـا وصغيرهـا وقليلهـا وكثيرهـا ومـا منـي اعتـراض عليـك ولا ردّ لمـا يكون منك وأنت الوالد. وحلف له وأقطعه طوس بلده وتقدم بإضافة الخلـع عليـه وأعطـاه دواة وعليها ألف ثوب ديباج وعشرين ألف دينار ولقّبه: أتابك ومعناه: الأمير الوالد. وظهر من النظام من الرجلة والشهامة والصبر إلى حين ظفر بالمراد واللطف بالرعية حتى إن المـرأة الضعيفـة تخاطبهـا ولقـد رفع بعض حجابه امرأة ضعيفة فزبرة وقال: أنا أستخدمتك لتوصل إلـيّ مثـل هـذه لا لتوصـل إلـيّ رجـلًا كبيـرًا أو حاجبـًا. ثـم صرفـه وكـان إذا اجتـاز بضيعة فأفسدها العسكر غرم لصاحبها فيه ما أفسدوا. وفي شعبان: قصد أهل المحال الكرخ فقاتلوا أهلها وأحرقوا فيها شيئًا كثيرًا وخرج الشحنة فأخذ من ثياب أهل باب البصرة وثياب أهل القلائين ما حمله أصحابه على البغال. وفي رمضان: ورد جراد عظيم أكل ما وجد حتى عدم البقل في آخر هذا الشهر فبيع ما أحمد بن الحسن ابن عبد الودود بن المهتدي بالله سمع أبا الحسين بن المتيم والصرصري وغيرهما وحدّث وتوفي في يوم الأربعاء رابع عشرين شوال. ألب أرسلان واسمه: محمد إنما غلب عليه ألب أرسلان بن داود السلطان: قد ذكرنا سيره في الحوادث وكيفية قتله وكان يقـول حين قتل: ما وجه قصدته إلا واستعنت الله عليه إلا هذا الوجه فإني اشتغلت بالعساكر ولـم يخطر ربي بقلبي. قال: ولما كان في أمسنا صعدت تلًا فارتجت الأرض تحتي من عظم الجيـش وكثـرة العسكـر فقلت في نفسي: أنا ملك الدنيا وما يقدر أحد عليّ فجاءتني قدرة لم يخطر على بالي وأنا أستغفر الله من الخاطر ووصى العسكر بولده ملك شاه الذي جعل فيه الملك بعده ونظام الملك وزيره والطاعة لهما وأحلف من ينبغي أن يحلـف واستوثـق وأوصـى أن يعطي أخاه قاورت بك أعمال فارس وكرمان وشيئًا عيّنه من المالـئ وأن يتـزوج بزوجتـه وأن يعطي ابنه إياز ما كان لداود والده وهو خمسمائة ألف دينار وأن يكون لولده ملك شاه القلعة وما ضمها. وتوفي في يوم السبت عاشر ربيع الأول من هذه السنة ودفن عند قبر أبيه بمرو. الحسن بن محمد بن علي بن فهد العلاف سمع الحديث. وقرىء عليه وكان صالحًا ورعًا مجتهدًا وعمّر حتى جاوز المائة سنة بثلاث سنين وسقطت أسنانه ثم نبتت وتطرأ شعر لحيته توفي في ذي الحجة من هذه السنة. الحسين بن محمد أبو محمد الهاشمي الدلال مـن أهـل نهـر طابـق سمـع أبـا بكـر بن بشران وأبا الحسن الدارقطني توفي يوم الأحد رابع عشرين ربيع الآخر ومّر بجنازته في الكرخ وجرت فتنة عظيمة ودفن في مقبرة باب الدير. عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة أبو القاسم القشيري قشيري الأب سلمي الأم ولد سنة ست وسبعين وثلثمائة توفي أبوه وهو طفل فنشأ وقرأ الأدب والعربية وكان يهوى مخالطة أهل الدنيا فحضر عند أبي علي الدقاق فجذبه عن ذلك فسمـع الفقـه مـن أبـي بكـر محمـد بـن بكـر الطوسـي ثـم اختلـف إلى بكر بن فورك فأخذ عنه الكلام وصار رأسًا في الأشاعرة وصنّف التفسير الكبير وخرج إلى الحج في رفقة فيها أبو المعالي الجويني وأبو بكر البيهقي فسمع معهما الحديث ببغداد والحجاز ثم أملى الحديث وكان يعظ. وتوفي في رجب هذه السنة بنيسابور ودفن إلى جانب شيخه أبي علي الدقلق ولم يدخل أحد من أولاده بيته ولا مس ثيابه ولا كتبه إلا بعد سنين احترامًا له وتعظيمًا ومن عجيب ما وقـع أن الفـرس التـي كـان يركبهـا كانت قد أهديت إليه فركبها عشرين سنة لم يركب غيرها فذكر أنها لم تعلف بعد وفاته وتلفت بعد إسبوع.عبد الصمد بن علي بن محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون أبو الغنائم ولد سنة أربـع وسبعيـن وثلثمائـة وسمـع الدارقطنـي والمخلـص وأبـا الحسـن الحربـي وغيرهـم وحدّث وكان ثقة وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا آخرهم محمد بن عمر بن يوسف الأموري وتوفي ليلة الخميس ثامن عشر من شوال ودفن بمقبرة باب حرب عند الشهداء عمر بن محمد بن درهم. سمـع أبـا الحسيـن بـن بشران وتوفي في ليلة الجمعة تاسع عشرين ربيع الآخر وصلي عليه بجامع المنصور ودفن بمقبرة باب حرب. علي بن الحسن بن علي بن الفضل أبو منصور الكاتب ابن صربعر وقال له نظام الملك: أنت صردر لا ابن صربعر. وهجاه ابن البياضي فلطمه فقال: لئن نبز الناس شحًا فسموه من شحه صربعرا فإنـك تنبز بالصربعرا عقوقًا لـه وتسميـه شعـرا وهذا ظلم فاحش فإن شعره غاية في الحسن ومن شعره: تزاورن عن أذرعات يمينًا نواشر ليس يطعـن البرينـا كلفن بنجـد كـأن الريـاض أخذن لنجـد عليهـا يمينـا وأقسمن يحملن إلا نحيلًا إليـه ويبلغن إلا حزينا ولما استمعن زفير المشوق ونوح الحمام تركـن الحنينـا إذا جئتما بانه الواديين فأرخوا النسوع وحلوا الوضينا وقد أنبأتهـم ميـاه الجفـون بأنّ بقلبك داء دفينا وله أيضًا: ايـه أحاديث نعمان وساكنه إن الحديث عن الأحباب أسمار أفتش الريح عنكم كلما نفحت من نحو أرضكم نكباء معطار وله أيضًا: والنجاء النجاء من أرض نجد قبل أن يعلق الفؤاد بنجد وله أيضًا: مـا مـر ذو شجـن يكتّمـه إلا أقول متيم مثلي وعهودهـم بالرمـل قـد نقضـت وكـذاك مـا يبنى على الرمل من يطّلع شرفًا فيعلم لي هل روح الرعيان بالإبل أم غـرد الحـادي بقافيـة منها غراب البين يستملي وله أيضًا: أكلف القلب أن يهـوى وأسألـه صبرًا وذلك جمـع بيـن أضـداد وإن رويت أحاديث الذين نأوا فعن نسيم الدجى والبرق إسنادي وحفظ القرآن وسمع الحديث من ابن بشران وغيره وحدّث وركب يوماّ فتردى هو والدابة في البئر فماتا وذلك في صفر هذه السنة ودفن بباب أبرز. قال المصنف: وقرأت بخط ابن عقيل قال: كان صربعر خازنًا بالرصافة ينبز بالإلحاد. محد بن نصر بن الحسن أبو سعد ابن البصري سمع أبا القاسم بن بشران وكان صالحًا وتوفي في يوم الجمعة ثامن عشر صفر هذه السنة وصلى عليه القاضي أبو الحسين ابن المهتدي ودفن بباب حرب. محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرفيل أبو جعفر ابن المسلمة القريشي أسلـم الرفيـل علـى يـدي عمـر بن الخطاب ولد في سنة خمس وسبعين وثلثمائة وسمع أبا الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري وهو آخر من حدّث عنه وأبا محمد بن معروف وهو آخر مـن حـدّث عنـه وأبـا عمرو الآدمي وأبا الحسين بن أخي ميي وأبا طاهر المخلص وأبا الفرج ابن المسلمة أباه في آخرين وكان صحيح السماع واسع الرواية نبيلًا ثقة صالحًا حـدّث بالكتـب الكبار وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا وكان ثقة وقد حدّث عنه الكبار من العلماء وخرج له الخطيب مجالس وتوفي ليلة السبت جمادى الأولى من هذه السنة وصلى عليه في جامع الرصافة ودفن بالخيزرانية وكان يومًا مشهودا. محمد بن أحمد بن قفرجل أبو البركات المجهر سمع أبا