الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
240- حدثنا محمدُ بنُ مُوسى البَصْرِيّ حَدثنَا جعفرُ بنُ سلميانَ الضّبَعيّ عن عليّ بنِ عَلي الرفاعيّ، عن أبي المُتوكّلِ عن أبي سعيدٍ (الخُدْرِيّ) قَالَ: "كَان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاةِ بالليل كَبّرَ ثم يقولُ: سُبحَانَكَ اللهُمّ وَبحمدِكَ، وتَبَارَكَ اسمُكَ، وتَعَالَى جَدّكَ، ولاَ إلَه غيْرُكَ، ثم يقول: الله أَكبرُ كبيراً، ثم يقولُ: أعوذُ بالله السميعِ العليم من الشيطانِ الرجيم، مِنْ هَمْزِه ونَفْخِهِ وَنَفْثهِ". (قال أبو عيسى): وفي الباب عن علي، وعَائِشَة وعَبْدِ الله بنِ مسعودٍ، جَابِرٍ، وجُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، وَابنِ عُمَرَ. قال أبو عيسى: وحَديثُ أبي سعيدٍ أشْهَرُ حَدِيثٍ فِي هَذَا البَاب. وقدْ أخَذَ قَوْمٌ مِن أهْلِ العِلمِ بهذَا الْحَدِيثِ. وأمّا أكْثَرُ أهْلِ العلمِ فقالوا: بما رْوَى عَن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كَانَ يَقولُ: "سُبحَانَكَ اللهُمّ وَبحمدكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدّكَ، وَلا إلَه غَيْرُكَ" (و) هكذَا رُوِيَ عنْ عمرَ بنِ الخطّاب وعَبْدِ الله بنِ مسْعودٍ. والعَملُ على هذا عند (أكثرِ) أهلِ العلمِ من التابعين وَغَيرِهم. وَقَدْ تُكُلّمَ فِي إسْنَادِ حَدِيثِ أبي سَعيدٍ، كَان يَحْيَى بنُ سعيدٍ يَتَكلّمُ في عليّ بن علي. (الرفاعي) وَقَالَ أحمدُ: لا يصِحّ هذَا الحديثُ. 241- حدثنا الحسَنُ بنُ عَرَفَةَ وَ يَحْيَى بنُ موسى قالا: حدثنا أبو معاويَةَ عن حارثةَ ابنِ أبي الرجالِ عن عَمْرَةَ عن عائشةَ قالتْ: "كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاةَ قَال: سُبحَانَكَ اللهُمّ وَبحمدكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدّكَ، وَلا إلَه غَيْرُكَ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ لا نَعْرِفُه (من حديث عائشة) إلاّ من هذا الوجهِ. وحَارثةُ قَدْ تُكُلّمَ فيهِ منْ قِبَلِ حِفْظِهِ. (وأبو الرّجَالِ اسمهُ محمدُ بنُ عبدِ الرحمَنِ المدينيّ). قوله: (حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة أبو سليمان البصري صدوق زاهد لكنه كان يتشيع (عن علي بن علي الرفاعي) بالفاء البصري يكنى أبا إسماعيل لا بأس به، رمى بالقدر وكان عابداً، ويقال كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم كذا في التقريب. قوله: "ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك" قال ابن الملك سبحان اسم أقيم مقام المصدر وهو التسبيح منصوب بفعل مضمر تقديره أسبحك تسبيحاً أي أنزهك تنزيها من كل السوء والنقائض وقيل تقديره أسبحك تسبيحا ملتبساً ومقترناً بحمدك فالباء للملابسة والواو زائدة، وقيل الواو بمعنى مع أي أسبحك مع التلبس بحمدك وحاصله نفي الصفات السلبية وإثبات النعوت الثبوتية "وتبارك اسمك" أي كثرت بركة اسمك إذ وجد كل خير من ذكر اسمك وقيل تعاظم ذاتك، أو هو على حقيقته، لأن التعاظم إذا ثبت لأسمائه تعالى فأولى لذاته. ونظيره قوله تعالى سبح اسم ربك الأعلى "وتعالى جدك" قال ميرك: تعالى تفاعل من العلو أي علا ورفع عظمتك على عظمة غيرك غاية العلو والرفع وقال ابن حجر: أي تعالى غناؤك عن أن ينقصه إنفاق أو يحتاج إلى معين ونصير "ثم يقول الله أكبر" بالسكون ويضم قاله القاري "كبيراً" حال مؤكدة، وقيل منصوب على القطع من اسم الله، وقيل بإضمار أكبر وقيل صفة لمحذوف أي تكبيراً كبيراً "من همزه" بدل اشتمال أي وسوسته "ونفخه" أي كبره المؤدى إلى كفره "ونفثه" أي سحره. قال الطيبي: النفخ كناية عن الكبر كأن الشيطان ينفخ فيه بالوسوسة فيعظمه في عينيه ويحقر الناس عنده. والنفث عبارة عن الشعر لأنه ينفثه الإنسان من فيه كالرقية إنتهى وقيل من نفخه أي تكبره يعني مما يأمر الناس به من التكبر، ونفثه مما يأمر الناس بإنشاء الشعر المذموم مما فيه هجو مسلم أو كفر أو فسق، وهمزه أي من جعله أحداً وغمزه مجنوناً ينخسه كذا في المرقاة قال السيوطي في قوت المغتذي: من همزه فسر في الحديث بالموتة وهي شبه الجنون ونخفه فسر بالكبر ونفثه فسر بالشعر. قال ابن سيد الناس: وتفسير الثلاثة بذلك من باب المجاز انتهى. قلت قد جاء هذا التفسير في حديث جبير بن مطعم عند أبي داود. قوله: (وفي الباب عن علي وعبد الله بن مسعود وعائشة وجابر وجبير بن مطعم وابن عمر) أما حديث علي فأخرجه إسحاق بن راهويه وأعله أبو حاتم كذا في التلخيص، وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الطبراني وذكره الزيلعي في نصب الراية بإسناده ومتنه، وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأما حديث جابر فأخرجه البيهقي وفيه محمد بن المنكدر قال البيهقي اختلف عليه فيه وليس له إسناد قوي وأما حديث جابر بن مطعم فأخرجه أبو داود وابن ماجه، وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في معجمه وذكره الزيلعي في نصب الراية بإسناده ومتنه قال والحديث معلول بعبد الله بن عامر. قوله: (وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب) أخرجه أصحاب السنن الأربعة. قوله: (وقد أخذ قوم من أهل العلم بهذا الحديث) فاختاروا أن يقال عند افتتاح الصلاة بعد التكبير سبحانك اللهم إلى قوله ولا إله غيرك ثم يقال الله أكبر كبيرا ثم يقال أعوذ بالله السميع العليم الخ (وما أكثر أهل العلم فقالوا: إنما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) فاختاروا هذا الدعاء دون ما في حديث أبي سعيد المذكور من الزيادة (وهكذا روي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود)، أما أثر عمر فأخرجه مسلم في صحيحه وغيره وأما أثر عبد الله بن مسعود فأخرجه ابن المنذر. قال الحافظ في التلخيص: قال الحاكم وقد صح ذلك عن عمر ثم ساقه وهو في صحيح ابن خزيمة وهو في صحيح مسلم أيضاً ذكره في موضع غير مظنته استطرادا وفي إسناده انقطاع، إنتهى ما في التلخيص. قلت: ذكره مسلم في باب عدم الجهر بالبسملة عن عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وعبدة هذا هو ابن أبي لبابة وهو لم يسمع من عمر قاله النووي. ولذا قال الحافظ في إسناده انقطاع ورواه الدارقطني موصولاً كما في بلوغ المرام. فإن قلت كيف روى مسلم في صحيحه أثر عمر رضي الله عنه. هذا، وهو منقطع، ومن شرط مسلم أن لا يخرج في صحيحه الحديث الضعيف، والمنقطع من أقسام الضعيف. قلت: أخرجه استطراداً ومقصوده الأصلي هو الحديث الذي أخرجه بعد هذا الأثر في عدم الجهر بالبسملة وهو صحيح متصل. فإن قلت فلم أخرجه استطراداً ولم لم يقتصر على إخراج الحديث الصحيح المتصل قلت: إنما فعل مسلم هذا لأنه سمعه هكذا فأداه كما سمع ولهذا نظائر كثيرة في صحيح مسلم وغيره ولا إنكار في هذا كله. قوله: (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من التابعين وغيرهم) وعليه عمل الحنفية. قال الحافظ ابن تيمية في المنتقى: وأخرج مسلم في صحيحه أن عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك تعالى جدك ولا إله غيرك. وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي بكر الصديق أنه كان يستفتح بذلك وكذلك رواه الدارقطني عن عثمان بن عفان وابن المنذر عن عبد الله بن مسعود. وقال الأسود كان عمر إذا أفتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك يسمعنا ذلك ويعلمنا. رواه الدارقطني ثم قال ابن تيمية: واختيار هؤلاء وجهر عمر به أحياناً بمحضر من الصحابة ليتعلمه الناس مع أن السنة إخفاؤه يدل على أنه الأفضل وأنه الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم عليه غالباً، وإن استفتح بما رواه علي وأبو هريرة فحسن لصحة الرواية انتهى كلام ابن تيمية، قال الشوكاني في النيل: ولا يخفى أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالإيثار والاختيار وأصح ما روى في الاستفتاح حديث أبي هريرة المتقدم ثم حديث علي انتهى. قلت: أراد الشوكاني بحديث أبي هريرة الذي رواه الجماعة إلا الترمذي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل القراءة فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقرآن ما تقول؟ قال أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب الحديث وأراد بحديث علي الذي رواه أحمد ومسلم والترمذي قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض الحديث. ولا شك في أن أصح ما روى في الاستفتاح هو حديث أبي هريرة فهو أولى بالايثار والاختيار وهذا الحديث لم يروه الترمذي في هذا الباب ولم يشر إليه لكنه أشار إليه في باب السكتتين. قوله: (حدثنا الحسن بن عرفة) وثقه ابن معين وأبو حاتم (عن حارثة بن أبي الرجال) قال النسائي متروك قاله في الخلاصة وقال في التقريب ضعيف. قوله: (هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه) روى أبو داود هذا الحديث في سننه من غير هذا الوجه ليس فيه حارثة وسنده هكذا: حدثنا حسين بن عيسى ناطلق بن غنام ناعبد السلام بن حرب الملائي عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم الخ وهذا الحديث من هذا الطريق أيضاً ضعيف قال أبو داود بعد روايته: وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب لم يروه إلا طلق بن غنام، وقد روى قصة الصلاة عن بديل جماعة لم يذكروا فيه شيئاً من هذا انتهى. قال المنذري يعني دعاء الاستفتاح وقال الدارقطني قال أبو داود: ولم يروه عن عبد السلام غير طلق بن غنام وليس هذا الحديث بالقوي هذا آخر كلامه انتهى (وحارثة قد تكلم فيه من قبل حفظه) قال الذهبي في الميزان ضعفه أحمد وابن معين وقال النسائي متروك وقال خ منكر الحديث لم يعتد به أحمد قال ابن عدي عامة ما يرويه منكر انتهى. فائدة: قال الحافظ في التلخيص: قال ابن خزيمة لا نعلم في الافتتاح بسبحانك اللهم خبراً ثابتاً عند أهل المعرفة بالحديث وأحسن أسانيده حديث أبي سعيد ثم قال لا نعلم أحداً ولا سمعنا به استعمل هذا الحديث على وجهه. فائدة أخرى: أصح ما ورد في الاستفتاح حديث أبي هريرة الذي جاء فيه: دعاء الافتتاح بلفظ اللهم باعد بيني وبين خطاياي ألخ قال الشيخ ابن الهمام في فتح القدير بعد ذكر هذا الحديث وهو الأصح من الكل لأنه متفق عليه انتهى. قلت فهو الأولى بالاختيار ثم أصح ما ورد فيه حديث علي رضي الله عنه الذي جاء فيه دعاء الافتتاح بلفظ وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض الخ لأنه رواه مسلم فبعد حديث أبي هريرة هو أولى بالاختيار في جميع الصلوات مكتوبة كانت أو تطوعاً هذا ما عندي والله تعالى أعلم. فإن قلت حديث علي هذا رواه مسلم في صلاة الليل فإيراده في هذا الباب يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله في التهجد وقال الحافظ في بلوغ المرام بعد ما ذكره عن مسلم ما لفظه: وفي رواية له أن ذلك في صلاة الليل انتهى. فيكون هذا الدعاء مخصوصاً بصلاة التطوع كما هو مذهب الحنفية ولا يكون مشروعاً في المكتوبة قلت: مجرد إيراد مسلم هذا الحديث في صلاة الليل لا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله في التهجد كما لا يخفى. وأما قول الحافظ وفي رواية له أن ذلك في صلاة الليل ففيه نظر. فإن هذا الحديث مروي في صحيح مسلم في باب صلاة الليل من وجهين ليس في واحد منهما أن ذلك في صلاة الليل، وهذا الحديث رواه الترمذي في كتاب الدعوات من ثلاثة وجوه ليس في واحد منها أن ذلك في صلاة الليل بل وقع في واحد منها: إذا قام إلى الصلاة المكتوبة. ورواه أبو داود أيضاً في سننه في كتاب الصلاة من وجهين لم يقع في واحد منهما أن ذلك في صلاة الليل، بل واقع في واحد منهما: إذا قام إلى الصلاة المكتوبة، ووقع في رواية للدارقطني إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة قال وجهت وجهي الخ وقال الشوكاني في النيل وأخرجه أيضاً ابن حبان وزاد إذا قام إلى الصلاة المكتوبة وكذلك رواه الشافعي وقيده أيضاً بالمكتوبة وكذا غيرهما فالقول بأن هذا الدعاء مخصوص بصلاة التطوع ولا يكون مشروعاً في المكتوبة باطل جداً ومن ههنا ظهر بطلان قول صاحب آثار السنن أن القيد بالمكتوبة في هذا الحديث غير محفوظ فإن هذا القيد موجود في كثير من روايات هذا الحديث. تنبيه: روى النسائي من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعاً قال الله أكبر وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض الخ قال الشيخ عبد الحق في اللمعات في قوله: إذا قام يصلي تطوعاً دليل على المخصوصية بالتطوع كما هو مذهبنا انتهى قلت ليس فيه دليل على المخصوصية بالتطوع كيف وقد وقع في كثير من روايات حديث علي إذا قام إلى الصلاة المكتوبة على أنه لو كان في هذا دليل على مخصوصية هذا الدعاء بالتطوع لكان الدعاء الذي اختاره الحنفية للفرض أيضاً مخصوصاً بالتطوع فإن الترمذي وأبا داود قد رويا عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل كبر ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك الحديث فتفكر. تنبيه آخر: قال الفاضل اللكنوي في عمدة الرعاية: اختار المتأخرون يعني من الحنفية أن يقرأ إني وجهت وجهي قبل التحريمة ليكون أبلغ في أحضار القلب وجمع العزيمة كما ذكره في النهاية والبناية وغيرهما لكن هذا مما لا أصل له في السنة وإنما الثابت في الأحاديث التوجيه في الصلاة لا قبلها انتهى كلامه قلت الأمر كما قال ففي حديث محمد بن مسلمة عند النسائي كان إذا قام يصلي تطوعاً قال الله أكبر وجهت وجهي الخ وفي حديث علي رضي الله عنه عند مسلم في رواية له إذا افتتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي الخ.
إعلم أن في قراءة البسملة في الصلاة ثلاثة أقوال أحدها أنها واجبة الفاتحة كمذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وطائفة من أهل الحديث بناء على أنها من الفاتحة والثاني أنها مكروهة سراً وجهراً وهو المشهور عن مالك والثالث أنها جائزة بل مستحبة وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور عن أحمد وأكثر أهل الحديث ثم مع قراءتها هل يسن الجهر بها أو لا، فيه ثلاثة أقوال: أحدها يسن الجهر وبه قال الشافعي ومن وافقه والثاني لا يسن الجهر وبه قال أبو حنيفة وجمهور أهل الحديث والرأي وفقهاء الأمصار وجماعة من أصحاب الشافعي وقيل مخير بينهما وهو قول إسحاق بن راهويه وابن حزم كذا في نصب الرواية قلت: قد ثبت قراءة البسملة في الصلاة بأحاديث صحيحة وهي حجة على الإمام مالك والإسرار بها عندي أحب من الجهر بها والله تعالى أعلم. فائدة: قال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة سفيان الثوري ما لفظه: اللالكائي في السنة نا المخلص نا أبو الفضل شعيب بن محمد نا علي بن حرب بن بسام سمعت شعيب بن جرير يقول قلت لسفيان الثوري حدث بحديث السنة ينفعني الله به فإذا وقفت بين يديه قلت يا رب حدثني بهذا سفيان فأنجو أنا وتؤخذ قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود من قال غير هذا فهو كافر والإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص إلى أن قال يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى المسح على الخفين وحتى ترى أن إخفاء بسم الله الرحمن الرحيم أفضل من الجهر به إلى أن قال إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن هذا فقل يا رب حدثني بهذا سفيان الثوري ثم خل بيني وبين الله عز وجل. قال الذهبي هذا ثابت عن سفيان وشيخ المخلص ثقة انتهى. 242- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حَدّثَنَا إسْمَاعِيل بنُ إِبْرَاهِيمَ حَدثنا سَعيدُ (بن أبي إياس) الْجُرَيْرِيّ عن قيسِ بن عَبَايَةَ عن ابنِ عَبْدِ الله بنِ مُغَفّلٍ (قال): "سَمِعَنِي أبي وأنَا فِي الصلاةِ أقولُ {بسم الله الرحمن الرحيم} (فقالَ لي): أيْ بُنَيّ (مُحْدَثٌ) إيّاكَ والحَدَثَ، قال: ولم أرَ أحداً من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كانَ أبْغَضَ إليهِ الحدثُ في الإسلاَم، يَعْنِي مِنْهُ، (و) قال: وقَدْ صلَيتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعَ أبي بكرِ وعُمرَ و مع عُثْمانَ فَلَم أسمعْ أحداً منهم يقولُها، فلاَ تَقلهَا، إذَا أنتَ صَلّيتَ فَقُلْ {الحمدُ لله ربّ العالمِينَ}. قال أبو عيسى: حديثُ عَبْدِ الله بنِ مُغَفّلٍ حديثٌ حسَنٌ، والعملُ عَلَيْه عِنْدَ أكثر أهلِ العلمِ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليّ وغيرُهُم وَمن بَعدَهم من التّابعين. وبه يقولُ سفيانُ الثوريّ وابنُ المباركِ وأحمدُ وإسحاقُ، لا يَرَوْنَ أنْ يَجْهَرَ بـ (بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ)، قالوا: ويقولُها في نفسهِ. قوله: (حدثنا اسمعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري) بن علية وهي أمه قال أحمد إليه المنتهى في التثبت قال ابن معين كان ثقة مأموناً (حدثنا سعيد الجريري) بضم الجيم مصغراً هو سعيد بن إياس أبو مسعود البصري ثقة اختلط قبل موته (عن قيس بن عباية) بفتح العين المهملة وتخفيف الموحدة ثم تحتانية ثقة من أوساط التابعين كنيته أبو نعامة قال ابن عبد البر هو ثقة عند جيمعهم (عن ابن عبد الله بن مغفل) اسمه يزيد كذا في التقريب. قوله: (وأنا في الصلاة) جملة حالية (أي بنى محدث) أي قوله بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة محدث (إياك والحدث) تحذير أي حذر نفسك من الحدث واتق منه (قال) أي ابن عبد الله بن مغفل (يعني منه) أي من أبيه عبد الله بن مغفل وهذا قول بعض الرواة (وقال) أي عبد الله بن مغفل (وقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقولها) أي البسملة ولم يذكر علياً رضي الله عنه لأن علياً رضي الله عنه عاش في خلافته بالكوفة وما أقام بالمدينة إلا يسيراً فلعل عبد الله بن مغفل لم يدركه ولم يضبط صلاته كذا في إنجاح الحاجة (فلا تقلها) ظاهره أنه نهاه عن البسملة رساً يعني لا يقول سراً ولا جهراً لكنه يحمل على الجهر إذ السماع عادة يتعلق بالجهر وإليه أشار المصنف في الترجمة قاله أبو الطيب السندي. قوله: (حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن) وأخرجه النسائي وابن ماجه قال النووي في الخلاصة وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث وأنكروا على الترمذي تحسينه كابن خزيمة وابن عبد البر والخطيب وقالوا إن مداره على ابن عبد الله بن مغفل وهو مجهول انتهى وقال الحافظ في الدراية: وقع في رواية للطبراني عن يزيد بن عبد الله بن مغفل وهو كذلك في مسند أبي حنيفة انتهى. وقال في تهذيب التهذيب ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه في ترك الجهر بالبسملة وعنه