الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
355- حدثنا عبدُ الأعلى بنُ واصل بن عبد الأعلى الكوفيّ حدثنا محمدُ بنُ القاسمٍ الأسديّ عن الفضلِ بنِ دَلْهَمٍ عن الحسنِ قال: سمعتُ أنسَ بنَ مالك يقول: "لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةً: رجلٌ أمّ قوماً وهُم لهُ كارهُون، وامرأةٌ باتَتْ وزوجُها عليها ساخطٌ، ورجلٌ سمعَ حيّ عَلَى الفلاَحِ ثُمّ لم يُجِب". (قال) وفي البابِ عن ابن عباسٍ وطلحَةَ وعبدِ الله بن عمرٍو وأبي أمامة. قال أبو عيسى: حديثُ أنسٍ لا يصحّ لأنّهُ قد رُوِي هذا الحديث عن الحسنِ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً. (قال أبو عيسى): ومحمدُ بنُ القاسِمِ تَكَلّم فيه أحمدُ بنُ حنبلٍ (وضَعّفهُ) وليسَ بالحافظِ. وقد كرِه قومٌ من أهلِ العلمِ أن يؤُمّ الرّجُلُ قوماً وهم له كارهُون. فإذا كان الإمامُ غيرَ ظالمٍ، فإنما الإثمُ على من كرِهَهُ. وقال أحمدُ وإسحاقُ في هذا: إذا كرِهَ واحدٌ أو إثنانِ أو ثلاثةٌ فلا بأسَ أن يصلّيَ بهم حتى يكرَههُ أكثرُ القومِ. 356- حدثنا هنادٌ حدثنا جريرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ هلالِ بنِ يِسَافٍ عنْ زِيادِ بنِ أبي الجعد عنْ عمرِو بنِ الحارِثِ بنِ المصطلقِ قالَ: "كانَ يقالُ أشدُ الناسِ عذَاباً (يوم القيامة) اثنانِ: امرأةٌ عصتْ زوجَها وإمامُ قومٍ وهُمْ لَهُ كارِهُونَ". (قال هنّاء) قال جريرٌ: قالَ منصورٌ: فسألنَا عن أمرِ الإمامِ. فقِيلَ لَنَا: إنما عنَى بهذَا أَئِمّةً ظَلَمَةً، فأمّا من أقامَ السنةَ فإنمَا الإثمُ عَلَى منْ كرِهَهُ. 357- حدثنا محمدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدثنا عليّ بنُ الحسنِ حدثنا الحسينُ بنُ واقدٍ حدثنا أبُو غالبٍ (قال): سمعتُ أبا أُمامَةَ يقولُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لاَ تُجاوِزُ صلاتُهمْ آذانَهُمْ: العبدُ الاَبقُ حتّى يَرْجِعَ وامرأةٌ باتتْ وزوجُهَا عليها ساخِطٌ، وإمامُ قومٍ وهُمْ له كارهُونَ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ منْ هذا الوجهِ. وأبو غالبٍ اسمه حَزَوّرٌ. قوله: (أخبرنا محمد بن القاسم الأسدي) قال العراقي: لم أر له عند المصنف يعني الترمذي إلا هذا الحديث وليس له في بقية الكتب شيء وهو ضعيف جداً كذبه أحمد والدارقطني، وقال أحمد أحاديثه موضوعة (عن الفضل بن دلهم) بفتح الدال وسكون اللام بوزن جعفر هو لين رمي بالاعتزال من السابعة (عن الحسن) هو الحسن البصري. قوله: "رجل أم قوماً وهم له كارهون" لأمر مذموم في الشرع، وإن كرهوا لخلاف ذلك فلا كراهة: قال ابن الملك: كارهون لبدعته أو فسقه أو جهله، أما إذا كان بينه وبينهم كراهة عداوة بسبب أمر دنيوي فلا يكون له هذا الحكم "وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط" هذا إذا كان السخط لسوء خلقها أو سوء أدبها أو قلة طاعتها: أما إن كان سخط زوجها من غير جرم فلا إثم عليها، قاله ابن الملك. وقال المظهر: هذا إذا كان السخط لسوء خلقها وإلا فالأمر بالعكس انتهى. قال في القاموس السخط بالضم وكعنق وجبل ومقعد ضد الرضا، وقد سخط كفرح وتسخط وأسخطه أغضبه "ورجل سمع حي على الفلاح ثم لم يجب" أي لم يذهب إلى المسجد للصلاة مع الجماعة من غير عذر. قوله: (وفي الباب عن ابن عباس وطلحة) أي طلحة بن عبيد الله (وعبد الله بن عمرو وأبي أسامة) أما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه بلفظ قال: ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أم قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان قال العراقي: وإسناد حسن. وأما حديث طلحة فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما رجل أم قوماً وهم له كارهون، لم تجر صلاته أذنيه. وفي إسناده سليمان بن أيوب الطلحي قال فيه أبو زرعة: عامة أحاديثه لا يتابع عليها. وقال الذهبي في الميزان: صاحب مناكير وقد وثق وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته، ورجل اعتيد محرره، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعفه الجمهور. وأما حديث أبي أمامة فأخرجه المصنف في هذا الباب. وفي الباب أيضاً عن أبي سعيد عند البيهقي وعن سلمان عند أبي شيبة. قوله: (حديث أنس لا يصح إلخ) حاصله أن الثابت هو المرسل وأما الموصول فهي ضعيف فإنه قد تفرد بوصله محمد بن القاسم الأسدي وهو ضعيف: قال الشوكاني في النيل وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضاً فينتهض للاستدلال بها على تحريم أن يكون الرجل إماماً لقوم يكرهونه. ويدل على التحريم نفي قبول الصلاة وأنها لا تجاوز آذان المصلين ولعن الفاعل لذلك انتهى. قوله: (فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الإثم على من كرهه) يريد أن محمل الحديث ما إذا كان سبب الكراهة من الإمام وإلا فلا إثم عليه بل الإثم على القوم (قال أحمد وإسحاق في هذا إذا كره واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم) قال الشوكاني: وقيدوه بأن يكون الكارهون أكثر المأمومين ولا اعتبار بكراهة الواحد والاثنين والثلاثة إذا كان المؤتمون جمعاً كثير إلا إذا كانوا اثنين أو ثلاثة فإن كراهتهم أو كراهة أكثرهم مقبرة، قال والاعتبار وبكراهة أهل الدين دون غيرهم حتى قال الغزالي في الإحياء: لو كان الأقل من أهل الدين يكرهونه فالنظر إليهم، قال: وحمل الشافعي الحديث على إمام غير الوالي لأن الغالب كراهة ولاة الأمر، قال: وظاهر الحديث عدم الفرق انتهى. قوله: (عن هلال بن يساف) بكسر التحتانية ثم مهملة ثم فاء ثقة من الثالثة (عن زياد بن أبي الجعد) الأشجعي أخو سالم الكوفي عن وابصة بن معبد وعنه هلال بن يساف وثقه ابن حبان قاله الخزرجي، وقال الحافظ مقبول من الرابعة (عن عمرو بن الحارث بن المصطق) أخو جويرية أم المؤمنين صحابي قليل الحديث. قوله: (قال كان يقال أشد الناس عذاباً اثنان الخ) قال العراقي: هذا كقول الصحابي: كنا نقول وكنا نفعل، فإن عمرو بن الحارث له صحبة وهو أخو جويرية بنت الحارث إحدى أمهات المؤمنين، وإذا حمل على الرفع فكأنه قال: قيل لنا والقائل هو النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. قوله: (أخبرنا الحسين بن واقد) المروزي أبو عبد الله القاضي ثقة له أوهام من السابعة قوله: "لا تجاوز صلاتهم آذانهم" جمع الأذن الجارحة، أي لا تقبل قبولاً كاملاً أو ترفع إلى الله رفع العمل الصالح. قال التوربشتي: بل أدنى شيء من الرفع، وخص الاَذان بالذكر لما يقع فيها من التلاوة والدعاء ولا تصل إلى الله تعالى قبولاً وإجابة، وهذا مثل قوله عليه السلام في المارقة يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، عبر عن عدم القبول بعدم مجاوزة الاَذان. قال الطيبي: ويحتمل أن يراد لا يرفع عن آذانهم فيظلهم كما يظل العمل الصالح صاحبه يوم القيامة، كذا في المرقاة. وقال السيوطي في قوت المغتذي: أي ترفع إلى السماء كما في حديث ابن عباس عند ابن ماجه: لا نرفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً، وهو كناية عن عدم القبول كما في حديث ابن عباس عند الطبراني: لا يقبل الله لهم صلاة انتهى "حتى يرجع" أي إلى أمر سيده، وفي معناه الجارية الاَبقة. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وصفه البيهقي، قال النووي في الخلاصة: والأرجح هنا قول الترمذي، وذكر المنذري هذا الحديث وذكر تحسين الترمذي وأفره. قوله: (وأبو غالب اسمه حزور) بفتح الحاء المهملة والزاي المعجمة وشدة الواو المفتوحة وآخره راء مهملة، قال الحافظ في التقريب: أوب غالب صاحب أبي أمامة البصري نزل أصبهان قيل اسمه حزور، وقيل سعيد بن الحزور، وقيل نافع صدوق يخطئ من الخامسة.
358- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا، الليثُ عن ابنِ شهابٍ عن أنسِ بن مالك أنه قال "خَرّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن فرسٍ فجُحشَ فصلى بنَا قاعداً فصَلّينا معهُ قعوداً، ثم انصرفَ فقالَ إنما الإمامُ أو: إنما جُعلَ الإمامُ ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا، وإذا ركعَ فاركَعُوا، وإذا رفعَ فارفعَوا، وإذا قال سمعَ الله لمنْ حمدَهُ فقولوا: ربنَا ولك الحمدُ وإذا سجدَ فاسجدوا، وإذا صلّى قاعِداً فصلوا قعوداً أجمعونَ". (قال) وفي البابِ عن عَائِشَةَ وأبي هريرة وجابرٍ وابنِ عمرَ ومعاويةَ. قال أبو عيسى: (و) حديثُ أنسٍ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرّ عنْ فرسٍ (فجُحِشَ)، حديثٌ (حسَنٌ) صحيحٌ. وقدْ ذهبَ بعضُ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى هَذا الحديثِ، منهمْ جابرُ بن عَبْدِ الله وأسَيْدُ بن حضيرٍ وأبو هريرةَ وغيرهُمْ، وبهذا الحديثِ يقولُ أحمدُ وإسحاقُ. (و) قالَ بَعْضُ أهلِ العلمِ: إذَا صَلّى الإمامُ جالِساً، لَمْ يصلّ منْ خلفهُ إلاّ قياماً، فإنْ صَلّوا قعوداً لم تُجْزِهِمْ. وهو قولُ سفيانَ الثوْرِيّ ومالكِ بن أنَسٍ وابن المبارِك والشافعيّ. قوله: (خر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس) من الخرور أي سقط (فجحش) بضم الجيم وكسر الحاء أي خدش شقه الأيمن يعني قشر جلده فتأثر تأثراً منعه استطاعة القيام، كذا قال أبو الطيب المدني في شرحه، قلت: في رواية البخاري من طريق حميد عن أنس: سقط عن فرسه فجحشت ساقه أو كتفه، وفي رواية الشيخين من طريق الزهري عن أنس فجحش شقه الأيمن، وروى أبو داود وابن خزيمة بإسناد صحيح من حديث جابر: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً في المدينة فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدمه الحديث، قال الحافظ في الفتح: لا منافاة بينهما لاحتمال وقوع الأمرين انتهى "وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون" قد استدل به القائلون أن المأموم يتابع الإمام في الصلاة قاعداً وإن لم يكن المأموم معذوراً. قوله: (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وجابر وابن عمر ومعاوية) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن يجلسوا فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر كبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون". وأما حديث جابر فأخرجه مسلم وابن ماجه والنسائي عنه بلفظ: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياماً فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعوداً، فلما سلم قال إن كنتم آنفاً تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائماً فصلوا قياماً وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً. وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والطبراني. وأما حديث معاوية فأخرجه الطبراني في الكبير قال العراقي ورجاله رجال الصحيح. وفي الباب أيضاً عن أسيد بن حضير عند أبي داود وعبد الرزاق وعن قيس بن فهد عند عبد الرزاق أيضاً، وعن أبي أمامة عند ابن حبان في صحيحه. قوله: (حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خر عن فرس فجحش حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (وقد ذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحديث إلخ) قد استدل بأحاديث الباب القائلون إن المأموم يتابع الإمام في الصلاة قاعداً وإن لم يكن المأموم معذوراً. وممن قال ابن حزم: وبهذا نأخذ إلا فيمن يصلي إلى جنب الإمام يذكر الناس ويعلمهم تكبير الإمام فإنه يتخير بين أن يصلي قاعداً وبين أن يصلي قائماً. قال ابن حزم وبمثل قولنا يقول جمهور السلف، ثم رواه عن جابر وأبي هريرة وأسيد بن حضير، قال: ولا مخالف لهم يعرف في الصحابة، ورواه عن عطاء، وروى عن عبد الرزاق أنه قال: ما رأيت الناس إلا على أن الإمام إذا صلى قاعداً صلى من خلفه قعوداً، قال وهي السنة عن غير واحد، وقد حكاه ابن حبان أيضاً عن الصحابة الثلاثة المذكورين، وعن قيس بن فهد أيضاً من الصحابة، وعن أبي الشعشاء وجابر بن زيد من التابعين، وحكاه أيضاً عن مالك بن أنس وأبي أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبي خيثمة وابن أبي شيبة ومحمد بن إسماعيل ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل محمد بن نصر ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ثم قال بعد ذلك: وهو عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته، لأن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أفتوا به، والإجماع عندنا إجماع الصحابة ولم يرووا عن أحد من الصحابة خلافاً لهؤلاء الأربعة لا بإسناد متصل ولا منقطع، فكأن الصحابة أجمعوا على أن الإمام إذا صلى قاعداً كان على المأمومين أن يصلوا قعوداً وقد أفتى به من التابعين جابر بن زيد وأبو الشعثاء: ولم يرو عن أحد من التابعين أصلاً خلافه لا بإسناد صحيح ولا واه، فكأن التابعين أجمعوا على إجازته. قال: وأول من أبطل في هذه الأمة صلاة المأموم قاعداً إذا صلى إمامه جالساً المغيرة بن مقسم صاحب النخعي، وأخذ عنه حماد بن أبي سليمان ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة وتبعه عليه من كان بعده من أصحابه انتهى كلام ابن حبان. وحكى الخطابي في المعالم والقاضي عياض عن أكثر الفقهاء خلاف ذلك، وحكى النووي عن جمهور السلف خلاف ما حكى ابن حزم عنهم، وحكاه ابن دقيق العيد عن أكثر الفقهاء المشهورين. وقال الحازمي في كتاب الاعتبار ما لفظه: وقال أكثر أهل العلم يصلون قياماً ولا يتابعون الإمام في الجلوس. وقد أجاب المخالفون لأحاديث الباب بأجوبة: أحدها: دعوى النسخ، قاله الشافعي والحميدي وغير واحد. وجعلوا الناسخ ما ورد من صلاته صلى الله عليه وسلم في مرض موته بالناس قاعداً وهم قائلون خلفه ولم يأمرهم بالقعود. وأنكر أحمد نسخ الأمر بذلك وجمع بين الحديثين بتنزيلهم على حالتين: إحداهما: إذا ابتدأ الإمام الراتب قائماً لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً، سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعداً أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موته صلى الله عليه وسلم فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة، لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائماً وصلوا معه قياماً بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالساً فلما صلوا خلفه قياماً أنكر عليهم. ويقوي هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم النسخ مرتين، لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعداً، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعداً، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد. والجواب الثاني: من الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب دعوى التخصيص بالنبي صلى الله عليه وسلم في كونه يؤم جالساً، حكى ذلك القاضي عياض قال ولا يصح لأحد أن يؤم جالساً بعده صلى الله عليه وسلم، قال وهو مشهور قول مالك وجماعة أصحابه، قال وهذا أولى الأقاويل لأنه صلى الله عليه وسلم لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا في غيرها ولا لعذر ولا لغيره. ورد بصلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف وخلف أبي بكر. وقد استدل على دعوى التخصيص بحديث الشعبي عن جابر مرفوعاً. لا يؤمن أحد بعدي جالساً، وأجيب عن ذلك بأن الحديث لا يصح من وجه من الوجوه كما قال العراقي، وهو أيضاً عند الدارقطني من رواية جابر الجعفي عن الشعبي مرسلاً وجابر متروك، وروى أيضاً من رواية مجالد عن الشعبي ومجالد ضعفه الجمهور: وقال ابن دقيق العيد: وقد عرف أن الأصل عدم التخيصي حتى يدل عليه دليل انتهى. على أنه يقدح في التخصيص ما أخرجه أبو داود أن أسيد بن حضير كان يؤم قومه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فقيل يا رسول الله إن إمامنا مريض، فقال إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً. قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بمتصل، وما أخرجه عبد الرزاق عن قيس ابن فهد الأنصاري أن إماماً لهم اشتكى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكان يؤمنا جالساً ونحن جلوس، قال العراقي وإسناده صحيح. والجواب الثالث: من الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب أنه يجمع بين الأحاديث بما تقدم عن أحمد بن حنبل. وأجيب عنه بأن الأحاديث ترده لما في بعض الطرق أنه أشار إليهم بعد الدخول في الصلاة. وقد أجاب المتمسكون بأحاديث الباب عن الأحاديث المخالفة لها بأجوبة، منها: قول ابن خزيمة: إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعداً لم يختلف في صحتها ولا في سباقها. وأما صلاته صلى الله عليه وسلم في مرض موته فاختلف فيها هل كان إماماً أو مأموماً. ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز. ومنها أنه أستمر عمل الصحابة على القعود خلف الإمام القاعد في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد موته كما تقدم من أسيد بن حضير وقيس بن قهد، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه أشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالساً وصلوا معه جلوساً: وعن أبي هريرة أيضاً أنه أفتى بذلك وإسناده كما قال الحافظ صحيح. ومنها ما روى عن ابن شعبان أنه نازع في ثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم قياماً غير أبي بكر لأن ذلك لم يرد صريحاً، قال الحافظ: والذي أدعى نفيه قد أثبته الشافعي وقال إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة، قال الحافظ ثم وجدت مصرحاً به في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء فذكر الحديث ولفظه: فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً وجعل أبا بكر ورواءه بينه وبين الناس وصلى الناس وراءه قياماً، قال: وهذا مرسل يعتضد بالرواية التي علقها الشافعي عن النخعي، قال: وهذا الذي يقتضيه النظر لأنهم ابتدأوا الصلاة مع أبي بكر قياماً. فمن أدعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان.
359- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا شبَابةُ (بن سوار) عن شعبة عَنْ نعيم بنِ أبِي هنْدٍ عنْ أبي وائِلٍ عنْ مَسروقٍ عنْ عائشةَ قالَتْ: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خَلْفَ أبي بكر في مرضه الذي ماتَ فيهِ قاعداً". قال أبو عيسى: حديثُ عائشةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ غريبٌ. وقد رُوِيَ عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: "إذا صلى الإمامُ جالساً فصَلّوا جلوساً". ورُوِيَ عنها: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرجَ في مرضه وأبو بكر يُصلّي بالنّاسِ فصلّى إلى جنبِ أبي بكرٍ، (و) الناسُ يأتمونَ بأبي بكرٍ وأبو بكر يأتمّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم". ورُوِيَ عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلفَ أبي بكرٍ قاعداً". ورُوِيَ عن أنس بن مالك "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وهو قاعدٌ". 360- حدثنا عبدُ الله بنُ أبي زياد حدثنا شبابةُ بنُ سوار حدثنا محمدُ بنُ طلحةَ عن حميدٍ عن ثابتٍ عن أنسٍ قالَ: "صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مَرضهِ خلفَ أبي بكرٍ قاعداً في ثوبٍ متوشّحا بهِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. (قال): وهكذا رَواه يحيى بنُ أيوبَ عن حميدٍ عن ثابت عن أنسٍ وقد روَاه غيرُ واحدٍ عن حميدٍ عن أنسٍ ولم يذكروا فيه عن ثابتٍ ومن ذكرَ فيه عن ثابتِ فهو أصحّ. قوله: (أخبرنا شبابة) بن سوار المدائني أصله من خراسان، يقال كان اسمه مروان مولى بني فزارة ثقة حافظ رمى بالإرجاء من التاسعة مات سنة أربع أو خمسين أو ست ومائتين (عن نعيم) بالتصغير (بن أبي هند) النعمان بن اشيم الأشجعي ثقة رمى بالنصب من الرابعة ما ت سنة 110 عشر ومائة (عن أبي وائل) اسمه شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم، مات في خلافه عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة. قوله: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعداً) فيه دليل على جواز صلاة القاعد لعذر خلف القائم. قال الشوكاني لا أعلم فيه خلافاً. قوله: (حديث عائشة حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه النسائي. قوله: "وقد روى عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً" رواه الشيخان، وقد ذكرنا لفظه بتمامه في الباب المتقدم (وروي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه وأبو بكر يصلي بالناس فصلى إلى جنب أبي بكر والناس يأتمون بأبي بكر، وأبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم) رواه الشيخان عنها قال مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مروا أبا بكر يصلي بالناس، فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه فخرج يهادي بين رجلين، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك، ثم أتيابه حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي بكر، وكان أبو بكر يصلي قائماً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعداً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر. وللبخاري في رواية: فخرج يهادي بين رجلين في صلاة الظهر. ولمسلم: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير. فقوله: عن يسار أبو بكر فيه رد على القرطبي حيث قال لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره، وقوله يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماماً وأبو بكر مؤتماً به. وقد اختلف في ذلك أختلافاً شديداً كما قال الحافظ، ففي رواية لأبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المقدم بين يدي أبي بكر، وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه عن عائشة أنها قالت: من الناس من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدم. وأخرج ابن المنذر من رواية مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر. وأخرج ابن حبان عنها بلفظ: كان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر. وأخرج الترمذي والنسائي وابن خزيمة عنها بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر. قال في الفتح: تضافرت الروايات عن عائشة بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة، ثم قال بعد أن ذكر الاختلاف: فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموماً للجزم بها في رواية أبي معاوية وهو أحفظ في حديث الأعمش من غيره، ومنهم من عكس ذلك فقدم الرواية التي فيها أنه كان إماماً، ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد. والظاهر من رواية حديث الباب المتفق عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماماً وأبو بكر مؤتماً، لأن الاقتداء المذكور المراد به الائتمام، ويؤيد ذلك رواية لمسلم بلفظ: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير. قوله: (وروى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر قاعداً) أخرج الترمذي هذه الرواية في هذا الباب (وروى عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وهو قاعد) ذكر الترمذي إسناد هذا الحديث بعده فقال. (حدثنا بذلك) أي بالحديث المذكور بغير السند (عبد الله بن أبي زياد) هو عبد الله بن الحكم بن أبي زياد القطواني بفتح القاف والمهملة أبو عبد الرحمن الكوفي الدهقان صدوق قاله الحافظ، روى عن ابن عيينة ووكيع وزيد بن الحباب وعنه د ت ق. قال أبو حاتم: صدوق قاله الخزرجي أخبرنا (شبابة بن سوار) بفتح السين المهملة وشدة الواو تقدم ترجمته (أخبرنا محمد بن طلحة) بن مصرف اليامي الكوفي عن أبيه والحكم بن عتيبة وطائفة وعنه شبابة بن سوار وخلق. قال أحمد: لا بأس به إلا أنه لا يكاد يقول حدثنا. وقال النسائي ليس بالقوي. وقال ابن حبان ثقة يخطئ وأختلف فيه كلام ابن معين مات سنة 167 سبع وستون ومائة كذا في الخلاصة. وقال الحافظ: صدوق له أوهام وأنكروا سماعه من أبيه لصغره (عن حميد) بالتصغير هو حميد بن أبي حميد مولى طلحة الطلحات أبو عبيدة الطويل مختلف في اسم أبيه البصري عن أنس والحسن وعكرمة وعنه شعبة ومالك والسفيانان والحمادان وخلق. قال القطان: مات حميد وهو قائم يصلي. قال شعبة: لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثاً مات سنة 142 ثنتين وأربعين ومائة كذا في الخلاصة: وقال في التقريب: ثقة مدلس وعابه زائدة لدخوله في شيء من أمر الأمراء (عن ثابت) بن أسلم البناني بضم الموحدة وبنونين مولاهم البصري عن ابن عمر وعبد الله بن مغفل وأنس وخلق من التابعين وعنه شعبة والحمادان ومعمر قال الحافظ ثقة عابد. قوله: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعداً) أستدل به من قال إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن في تلك الصلاة إماماً بل كان الإمام أبا بكر وقد تقدم الكلام في هذا (في ثوب متوشحاً به) أي متغشياً به. قال في النهاية إنه كان يتوشح أي يتغشى به. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي والبيهقي.