أحمد الفرضي وأبا الحسين بن بشران وحدّث بشيء يسير وكان ثقة وكان يملك نحوًا مـن عشريـن ألف دينار فأوصى بالثلث صدقة وأخرج قبل موته ألف دينار فتصدق بها وتوفي يوم الجمعة ثالث جمادى ودفن في مقبرة باب الدير قريبًا من قبر معروف. محمد بن عمر بن إبراهيم أبو بكر ابن الآدمي سمـع أبا القاسم بن بشران وكان ثقة وتوفي ليلة الخميس ثالث عشرين ربيع الآخر ودفن بمقبرة الخيزران. محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله أبو الحسين ابن الغريق ولـد يـوم الثلاثـاء غـرة ذي القعدة من سنة سبعين وثلثمائة وسمع أبا الحسن الدارقطني وأبا الفتح القواس في آخرين وكان ثقة صالحًا كثير الصيام والتلاوة رقيق القلب بكّاء عند الذكر حسن الصوت بالقرآن وكان من اشتهر بالصلاح والتعبد حتى كان يقال له: زاهد بني هاشم وكان غزير العلم والعقل رحل الناس إليه من البلاد لعلو إسناده وكان مكثرًا وثقل سمعه في آخر عمره فكان يقرأ هو على الناس وذهبت إحدى عينيه وكان آخر من حدّث في الدنيا عن الدارقطني وابن شاهين وأبي بكر بن دوست خطب وله ست عشرة سنة وشهد في سنة سبع وأربعمائة وولي القضاء في سنة تسع وأربعمائة فبقي يخطب بجامعي المنصور والمهدي ستاّ وسبعين سنة وشهد ستين سنة وتقضى ستًا وخمسين سنة. وتوفـي وقـت المغـرب مـن يوم الأربعاء سلخ ذي القعدة من هذه السنة ودفن يوم الخميس غرة ذي الحجة خلف القبة الخضراء وكان قد جاوز التسعين وحضره خلق عظيم وكان يومًا مشهودًا رؤي في المنام فقال: غفر لي بطول تهجدي. قال أبو بكر بن الخاضبة: رأيت فـي المنـام كـأن القيامـة قـد قامـت ومنـاد ينـادي: ايـن ابـن الخاضبة فقيل لي: ادخل الجنـة فدخلـت فاستلقيـت فرفعـت رأسـي فرأيـت بغلـة مسروجـة ملجومة في يد غلام فقلت: لمن هذه فقيل: للشريف أبي الحسيـن بـن الغريـق. فلمـا كانـت هناد بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن إسماعيل أبو المظفر النسفي ولـد سنـة أربـع وثمانيـن وثلثمائة وسمع أبا الحسين بن بشران وأبا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي وأبا عبد الرحمن السلمي وغيرهم من أهل البلاد المختلفة. سمع منه شيوخنا وحوثونا عنه وكانوا يتهمونه لأن الغالب على حديثه المناكير. توفي هناد في ربيع من هذه السنة ببعقوبا وكان قاضيها ودفن هناك. فمن الحوادث فيها أنـه فـي صفـر جلـس الخليفـة جلوسًا عامًا وعلى رأسه الأمير عدة الدين وسنه ثماني عشرة وهو فـي غايـة الحسـن وأوصـل إليه سعد الدولة الكوهرائين والجماعة وسلم إليه العهد المنشأ للسلطان بعد أن قرأ الوزير فخر الدولة أوله واللواء بعد أن عقده الخليفة بيده وكان الزحام عظيمًا حتى هنأ الناس بعضهم بعضًا بالسلامة. وفي هذا الشهر: وردت التوقيعات لبعض التركمان بعدة نواح من أقطاع حواشي الدار العزيزة وذلك لتغير رأي نظام الملك في الخدمة الشريفة بما أوقعه الأعداء من الضغائن بينه وبين فخر الدولة وكان من فعل العميد أبي الوفاء فلوطف التركمانية من الديوان بمال رضوا به عما كانوا أقطعوه. وهذا الشهر: وردت الكتب إلى الديوان تتضمن البشارة بفتح بيت المقدس في شوال سنة حمس وستين وإقامة الخطبة هناك وكانوا قد حوصروا حتى بلغت الكارة سبعين دينارًا. وفـي جمـادى الأخرة: ورد الحاجب السليماني من عكبرا فدخل الديوان فرسم له تدارك القورج الـذي هـو فـوق الـدار المعزيـة وكانـت دجلـة قـد زادت زيـادة مفرطـة واتصـل المطر بالموصل والجبال ونودي بالعوام أن يخرجوا معه لذلك فخرج من الديوان وأراد قصد الموضع فرأى الماء قـد حجـز بينه وبين الطريق فرجع إلى دار المملكة وخلا وجمع زواريق وطرح فيها رحله ليعبر فهرب فجاءت في الليل ريح شديدة جدًا وسيل عظيم وطفح الماء مـن البريـة إلـى الحريـم وطغى على أسوار المحال فهدمها ونزل من فوقها وأسفل منها وصعد من تحت الأرض وقلع الطوابيق ونبع من آبار والبلالبع فرماها في ليلتها فصارت تلالًا عالية ثم صبح دار الخلافة ففعل بأكثرها مثل ذلك وكان قد دخلها من بيت النوبة ومن سور باب الغربة ثم باب النوبي وباب العامة والجامع فهرب الخدم والخواص متحيرين والمطر يأتي من فوق وخرج الماء علـى الخليفة من تحت السرير الذي كان جالسًا عليه فنهض إلى الباب فلم يجد طريقًا فحمله أحد الخـدم على ظهره إلى تاج وخرج الجواري حاسرات فعبرن إلى الجانب الغربي وأقيم في الدار أربع ركاء وحطت إليها الأموال والحرم ولبس الخليفة البردة وأخذ بيده القضيب ولم يطعـم يومه وليلته. وأما الوزير فخر الدولة فإنه دخل عليه الماء في داره بباب العامة فركب وخاض بالفرس إلى حضرة الخليفة فاستأذن فيما يفعل فقيل له: اطلب لنفسك مخلصًا قبل أن لا تجده فمضى إلى الطيار على باب الغربة فأقام فيه وجاءه الملاح بثلاثة أرغفة يابسـة وفأكل واستلقى على البارية. وهلك من أموال الناس تحت الهدم الكثير وتلف من سكان درب القباب الجم الغفير وهرب النـاس إلـى بـاب الطـاق ودار المملكـة وتلـال الصحـراء العالية والجانب الغربي على تخبيط شديد وتضنك قبيح وجاء الماء من البرية كالجبال يهلك ما مر به من أنس ووحـش وجـاء علـى رأس المـاء فـي الأبـواب والأخشـاب والآلـات والحبـاب شـيء كثيـر وشوهـد علـى تل في وسط الماء سبع ويحمور وافقين وهلك من الوحوش مـا لا يحصـى وصعـد بعضهـا الرادفـي فصعـد وجاء الخبر من الموصل أن الماء ورد في البرية كالجبال فلطم سور سنجار وكان حجرًا فهدم قطعة منه ودحا بأحد بابيه أربعة فراسـخ ووقعـت آدر ببـاب المراتـب منهـا دار ابـن جـردة وكانت تشتمل على ثلاثين دارًا وعلى بستان وحمام يساوي عشرات ألوف ووقع مشهد باب أبـرز ومنارتـه وغرقـت المقابـر وصعـدت التوابيـت علـى المـاء وخـرق مشهد النذور ومقبرة الخيزران وقر السبتي وتهدم الحريم من باب النوبي أكثر المأمونية وباب الأزح وخرابـة ظفـر ودرب الشاكرية ودرب المطبخ ودرب حلاوة والمسعودة والشمعية وخرج الناس من هذه المواضيـع لا يلتفـت أحـد على أحد ووقع في درب القيار عدل قطن وسط الدرب وعبر الناس صغيـران فمـا زال يخـوض بهمـا حتـى أوعيـا فرمى بهما ونجا بنفسه وهلك من الناس والبهائم عدد كثيـر ثم عنّ لأقوام من المفسدين أن يزحفوا على الخليفة ليتسلطوا بذلك على النهب ونودي في الملاحين أن لا يأخذوا من الناس إلا ما جرت به العادة في العبور وأقيمت الجمعة في الطيار أسبوعين وفي الحلبة ثلاث جمع بعد ذلك فهيّىء للخطيب في الحلبة ثلاث قواصر فصعد عليها وكان الماء واقفًا في الجامع أكثر من قامه ووقع معظمه ومالت حيطانه.