الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
399- حدثنا أحمدُ بنِ منيعٍ حدثنا يزيدُ بن هارونَ عنْ أبي مَالكٍ الأشجعِيّ قال: "قلتُ لأبي: يا أبَةِ إنّكَ قدْ صلّيْتَ خَلفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليّ بن أبي طالبٍ (ها هُنا) بالكوفةِ، نحواً مِنْ خَمْسِ سنينَ، أكانوا يَقْنُتُون؟ قال: أيْ بُنيّ محْدَثٌ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ (حسَنٌ) صحيحٌ. والعملُ عليهِ عندَ أكثر أهلِ العلمِ. وقال سفيانُ الثورِيّ إنْ قَنَتَ في الفجر فحسنٌ، وإنْ لم يقنُتْ فحسنٌ واختارَ أنْ لا يَقْنُت. ولَمْ يَرَ ابنُ المبَاركِ القنُوتَ في الفجرِ. قال أبو عيسى: (و) أبو مالكٍ (الأشجعيّ) إسمُهُ سعْدُ بنُ طَارقِ بنِ أشْيَم. 400- حدثنا صالحُ بنُ عَبْدِ الله حدثنا أبو عَوَانَةَ عن أبي مالكٍ الأشجَعيّ بهذا الإسنادِ نحَوهُ بمعناهُ. قوله: (عن أبي مالك الأشجعي) اسمه سعد بن طارق بن أشيم على وزن الأحمر (قال) أي أبو مالك الأشجعي (قلت لأبي) أي طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي، قال مسلم: لم يرو عنه غير أبنه (وأبي بكر وعمر وعثمان) أي بالمدينة (وعلي بن أبي طالب ههنا بالكوفة) أي صليت خلف علي ههنا بالكوفة فهما ظرفان متعلقان بصليت خلف على المحذوف. كذا في شرح أبي الطيب المدني (نحواً من خمس سنين) هذا أيضاً متعلق بصليت خلف على المحذوف (أكانوا يقنتون) وفي رواية ابن ماجه: أكانوا يقنتون في الفجر (أي بنى محدث) وفي رواية النسائي: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت، وصليت، خلف أبي بكر فلم يقنت، وصليت خلف عمر. فلم يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت، ثم قال يا بني إنها بدعة. والحديث يدل على عدم مشروعية القنوت، وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم كما حكاه المصنف: واختلف النافون لمشروعية هي يشرع في النوازل أم لا، وقد تقدم أن القول الراجح هو أن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجه. قال الحافظ في التلخيص: إسناده حسن. وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في النيل وكلها ضعاف. قوله: (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم إلخ) وحكاه العراقي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عباس وقال: قد صح عنهم القنوت: وإذا تعارض الإثبات والنفي قدم المثبت، وحكاه عن أربعة من التابعين وعن أبي حنيفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق (وأبو مالك الأشجعي اسمه سعد بن طارق بن أشيم) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح التحتانية الأشجعي الكوفي ثقة من الرابعة.
401- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا رِفَاعَةُ بنُ يحيى بنُ عَبْدِ الله بن رِفاعَةَ بن رافع الزّرقِيّ عن عمّ أبيهِ معاذِ بن رِفاعةَ عن أبيهِ قال: "صليتُ خَلْفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَعَطَسْتُ فقلتُ الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحبّ ربنَا ويرضى، فلمَا صلّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنصرفَ فقال منِ المتكلّمُ في الصلاةِ فلّم يتكلمْ أحدٌ ثم قالها الثانية من المتكلّمُ في الصّلاَةِ فلم يتكلمْ أحدٌ ثم قالها الثالثةَ من المتكلّمُ في الصلاةِ فقال رِفاعةُ بنُ رافعٍ بنُ عفراء: أنا يا رسولَ الله قال: كَيْفَ قلتَ؟ قال قلتُ الحَمْدُ لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يُحِبّ ربّنا ويرضَى فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيدِهِ لقد ابْتَدَرَهَا بِضْعَةٌ وثلاثونَ ملَكاً أيّهم يَصْعَدُ بها". (قال): وفي الباب عن أنسٍ ووائلِ بنِ حُجْرٍ وعامِر بنِ ربيعةَ. قال أبو عيسى: حديثُ رفاعةَ حديثٌ حسَنٌ وكأنّ هذا الحديث عند بعضِ أهلِ العلمِ أنّهُ في التطوّعِ لأنّ غيرَ واحدٍ من التابعينَ قالوا: إذا عَطَسَ الرجلُ في الصلاةِ المكتوبةِ إنما يَحْمَدُ الله في نفسِهِ، ولم يُوَسّعُوا في أكثرَ من ذلك. قوله: (أخبرنا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع الزرقي) الأنصاري إمام مسجد بني زريق صدوق من الثامنة (عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع الأنصاري الزرقي المدين صدوق من الرابعة عن أبيه) أي رفاعة بن رافع الأنصاري هو من أهل بدر مات في أول خلافه معاوية (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال السيوطي: زاد الطبراني في المغرب انتهى. وهذه الزيادة إن ثبتت ترد على التأويل الذي نقله المصنف عن بعض أهل العلم أنه في التطوع، على أن المعتاد في الصلاة جماعة هو الفرض لا النفل (مباركاً فيه مباركاً عليه) قال الحافظ يحتمل أن يكون قوله مباركاً عليه تأكيداً هو الظاهر، وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء (كما يحب ربنا ويرضى) فيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد (بضع وثلاثون) البضع ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس أو مابين الواحد إلى الأربعة أو من أربع إلى تسع أو سبع كذا في القاموس، وفيه رد على من زعم أن البضع يختص بما دون العشرين (أيهم يصعد بها) أيهم مبتدأ ويصعد خبره وفي رواية البخاري أيهم يكتبها أول. والحديث استدل به على أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة وعلى جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان مخالف للمأثور وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه قاله الحافظ. قوله: (وفي الباب عن أنس ووائل ابن حجر وعامر بن ربيعة) أما حديث أنس فأخرجه مسلم. وأما حديث وائل بن حجر فلينظر من أخرجه. وأما حديث عامر بن ربيعة فأخرجه أبو داود. قوله: (حديث رفاعة حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وأخرجه البخاري أيضاً ولفظه عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا نصلي يوماً وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده فقال رجل من ورائه: ربنا ولك الحمد كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما أنصرف قال: من المتكلم؟ قال: أنا، قال: رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يتكبها أول، ولم يذكر العطاس ولا زاد: كما يحب ربنا ويرضى، وزاد أن ذلك عند الرفع من الركوع فيجمع بين الروايتين بأن الرجل المبهم في رواية البخاري هو رفاعة كما في حديث الباب، ولا مانع أن يكنى عن نفسه إما لقصد إخفاء عمله أو لنحو ذلك، ويجمع بأن عطاسه وقع عند رفع رأسه. قوله: (وكان هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع) قال في الفتح: وأفاد بشر بن عمر الزاهراني في روايته عن رفاعة بن يحيى أن تلك الصلاة كانت المغرب انتهى. فهذه الرواية ترد على من حمل هذا الحديث على التطوع (قالوا إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يحمد الله في نفسه ولم يوسعوا بأكثر من ذلك) قال القاري في المرقاة: قال ابن الملك: يدل الحديث على جواز الحمد للعاطس في الصلاة. يعني على الصحيح المعتمد بخلاف رواية البطلان فإنها شاذة لكن الأولى أن يحمد في نفسه أو يسكت خروجاً من الخلاف على ما في شرح المنية انتهى. قلت: لو كان سكت القاري عن قوله أو يسكت لكان خيراً له، فإن حديث الباب يدل على جواز الحمل للعاطس بلا مرية.
