الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
250- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو الأحْوَصِ عن سِماكِ بن حربٍ عن قَبِيصَةَ بن هُلْبٍ عن أبيهِ قال: "كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يؤمّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِه". قال: وفي الباب عن وائلِ بن حُجْرٍ، وغُطَيْفِ بن الحارث، وابن عباس، وابن مسعودٍ، وسهلِ بن سَعدٍ. قال أبو عيسى: حديثُ هُلْبٍ حديثٌ حسَنٌ. والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ وَمَن بعدهم: يروْنَ أنْ يَضع الرّجُلُ يمينَهُ على شِماله في الصلاةِ. ورَأى بعضُهُم أن يَضَعَهُمَا فوق السّرّةِ، ورَأى بعضُهُم أن يضعهما تحتَ السّرّة. وكلّ ذلكَ واسِعٌ عندهم. واسم هُلْبٍ: يَزيدُ بنُ قُنَافَةَ (الطّائِيّ). قوله: (عن قبيصة بن هلب) بضم الهاء وسكون اللام بعدها موحدة الطائي الكوفي مقبول من الثالثة. قاله الحافظ في التقريب. وفي الخلاصة وثقه العجلي (عن أبيه هلب الطائي) صحابي نزل الكوفة وقيل اسمه يزيد وهلب لقب (فيأخذ شماله بيمينه) أي ويضعهما على صدره ففي رواية أحمد ورأيته يضع هذه على صدره، وصف يحيى اليمني على اليسرى فوق المفصل وستأتي هذه الرواية بتمامها. قوله: (وفي الباب عن وائل بن حجر وغطيف بن الحارث وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سهل كذا وقع في النسخة الأحمدية سهل بن سهل،) ووقع في غيرها من النسخ سهل بن سعد وهو الصحيح والأول غلط. أما حديث وائل بن حجر فأخرجه مسلم في صحيحه عنه "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة ثم كبر التحف ثم وضع يده اليمنى على اليسرى فلما أراد أن يركع" الحديث ورواه ابن خزيمة بلفظ "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره" وأما حديث غطيف وهو بضم الغين مصغراً فأخرجه الحافظ ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار بلفظ "قال مهما رأيت شيئاً نسيته فإن لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً يده اليمنى على اليسرى في الصلاة" كذا في اعلام الموقعين. وأما حديث ابن عباس وابن مسعود فلينظر من أخرجه. وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه البخاري في صحيحه بلفظ قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قوله: (حديث هلب حديث حسن) وأخرجه ابن ماجه. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة) وقال المالكية بإرسال اليدين في الصلاة. قال الحافظ بن القيم في الأعلام بعد ذكر أحاديث وضع اليدين في الصلاة ما لفظه: فهذه الآثار قد وردت برواية القاسم عن مالك قال: تركه أحب إليّ ولا أعلم شيئاً قد ردت به سواه انتهى. والعجب من المالكية أنهم كيف آثروا رواية القاسم عن مالك مع أنه ليس في إرسال اليدين حديث صحيح وتركوا أحاديث وضع اليدين في الصلاة وقد أخرج مالك حديث سهل بن سعد المذكور وقد عقد له باباً بلفظ: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، فذكر أولا أثر عبد الكريم بن أبي المخارق أنه قال: من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، يضع اليمنى على اليسرى وتعجيل الفطر والاستيناس بالسحور. ثم ذكر حديث سهل بن سعد المذكور (ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة ورأى بعضهم أن يضع تحت السرة) قد أجمل الترمذي الكلام في هذا المقام، فلنا أن نفصله. فاعلم أن مذهب الإمام أبي حنيفة: أن الرجل يضع اليدين في الصلاة تحت السرة والمرأة تضعهما على الصدر، ولم يرو عنه ولا عن أصحابه شيء خلاف ذلك وأما الإمام مالك فعنه ثلاث روايات: إحداها وهي المشهورة عنه أنه يرسل يديه كما نقله صاحب الهداية والسرخسي في محيطه وغيرهما عن مالك. وقد ذكر العلامة أبو محمد عبد الله الشاسي المالكي في كتابة المسمى بعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، والزرقاني في شرح الموطأ أن إرسال اليد رواية ابن القاسم عن مالك وزاد الزرقاني أن هذا هو الذي صار إليه أكثر أصحابه. الثانية: أن يضع يديه تحت الصدر فوق السرة كذا ذكره العيني في شرح الهداية عن مالك، وفي عقد الجواهر أن هذه رواية مطرف والماجشون عن مالك. الثالثة أنه تخير بين الموضع والإرسال وذكر في عقد الجواهر وشرح الموطأ أنه قول أصحاب مالك المدنيين. وأما الإمام الشافعي فعنه أيضاً ثلاث روايات: إحداها أنه يضعهما تحت الصدر فوق السرة وهي التي ذكرها الشافعي في الأم وهي المختارة المشهورة عند أصحابه المذكروة في أكثر متونهم وشروحهم. الثانية وضعهما على الصدر وهي الرواية التي نقلها صاحب الهداية من الشافعي وقال العيني إنها المذكورة في الحاوي من كتبهم. الثالثة وضعهما تحت السرة. وقد ذكر هذه الرواية في شرح المنهاج بلفظ: قيل وقال في المواهب اللدنية إنها رواية عن بعض أصحاب الشافعي. وأما الإمام أحمد رحمه الله فعنه أيضاً ثلاث روايات: إحداها: وضعهما تحت السرة والثانية: وضعهما تحت الصدر، والثالثة: التخيير بينهما وأشهر الروايات عنه الرواية الأولى وعليه جماهير الحنابلة هذا كله مأخوذ من فوز الكرام للشيخ محمد قائم السندي ودراهم الصرة لمحمد هاشم السندي. وكل ذلك واسع عندهم أن الاختلاف بينهم في الوضع فوق السرة وتحت السرة إنما هو في الاختيار والأفضلية. واعلم أن الأحاديث والآثار قد وردت مختلفة في هذا الباب ولأجل ذكل وقع الاختلاف بين الأئمة رحمهم الله تعالى وها أنا أذكر متمسكاتهم في ثلاثة فصول مع بيان ومالها وما عليها. الفصل الأول: في بيان من ذهب إلى وضع اليدين تحت السرة وقد تمسك هؤلاء على مذهبهم هذا بأحاديث. الأول حديث وائل بن حجر رضي الله عنه روى ابن أبي شيبة في مصنفه، قال حدثنا وكيع عن موسى بن عمير عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يمينه على شماله تحت السرة. قال الحافظ القاسم بن قطلوبغا في تخريج أحاديث الاختيار شرح المختار: هذا سند جيد. وقال الشيخ أبو الطيب المدني في شرح الترمذي: هذا حديث قوي من حيث السند. وقال الشيخ عابد السندي في طوالع الأنوار: رجاله ثقات. قلت إسناد هذا الحديث وإن كان جيداً لكن في ثبوت لفظ "تحت السرة" في هذا الحديث نظراً قوياً. قال الشيخ محمد حياة السندي في رسالته فتح الغفور: في زيادة تحت السرة نظر بل هي غلط منشؤه السهو فإني راجعت نسخة صحيحة من المصنف فرأيت فيها هذا الحديث بهذا السند وبهذه الألفاظ إلا أنه ليس فيها "تحت السرة" وذكر فيها بعد هذا الحديث أثر النخعي ولفظه قريب من لفظ هذا الحديث أو في آخره في الصلاة تحت السرة، فلعل بصر الكاتب زاغ من محل إلى محل آخر فأدرج لفظ الموقوف في المرفوع. انتهى كلام الشيخ محمد حياة السندي. وقال صاحب الرسالة المسماة بالدرة في إظهار غش نقد الصرة: وأما ما استدل به من حديث وائل الذي رواه ابن أبي شيبة فهذا حديث فيه كلام كثير. قال: وروى هذا الحديث ابن أبي شيبة وروى بعده أثر النخعي ولفظهما قريب. وفي آخر الأثر لفظ "تحت السرة" واختلف نسخه ففي بعضها ذكر الحديث من غير تعيين محل الوضع مع وجود الأثر المذكور، وفي البعض وقع الحديث المرفوع بزيادة لفظ تحت السرة بدون أثر النخعي فيحمل أن هذه الزيادة منشؤها ترك الكاتب سهوا نحو سطر في الوسط وأدراج لفظ الأثر في المرفوع، كما يحتمل سقوط لفظ "تحت السرة" في النسخة المتقدمة، لكن اختلاف النسختين على هذا الوجه يؤذن بإدخال الأثر في المرفوع. انتهى كلام صاحب الدرة. وقال الشيخ محمد فاخر المحدث الإله آبادي في منظومته المسماة بنور السنة: وأنكه ازجمع حلقة أعلام ابن قطلوابغاست قاسم نام از كتاب مصنف آرد نقلنكند هيج بأور آنرا عقل دركتا بيكه من دران ديدمغير مقصود أو عيان ديدم حاصله أن ما نقله القاسم ابن قطعوبغا عن المصنف لا اعتماد عليه ولا عبرة به، فإن الكتاب الذي رأيته أنا وجدت فيه خلاف مقصوده. قلت: ما قاله هؤلاء الأعلام يؤيده أن هذا الحديث رواه أحمد في مسنده بعين سند ابن أبي شيبة، وليست فيه هذه الزيادة ففي مسند أحمد: حدثنا وكيع حدثنا موسى بن عمير العنبري عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً يمينه على شماله في الصلاة" انتهى. ورواه الدارقطني أيضاً بعين سند ابن أبي شيبة وليس فيه أيضاً هذه الزيادة قال في سننه: حدثنا الحسين بن إسمعيل وعثمان بن جعفر بن محمد الأحول قالا نا يوسف بن موسى نا وكيع نا موسى بن عمير العنبري عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً يمينه على شماله في الصلاة" انتهى. ويؤيده أيضاً أن ابن التركماني شيخ الحافظ الزيلعي ذكر في الجوهر النقي لتأييد مذهبه حديثين ضعيفين حيث قال: قال ابن حزم: وروينا عن أبي هريرة قال: وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة، وعن أنس قال: ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة تحت السرة. انتهى. ونقل قبل هذين الحديثين أثر أبي مجلز عن مصنف ابن أبي شيبة حيث قال: قال ابن أبي شيبة في مصنفه: ثنا يزيد بن هارون نا الحجاج بن حسان سمعت أبا مجلز أو سألته قلت: كيف أضع؟ قال: يضع باطن كف يمينه على ظاهر كف شماله ويجعلهما أسفل من السرة. انتهى. ولم ينقل ابن التركماني عن مصنف ابن أبي شيبة غير هذا الأثر فالظاهر أنه لم يكن في حديث وائل الذي أخرجه ابن أبي شيبة زيادة تحت السرة، فإنه لو كان هذا الحديث فيه مع هذه الزيادة لنقله ابن التركماني، إذ بعيد كل البعد أن يذكر ابن التركماني لتأييد مذهبه حديثين ضعيفين، وينقل عن مصنف ابن أبي شيبة أثر أبي مجلز التابعي، ولا ينقل عنه حديث وائل المرفوع مع وجوده فيه بهذه الزيادة ومع صحة إسناده. ويؤيده أيضاً ما قال الشيخ محمد حياة السندي في رسالته فتح الغفور من أن غير واحد من أهل الحديث روى هذا الحديث ولم يذكر تحت السرة، بل ما رأيت ولا سمعت أحداً من أهل العلم ذكر هذا الحديث بهذه الزيادة إلا القاسم. هذا ابن عبد البر حافظ دهره قال في التمهيد: وقال الثوري أبو حنيفة: أسفل السرة. وروى ذلك عن علي وإبراهيم النخعي ولا يثبت ذلك عنهم، فلو كان هذا الحديث الصحيح بهذه اللفظة في مصنف ابن أبي شيبة لذكره مع أنه قد أكثر في هذا الباب وغيره الرواية عن ابن أبي شيبة. وهذا ابن حجر حافظ عصره يقول في فتحه: وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره، وللبزار عند صدره، وعند أحمد في حديث هلب نحوه. ويقول في تخريج الهداية وإسناد أثر علي ضعيف، ويعارضه حديث وائل بن حجر قال "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره": وأشار إلى ذلك في تخريج أحاديث الرافعي، فلو كانت هذه الزيادة موجودة في المصنف لذكرها، وكتبه مملوءة من أحاديثه وآثاره. وقد اختصره كما قال السيوطي في شرح ألفيته، والظاهر أن