وأما الجانب الغربي فإنه وقع فيه مشهد الكف وغرقت مقابر قريش ومقبرة أحمد بن حنبل ودخل الماء من شبابيك المارستان العضدي فوقف فيه وصمد نقيب النقباء الكامل بمواضع فـي أعلـى البلـد فسدّهـا والطاهـر نقيـب العاويين بمواضع في جانب الكرخ فسدها ولما نفص الماء تحول فخر الدولة من الطيار إلى صحن السلـام فضـرب فيـه خيمـًا وخركاهـات وكانـت داره بباب العامة قد غرقت وعمل الخدم أكواخًا وبلغت أجرة الوزجاري خمسة قراريط إلى ثلاثة قراريـط وجلـس حاجـب الباب أبو عبد الله المردوسي في كوخ على عمل له عند باب النوبي ثم أردف هذا الطرق تغير الهواء بريح الغلات ونتن الأشياء الغريقة وتولى نقيب النقباء القورج. ومن العجائب: أن أسافل دجلة وواسط كانت تغـرق مـن دون هـذه الزيـادة فمـا تجـاوز هـذا الأمـر بغـداد وكـان النـاس يظنـون أن السمـك يكثـر بهذا الماء فصار كالمعدوم وزرع الناس البطيخ والقثاء فداد حتى كان الناس إذا مروا بالقراح أمسكوا على الأنف. وزاد في هذا الوقت جيحون حتى ذهب ماؤه أربع فراسخ وتعذّر الصناع حتى كان النساء يضربن اللبن. ودخـل في يوم هذه الأيام مؤيد الملك أبو بكر بن نظام الملك لأجل تزوجه بابنه أبي القاسم بن رضـوان البيـع ونـزل في دار حموه بباب المراتب فلم يكن للناس طريق إلى تلقيه فأخذ في نفسه من ذلك فبعث الخليفة إليه من طيّب قلبه وأقام العذر وحمل له خلعًا وأذن له في الركوب بباب المراتب عن سؤال تكرر منه فلبس الخلع ومضى إلى بيت النوبة وتلقاه الوزير لم تجر به عادة تطييبًا لقلبه وانصرف إلى دار بناها والده مع المدرسة فمضى الوزير إليه من غد في موكب. وفي شعبان: وقعت الفتنة بين القلائين والكرخ وجعلوا يشتمون الشحنة ومن قلده فعبر إليهم وقتل منهم وأحرق أماكن. وليلـة الأربعاء سادس عشر ذي الحجة: ظهر في المساء برق كثير في جميع الأوقات واسودت السماء بالغيم وهبت بالليل ريح رمت عدة من الستر وجاء معها تراب كثير ورمل وسقط من أعمال البصرة نحو من خمسة آلاف نخلة. أحمد بن محمد بن أحمد أبة الحسن السمناني القاضي حمو قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني ولد في شعبان سنة أربع وثمانين وثلثمائة يسمنان وقدم بغـداد وسمـع بهـا مـن أبـي أحمـد الفرضي وأبي عمر بن مهدي وغيرهما. روي عنه أشياخنا وكان ثقة صاهره أبو عبد الله الدامغاني على ابنته وولاّه نيابة القضاء فقلّـده قطعـة مـن السـواد وقضـاء بـاب الطـاق وكـان نبيلًا من ذوي الهيئات وكان أشعريًا وهذا مما يستظرف أن يكون الحنفي أشعريًا. وتوي يوم الاثنيـن تاسـع عشـر جمادى الأولى ودفن بداره بنهر القلائين وجلس القاضي القضاة للعزاء به ثم نقل إلى الخيزرانية. إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد أبو علي العلوي من أولاد زيد بن علي. سمع الحديث وقرأ اللغة والأدب وسافر إلى الأقطار ونفق على أهل مصر وحصل له من المستنصر خمسة آلاف مصرية ومرض مدة بدمشق فبكى وقال: اشتهي أمـوت بالكوفـة حتى إذا نشرت يوم القيامة أخرجت رأسي من التراب فرأيت ابن عمي ووجوهًا أعرفها. فعودني وعاد إلى الكوفة فمات بها في هذه السنة. وله شعر حسن فمنه قوله: راخ لها زمامهـا والأنسعـا ورم بها من العلى شسعا وارحل بها مغتربًا عـن العـدى توطئك عن أرض العدى متسعا يارائـد الظعـن بأكنـاف الحمـى بلـغ سلامـي إن وصلـت لعلعـا وحي خدرًا بأثيلات بأكناف الحمى عهدت فيها قمـرًا مبرقعـا عبد العزيز بن أحمد بن علي بن سلمان الكتاني أبو محمد سمـع أبـا القاسـم الحمامـي والخرقي وابن بشران وأبا الحسن بن البادا وابن مخلد وابن الروزبهان والرازي وأبا علي بن شاذان وسمع بدمشق وغيرها من جماعة روى عنه أبو بكر الخطيب وكان من المكثرين فـي الحديـث كتابـة وسماعـًا ومـن المعنييـن بـه مـن صـدق وأمانـة وصحة استقامة وسلامة مذهب ودرس القرآن وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة. علي بن الحسين بن عبد الرحيم أبو الحسن مات بالنيل فجاءة بشرقة وقد عبر السبعين. محمد بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن جعفر أبو بكر القطان الأصبهاني الحاقظ مستملي أبي نعيم سمع الثير بالبلاد وورد بغداد أيام أبي علي بن شاذان وكتب عنه وعلق عنه أبو بكر الخطيب حديثًا واحدًا وهو عظيم الشأن عند أهل بلده ثقة وكان يملي من حفظه وتوفي في هذه السنة. أبو نصر قاضي عكبرا سمع أبا أحمد الفرضي وأبا عمر بن مهدي توفي يوم الجمعة ثالث ربيع الآخر من هذه السنة. الماوردية ذكرها هلال بن المحسن في تاريخه قال: كانت الماوردية عجوزًا صالحة بالبصرة قاربت ثمانين سنة بقيت منها خمسين سنة لا تفطر ولا تنام بالليل ولا تأكل خبزًا ولا رطبًا ولا تمـرًا وإنمـا يطحن لها قلى فتخبز منه خبزًا فتقتات به وتأكل التين اليابس دون الرطب وتنال من الزبيب والعنب واللحم شيئًا يسيـرًا وكانـت تكتـب وتقـرأ وتعـظ النـاس وكانـت كثيـرة الخيـر توفيـت بالبصرة في هذه السنة وتبع جنازتها أكثر الناس ودفنت خارج البلد عند قبور الصالحين. فمن الحوادث فيها انه في صفر مرض القائم بأمـر اللـه مرضـًا شديـدًا وانتفـخ حلقـه وامتنـع مـن الفصـد فقصـد الوزيـر فخـر الدولـة بـاب الحجـرة ليـلًا وحلـف بالأيمـان المغلظـة أنـه لا يبرح حتى يقع الفصد فأذن في إحضار الطبيب وافتصد فصلح بذلك وانزعج الناس فـي البلـد والحريـم ونقلـوا أموالهـم إلـى الجانب الغربي فلما وقعت العافية سكن الناس. وفـي هذا الشهر: جاء سيل متتابع قاسى الناس منه بلاءً صعبًا قرب أمره من يوم الغرق فإن أكثـر الأبنيـة لـم تكـن تمـت وإنمـا رفـع النـاس مـن البنيـان مـا قعـدوا فيـه فاحتاجـوا إلى أن خرج أكثرهم وثيابهم على رؤوسهم فقعدوا على التلول يقاسـون المطـر وزاد تامـرا مـن ذلـك بضعـة عشـر ذراعًا ووقع وباء بالرحبة فهلك فيه عشرة آلاف إنسان وكذلك في أوانا وصريفين وعكبرا وطريق خراسان وواسط والبصرة وخوزستان. وفي يوم الخميس الثامن والعشرين من رجب: فصد الخليفة من ماشري لحقته وكان من وقت الغرق يعتاده المرض فنام بعد الفصد فأنفج فصاده وانتبه وقد مضت القوة ووقع اليأس منه وكثر الإرجاف به وماج الناس واختلطوا ونقلوا أموالهـم مـن الحريـم إلـى دواخـل الـدار وإلـى الجانب الغربي وخيف من العيارين وكانوا يقامرون ويقترضون على موت الخليفة لينهبـوا فلمـا أحـس الخليفـة بانقـراض المـدة استدعـى عـدة الديـن وقـال له: يا بني قد استخدمت في أيامي ابن أيوب وابن أيوب وابن المسلمة وابن دارسة وابن جهير فما رأيت أصلح للدولة من ابن جهير وولـده فـلا تعـدل عنهمـا فقبّل يده وبكى بين يديه وأحضرت الدواة وكتب القائم بأمر الله رقعة بذاك إليه وقال: اكتب خطك في جوابها وبالإجابة وبالتعويل على عميد الملك في وزارتك تعويل معترض عليك. فكتب فأحضر قاضي القضاة والنقيبان والشهود في يوم الأحد تاسع شعبان فأقاموا في الديوان إلى الليل ثم استدعوا مع الوزير إلى الحجرة وكان الخليفـة وراء