402- حدثنا أحمدُ بنُ منيع حدثنا هُشَيْمٌ أخبرنا إسماعيل بن أبي خالدٍ عن الحارث بن شبيلٍ عن أبي عمرٍو الشيبانيّ عن زيدِ بنِ أرقمَ قال "كُنّا نتكلّمُ خلفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الصلاةِ، يكلّم الرجلُ مِنّا صاحبَه إلى جنبِهِ حتى نزلتْ {وقوموا لله قانتينَ} فأُمْرنا بالسكوتِ ونُهينا عن الكلام". (قال) وفي البابِ عن ابنِ مسعودٍ ومعاويةَ بنِ الحكَمِ. قال أبو عيسى: حديثُ زيدِ بن أرقمَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. والعملُ عليه عندَ أكثرَ أهل العلمِ قالوا: إذا تكلّمَ الرجُلُ عامداً في الصلاةِ أو ناسياً أعادَ الصلاةَ وهو قَولُ (سفيان) الثوريّ وابنِ المباركِ (وأهل الكوفة). وقال بعضُهم: إذا تكلم عامداً (في الصلاةِ) أعادَ الصلاةَ، وإن كان ناسياً أو جاهلاً أجْزأهُ. وبه يقولُ الشافِعيّ. قوله: (عن الحارث بن شبيل) بالمعجمة والموحدة مصغر العجلي أبي الطفيل ثقة من الخامسة. قوله: (يكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه) تفسير لقوله كنا نتكلم زاد البخاري بحاجته، قال الحافظ: والذي يظهر أنهم كانوا لا يتكلمون فيها بكل شيء وإنما يقتصرون على الحاجة من رد السلام ونحوه (حتى زلت وقوموا لله قانتين) أي ساكتين. قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود ومعاوية بن الحكم) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الشيخان بلفظ قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا فقال إن في الصلاة لشغلاً. وأما حديث معاوية بن الحكم فأخرجه مسلم بلفظ قال: بينا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكن سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن الحديث. قوله: (حديث زيد بن أرقم حديث حسن صحيح) أخرجه الترمذي من وجه آخر. قوله: (وهو قول الثوري وابن المبارك) وهو قول الحنفية (وقال بعضهم إذا تكلم عامداً في الصلاة أعاد الصلاة وإن كان ناسياً أو جاهلاً أجزأه وبه يقول الشافعي) وهو مذهب الجمهور، قال الحافظ في الفتح: أجمعوا على أن الكلام في الصلاة من عالم بالتحريم عامداً لغير مصلحتها أو إنقاذ مسلم مبطل لها، وأختلفوا في الساهي والجاهل فلا يبطلها القليل منه عند الجمهور وأبطلها الحنفية انتهى. وقال العيني في عمدة القاري: أجمع العلماء على أن الكلام في الصلاة عامداً عالماً بتحريمه لغير مصلحتها أو لغير والشافعي ومالك وأحمد: تبطل الصلاة، وجوزه الأوزاعي وبعض أصحاب مالك وطائفة قليلة، وأما الناسي فلا تبطل صلاته بالكلام عند الشافعي، وبه قال مالك وأحمد والجمهور، وعند أصحابنا تبطل، وقال النووي: دليلنا حديث ذي اليدين، وأجاب بعض أصحابنا إن حديث قصة ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم لأن ذا اليدين قتل يوم بدر كذا روي عن الزهري، وأن قصته في الصلاة كانت قبل بدر، ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخر الإسلام عن بدر لأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي أخر انتهى كلام العيني.
قلت: هذا الجواب الذي نقله العيني عن بعض أصحابه قد رده صاحب البحر الرائق حيث قال: هذا غير صحيح لما في صحيح مسلم عنه أي عن أبي هريرة: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الواقعة وهو صريح في حضوره، فحديث أبي هريرة حجة للجمهور، فإن كلام الناس ومن يظن أنه ليس فيها لا يفسدها ولم أر عنه جواباً شافياً انتهى. قلت: الأمر كما قال صاحب البحر الرائق لا شك في حضور أبي هريرة في واقعة ذي اليدين، فإنه قد ثبت ذلك بأحاديث صحيحة صريحة، ففي رواية الشيخين: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية لمسلم وأحمد وغيرهما: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم الكلام في هذا مبسوطاً في باب ما جاء يسلم الرجل في الركعتين من الظهر والعصر فتذكر.
403- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا أبو عَوانَةَ عن عثمانَ بن المغيرةِ عن عليّ بن ربيعةَ عن أسماءَ بنِ الحكمِ الفزاريّ قال: سمعتُ عليّا يقولُ: إني كنتُ (رجلاً) إذا سمعتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله منه بما شاءَ أنْ ينفعَنِي (به)، وإذا حدّثَنِي رجلٌ من أصحابهِ استحلفتهُ، فإذا حلَفَ لي صدّقتهُ، وإنه حدثنِي أبو بكرٍ، وصدقَ أبو بكرٍ. قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجلٍ يذنبُ ذنباً ثم يقومُ فيتطَهّرُ ثم يصلّي ثم يستغفرُ الله، إلاّ غفرَ الله له ثمّ قرأَ هذه الاَية: {والذينَ إذا فعلُوا فاحشةً أو ظَلموا أنفسهُم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} إلى آخر الاَية". (قال) وفي الباب عن ابنِ مسعودٍ وأبي الدرداءِ وأنسٍ وأبي أمامةَ ومعاذٍ وواثلةَ وأبي اليَسَر واسمه كعبُ بنُ عمرٍو. قال أبو عيسى: حديثُ علي حديثٌ حسَنٌ لا نعرفهُ إلا من هذا الوجهِ من حديثِ عثمانَ بن المغيرةِ (و) روى عنه شعبة وغيرُ واحدٍ فرفعوه مثلَ حديثِ أبي عوانَة. ورواهُ سفيانُ الثوريّ ومسعرٌ فأوقفاهُ ولم يرفعاه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد رُوِيَ عن مسعرٍ هذا الحديثُ مرفُوعاً أيضاً. ولا نعرف لأسماء بن الحكم حديثاً مرفوعاً إلا هذا. قوله: (عن عثمان بن المغيرة) الثقفي مولاهم الكوفي الأعشى وهو عثمان بن أبي زرعة ثقة من السادسة روي عن زيد بن وهب وأبي عبد الرحمن السلمي وعلي بن ربيعة وعنه مسعر وشعبة والثوري وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي (عن علي بن ربيعة) بن نضلة الوالبي بكسر اللام وموحدة الكوفي أبي المغيرة ثقة من كبار الثلاثة (عن أسماء بن الحكم الفزاري) الكوفي عن علي فرد حديث وعنه علي بن ربيعة وثقه العجلي ذكره الخزرجي، وقال الحافظ في التقريب: صدوق من الثالثة، قال العراقي: ليس له في الكتاب إلا هذا الحديث ولا أعلم روى عنه إلا علي بن ربيعة، قال البخاري: لم يرو عنه إلا هذا الحديث وحديث آخر لم يتابع عليه انتهى. قوله: (فإذا حلف لي صدقته) ظاهره أنه كان لا يصدقه بلا حلف، وهذا مخالف لما علم من قبول خبر الواحد العدل بلا حلف فالظاهر أن مراده بذلك زيادة التوثيق بالخبر والاطمئنان به إذا الحاصل بخبر الواحد الظن وهو مما يقبل الضعف والشدة، ومعنى صدقته أي على وجه الكمال وإن كان القبول الموجب للعمل حاصلاً بدونه كذا في شرح أبي الطيب المدني (وصدق أبو بكر) أي علمت صدقه في ذلك على وجه الكلام بلا حلف وقال ابن حجر: بين بها علي رضي الله عنه جلالة أبي بكر رضي الله عنه ومبالغته في الصدق حتى سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقاً. وقال القاري في المرقاة: وفيه وجه آخر وهو أن الصديق رضي الله عنه كان ملتزماً أن لا يروى إلا إذا كان محفوظه بالمبنى دون المروي بالمعنى بخلاف أكثر الصحابة، ولذا قلت روايته كأبي حنيفة تبعاً له في هذه الخصوصية فهذا وجه لقوله وصدق أبو بكر انتهى كلام القاري. قلت: قال الحافظ في تهذيب التهذيب: قال محمد بن سعد العوفي سمعت ابن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه ولا يحدث بما لا يحفظ انتهى (يقول ما من رجل) أي أو امرأة ومن زائدة لزيادة إفادة الاستغراق (يذنب ذنباً) أي ذنب كان (ثم يقوم) قال الطيبي: ثم المتراخي في الرتبة وإلا ظهر أنه للتراخي الزماني يعني ولو تأخر القيام بالتوبة عن مباشرة المعصية لأن التعقيب ليس بشرط فالإتيان بثم للرجاء، والمعنى ثم يستيقظ من نوم الغفلة كقوله تعالى أن تقوموا لله، (فيتطهر) أي فيتوضأ كما في رواية ابن السني (ثم يصلي) أي ركعتين كما في رواية ابن السني وابن حبان والبيهقي (ثم يستغفر الله) أي لذلك الذنب كما في رواية ابن السني، والمراد بالاستغفار التوبة بالندامة والإقلاع والعزم على أن لا يعود إليه أبداً وأن يتدارك الحقوق إن كانت هناك وثم في الموضعين لمجرد العطف التعقبي (ثم قرأ): أي النبي صلى الله عليه وسلم استشهاد واعتضاداً أو قرأ أبو بكر تصديقاً وتوفيقاً {والذين إذا فعلوا فاحشة} أي ذنباً قبيحاً كالزنا {أو ظلموا أنفسهم} أي بما دونه كالقبلة قال الطيبي: أي أي ذنب كنا مما يؤاخذون به انتهى، فيكون تعميماً بعد تخصيص {ذكروا الله} أي ذكروا عقابه قاله الطيبي (إلى آخر الاَية) تمام الاَية {فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}. قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس وأبي أمامة ومعاذ وواثلة وأبي اليسر) بفتح التحتانية والسين المهملة (اسمه كعب بن عمرو) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الطبراني، وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه أيضاً الطبراني، وأما حديث أنس فأخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني، وأما حديث معاذ وواثلة وأبي اليسر فلم أقف عليه. وفي الباب أيضاً عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فدعا بلالاً فقال يا بلال بم سبقتني إلى الجنة إني دخلت البارحة فسمعت خشخشتك أمامي، فقال يا رسول الله ما أذنبت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها وصليت ركعتين، رواه ابن خزيمة في صحيحه، وفي رواية ما أذنبت، كذا في الترغيب للمنذري، وعن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أذنب عبد ذنباً ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى فيه ركعتين واستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفره الله له، رواه البيهقي مرسلاً. البراز بكسر الباء بعدها راء ثم ألف ثم زاي هو الأرض الفضاء كذا في الترغيب للمنذري. قوله: (حديث على حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي وقالا: ثم يصلي ركعتين، وذكره ابن خزيمة في صحيحه بغير إسناد، وذكر فيهم الركعتين، كذا في الترغيب للمنذري.