الزيلعي الذي شمر ذيله بجمع أدلة المذهب لم يظفر بها وإلا لذكرها وهو من أوسع الناس اطلاعاً. وهذا السيوطي الذي هو حافظ وقته يقول في وظائف اليوم والليلة: وكان يضع يده اليمنى على اليسرى ثم يشدهما على صدره، وقد ذكر في جامعه الكبير في مسند وائل نحو تسعة أحاديث عن المصنف، ولفظ بعضها: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يمينه على شماله في الصلاة" وهذا اللفظ هو الذي ذكره صاحب نقد الصرة إلا أنه زاد لفظ "تحت السرة" فلو كانت هذه الزيادة موجودة في المصنف لذكرها السيوطي. وهذا العيني الذي يجمع بين الغث والسمين في تصانيفه يقول في شرحه على البخاري: احتج الشافعي بحديث وائل بن حجر، أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، قال "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره. ويستدل علماؤنا الحنيفة بدلائل غير وثيقة، فلو كانت هذه الزيادة موجودة في المصنف لذكرها، وقد ملأ تصانيفه بالنقل عنه. وهذا ابن أمير الحاج الذي بلغ شيخه ابن الهمام في التحقيق وسعة الاطلاع يقول في شرح المنية: إن الثابت من السنة وضع اليمين على الشمال، ولم يثبت يوجب تعيين المحل الذي يكون الوضع فيه من البدن إلا حديث وائل المذكور، وهكذا قال صاحب البحر الرائق فلو كان الحديث في المصنف بهذه الزيادة، لذكره ابن أمير الحاج مع أن شرحه محشو من النقل عنه، فهذه أمور قادحة في صحة هذه الزيادة في هذه الحديث. انتهى كلام الشيخ محمد حياة السندي. قلت: فحديث وائل بن حجر المذكور وإن كان إسناده جيداً لكن في ثبوت زيادة "تحت السرة" فيه نظر قوياً كما عرفت، فكيف يصح الاستدلال بهذا الحديث على وضع اليدين تحت السرة..؟ والحديث الثاني: حديث علي رضي الله عنه. روى أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن أبي جحيفة أن علياً قال: السنة وضع الكف على الكف تحت السرة. قلت: في إسناد هذا الحديث عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وعليه مدار هذا الحديث، وهو ضعيف لا يصلح للاحتجاج قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث: قال ابن القطان: عبد الرحمن بن إسحاق هو ابن الحرب أبو شيبة الواسطي قال فيه ابن حنبل وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: فيه نظر. وقال البيهقي في المعرفة: لا يثبت إسناده. تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو متروك. وقال النووي في الخلاصة وشرح مسلم: هو حديث متفق على تضعيفه فإن عبد الرحمن بن إسحاق ضعيف بالاتفاق. انتهى ما في نصب الراية. وقال الشيخ بن الهمام في التحرير إذا قال البخاري للرجل فيه نظر فحديثه لا يحتج به ولا يستشهد به ولا يصلح للاعتبار انتهى. فإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن حديث على هذا لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار. ثم حديث علي هذا يخالف لتفسيره قوله تعالى (وانحر) أنه وضع يده على وسط ساعده اليسرى ثم وضعهما على صدره في الصلاة. رواه البيهقي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه. كذا في الدر المنثور. قال الفاضل ملا الهداد في حاشية الهداية: إذا كان حديث وضع اليدين تحت السرة ضعيفاً ومعارضاً بأثر علي بأنه فسر قوله تعالى (وانحر) بوضع اليمين على الشمال على الصدر يجب أن يعمل بحديث وائل الذي ذكره النووي. ثم حديث علي هذا منسوخ على طريق الحنفية، قال صاحب الدرة في إظهار غش نقد الصرة وهو حنفي المذهب: روى أبو داود عن جرير الضبي أنه قال: رأيت عليا يمسك شماله بيمينه على الرسخ فوق السرة وأصل علمائنا إذا خالف الصحابي في مرويه فهو يدل على نسخه، وهذا الفعل وإن لم يكن أقوى من القول فلا أقل أن يكون مثله انتهى. قلت: إسناد أثر على هذا الذي رواه أبو داود عن جرير الضبي صحيح كما ستعرف. والحديث الثالث حديث أبي هريرة رواه أبو داود في سننه عن أبي وائل قال قال أبو هريرة: أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة. قلت: في إسناد حديث أبي هريرة أيضاً عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، فهذا الحديث أيضاً لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار كما عرفت آنفاً. والحديث الرابع حديث أنس ذكره ابن حزم في المحلى تعليقاً بلفظ ثلاث من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة تحت السرة. قلت: لم أقف على سند هذا الحديث، والعلماء الحنفية يذكرونه في كتبهم ويحتجون به ولكنهم لا يذكرون إسناده، فما لم يعلم إسناده لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار. قال صاحب الدرة: وأما حديث أنس "من أخلاق النبوة وضع اليمين والشمال تحت السرة الذي قال فيه العيني إنه رواه ابن حزم، فسنده غير معلوم لينظر فيه هل رجاله مقبولون أم لا، وقد روى هذا الحديث غير واحد من المحدثين من غير زيادة تحت السرة" والزيادة إنما تقبل من الثقة المعلوم. انتهى كلام صاحب الدرة وقال الشيخ هاشم السندي في رسالته دراهم الصرة: ومنها ما ذكره الزاهدي في شرح القدوري وابن أمير الحاج وابن نجيم في البحر الرائق: أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من سنن المرسلين تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمين على الشمال تحت السرة في الصلاة" قال: لم أقف على سند هذا الحديث غير أن الزاهدي زاد أنه رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قال ابن أمير الحاج وابن نجيم: إن المخرجين لم يعرفوا فيه موقوفاً ومرفوعاً لفظ (تحت السرة) انتهى كلام هاشم السندي. فهذه الأحاديث هي التي استدل بها على وضع اليدين تحت السرة في الصلاة وقد عرفت أنه لا يصلح واحد منها للاستدلال. "الفصل الثاني" في ذكر ما تمسك به من ذهب إلى وضع اليدين فوق السرة. لم أقف على حديث مرفوع يدل على هذا المطلوب نعم أثر علي رضي الله عنه يدل على هذا روى أبو داود في سننه عن جرير الضبي قال رأيت علياً يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة. قلت إسناده صحيح أو حسن لكنه فعل علي رضي الله عنه ليس بمرفوع ثم الظاهر أن المراد من قوله فوق السرة على مكان مرتفع من السرة أي على الصدر أو عند الصدر، كما جاء في حديث وائل بن حجر. وفي حديث هلب الطائي ومرسل طاؤس وستأتي هذه الأحاديث الثلاثة ويؤيده تفسيره رضي الله عنه قوله تعالى (وانحر) بوضع اليدين على الصدر في الصلاة كما تقدم. الفصل الثالث في ذكر متمسكات من ذهب إلى وضع اليدين على الصدر. أحتج هؤلاء بأحاديث: منها حديث وائل بن حجر قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره" أخرجه ابن خزيمة وهذا حديث صحيح صححه ابن خزيمة كما صرح به ابن سيد الناس في شرح الترمذي، وقد اعترف الشيخ محمد قائم قال فيها: الذي أعتقده أن هذا الحديث على شرط ابن خزيمة، وهو المتبادر من صنيع الحافظ في الإتحاف، والظاهر من قول ابن سيد الناس بعد ذكر حديث وائل في شرح جامع الترمذي وصححه ابن خزيمة انتهى. وقال ابن أمير الحاج الذي بلغ شيخه ابن همام في التحقيق وسعة الإطلاع في شرح المنية: إن الثابت من السنة وضع اليمين على الشمال، ولم يثبت حديث يوجب تعيين المحل الذي يكون الوضع فيه من البدن إلا حديث وائل المذكور. وهكذا قال صاحب البحر الرائق، كذا في فتح الغفور للشيخ حياة السندي وقال الشوكاني في النيل: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وصححه انتهى. وقال الحافظ في فتح الباري: ولم يذكر أي سهل بن سعد محلهما من الجسد، وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره، والبزار عنه صدره وعند أحمد في حديث هلب الطائي نحوه في زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة، وإسناده ضعيف انتهى. فالظاهر من كلام الحافظ هذا، أن حديث وائل عنده صحيح أو حسن، لأنه ذكر ههنا لغرض تعيين محل وضع اليدين ثلاثة أحاديث: حديث وائل، وحديث هلب، وحديث علي، وضعف حديث علي، وقال إسناده ضعيف، وسكت عن حديث وائل هلب، فلو كانا هما أيضاً ضعيفين عنده لبين ضعفهما، ولأنه قال في أوائل مقدمة الفتح ما لفظه: فإذا تحررت هذا الفصول وتقررت هذه الأصول أفتتحت شرح الكتاب، فأسوق الباب وحديثه أولا ثم أذكر وجه المناسبة بينهما إن كانت خفية، ثم أستخرج ثانياً ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية، من تتمات وزيادات، وكشف غامض، وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك، منتزعاً كل ذلك من أمهات المسانيد والجامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد، بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك انتهى كلام الحافظ. فقوله: بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك، يدل على أن حديث وائل وكذا حديث هلب الطائي عنده صحيح أو حسن فتفكر. وأيضاً قد صرح الحافظ في الدراية بعد ذكر حديث وائل أخرجه ابن خزيمة وهو في مسلم دون قوله على صدره، انتهى، فالظاهر من كلامه هذا أن حديث ابن خزيمة هذا هو الذي في صحيح مسلم في وضع اليمنى على اليسرى سنداً ومتنا، بدون ذكر المحل. فالحاصل أن حديث وائل بن حجر صحيح قابل للاحتجاج والاستدلال به على وضع اليدين على الصدر في الصلاة تام صحيح. ومنها حديث هلب الطائي رواه الإمام أحمد في مسنده قال حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، ثنا سِمَاك عن قبيصة بن هلب، عن أبيه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره ورأيته يضع هذه على صدره، ووصف يحيى اليمنى على اليسرى فوق المفصل" ورواة هذا الحديث كلهم ثقات، وإسناده متصل، أما يحيى بن سعيد فهو أبو سعيد القطان البصري الحافظ الحجة أحد أئمة الجرح والتعديل. قال الحافظ في التقريب: ثقة متقن حافظ إمام قدوة، وأما سفيان فهو الثوري، قال في التقريب، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، وربما كان دلس إنتهى. قلت: قد صرح ههنا بالتحديث فانتفت تهمة التدليس. وأما سِمَاك فهو ابن حرب أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي أبو المغيرة صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وكان قد تغير بآخره، فكان ربما يلقن. كذا في التقريب. وقال الذهبي قال أحمد سِمَاك مضطرب، وضعفه شيبة. وقال ابن عمار: كان يغلط وقال العجلي: ربما وصل الشيء وكان الثوري يضعفه، وقال روايته مضطربة وليس من المثبتين. وقال صالح: يضعف. وقال ابن خداش فيه لين ووثقه ابن معين وأبو حاتم. انتهى. وكون السِمَاك مضطرب الحديث لا يقدح في حديثه المذكور، لأنه رواه عن قبيصة وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وكذا تغيره في آخره لا يقدح أيضاً، لأن الحديث المذكور رواه عنه سفيان وهو ممن سمع قديماً من