الشباك مستندًا وعدة الدين قائم على رأسه والقـوم يسمعـون كلامه ولا يرون شخصه فقال: اشهدوا على ما تضمنته هذه الرقعة التي كتبت فيها سطرين بخطي فقالوا: السمع والطاعة واسبلت الستارة. وكان مضمون الرقعة ولاية العهد لعدة الدين وردّ الأمر إليه والوصاة له بما يجب الرضا به. ونسختها: بسم الله الرحمن الرحيم إن أمير المؤمنين يحكم ما وكله الله إليه من أمور عبـاده وبلاده وأوجبه عليه من صلة طريقة في إحسان الاياله بقلاده رأى أن ينتهي في مراعاة أحوال المسلمين والنظر في مصالحهم وإسباغ ظل العاطفة على أكابرهم وأصاغرهم إلى الحد الذي تحلى مشارتهم من ملابس الكبد وتعرى مشارتهم من ملابس الحذر فلذلك اقتضت عزائمه الميمونة إحضار وزير دولته الناظر في خدمته محمد بن محمد بن جهير وولده ونقيب النقباء طراد بن محمد وقاضي القضاة محمد بن علي والمعمر بن محمد نقيب الطالبيين ومحمـد بـن البيضـاوي وعبـد اللـه بـن عبـد السيـد السيبـي وعبـد اللـه بـن محمـد الدامغانـي في ليلة الأحد التاسع مـن شعبـان سنـة سبـع وستيـن وأربعمائـة فحيـن مثلـوا بيـن سدتـه الشريفـة أنعـم متبرعـًا فـي إيصالـه من رأيـه ونفاذ عزائمه بمشافهة سلالته الطاهرة أبي القاسم عبيد الله بن محمد أمير المؤمنين بتوليته العهد وتصييره خليفة بعده في المسلمين ووصاه بما يطابق الشرع في مثل هذه الحال ويحل من رضى الله أجل المحال حيث وجده أهلًا لذلك وراءه واستوثـق كـل مسعـى لـه فـي الرشـاد وارتضاه وألفاه ناهضًا بأعباء ما ولاّه ناهجًا للسنن الذي أوجبه جميل خلاله وأوصاه مجتمعة فيه شرائط ما فوضه إليه واستكفاه والله يمد أمير المؤمنين بالتوفيق في إيجابه وعزائمه ويقرن التشديد بمفاتح عزمه وخواتمه ويحسن الخبرة له ولولي عهده ولكافة المسلميـن فيمـا أذن فيـه وقصد به إحكام دعائم الصلاح ومبانيه بمنه. واستدعى عدة الدين من الغد عميد الدولة أبا منصور وتقدم بإفاضة الخلع عليه وماج الناس بإرجاف الخليفة بالوفاة ورتب الوزير فخر الدولة الأتراك والهاشميين بالسلاح يطوفون وتقـدم إلى الشحنة أن يضرب خيمًا عند دار المملكة فقامت الهيبة واتفقت الوفاة ليلة الخميس الثالث عشر من شعبان وجلس الوزير فخر الدولة وولده عميد الديوان العزيز على الأرض حافيين قد خرقا ثوبيهما ونحيا عمامتيهما وطرح ردائين لطيفين عوضهما وفعل الناس مثل ذلك ومنع عدة الدين الجواري والخدم من الصراخ. واسمه: عبد الله بن ذخيرة الدين أبي العباس محمد بن القائم بأمر الله ويكنى: أبا القاسم. ومولده في سحرة يوم الأربعاء ثامن جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة وأمه أم ولد أرمنية تسمـى: أرجـوان وتدعـى قـرة العيـن أدركـت خلافتـه وخلافـة ابنـه وابـن ابنـه وكـان الذخيـرة قـد بقـي مـن أولـاد القائـم ولـم يبـق له ذكر سواه فاستشعر الناس انتقاض الدولة الأمر لعدم ولد للبيت القادري وأن من سواهم من الأسرة مخالط للعوام في البلد وجارى مجاري السوقة وذلك تنفر قلوب العوام عن المتولي فحفظ الله هذا البيت بأن كان الذخيرة قد ألم بجاريته أرجوان فتشوقت النفوس إلى ما يكون من ذلك فجاءت بالمقتدي بعد موت الذخيرة بخمسة أشهر وكسر فوقعت البشائر ولم يزل جده ضنينًا به حذرًا عليه فلما كانت نوبة البساسيري كان للمتقدي دون الأربع سنين فستره أهله وحملوه إلى أبي الغنائم محمد بن علي بن المحلبان فسـار بـه إلـى حـران علـى مـا قـد سبق ذكره فلما عاد القائم إلى منزله أعيد المقتدي فبلغ والقائم حي فأشهد القائم على نفسه بولاية العهد فظهرت ألطاف الله سبحانه في أمر المقتدي من حيث ولادته وأنها كانت سببًا لحفظ هذا البيت من جهة حراسته في الفتنة ومن جهة بلوغه مرتبة الخلافة في حياة جده ومن جهة سلب ملك شاه حين تغيرت نيته عليه وأراد منه أن يخرج من بغداد فقال: أمهلني عشرة أيام فهلك السلطان في اليوم العاشر. قد ذكرنا أنه لما ورد احتضر القائم كتب ولاية العهد للمقتدي فلما توفي استخلف المقتدي يوم الجمعة ثالث عشر شعبان هذه السنة ولقّب بأمر الله وجلس في دار الشجرة بقميص أبيض وعمامة لطيفة بيضاء وطرحة قصب درية ودخل الوزير فخر الدولة وعميد الدولة واستدعى مؤيد الملك بن النظـام والنقيبـان طـراد العلـوي وقاضـي القضـاة الدامغانـي ودبيـس وأبو طالب الزينبي وابـن رضـوان وابـن جـردة ووجـوه الأشـراف والشهـود والمتقدمـون وبايعـوه وكان أول من بايعه الشريف أبو جعفر: لما أن بايعته أنشدته: إذا سيد منا قام سيد ثم ارتجز على تمامة فقال هو: قؤول بما قال الرجال فعول وبايعه مع الجماعة أبو إسحاق وأبو نصر بن الصباغ وأبو محمد التميمي وبرز فصلى بالناس العصر وبعد ساعة حمل التابوت على الطيار يبكون من غير صراخ وصلى عليه فكبر أربعًا ودفن في حجرته التي كانت برسم خلوته وكان المقتدي من رجال بني العباس له همة عالية وشجاعة وهيبة وفي زمانه قامت حشمة الدولة ولما استفحل أمر تتش بعد وفاة أخيه ملك شاه واشتدت شوكته وكثرت عساكره واستولى على ديار وبلاء العرب كاتب المقتدي يسأله أن يقيم له الخطبة وخلط السؤال بنوع تهديد فأمر المقتدي أن يكتب لـه كتـاب فيـه خشونـة وكانت فيه: صلح أن يكون خطابك في الخطبة إذا حصلت الدنيا بحكمك وخزائن الأموال بأصفهان وولايتهـا تحـت يـدك والبلاد بأسرها في قبضتك ولم يبق من أولاد أخيك من يخالفك ثم تسأل حينئذ تشريفك بالخطبـة وتأهيلـك للخدمـة فأمـا فـي هـذه الحـال فـلا سبيـل إلى ما التمسته ولا طريق إلى ما تحاوله فلا تعد حد العبيد فيما تنهيه وتسطره والاتباع فيما تورده وتصدره وليكن خطابك ضراعة لا تحكمـًا وسـؤال تخيـر فـإن أطعـت فنفسـك نفعت وإن خالفت وقصدتنا رددناك و منعنا طلبتك واعتمدنا معك ما يقتضيه حكم الإمام والسلطان وأتاك من الله تعالى ما لا قبل لك به ولا يدان. وخطـب للمقتـدي فـي اليمـن والشامـات وبيت المقدس والحرمين واسترجع المسلمون الرها وأنطاكية وعمّ الجانـب الشرقـي مـن بغـداد فعمـرت البصليـة والقطيعـة والحلبـة والأجمـة ودرب القيار وخرابة ابـن جـردة وخرابـة الهـراس والخاتونيتيـن والمقتديـة وبنـى الـدار الشاطئيـة علـى دجلة والأبنية العجبية في داخل الدار وكانت أيام المقتدي كثيرة الخير ووزر له أبو منصور محمـد بـن جهيـر ثـم أبـو شجـاع ثـم عاد أبو منصور وكان قضاته أبو عبد الله المردوسي ثم بعده فـي شعبـان: تقـدم فخـر الدولـة إلـى المحتسـب فـي الحريـم بنفـي المفسـدات وبيـع دورهـن فشهـر جماعة منهن على الحير مناديات على أنفسهن وأبعدهن إلى الجانب الغربي ومنـع النـاس مـن دخـول الحمامات بلا مآزر وقلع الهوادي والأبراج ومنع العلب بالطيـور لأجـل الاطلـاع علـى سطـوح النـاس ومنـع الحماميين من إجراء ماء الحمامات إلى دجلة وألزمهم أن