361- حدثنا أحمد بنُ منيعٍ، حدثنا هُشَيْمٌ أخبرنا ابنُ أبي ليلَى عن الشعبيّ قال: "صلى بنا المغيرةُ بن شعبةَ فنهضَ في الركعَتَيْنِ فسبّحَ بهِ القومُ وسبّحَ بهم فلما صلّى بقيّة صلاته سلم ثم سجدَ سجدتَيْ السهوِ وهوَ جالسٌ ثم حدثهمُ: أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعل بهمْ مثلَ الذي فعلَ". (قال) وفي الباب عن عُقبَة بنِ عامرٍ وسَعدٍ وعبدِ الله بنِ بُحَيْنَةَ. قال أبو عيسى: حديثُ المغيرةِ بنِ شعبةَ قد رُوِيَ من غيرِ وجهٍ عن المغيرةِ (بنِ شعبة)، (قال أبو عيسى) وقد تكلم بعضُ أهلِ العلمِ في ابن أبي ليلى مِن قِبَلِ حفظِهِ قال أحمد: لا يُحتجّ بحديث ابن أبي ليلى. وقال محمدُ بنُ إسمعيل ابنُ أبي ليلى هوَ صدوقٌ ولا أروِي عنه لأنه لا يَدْرِى صحيحُ حديثهِ من سقيمهِ وكلّ منْ كانَ مثلَ هذا فلا أرْوِي عنهُ شيئاً. وقد رُوِيَ هذا الحديثُ من غيرِ وجهٍ عن المغيرةِ بنِ شعبةَ رواه سفيانُ عن جابرٍ عن المغيرةِ بن شُبَيلٍ عن قيسِ بنِ أبي حازمٍ عن المغيرةِ بنِ شعبةَ. وجابرُ الجعفيّ قد ضعّفهُ بعضُ أهل العلم، تركه يحيى بنُ سعيد وعبدُ الرحمنِ بنُ مهدي وغيرهما. والعملُ على هذا عندَ أهلِ العلمِ أن الرجلَ إذا قامَ في الركعَتَيْنِ مضى في صلاتِه وسجدَ سجدتين منهُمْ من رأى قبلَ التسليمِ ومنهمْ من رأى بعدَ التسليمِ ومنْ رأى قبلَ التسليمِ فحديثهُ أصحّ لما رَوَى الزهريّ ويحيى بنُ سعيدٍ الأنصاريّ عن عبدِ الرحمن الأعرجِ عن عَبْدِ الله بنِ بُحينةَ. 362- حدثنا عبدُ الله بنُ عبدِ الرحمنِ أخبرنا يزيدُ بنُ هارونَ عن المسعودي عن زيادِ بنِ علاقةَ قال: "صلى بنا المغيرةُ بنُ شعبةَ فلماَ صلى ركعتينِ قامَ ولمَ يجلسْ، فسبّح به من خلفَهُ فأشارَ إليهم أن قوموا، فلمَا فرغَ من صلاته سلمَ وسجدَ سجدتيْ السهوِ وسلم، وقالَ هكذا صنعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ (وقد رُوِي هذا الحديثُ من غيرِ وجهٍ عن المغيرةِ بنِ شعبةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم). قوله: (أخبرنا ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي. القاضي أبو عبد الرحمن صدوق سيء الحفظ جداً قاله الحافظ في التقريب، أخذ عن أخيه عيسى والشعبي وعطاء وغيرهم (عن الشعبي) بفتح الشين المعجمة هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة مشهور فقيه فاضل. قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، ولد لست سنين خلف من خلافه عمر وروى عنه وعن علي وابن مسعود ولم يسمع منهم، وعن أبي هريرة وعائشة وجرير وابن عباس وخلق، قال أدركت خمسمائة من الصحابة، وعنه ابن سيرين والأعمش وشعبة وخلق. قوله: (فنهض في الركعتين) يعني أنه قام إلى الركعة الثالثة ولم يتشهد بعد الركعتين (فسبح به القوم) أي قالوا سبحان الله ليرجع عن القيام ويجلس على الركعتين (وسبح بهم) أي قال سبحان الله مشيراً إليهم أن يقوموا. فالباء بمعنى اللام كما في قوله تعالى: (فكلا أخذنا بذنبه) (فلما قضى صلاته سلم ثم سجد سجدتي السهو) أستدل به من قال إن سجود السهو بعد التسليم وسيجيء الكلام فيه. قوله: (وفي الباب عقبة بن عامر وسعد وعبد الله بن بحينة) أما حديث عقبة بن عامر فأخرجه الطبراني في الكبير عنه أنه قالم في صلاته وعليه جلوس، فقال الناس سبحان الله سبحان الله فعرف الذي يريدون، فلما أتم صلاته سجد سجدتين وهو جالس ثم قال: سمعتكم تقولون سبحان الله لكي أجلس وأن ليس تلك السنة إنما السنة التي صنعت. قال المنذري: رواه الطبراني في الكبير من رواية الزهري عن عقبة ولم يسمع منه، وفيه عبد الله بن صالح وهو مختلف في الاحتجاج به. وأما حديث سعد وهو سعد بن أبي وقاص ففي مجمع الزوائد عن قيس بن أبي حازم قال: صلى بنا سعد بن أبي وقاص فنهض في الركعتين فسبحنا له فاستتم قائماً قال فمضى في قيامه حتى فرغ قال: أكنتم ترون أن أجلس؟ إنما صنعت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع. قال أبو عثمان عمرو بن محمد الناقد: لم نسمع أحداً يرفع هذا الحديث غير أبي معاوية، رواه أبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح. وأما حديث عبد الله بن بحينة فأخرجه الجماعة. قوله: (وقد تكلم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه، قال أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى) قال الذهبي في الميزان: صدوق إمام سيء الحفظ وقد وثق قال أحمد بن عبد الله العجلي كان فقهياً صدوقاً صاحب سنة جائز الحديث. وقال أبو زرعة ليس بأقوى ما يكون. وقال أحمد: مضطرب الحديث. وقال شعبة: ما رأيت أسوأ من حفظه. وقال يحيى القطان: سيء الحفظ جداً. وقال يحيى بن معين: ليس بذلك. وقال النسائي ليس بالقوي. وقال الدارقطني: رديء الحفظ كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم: عامة أحاديثه مقلوبة انتهى ما في الميزان مختصراً. قوله: (وروى سفيان عن جابر) هو جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي (عن المغيرة ابن شبيل) بضم الشين مصغراً وفي بعض النسخ شبل. قال الحافظ: المغيرة بن شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة ويقال: بالتصغير البجلي الأحمصي أبو الطفيل الكوفي ثقة من الرابعة (عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة أخرجه أبو داود وابن ماجه من هذا الطريق) بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس فإن أستوى قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو وجابر الجعفي قد ضعفه بعض أهل العلم تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن المهدي وغيرهما جابر الجعفي هذا أحد علماء الشيعة يؤمن برجعة علي بن أبي طالب قال الثوري كان جابر ورعا في الحديث. وقال شعبة صدوق. وإذا قال حدثنا وسمعت فهو من أوثق الناس. وقال وكيع إن جابراً ثقة، هذه أقوال المعدلين فيه. وأما أقوال الجارحين فقال أيوب كذاب، وقال إسماعيل بن أبي خالد إتهم بالكذب وتركه يحيى القطان وقال أبو حنيفة النعمان الكوفي ما رأيت أكذب من جابر الجعفي. وقال ليث بن أبي سليم كذا، وقال النسائي وغيره متروك وتركه سفيان بن عيينة، وقال الجونجاني كذاب. وقال ابن عدي عامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة وليس لجابر الجعفي في النسائي وأبي داود سوى حديث وأحد في سجود السهو. وقال ابن حبان كان يقول إن علياً يرجع إلى الدنيا. وقال زائدة: جابر الجعفي رافضي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. والحاصل أن جابراً ضعيف رافضي لا يحتج به، كذا في غاية المقصود. قلت: وقال في التلخيص: وهو ضعيف جداً انتهى. وقال في التقريب ضعيف رافضي. قوله: (منهم من رأى قبل التسليم ومنهم من رأى بعد التسليم إلخ) يجيء الكلام في هذه المسألة في أبواب السجود. قوله: (عن المسعودي) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود استشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد قاله المنذري في تلخيص السنن. وقال الحافظ في التقريب في ترجمته صدوق أختلط قبل موته وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط انتهى.