سِمَاك. قال في تهذيب الكمال. قال يعقوب: وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وهو في غير عكرمة صالح وليس من المثبتين ومن سمع قديماً من سِمَاك مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه مستقيم. انتهى. وأما قبيصة فهو أيضاً ثقة كما عرفت فيما تقدم وأما أبوه فهو صحابي. فحديث هلب الطائي هذا حسن، وقد أعترف صاحب آثار السنن بأن إسناده حسن، فالاستدلال به على وضع اليدين على الصدر في الصلاة صحيح. ومنها: حديث طاوس رواه أبو داود في المراسيل: قال حدثنا أبو توبة حدثنا الهيثم يعني ابن حميد، عن ثور عن سليمان بن موسى، عن طاوس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة" وهذا الحديث قد وجد في بعض نسخ أبي داود. قال الحافظ المزي في الأطرف في حرف الطاء من كتاب المراسيل: الحديث أخرجه أبو داود في كتاب المراسيل وكذا قال البيهقي في المعرفة فحديث طاوس هذا مرسل، لأن طاوساً تابعي وإسناده حسن والحديث المرسل حجة عند الإمام أبي حنيفة ومالك وأحمد مطلقاً، وعند الشافعي إذا إعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأولى مسنداً كان أو مرسلاً. وقد اعتضد هذا المرسل بحديث وائل وبحديث هلب الطائي المذكورين، فالاستدلال به على وضع اليدين على الصدر في الصلاة صحيح. تنبيه: قال بعض الحنفية: حديث وائل فيه اضطراب، فأخرج ابن خزيمة في هذا الحديث "على صدره" والبزار "عند صدره" وابن أبي شيبة تحت السرة. قلت: قد تقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب، بل من شرطه استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم (ولا يعل الصحيح) بالمرجوح ومع الاستواء يتعذر الجمع على قواعد المحدثين. وههنا وجوه الاختلاف ليست بمستوية، فإن في ثبوت لفظ (تحت السرة) في رواية ابن أبي شيبة نظرا قوياً كما تقدم بيانه. وأما رواية ابن خزيمة بلفظ على صدره ورواية البزار بلفظ: عد صدره، فالأولى راجحة فتقدم على الأخرى. ووجه الرجحان أن لها شاهداً حسناً من حديث هلب وأيضاً يشهدها مرسل طاوس بخلاف الأخرى فليس لها شاهد، ولو سلم أنهما متساويتان فالجمع بينهما ليس بمتعذر. قال الشيخ أبو المحاسن محمد الملقب بالقائم السندي في رسالته فوز الكرام: قال العلامة الشيخ أبو الحسن في رسالة جواز التقليد والعمل بالحديث بعد ذكر حديث وائل وهلب ومرسل طاوس وتفسير علي وأنس وابن عباس: هذه الأحاديث قد أخذ بها الشافعي، لكن قال بوضع اليد على الصدر بحيث تكون آخر اليد تحت الصدر جمعاً بين هذه الأحاديث وبين ما في بعض الروايات "عند الصدر" إنتهى. وقد جمع بعض أهل العلم بينهما بالحمل على صلاتين مختلفتين ونظير هذا الاختلاف اختلاف رفع اليدين حذو المنكبين وحذو الأذنين في الصلاة فقول، بعض الحنفية بالاضطراب في حديث وائل مما لا يصغي إليه. تنبيه آخر: قال النيموي في آثار السنن بعد ذكر حديث هلب الطائي: رواه أحمد وإسناده حسن لكن قوله "على صدره" غير محفوظ، يعني أنه شاذ، وبين وجه كونه شاذاً غير محفوظ أن يحيى بن سعيد القطان خالف في زيادة قوله على صدره غير واحد من أصحاب سفيان وسِمَاك فإنهم لم يذكروا هذه الزيادات. وعرف الشاذ بأنه ما رواه الثقة مخالفاً في نوع من الصفات لما رواه جماعة من الثقات، أو من هو أوثق منه وأحفظ وأعم من أن تكون المخالفة منافية للرواية الأخرى أم لا. وأدعى أن هذا هو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وابن معين والبخاري وغيرهم من المحدثين المتقدمين واستدل عليه بأن هذا يفهم من صنيعهم في زيادة "ثم لا يعود" في حديث ابن مسعود و "فصاعداً" في حديث عبادة "وإذا قرأ فانصتوا" في حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري، وكذلك في كثير من المواضع حيث جعلوا الزيادات شاذة بزعمهم أن راويها قد تفرد بها مع أن هذه الزيادات غير منافية لأصل الحديث. قلت: تعريف الشاذ هذا الذي ذكره صاحب آثار السنن ليس بصحيح وليس هو مذهب المحدثين المتقدمين البتة، وجه عدم صحته، أنه يلزم منه أن يكون كل زيادة زادها ثقة ولم يزدها جماعة من الثقات، أو لم يزدها من هو أوثق منه وليست منافية لأصل الحديث، شاذة غير مقبولة. واللازم باطل فالملزوم مثله. والدليل على بطلان اللازم أن كل زيادة هذا شأنها قبلها المحدثون المتقدمون كالشافعي والبخاري وغيرهما وكذا قبلها المتأخرون، إلا أن ظهرت لهم قرينة تدل على أنها وهم من بعض الرواة فحينئذ لا يقبلونها. ألا ترى أن الإمام البخاري رحمه الله قد أدخل في صحيحه من الأحاديث ما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه غير منافية ولم يزدها جماعة من الثقات، أو من هو أوثق منه وأحفظ، وقد طعن بعض المحدثين بإدخال مثل هذه الأحاديث في صحيحه ظناً منهم أن مثل هذه الزيادات ليست بصحيحة. وقد أجاب المحققون عن هذا الطعن: بأن مثل هذه الزيادات صحيحة. قال الحافظ في مقدمة ص204 الفتح: فالأحاديث التي انتقدت عليهما أي البخاري ومسلم، تنقسم أقساماً ثم بين الحافظ والقسم الأول والثاني ثم قال القسم الثالث منها ما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عدداً أو أضبط ممن لم يذكرها. فهذا لا يؤثر التعليل به إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع. أما إذا كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث يكون كالحديث المستقل. فلا، اللهم إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة مدرجة في المتن من كلام بعض رواته، فما كان من هذا القسم فهو مؤثر كما في الحديث الرابع والثلاثين انتهى. وأيضاً قال الحافظ فيها: قال الدارقطني أخرج البخاري حديث أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يقاتل المشركين فقال هو من أهل النار الحديث. وفيه أن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار. ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم" قال وقد رواه ابن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وسعيد الجمحي عن أبي حازم، فلم يقولوا في آخره "وإنما الأعمال بالخواتيم" قال الحافظ زادها أبو غسان وهو ثقة حافظ فاعتمده البخاري انتهى. وقد صرح بقبول مثل هذه الزيادة ابن التركماني في الجوهر النقي والحافظ الزيلعي في نصب الراية في مواضع عديدة، بل أشار النيموي نفسه في كتابه آثار السنن أيضاً بقبول مثل هذه الزيادة في موضع منه ص71 حيث قال فزيادته، أي زيادة الحميدي تقبل جداً لأنها ليست منافية لمن هو أوثق منه انتهى. فلما ظهر بطلان اللازم ثبت بطلان الملزوم أعني بطلان تعريف الشاذ الذي ذكره صاحب آثار السنن من عند نفسه. فإن قلت فما تعريف الشاذ الذي عليه المحققون. قلت، قال الحافظ بن حجر في مقدمة فتح الباري ص544: وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة، فإذا روى الضابط أو الصدوق شيئاً فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عدداً بخلاف ما روى، بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين فهذا شاذ انتهى. فهذا التعريف هو الذي عليه المحققون، وهو المعتمد قال الحافظ في شرح النخبة ص73 فإن خولف بأرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، فالراجح يقال له المحفوظ ومقابله وهو المرجوح يقال له الشاذ. (إلى أن قال) وعرف من هذا التقرير أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه وهو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح انتهى. والمراد من المخالفة في قوله مخالفاً: المنافاة دون مطلق المخالفة، يدل عليه قول الحافظ في هذا الكتاب ص73 وزيادة روايهما، أي الصحيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة لأن الزيادة إما أن تكون مقبولة لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها. فهذه تقبل مطلقاً، لأنها في حكم الحديث المستقل الذي يتفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره، وإما أن تكون منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى، فهذه هي التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيقبل الراجح ويرد المرجوح انتهى. وقال الشيخ ابن حجر الهيثمي في رسالته المتعلقة بالبسملة: الشاذ اصطلاحا فيه اختلاف كثير، والذي عليه الشافعي والمحققون أن ما خالف فيه راو ثقة بزيادة أو نقص في سند أو متن ثقات، لا يمكن الجمع بينهما مع اتحاد المروي عنه انتهى. وقال الشيخ عمر البيقوني في منظومته في مصطلح أهل الحديث وما يخالف ثقة فيه الملا. فالشاذ والمقلوب قسمان تلا. قال الشارح الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني وما يخالف ثقة فيه بزيادة أو نقص في السند أو المتن الملا أي الجماعة الثقات فيما رووه وتعذر الجمع بينهما فالشاذ كما قاله الشافعي وجماعة من أهل الحجاز وهو المعتمد كما صرح به في شرح النخبة لأن العدد أولى بالحفظ من الواحد، وعليه فما خالف الثقة فيه الواحد الأحفظ شاذ. وفي كلام ابن الصلاح وغيره ما يفهمه انتهى. وقال العلامة المجد صاحب القاموس في منظومته في أصول الحديث ثم الذي ينعت بالشذوذ. كل حديث مفرد مجذوذ. خالف فيه الناس ما رواه لأن روى ما لا يروى سواه. قال الشيخ سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل في شرحه المسمى بالمنهل الروى: الشاذ لغة المنفرد، يقال شذيشذ شذوذا إذا انفرد وأما إصطلاحا. ففيه اختلاف كثير، ومقتضى ما ذكره الناظم الإشارة إلى قولين الأول: ما ذهب إليه الشافعي وجماعة من أهل الحجاز. أنه ما رواه الثقة مخالفاً لرواية الناس أي الثقات، وإن كانوا دونه في الحفظ والإتقان وذلك لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد. وألحق ابن الصلاح بالثقات الثقة الأحفظ، وسواء كانت المخالفة بزيادة أو نقص في سند أو متن إن كانت لا يمكن الجمع بين الطرفين فيهما مع إتحاد المروي انتهى. فإن قلت: فلم لم يقبل المحدثون المتقدمون كالشافعي وأحمد بن حنبل وابن معين والبخاري وأبي داود وأبي حاتم وأبي علي النيسابوري والحاكم والدارقطني وغيرهم زيادة "ثم لا يعود" في حديث ابن مسعود، وزيادة "فصاعداً" في حديث عبادة وزيادة "وإذا قرأ فأنصتوا" في حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري، ولم يجعلوها غير محفوظة مع أن هذه الزيادات غير منافية لأصل الحديث. قلت: إنما لم يقبلوا هذه الزيادات لأنه قد وضح لهم دلائل على أنها وهم من بعض الرواة كما بينوه وأوضحوه، لا لمجرد أن راويها قد تفرد بها كما زعم النيموي. وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لئلا يغتر القاصرون بما حقق النيموي في زعمه الفاسد. قوله: (واسم هلب يزيد بن قنافة الطائي) بضم القاف وخفة النون وبفاء كذا في المغنى لصاحب مجمع البحار.