يحفروا لها آبارًا تجتمع المياه فيها وصار من يغسل السمك والمالح يعبر إلى النجمي فيغسل هناك ومنع الملاحين أن يحملوا الرجال والنساء مجتمعين. وفـي يـوم الخميـس السابـع والعشريـن مـن رمضـان: خـرج عميـد الدولـة أبو منصور وسار إلى حضرة السلطان لأخذ البيعة للمتقدي وحمل معه ثماني مائة ثوب أنواعًا وخمسة عشر ألف دينار. ووقعـت نـار فـي شـوال في دكان خباز في نهر المعلى فأتت على السوق جميعه وأذهبت اثنان وثمانـون دكانـًا غيـر الـدور ثـم وقعت نار في المأمونية ثم في الظفرية ثم في درب المطبخ ثم في دار الخليفـة ثـم فـي حمـام السمرقنـدي ثـم فـي بـاب الـأزح ثـم فـي درب فراشـة ثـم فـي الجانـب الغربـي من نهر طابق ونهر القلائين والقطيعة ونهر البوابين باب البصرة. وورد الكتاب أنه وقع الحريق بواسط في تسعة مواضع واحترقت أربـع وثمانـون دارًا وسـت خانات سوى الحوانيت اللطاف وآدر ليس عندها نار فذهب الفكر. الخطبة المصرية وكان مدة الخطبة العباسية بهـا أربـع سنيـن وخمسـة أشهـر وسبـب ذلـك أن صاحب مصر قوي أمره فتراجع الناس إلى مصر ورخصت الأسعار واتفقت وفاة السلطـان ووفـاة الخليفـة وخـوف اميـر مكـة واجتمـع اليـه اصحابـه فقالوا: إنما سلمنا هذا المر لبني العباس لما عدمنا المعونة من مصر ولما رجعت إلنيا المعونة فإنا لا نبتغي بابن عمنا بدلًا فأجابهم الأمير على كره وفرق المال الذي بعث وردت الأسماء المصرية التي كانت قلعت من قبة المقام. وفي هذه السنة: جلت السوادية من أسافل دجلة وهلك أكثرهم بالوباء وجفلوا من نهر الملك بنسائهم وأولادهم وعواملهم فمنهم من التجأ إلى واسط ومنهم من عبر النهروانات ومنهم من قصد طريق خراسان لنقصان الفرات نقيصة قل أن يتحدث بمثلها. الحسن بن عبد الودود بن عبد المكبر بن المهتدي أبو علي الهاشمي سمع أبا القاسم الصيدلاني وغيره ولد سنة ثمانين وثلثمائة وكان صدوقًا مقبول الشهادة عند الحكـام وتوفـي فـي ربيـع الآخـر من هذه السنة ودفن في داره بسكة الخرقي ثم أخرج بعد ذلك عبد الله القائم بأمر الله. أمير المؤمنين توفي ليلة الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من شعبان من هذه السنة وكانت ليلة ذات ريح ومطر وكان الزمان ربيعًا وصلى عليه في صبيحتها وغسله الشريف أبو جعفر بن موسى وأعطي ما كان عنده فامتنع فلم يأخذ شيئًا. أنبأنا علي بن عبيد الله عن أبي محمد التميمي قال: ما حسدت أحدًا قط إلا الشريف أبا جعفر في ذلك اليوم وقد نلت مرتبة التدريس والتذكير والسفارة بين الملوك ورواية الأحاديث والمنزلة اللطيفة عند الخاص والعام فلما كان ذلك اليوم خرج علينا الشريف وقد غسل القائم عـن وصيـة بذلـك ثـم لم يقبل شيئًا من الدنيا وبايع ثم انسل طالبًا لمسجده ونحن كل منا جالس علـى الـأرض متحف مغير لزيه مخرق ثوبه يهمه ما يحدث بعد موت هذا الرجل على قدر ماله تعلق بهم فعرفت أن الرجل هو ذاك وغلقـت الأسـواق لمـوت القائـم وعلقـت المسـوح وفرشـت البواري مقلوبة وتردد عبد الكريم النائح في الطرقات ينوح ولطم نساء الهاشميين ليلًا وجلس الوزيـر وابنـه عميـد الدولـة للعـزاء ثلاثـة أيـام فـي صحن السلام ثم خرج توقيع يتضمن التعزية والإذن فـي النهـوض وكـان عمر القائم أربعًا وسبعين سنة وثمانية أشهر وثمانية أيام وكانت خلافته أربعًا وأربعين سنة وثمانية أشهر وخمسة وعشرين يومًا. أبي طلحة الداودي ولـد سنـة أربـع وسبعيـن وثلثمائـة وسمع أبا الحسن بن الصلت وأبا عمر بن مهدي في خلق كثير وقرأ الفقه على أبي بكر عبد الرحمن السلمي ودرّس وأفتى ووعظ وصنّف وكان له حظ مـن النظـم والنثر وكان لا يفتر عن ذكر الله تعالى واتفق أنه وقعت نهوب فترك أكل اللحم سنين ودخـل عليـه نظـام الملـك فقعـد بيـن يديـه فقـال لـه: إن اللـه قـد سلطك على عبادة فانظر كيف تجيبه إذا سألك عنهم. أخبرنـا أبـو محمـد عبـد اللـه بـن علـي المقرىء حدثنا أبو محمد عبد الله بن عطاء الإبراهيمي قال: أنشدنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي لنفسه: كان فـي الاجتمـاع للنـاس نـور فمضـى النور وادلهم الظلام فسد الناس والزمان جميعًا فعلـى الناس والزمان السلام توفي الداودي في هذه السنة ببوشنج وحدثنا عنه أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجري. عبد السلام بن أحمد بن محمد بن عمر أبو الغنائم الأنصاري نقيـب الأنصـاري نقيـب الأنصـار ولـد سنـة سـت وثمانيـن وثلثمائـة وسمـع هلـالًا الحفـار أبا الحسين بن بشران وأبا الفتح ابن أبي الفوارس وأبا الحسن بن رزقويه وغيرهم. روى عنه أشياخنا وكان ثقة صدوقًا متدينًا من أمثال الشيوخ وأعيانهم وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة جامع المدنية. علي بن عبد الملك أبو الحسن الشهوري المعدل القارىء كان لذيذ التلاوة قد قرأ بالقراآت الكثيرة توفي في ليلة السبت ثاني عشرين شعبان وصلي عليه بجامعي القصر والمنصور وتبعه الخلق العظيم ودفن بمقبرة باب حرب. محمد بن علي بن موسى بن محمد بن موسى بن جعفر أبو بكر الخياط المقرىء ولد سنة ست وسبعين وثلثمائة وقرأ القرآن على أبي أحمد الفرضي وأبي بكر بن شاذان وابن السوسنجردي وأبي الحسن الحمامي وتوحّد في عصره في القراآت وسمع الحديث الكثير وحدّث الكثير وكان ثقة صالحًا حدثنا عنه أشياخنا توفي في ليلة الخميس ثالث جمادى الأولى ودفن في مقبرة جامع المدنية وزر للقائم وتوفي بالأهواز في هذه السنة. فمن الحوادث فيها أنه جاء جراد في شعبان كعدد الرمـل والحصـى فأكـل الغلـات فكـدى أكثـر النـاس وجاعـوا وطحن السوداوية الخرنوب مخلوطًا بدقيق الدخن ووقع الوباء ثم منع الله سبحانه الجراد من الفساد وكان يمر بالقراح فلا لا يقع منه عليه واحدة ورخصت لذلك الأسعار. وفي شوال: خلع الخليفة على الوزير أبي منصور وولد الوزير فخر الدولة أبي نصر بعد أن استدعاهما إلى حضرته وخطبهما بما طيب نفوسهما ورد الأمور إلى عميد الدولة. وفي ذي الحجة: وصل الخبر بالغلاء في دمشق بأن الكارة بلغت نيفًا و ثمانين دينارًا و بقيت على هذا ثلاث سنين. وكان غلام يعرف بابن الرواس من أهل الكرخ يحب امرأة فماتت فحزن عليها فبقي لا يطعم الطعام و انتهى به الأمر إلى أن خنق نفسه. وفي هذا الشهر: أعيدت الخطبة العباسية والسلطانية بمكه وكان السبب أن سلار الحاج قرر مع ابن أبي هاشم أن يزوجه أخت السلطان جلال الدولة ملك شاه فتعلق طعمه بذلك فبعث رجليـن إلـى مصـر ينظـران فإن كان أمر صاحب مصر صالحًا يرجى دام على خطبته فرجعا إليه فقالا: ما بقي ثمّ شيء يرجى وقد فسدت الأحوال ونفذ المال ونفـذ صاحـب مصـر ألـف دينـار. فـورد كتاب سلار الحاج يخبره بأنه قد قرر أمر الوصلة وأنه قد أعطى للسنين الماضية والأتيـه عشرين ألف دينار عزل منها عشرة آلاف للمهر فرأى ابن أبي هاشم أن دنانير للمهر قد أخذت والوصلة قد تمت فسر بذلك وخطب للعباس والسلطان. إسماعيل بن عبد محمد بن إبراهيم بن كمادى أبو علي الواسطي حدّث عن جماعة وتوفي بواسط في جمادى الأولى من هذه السنة. أحمد بن علي بن أحمد أبو سعد السّدوسي أحمد بن إبراهيم بن عمر البرمكي أخو أبي إسحاق حدّث بشيء يسير وكان ثقة صالحًا وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني ذي القعدة ودفن بباب الحرب.