363- حدثنا محمودُ بن غيلانَ حدثنا أبو داودَ (الطيالسيُ) حدثنا شعبةُ حدثنا سعدُ بنُ إبراهيمَ قال سمعتُ أبا عبيدةَ بن عَبْدِ الله (بن مسعودٍ) يحدثُ عن أبيهِ قال: "كانَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (إذا جلسَ) في الركعتَيْنِ الأوليين كأنه على الرّضْفِ". قال شعبة ثم حرّكَ سعدٌ شَفتيْهِ بشيء فأقولُ حتى يقومَ فيقول حتى يقومَ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ. إلا أنّ أبا عبيدةَ لم يسمع من أبيه. والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ يختارون أنْ لا يطيل الرجل القعودَ في الركعتين الأوليين ولا يزيدَ على التشهد شيئاً، وقالوا إنْ زاد عَلَى التشهدِ فعليهِ سجدَتا السهوِ. هكذا رُوي عن الشعبي وغيره. قوله أخبرنا سعيد أبي إبراهيم. ابن عبد الرحمن بن عوف ولي قضاء المدينة وكان ثقة فاضلاً عابداً من الخامسة (سمعت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود) قال المنذري: أبو عبيدة هذا اسمه عامر ويقال اسمه كنيته وقد أحتج البخاري ومسلم بحديثه في صحيحيهما غير أنه لم يسمع من أبيه كما قال الترمذي وغيره وقال عمرو بن مرة سألت أبا عبيدة هل تذكر عن عبد الله شيئاً قال ما أذكر شيئاً انتهى كلام المنذري. قوله: (كأنه على الرضف) بسكون المعجمة وبفتح وبعدها فاء جمع رضفه وهي الحجارة المحماة على النار وهو كناية عن التخفيف في الجلوس وقال شعبة ثم حرك سعد أي ابن إبراهيم شيخ شعبة (شفتيه بشيء) أي تكلم سعد بشيء بالسر لم يسمعه شعبة، إلا أنه رأى تحريك شفتيه (فأقول حتى يقوم) أي قال شعبة فقلت لسعد الذي حركت به شفتيه هو متى يقوم (فيقول حتى يقوم) أي فقال سعد حتى يقوم، والضمير في يقوم يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقوله أقول ويقول مضارعان بمعنى الماضي إشعاراً لإحضار تلك الحالة لضبط الحديث، وفي رواية النسائي عن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين كأنه على الرضف، قلت حتى يقوم قال ذلك يريد. قوله: (هذا حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه) فالحديث منقطع. قال الحافظ في التلخيص: وروى ابن أبي شيبة من طريق تميم بن سلمة: كان أبو بكر إذ جلس في الركعتين كأنه على الرضف، إسناده صحيح. وعن ابن عمر نحوه. وروى أحمد وابن خزيمة من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد فكان يقول: إذا جلس في وسط الصلاة وفي آخرها على وركه اليسرى التحيات إلى قوله عبده ورسوله، قال: ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده وإن كان في آخرها دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم انتهى ما في التلخيص. قوله: (وقالوا إن زاد على التشهد فعليه سجدتا السهو، هكذا روي عن الشعبي وغيره) قال أبو الطيب المدني: وهو الذي اختاره الإمام أبو حنيفة رحمه الله. قلت ولي فيه تأمل.
(باب ما جاء في الإشارة في الصلاة) أي لرد السلام أو لحاجة تعرض 364- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الليثُ بنُ سعدٍ عن بُكَيْرٍ بنِ عَبْدِ الله بن الأشجّ عن نابل صاحبِ العَبَاء عن ابن عمر عن صُهَيْبٍ قال: "مررتُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمتُ عليهِ فرَدّ إليّ إشارةً وقال: لا أعلم إلا أنه قال إشارةً بإصبعه". (قال): وفي الباب عن بلال وأبي هريرة وأنسٍ وعائشةَ. 365- حدثنا محمودُ بنُ غيلانَ حدثنا وكيعٌ حدثنا هشامُ بنُ سعدٍ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ قال: "قلتُ لبلالٍ كيفَ كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يردّ عليهم حينَ كانوا يسلّمون عليهِ وهُو في الصلاةِ قال: كان يشيرُ بِيدهِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ وحديث صهيبٍ حسنٌ لا نعرفُهُ إلا من حديثِ الليثِ عن بُكَيرٍ. وقدرُوِيَ عن زيد بنِ أسلمَ عن ابنِ عمرَ قالَ: "قلت لبلالٍ كيف كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يصنع حيث كانوا يسلّمون عليهِ في مسجدِ بني عمرِو بنِ عوفٍ؟ قال: كان يردّ إشارةً". وكِلا الحدِيثَيْنِ عندِي صحيحٌ. لأن قصةَ حديثِ صهيبٍ غيرُ قصةِ حديثِ بلالٍ، وإن كان ابنُ عمرَ روَى عنهما فاحتمل أنْ يكونَ سمعَ منهما جميعاً. قوله: (عن نابل صاحب العباء) أوله نون وبعد الألف باء موحدة وليس له في الكتب سوى هذا الحديث عند الضعف وأبي داود والنسائي، كذا في قوت المغتذي. وقال الحافظ في التقريب: نابل صاحب العباء والأكسية والشمال بكسر المعجمة مقبول من الثالثة (عن صهيب) هو صهيب بن سنان أبو يحيى الرومي أصله من النمر. يقال كان اسمه عبد الملك وصهيب لقب صحابي شهير مات بالمدينة سنة 38 ثمان وثلاثين في خلافه علي وقيل قبل ذلك، كذا في التقريب، وكان منزله بأرض الموصل بين دجلة والفرات فأعارت الروم على تلك الناحية فسبته وهو غلام فنشأ بالروم فابتاعه منهم كلب، ثم قدمت به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان فأعتقه معه إلى أن هلك. ويقال إنه لما كبر في الروم وعقل هرب منهم وقدم مكة فخالف عبد الله بن جدعان وأسلم قديماً بمكة وكان من المستضعفين المعذبين في الله بمكة ثم هاجر إلى المدينة وفيه نزل {ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله} كذا في أسماء الرجال لصاحب المشكاة. قوله: (فرد إلى إشارة) أي بالإشارة (وقال) أي نابل (لا أعلم إلا أنه) أي ابن عمر. (وفي الباب عن بلال وأبي هريرة وأنس وعائشة) أما حديث بلال فأخرجه المصنف في هذا الباب وأخرجه أبو داود أيضاً. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة. وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه في صلاته صلى الله عليه وسلم شاكياً وفيه: فأشار إليهم أن أجلسوا الحديث. وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في النيل. وأحاديث الباب تدل على جواز رد السلام بالإشارة في الصلاة وهو مذهب الجمهور وهو الحق، واختلف الحنفية فمنهم من كرهه ومنهم الطحاوي ومنهم من قال لا بأس به وأستدل المانعون بحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التسبيح للرجال يعني الصلاة، والتصفيق للنساء، من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعدها يعني الصلاة رواه أبو داود. والجواب أن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، فإن في سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس، ورواه عن يعقوب بن عتبة بالعنعنة. وقال أبو داود بعد روايته هذا الحديث: وهم. وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية: قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: سئل أحمد عن حديث من أشار في صلاته إشارة يفهم عنه فليعد الصلاة فقال لا يثبت إسناده ليس بشيء. وقال الشوكاني في النيل: قال ابن أبي داود: وفي إسناده أبو غطفان قال ابن أبي داود: هو رجل مجهول، قال: وآخر الحديث زيادة والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير في الصلاة، قال العراقي: قلت: وليس بمجهول فقد روى عنه جماعة ووثقه النسائي وابن حبان انتهى. وأستدلوا أيضاً بأن الرد بالإشارة منسوخ لأنه كلام معنى وقد نسخ الكلام في الصلاة. والجواب عنه أن كون الإشارة في معنى الكلام باطل قد أبطله الطحاوي في شرح الآثار رواية ودراية من شاء الإطلاع عليه فليرجع إليه. وأجابوا عن أحاديث الباب بأنها كان قبل نسخ الكلام في الصلاة وهو مردود، إذ لو كانت قبل نسخ الكلام لرد باللفظ لا بالإشارة. قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية: وقد يجاب عن هذه الأحاديث بأنه كان قبل نسخ الكلام في الصلاة يؤيده حديث ابن مسعود: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا ولم يقل فأشار إلينا وكذا حديث جابر أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي. فلو كان الرد بالإشارة جائزاً الفعله. وأجيب عن هذا بأن أحاديث الإشارة لو لم تكن بعد نسخه لودعه باللفظ إذ الرد باللفظ واجب إلا لمانع كالصلاة، فلما رد بالإشارة علم أنه ممنوع من الكلام. قالوا وأما حديث ابن مسعود وجابر فالمراد بنفي الرد فيه بالكلام بدليل لفظ ابن حبان في حديث ابن مسعود. وقد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة انتهى كملا الزيلعي. وأجابروا أيضاً عن أحاديث الباب بأنها محمولة على أن إشارته صلى الله عليه وسلم كان للنهي عن السلام لا لرده. والجواب عنه أن هذا الحمل يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه بل أحاديث الباب ترده وتبطله. قوله: (قال كان يشير بيده) وفي حديث صهيب المتقدم بأصبعه ولا اختلاف بينهما فيجوز أن يكون أشار مرة بأصبعه ومرة بيده، ويحتمل أن يكون المراد باليد الأصبع حملاً للمطلق على المقيد قاله الشوكاني. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود (وحديث صهيب حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي.
366- حدثنا هنادٌ، أبو معَاوِيةَ عن الأعمشِ عن أبي صالحٍ عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "التسبيحُ للرجالِ والتصفيقُ للنساءِ". (قال) وفي الباب عن عليّ وسهلِ بنِ سعدٍ وجابرٍ وأبي سعيدٍ وابنِ عمرَ (و) قالَ: عَلِيّ كنتُ إذا استأذنتُ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهوَ يصلي سَبّحَ. قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ، والعملُ عليه عندَ أهلِ العلم، وبه يقولُ أحمدُ وإسحاقُ. قوله: "التسبيح للرجال" أي قول سبحان الله إذا ناب شيء في الصلاة "والتصفيق للنساء" وقع في بعض الروايات التصفيح للنساء. قال الحافظ زين الدين العراقي المشهور: إن معناهما واحد قال عقبة: والتصفيح التصفيق، وكذا قال أبو علي البغدادي والخطابي والجوهري. وقال ابن حزم لا خلاف في أن التصفيح التصفيق معنى واحد وهو الضرب بإحدى صفحتي الكف على الأخرى. قال العراقي: وما ادعاه من نفي الخلاف ليس بجيد بل فيه قولان آخران أنهما مختلفا المعنى أحدهما أن التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى والتصفيق الضرب بباطن إحداهما على باطن الأخرى. حكاه صاحب الأكمال وصاحب المفهم، والقول الثاني أن التصفيح الضرب بأصبعين للانذار والتنبيه وبالقاف بالجميع للهو واللعب وروى أبو داود في سننه عن عيسى بن أيوب أن التصفيح الضرب بأصبعين من اليمين على باطن الكف اليسرى كذا في النيل. والحديث دليل على جواز التسبيح للرجال والتصفيق للنساء إذا ناب أمر من الأمور. قوله: (وفي الباب عن علي وسهل بن سعد وجابر وأبي سعيد وابن عمر) أما حديث علي فأخرجه أحمد. وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود بلفظ: من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنما التصفيق للنساء، وحديثه طويل وهذا طرف منه. وأما حديث جابر فأخرجه ابن أبي شيبة وأماحديث أبي سعيد فأخرجه ابن عدي في الكامل. وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه. قوله: (قال علي كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي سبح) أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائي وصححه ابن السكن. وقال البيهقي هذا مختلف في إسناده ومتنه وقيل سبحه وقيل تنحنح ومداره على عبد الله بن نجي، قال الحافظ واختلالف عليه فيه فقيل عن علي وقيل عن أبيه عن علي، قال البخاري فيه نظر، وضعفه غيره ووثقه النسائي وابن حبان، وقال يحيى بن معين: لم يسمعه عبد الله بن علي بينه وبين علي أبوه. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة.