أبو نعامة الحنفي قيل اسمه يزيد قلت ثبت كذلك في مسند أبي حنيفة للبخاري انتهى وقد أطال الحافظ الزيلعي الكلام على هذا الحديث في نصب الراية ثم قال وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن وقد حسنه الترمذي والحديث الحسن يحتج به لا سيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته انتهى كلامه، قلت لم أجد ترجمة يزيد بن عبد الله بن مغفل فإن كان ثقة قابلاً للاحتجاج فالأمر كما قال الزيلعي من أن هذا الحديث لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن وإلا فهو ضعيف. قوله: (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم الخ) واستدلوا بحديث الباب وبحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانو يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين أخرجه البخاري ومسلم زاد مسلم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها وفي رواية لأحمد والنسائي وابن خزيمة لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وفي أخرى لابن خزيمة كانوا يسرون. قال الحافظ في بلوغ المرام وعلى هذا يحمل النفي في رواية مسلم خلافاً لمن أعلها انتهى وقال في فتح الباري فاندفع بهذا تعليل من أعله بالاضطراب كابن عبد البر لأن الجمع إذا أمكن تعين المصير إليه انتهى قلت والعلة التي أعلها بها من أعلها هي أن الأوزاعي روى هذه الزايادة عن قتادة مكاتبة وقد ردت هذه العلة بأن الأوزاعي لم ينفرد بها بل قد رواها غيره رواية صحيحة. فإن قلت روى عن أنس إنكار ذلك فروى أحمد والدارقطني من حديث سعيد بن يزيد أبي سلمة قال: سألت أنساً أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم أو الحمد لله رب العالمين. وقال إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه أو ما سألني عنه أحد قبلك قال الدارقطني إسناده صحيح. قلت: قال الزيلعي في نصب الراية وأما ما روى من إنكار أنس فلا يقاوم ما يثبت عن خلافه في الصحيح ويحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبره وقد وقع مثل ذلك كثيراً كما سئل يوماً عن مسألة فقال عليكم بالحسن فاسألوه فإنه حفظ ونسينا، وكم ممن حدث ونسي، ويحتمل أنه سأله عن ذكرها في الصلاة أصلا لا عن الجهر بها وإخفائها انتهى كلام الزيلعي. وقال وهذا الحديث مما يدل على أن ترك الجهر عندهم كان ميراثاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم يتوارثه خلفهم عن سلفهم، وهذا وحده كاف في المسئلة لأن الصلوات الجهرية دائمة صباحاً ومساءً فلو كان عليه السلام يجهر بها دائماً لما وقع فيه اختلاف ولا اشتباه ولكان معلوماً بالاضطرار ولما قال أنس لم يجهر بها عليه السلام ولا خلفاؤه الراشدون ولا قال عبد الله بن مغفل ذلك أيضاً وسماه حدثاً ولما استمر عمل أهل المدينة في محراب النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه على ترك الجهر، يتوارثه آخرهم عن أولهم وذلك جار عندهم مجرى الصاع والمد بل أبلغ من ذلك لاشتراك جميع المسلمين في الصلاة ولأن الصلاة تتكرر كل يوم وليلة وكم من إنسان لا يحتاج إلى صاع ولا مد ومن يحتاجه يمكث مدة لا يحتاج إليه ولا يظن عاقل أن أكابر الصحابة والتابعين وأكثر أهل العلم كانوا يواظبون على خلاف ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله انتهى كلامه الزيلعي.
243- حدثنا أحمدُ بنُ عَبْدَةَ (الضّبّيّ) حدثنا المُعْتَمِرُ بنُ سليمانَ قال: حدثني إسْمَاعِيلُ بن حمّادٍ عن أبي خالدٍ عن ابن عباسٍ قال: "كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتحُ صَلاَتَهُ ببسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ". قال أبو عيسى: هذا (حديث) ليس إسنادُه بذاكَ. وقد قال بهذا عِدّةٌ من أهل العلمِ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو هريرَة وابن عمرَ (وابن عباسٍ) وابنُ الزبيرِ ومَن بعدَهم منَ التابِعينَ، رَأَوْا الجهرَ بـ (بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ). وبهِ يَقُولُ الشافِعَيّ، وإسْمَاعِيلُ بنُ حمادٍ هو ابن أبِي سُلَيْمانَ وأبو خالد (يقال) هو أبو خالد) الوالِبيّ واسمُهُ هُرْمُز وهو كوفيّ. قوله: (حدثني اسمعيل بن حماد) قال الحافظ في تهذيب التهذيب: اسمعيل بن حماد بن أبي سليمان الأشعري مولاهم الكوفي روى عن أبيه وأبي خالد الوالبي وعنه معتمر بن سليمان. قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه وفرق ابن أبي حاتم بينه وبين اسمعيل بن حماد البصري الراوي عن أبي خالد الوالبي عن ابن عباس وعنه معتمر ولم يذكر البخاري في التاريخ غير ابن أبي سليمان وقال الأزدي في إسمعيل يتكلمون فيه. وقال العقيلي حديثه غير محفوظ ويحكيه عن مجهول يعني الحديث الذي رواه عن أبي خالد الوالبي عن ابن عباس في الاستفتاح بالبسملة وقال ابن عدي ليس إسناده بذاك وذكره ابن حبان في الثقات انتهى (عن أبي خالد) الوالبي يأتي ترجمته في آخر الباب (يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم) ظاهره يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة لكن الحديث ضعيف. قوله: (وليس إسناده بذاك) أي بذاك القوي: قال الطيبي المشار إليه بذاك ما في ذهن من يعتني بعلم الحديث ويعتد بالإسناد القوي. قال الحافظ في الدراية وأخرجه ابن عدي وقال لا يرويه وفيه أبو خالد وهو مجهول والحديث غير محفوظ وقال أبو زرعة لا أعرف أبا خالد وأخرجه العقيلي وقال هو مجهول وقيل إنه الوالبي وأسمه هرمز والله أعلم. والراوي عنه إسمعيل بن حماد قال العقيلي ضعيف إنتهى. قوله: (وقد قال بهذا عدة من أهل العلم) أي قال بالجهر بالبسملة جماعة من أهل العلم واستدلوا بحديث الباب وبعدة أحاديث أخرى أكثرها ضعيفة وأجودها حديث نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين وقال الناس آمين الحديث وفي آخره قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث وهو أصح حديث ورد في ذلك يعني في الجهر بالبسملة قال وقد تعقب الاستدلال بهذا الحديث باحتمال أن يكون أبو هريرة أراد بقوله أشبهكم أي في معظم الصلاة لا في جميع أجزائها. وقد رواه جماعة غير نعيم عن أبي هريرة بدون ذكر البسملة. والجواب أن نعيماً ثقة فتقبل زيادته. والخبر ظاهر في جميع الأجزاء فيحمل على عمومه حتى يثبت دليل يخصصه انتهى. وقال صاحب سبل السلام: قول أبي هريرة إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان محتملاً أنه يريد في أكثر أفعال الصلاة وأقوالها، إلا أنه خلاف الظاهر ويبعد عن الصحابي أن يبتدع في صلاته شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ثم يقول والذي نفسي بيده إني لأشبهكم انتهى. قال والأقرب أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها تارة جهراً وتارة يخفيها انتهى. قوله: (وإسمعيل بن حماد) قال الذهبي في الميزان: إسمعيل بن حماد بن أبي سليمان الكوفي وثقه ابن معين وقال الأزدي يتكلمون فيه. وقال العقيلي حديثه غير محفوظ ويحكيه عن مجهول ثم ذكر الذهبي حديث الباب من طريقه (هو أبو خالد الوالبي) قال في التقريب بموحدة قبلها كسرة. الكوفي أسمه هرمز ويقال هرم مقبول من كبار التابعين، وفد على عمر وقيل حديثه عنه مرسل فيكون من أوساط التابعين انتهى. وقال الذهبي في الميزان أبو خالد عن ابن عباس لا يعرف.
244- حَدّثَنَا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو عَوانَةَ عن قتادَةَ عن أنسٍ قال: "كَان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمرُ وعثمانُ يَفْتَتِحُونَ القراءةَ بالحمدُ لله ربّ العالمين". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ مِنْ أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَن بعدَهم، كَانوا يَستفْتِحُونَ القراءَةَ (بالحمدِ لله ربّ العالمين). قال الشافعيّ: إنما مَعْنى هذا الحديثِ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ كَانوا يفتتحون القراءةَ (بالحمدِ لله ربّ العالمين)، معناهُ أنهم كَانوا يبدأون بقراءَةِ فاتحةِ الكتاب قبلَ السورة، وليسَ معناه أنهم كَانوا لا يقرأون (بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ). وكان الشافعيّ يَرَى أنْ يُبْدأَ بـ (بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ) و (أنْ) يُجْهَر بها (إذا جُهِرَ بالقراءَةِ). قوله: (يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين) بضم الدال على الحكاية واختلف في المراد بذلك فقيل المعنى كانوا يفتتحون بالفاتحة، وهذا قول من أثبت البسملة في أولها وتعقب بأنها إنما تسمى الحمد فقط وأجيب بمنع الحصر ومستنده ثبوت تسميتها بهذه الجملة وهي الحمد لله رب العالمين في صحيح البخاري، أخرجه في فضائل القرآن من حديث أبي سعيد بن المعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن فذكر الحديث وفيه قال الحمد لله رب العالمين هي سبع المثاني وقيل المعنى كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكاً بظاهر الحديث، وهذا قول من نفي قراءة البسملة لكن لا يلزم من قوله: كانوا يفتتحون بالحمد، أنهم لم يقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم سرا وقد أطلق أبو هريرة السكوت على القراءة سراً كذا في فتح الباري. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم.