251- حدثنا قُتَيْبَةُ: حدثنا أبو الأحْوَصِ، عن أبي إسحاقَ، عن عَبْدِ الرحْمَنِ بنِ الأسْوَدِ عن عَلْقَمَةَ، و الأسْوَدِ عن عَبْدِ الله (بن مسعودٍ) قال: "كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكَبّرُ في كلّ خَفْضٍ ورَفعٍ وقيامٍ وقعودٍ، وأبو بكرٍ وعمرُ". (قال) وفي الباب عن أبي هريرةَ وأنسٍ وابنِ عمرَ وأبي مالكٍ الأشْعَرِيّ وأبي موسى وعِمْرانَ بن حُصَيْنٍ ووائِلِ بن حُجْرٍ وابن عباسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ عَبْدِ الله بن مسعودٍ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. والعملُ عليه عندَ أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمرُ وعُثْمانُ وعليّ وغيرُهم، ومَن بَعدهم من التّابعينَ، وعليه عامّةُ الفقهاءِ والعلماء. 252- حدثنا عبدُ الله بنُ مُنيرٍ (المروزيّ)، قال: سمعتُ عليّ بنَ الْحَسنِ، قال: أخبرنا عبدُ الله بنُ المباركِ، عن ابن جُرَيْجٍ عن الزّهْرِيّ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُكبّرُ وهو يَهْوِي". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وهو قولُ أهل العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَن بَعدهم، (من التابعين) قالوا يكبّرُ الرجلُ وهو يَهْوِي، للركوعِ والسجودِ. قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع الخ) هذا دليل على مشروعية التكبير في كل خفض ورفع وقيام وقعود إلا في الرفع من الركوع، فإنه يقول سمع الله لمن حمده قال النووي: وهذا مجمع عليه اليوم ومن الأعصار المتقدمة، وقد كان فيه خلاف، زمن أبي هريرة وكان بعضهم لا يرى التكبير إلا للإحرام انتهى. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وابن عمر وأبي مالك الأشعري وأبي موسى وعمران بن حصين ووائل بن حجر وابن عباس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان نحو حديث الباب وأما حديث أنس فأخرجه النسائي. وأما حديث بن عمر فأخرجه أحمد والنسائي وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه ابن أبي شيبة وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود. وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الشيخان. وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه أبو داود وأحمد والنسائي وابن ماجه. وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد والبخاري عن عكرمة عنه قال: قلت لابن عباس: صليت الظهر بالبطحاء خلف شيخ أحمق فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه. فقال ابن عباس تلك صلاة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. قوله: (حديث عبد الله بن مسعود حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي. قوله: (والعمل عليه عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ومن بعدهم من التابعين وعليه عامة الفقهاء والعلماء) قال البغوي: اتفقت الأمه على هذه التكبيرات قال ابن سيد الناس: وقال آخرون لا يشرع إلا تكبير الإحرام فقط يحكى ذلك عن عمر بن الخطاب وقتادة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري ونقله ابن المنذر عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر ونقله ابن بطال عن جماعة أيضاً منهم معاوية بن أبي سفيان وابن سيرين قال أبو عمر قال قوم من أهل العلم إن التكبير ليس بسنة إلا في الجماعة وأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر، وقال أحمد: أبح إلي أن يكبر إذا صلى وحده في الفرض وأما التطوع فلا. وروى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده. واستدل من قال بعدم مشروعية التكبير كذلك بما أخرجه أحمد وأبو داود عن ابن أبزي عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم التكبير وفي لفظ لأحمد إذا خفض ورفع وفي رواية فكان لا يكبر إذا خفض يعني بين السجدتين وفي إسناده الحسن بن عمران، قال أبو زرعة: شيخ ووثقه ابن حبان وحكى عن أبي داود الطيالسي أنه قال هذا عندي باطل، وهذا لا يقوى على معارضة أحاديث الباب لكثرتها وصحتها وكونها مثبتة ومشتملة على الزيادة. والأحاديث الواردة في هذا الباب أقل أحوالها الدلالة على سنية التكبير في كل خفض ورفع وقد روى أحمد عن عمران بن حصين أن أول من ترك التكبير عثمان حين كبر وضعف صوته وهذا يحتمل أنه ترك الجهر. وروى الطبري عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية. وروى أبو عبيد أن أول من تكره زياد وهذه الروايات غير متنافية لأن زياداً تركه بترك معاوية وكان معاوية تركه بترك عثمان وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء وحكى الطحاوي أن بني أمية كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع، وما هذه بأول سنة تركوها. وقد اختلف القائلون بمشروعية التكبير فذهب جمهورهم إلى أنه مندوب فيما عدا تكبيرة الإحرام وقال أحمد في رواية عنه وبعض أهل الظاهر: أنه يجب كله. واحتج الجمهور على الندبية بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء صلاته. ولو كان واجباً لعلمه وأيضاً حديث ابن أبزي يدل على عدم الوجوب لأن تركه صلى الله عليه وسلم له في بعض الحالات لبيان الجواز والإشعار بعدم الوجوب. واحتج القائلون بالوجوب بأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه المسيء صلاته أخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء بلفظ: ثم يقول الله أكبر ثم يركع حتى تطمئن مفاصله ثم يقول سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائماً، ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يقول الله أكبر ويرعف رأسه حتى يستوي قاعداً ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يرفع رأسه فيكبر. فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته. قلت: وفي هذا الحديث رد على من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء صلاته التكبير. قوله: (حدثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون آخره راء، أبو عبد الرحمن المروزي الزاهد ثقة عابد روى عنه البخاري وقال لم أر مثله وروى عنه أيضاً الترمذي والنسائي ووثقه (قال سمعت علي بن الحسن) ابن شقيق أبا عبد الرحمن المروزي ثقة ثبت روى عن إبراهيم بن طهمان وابن المبارك وغيرهما وعنه البخاري وأحمد وابن معين وأبو بكر بن أبي شيبة مات سنة 215 خمس عشرة ومائتين. قوله: (كان يكبر وهو يهوى أي يهبط إلى السجود الأول من هوى يهوى هويا كضرب يضرب إذا سقط وأما هوى بمعنى مال وأحب فهو من باب سمع يسمع والحديث رواه البخاي مطولاً وفيه) "ثم يقول الله أكبر حين يهوى ساجداً" قال الحافظ في الفتح فيه أن التكبير ذكر الهوى فيبتدي به من حين يشرع في الهوى بعد الاعتدال إلى حين يتمكن ساجداً انتهى. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها في رمضان وغيره فيكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع الحديث. وفي آخره ثم يقول حين ينصرف: والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبهاً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت هذه الصلاة حتى فارق الدنيا.
253- حدثنا قُتَيْبَةُ و ابنُ أبي عمرَ قالا: حدثنا، سفيانُ بنُ عَيَيْنَةَ عن الزّهْرِيّ عن سالمٍ عن أبيه قال: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا افتَتَح الصلاةَ يرفعُ يديْهِ حتى يُحاذِيَ مَنكِبَيْهِ، وإذا ركعَ، وإذا رَفع رأسه من الركوعِ" وزاد ابنُ أبي عمرَ في حديثهِ "وكان لا يرفعُ بين السجدتيْن". (قال أبو عيسى: حدثنا الفضلُ بنُ الصّبّاح البَغْدَادِيّ، حدثنا سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، حدثنا الزهريّ بهذا الإسنادِ نحوَ حديثِ ابنِ أبِي عمرَ. قال: وفي الباب عن عمرَ، وعلي، ووائلِ بن حُجْرٍ، ومالكِ بنِ الحُوَيْرِثِ، وأنسٍ، وأبي هريرةَ، وأبي حُمَيْدٍ، وأبي أُسَيْدٍ، وسَهْلِ بن سعدٍ، ومحمدِ بن مسلمةَ، وأبي قَتَادَةَ، وأبي موسى (الأشعريّ)، وجابرِ، وعُمَيْرٍ اللّيْثيّ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عمرَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وبهذا يقولُ بعضُ أهل العلم من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، منهم ابنُ عمرَ، وجابرُ بن عبد الله، وأبو هريرةَ، وأنسٌ، وابنُ عباسٍ، وعبدُ الله بنُ الزبيرِ، وغيرُهم. ومِن التابعينَ: الحسنُ البَصْريّ، وعطاءٌ، وطاوسٌ، ومجاهدٌ، ونافعٌ، وسالمُ بنُ عبد الله، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وغيرُهم. وبه يقولُ مالك ومعمر والأوزاعي (وابن عينية) و عبدُ الله بنُ المباركِ، والشافعيّ، وأحمدُ وإسحاقُ. وقال عبدُ الله بنُ المباركِ: قد ثبتَ حديثُ مَن يَرْفَعُ يديه، وذكر حديث الزهريّ عن سالمٍ عن أبيه، ولم يَثْبُتْ حديثُ ابنِ مسعودٍ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفعْ (يديه) إلا في أولِ مرّةٍ" حدثنا بذلك أحمدُ بن عَبْدَةَ الاَمُلِيّ، حدثنا وهبُ بنُ زَمْعَةَ، عن سُفيَانَ بنِ عبدِ الملكِ، عن عبد الله بن المباركِ. (قال: وحدثنا يحيى بن موسى قال حدثنا اسماعيل بن ابي اديس قال كان مالك بن انس يرى رفع اليدين في الصلاة) وقال يحيى: وحدثنا عبدالرزاق قال: كان معمر يرى رفع اليدين في الصلاة). وسمعت الجارود بن معاذٍ يقول: كان سفينان بن عينية وعمر بن هارون والنضر بن شميل يرفعون أيديهم اذا افتتحوا الصلاة وإذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم. (بسم الله الرحمن الرحيم) باب ما جاء ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع الاّ مع اول مرة. 254- حدثنا هنّاد حدثنا وكيعٌ، عن سفيانَ، عن عاصم بن كُلَيْبٍ، عن عبدِ الرحمَنِ بن الأسودِ عن عَلْقَمَةَ قال: قال عبدُ الله (بنُ مسعودٍ): "ألا أُصلي بكمْ صلاةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فصلى، فلم يرفعْ يَديْهِ إلاّ في أول مرة". (قال): وفي البابِ عن البراءِ بن عازبٍ. قال أبو عيسى: حديثُ ابن مسعود حديث حسنٌ. وبه يقولُ غيرُ واحدٍ من أهلِ العلمِ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قولُ سُفيانَ (الثوري) وأهلِ الكوفةِ. قوله: (وابن أبي عمر) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني نزيل مكة. ويقال إن أبا عمر كنية يحيى صدوق صنف المسند وكان لازم ابن عيينة، لكن قال أبو حاتم كانت فيه غفلة (عن سالم) وهو ابن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قوله: (إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع) هذا دليل صريح على أن رفع اليدين في هذه المواضع سنة وهو الحق والصواب ونقل البخاري في صحيحه عقب حديث ابن عمر هذا عن شيخه علي بن المديني قال: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه لحديث ابن عمر هذا وهذا في رواية ابن عساكر وقد ذكره البخاري في جزء رفع اليدين وزاد وكان أعلم أهل زمانه انتهى (وكان لا يرفع بين السجدتين) وفي رواية للبخاري ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود. قوله: (حدثنا الفضل بن الصباح البغدادي) السمسار روى عن ابن عيينة وهشيم وعنه الترمذي وابن ماجه: وثقه ابن معين، قال الحافظ أصله من نها وند ثقة عابد. قوله: (وفي الباب عن عمر وعلي ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأنس وأبي هريرة وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي قتادة وأبي موسى الأشعري وجابر وعمير الليثي) أما حديث عمر فأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الترمذي وصححه أيضاً أحمد بن حنبل فيما حكاه الخلال، وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وأما حديث مالك بن الحويرث فأخرجه البخاري