(باب ما جاء في كراهية التثاؤب في الصلاة) التثاؤب تنفس ينفتح منه الفم من الإمتلاء وكدورة الحواس. 367- حدثنا عليّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ جعفرٍ عن العلاءِ بنِ عبدِ الرحمَنِ عنْ أبيهِ عنْ أبي هريرةَ: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال التثَاؤبُ فِي الصّلاةِ من الشيطانِ، فإذا تَثَاءَبَ أحدُكُمْ فليكظمْ ما استطاع". (قال) وفي البابِ عنْ أبي سعيد الخدريّ وجدّ عدِيّ بن ثابت. قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وقدْ كرهَ قومٌ مِنْ أهلِ العلم التثاؤبَ في الصلاةِ. قال إبراهيمُ: إنّي لأردّ التثاؤبَ بالتّنَحنُحِ. قوله: "التثاؤب في الصلاة من الشيطان" جعله من الشيطان كراهية له لأنه يكون مع نقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم فأضيف إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس شهوتها وأراد به التحذير من سببه وهو التوسع في المطعم والشبع كذا في المجمع "فإذا تثاؤب أحدكم" أي فتح فاه للكسل وكدروة الحواس "فيكظم" بفتح ياء المضارعة وكسر الظاء المعجمة أي ليحبسه وليمسكه بوضع اليد على الفم أو تطبيق السن وضم الشفتين "ما استطاع" أي ما أمكنه وفي رواية ابن ماجه إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه. قوله: (وفي الباب عن أبي سعد الخدري وجد عدي بن ثابت) أما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم. وأما حديث جد عدي بن ثابت فأخرجه ابن ماجه. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري عنه بلفظ إذا تثاءبت أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع ولا يقل ها فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه. قوله: (وقد كره قوم من أهل العلم التثاؤب في الصلاة) وهو الظاهر الموافق لأحاديث الباب. قوله: (قال إبراهيم) هو النخعي (إني لأرد) أي من الرد أي إني لأدفع.
368- حدثنا علي بن حجرٍ، حدثنا عيسى بنُ يُونُسَ حدثنا حُسَيْنُ المعلم عن عبدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عنْ عمرانَ بن حصينٍ قال: "سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صلاةِ الرجلِ وهو قاعدٌ فقالَ: من صلّى قائماً فهوَ أفضلُ ومن صَلّى قاعداً فلهُ نصفُ أجرِ القائم، ومنْ صَلّى نائما فلهُ نصفُ أجرِ القاعدِ". (قال) وفي البابِ عنْ عبدِ الله بنِ عمرٍو وأنسٍ والسائبِ (وابن عمر). قال أبو عيسى: حديثُ عمرانَ بن حصينٍ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. 369- وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن إبراهيمَ بن طهمانَ بهذا الإسنادِ، إلا أنهُ يقولُ عن عمران بنِ حصينٍ قالَ: "سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صلاةِ المريضِ فقَالَ: صلّ قائماً فإنْ لَم تستطعْ فقاعِداً، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنْبٍ". حدثنا بذلك هنادٌ حدثنا وكيعٌ عن إبراهيمَ بنِ طهمانَ عن حسينِ المعلّم بهذا الحديث. (قال أبو عيسى): (و) لا نعلمُ أحداً روى عن حسينِ المعلّمِ نحو روايةِ إبراهيمَ بنِ طهمانَ، وقد رَوَى أبو أسامةَ وغيرُ واحدٍ عنْ حسينِ المعلّمِ نحوَ رِوَايةِ عيسى بنِ يونسَ ومعنَى هذا الحديثِ عندَ بعضِ أهلِ العلمِ في صلاةِ التطوعِ. حدثنا محمدُ بنُ بشارٍ أخبرنا ابن أبِي عدِيَ عن أشعثَ بنِ عبدِ الملك عن الحسنِ قال: "إن شاءَ الرجلُ صلى صلاةَ التطوعِ قائماً وجالساً ومُضطجِعاً". واختلفَ أهلُ العلمِ في صلاةِ المريضِ إذا لم يستطعْ أن يصلّيَ جالساً فقال بعضُ أهلِ العلمِ: يصلّي على جنبهِ الأيمنِ، وقال بعضهم يصَلي مستلقياً على قفاهُ ورجلاهُ إلى القبلةِ، وقال سفيانُ الثوريّ في هذا الحديث: "منْ صلّى جالساً فلهُ نصفُ أجرِ القائمِ" قال: هذا للصحيح ولمنْ ليسَ لَهُ عذرٌ (يعني في النوافل) فأما منْ كانَ لهُ عذرٌ منْ مرضٍ أو غيرهِ فصلى جالساً فلهُ مثلُ أجرِ القائمِ، وقد رُوِيَ في بعضِ هذا الحديثِ مثلُ قول سفيانَ الثوريّ. قوله: (عن عمران بن حصين) وفي رواية البخاري: حدثني عمران بن حصين وكان ميسوراً أي كانت به بواسير. قوله: (ومن صلاها نائماً) أي مضطجعاً قال الخطابي في المعالم: لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائماً كما رخصوا فيها قاعداً، فإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو تكن من بعض الرواة مدرجة في الحديث قياساً على صلاة القاعدة أو اعتبار بصلاة المريض نائماً إذا لم يقدر على القعود دلت على جواز تطوع القادر على القعود مضطجعاً قال: ولا اعلم أني سمعت نائماً إلا في هذا الحديث وقال ابن بطال: وأمال قوله: من صلى نائماً فله نصف أجر القاعد فلا يصح معناه عند العلماء لأنهم مجمعون على أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماء، قال وإنما دخل الوهم على ناقل الحديث. وتعقب ذلك العراقي فقال. أما نفي الخطابي وابن بطال للخلاف في صحة التطوع مضطجعاً للقادر فمردود، فإن في مذهب الشافعية وجهين الأصح منهما الصحة، وعند المالكية ثلاثاً أوجه حكاها القاضي عياض في الإكمال، أحدها الجواز مطلقاً في الاضطرار واختيار للصحيح والمريض، وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري جوازه فكيف يدعى مع هذا الخلاف القديم والحديث الاتفاق انتهى. وقد أختلف شراح الحديث في هذا هل هو محمول على التطوع أو على الفرائض في حق غير القادر فحمله الخطابي على الثاني وهو محمل ضعيف لأن المريض المفترض الذي أتى بما يجب عليه من القعود والإضطجاع يكتب له جميع الأجر لا نصفه. وحمله سفيان الثوري وابن الماجشون على التطوع، وحكاه النووي عن الجمهور وقال: إنه يتعين حمل الحديث عليه كذا في النيل. قلت: قال الخطابي: المراد بحديث عمر أن المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيباً له القيام مع جواز القعود انتهى. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر قول الخطابي هذا وهو حمل متجه قال فمن صلى فرضاً قاعداً وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائماً سواء، فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم، ومن صلى النفل قاعداً مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال. قال ولا يلزم من اقتصار العلماء في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا تراد الصورة التي ذكرها الخطابي وقد ورد في الحديث ما يشهد لها، فعند أحمد عن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة فحمى الناس فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود فقال صلاة القاعدة مثل صلاة القائم، رجاله ثقات. وعند النسائي متابع له من وجه آخر وهو وارد في المعذور فيحمل عن من تكلف القيام مع مشقته عليه كما بحثه الخطابي انتهى كلام الحافظ مختصراً. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمر وأنس ويزيد بن السائب) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي بلفظ: صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة ولكن لست كأحد منكم. وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على الأرض في المكتوبة قاعداً وقعد في التسبيح في الأرض فأومى إيماء قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه حفص بن عمر قاضي حلب وهو ضعيف انتهى. وأما حديث يزيد بن السائب فلم أقف. وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في مجمع الزوائد والنيل. قوله: (حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري (وقد روى هذا الحديث عن إبراهيم بن طهمان) رواه البخاري. قوله: (بهذا الإسناد) أي عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين (إلا أنه يقول) أي إبراهيم بن طهمان (فإن لم تستطع فقاعداً) قال الحافظ: لم يبين كيفية القعود فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي وهو قضية كلام الشافعي في البويطي. وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعاً، وقيل يجلس مفترشاً وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني، وصححه الرافعي ومن تبعه وقيل متوركاً وفي كل منها أحاديث انتهى (فعلى جنب) في حديث علي عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه وهو حجة للجمهور في الإنتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب، وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقي على ظهره ويجعل على رجليه إلى القبلة، ووقع في حديث علي أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة الاضطجاع، واستدل به من قال لا ينتقل المريض بعد عجزه. عن الاستلقاء إلى حالة أخرى كالإشارة بالرأس ثم الإيماء بالطرف ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم القلب لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية عن إبراهيم بن طهمان الخراساني أبي سعيد سكن نيسابور ثم مكة ثقة يغرب وتكلم فيه الإرجاء ويقال رجع عنه من السابعة (لا نعلم أحداً روى عن حسين المعلم نحو رواية إبراهيم بن طهمان، وقد روى أبو أسامة وغير واحد عن حسين المعلم نحو رواية عيسى بن يونس) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر كلام الترمذي هذا ما لفظه: ولا يؤخذ من ذلك تضعيف رواية إبراهيم كما فهمه ابن العربي تبعاً لابن بطال، ورد على الترمذي بأن رواية إبراهيم توافق الأصول ورواية غيره تخالفها فتكون رواية إبراهيم أرجح، لأن ذلك راجع إلى الترجح من حيث المعنى لا من حيث الإسناد، وإلا فاتفاق الأكثر على شيء يقتضي أن رواية من خالفهم تكون شاذة، والحق أن الروايتين صحيحتان كما صنع البخاري وكل منهما مشتملة على حكم غير الحكم الذي اشتملت عليه الأخرى انتهى قوله: (ومعنى هذا الحديث) أي المذكور أولاً من طريق عيسى بن يونس عن الحسين المعلم (عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع) وحكاه النووي عن الجمهور كما تقدم (عن الحسن) هو الحسن البصري (قال إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائماً وجالساً ومضطجعاً) قال الطيبي: وهل يجوز أن يصلي التطوع قائماً مع القدرة على القيام أو القعود فذهب بعض إلى أنه لا يجوز وذهب قوم إلى جوازه فأجره نصف القاعد، وهو قول الحسن وهو الأصح والأولى لثبوته في السنة انتهى. قلت: الظاهر الراجح عندي هو ما قال الطيبي. وقال القاري: ومذهب أبي حنيفة أنه لا يجوز، فقيل هذا الحديث في حق المفترض المريض الذي أمكنه القيام أو القعود مع شدة وزيادة في المرض انتهى. قلت: هذا عندي خلاف الظاهر والله تعالى أعلم. قوله: (فله مثل أجر القائم، وقد روى في بعض الحديث مثل قول سفيان الثوري) وهو ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي موسى رفعه: إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم. قال الحافظ في الفتح وله شواهد كثيرة.