245- حدثنا (محمد بن يحيى) ابن أبي عمرَ (الملى أبو عبدالله العدي) و عليّ بن حُجْرٍ قالا: حدثنا سفيانُ بن عينية عن الزّهْرِيّ عن محمودِ بن الرّبيع عن عُبَادَةَ بنِ الصامتِ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاَةَ لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتاب". (قال): وفي البابِ عن أبي هريرةَ وعائشةَ وأنسٍ وأبي قَتَادَةَ وعَبْدِ الله بن عمرٍو. قال أبو عيسى: حديثُ عُبَادَةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ.. والعملُ عليه عند أكثر أهل العلمِ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، منهم عمرُ بن الخطاب (وعليّ بن ابي طالب) وجابرُ بنُ عَبْدِ الله وعمْرانُ بنُ حُصَيْنٍ وغَيْرهم، قالوا: لا تجزئ صلاةٌ إلا بقرَاءَةِ فاتحةِ الكتابِ. (وقال علي بن أبي طالب: لكل صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج غير تمام). وبِه يقُولُ ابنُ المُبَاركِ والشّافعِيّ وأحمدُ وإسْحَاقُ. سمعت ابن ابي عمر يقول: اختلفت الى ابن عينية ثمانية عشر سنة. وكان الحميديّ اكبر مني بسنة وسمعت ابن ابي عمر يقول: حججت سبعين حجة ماشياّ) (على قدميّ). قوله: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) هذا دليل على أن قراءة فاتحة الكتاب فرض في جميع الصلوات، فريضة كانت أو نافلة، وركن من أركانها. قال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة تحت قوله: الأمور التي لا بد منها في الصلاة وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الركنية كقوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وقوله صلى الله عليه وسلم: لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود، وما سمى الشارع الصلاة به فإنه تنبيه بليغ على كونه ركنا في الصلاة انتهى كلامه. والحديث بعمومه شامل لكل مصل منفرداً كان أو إماماً أو مأموماً. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأنس وأبي قتادة وعبد الله بن عمرو) أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم مرفوعاً بلفظ من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثاً غير تمام الحديث. وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد وابن ماجه والطحاوي والبيهقي في كتاب القراءة والبخاري في جزء القراءة بلفظ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج. وأما حديث أنس وأبي قتادة فلم أقف عليهما، وأما حديثهما في القراءة خلف الإمام فسيجيء تخريجهما في باب القراءة خلف الإمام. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه البيهقي في كتاب القراءة والبخاري في جزء القراءة مرفوعاً بلفظ: كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي مخدجة مخدجة مخدجة. وفي رواية فهي خداج. قوله: (حديث عبادة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة. قوله: (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين وغيرهم) كعبادة بن الصامت وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين (قالوا: لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) فعند هؤلاء قراءة الفاتحة في الصلاة فرض من فروضها وركن من أركانها، واستدلوا عليه بأحاديث الباب فإن حديث عبادة بلفظ: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، تنبيه بليغ على ركنية الفاتحة كما تقدم ورواه الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم بإسناد صحيح بلفظ: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب كما ذكره الحافظ في الفتح. فهذه الرواية نص صريح في ركنية الفاتحة لا يحتمل تأويلاً وحديث أبي هريرة وغيره بلفظ: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج أيضاً يدل على ركنيه الفاتحة في الصلاة. فإن معنى قوله خداج أي ناقصة نقص فساد وبطلان. قال الزمخشري في أساس البلاغة: ومن المجاز خدج الرجل فهو خادج إذا نقص عضو منه وأخدجه الله فهو مخدج وكان ذو الثدية مخدج اليد، وأخدج صلاته نقص بعض أركانها وصلاتي مخدجة وخادجة وخداج وصف بالمصدر انتهى. وقال الخطابي في معالم السنن: فهي خداج أي ناقصة نقص بطلان وفساد تقول العرب أخدجت الناقة إذا ألقت ولدها وهو دم لم يستبن خلقه فهي مخدج، والخداج إسم مبني منه. وقال البخاري في جزء القراءة: قال أبو عبيد أخدجت الناقة إذا أسقطت والسقط ميت لا ينتفع به انتهى. وقال الجزري في النهاية: الخداج النقصان يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته ناقص الخلق، وإن كان لتمام الحمل انتهى. وقال في المصباح المنير: قال أبو زيد خدجت الناقة وكل ذات خف وظلف وحافر إذا ألقت ولدها لغير تمام الحمل. وزاد ابن القوطية وإن تم خلقه وأخدجته بالألف ألقته ناقص الخلق انتهى. قلت: والمراد من القاء الناقة ولدها لغير تمام الحمل وإن تم خلقه إسقاطها والسقط ميت لا ينتفع به كما عرفت، فظهر من هذا كله أن قوله فهي خداج معناه ناقصة نقص فساد وبطلان، ويدل عليه ما رواه البيهقي في كتاب القراءة بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب. قلت فإن كنت خلف الإمام قال فأخذ بيدي وقال إقرأ في نفسك يا فارسي، قال البيهقي رواه ابن خزيمة الإمام عن محمد بن يحيى محتجاً به على أن قوله في سائر الروايات فهي خداج المراد به النقصان الذي لا تجزئ معه انتهى. فالحاصل أن استدلال أكثر أهل العلم وجمهورهم بأحاديث الباب على ركنية الفاتحة في الصلاة صحيح لا غبار عليه وقولهم هو الراجح المنصور، وقال الحنفية بأن قراءة الفاتحة في الصلاة ليست بفرض، وأجابوا عن حديث عبادة بأن النفي في قوله: لا صلاة للكمال. ورد هذا الجواب بوجهين الأول أن رواية ابن خزيمة وغيره بلفظ: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب تبطل تأويلهم هذا إبطالا صريحاً وهذه الرواية صحيحة صرح بصحتها أئمة الفن قال الحافظ في التلخيص: ورواه يعني حديث عبادة الدارقطني بلفظ: لا تجزئ صلاة إلا أن يقرأ الرجل فيها بأم القرآن، وصححه ابن القطان انتهى. وقال القاري في المرقاة نقلاً عن ابن حجر المكي. ومنها خبر ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في صحاحهم بإسناد صحيح: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ورواه الدارقطني بإسناد حسن وقال النووي: رواته كلهم ثقات انتهى والثاني أن النفي في قوله: لا صلاة إما أن يرد به نفي الحقيقة أو نفي الصحة أو نفي الكمال فالأول حقيقة والثاني والثالث مجاز والثاني أعني نفي الصحة أقرب المجازين إلى الحقيقة والثالث أعني نفي الكمال أبعدهما فحمل النفي على الحقيقة واجب إن أمكن وإلا فحمله على أقرب الماجزين واجب ومتعين، ومع إمكان الحقيقة أو أقرب المجازين لا يجوز حمله على أبعد المجازين. قال الشوكاني في النيل والحديث يعني حديث عبادة يدل على تعين الفاتحة في الصلاة وأنه لا يجزئ غيرها وإليه ذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم لأن النفي المذكور في الحديث يتوجه إلى الذات إن أمكن انتفاؤها وإلا توجه إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة لا إلى الكمال، لأن الصحة أقرب المجازين والكمال أبعدهما والحمل على أقرب المجازين واجب. وتوجه النفي ههنا إلى الذات ممكن كما قال الحافظ في الفتح لأن المراد بالصلاة معناها الشرعي لا اللغوي لما تقرر من أن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه لكونه بعث لتعريف الشرعيات لا لتعريف الموضوعات اللغوية، وإذا كان المنفى الصلاة الشرعية استقام نفي الذات لأن المركب كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ينتفي بانتفاء بعضها فلا يحتاج إلى إضمار الصحة ولا الإجزاء ولا الكمال كما روى عن جماعة لأنه إمنا يحتاج إليه عند الضرورة وهي عدم إمكان انتفاء الذات. ولو سلم أن المراد ههنا الصلاة اللغوية فلا يمكن توجه النفي إلى الذات لأنها قد وجدت في الخارج كما قاله البعض، لكان المتعين توجيه النفي إلى الصحة أو الإجزاء لا إلى الكمال ما أولا فلما ذكرنا من أن ذلك أقرب المجازين وأما ثانيا فلرواية الدارقطني المذكورة في الحديث فإنها مصرحة بالإجزاء فتعين تقديره انتهى كلام الشوكاني وقال الحافظ في الفتح إن سلمنا تعذر على الحقيقة، فالحمل على أقرب المجازين إلى الحقيقة أولى من الحمل على أبعدهما، ونفي الإجزاء أقرب إلى نفي الحقيقة وهو السابق إلى الفهم ولأنه يستلزم نفي الكمال من غير عكس فيكون أولى، ويؤيده رواية الاسماعيلي من طريق العباس بن الوليد النرسي أحد شيوخ البخاري عن سفيان بهذا الإسناد بلفظ لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وتابعه على ذلك زياد بن أيوب أحد الأثبات أخرجه الدارقطني وله شاهد من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً بهذا اللفظ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما ولأحمد من طريق عبد الله بن سوادة القشيري عن رجل عن أبيه مرفوعاً: لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن انتهى كلام الحافظ وأجاب الحنفية عن حديث أبي هريرة المذكور بأن لفظ الخداج يدل على النقصان لا على البطلان لأنه وقع مثل هذا في ترك الدعاء بعد الصلاة في حديث فضل بن عباس ورد بأنه يدل على أن من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فصلاته ناقصة نقص بطلان وفساد وقد عرفت بيانه ولم يقع لفظ الخداج في حديث فضل بن عباس على ترك الدعاء بعد الصلاة فقط بل على ترك مجموع ما ذكر في هذا الحديث ولفظه هكذا: الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن ثم تقنع يديك يقول ترفعهما إلى ربك مستقبلاً. تنبيه: إعلم أن مذهب الحنفية، أن قراءة الفاتحة ليست بفرض بل هي واجبة قالوا الفرض عندنا مطلق القراءة لقوله تعالى: فاقرأوا ما تيسر من القرآن وتقييده بالحديث زيادة على الكتاب وذا لا يجوز فعملنا بالكتاب والحديث. فقلنا إن مطلق القرآن فرض وقراءة الفاتحة واجب. قلت: إثبات فرضية مطلق القرآن بهذه الاَية مبني على أن المراد من قوله تعالى: فاقرأوا قراءة القرآن بعينها وهو ليس بمتفق عليه بل فيه قولان قال الرازي في تفسيره فيه قولان الأول أن المراد من هذه القراءة الصلاة أي فصلوا ما تيسر عليكم. القول الثاني: أن المراد من قوله: {فاقرأوا ما تيسر من القرآن} قراءة القرآن بعينها انتهى. وهكذا في عامة كتب التفسير والقول الثاني فيه بعد عن مقتضى السياق قال الشيخ الألوسي البغدادي في تفسيره المسمى بروح المعاني: أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل. عبر عن الصلاة بالقراءة كما عبر عنها بسائر أركانها. وقيل الكلام على حقيقته من طلب قراءة القرآن بعينها. وفيه بعد عن مقتضى السياق انتهى كلامه. فلما ظهر أن في قوله تعالى {فاقرأوا} القولين المذكورين وأن القول الثاني فيه بعد لاح لك أن الاستدلال به على فرضية مطلق القراءة غير صحيح ولو سلمنا أن المراد هو القول الثاني: أعني قراءة القرآن بعينها فحديث الباب مشهور بل متواتر قال الإمام البخاري في جزء القراءة تواتر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا بقراءة أم القرآن" انتهى والزيادة بالحديث المشهور جائز عند الحنفية على أن قوله تعالى {فاقرأوا ما تيسر من القرآن} عام مخصوص منه البعض فهو ظني فلا يدل على فرضية مطلق القراءة ويجوز تخصيصه ولو بالاحاديث قال الملاجيون في تفسيره ثم أقل القراءة فرضا عندنا آية واحدة طويلة كآية الكرسي وغيرها، أو ثلاث آيات قصيرة كمدهامتان، وهذا هو الأصح وقيل إنه واحدة طويلة كانت أو قصيرة، وذلك مما لا يعتد به ينادي عليه كتب الفقه وعلى كل تقدير يكون ما دون الاَية مخصوصاً من هذا العام، فيكون العام ظنياً فينبغي أن لا يدل على فرضية القراءة وأن يعارضه الحديث حجة للشافعي انتهى كلامه. وأما ما قيل من أن الاَية لا يسمى قراءة القرآن عرفا والعرف قاض على الحقيقة اللغوية فهذه دعوى لا دليل عليها ويلزم منهالا أن يكون "مدهامتان" التي هي كلمة واحدة قراءة القرآن ولا يكون أكثر آية المداينة التي هي كلمات كثيرة قراءة القرآن وهذا كما ترى، وأيضاً يلزم منه أنه لو قرأ أحد نصف آية المداينة في الصلاة لا تجوز. وعامة الحنفية على جوازها. قال في فتح القدير. ولو قرأ نصف آية المداينة قيل لا يجوز لعدم تمام الاَية وعامتهم على الجواز انتهى. فإن قلت قوله صلى الله عليه وسلم حين تعليم المسيء صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" رواه البخاري يدل على عدم فرضية الفاتحة إذ لو كانت فرضا لأمره لأن المقام مقام التعليم فلا يجوز تأخير البيان عنه. قلت: قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءة الفاتحة فأخرج أبو داود في سننه من حديث رفاعة بن رافع مرفوعاً "وإذا قمت فتوجهت فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ" وأجاب الخطابي عن هذا بأن قوله "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" ظاهر الإطلاق التخيير لكن المراد به فاتحة الكتاب بدليل حديث عبادة وهو كقوله تعالى {فما استيسر من الهدى} ثم عينت السنة المراد. والحاصل أن قراءة الفاتحة في الصلوات فرض من فروضها ولم يقم دليل صحيح على ما ذهب إليه الحنفية. هذا ما عندي والله تعالى أعلم.