404- حدثنا عليّ بنُ حجرٍ، أخبرنا حرملةُ بنُ عبدِ العزيز بنِ الرّبيعِ بن سبرةَ الجهنيّ عن عمهِ عبد الملك بن الرّبيع بنِ سبرةَ عن أبيهِ عن جدّه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "علّموا الصّبيّ الصلاةَ ابنَ سبعِ (سنينَ)، واضرِبُوهُ عليها ابنَ عشر". (قال) وفي الباب عن عبدِ الله بنِ عمرٍو. قال أبو عيسى: حديثُ سبرةَ (بنِ معبدٍ الجهنيّ) حديثٌ حسَنٌ (صحيحٌ). وعليه العملُ عند بعضِ أهلِ العلمِ. وبه يقولُ أحمدُ وإسحاقُ: وقالا: ما تركَ الغلامُ بعدَ العشر من الصلاةِ فإنه يُعيدُ. (قال أبو عيسى: وسبرةُ هو ابنُ معبدٍ الجهنيّ ويقالُ هو ابن عوسجةَ). قوله: (أخبرنا حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة (الجهني) أبو معبد لا بأس به، قاله الحافظ روى عن أبيه وعنه الحميدي وثقه ابن حبان (عن عمه عبد الملك بن الربيع بن سبرة) وثقه العجلي، قال الحافظ في التقريب، وقال الذهبي: ضعفه ابن معين، وقال ابن القطان: وإن أخرج له مسلم فغير محتج به انتهى (عن أبيه) الضمير يركع إلى عبد الملك وأبوه هو البيع بن سبرة وهو ثقة كما في التقريب. وقال في الخلاصة: روى عن أبيه وعنه ابنا عبد العزيز وعبد الملك وثقه النسائي والعجلي (عن جده) أي جد عبد الملك وهو سبرة، قال في التقريب: سبرة بن معبد الجهني والد الربيع له صحبة، وأول مشاهده الخندق، وكان ينزل المروة ومات بها في خلافة معاوية. قوله: (علموا الصبي الصلاة) وفي رواية أبي داود: مروا الصبي بالصلاة قال العلقي في شرح الجامع الصغير: بأن يعلموهم ما تحتاج إليه الصلاة من شروط وأركان، وأن يأمرهم بفعلها بعد التعليم، وأجرة التعليم في مال الصبي إن كان له مال وإلا فعلى الولي انتهى (ابن سبع سنين) حال من الصبي وهكذا ابن عشرة وفي رواية أبي داود: إذا بلغ سبع سنين (واضربوه عليها) أي على تركها والضمير يرجع إلى الصلاة (ابن عشرة) قال العلقي: إنما أمر بالضرب لعشر لأنه حد يتحمل فيه الضرب غالباً، والمراد بالضرب ضرباً غير مبرح وأن يتقي الوجه في الضرب انتهى. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص، وأخرج حديثه أبو داود مرفوعاً بلفظ: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع. والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري. قوله: (حديث سبرة بن معبد الجهني حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه، وذكر المنذري تصحيح الترمذي وأقره، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم. قوله: (وعليه العمل عند بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق وقالا: ما ترك الغلام بعد عشر من الصلاة فإنه يعيد) قال الخطابي: قوله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها، يدل على إغلاظ العقوبة له إذا تركها مدركاً. وكان بعض فقهاء أصحاب الشافعي يحتج به في وجوب قتله إذا تركها متعمداً بعد البلوغ، ويقول: إذا استحق الصبي الضرب وهو غير بالغ فقد عقل أنه بعد البلوغ يستحق من العقوبة ما هو أشد من الضرب، وليس بعد الضرب شيء مما قاله العلماء أشد من القتل. وقد أختلف الناس في حكم تارك الصلاة فقال مالك والشافعي: يقتل تارك الصلاة، وقال مكحول: يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإليه ذهب حماد بن يزيد ووكيع ابن الجراح، وقال أبو حنيفة: لا يقتل ولكن يضرب ويحبس، وعن الزهري أنه قال: فاسق يضرب ضرباً مبرحاً ويسجن. وقال جماعة من العلماء: تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لغير عذر كافر، وهذا قول إبراهيم النخعي وأيوب السختياني وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقال أحمد: لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمداً. واحتجوا بحديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة انتهى.