370- حدثنا الأنصاري، حدثنا معن حدثنا مالكُ بنُ أنس عن ابنِ شهابٍ عن السائبِ بنِ يزيدَ عن المطلبِ بنِ أبي وَداعةَ (السّهميّ) عن حَفْصَةَ زوجِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنها قالَتْ: "ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلّى في سُبْحتِهِ قاعداً حتى كان قبل وفاتِه صلى الله عليه وسلم بعامٍ، فإنّه كَانَ يصلّي في سُبْحَتِهِ قاعداً ويقرأ بالسورةِ ويرتّلها حتّى تكونَ أطولَ من أطولَ منها". وفي الباب عنْ أمّ سلمةَ وأنسِ بنِ مالكِ. قال أبو عيسى: حديثُ حفصةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وقدْ رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يصلّي منَ الليلِ جالساً فإذا بقِيَ من قراءتِه قدرُ ثلاثينَ أو أربعينَ آيةً قامَ فقرأ ثم ركعَ ثم صنع في الركعةِ الثانيةَ مثلَ ذلكَ". ورُوي عنه "أنه كانَ يصلّي قاعداً فإذا قرأ (وهو قائمٌ ركعَ وَسجدَ وهوَ قائمٌ، وإذا قرأ) وهوَ قاعدٌ ركَعَ وسَجدَ وهو قاعدٌ". قال أحمدُ وإسحاقُ: والعملُ على كِلاَ الحديثَيْنِ كأنهمَا رأيا كِلاَ الحديثيْنِ صحيحاً معمولاً بهما. 371- حدثنا الأنصاريّ حدثنا معن، حدثنا مالكٌ عن أبي النّضْرِ عن أبي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يصلي جَالساً فيقرأُ وهو جالسٌ، فإذا بَقِيَ من قراءتِهِ قدرُ ما يكونُ ثلاثينَ أو أربعينَ آيةً قامَ فقرأ وهُو قائمٌ ثم ركعَ وسجَدَ ثم صنَعَ في الركعةِ الثانيةِ مثلَ ذلك". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. 372- حدثنا أحمدُ بنُ منيعٍ حدثنا هُشَيْمٌ أخبرنا خالدٌ وهُو الحذّاءُ عنْ عَبْدِ الله بنِ شقِيقٍ عنْ عائشةَ قال: سألتُها عن صلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، عن تطوعِه قالت: "كانَ يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلا قاعداً فإذا قرأ وهو قائمٌ ركعَ وسَجَد وهو قائمٌ وإذا قرأ وهُو جَالِسٌ ركعَ وسجدَ وهو جالسٌ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. قوله: (عن المطلب بن أبي وداعة السهمي) صحابي مسلم يوم الفتح ونزل المدينة ومات بها وأمه أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم كذا، في التقريب. قوله: (صلى في سبحته) السين المهملة وسكون الباء الموحدة أي نافلته. قال في مجمع البحار: ويقال للذكر وصلاة النافلة سبحة أيضاً، وهي من التسبيح كالسخرة من التسخير وخصت النافلة بها وإن شاركتها الفريضة في معناها لأن التسبيحات في الفرائض نوافل فالنافلة شاركتها في عدم الوجوب انتهى. قوله: (حتى تكون أطول من أطول منها) يعني أن مدة قراءته لها أطول من قراءة سورة أخرى أطول منها إذا قرئت غير مرتلة وإلا فلا يمكن أن تكون السورة نفسها أطول من أطول منها من غير تقيد بالترتيل والإسراع والحديث يدل على جواز صلاة التطوع من قعود وهو مجمع عليه وفيه استحباب ترتيل القراءة. قوله: (وفي الباب عن أم سلمة وأنس بن مالك) أما حديث أم سلمة فأخرجه عبد الرزاق وأما حديث أنس فلعله أشار إلى حديثه الذي أشار إليه في الباب المتقدم. قوله: (حديث حفصة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي. قوله: (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي من الليل جالساً فإذا بقي من قراءته ألخ) أخرجه المؤلف في هذا الباب عن أبي سلمة عن عائشة. قوله: (وروي عنه أنه كان يصلي قاعداً فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم الخ) أخرجه المؤلف في هذا الباب عن عبد الله بن شقيق عن عائشة: قال أبو الطيب المدني لا شك أن الركوع والسجود ينافيان القيام، فالمراد إذا أراد أن يركع ويسجد وهو نائم فيخر من قيامه إلى ركوعه، ومن قومته التي هي القيام أيضاً إلى سجوده. قوله: (قال أحمد وإسحاق): والعمل على كلا الحديثين الخ قال العراقي يحمل على أنه كان يفعل مرة كذا ومرة كذا.
373- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا مروانُ بنُ معاوِيةَ الفزاريّ عن حميدٍ عن أنسِ (بنِ مالكٍ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والله إني لأسمعُ بُكاءَ الصبيّ وأنا في الصلاةِ فأخففُ مخافَة أنْ تُفْتَتَنَ أمهُ". (قال) وفي البابِ عنْ أبي قتادَة وأبي سعيدٍ وأبي هريرةَ. قال أبو عيسى: حديثُ أنس حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. قوله: (فأخفف) بين مسلم في رواية ثابت عن أنس محل التخفيف ولفظه: فيقرأ السورة القصيرة، وبين ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن سابط مقدارها ولفظه: أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى بسورة طويلة فسمع بكاء صبي فقرأ بالثانية ثلاث آيات: وهذا مرسل كذا في فتح الباري. قوله (مخافة أن تفتن أمه) من الافتتان، وفي رواية البخاري أن تفتن من الفتنة: قال الحافظ: أي تلتهي عن صلاتها لاشتغال قلبها ببكائه: زاد عبد الرزاق من مرسل عطاء: أو تتركه فيضيع انتهى وقوله: مخافة بفتح الميم أي خوفاً من افتتان أمه: قال ابن بطال احتج به من قال يجوز للإمام إطالة الركوع إذا سمع بحس داخل ليدركه: وتعقبه ابن المنير بأن التخفيف نقيض التطويل فكيف يقاس عليه، قال ثم أن فيه مغايرة للمطلوب لأن فيه إدخال مشقة على جماعة لأجل واحد انتهى: ويمكن أن يقال محل ذلك ما لم يشق على الجماعة وبذلك قيده أحمد وإسحاق وأبو ثور: وما ذكره ابن بطال سبق إليه الخطابي ووجهه بأنه إذا جاز التخفيف لحاجة من حاجات الدنيا كان التطويل لحاجة من حاجات الدين أجوز، وتعقبه القرطبي بأن في التطويل ههنا زيادة عمل في الصلاة غير مطلوب بخلاف التخفيف فإنه مطلوب انتهى: وفي هذه المسألة خلاف عند الشافعية وتفصيل. وأطلق النووي عن المذهب استحباب ذلك، وفي التجريد للحاملي نقل كراهيته عن الجديد، وبه قال الأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال محمد أخشى أن يكون شركاً، كذا في فتح الباري. قوله: (وفي الباب عن أبي قتادة وأبي سعيد وأبي هريرة) أما حديث أبي قتادة فأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي: وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم. قوله: (حديث أنس حديث صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود والنسائي.
374- حدثنا هنادٌ، حدثنا قَبِيصَةُ عن حمادِ بنِ سَلَمَةَ عن قتادةَ عن ابنِ سيرينَ عن صفيةَ ابْنةِ الحارِث عن عائشةَ قالتْ: "قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا تُقْبَلُ صلاةُ الحائضِ إلا بخمارٍ". (قال) وفي البابِ عنْ عبدِ الله بنِ عمرٍو. وقوله الحائض يعني المرأة البالغ إذا حاضت. قال أبو عيسى: حديثُ عائشةَ حديثٌ حسَنٌ. والعملُ عليه عندَ أهلِ العلمِ: أنّ المرأةَ إذا أدرَكتْ فصلّتْ وشيءٌ من شعرهَا مكشوفٌ لا تجوزُ صلاتُها. وهو قول الشافعيّ قال: لا تجوزُ صلاةُ المرأةِ وشيءٌ من جسدِهَا مكشوفٌ قالَ الشافعيّ: وقد قيلَ إنْ كانَ ظهرُ قدمَيْها مكشوفاً فصلاَتُها جائزةٌ. قوله: "لا تقبل صلاة الحائض" المراد من الحائض من بلغ سن المحيض لا من هي ملابسة المحيض فإنها ممنوعة من الصلاة "إلا بخمار" بكسر الخاء هو ما يغطى به رأس المرأة قال في القاموس: الخمار بالكسر النصيف كالخمر: كطمر وكل ما ستر شيئاً فهو خمارة جمعه أخمرة وخمر وخمر، وقال نصيف كأسير الخمار والعمامة وكل ما غطى الرأس انتهى والحديث استدل به على وجوب ستر المرأة رأسها حال الصلاة. قال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام: ونفي القبول المراد به هنا نفي الصحة والإجزاء، وقد يطلق القبول ويراد به كون العبادة بحيث يترتب عليها الثواب، فإذا نفى كان نفياً لما يترتب عليها من الثواب، لا نفياً للصحة كما ورد أن الله لا يقبل صلاة الاَبق ولا من في جوفه خمر، كذا قيل قال وقد بينا في رسالة الإسبال وحواشي شرح العمدة أن نفي القبول يلازم نفي الصحة. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) لم أقف عليه وفي الباب أيضاً عن أبي قتادة أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط بلفظ: لا يقبل الله من امرأه صلاة حتى توارى زينتها. ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر. ذكره الزيلعي في نصب الراية بإسناده. قوله: (حديث عائشة حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجه. قوله: (إذا أدركت) أي بلغت وصارت مكلفة. قول (قال الشافعي وقد قيل إن كان ظهر قدميها مكشوفاً فصلاتها جائزة) لكن حديث أم سلمة يدل على أنه لا بد للمرأة من تغطية ظهور قدميها ولفظه: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها. أخرجه أبو داود وصححه الأئمة. وقفه كذا في بلوغ المرام. قال في سبل السلام: وله حكم الرفع وإن كان موقوفاً وإذا الأقرب أنه لا مسرح للاجتهاد في ذلك وقد أخرجه مالك وأبو داود موقوفاً ولفظه عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه: أنها سألت أم سلمة ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب قالت تصلي في الخمار والدرع السابغ إذا غيب ظهور قدميها انتهى ما في السبل. واعلم أن حديث الباب قد استدل به على وجوب ستر المرأة رأسها حال الصلاة. واستدل بن من سوى بين الحرة والأمة في العورة لعموم ذكر الحائض ولم يفرق بين الحرة والأمة وهو قول أهل الظاهر، وفرق الشافعي وأبو حنيفة والجمهور بين عورة الحرة والأمة فجعلوا عورة الأمة ما بين السرة والركبة كالرجل، والحجة لهم ما رواه أبو داود والدارقطني وغيرهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في حديث: وإذا زوج أحدكم خادمه أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة وما رواه أبو داود أيضاً بلفظ: إذا زوج أحدكم عبده أمته فلا ينظر إلى عورتها. قالوا: والمراد بالعورة في هذا الحديث ما صرح ببيانه في الحديث. وقال مالك: الأمة عورتها كالحرة حاشا شعرها فليس بعورة، وكأنه رأى العمل في الحجاز على كشف الإماء لرؤوسهن، هكذا حكاه عنه ابن عبد البر في الاستذكار: قال العراقي في شرح الترمذي: والمشهور عنه أن عورة الأمة كالرجل. وقد اختلف في مقدار عورة الحرة فقيل بدنها ما عدا الوجه والكفين، وإلى ذلك ذهب الشافعي في أحد أقواله وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه ومالك، وقيل والقدمين وموضعا الخلخال، وإلى ذلك ذهب القاسم في قول وأبو حنيفة في رواية عنه والثوري وأبو العباس، وقيل بل جميعها إلا الوجه، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وداود، وقيل جميعها بدون استثناء، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي، وروى عن أحمد. وسبب اختلاف هذه الأقوال ما وقع من المفسرين من الاختلاف في تفسير قوله تعالى (إلا ما ظهر منها): وقد استدل بحديث الباب على أن يستر العورة شرط في صحة الصلاة لأن قوله لا يقبل صالح للاستدلال به على الشرطية كما قيل وقد اختلف في ذلك فقال الحافظ في الفتح ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة انتهى.