ومسلم، وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن ماجه. وأما حديث أبي حميد فأخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وأخرجه البخاري مختصراً. وأما حديث أبي أسيد وسهل بن سعد فأخرجه أبو داود. وأما حديث محمد بن مسلمة فأخرجه ابن ماجه وأما حديث أبي قتادة فأخرجه أبو داود. وأما حديث أبي موسى الأشعري، فأخرجه الدارقطني. وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه. وأما حديث عمير الليثي فأخرجه ابن ماجه. قال السيوطي في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: إن حديث الرفع متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه الشيخان عن ابن عمر ومالك بن الحويرث ومسلم عن وائل ابن حجر، والأربعة عن علي، وأبو داود عن سهل بن سعد، وابن الزبير وابن عباس ومحمد بن مسلمة وأبي أسيد وأبي قتادة وأبي هريرة وابن ماجه عن أنس وجابر وعمير الليثي، وأحمد عن الحكم بن عمير والبيهقي عن أبي بكر والبراء. والدارقطني عن عمر وأبي موسى. والطبراني عن عقبة بن عامر ومعاذ بن جبل انتهى، قال الحافظ في الفتح وذكر البخاري أن رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، رواه سبعة عشر رجلاً من الصحابة. وذكر الحاكم وأبو القاسم بن مندة ممن رواه العشرة المبشرة وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلاً انتهى. وقال الشوكاني في النيل: وسرد البيهقي في السنن وفي الخلافيات أسماء من روى الرفع نحواً من ثلاثين صحابياً. وقال: سمعت الحاكم يقول: اتفق على رواية هذه السنة العشرة المشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة قال البيهقي: وهو كما قال. قال الحاكم والبيهقي أيضاً: ولا يعلم سنة اتفق على روايتها العشرة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم في الأقطار الشاسعة غير هذه السنة انتهى. قوله: (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر وجابر بن عبد الله إلخ) قال الحافظ في الفتح: قال محمد بن نصر المروزي. أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة. وقد صنف البخاري في هذه المسألة جزءاً مفرداً، وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك قال البخاري: ولم يستثن الحسن أحداً انتهى. قلت: قال البخاري في جزء رفع اليدين: قال الحسن وحميد بن هلال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم لم يستثن أحداً منهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد ولم يثبت عند أهل العلم عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه، ويروى أيضاً عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما وصفنا وكذلك روايته عن عدة من علماء أهل مكة وأهل الحجاز وأهل العراق والشام والبصرة واليمن وعدة من أهل خراسان منهم سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، والنعمان بن أبي عياش، والحسن، وابن سيرين وطاؤس، ومكحول، وعبد الله بن دينار، ونافع مولى عبد الله بن عمر والحسن بن مسلم، وقيس بن سعد، وعدة كثيرة وكذلك يروى عن أم الدرداء أنها كانت ترفع يديها. وقد كان عبد الله بن المبارك يرفع يديه، وكذلك عامة أصحاب ابن المبارك، منهم علي بن الحسين، وعبد بن عمر، ويحيى بن يحيى، ومحدثي أهل بخاري، منهم عيسى بن موسى وكعب بن سعيد، ومحمد بن سلام، وعبد الله بن محمد، والمسندي، وعدة ممن لا يحصى، لا اختلاف بين ما وصفنا من أهل العلم وكان عبد الله بن الزبير وعلي بن عبد الله ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم يثبتون عامة هذه الأحاديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرونها حقاً. وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم انتهى كلام البخاري. (وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) وبه يقول مالك، وهو آخر قوليه وأصحهما، قال الحافظ في الفتح: قال ابن عبد البر: لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم، والذي نأخذ به الرفع حديث ابن عمر وهو الذي رواه ابن وهب وغيره من مالك ولم يحك الترمذي عن مالك غيره، ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قولي مالك وأصحهما، ولم أر للمالكية دليلاً على تركه ولا متمسكاً إلا بقول ابن القاسم انتهى. لطيفة: قال الزيلعي في نصب الراية نقلاً عن جزء رفع اليدين للبخاري: وكان ابن المبارك يرفع يديه وهو أعلم أهل زمانه فما يعرف، ولقد قال ابن المبارك: صليت يوماً إلى جنب النعمان فرفعت يدي فقال لي أنا خشيت أن تطير قال فقلت له إذ لم أطر في الأولى لم أطر في الثانية. قال وكيع: رحم الله ابن المبارك كان حاضر الجواب انتهى. قوله: (حدثنا بذلك) أي بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا أول مرة (عن سفيان بن عبد الملك) المروزي من كبار أصحاب ابن المبارك، ثقة، مات قبل المائتين قاله الحافظ. قوله: (حدثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن سفيان) هو الثوري (عن عاصم بن كليب) قال الحافظ في مقدمة فتح الباري: عاصم بن كليب الجرمي وثقه النسائي وقال ابن المديني: لا يحتج بما ينفرد به. قوله: (فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة) استدل به من قال بنسخ مشروعية رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه، لكن هذا حديث ضعيف كما ستعرف وليس في هذا الباب حديث صحيح. قوله: (وفي الباب عن البراء بن عازب) قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لم يعد. أخرجه أبو داود والدارقطني، وهو من رواية يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه. واتفق الحفاظ على أن قوله: "ثم لم يعد" مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد، ورواه عنه بدونها شعبة والثوري وخالد الطحان وزهير وغيرهم من الحفاظ. وقال الحميدي: إما روى هذه الزيادة يزيد، ويزيد يزيد. وقال عثمان الدارمي عن أحمد بن حنبل: لا يصح، وكذا ضعفه البخاري وأحمد ويحيى الدارمي والحميدي وغير واحد وقال يحيى بن محمد بن يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: هذا حديث واهي، قد كان يزيد يحدث به برهة من دهره لا يقول فيه (ثم لا يعود) فما لقنوه تلقن فكان يذكرها أذا قال الحافظ في التلخيص ص 38، وذكر فيه أن الدارقطني روى من طريق علي بن عاصم عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد هذا الحديث. قال علي بن عاصم: فقدمت الكوفة فلقيت يزيد بن أبي زياد فحدثني به وليس فيه (ثم لا يعود) فقلت له إن ابن أبي ليلى حدثني عنك وفيه "ثم لا يعود" قال لا أحفظ هذا انتهى. قوله: (حديث ابن مسعود حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود، وقد حسن الترمذي كما ذكره الترمذي وقال أبو داود في سننه ص272 بعد رواية هذا الحديث: هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ انتهى. وقال البخاري في جزء رفع اليدين بعد ذكر هذا الحديث: قال أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم قال نظرت في حديث عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب، ليس فيه "ثم لم يعد" فهذا أصح لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم، لأن الرجل يحدث بشيء ثم يرجع إلى الكتاب فيكون كما في الكتاب. حدثنا الحسن بن الربيع، ثنا ابن إدريس عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، ثنا علقمة أن عبد الله قال (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فقام فكبر ورفع يديه، ثم ركع وطبق يديه فجعلهما بين ركبتيه) فبلغ ذلك سعداً فقال: صدق أخي ألا بل قد نفعل ذلك في أول سلام ثم أمرنا بهذا. قال البخاري: وهذا هو المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله بن مسعود انتهى كلام البخاري. وقال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: وأما حديث ابن مسعود (ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة) فإن أبا داود قال: هذا حديث مختصر من حديث طويل وليس بصحيح على هذا المعنى. وقال البزار فيه أيضاً إنه لا يثبت ولا يحتج بمثله. وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه المذكور في هذا الباب فحديث مدني صحيح لا مطعن لأحد فيه. وقد روى نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أزيد من أثنى عشرة صحابياً انتهى كلام ابن عبد البر. وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية: قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل: سألت أبي عن حديث رواه سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فكبر فرفع يديه ثم لم يعد) فقال أبي هذا خطأ يقال وهم فيه الثوري، فقد رواه جماعة عن عاصم وقالوا كلهم (إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق وجعلهما بين ركبتيه) ولم يقل أحد ما روى الثوري إنتهى ما في نصب الراية. وقال الحافظ في التلخيص: وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حزم وقال ابن المبارك: لم يثبت عندي. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه هذا حديث خطأ. وقال أحمد بن حنبل وشيخه يحيى بن آدم: هو ضعيف. نقله البخاري عنهما وتابعهما على ذلك. وقال أبو أبو داود: ليس هو بصحيح. وقال الدارقطني: لم يثبت، وقال ابن حبان في الصلاة هذا أحسن خبر روى لأهل الكوفة في نفي رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه، وهو في الحقيقة أضعف شيء يعول عليه، لأن له عللا تبطله انتهى. فثبت بهذا كله أن حديث ابن مسعود ليس بصحيح ولا يحسن، بل هو ضعيف لا يقوم بمثله حجة. وأما تحسين الترمذي فلا اعتماد عليه لما فيه من التساهل. وأما تصحيح ابن حزم فالظاهر أنه من جهة السند ومن المعلوم أن صحة السند لا تستلزم صحة المتن على أن تصحيح ابن حزم لا اعتماد عليه أيضاً في جنب تضعيف هؤلاء الحفاظ النقاد فالاستدلال بهذا الحديث الضعيف على ترك رفع اليدين ونسخه في غير الإفتتاح ليس بصحيح ولو تنزلنا وسلمنا أن حديث ابن مسعود هذا صحيح وأحسن فالظاهر أن ابن مسعود قد نسيه كما قد نسي أموراً كثيرة. قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية نقلاً عن صاحب التنقيح ليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب، قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد، وهي المعوذتان، ونسي ما اتففق العلماء على نسخه كالتطبيق ونسي كيف قيام الاثنين خلف الإمام. ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر في وقتها ونسي كيفية جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود ونسي كيف كان يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم "وما خلق الذكر والأنثى" وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين انتهى. ولو سلم أن ابن مسعود لم ينس في ذلك فأحاديث رفع اليدين في المواضع الثلاثة مقدمة على حديث ابن مسعود، لأنها قد جاءت عن عدد كثير من الصحابة رضي الله عنهم حتى قال السيوطي: إن حديث الرفع متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عرفت فما قبل وقال العيني في شرح البخاري: إن من جملة أسباب الترجيح كثرة عدد الرواة وشهرة المروي، حتى إذا كان أحد الخبرين يرويه واحد والأخر يرويه أثنان فالذي يرويه اثنان أولى بالعمل به انتهى. وقال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار: ومما يرجح به أحد الحديثين على الاَخر كثرة العدد في أحد الجانبين، وهي مؤثرة في باب الرواية لأنها تقرب مما يوجب العلم وهو التواتر انتهى. ثم حديث ابن مسعود لا يدل على نسخ رفع اليدين في غير الافتتاح، بل إنما يدل على عدم وجوبه، قال ابن حزم في الكلام على حديث البراء بن عازب المذكور فيما تقدم ما لفظه: إن صح دل على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز، فلا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر وغيره انتهى. قلت: هذا كله على تقدير التنزل، وإلا فحديث ابن مسعود ضعيف لا يقوم به حجة كما عرفت. قوله: (وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) روى ذلك عن عمر وعلي وابن عمر ويأتي الكلام على آثار هؤلاء رضي الله عنهم (وهو قول سفيان وأهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة، قال الحنفية: إنه منسوخ بحديث ابن مسعود والبراء وقد عرفنا أنهما ضعيفان لا يقوم بهما الحجة، استدلوا أيضاً بأثر عمر رضي الله عنه رواه الطحاوي وأبو بكر بن أبي شيبة عن الأسود قال: رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود: قلت: فيه إن هذا الأثر بهذا اللفظ غير محفوظ، قال الحافظ ابن حجر في الدراية: قال البيهقي عن الحاكم: رواه ابن الحسن بن عياش عن عبد الملك بن أبجر الزبير بن عدي بلفظ "كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود" وقد رواه الثوري عن الزبير بن عدي بلفظ "كان يرفع يديه في التكبير" ليس فيه "ثم لا يعود" وقد رواه الثوري وهو المحفوظ انتهى. ثم هذا الأثر يعارضه رواية طاؤس عن ابن عمر: أن عمر كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه. قال الزيلعي في نصب الراية: واعترضه الحاكم بأن هذه الرواية شاذة لا يقوم بها الحجة فلا تعارض بها الأخبار الصحيحة عن طاؤس بن كيسان عن ابن عمر أن عمر كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه انتهى وقال الحافظ في الدراية ويعارضه رواية طاؤس عن ابن عمر كان يرفع يديه في التكبير وعند الرفع منه انتهى: قلت: ولرواية طاؤس شاهد ضعيف قال الزيلعي في نصب الراية: أخرج البيهقي عن رشدين بن سعد عن محمد بن سهم عن سعيد بن المسيب قال رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا رفع رأسه من الركوع انتهى. تنبيه: زعم النيموي أن زيادة قوله: إن عمر بعد قوله عن ابن عمر في نصب الراية هي سهو غير صحيحة، قال والصواب هكذا عن طاؤس بن كيسان عن ابن عمر كان يرفع يديه الخ. وقد قال الحافظ ابن حجر في الدراية وهو مختصر من نصب الراية، ويعارضه رواية طاؤس عن ابن عمر كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه وقال ابن الهمام في فتح القدير وعارضه الحاكم برواية طاؤس بن كيسان عن ابن كيسان عن ابن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه الخ قال. فثبت بهذه الأقوال أن الحاكم عارضه به رواية ابن عمر لا برواية عمر بن الخطاب انتهى كلام النيموي. قلت: دعوى السهو في زيادة قوله: "إن عمر" باطلة جداً كيف وقد حكم الحاكم بشذوذ أثر عمر من طريق الأسود قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود برواية طاؤس عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه فهذا دليل واضح على أن قوله إن عمر في رواية طاؤس صحيح ثابت، فإنه لا يحكم بشذوذ أثر صحابي بأثر صحابي آخر. وأما قول الحافظ في الدراية ويعارض رواية طاؤس عن ابن عمر، كان يرفع يديه الخ فحذف الحافظ لفظ "أن عمر" اختصاراً. والضمير في كان يرجع إلى عمر وكذلك فعل ابن الهمام في فتح القدير ومثل هذا الحذف شائع اختصارً واعتماد على الرواية السابقة. واستدلوا أيضاً بأثر علي رضي الله عنه رواه الطحاوي وابن أبي شيبة والبيهقي عن عاصم بن كليب عن أبيه أن علياً يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يرفع بعد. قال الزيلعي: هو أثر صحيح. وقال العيني في عمدة القاريء: إسناد عاصم بن كليب صحيح على شرط مسلم. قلت: أثر على هذا ليس بصحيح وإن قال الزيلعي هو أثر صحيح وقال العيني إسناده صحيح على شرط مسلم. قال الإمام البخاري في جزء رفع اليدين: قال عبد الرحمن بن مهدي: ذكرت للثوري حديث النهشلي عن عاصم بن كليب فأنكره انتهى. قلت: وانفرد بهذا الأثر عاصم بن كليب قال الذهبي في الميزان كان من العباد الأولياء لكنه مرجيء وثقه يحيى بن معين وغيره، وقال ابن المديني لا يحتج بما انفرد به انتهى ولو سلم أن أثر على هذا صحيح فهو لا يدل على النسخ كما زعم الطحاوي وغيره. قال صاحب التعليق الممجد الحنفية: ذكر الطحاوي بعد روايته عن علي لم يكن علي ليرى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يترك إلا وقد ثبت عنده نسخه انتهى. وفيه نظر فقد يجوز أن يكون ترك علي وكذا ترك ابن مسعود وترك غيرهما من الصحابة إن ثبت عنهم لأنهم لم يروا الرفع سنة مؤكدة يلزم الأخذ بها ولا ينحصر ذلك في النسخ بل لا يجترء بنسخ أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد حسن الظن بالصحابي مع إمكان الجمع بين فعل الرسول وفعله انتهى كلام صاحب التعليق الممجد. واستدلوا أيضاً بأثر ابن عمر رواه الطحاوي وأبو بكر ابن أبي شيبة والبيهقي في المعرفة عن مجاهد قال: صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة. قلت: أثر ابن عمر هذا ضعيف من وجوه: الأول أن في سنده أبا بكر بن عياش وكان تغير حفظه بآخره، والثاني أنه شاذ فإن مجاهداً خالف جميع أصحاب ابن عمر وهم ثقات حفاظ والثالث أن إمام هذا الشأن يحيى بن معين قال حديث أبي بكر عن حصين إنما هو توهم منه لا أصل له. قال الإمام البخاري في جزء رفع اليدين ويروى عن أبي بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد أنه لم ير ابن عمر رفع يديه إلا مرة في أول التكبير وروى عنه أهل العلم أنه لم يحفظ من ابن عمر إلا أن يكون سها، ألا ترى أن ابن عمر كان يرمي من لا يرفع يديه بالحصى فكيف يترك ابن عمر شيئاً يأمر به غيره وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعله. قال البخاري: قال يحيى بن معين: حديث أبي بكر عن حصين إنما هو توهم منه لا أصل له انتهى مختصراً. وقال البيهقي في كتاب المعرفة: حديث أبي بكر بن عياش هذا أخبرناه أبو عبد الله الحافظ فذكره بسنده ثم أسند عن البخاري أنه قال: أبو بكر بن عياش أختلط بآخره، وقد رواه الربيع والليث وطاؤس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا: رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع وكان يرويه أبو بكر قديماً عن حصين عن ابراهيم عن ابن مسعود مرسلاً موقوفاً: أن ابن مسعود كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يرفعهما بعد. وهذا هو المحفوظ عن أبي بكر بن عياش، والأول خطأ فاحش لمخالفته الثقات من أصحاب ابن عمر. قال الحاكم كان أبو بكر بن عياش من الحفاظ المتقين ثم اختلط حين ساء حفظه فروى ما خولف فيه، فكيف يجوز دعوى نسخ حديث ابن عمر بمثل هذا الحديث الضعيف أو نقول إنه ترك للجواز إذا لا يقول بوجوبه، ففعله يدل على أنه سنة وتركه على أنه غير واجب انتهى كذا في نصب الراية للزيلعي. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وأما الحنفية فعولوا على رواية مجاهد أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك وأجيبوا بالطعن في إسناده لأن أبا بكر بن عياش رواية ساء حفظه بآخره وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما، والعدد الكثير أولى من واحد، لا سيما وهم مثبتون وهو ناف مع أن الجمع بين الروايتين ممكن وهو أنه لم يره واجباً، ففعله تارة تركه أخرى انتهى كلام الحافظ. وقال الفاضل اللكنوي في تعليقه على موطأ محمد المشهور في كتب أصول أصحابنا: إن مجاهداً قال صحبت ابن عمر عشر سنين فلم أره يرفع يديه إلا مرة وقالوا: قد روى ابن عمر حديث الرفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه. والصحابي الراوي إذا ترك مروياً ظاهراً في معناه غير محتمل للتأويل يسقط الاحتجاج بالمروي وقد روى الطحاوي من حديث أبي بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد أنه قال: صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة ثم قال فهذا ابن عمر قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع ثم قد ترك الرفع بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخه وههنا أبحاث: الأول: مطالبة إسناد ما نقلوه عن مجاهد من أنه صحب عشر سنين ولم ير ابن عمر فيها يرفع يديه إلا في التكبير الأول. الثاني: المعارضة بخبر طاؤس وغيره من الثقات أنهم رأوا ابن عمر يرفع. والثالث: إن في طريق الطحاوي أبو بكر بن عياش وهو متكلم فيه لا توازي روايته رواية غيره من الثقات. قال البيهقي في كتاب المعرفة بعد ما أخرج حديث مجاهد من طريق ابن عياش قال البخاري: أبو بكر بن عياش اختلط بآخره، وقد رواه الربيع وليث وطاؤس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم، قالوا رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع ثم ذكر كلام البيهقي إلى آخر ما نقلته فيما تقدم ثم قال: فإن قلت: آخذاً من شرح معاني الآثار أنه يجوز أن يكون ابن عمر فعل ما رآه طاؤس قبل أن تقوم الحجة بنسخه ثم لما ثبت بنسخه عنده تركه وفعل ما ذكره مجاهد. قلت: هذا مما لا يقوم به الحجة، فإن لقائل أن يعارض ويقول: يجوز أن يكون فعل على أن احتمال النسخ من غير دليل فلا يسمع، فإن قال قائل: الدليل هو خلاف الراوي مرويه قلنا لا يوجب ذلك النسخ كما مر. والرابع: وهو أحسنها أنا سلمنا ثبوت الترك عن ابن عمر لكن يجوز أن يكون تركه لبيان الجواز أو لعدم رواية الرفع سنة لازمة، فلا يقدح ذلك في ثبوت الرفع عنه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والخامس: أن ترك الراوي مرويه إنما يكون مسقطاً للاحتجاج عند الحنفيه إذا كان خلافه بيقين كما هو مصرح في كتبهم وههنا ليس كذلك، لجواز أن يكون الرفع الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمله ابن عمر على العزيمة وترك أحياناً بياناً للرخصة، فليس تركه خلافاً لروايته بيقين انتهى ما في التعليق الممجد. تنبيه: قال صاحب العرف الشذي: ولنا ما في الطحاوي بسند قوي عن ابن أبي زياد عن أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش قال: ما رأيت فقيها قط يرفع يديه في غير تكبير التحريمة انتهى. قلت: لعل قول أبي بكر بن عياش هذا إنما هو ما ساء حفظه واختلط كيف وقد اعترف صاحب العرف الشذي بأنه قد ثبت الرفع تواتراً عملاً لا يمكن لأحد إنكاره. وقال الإمام محمد بن نصر: أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة كما عرفت. وقال: ولنا حديث آخر مرفوع عن ابن عمر أنه عليه السلام لا يرفع يديه إلا في أول مرة في خلافيات البيهقي، ونقله الزيلعي في التخريج وقال الحاكم إنه موضوع ولم أطلع على أول إسناده (إلى قوله) فلعل إسناده قوي انتهى. قلت: حديث ابن عمر هذا باطل موضوع، قال الزيلعي في نصب الراية بعد نقل هذا الحديث من خلافيات البيهقي ما لفظه: قال البيهقي: قال الحاكم هذا باطل موضوع وهو كما قال، انتهى كلام الحافظ. فهدى الله سبحانه وتعالى هؤلاء المقلدين الذي يتركون حديث ابن عمر الصحيح المتفق عليه ويتمسكون بحديثه الذي حكم الحاكم عليه بأنه موضوع ولا سيما هذا المقلد الذي مع عدم اطلاعه على أول إسناد هذا الحديث، ومع علمه بأن الحاكم حكم عليه بأنه موضوع يرجو أن إسناده قوي ويتمسك به. وقال: ولنا حديث آخر مرسل عن عباد بن عبد الله بن الزبير، وعباد تابعي، قال لم يرفع النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أول مرة. ومر عليه الحافظ في الدراية وقال ولينظر في إسناده، وإني رأيت السند وبدا لي في نصب الراية سهو الكاتب، فإنه كتب محمد أبي يحيى وهو غير مشهور، والحق أنه محمد بن أبي يحيى وهو ثقة: فصار السند صحيحاً انتهى. قلت: لم يقل الحافظ في الدراية ولينظر في إسناده، بل قال: وهذا مرسل. وفي إسناده أيضاً من ينظر فيه، فتكلم الحافظ على هذا الحديث بوجهين: الأول أنه مرسل والمرسل على القول الراجح ليس بحجة، والثاني أن في إسناده من ينظر فيه فكل من يدعي صحة إسناد