التأمين مصدر أمن أي قال آمين وهي بالمد والتخفيف في جميع الروايات وعن جميع القراء وحكى الواحدي عن حمزة والكسائي الإمالة، وفيها ثلاث لغات أخرى شاذة: القصر أي أمين، والتشديد مع المد والقصر أي آمين وأمين وخطأ الأخريين جماعة وأما الأولى منها فحكاها ثعلب وأنشد لها شاهداً. وأنكرها ابن درستويه وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر ومعنى آمين: اللهم استجب، عند الجمهور وقيل غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى، وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة بإسناد ضعيف وعند أبي داود من حديث أبي زهير النميري الصحابي أن آمين مثل الطابع على الصحيفة ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "إن ختم بآمين فقد أوجب". قوله: (حدثنا بندار) بضم الموحدة وسكون النون لقب محمد بن بشار بن عثمان العبدي أحد أوعية السنة قال الذهبي انعقد الإجماع على الاحتجاج ببندار نا (يحيى بن سعيد) القطان أحد أئمة الجرح والتعديل (قالا نا سفيان) هو الثوري (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي الكوفي، قال الحافظ ثقة، وقال الخزرجي وثقه أحمد والعجلي. واعلم أن سلمة هذا وكله بفتح اللام، إلا عمرو بن سلمة إمام قومه وبني سلمة القبيلة من الانصار فبكسرها وفي عبد الخالق بن سلمة الوجهان (عن حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم (بن عنبس) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة، الحضرمي صدوق من كبار التابعين قاله الحافظ وقال الخزرجي وثقه ابن معين (عن وائل بن حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم، ابن سعد بن مسروق الحضرمي صحابي جليل وكان من ملوك اليمن ثم سكن الكوفة ومات في ولاية معاوية رضي الله عنه 246- حدثنا بُنْدَارٌ (محمد بن بشار) حدثنا يَحْيى بنُ سعِيدٍ و عبدُ الرحمنِ بنُ مَهدِي قالا: حدثنا سفيانُ عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ عن حُجْرِ بنِ عَنْبَسٍ عن وائل بنِ حُجْرٍ قال: "سمعتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {غَيْرِ المغضوبِ عليهِمْ ولاَ الضالين}. فقال آمين، ومَدّ بها صَوْتَه". (قال): وفي الباب عن علي وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديثُ وائِلِ بن حُجْرٍ حديثٌ حسَنٌ، وبه يقولُ غيرُ واحدٍ مِنْ أهلِ العلم مِنْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابعين ومَن بعدَهم: يَرَوْنَ أنّ الرّجل يَرْفعَ صوتَه بالتأْمين ولاَ يُخْفِيهَا. وبه يقول الشافعيّ وأحمدُ وإسحاقُ. وَرَوَى شعبةُ هذا الحديثَ عن سلمةَ بن كُهَيْلٍ عن حُجْرٍ أبِي العَنْبَسِ عن عَلْقَمَةَ بنِ وَائِلٍ عن أبيه "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {غير المغضوبِ عليهم ولاَ الضالين} فقال: آمين، وَخَفَضَ بها صَوْتَهُ". (قال أبو عيسى): (و) سمعت محمداً يقول: حديثُ سفيانَ أصحّ من حديثِ شعبةَ في هذا، وأخطأ شعبةُ في مواضعَ مِنْ هذا الحديثِ فقال عن حُجْرِ أبي العَنْبَسِ وَإنما هو حُجْرُ بنُ عَنْبَس ويُكَنّى أبَا السّكنِ. وَزَادَ فيه عن عَلْقَمَةَ بنِ وَائِلٍ، وليس فيه علقمةَ. وإنّما هُوَ عن حُجْر بنُ عَنْبَسٍ عَنَ وَائِلِ بنِ حُجْرٍ وَقَالَ: وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَه وَإِنما هُوَ مَدّ و بِهَا صَوْتَهُ. (قال أبو عيسى): وَسَأَلْتُ أبَا زُرْعَةَ عن هذا الحديثِ فَقَالَ: حَدِيثُ سُفْيَانَ فِي هَذَا أصَحّ من حديث شعبة كما نقل. رَوَى العَلاَءُ بنُ صَالحٍ الأسَدِيّ عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ نَحوَ رِوَايَةِ سُفْيَانَ. 247- قال أبو عيسى: حَدّثَنَا أبُو بكرٍ مُحَمّدُ بنُ أبَانَ حَدّثَنَا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ حدثنا العَلاَء بن صَالِحٍ الأسديّ عن سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عَن حُجْرِ بنِ عَنْبَسٍ عن وَائِلِ بن حُجْرٍ عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ. قوله: (وقال آمين) فيه دليل على أن الإمام يقول آمين وهذا موضع اختلف فيه العلماء فروى ابن القاسم عن مالك أن الإمام لا يقول آمين وإنما يقول ذلك من خلفه وهو قول المصريين من أصحاب مالك وقال جمهور أهل العلم يقولها الإمام كما يقول المنفرد وهو قول مالك في رواية المدنيين، وحجتهم أن ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة ووائل بن حجر وحديث بلال: لا تسبقني بآمين. كذا في الاستذكار قلت عن أبي حنيفة أيضاً في ذلك قولان: أحدهما أنه يؤمن من خلف الإمام ولا يؤمن الامام ذكره محمد في الموطأ والثاني كقول الجمهور ذكره محمد في الآثار ولا شك في أن قول الجمهور هو الحق. (ومد بها صوته) أي رفع بها صوته وجهر. ورواه أبو داود بإسناد صحيح بلفظ فجهر بآمين ورواه أيضاً بإسناد صحيح بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته فظهر أن المراد من قوله ومد بها صوته وجهر بها ورفع صوته بها فإن الروايات يفسر بعضها بعضاً. قال الحافظ في التلخيص: احتج الرافعي بحديث وائل الذي بلفظ مد بها صوته على استحباب الجهر بآمين وقال في أماليه: يجوز حمله على أنه تكلم لغة المد، دون القصر من جهة اللفظ ولكن رواية من قال رفع بها صوته تبعد هذا الاحتمال، ولهذا قال الترمذي عقبه: وبه يقول غير واحد يرون أنه يرفع صوته انتهى. وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات قوله "مد بها صوته أي بكلمة آمين يحتمل الجهر بها ويحتمل مد الألف على اللغة الفصيحة والظاهر هو الأول بقرينة الروايات الأخر، ففي بعضها يرفع صوته وهذا صريح في معنى الجهر وفي رواية ابن ماجه حتى يسمعها الصف الأول فيرتج بها المسجد وفي بعضها يسمعها من كان في الصف الأول، رواه أبو داود وابن ماجه. انتهى كلام الشيخ. قلت: قول من قال أن قوله مد بها صوته يجوز حمله على أنه تكلم على لغة المد دون القصر غير صحيح ولا يجوز حمله على هذا البتة لما عرفت، ولأن هذا اللفظ لا يطلق إلا على رفع الصوت والجهر كما لا يخفى على من تتبع مظان استعمال هذا اللفظ ونحن نذكر ههنا بعضها روى البخاري في صحيحه عن البراء قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، وفيه يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدنا. ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا. إن الألى قد بغوا علينا. وإن أرادوا فتنة أبينا. قال يمد صوته بآخرها انتهى وروى الترمذي عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أسلم وغفار ومزينة خير من تميم وأسد وغطفان وبنى عامر بن صعصعة يمد بها صوته فقال القوم قد خابوا وخسروا قال فهم خير منهم. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وروى أبو داود وغيره حديث أبي مخدورة في الترجيع بلفظ "ثم ارجع فمد من صوتك" فلفظ يمد صوته بآخرها في الأول ويمد بها صوته في الثاني "وفمد من صوتك" في الثالث لم يطلق إلا على رفع الصوت وكذلك إذا تتبعت هذا اللفظ أعني لفظ المد مع الصوت في مظان استعماله لا تجد إلا في معنى رفع الصوت، فقول من قال إن قوله مد بها صوته في حديث الباب يجوز حمله على أنه تكلم على لغة المد ليس مما يلتفت إليه والحديث حجة قوية لمن قال بسنية الجهر بالتأمين ورفع الصوت به وهو القول الراجح المعول عليه. قوله: (وفي الباب عن علي وأبي هريرة) وفي الباب أيضاً عن أم الحصين. أما حديث علي فأخرجه الحاكم بلفظ قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين" وأخرج أيضاً عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ ولا الضالين رفع صوته بآمين. كذا في إعلام الموقعين. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني والحاكم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين. قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث، قال الدارقطني إسناده حسن والحاكم صحيح على شرطهما والبيهقي حسن صحيح انتهى. وذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية وسكت عنه وقال الحافظ بن القيم في إعلام الموقعين رواه الحاكم بإسناد صحيح انتهى. ولأبي هريرة حديث آخر في الجهر بالتأمين رواه النسائي عن نعيم المجمر، قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين، فقال الناس آمين. الحديث وفي آخره قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده صحيح وأما حديث أم الحصين فأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده قال: أخبرنا النضر بن شميل ثنا هارون بن الأعور عن إسماعيل بن مسلم عن أبي إسحاق عن ابن أم الحصين عن أمه أنها صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال ولا الضالين قال آمين، فسمعته وهي في صف النساء ذكره الحافظ بن حجر والحافظ الزيلعي في تخريجهما للهداية وسكتا عنه وذكر هذا الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد وقال بعد ذكره رواه الطبراني في الكبير وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف انتهى. قوله: (حديث وائل بن حجر حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجه قال الحافظ في التلخيص سنده صحيح وصححه الدارقطني وأعله ابن القطان بحجر بن عنبس وأنه لا يعرف وأخطأ في ذلك بل هو ثقة معروف قيل له صحبة ووثقه يحيى بن معين وغيره انتهى قلت وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره وقد اعترف غير واحد من العلماء الحنفية بأن حديث وائل بن حجر هذا صحيح كالشيخ عبد الحق الدهلوي في ترجمة المشكاة وأبي الطيب المدني في شرح الترمذي وابن التركماني في الجوهر النقي وغيرهم. وقال الفاضل اللكنوي في السعاية لقد طفنا كما طفتم سنينا بهذا البيت طرا جميعنا فوجدنا بعد التأمل والإمعان أن القول بالجهر بآمين هو الأصح لكونه مطابقاً لما روى عن سيد بني عدنان ورواية الخفض عنه صلى الله عليه وسلم ضعيفة لا توازي روايات الجهر وأي ضرورة داعية إلى حمل روايات الجهر على بعض الأحيان أو الجهر للتعليم مع عدم ورود شيء من ذلك في رواية، والقول بأنه كان في ابتداء الأمر أضعف لأن الحاكم قد صححه من رواية وائل بن حجر وهو إنما أسلم في أواخر الأمر كما ذكره ابن حجر في فتح الباري وقال في التعليق الممجد: الإنصاف أن الجهر قوي من حيث الدليل انتهى. قوله: (وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين ولا يخفيها) وقال البخاري في صحيحه: أمن ابن الزبير ومن معه حتى إن للمسجد للجة انتهى. قال العيني وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قلت له أكان ابن الزبير يؤمن على أثر أم القرآن قال نعم ويؤمن من وراءه حتى أن للمسجد للجة، ثم قال إنما آمين دعاء، ورواه الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال: كنت أسمع الأئمة ابن الزبير ومن بعدهم يقولون آمين ويقول من خلفه آمين حتى إن للمسجد للجة. وفي المصنف حدثنا ابن عيينة قال لعله ابن جريج عن عطاء بن الزبير قال كان للمسجد رجة أو قال لجة إذا قال الإمام ولا الضالين وروى البيهقي عن خالد بن أيوب عن عطاء قال: أدركت مائتين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين سمعت لهم رجة بآمين انتهى. وكذلك ذكر الحافظ في الفتح رواية عبد الرزاق ورواية البيهقي. قلت: وكذلك قد ثبت جهر الصحابة والتابعين بالتأمين خلف أبي هريرة تقدم ولم يثبت من أحد من الصحابة الإسرار بالتأمين بالسند الصحيح، ولم يثبت عن أحد منهم الإنكار على من جهر بالتأمين فقد ثبت إجماع الصحابة رضي الله عنهم على الجهر بالتأمين على طريق الحنفية، فإنهم قالوا إن ابن الزبير أفتى في زنجي وقع في بئر زمزم بنزح مائها وذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعاً فكذلك يقال إن ابن الزبير أمن بالجهر في المسجد بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد، بل وافقوه وجهروا معه بآمين حتى كان للمسجد للجة، فكان إجماع الصحابة على الجهر بالتأمين (وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ بن القيم: سئل الشافعي عن الإمام هل يرفع صوته بآمين قال نعم ويرفع بها من خلفه أصواتهم إلى أن قال: ولم يزل أهل العلم عليه انتهى وهذا القول أعني الجهر بالتأمين للإمام ولمن خلفه هو الراجح القوي يدل عليه أحاديث الباب. وقال الحنفية بالإسرار بالتأمين والإخفاء به، واستدلوا على ذلك بحديث وائل الذي ذكره الترمذي بعد هذا بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين وخفض بها صوته. وهو حديث لا يصلح للاحتجاج كما ستعرف واستدل بعضهم بحديث سمرة ابن جندب أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الأظهر أن السكتة الثانية كانت للتأمين سراً. والجواب: أن السكتة الثانية لم تكن للتأمين سراً لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر صوته بالتأمين، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم الإسرار بالتأمين فكيف يقال إنها كان للتأمين سرا، بل السكتة الثانية كانت لأن يتراد إليه نفسه كما صرح به قتادة في بعض رواياته. واستدلوا أيضاً بأثر عمر وعلي رضي الله عنهما: روى الطحاوي عن أبي وائل قال كان عمر وعلي لا يجهران ببسم الله الرحمن الرحيم ولا بالتعوذ ولا بآمين. والجواب: أن هذا الأثر ضعيف جداً فإن في سنده سعيد بن المرذبان البقال قال الذهبي في الميزان: تركه الفلاس وقال ابن معين لا يكتب حديثه وقال البخاري منكر الحديث انتهى وقال الذهبي في ترجمة أبان بن جبلة الكوفي: نقل ابن القطان أن البخاري قال كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه انتهى. واستدلوا أيضاً بقول ابراهيم النخعي: خمس يخفيهن الإمام سبحانك اللهم وبحمدك والتعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وآمين، واللهم ربنا لك الحمد رواه عبد الرزاق. والجواب: أن قول ابراهيم النخعي هذا مخالف للأحاديث المرفوعة الصحيحة فلا يلتفت إليه. قال الفاضل اللكنوي في السعاية: أما أثر النخعي ونحوه فلا يوازي الروايات المرفوعة انتهى. قوله: (وروى شعبة هذا الحديث عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة ابن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين وخفض بها صوته) فخالف شعبة سفيان الثوري في رواية هذا الحديث في ثلاثة مواضع كما بينه الترمذي بعد بقوله: وأخطأ شعبة في مواضع الخ (سمعت محمداً يقول حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا) أراد بقوله أصح الصحيح، والمعنى أن حديث سفيان صحيح وحديث شعبة ليس بصحيح، فإنه أخطأ فيه في مواضع (وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث) أي في ثلاثة مواضع منه (فقال) أي شعبة (عن حجر أبي العنبس وإنما هو حجر بن العنبس) كما في رواية سفيان (ويكنى) أي حجر بن العنبس (أبا السكن) أي ليس كنيته أبا العنبس بل كنيته أبو السكن وهذا هو الموضع الأول من خطأ شعبة (وزاد فيه عن علقمة بن وائل) أي زاد بين حجر ووائل علقمة بن وائل (وليس فيه عن علقمة) كما في رواية سفيان، وهذا هو الموضع الثاني من خطأ شعبة. فإن قيل: سفيان وشعبة كلاهما ثقتان حافظان، فلم نسب الخطأ في هذين الموضعين إلى شعبة ولم ينسب إلى سفيان؟ قلنا: نسب الخطأ إلى شعبة دون سفيان لأربعة وجوه الأول: أن شعبة كان يخطئ في الرجال كثيراً، وأما سفيان فلم يكن يخطئ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة شعبة: ثقة ثبت في الحديث، وكان يخطئ في أسماء الرجال قليلاً، وكذلك نقل الحافظ عن أبي داود ثم قال بعد عدة أسطر: وأما ما تقدم من أنه كان يخطئ في الأسماء فقد قال الدارقطني في العلل: كان شعبة يخطئ في أسماء الرجال كثيرا لتشاغله بحفظ المتون انتهى كلام الحافظ. وقد ذكر الترمذي خطأ شعبة في مواضع من جامعه فمنها في باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان. قال الترمذي: وروى شعبة هذا الحديث يعني حديث علي عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال مالك بن عرفطة قال والصحيح خالد بن علقمة. ومنها في باب ما جاء في التخشع في الصلاة، قال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: روى شعبة هذا الحديث يعني حديث الفضل بن عباس عن عبد ربه بن سعيد فأخطأ في مواضع، فقال عن أنس بن أبي أنيس وهو عمران بن أبي أنس، وقال عن عبد الله بن الحارث وإنما هو عبد الله بن نافع بن العميا عن ربيعة بن الحارث، وقال شعبة عن عبد الله بن الحارث عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو عن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد: وحديث الليث بن سعد أصح من حديث شعبة انتهى. ومنها في باب كراهية الطواف عريانا حدثنا ابن عمر ونصر بن علي قالا نا سفيان عن أبي إسحاق نحوه يعني نحو الحديث المذكور وقالا زيد بن يثيع وهذا أصح وشعبة وهم فيه فقال زيد بن أثيل انتهى. والوجه الثاني: أن شعبة كان شاكا يشك كثيراً في الأسانيد والمتون، وأما شعبة فلم يكن شاكا. والوجه الثالث: أن شعبة وسفيان في أنهما ثقتان حافظان، لكن سفيان أحفظ من شعبة كما ستقف على هذا. والوجه الرابع: أن شعبة قد تفرد بما قال في روايته في هذين الموضعين، ولم يتابعه على ذلك أحد، وأما سفيان فلم يتفرد بما قال في روايته