الحسن بن القاسم أبو علي المقرىء بغلام الهرّاس الواسطي توفي ليلة الخميس سادس جمادى الأولى بواسط. قـال المصنّـف: ورأيـت بخـط أبـي الفضـل بـن خيـرون قـال: قيـل عنه انه خلط في شيء من القراآت وادعى إسنادًا لا حقيقة له وروى عجائب. عبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن برزة أبو الفتح الأردستاني الجوهري الواعظ. ولد سنة ثمان وسبعين وسافر الكثير وسمع بلبلاد زكان تاجرًا وتوفي بأصبهان في هذه السنة. علي بن الحسين بن جاء العكبري. سمع أبا علي بن شاذان والبرقاني وكان ثقة وحدّث وتوفي في هذه السنة. أبو حاجب الأستراباذي من أهل مازندران سمع الكثير وحدّث وبرع في الفقه والنظر. وتوفي في هذه السنة. محمد بن أحمد بن عبيد ابن صاحب الزيادة سمـع أبـا الحسـن الحمامـي وأبـا القاسـم بن بشران توفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن بمقبرة جامع المدنية. محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أبي موسى أبو همام بن أبي القاسم ابن القاضي أبي علي الهاشمي العبدي المقرىء سمـع الحديث وولي نقابة الهاشميين وهو ابن عم أبي جعفر بن أبي موسى الفقيه الحنبلي روى عنه شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي. توفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب. محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس من أهل نيسابور سمع أبا عبد الله الحاكم وأبا عبد الرحمن السلمي وخلقًا كثيرًا وتفقه على الجويني وكان يخلفه وينوب عنه توفي بنيسابور في ربيع الآخر من هذه السنة. محمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الله أبو الحسن البيضاوي الشافعي ختن القاضـي أبـي الطيـب الطبـري علـى ابنتـه ولـد فـي سنـة اثنتيـن وتسعيـن وثلثمائـة وحـدّث عـن أبـي الحسن بن الجندي وغيره وكان ثقة خيرًا روى عنه أشياخنا وتوفي يوم الجمعة سابع عشر شعبـان بالكـرخ وتقـدم بالصلـاة عليـه أبو نصر بن الصباغ وصلى عليه قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني مأمومًا ودفن في داره بقطيعة الربيع. محمود بن نصر بن صالح أمير حلب. كان من أحسن الناس نزل بها في سنة سبع وخمسين وقوي على عمه وكان عطية قد ملكها بعد نصر فحاصره فخرج منها فقال ابن حيوس: أبى الله إلا أن يكون لك السعد ** فليـس لما تبغيه منع ولا رد قضت حلب ميعادها بعد مطله ** وأطيب وصل ما مضى قبله صد وخطيـة سـم وبيـض قواضـب ** وصافية رعف وصافنة جرد مسعود بن المحسن بن الحسن بن عبد الرزاق أبو جعفر بن البياض الشاعر له شعر مطبوع. أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال: أنشدني أبو جعفر بن البياض لنفسه: ليس لي صاحب معين سوى اللي - - ل إذا طال بالصدود عليا أنـا أشكو بعد الحبيب إليه وهـو يشكـو بعـد الصبـاح إليـا قال: وأنشدني لنفسه: يا من لبست لهجرة ثوب الضنا حتـى خفيـت به عن العواد وأنست بالسهر الطويل فأنيـت أجفان عيني كيف كان رقادي إن كان يوسف بالجمال مقطع الأيدي فأنت مقطع الأكباد قال: وأنشدني لنفسه: لأية علة ولـأي حـال صرمت حبال وصلك من حبالي وبدلت البعاد من التدني ومـر الهجـر مـن حلـو الوصال فإن تكن الوشاة سعوا بشـيء علـيّ فـربّ ساع بالمحال وإن تلك مثل ما زعمـوا ملـولًا لمـا تهـوى سريع الأنتقال صبرت على ملالك لي برغمي وقلـت عسى تمل من الملال ولم أنشدك حين صرمت حبلي بدا لي من محبتكم بدالي وتوفي ابن البياضي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بباب أبرز! خطـأ الإشارة المرجعية غير معرفة. بن علي التركي المضافري أبو منصور والد شيخنا أبي الفضل بن ناصر.ولد سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وقرأ القرآن بالقـراآت وسمـع الحديـث مـن أبـي الحسيـن بـن المهتدي وأبي جعفر ابـن المسلمـة والصريفينـي وغيرهـم وكتـب الكثيـر مـن اللغـة وقـال الشعـر فكان أبو بكر الخطيب يرى له ويقدمه على الأشياخ وتولى قراءة التاريخ عليه بحضرة الشيوخ وكان ظريفًا صبيحًا وتوفي في حداثته ليلة الأحد الثالث عشر من ذي القعدة من هذه السنة فرثاه شيخنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الدباس ويعرف بالبارع. أنبأنا أبو عبد الله البارع أنه قال: سلـام وأنـى يـرد السلامـا ** معاشر في الترب أمسوا رماما لدى البيد صرعى كأن الحمام ** سقاهـم بكـأس المنايـا مداها فلو تبصر العين ما في الصفيـح ** نهاها تخوفهـا أن تنامـا ألا هل أرى لكـم أوبـة ** وللشمل بعد الفراق التئاما ألا كـل يـوم مطايـا المنون ** تحف بكم موحدًا أو تؤاما نحيي ضرائكم إنها ** تضمن قومـًا علينـا كرامـا سلام علـى جـدث بالعـرا ** ق اغمدت بالأمس فيه حساما أناصر يفدك من لو أطـا ** ق دافـع عنـك المنايـا وحامى دفنت العلا والتقى والعفا ** ف والحلـم والعلـم فيه حماما أناصـر لـو أن لـي ناصرًا ** صببت على الموت موتًا زؤاما هو الدهر لا يتقى ضيمه ** لشيء فأحذر أن لا يضاما اناديك اذ لات حين الدعا ** ء بمسمعـه لـو أطقـت الكلاما لقـد خصني يا قرين الشبا ** ب فيك المصـاب وعـم الانامـا وأوجدني منك ريب المنو ** ن ظمآن لم أشف منك الأواما فلا استشعر القلب عنك السلو ** ولا ازداد بعدك إلا مناما اذا رام صبـرا تمثلت فيه ** فأقصى خيالك ذاك المراما ومـا أنـا مـن بعـد علم اليقين ** أحسب يومك إلا منايا لقـد كنـت غرة وجه الزمان ** فقد عاد من عاد بشر جهامـا وكنت على تاجه درة ** تضيء الدجى وتزيـن النظامـا فأضحى بك الدهر عـن أهلـه ** وجلّلنـا بعـد نـور ظلاما وضن بك الدهر عن أهله ** فنلـت حميدًا ولم تلق ذاما وأيقنـت أن الدنـا للفنـا ** ء فاعتضت في الخلد عيشًا دواما فغـض ببرد الزلال أمرؤ ** يـرى أن ورد المنايـا أماما لتبـك عليـك فنون العلو ** م فقد كنت في كـل فـن إمامـا ومـا كنـت إلا قريـع الزمـا ** ن وما الناس بعدك إلا انفحاما الا لا أرى مشكلات العلو ** م يزددن بعدك إلا انفحاما تجاوزت في العلم حد الشيـوخ ** وكل سنيك ثلاثـون عامـا ولم أر كاليوم بدرًا سـوا ** ك عاجـل فيـه السـرار التمامـا كفى حزنًا أنني لا أرى ** ضريحك يزداد إلا لماما وإن لو يفي بالاخاء الوفـا ** ء