375- حدثنا هنادٌ، حدثنا قَبِيصَةُ عن حمادِ بن سلمةَ عن عِسْلِ بنِ سُفيانَ عن عطاء بن أبي رباح عنْ أبي هُرَيْرةَ قالَ: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن السدلِ في الصلاةِ". (قال) وفي البابِ عنْ أبي جُحَيفَة. قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ لا نعرفهُ منْ حديثِ عطاء عنْ أبي هريرةَ مرفوعاً إلاّ منْ حديثِ عِسْل بنِ سُفْيَانَ، وقد اختلفَ أهلُ العلمِ في السّدْلِ في الصلاةِ. فكرهَ بعضُهم السّدلَ فِي الصلاةِ وقالوا هكذا تصنعُ اليهودُ وقال بعضهمْ: إنما كُرِهَ السدلُ (في الصلاةِ) إذا لم يكنْ عليه إلا ثوبٌ واحدٌ، فأما إذا سدلَ عَلَى القميصِ فلاَ بأسَ وهوَ قولُ أحمدَ. وكرهَ ابنُ المبارَكِ السدْلَ في الصلاةِ. قوله: (أخبرنا قبيصة) بن عقبة بن محمد بن سفيان السوائي بضم المهملة وتخفيف الواو والمد أبو عامر الكوفي صدوق ربما خالف (عن عسل بن سفيان) قال في التقريب بكسر أوله وسكون المهملة وقيل بفتحتين التميمي أبو قرة البصري ضعيف انتهى. قلت: ذكره ابن حبان في الثقات كما في التهذيب (عن عطاء) هو ابن أبي رباح. قوله: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السدل في الصلاة" قال في النيل: قال قال أبو عبيد في غريبه: السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه فإن ضمه فليس بسدل. وقال صاحب النهاية هو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك. قال وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب. قال: وقيل هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه. وقال الجوهري: سدل ثوبه يسدله بالضم سدلاً أي أرخاه. وقال الخطابي: السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض انتهى فعلى هذا السدل والإسبال واحد. قال العراقي: ويحتمل أن يراد بالسدل سدل الشعر ومنه حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ناصيته. وفي حديث عائشة أنها سدلت قناعها وهي محرمة أي أسبلته انتهى. قال الشوكاني ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني إن كان السدل مشتركاً بينها، وحمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوي انتهى كلامه. قوله: (وفي الباب عن أبي جحيفة) أخرجه الطبراني وسيأتي لفظه: قوله: (حديث أبي هريرة لا نعرفه إلخ) قال الحافظ في الدراية بعد ذكر حديث أبي هريرة هذا أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم والطبراني في الأوسط، وزاد أبو داود وابن حبان: وأن يغطي الرجل فاه انتهى. وقال الشوكاني في النيل: وقد اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديث الباب يعني حديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب فمنهم من لم يحتج به لتفرد عسل من سفيان وقد ضعفه أحمد. قال الخلال سئل أحمد عن حديث السدل في الصلاة من حديث أبي هريرة فقال: ليس هو بصحيح الإسناد وقال عسل بن سفيان غير محكم الحديث وقد ضعفه الجمهور: يحيى بن معين وأبو حاتم والبخاري وآخرون وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ ويخالف على قلة روايته انتهى. قال الشوكاني: وعسل بن سفيان لم ينفرد به فقد شاركه في الرواية عن عطاء الحسن ابن ذكوان وترك يحيى له لم يكن إلا لقوله إنه كان قدرياً، وقد قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به انتهى كلام الشوكاني. قلت: في قوله فقد شاركه في الرواية عن عطاء عن الحسن بن ذكوان نظر، فروى أبو داود حديث الباب في سننه بإسناده عن ابن المبارك عن الحسن بن ذكوان عن سليمان الأحول عن عطاء عن أبي هريرة، فالمشارك لعسل بن سفيان في الرواية عن عطاء هو سليمان الأحول لا الحسن بن ذكوان. واعلم أن أبا داود أخرج حديث الباب من الطريق المذكور وأشار إلى طريق عسل ابن سفيان ثم ذكر بإسناده عن ابن جريج قال: أكثر ما رأيت عطاء يصلي سادلاً قال أبو داود: وهذا يضعف ذلك الحديث انتهى. فحديث الباب عند أبي داود ضعيف. قلت: حديث الباب عندي لا ينحط عن درجة الحسن فرجال إسناده كلهم ثقات إلا عسل بن سفيان وهو لم يتفرد بل تابعه سليمان الأحول عند أبي داود كما عرفت وتابعه أيضاً عامر الأحول. قال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر متابعة سليمان الأحول ما لفظه: وتابعه أيضاً عامر الأحول كما أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط عن أبي بحر البكراوي واسمه عبد الرحمن بن عثمان حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً فذكره ورجاله كلهم ثقات إلا البكراوي فإنه ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما وكأن يحيى بن سعيد حسن الرأي فيه وروى عنه. قال ابن عدي: وهو ممكن يكتب حديثه انتهى كلام الزيلعي قال الحافظ في الدراية: وفي الباب عن أبي جحيفة مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل سدل ثوبه في الصلاة فضمه وفي رواية فقطعه وفي رواية فعطفه. رواه الطبراني انتهى. وهو حديث ضعيف كما صرح به الشوكاني في النيل. قوله فكره بعضهم السدل في الصلاة وقالوا هكذا تصنع اليهود وأخرج الخلال في العلل وأبي عبيد في الغريب من رواية عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن علي عليه السلام أنه خرج فرأى قوماً يصلون قد سدلوا ثبابهم فقال كأنهم اليهود خرجوا من قهرههم قال أبو عبيد هو موضع مدارسهم الذي يجتمعون فيه. قال صاحب الإمام: والقهر بضم القاف وسكون الهاء موضع مدارسهم الذي يجتمعون، وذكره في القاموس والنهاية في الفاء لا في القاف كذا في النيل (قال بعضهم إنما كره السدل في الصلاة إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد فأما إذا سدل على القميص فلا بأس) لم أقف على دليل هذا التقييد والحديث مطلق (وكره ابن المبارك السدل في الصلاة) أي مطلقاً. قال الشوكاني في النيل: والحديث يدل على تحريم السدل في الصلاة لأنه معنى النهي الحقيقي، وكرهه ابن عمر ومجاهد وإبراهيم النخعي والثوري والشافعي في الصلاة وغيرها. وقال أحمد: يكره في الصلاة، وقال جابر بن عبد الله وعطاء والحسن وابن سيرين ومكحول والزهري: لا بأس به. وروى ذلك عن مالك، وأنت خبير بأنه لا موجب للعدول عن التحريم إن صح الحديث لعدم وجدان صارف له عن ذلك انتهى. قلت: الأمر كان كما قال الشوكاني والله تعالى أعلم.
376- حدثنا سَعِيدُ بنُ عبدِ الرحمنِ المخزُوميّ حدثنا سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عنْ الزهريّ عن أبي الأحوصِ عن أبي ذرّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا قامَ أحدُكُمْ إلى الصلاةِ فلاَ يَمْسَح الحصَى فإنّ الرحمةَ تواجههُ". (قال) وفي الباب عن معتصب وعليّ بن أبي طالب وحذيفة وجابر (بن عبد الله). (قال) وفي الباب عن عليّ بنِ أبي طالبٍ وحذيفة وجابرِ بنِ عبد الله ومُعَيْقِيبٍ. قال أبو عيسى: حديثُ أبي ذر حديثٌ حسَنٌ وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهُ كرهَ المسحَ في الصّلاةِ وقالَ: "إن كنتَ لا بدّ فاعِلاً فمرةً واحدةً" كأنهُ رُوِيَ عنه رخصة في المرةِ الواحدةِ. والعملُ عَلَى هذَا عندَ أهلِ العلمِ". 377- حدثنا الحسينُ بنُ حُريثٍ حدثنا الوليدُ بنُ مُسلمٍ عن الأوزاعيّ عن يَحيى بن أبي كثيرٍ قال: حدثني أبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرحمَنِ عن مُعَيْقِيبٍ قال: "سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن مسحِ الحصَى في الصلاةِ فقال إن كنتَ لا بُدّ فاعلاً فمرةً واحدةً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ صحيحٌ. (بسم الله الرحمن الرحيم) قوله: (عن أبي الأحوص) قال النسائي لم نقف على اسمه ولا نعرفه وقد انفرد الزهري بالرواية عنه وليس له عند المصنف وعند ابن ماجه إلا هذا الحديث كذا في قوت المغتذي وقال المنذري في تلخيص السنن: أبو الأحوص هذا لا يعرف اسمه وقد تكلم فيه يحيى بن معين وغيره انتهى. وقال الحافظ في التقريب: أبو الأحوص مولى بني ليث وغفار مقبول لم يرو عنه غير الزهري. قوله: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة" أي إذا دخل فيها "فلا يمسح الحصى" هي الحجارة الصغيرة، والتقييد بالحصى خرج مخرج الغالب لكونه كان الغالب على فرش مساجدهم، ولا فرق بينه وبين التراب والرمل على قول الجمهور، ويدل على ذلك قوله في حديث معيقيب عند البخاري وغيره في الرجل يسوي التراب والمراد بقوله: إذا قام أحدكم إلى الصلاة، الدخول فيها فلا يكون منهياً عن مسح الحصى إلا بعد دخوله ويحتمل أن المراد قبل الدخول حتى لا يشتغل عند إرادة الصلاة إلا بالدخول فيها قال العراقي: والأول أظهر ويرجحه حديث معيقيب فإنه سأل عن مسح الحصى في الصلاة دون مسحه عند القيام كما في رواية الترمذي قال الشوكاني. وقال الخطابي في المعالم: يريد مسح الحصى تسويته ليسجد عليه، وكان كثير من العلماء يكرهون ذلك وكان مالك بن أنس لا يرى به بأساً ويسوي في صلاته غير مرة انتهى (فإن الرحمة تواجهه) أي تنزل عليه وتقبل إليه. هذا التعليل يدل على أن الحكمة في النهي عن المسح أن لا يشغل خاطره بشيء يلهيه عن الرحمة المواجهة له فيفوته حظه منها: وقد روى أن حكمة ذلك أن لا يغطي شيئاً من الحصى بمسحه فيفوته السجود عليه. رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي صالح قال: إذا سجدت فلا تمسح الحصى فإن كل حصاة تحب أن يسجد عليها. قال ابن العربي: معناه الإقبال على الرحمة وترك الاشتغال عنها بالحصباء وسواه إلا أن يكون لحاجة كتعديل موضح السجود أو إزالة مضر، وقد كان مالك يفعله وغيره يكرهه انتهى. قوله: (حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ثقة مكثر من أوساط التابعين (عن معيقيب) بقاف وآخره موحدة مصغراً ابن فاطمة الدوسي حليف بني بعد شمس من السابقين والأوليين هاجر الهجرتين وشهد المشاهد وولى بيت المال لعمر ومات في خلافة عثمان أو علي. قوله: (فقال إن كنت لا بد فاعلاً فمرة واحدة) بالنصب أي فافعل مرة واحدة وفيه الإذن بمسح الحصى مرة واحدة عند الحاجة. قوله: (هذا حديث صحيح) أخرجه الجماعة. قوله: (وفي الباب عن علي بن أبي طالب وحذيفة وجابر بن عبد الله ومعيقيب) أما حديث علي بن أبي طالب فأخرجه أحمد وابن أبي شيبة وأما حديث حذيفة فأخرجه أيضاً أحمد وابن أبي شيبة وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه أيضاً أحمد وابن أبي شيبة وأما حديث معيقيب فقد تقدم تخرجه، ولعل الترمذي، أشار إلى حديث آخر له في هذا الباب وفي الباب أحاديث أخرى أشار إليها الشوكاني في النيل. قوله: (حديث أبي ذر حديث حسن) وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه. قوله: (والعمل على هذا عند أهل العلم) وحكى النووي اتفاق العلماء على كراهة مسح الحصى وغيره في الصلاة وفيه نظر، فقد حكى الخطابي في المعالم عن مالك أنه لم ير به بأساً وكان يفعله فكأنه لم يبلغه الخبر انتهى.