فيهما، بل تابعه على ذلك العلاء بن صالح، وعلي بن صالح، ومحمد بن سلمة فبهذه الوجوه قد نسب الخطأ إلى شعبة ولم ينسب إلى سفيان. فإن قيل: قد أجاب العيني في شرح البخاري عما نسب إليه الترمذي من الخطأ الأول حيث قال قوله هو حجر بن العنبس وليس بأبي العنبس، ليس كما قاله، بل هو أبو العنبس حجر بن العنبس وجزم به ابن حبان في الثقات فقال كنيته كاسم أبيه، وقول محمد: يكنى أبا السكن لا ينافي أن تكون كنيته أيضاً أبا العنبس لأنه لا مانع أن يكون لشخص كنيتان انتهى. قلنا لم يثبت من كتب الرجال والتراجم أن كنية حجر بن العنبس أبو العنبس أيضاً وأن له كنيتان، ولم يصرح به أحد من أئمة الفن غير ابن حبان مع أنه يحتمل أن يكون مبنى قوله هو رواية شعبة فالظاهر أنه خطأ شعبة كما نص عليه الإمام البخاري والحافظ أبو زرعة والله أعلم. فإن قيل: قد تابع سفيان شعبة في أبي العنبس. أخرج أبو داود حدثنا محمد بن كثير نا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس الحضرمي الحديث وأخرج الدارقطني في سننه حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا وكيع والمحاربي قالا حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس وهو ابن العنبس الحديث فثبت أن شعبة ليس متفرداً بأبي العنبس، بل ذكره محمد بن كثير ووكيع والمحاربي عن سفيان الثوري أيضاً. قلنا: كل من قال في روايته عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحجر أبي العنبس فروايته غير محفوظة أما رواية محمد بن كثير فإنه قد خالف في ذكر حجر أبي العنبس يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي فإنهما قالا في روايتهما حجر بن العنبس كما في رواية الترمذي المذكورة، وهما أحفظ وأتقن من محمد بن كثير وأما رواية وكيع والمحاربي فقد تفرد بها عبد الله بن سعيد الكندي. وقد خالف في ذكر حجر أبي العنبس أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان ويعقوب الدورقي، فإن هؤلاء الثقات الحفاظ قالوا في رواياتهم: حجر بن العنبس قال أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا وكيع ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ولا الضالين فقال آمين يمد بها صوته. وقال الدارقطني في سننه حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا أحمد بن سنان ح وحدثنا أبو محمد بن صاعد ثنا يعقوب الدورقي قالا: نا عبد الرحمن عن سفيان عن سلمة عن حجر بن عنبس قال سمعت وائل بن حجر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين، ومد بها صوته. قلت: الظاهر أن عبد الرحمن هذا هو المحاربي ففي كون لفظ أبي العنبس في رواية سفيان محفوظاً كلام. فإن قيل: قد أجاب العيني أيضاً عما نسب الترمذي إلى شعبة من خطئه الثاني حيث قال: وقوله وزاد فيه علقمة لا يضر، لأن زيادة الثقة مقبولة لا سيما من مثل شعبة انتهى. قلنا: قد عرفت آنفاً أن شعبة كان يخطئ كثيراً في الرجال وأنه قد تفرد بهذه الزيادة ولم يتابعه عليها أحد لا ثقة ولا ضعيف وقد خالف في ذكر هذه الزيادة سفيان والعلاء بن صالح وعلي بن الصالح ومحمد بن مسلمة، فإن هؤلاء لم يذكروا في رواياتهم هذه الزيادة وستعرف أن سفيان أحفظ من شعبة وأنه قد تقرر أن شعبة إذا خالف سفيان فالقول قول سفيان ومع هذا كله قد نص الإمام البخاري رحمه الله تعالى على أن شعبة أخطأ في هذه الزيادة فالظاهر أن شعبة أخطأ في هذه الزيادة والله تعالى أعلم (وقال خفض بها صوته وإنما هو مد بها صوته) هذا هو الموضع الثالث من المواضع التي أخطأ فيها شعبة فقول شعبة فيه: وخفض بها صوته خطأ والصواب مد بها صوته كما رواه سفيان. فإن قيل إن سفيان وشعبة كليهما ثقتان ثبتان أمير المؤمنين في الحديث وليس أحد منهما أحق بالخطأ من الاَخر، فلقائل أن يقول إن سفيان هو الذي أخطأ في قوله: "ومد بها صوته" فأي دليل على أن المخطئ هو شعبة. قلنا: إن هنا أدلة عديدة على أن المخطئ هو شعبة فمنها أن سفيان وشعبة وإن كانا ثقتين حافظين لكنهما ليس بمتساويين في الحفظ، بل سفيان أحفظ من شعبة وقد نص على هذه شعبة نفسه. قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ كان شعبة يقول سفيان أحفظ مني انتهى. وقال الترمذي في باب ما جاء ص424 في تعليم القرآن قال علي بن عبد الله قال يحيى بن سعيد: ما أحد يعدل عندي شعبة وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان سمعت أبا عمار يذكر عن وكيع قال شعبة: سفيان أحفظ مني وما حدثني سفيان عن أحد بشيء فسألته إلا وجدته كما حدثني إنتهي وبطل بهذا قول من قال إن شعبة جعل سفيان أحفظ من نفسه هضما لنفسه وقد صرح أئمة الحديث بأن سفيان أحفظ من شعبة قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ: قال صالح جزرة سفيان أحفظ من شعبة يبلغ حديثه ثلاثين ألف وحديث شعبة نحو عشرة آلاف إنتهى. وقال الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة سفيان: قال أبو حاتم وأبو زرعة وابن معين هو أحفظ من شعبة انتهى. ومنها أنه قد تقرر أن شعبة إذا خالف سفيان فالقول قول سفيان. قال الزيلعي في نصب الراية نقلاً عن البهيقي: قال يحيى القطان ويحيى بن معين: إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان انتهى. ولذلك رجح الترمذي حديث سفيان على حديث شعبة لما اختلفا في سند حديث: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. حيث زاد شعبة فيه رجلاً ولم يزده سفيان قال الترمذي في جامعه: كان حديث سفيان أشبه. قال علي بن عبد الله قال يحيى بن سعيد: ما عندي أحد يعدل شعبة وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان إلى آخر ما نقلت عن الترمذي آنفاً ولذلك رجح أبو داود حديث سفيان على حديث شعبة لما اختلفا في حديث اشتراء سراويل حيث قال سفيان فيه وثم رجل يزن بالأجر ولم يقل شعبة يزن بالأجر قال أبو داود في سننه رواه قيس كما قال سفيان والقول قول سفيان حدثنا أحمد بن حنبل ثنا وكيع عن شعبة قال كان سفيان أحفظ مني انتهى كلام أبي داود. تنبيه: كلام الترمذي وكلام أبي داود هذان يدلان على أن المراد بالمخالفة في قول يحيى القطان ويحيى بن معين إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان المخالفة في الرواية، فبطل قول من قال إن المراد بالمخالفة في الفقه والدراية. ومنها أن شعبة لم يتابعه أحد في قوله: وخفض بها صوته لا ثقة ولا ضعيف. وأما سفيان فقد تابعه في قوله مد بها صوته ثلاثة: أحدهم العلاء بن صالح، فإنه قد روى هذا الحديث عن سلمة بن كهيل نحو حديث سفيان كما ذكره الترمذي في هذا الباب والعلاء بن صالح ثقة والثاني علي بن صالح قال أبو داود في سننه حدثنا مخلد بن خالد الشعيري حدثنا ابن نميرنا علي بن صالح عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجهر بآمين الحديث، وعلي بن صالح أيضاً ثقة. والثالث محمد بن سلمة قال الدارقطني بعد رواية حديث شعبة ما لفظه: هكذا قال شعبة وأخفى بها صوته ويقال إنه وهم لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة وغيرهما رووه عن سلمة بن كهيل فقالوا ورفع بها صوته انتهى. ومحمد بن سلمة ضعيف فتابع سفيان ثقتان وضعيف ولم يتابع شعبة أحد لا ثقة ولا ضعيف. ومنها أن سفيان لم يرو عند خلاف المد بالصوت والرفع والجهر لا بسند صحيح ولا بسند ضعيف وأما شعبة فروى عنه خلاف الخفض والإخفاء، فروى عنه موافقاً لحديث سفيان في السند والمتن قال الزيلعي في نصب الراية: وطعن صاحب التنقيح في حديث شعبة هذا بأنه قد روى عنه خلافه كما أخرجه البيهقي في سننه عن ابن الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت حجراً أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال ولا الضالين قال آمين رافعاً بها صوته قال فهذه الدراية توافق رواية سفيان وقال البيهقي في المعرفة: إسناد هذه الرواية صحيح انتهى. قلت: وقال البيهقي فيحتمل أن يكون تنبه لذلك فعاد إلى الصواب في متنه وترك ذكر علقمة في إسناده: انتهى كلام البيهقي فهذه الأدلة بمجموعها تدل على أن المخطئ هو شعبة، ولذلك جزم الإمام البخاري والحافظ أبو زرعة الرازي بخطأ شعبة وقال البيهقي قد أجمع البخاري وغيره من الحفاظ على أن شعبة أخطأ في هذا الحديث، فقد روى من أوجه فجهر بها انتهى. وقال الحافظ في التلخيص: وقد رجحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة، ولذلك جزم النقاد بأن حديث سفيان أصح وأرجح من حديث شعبة انتهى. قلت: فإذا ثبت أن حديث سفيان بلفظ: مد بها صوته هو الصواب وأن حديث شعبة بلفظ: وخفض بها صوته خطأ. ظهر لك أن القول برفع الصوت بالتأمين والجهر به هو الراجح القوي المعول عليه.