هذا الحديث فعليه أن يثبت كون كل واحد من رجال سنده ثقة قابلاً للاحتجاج واتصاله ودونه خرط القتاد. وأما دعوى سهو الكاتب في محمد أبي يحيى فبعد تسليم صحتها لا تستلزم صحة سند هذا الحديث، فإن فيه من لا يعرف حاله من كتب الرجال. واستدلوا أيضاً بحديث جابر بن سمرة قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، أسكنوا في الصلاة" رواه مسلم. والجواب: أنه لا دليل فيه على منع الرفع على الهيئة المخصوصة في المواضع المخصوصة وهو الركوع والرفع منه، لأنه مختصر من حديث طويل. وبيان ذلك أن مسلماً رواه أيضاً من حديث جابر بن سمرة قال: "كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيديه إلى الجانبين، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم على ما تؤمنون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس، إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله" وفي رواية "إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومي بيديه" وقال ابن حبان: ذكر الخبر المتقصي للقصة المختصرة المقتدمة، بأن القوم إنما أمروا بالسكون في الصلاة عند الإشارة بالتسليم دون الرفع الثابت عند الركوع ثم رواه كنحو مسلم. قال البخاري: من احتج بحديث جابر بن سمرة منع الرفع عند الركوع فليس له خط من العلم هذا مشهور لا خلاف فيه أنه إنما كان في حال التشهد كذا في التلخيص الحبير. وقال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث جابر بن سمرة المختصر المذكور ملخصه: واعترضه البخاري في كتابه الذي وضعه في رفع اليدين فقال: وأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث تميم بن طرفة بن جابر بن سمرة، فذكر حديثه المختصر وقال: وهذا إنما كان في التشهد لا في القيام، ففسره رواية عبد الله بن القبطية، قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: كما إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه الطويل المذكور ثم قال البخاري: ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضاً منهياً عنه لأنه لم يستثن رفعاً دون رفع بل اطلق انتهى. قال الزيلعي: ولقائل أن يقول: إنهما حديثان لا يفسر أحدهما الاَخر كما جاء في لفظ الحديث الأول: اسكنوا في الصلاة. والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له اسكن في الصلاة إنما يقال ذلك لمن رفع يديه في أثناء الصلاة هو حالة الركوع والسجود ونحو ذلك، هذا هو الظاهر والراوي روى هذا في وقت كما شاهده وروى الاَخر في وقت آخر كما شاهده، وليس في ذلك بعد انتهى. قلت: لم يجب الزيلعي عن قول البخاري: ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضاً منهياً عنه. فما هو جوابه عنه فهو جوابنا عن الرفع عند الركوع والرفع منه وأما قوله والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له اسكن في الصلاة فهو ممنوع بل الذي يرفع يديه قبل الفراغ والانصراف من الصلاة وإن كان حال التسليم الأول والثاني، فما لم يفرغ من التسليم الثاني هو في الصلاة ألا ترى أن عبد الله بن الزبير رأى رجلاً رافعاً يديه يدعو قبل أن يفرغ من صلاته فلما فرغ منها قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته رواه الطبراني ورجاله ثقات فتفكر.
255- حدثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ حدثنا أبو بكرِ بنُ عيّاشٍ حدثنا أبو حَصِينٍ عن أبي عبدِ الرحمن السّلَمِيّ قال: قال لنا عمرُ بنُ الخطّابِ (رضي الله عنه) "إنّ الرّكَبَ سُنّتْ لكم فَخُذُوا بالرّكَبِ". قال: وفي الباب عن سعدٍ وأنسٍ وأبي حُمَيْدٍ وأبي أسَيْدٍ وسَهْلِ بنِ سَعدٍ ومحمدِ بن مَسْلَمَةَ وأبي مسعود. قال أبو عيسى: حديثُ عمرَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. والعملُ عَلَى هذا عند أهلِ العلمِ مِنْ أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم والتابعينَ ومَن بَعدهم، لا اختلافَ بينَهم في ذلك، إلا ما رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ وبعضِ أصحابِه: أنّهُم كانوا يُطَبّقُونَ. والتطبيقُ منسوخٌ عند أهل العلم. 256- قال سعدُ بنُ أبي وقاصٍ "كُنّا نفعلُ ذلك فَنُهينا عنه وأُمِرنا أن نضعَ الأكُفّ على الرّكَب". (قال) حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو عَوَانَةَ عن أبي يَعْفُورٍ عن مُصْعَبِ بنِ سَعدٍ عن أبيه سعد بهذا. (وأبو حميد الساعدي اسمه عبد الرحمن بن سعد بن المنذر) (وأبو سعيد الساعدي اسمه مالك بن ربيعة) (وأبو حصين اسمه عثرة بن عاصم الاسدي) (وأبو عبدالرحمن السلمي اسمه عبدالله بن حبيب) (وأبو يعفور عبدالرحمن بن عبيد بن نطاس) (وأبو يعفور العبدلي اسمه واقد ويقال وقدامه وهو الذي روى عن عبد الله بن ابي أوخ) (وكلاهما من أهل الكوفة). قوله: (نا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملة اسمه عثمان بن عاصم الكوفي الأسدي أحد الأئمة الأثبات. قال الحافظ في التقريب: ثقة ثبت سني وربما دلس من الرابعة انتهى. وقال في الخلاصة: قال أبو شهاب الخياط: سمعت أبا حصين يقول: إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر، مات سنة 128 ثمان وعشرين ومائة (عن أبي عبد الرحمن السلمي) بفتح السين واللام كذا في المغنى، اسمه عبد الله بن حبيب الكوفي مشهور بكنيته ثقة ثبت ولأبيه صحبة. قوله: (إن الركب) جمع ركبة (سنت لكم) بصيغة المجهول والضمير يرجع إلى الركب أي سن أخذها لكم ففيه مجاز الحذف. وفي رواية النسائي: قال عمر: إنما السنة الأخذ بالركب (فخذوا بالركب) أي في الركوع. وروى البيهقي هذا الحديث بلفظ: كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا، فقال عمر إن من السنة الأخذ بالركب. قال الحافظ في فتح الباري بعد ذكر هذه الرواية: هذا حكمة حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال: ألسنة كذا أو سن كذا، كان الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا سيما إذا قاله مثل عمر رضي الله عنه انتهى. قوله: وفي الباب عن سعد وأنس وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي مسعود (أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه الجماعة). وأما حديث أنس وهو ابن مالك فأخرجه أبو يعلى والطبراني في الصغير كذا في شرح سراج أحمد السرهندي. وأما حديث أبي حميد فأخرجه الخمسة إلا النسائي عنه أنه قال وهو في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" الحديث، وفيه في بيان هيئة الركوع: ووضع يديه على ركبتيه وأخرجه البخاري مختصراً وقد سمي من العشرة أبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة في رواية أحمد كما ذكره الحافظ في الفتح. وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي. قوله: (حديث عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي. قوله: (إلا ما روى عن ابن مسعود وبعض أصحابهم أنهم كانوا يطبقون) رواه عنه مسلم وغيره من طرق ابراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فذكر الحديث وفيه فوضعنا أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل هذا على أن ابن مسعود لم يبلغه النسخ. قوله: (والتطبيق منسوخ عند أهل العلم) التطبيق هو إلصاق بين باطني الكفين وجعلهما بين الفخذين. ويدل على نسخ التطبيق حديث سعد بن أبي وقاص كما ذكره الترمذي بقوله: قال سعد بن أبي وقاص إلخ: وروى ابن خزيمة عن علقمة عن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع فبلغ ذلك سعداً فقال: صدق أخي، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا يعني الإمساك بالركب. قال الحافظ: فهذا شاهد قوي لطريق مصعب بن سعد قال: وروى عبد الرزاق عن معمر ما يوافق قول سعد. أخرجه من وجه أخر عن علقمة والأسود، قال: صلينا مع عبد الله فطبق ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا، فلما انصرف قال: ذلك الشيء كنا نفعله ثم ترك انتهى. وقال الحازمي في كتاب الإعتبار بعد رواية حديث التطبيق من طريقين ما لفظه: قد اختلف أهل العلم في هذا الباب، ذهب نفر إلى العمل بهذا الحديث، منهم عبد الله بن مسعود والأسود بن يزيد وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن الأسود، وخالفهم في ذلك كافة أهل العلم من الصحابة والتابعين فيمن بعدهم، ورأوا أن الحديث الذي رواه ابن مسعود كان محكماً في ابتداء الإسلام ثم نسخ ولم يبلغ ابن مسعود نسخه، وعرف ذلك أهل المدينة فرووه وعملوا به، ثم ذكر الحازمي بإسناده عن مصعب بن سعد قال: صليت إلى جنب أبي فلما ركعت جعلت يدي بين ركبتي فنحاهما، فعدت فنحاهما، وقال: إنما كنا نفعل هذا فنهينا عنه وأمرنا أن نضع الأيدي على الركب قال هذا حديث صحيح ثابت أخرجه البخاري في الصحيح عن أبي الوليد عن شعبة، وأخرجه مسلم من حديث أبي عوانة عن أبي يعفور، وله طرق في كتب الأئمة ثم روى بإسناده عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله قال: "علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فرفع يديه ثم ركع فطبق ووضع يديه بين ركبتيه، فبلغ ذلك سعداً فقال: صدق أخي كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا ووضع يديه على ركبتيه" قال: ففي إنكار سعد حكم التطبيق بعد إقراره بثبوته دلالة على أنه عرف الأول والثاني وفيهم الناسخ والمنسوخ انتهى كلام الحازمي. (قال سعد بن أبي وقاص: كنا نفعل ذلك إلخ) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما كما عرفت في كلام الحازمي.
257- حدثنا محمد بشار بُنْدَارٌ حدثنا أبو عامِرٍ العَقَدِيّ حدثنا فُلَيْحُ بنُ سليمانَ حدثنا عبّاسُ بنُ سَهْل بن سعد قال: "اجتمع أبو حُمَيْدٍ وأبو أُسَيْدٍ وسهلُ بنُ سعدٍ ومحمدُ ابن مَسْلَمَةَ فذكروا صلاةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حُمَيْدٍ: أنَا أعْلَمُكُمْ بصلاَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ركعَ فَوضَعَ يَدْيهِ عَلَى ركبتَيْهِ كأَنّهُ قَابضٌ عليهِما، ووتّرَ يديْهِ فَنَحّاهُما عن جَنْبَيْهِ". قال: وفي الباب عن أنسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ أبي حُميدٍ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ.. وهو الذي اختارهُ أهلُ العلمِ: أن يُجَافِيَ الرجلُ يديْهِ عن جَنْبَيْهِ في الركوعِ والسجودِ. قوله: (حدثنا أبو عامر العقدي) بفتح العين المهملة والقاف اسمه عبد الملك بن عمر ثقة (حدثنا فليح) بضم الفاء مصغراً (بن سليمان) بن أبي المغيرة الخزاعي أو الأسلمي أو يحيى المدني، ويقال فليح لقب واسمه عبد الملك صدوق كثير الخطأ من السابعة مات سنة 168 ثمان وستين ومائة (حدثنا عباس بن سهل) بن سعد السعدي ثقة من الرابعة (قال اجتمع أبو حميد) بالتصغير (وأبو أسيد) بالتصغير أيضاً (وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة) كذا ذكر عباس بن سهل في روايته اجتماع أبي حميد مع هؤلاء الثلاثة: وقال محمد بن عمرو بن عطاء في روايته عن أبي حميد الساعدي: قال سمعته وهو في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم أبو قتادة بن ربعي يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ، وتأتي هذه الرواية في باب وصف الصلاة. قوله: (ووتر يديه) من التوتير وهو جعل الوتر على القوس. قال في النهاية: أي جعلهما كالوتر من قولك: وترت القاموس- وأوترته شبه يد الراكع إذا مدّها قابضاً على ركبتيه بالقوس إذا أوترت انتهى. (فنحاهما عن جنبيه) من نحى ينحى تنحية إذا أبعد يعني أبعد يديه عن جنبيه حتى كانت يده كالوتر وجنبه كالقوس. قوله: (وفي الباب عن أنس) أخرجه الأزرقي في كتاب مكة من طريق إسماعيل ابن رافع عن أنس كذا في شرح الترمذي لسراج أحمد السرهندي. قوله: (وحديث أبي حميد حديث حسن صحيح)، وأخرجه أبو داود بلفظ الترمذي.