(باب ما جاء في كراهية النفخ في الصلاة) النفخ إخراج الريح من الفم. 378- حدثنا أحمدُ بنُ منيعٍ حدثنا عبادُ بنُ العوامِ أخبرنا ميمونُ أبو حَمْزَةَ عن أبي صالحٍ (مولى طلحةَ) عنْ أمّ سلمَةَ قالَتْ: "رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم غُلاَماً لنَا يُقالُ لَه أفلحُ إذا سجدَ نفخَ فقالَ يا أفلحُ تَرِبَ وجهُكَ". قال أحمدُ بن منيع (و) كرهَ عباد (بن العوّام) النفخَ في الصلاةِ وقالَ: إن نفخَ لَمْ يقطعَ صلاتهُ قال أحمدُ بنُ منيعٍ: وبهِ نأخُذُ. (قال أبو عيسى): ورَوَى بعضُهم عن أبي حمزةَ هذا الحديثَ وقال مولَى لنا يقال رَباحُ. 379- حدثنا أحمدُ بنُ عبدةَ الضّبّيّ حدثنا حمادُ بنُ زيدٍ عن ميمونٍ أبي حمزةَ بهذا الإسنادِ نحوَه. وقال غلامٌ لنا يقالُ لَه رَباحٌ. قال أبو عيسى: وحديثُ أمّ سلمةَ إسنادُه ليسَ بذاكَ وميمون أبو حمزةَ قد ضعّفهُ بعضُ أهلِ العلمِ، واختلفَ أهلُ العلم في النفخِ في الصلاةِ فقَالَ بعضهم: إن نفخَ في الصلاةِ استقبلَ الصلاة وهوَ قولُ سفيانَ الثوريّ وأهل الكوفة. وقال بعضهم يُكرهُ النفخُ في الصلاةِ وإنْ نَفَخَ في صلاتِهِ لَم تفسدْ صلاتهُ وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ. قوله: (أخبرنا ميمون أبو حمزة) الأعور القصاب مشهور بكنيته ضعيف من السادسة كذا في التقريب (عن أبي صالح مولى طلحة عن أم سلمة) قال الذهبي في الميزان هو مولاها واسمه ذكوان لا يعرف. وقال المزي في التهذيب: اسمه زاذن وليس له في الكتاب إلا هذا الحديث عند المصنف كذا في قوت المغتذى. وقال الحافظ أبو صالح مولى طلحة أو أم سلمة مقبول من الثالثة يقال اسمه زاذان انتهى. قوله: (إذا سجد نفخ) أي في الأرض ليزول عنها التراب فيسجد "ترب وجهك" من التتريب أي أوصله إلى التراب وضعه عليه ولا تبعده عن موضع وجهك بالنفخ فإنه أقرب إلى التواضع، فإن إلصاق التراب بالوجه الذي هو أفضل الأعضاء غاية التواضع. قوله: (قال أحمد بن منيع وبه نأخذ) وهو القول الراجح كما ستعرف. قوله: (وحديث أم سلمة إسناده ليس بذاك، وميمون أبو حمزة قد ضعفه بعض أهل العلم) قال أحمد: متروك الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال النسائي ليس بثقة. كذا في الميزان. قوله: (فقال بعضهم إن نفخ في الصلاة استقبل الصلاة) أي استأنف (وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة) واستدلوا بحديث الباب هو حديث ضعيف، قال الحافظ في الفتح: ولو صح لم يكن فيه حجة على إبطال الصلاة بالنفخ لأنه لم يأمره بإعادة الصلاة وإنما استفاد من قوله ترب وجهك استحباب السجود على الأرض فهو نحو النهي عن مسح الحصى. قال وفي الباب عن أبي هريرة في الأوسط للطبراني وعن زيد بن أبي ثابت عند البيهقي وعن أنس وبريدة عند البزار وأسانيد الجميع ضعيفة جداً. وثبت كراهة النفخ عن ابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة، والرخصة فيه عن قدامة بن عبد الله أخرجه البيهقي انتهى. واستدلوا أيضاً بأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة وقالوا: إن النفخ كلام واحتجوا على كون النفخ كلاماً بأثر ابن عباس رضي الله عنه قال: النفخ في الصلاة كلام، رواه بن منصور في سننه، وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عباس أنه كان يخشى أن يكون النفخ كلاماً. واستدلوا أيضاً بأحاديث تدل على كراهة النفخ في السجود، فمنها ما رواه الطبراني في الكبير عن زيد بن ثابت قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفخ في السجود وعن النفخ في الشراب، ولا تقوم به حجة لأن في إسناده خالد بن إلياس وهو متروك: ومنها ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعاً أنه كره أن ينفخ بين يديه في الصلاة أو في شرابه. قال العراقي: وفي إسناده غير واحد متكلم فيه. ومنها ما رواه البزار في مسنده عن أنس بن مالك رفعه قال ثلاثة من الجفاء: أن ينفخ الرجل في سجوده الحديث، وفي إسناده خالد بن أيوب وهو ضعيف. وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في النيل مع بيان ما فيها من الكلام (وقال بعضهم يكره النفخ في الصلاة وإن نفخ في صلاته لم تفسد صلاته وهو قول أحمد وإسحاق) واستدلوا بما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في صلاة الكسوف، وذكره البخاري تعليقاً، وأجابوا بمنع كون النفخ من الكلام لأن الكلام متركب من الحروف المعتمدة على المخارج ولا اعتماد في النفخ، وأيضاً الكلام المنهي عنه في الصلاة هو المكالمة، قالوا: ولو سلم صدق اسم الكلام على النفخ كما قال ابن عباس لكان فعله صلى الله عليه وسلم لذلك في الصلاة مخصصاً لعموم النهي عن الكلام كذا في النيل .
(باب ما جاء في النهي عن الإختصار في الصلاة) المراد من الإختصار وضع اليد على الخاصرة. 380- حدثنا أبو كُريبٍ حدثنا أبو أسامةَ عن هشامِ بنِ حسّانٍ عن محمدِ بنِ سيرين عن أبي هُرَيْرَةَ "أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يصليَ الرجلُ مختصِراً". (قال): وفي الباب عن ابنِ عُمَرَ. قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وقد كرِهَ بعضُ أهلِ العلمِ الاختصارَ في الصّلاةِ وكرهَ بعضُهمْ أن يمشيَ الرجلُ مختصراً. والاختصَارُ: أن يضعَ الرجلُ يدَهُ عَلَى خاصِرتِهِ في الصلاة (أو يضع يديه جميعاً على خاصرتيه). ويروَى أنّ إبليسَ إذا مشَى مشى مُخْتصراً. قوله: (نهى أن يصلي الرجل مختصراً) قال الحافظ في الفتح: قد فسره ابن أبي شيبة في روايته فقال: قال ابن سيرين: هو أن يضع يده على خاصرته وهو يصلي، وبذلك جزم أبو داود ونقله الترمذي عن بعض أهل العلم، وهذا هو المشهور من تفسيره، وحكى الهروي في الغربيين أن المراد بالاختصار قراءة آية أو آيتين من آخر السورة، وقيل إن بحذف الطمأنينة، وهذان القولان وإن كان أخذهما من الإختصار ممكنا لكن رواية الخصر والخصر تأباهما. وقيل الإختصار أن يحذف الاَية التي فيها السجدة إذا أمر بها في قراءته حتى لا يسجد في الصلاة لتلاوتها، حكاه الغزالي، وحكى الخطابي أن معناه أن يمسك بيده مخصرة أي عصا يتوكأ عليها في الصلاة، وأنكر هذا ابن العربي في شرح الترمذي فأبلغ، ويؤيد الأول ما روى أبو داود والنسائي من طريق سعيد بن زياد قال: صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي فلما صلى قال هذا الصلب في الصلاة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه. قوله: (وفي الباب عن ابن عمر) تقدم تخريجه ولفظه آنفاً. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه. قوله: (وقد كره قوم من أهل العلم الاختصار في الصلاة) قال العيني في شرح البخاري ص 732 ج3 أختلفوا في حكم الخصر في الصلاة فكرهه ابن عمر وابن عباس وعائشة وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبو مجلز وآخرون، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي، وذهب أهل الظاهر إلى تحريم الاختصار في الصلاة عملاً بظاهر الحديث انتهى كلامه. قلت: الظاهر ما قاله أهل الظاهر لعدم قيام قرينة تصرف النهي عن التحريم الذي هو معناه الحقيقي كما هو الحق (والإختصار هو أن يضع الرجل يده على خاصرته في الصلاة) وهذا التفسير هو المشهور وهو الحق. فائدة: أختلف في حكمه النهي عن ذلك، فقيل لأن إبليس أهبط متخصراً. أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال موقوفاً، وقيل لأن اليهود تكثر من فعله فنهى عنه كراهة للتشبه بهم. أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل عن عائشة، زاد ابن أبي شيبة فيه في الصلاة، وفي رواية: لا تشبهوا باليهود. وقيل لأنه راحلة أهل النار، أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً عن مجاهد قال: وضع اليد على الحقو أستراحة أهل النار، وقيل إونه صفة الراجز حين ينشد، رواه سعيد بن منصور من طريق قيس بن عباد بإسناد حسن، وقيل لأنه فعل المتكبرين حكاه المهلب، وقيل لأنه فعل أهل المصائب حكاه الخطابي. قال الحافظ بعد ذكر هذه الأقوال: وقول عائشة أعلى ما ورد في ذلك ولا منافاة بين الجميع انتهى. قوله: (وكره بعضهم أن يمشي الرجل مختصراً ويروى أن إبليس إذا مشى يمشي متخصراً) لم أقف على من أخرجه.
|