اذا لسقـى ثـراه استلامـا وإنـي لأنظـر دون الصفيح ** بحـار العلـوم لديـه نظاما ارى زفراتي تحدو الى ** ضريحـك من عبراتي غماما فيا ساكن القبر حيا ثراه ** مريـض النسيم بريح الخزامى ولا برحت بالغدو الشمـال ** ولا بالأصائل فيـه النعامـى وجـاد أصيل الغيث فكاكه ** تبل الثرى وتروي العظاما ولا كحـل التـرب تلك الجفون ** ولا اضمحل اللحد ذاك القواما وحاشا لسانًا تلا ما تلو ** ت يصبـح للـدود يومـًا طعاما وحاشا لكف يخط العلوم ** تعري أشاجعها والسلامى عليك السلـام فإنـي امـرؤ ** على القرب والبعد أهدي السلاما يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد أبو القاسم النهرواني ولد سنة ثمانين وثلثمائة وكان يسكن رباط الزوزني وحدّث عن أبي أحمد الفرضي وغيره وخرّج له أبو بكر الخطيب مشيخه وحدثنا عنه أبو الفضل الأرموي وكان ثقة وتوفـي يـوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجة ودفن على باب الرباط. يوسف بن محمد بن يوسف بن الحسن أبو القاسم الخطيب الهمذاني ولد سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وسمع الكثير ورحل بنفسه وجمـع وصنّـف وانتشـرت عنـه الرواية وكان خيّرًا صالحًا ديّنًا توفي في ذي القعدة من السنة. فمن الحوادث فيها وكـان بالمدنية أمير يقال له: الحسين بن مهنأ قد وضع على من يرد لزيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضريبة تشبيهًا بما يفعل بمكة وإنما كان يؤخذ مـن التجـار القاصديـن مكـة فأمـا المدينة فإنه لا يراد منها إلا الزيارة ونشأت بذلك السمعة فدخل رجل علوي المدنية فخطـب بها للمصري في صفر وهرب ابن مهنأ. وكـان قـد توفـي محمود بن نصر صاحب حلب ووصى لابنه شبيب بالبلد والقلعة فلم يتم ذلك وأعطيها ولده الأكبر واسمه: نصر فسلك طريق أبيه في كرمه وقد مدحه ابن حيوس بقصيدة فقال فيها: ثمانيـة لـم تفترق مذ جمعتها ** ولا افترقت ما فر عن ناظر شفر ضميرك والتقوى وجودك والغنى ** ولفظك والمعنى وعزمك والنصر وكـان لمحمـود بـن نصـر سجيـة وغالب ظني أن سيخلفها نصر فقال: والله لو قال سيضعفها نصر لأضعفتها له وأمر له بما أمر له أبوه وهو ألف دينار في طبق فضة وكان بابه جماعة من الشعراء فقال أحدهم: على بابك المعمور منا عصابة مفاليس فانظر في أمور المفاليس وقد قنعت منك العصابة كلها بعشر الذي أعطيته لابن حيوس فقال: والله لوقال مثل الذي أعطيته لأعطيتم ذلك. وأمر لهم بنصفه ثم أنه وثب على هذا الأمير بعض الأتراك فقتله وولى أخوه سابور بن محمود وهو الذي نص عليه أبوه. وفي جمادى الآخرة: زادت دجلة فبلغت الزيـادة إحـدى وعشريـن ذراعـًا ونصفـًا ونقـل النـاس أموالهـم وخـرج الوزيـر فخـر الدولـة إلى الفورح وبات عليه وخيف من دخول الماء إلى دار الخلافة فنقل تابوت القائم بأمر الله ليلًا إلى التراب بالرصافة. وفي شوال: وقعت الفتنة بي الحنابلة والأشعرية وكان السبب أنه ورد إلى بغداد أبو نصر ابن القشيري وجلس في النظامية وأخذ يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم وكان المتعصب له أبو سعد الصوفي ومال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي إلى نصرة القشيري وكتب إلى النظام يشكو الحنابلة ويسأله المعونة ويسأل الشريف أبا جعفر وكان مقيمًا بالرصافة فبلغه أن القشيري على نية الصلاة في جامع الرصافة يوم الجمعة فمضى إلى باب المراتب فأقام أيامًا ثم مضى إلى المسجد المعروف اليوم بابن شافع وهو المقابل لباب النوبي فأقام فيه وكان يبذل لليهود مالًا ليسلموا على يد ابن القشيري ليقوي الغوغاء فكان العوام يقولون: هذا إسلام الرشاء لا إسلام التقى. فأسلم يومًا يهودي وحمل على دابة واتفقوا على الهجوم على الشريف أبي جعفر في مسجده والإيقاع به فرتب الشريف جماعة أعدهم لرد خصومة إن وقعت فلما وصل أولئك إلى باب المسجد رماهم هؤلاء بالآجر فوقعت الفتنة ووصل الآجر إلى حاجب الباب وقتل من أولئك خياط من سوق الثلاثاء وصاح أصحابها على باب النوبي المستنصر بالله: يامنصور تهمـة للديوان بمعرفة الحنابلة وتشنيعًا عليه وغضب أبو إسحاق الشيرازي ومضى إلى باب الطاق وأخـذ فـي إعـداد أهبـة السفـر فأنفـذ إليه الخليفة من ردّه عن رأية فبعث الفقهاء أبا بكر الشاشي وغيـره من النظام يشرح له الحال فجاء كتاب النظام إلى الوزير فخر الدولة بالامتعاض مما جرى والغضـب لتسلـط الحابلـة علـى الطائفـة الأخـرى وإني أرى حسم القول في ما يتلعق بالمدرسة التي بنيتها في أشياء من ه 1 ا الجنس. وحكـى الشيـخ أبـو المعالـي صالـح بـن شافـع عـن شيخـة أبـي الفتـح الحلوني وغيره ممن شاهد الحال: أن الخليفـة لمـا خـاف مـن تشنيـع الشافعيـة عليه عند النظام أمر الوزير أن يجيل الفكر فيما تنحسم به الفتنة فاستدعى الشريف أبا جعفر وكان فيمن نفذه إليه ابن جردة فتلطف به ابن جردة حتى حضر في الليل وحضر أبو إسحاق وأبو سعد الصوفي وأبو نصر ابن القشيري فلما حضـر الشريف عظمه الوزير ورفعه وقال: إن أمير الؤمنين ساءه ما جرى من اختلاف المسلمين في عقائدهم وهؤلاء يصالحونك على ما تريد. وأمـر هـم بالدنـو مـن الشريف فقام إليه أبو إسحاق وقد كان يتردد في أيام المناظرة إلى مسجده بدرب المطبخ فقال له: أنا ذاك الذي تعرف وهذه كتبي في أصول الفقه أقول فيها خلافـًا للأشعريـة ثـم قبّـل رأسـه فقـال الشريـف: قـد كـان مـا تقـول إلا أنـك لمـا كنـت فقيـرًا لم يظهر لنا ما في نفسك فلما جاءك الأعوان والسلطان وخواجا بزرك أبديت ما كان مخفيًا. ثم قام أبو سعد الصوفي فقبّل يد الشريف وتلطف به فالتفت الشريف مغضبًا وقال: أيها الشيخ أما الفقهاء فإذا تكلموا في مسائل الأصول فلهم فيها مدخل فأما أنت فصاحب لهو سمـاع وبغتـة فمـن زاحمـك علـى ذلـك وعلى ما نلته من قبول عند أمثالك حتى داخلت المتكلمين والفقهاء فأقمت سوق التعصب. ثم قام القشيري وكان أقلّهم للشريف أبي جعفر لجروانه معه فقال الشريف: من هذا فقيل: أبو نصـر القشيـري. فقـال: لـو جـاز أن يشكـر أحـد على بدعته لكان هذا الشاب لأنه بادهنا بما في نفسه ولم ينافقنا كما فعل هذان وثم التفت إلى الوزير وقال: أي صلح بيننا إنما يكون الصلح بيـن مختصميـن علـى ولايـة أو دنيـا أوقسمـة ميـراث أو تنازع في الملك فأما هولاء القوم فهم يزعمون أننا كفار ونحـن نزعـم أن مـن لا يعتقـد مـا نعتقـده كافـر فـأي صلـح بيننـا وهـذا الإمـام مفـزع المسلمين وقد كان جده القائم والفادر أخرجا اعتقادهما للناس وقرىء عليهم فـي دواوينهـم وأنهى الوزير ما جرى فخرج في الجواب: عرفنا ما أنهيته في حضور ابن العم كثر الله في الأولياء مثله وحضور مـن حضـر مـن أهـل العلـم الحمـد للـه الـذي جمـع الكلمـة وضـم الألفـة فليـؤذن الجماعة