وأجاب الحنفية عن أحاديث الجهر بالتأمين واعتذروا عن العمل بها، بما لا ينبغي الالتفات إليها. فقال بعضهم قال عطاء آمين دعاء، وقد قال الله تعالى (أدعوا ربكم تضرعاً وخفية) انتهى. قلت: تقرير استدلال هذا البعض على الشكل الأول هكذا آمين دعاء، وكل دعاء لا بد أن يخفي به لقوله تعالى (ادعو ربكم تضرعاً وخفية) فآمين لا بد أن يخفي بها ولا شك في أنه لو ثبت صحة الصغرى وكلية الكبرى صحت هذه النتيجة، لكن في صحة الصغرى نظرا فإنا لا نسلم أن آمين دعاء بل نقول إنها كالطابع والخاتم للدعاء كما عند أبي داود من حديث أبي زهير النميري الصحابي أن آمين مثل الطابع على الصحيفة، ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم إن ختم بآمين فقد أوجب. ولو سلمنا أن آمين دعاء فنقول إنها ليست بدعاء مستقل بالاصالة بل هي من توابع الدعاء، ولذلك لا يدعي بآمين وحدها، بل يدعي بدعاء أولا ثم تقال هي عقيبة فالظاهر أن يكون الجهر بها والاخفاء بها تابعاً لأصل الدعاء إن جهرا فجهراً، وإن سراً فسراً ولو سلمنا أن آمين دعاء بالأصالة فلا نسلم كلية الكبرى، ألا ترى أن اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم الخ دعاء ويقرأ في الصلاة الجهرية بالجهر، وكذلك كثير من الأدعية قد ثبت الجهر بها فهذا الاستدلال مما لا يصغي إليه. وقال بعضهم: إن الجهر كان أحياناً للتعليم، كما جهر عمر بن الخطاب بالثناء على الافتتاح كذلك كان الجهر بالتأمين تعليماً. قلت: القول بأن جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين كان للتعليم، سخيف جداً فإنه ادعاء محض لا دليل عليه، ويدل على سخافته أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجهرون خلف الإمام حتى كان للمسجد رجة، فلو كان جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين للتعليم لم يجهروا بالتأمين خلف إمامهم وأيضاً لو كان جهره به للتعليم كان أحياناً لا على الدوام وقد روى أبو داود وغيره بلفظ "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم على الجهر. فإن قلت أخرج الدولابي في كتاب الأسماء والكنى: حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال حدثنا الحسن بن عطية قال أنبأنا يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي سكن حجر بن عنبس الثقفي قال سمعت وائل بن حجر الحضرمي يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه "وقرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين يمد بها صوته ما أراد إلا يعلمنا" فقوله ما أراد إلا يعلمنا في هذه الرواية يدل على أن جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين كان للتعليم. قلت: قد تفرد بزيادة قوله ما أراد إلا يعلمنا يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهو متروك، قال الحافظ في التقريب في ترجمته متروك وكان شيعياً انتهى. وقد روى حديث وائل ابن حجر هذا من طرق كثيرة وليس في واحد منها هذه الزيادة فهذه الزيادة منكرة مردوده فالاستدلال بهذه الزيادة المنكرة على أن الجهر بالتأمين كان أحياناً للتعليم باطل جداً. قوله: (وسألت أبا زرعة) الرازي اسمه عبيد الله بن عبد الكريم بن زيد بن فروخ المخزومي أحد ثقة الحفاظ تقدم ترجمته في المقدمة قال ابن وارة سمعت إسحاق بن راهويه يقول كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل كذا في تهذيب التهذيب (قال) أي أبو زرعة (روى العلاء بن صالح الأسدي) قال الحافظ في تهذيب التهذيب: العلاء بن صالح التيمي ويقال الأسدي الكوفي وسماه أبو داود في روايته علي بن صالح وهو وهم روى عن المنهال بن عمرو، وعدي بن ثابت، وسلمة بن كهيل وروى عنه أبو أحمد الزبيري، وعبد الله بن نمير. قال بن معين وأبو داود ثقة وقال ابن معين أيضاً: وأبو حاتم لا بأس به قال الحافظ: له عند الترمذي حديث وائل في الصلاة انتهى. قلت: روى أبو داود في سننه حديث وائل من طريق ابن نمير عن علي بن صالح عن سلمة بن كهيل وذكر الحافظ في هذا الكتاب في ترجمة علي بن صالح: روى عن أبيه وأبي إسحاق السبيعي وسلمة بن كهيل وعنه أخوه وابن عيينة ووكيع وأبو أحمد الزبيري وابن نمير انتهى فإذا ثبت أن العلاء بن صالح الأسدي وعلي بن صالح رجلان وكلاهما يرويان عن سلمة بن كهيل ويروي عن كليهما ابن نمير فالظاهر أن العلاء بن صالح وعلي بن صالح كليهما يرويان حديث وائل عن سلمة بن كهيل، ويروي عن كليهما ابن نمير فلا أدري لم جزم الحافظ بأنه سماه أبو داود في روايته علي بن صالح وهو وهم فتفكر. قوله: (ثنا أبو بكر محمد بن أبان) بن وزير البلغي المستملي يلقب حمدويه وكان مستملي وكيع ثقة حافظ، قاله الحافظ روى عن ابن عيينة وغندر وطبقتهما وعنه البخاري وأصحاب السنن الأربع مات سنة 144 أربع وأربعين ومائة (ناعبد الله بن نمير) بضم النون مصغراً الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة صاحب حديث من أهل السنة من رجال الكتب الستة.
248- حدثنا أبو كرَيْبٍ مُحَمّدُ بنُ العلاَءِ حَدّثَنَا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ قالَ: حَدّثَنَي مالكُ ابنُ أنَسٍ حَدّثَنَا الزّهْرِيّ عَنْ سَعيدِ بنِ المسيّبِ و أبي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا أمّنَ الإمَامُ فَأَمّنُوا، فَإِنّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تأْمِينَ المَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ ما تقدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". قال أبو عيسى: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. قوله: "إذا أمن الإمام فأمنوا" أي إذا قال الإمام آمين فقولوا آمين وهذا يدل على أن الإمام يجهر بالتأمين وجه الدلالة أنه لو لم يكن تأمين الإمام مسموعاً للمأموم لم يعلم به وقد علق تأمينه بتأمينه وأجيب بأن موضعه معلوم فلا يستلزم الجهر به وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به وقد روى روح بن عبادة عن مالك في هذا الحديث قال ابن شهاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ولا الضالين جهر بآمين. أخرجه السراج. ولابن حبان من رواية الزبيدي في هذا الحديث عن ابن شهاب: كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين كذا في الفتح "فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة" زاد يونس عن ابن شهاب عند مسلم فإن الملائكة تؤمن قبل قوله، فمن وافق وهو دال على أن المراد الموافقة في القول والزمان خلافاً لمن قال المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبان ثم ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم واختاره بن بزيزة، وقيل الحفظة منهم وقيل الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا أنهم غير الحفظة. والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء ففي رواية للبخاري: إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين. وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد، ومثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى قاله الحافظ "غفر له ما تقدم من ذنبه" ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية وهو محمول عند العلماءر على الصغائر لورود الاستثناء في غير هذه الرواية. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
249- حَدّثَنَا (أبو موسى) مُحَمّدُ بنُ المُثَنّى حدثنا عَبدُ الأعْلى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عن الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: "سَكْتَتَانِ حَفِظْتُهُمَا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأَنكَرَ ذَلِكَ عمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ وقالَ: حفِظْنَا سَكْتَةً، فَكَتبْنَا إلى أُبيّ بنِ كَعْبٍ بالمدِينَةِ، فكَتَبَ أُبَي أنْ: "حَفِظَ سَمُرَةُ". قَال سَعِيدٌ: فَقُلْنَا لِقَتَادَةَ: مَا هَاتَانَ السّكْتَتَان؟ قال: إذَا دَخَلَ فِي صَلاَتِهِ. وإذَا فَرَغَ من القراءةِ، ثُمّ قالَ بعدَ ذلك: وإذا قرأ: {ولا الضّالين} قال: وكان يُعْجِبُهُ إذا فرغَ من القراءة أن يَسْكُتَ حتى يَتَرَادّ إلَيْهِ نَفَسُهُ. قال: وفي الباب عن أبي هريرة. قال أبو عيسى: حديثُ سَمُرَةَ حديثٌ حسَنٌ. وهو قولُ غيرِ واحدٍ من أهلِ العلمِ، يَسْتَحِبّونَ للإمام أن يسكتَ بعدَما يَفتَتِحُ الصلاَةَ وبعدَ الفراغ من القراءةِ. وبه يقولُ أحمدُ وإسحاقُ وأصحابُنا. قوله: (عن الحسن) البصري ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيراً ويدلس وقال البزار: كان يروى عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز ويقول حدثنا وخطبنا، يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة من أوساط التابعين قوله: (عن سمرة) بفتح أوله وضم ثانيه ابن جندب بن هلال الفزاري حليف الأنصار صحابي مشهور (سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية لأبي داود حفظت سكتتين في الصلاة سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورة عند الركوع وفي رواية أخرى له سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأنكر ذلك أي ما حفظه سمرة من السكتتين (عمران بن حصين) بالتصغير كان من علماء الصحابة وكانت الملائكة تسلم عليه وهو ممن اعتزل الفتنة (قال) أي عمران (حفظنا سكتة) أي واحدة (فكتبنا) قائلة سمرة (إلى أبي بن كعب) الأنصاري الخزرجي سيد القراء كتب الوحي وشهد بدراً وما بعدها وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه رضي الله عنه وكان ممن جمع القرآن (فكتب أبي) بن كعب (أن) بفتح الهمزة وسكون النون (حفظ سمرة) وفي رواية أبي داود فصدق سمرة (إذا دخل في صلاة) هذا السكتة لدعاء الاستفتاح وقد وقع بيانها في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين التكبير والقراءة يقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي" الحديث (إذا فرغ من القراءة) أي كلها كما في رواية لأبي داود وهذه السكتة ليتراد إليه نفسه كما يأتي بيانها في قول قتادة (ثم قال) أي قتادة (بعد ذلك وإذا قرأ ولا الضالين) قال النووي عن أصحاب الشافعي يسكت قدر قراءة المأمومين الفاتحة قال ويختار الذكر والدعاء والقراءة سراً لأن الصلاة ليس فيها سكوت في حق الإمام انتهى. قلت: تعيين هذه السكتة بهذا المقدار واختيار الذكر والدعاء والقراءة سراً في هذه السكتة للامام محتاج إلى الدليل قال الشوكاني حصل: من مجموع الروايات ثلاث سكتات الأولى بعد تكبير الإحرام، والثانية إذا قرأ ولا الضالين والثالثة إذا فرغ من القراءة كلها. قيل وهي أخف من الأولى والثانية وذلك بقدر ما تنفصل القراءة عن التكبير، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصل فيه انتهى. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وفيه بيان سكوته صلى الله عليه وسلم بين التكبير والقراءة وقوله في هذا السكوت اللهم باعد بيني وبين خطاياي إلخ. قوله: (حديث سمرة حديث حسن) قال الشوكاني قد صحح الترمذي حديث الحسن عن سمرة في مواضع من سننه منها حديث: نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وحديث جار الدار أحق بدار الجار وحديث: لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار، وحديث صلاة الوسطى صلاة العصر فكان هذا الحديث على مقتضى تصرفه جديراً بالتصحيح وقد قال الدارقطني رواه الحديث كلهم ثقات انتهى.
|