258- حدثنا عليّ بن حُجْرٍ أخبرنَا عيسى بنُ يونسَ عن ابنِ أبي ذئبٍ عن إسحاقَ بنِ يَزيدَ الهُذَليّ عن عَوْنِ بنِ عَبْدِ الله بن عُتْبَةَ عن ابنِ مسعودٍ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رَكعَ أحدُكُم فقَالَ في ركوعِه: سبحانَ رَبّيَ العظيم ثلاث مراتٍ فقد تمّ ركُوعُهُ، وذلك أدناهُ. وإذا سجدَ فقالَ في سجودهِ: سبحانَ رَبّيَ الأعْلَى ثلاثَ مرّاتٍ، فقد تمّ سجودُهُ، وذلك أدناه". قال: وفي البابِ عن حُذَيْفَةَ وَعُقْبَةَ بنِ عَامرٍ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ مسعودٍ ليس إسنادُهُ بمتصلٍ، عَوْنُ بنُ عبدِ الله بنُ عُتبَة لم يَلْقَ ابن مسعودٍ. والعَملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ: يَستَحبون ألاّ يَنْقُصَ الرجلُ في الركوعِ والسجودِ مِنْ ثلاثِ تسبيحاتٍ. ورُوِيَ عن ابن المُبَارَكِ أنّه قال أستَحِبّ للإمامِ أن يُسّبحَ خَمسَ تَسبيحاتٍ لِكَيْ يُدرِكَ مَنْ خَلفَه ثَلاَث تَسْبيحاتٍ. وهكذا قال إسحاقُ بنُ إبراهيم. 259- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلانَ حدثنا أبو داودَ قال أنبأنَا شُعْبَةُ عن الأعْمشِ قال: سَمِعتُ سعدَ بنَ عبيدَةَ يحدّثُ عن المسْتَوْرِد عن صِلَةَ بنِ زُفَرَ عن حُذَيْفَةَ "أنّه صلى مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فكان يقولُ في ركوعِهِ: سبحانَ رَبّيَ العَظِيمُ، وفي سُجُودِهِ: سبحانَ رَبّيَ الأعْلَى، ومَا أتَى على آيةِ رْحمَة إلاّ وَقَفَ وَسَأَلَ، ومَا أتى عَلَى آيةِ عَذَابٍ إلاّ وقَف وتعوّذَ". قال أبو عيسى: وهذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. 260- (قال) (و) حدثنا محمد بن بَشّارٍ حدثنا عبدُ الرحمن بن مهدي عن شُعْبَةَ نحوَه. (وقد روى عن حذيفة هذا الحديث من غير هذا الوجه أنّه صلى بالليل نع النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث) قوله: (عن ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب ثقة فقيه فاضل (عن إسحقا بن يزيد الهذلي) قال في التقريب مجهول (عن عون بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي الكوفي ثقة عابد من الرابعة. قوله: (وذلك أدناه) أي أدنى تمام ركوعه، قال ابن الملك: أي أدنى الكمال في العدد، وأكمله سبع مرات، فالأوسط خمس مرات، كذا في المرقاة: قال الماوردي: إن الكمال إحدى عشرة أو تسع، وأوسطه خمس، ولو سبح مرة مرة حصل التسبيح. انتهى. وقيل: إن الكمال عشر تسبيحات، ويدل عليه ما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن سعيد بن جبير عن أنس قال: "ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز، قال فحذرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات". قال الشوكاني: فيه حجة لمن قال إن كمال التسبيح عشر تسبيحات، والأصح أن المنفرد يزيد في التسبيح ما أراد وكلما زاد كان أولى والأحاديث الصحيحة في تطويله صلى الله عليه وسلم ناطقة بهذا. وكذلك الإمام إذا كان المؤتمون لا يتأذون بالتطويل انتهى كلامه. قلت: الأولى للمنفرد أن يقتصر في التسبيح على قدر ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلواته الطويلة منفرداً، وأما الإمام فالأولى له بل المتعين له التخفيف في تمام. وأما إذا كان المؤتمون لا يتأذون بالتطويل فهل يزيد الإمام في التسبيح ما أراد ويطول في الركوع والسجود ما شاء كما قال الشوكاني أو يخفف في هذه الصورة، أيضاً، فقال ابن عبد البر: ينبغي لكل إمام أن يخفف لأمره صلى الله عليه وسلم وإن علم قوة من خلفه فإنه لايدري ما يحدث عليهم من حادث وشغل وعارض وحاجة وحدث وغيره، انتهى. وقد تقدم الكلام في هذا في باب إذا أم أحدكم الناس فليخفف. قوله: (وفي الباب عن حذيفة وعقبة بن عامر) أما حديث حذيفة فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وأخرجه الترمذي أيضاً في هذا الباب. وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه ولفظه. قال: لما نزلت {فسبح باسم ربك العظيم} قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم" فلما نزلت {سبح اسم ربك الأعلى} قال: "اجعلوها في سجودكم". قوله: (ليس إسناده بمتصل) ومع عدم اتصال السند فيه إسحاق بن يزيد الهذلي وهو مجهول كما عرفت. وقال الشوكاني: قال ابن سيد الناس لا نعلمه وثق ولا عرف إلا برواية ابن أبي ذئب عنه خاصة، فلم ترتفع عنه الجهالة العينية ولا الحالية. انتهى. وحديث ابن مسعود هذا أخرجه أيضاً الشافعي وأبو داود وابن ماجه. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبون أن لا ينقص الرجل في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات) واستدل على ذلك بحديث ابن مسعود المذكور، وقد عرفت أنه منقطع ومع انقطاعه في سنده مجهول، وبحديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثاً. وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثاً رواه البزار والطبراني في الكبير. وقال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد، وعبد الرحمن بن أبي بكرة صالح الحديث، كذا في مجمع الزوائد، وبحديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثاً، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً. وراه البزار والطبراني في الكبير. قال البزار لا يروى عن جبير إلا بهذا الإسناد: وعبد العزيز بن عبيد الله صالح ليس بالقوي، كذا في مجمع الزوائد، وبحديث أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فلما ركع قال: سبحان الله وبحمده ثلاث مرات ثم رفع رأسه. رواه الطبراني في الكبير، وفيه شهر بن حوشب وفيه بعض كلام وقد وثقه غير واحد، كذا في مجمع الزوائد. والظاهر أن هذه الأحاديث بمجموعها تصلح بأن يستدل بها على استحباب أن لا ينقص الرجل في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات والله تعالى أعلم. قوله: (وروى عن ابن المبارك أنه قال: أستحب أن يسبح خمس تسبيحات إلخ) قال القاضي الشوكاني في النيل بعد نقل قول ابن المبارك هذا عن الترمذي ونقل قول الماوردي الذي تقدم ما لفظه: لا دليل على تقييد الكمال بعدد معلوم، بل ينبغي الاستكثار من التسبيح على مقدار تطويل الصلاة من غير تقييد بعدد. وأما إيجاب سجود السهو فيما زاد على التسع واستحباب أن يكون عدد التسبيح وتراً لا شفعاً فيما زاد على الثلاث فمما لا دليل عليه، انتهى. (وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو محمد بن راهويه المروزي ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل قاله الحافظ. قوله: (حدثنا أبو داود) هو الطيالسي إسمه سليمان بن داود (عن الأعمش) هو سليمان بن مهران (قال سمعت سعد بن عبيدة) بضم العين السلمي أبو حمزة الكوفي وثقة النسائي (يحدث عن المستورد) بضم أوله وإسكان المهملة وفتح المثناة وكسر الراء ابن الأحنف الكوفي وثقه ابن المديني (عن صلة) بكسر أوله وفتح اللام الخفيفة (ابن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء العبسي بالموحدة الكوفي تابعي كبير ثقة جليل قاله الحافظ. قوله: (إنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية مسلم صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء الخ، فظهر بهذه الرواية أن هذه الصلاة التي صلى حذيفة معه صلى الله عليه وسلم كان صلاة الليل (إلا وقف وسأل) أي الرحمة (إلا وقف وتعوذ) أي من عذاب الله. قال الشيخ عبد الحق في اللمعات: الظاهر أنه كان في الصلاة وهو محمول عندنا على النوافل. قلت: قد وقع في رواية مسلم: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة كما عرفت، وهذا نص صريح في أن وقوفه صلى الله عليه وسلم وسؤاله عند الإتيان على آية الرحمة وكذا وقوفه وتعوذه عند الإتيان على آية العذاب كان في صلاة الليل. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم.
261- حدثنا إسْحَاقُ بن موسى الأنصاريّ حدثنا مَعْنٌ حدثنا مالكٌ (بن انس) (ح.) وحدثنا قُتَيْبَةُ عن مالِكٍ عن نافِعٍ عن إِبْرَاهِيمَ بنِ عبدِ الله بنِ حُنَيْنٍ عن أبيهِ عن عليّ بن أبي طالب "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن لُبْسِ القَسّيّ، والمُعَصْفَرِ وعن تَخَتّمِ الذّهَبِ، وعَن قِرَاءَةِ القُرآنِ فِي الركوع". قال: وفي البابِ عن ابن عباسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ علي حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ، وهو قولُ أهل العلمِ مِنْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم (والتابعين) ومَنْ بَعدهُم. كَرِهوا القراءةَ في الركوع والسجود. قوله: (عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) بضم الحاء المهملة مصغراً الهاشمي مولاهم المدني ثقة (عن أبيه) ثقة. قوله: (نهى عن لبس القسي) قال الباجي بفتح القاف وتشديد السين قال: فسره ابن وهب بأنها ثياب مضلعة يريد مخططه بالحرير، وكانت تعمل بالقس وهو موضع بمصر يلي الفرما. وفي النهاية هي: ثياب من كتان مخلوط بالحرير يؤتى بها من مصر نسبت إلى قرية على ساحل البحر قريباً من تنيس يقال لها القس بفتح القاف وبعض أهل الحديث يكسرها وقيل أصل القسي القزي منسوب إلى القز وهو ضرب من الإبريسم أبدل الزاء سيناً كذا في تنوير الحوالك (والمعصفر) أي ما صبغ بالعصفر (وعن تختم الذهب) النهي عنهما للرجال دون النساء (وعن قراءة القرآن في الركوع) قال الخطابي: لما كان الركوع والسجود وهما في غاية الذل والخضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح نهي عن القراءة فيهما. قوله: (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. وفيه: ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً وساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم. قوله: (وحديث علي حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه.
|