في الانصراف وليقل لابن أبي موسى انه قد أفراد له موضع قريب من الخدمة ليراجع في كثير من الأمور الدينية وليتبرك بمكانه. فلما سمع الشريف هذا قال: فعلتموها فحمل إلى موضع أفراد له وكان الناس يدخلون عليه مديـدة ثـم قيـل لـه: قـد كثـر استطـراق النـاس دار الخلافة فاقتصر على من يعين دخوله. فقال: ما لـي غـرض فـي دخـول أحـد عليّ. فامتنع الناس ثم مرض الشريف مرضًا أثر في جليه فانتفختا فيقال: ان بعض المتفقهة من الأعداد نزل له في مداسه سمًا والله أعلم. وفي ذي القعدة: كثرت العلل والأمراض ببغداد وواسط السواد وكثر الموت حتى بقي معظم الغلات بحالها في الصحراء لعدم من يرفعها وورد الخبر من الشام كذلك. وفي يوم الأربعـاء لعشـر بقيـن منـذي القعـدة: أزيلـت المواخيـر ودور الفسـق ببغـداد ونقضـت وهـرب الفواسـق وذلـك لخطـاب جـرى من الخليفة للشحنة الذي كانت هذه إقطاعه وبذل له عنها ألف دينار فامتنع وقال: هذه يحصل منها ألف وثماني مائة دينار فكوتب النظام بمـا جـرى فعوض الشحنة من عنده وكتب بإزالتها. وفـي ذي العقـدة: أخـرج أبـو طالـب الزينبـي إلـى مكـة لأجل البيعة للمقتدي على أمير مكة ابن أبي هاشم وأصحب خلعة. وفـي ذي الحجـة: ورد الخبـر بـأن سابـور بـن محمود صاحب حلب أنفذ إلى أنطاكية بمن حاصرها فبلغ الخبز بها رطلين بدينار وقرر عليها مائة وخمسون ألفًا وأخذوها وعادوا. اسبهند وست بن محمد بن الحسن أبو منصور الديلمي شاعر مجود لقي أبا عبد الله بن الحجاج وعبد العزيز بن نباته وغيرهما من الشعراء وكان يتشيع ثم تاب من ذلك. وذكر توبته في قصيدة يقول فيها: لاح الهدى فجلا عن الأبصـار ** كالليل يجلـوه ضيـاء نهـار ورأت سبيل الرشد عيني بعدما ** غطـى عليهـا الجهـل بالأستار لابد فاعلم للفتى من توبة ** قبـل الرحيل إلى ديار بوار يـا رب إنـي قد أتيتك تائبًا ** مـن زلتي يا عالم الأسرار وعلمـت أنهـم هـداة قـادة ** وأئمة مثـل النجـوم دراري وعدلت عما كنت معتقدًا لـه ** في الصحب صحب صبيّة المختار والسيد الصديق والعدل الرضى ** عمر وعثمان شهيد الدار صحب النبي الغـر بـل خلفـاؤه ** فينا بأمـر الواحـد القهـار رحمـاء بينهم بذاك صفاتهم ** وردت أشداء على الكفار وتراهـم مـن راكعين وسجد ** يستغفـرون اللـه بالأسحـار أيقنت حقًا أن من والاهم ** سيفـوز بالحسنـى بـدار قرار فعدلت نحوهم مقرًا بالولا ** ومخالفـًا للعصبة الأشرار مترجيـًا عفـو الإلـه ومحـوه ** مـا قدمتـه يـدي من الأوزار وإذا سئلت عن اعتقادي قلت ما ** كانـت عليـه مذاهب الأبرار وأقول خير الناس بعده خير الورى ** أكرم بهم من سادة أطهار
رزق الله بن محمد بن أحمد بن علي أبو سعد الأنباري الخطيب ابن الأخضر من أهل الأنبار.سمع أبا أحمد الفرضي وأبا عمر بن مهدي وغيرهما وتفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وحدث وكان يفهم ما يقرأ عليه ويحفظ عامة حديثه وانتشرت عنه الرواية وكان صدوقًا ثقة وحسن الصوت والسمت وهو أخو أبي الحسن علي بن محمد بن محمد الخطيب. توفي في ليلة عيد الفطر من هذه السنة. طاهر بن أحمد بن بابشاذ أبو الحسن المصري النحـوي اللغـوي. توفـي في رجب هذه السنة وكان سبب وفاته أنه سقط في جامع عمرو بن العاص فتوفي من ساعته. عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن أحمد بن المجمع بن مجيب بن بحر بن معبد بن هزارمرد أبو محمد الصريفيني ولد ليلة الجمعة سابع صفر سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ويعرف بابن المعلم. سكن صريفين وسمع أبا القايـم بـن حبابـة وابـن أخـي ميمـي وأبـا حفـص الكنانـي والمخلـص وغيرهـم وهـو آخـر مـن حدّث بكتاب علي بن الجعد. وكان قد انقطع عن بغداد. حدثنا عنه عبد الوهاب الأنماطي وغيره. أبنأنا محمد بن ناصر قال: أنبأنا محمد بن طاهر المقدسي قال: سمعت أبا القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي يقول: دخلت بغداد وسمعت ما قدرت عليه من المشايخ ثم خرجت أريد الموصل فدخلت صريفين فكنت في مسجدها فقال: كان أبي يحملني إلى أبي حفص الكتاني وابن حبابة وغيرهما وعندي أجزاء فقلت: أخرجها لي حتى أنظر إليها فأخرج إليّ حزمة فيها كتاب علي بن الجعد بالتمام مع غيره من الأجزاء فقراته عليه ثم كتبت إلى أهل بغداد فرحلوا إليه وأحضرته للكبراء من أهل بغداد وأحضـره قاضـي القضـاة أبـو عبـد اللـه الدامغاني وكل من سمع من الصريفيني فالمنة لأبي القاسم وفي بعض ألفاظ هذه الحكاية من طريـق آخـر: أن الأصـول التـي أخرجهـا كانت بخط ابن الصقال وغيره من العلماء وأنه سمع منه أبو بكر الخطيب وكان ثقة محمود الطريقة صافي الطوية وتوفي بصريفين في جمادى الأولى من هذه السنة. عبد الله بن سعيد بن حاتم منسـوب إلـى قريـة على ثلاث فراسخ من سجستان يقال لها: وائل ويقع في الحديث جماعة يقال لهم الوائلى إلا أنهم منسوبون إلى بني وائل سمع أبو نصر الحديث الكثير وفقه وفهم وصنّف وخرج وكـان قيمـًا بالأصـوال والفـروع ولـه التصانيف الحسان منها: الإبانة في الرد على الرافعين وأقام بالحرم. أنبأنـا محمـد بـن ناصـر عـن أبـي اسحـاق بـن إبراهيـم بـن سعيـد الحبـال قـال: خرج أبو نصر على أكثر من مائة شيخ ما بقي منهم غيري قال: وكان أحفظ من خمسين مثل الصوري. عبد الباقي بن أحمد بن عمر أبو نصر الداهداري الواعظ سمع من ابن بشران وغيره وحدّث ولا نعلم به بأسًا وتوفي يوم السبت العشرين من شعبان.عبد الكريم بن الحسن بن علي بن رزمة أبو طاهر الخباز ولد سنة إحدى وتسعين وثلثمائة سمع أبا عمر بن مهدي وابن رزقويه وابن بشران وغيرهم وكان ثقة وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة. عبد الكريم بن أحمد بن طاهر بن أحمد أبو سعد الوزان التميمي من أهل طبرستـان سمـع الحديـث بمـرو ومـا وراء النهـر وبغـداد وروى عنـه زاهـر بـن طاهـر وتفقه وبرع في المناظرة وكانت له فصاحة وتوفي في هذه السنة علي بن خليفة بن رجاء بن الصقر أبو القاسم الخرقي وروى عنه شيخنا أبو منصور بن زريق وتوفي في ليلة الجمعة سابع عشرين ذي الحجة ودفن بمقابر الشهداء. محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن هارون أبو الحسن البرداني أبو أبي علي البرداني ولد سنة ثمانين وثلثمائة بالبردان ثم انتقل إلىبغداد وسمع من أبي الحسن ابن رزقويه وابـن بشران وابن شاذان وغيرهم وكان له علم بالقراآت وكان ثقة عالمًاصالحًا أمينـًا توفـي ليلـة الجمعة سلخ ذي القعدة من هذه السنة. وحدّث عنه شيخنا أبو بكر بن طاهر. محمد بن علي بن الحسين المعروف بابن سيكنة أبو عبد الله الأنماطي ولد سنة تسعين وثلثمائة وحدّث عن أبي القاسم الصيدلاني وغيره وكان كثير السماع ثقة حدثنا عنه جماعة من مشايخنا
|