405- حدثنا أحمدُ بنُ محمد بن موسى الملقب مردويه، قال: أخبرنا ابنُ المباركِ أخبرنا عبدُ الرحمن بنُ زيادِ بن أنعم أن عبدَ الرحمَنِ بنَ رافعٍ و بكرَ بنَ سوادَةَ أخبراهُ عن عبدِ الله بن عمرٍو، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "إذا أحدث يعني الرجُلُ وقد جلسَ في آخر صلاتِه قبل أن يسلّم فقد جازت صلاتُه". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ إسنادُه ليس بذاك القوىّ وقد اضطربُوا فِي إسنادِهِ. وقد ذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى هذا، قالوا إذا جلسَ مقدارَ التشهدِ وأحدثَ قبلَ أن يسلّمَ فقد تمتْ صلاتُه. وقال بعضُ أهلِ العلمِ: إذا أحدثَ قبلَ أن يتشهدَ و قبلَ أن يسلّمَ أعادَ الصلاةَ وهو قولُ الشافعيّ. وقالَ أحمدُ إذا لم يتشهدْ وسلّم أجْزَأَهُ لقولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وتحليلُها التسليم" والتشهدُ أهْوَنُ. قامَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في اثْنَتَيْنِ فمضى في صلاتِه ولم يتشهدْ. وقال إسحاقُ بن إِبْرَاهِيمَ: إذا تشهدَ ولم يسلّمْ أجزأه واحتجّ بحديثِ ابن مسعودٍ حين عَلّمَهُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم التشهدَ فقال: "إذا فرغتَ مِن هذا فقدْ قضيتَ ما عليك". قال أبو عيسى: (و) عبدُ الرحمن بنُ زيادٍ (بن أنعم) هو الإفريقيّ وقد ضعفَه بعضُ أهلِ الحديثِ، منهم يحيى بنُ سعيدٍ (القطانُ) وأحمدُ بنُ حنبلٍ. قوله: (حدثنا أحمد بن محمد) هو ابن موسى أبو العباس السمسار المروزي الملقب بمردويه كذا في قوت المغتذي، قال الحافظ ثقة حافظ (أنبأنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم) بفتح أوله وسكون النون وضم المهملة الإفريقي قاضيها. قال الحافظ ضعيف في حفظه من السابعة (أن عبد الرحمن بن رافع) التنوخي المصري قاضي أفريقية ضعيف قاله الحافظ في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب: روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وغزية ويقال عقبة بن الحارث وعنه ابنه إبراهيم وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم وغيرهما، قال البخاري في حديثه مناكير، وقال أبو حاتم شيخ مغربي حديثه منكر، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: لا يحتج بخبره إذا كان من رواية ابن أنعم وإنما وقع المناكير في حديثه من أجله انتهى (وبكر بن سوادة) بن ثمامة الجذامي المصري ثقة فقيه من الثالثة قاله الحافظ في التقريب، وقال في تهذييب التهذيب: وقال النووي: لم يسمع من عبد الله بن عمرو بن العاص (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص السهمي أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العباد له الفقهاء مات في ذي الحجة ليالي الحرة. قوله: (إذا أحدث يعني الرجل) ضمير يعني يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا تفسير الضمير المستتر في أحدث من بعض الرواه. قال القاري أي عمداً عند أبي حنيفة ومطلقاً عند صاحبيه بناء على أن الخروج من الصلاة بصنعه فرض عنده خلافاً لهما انتهى. "قلت: ليس في الحديث تقييد بالعمد، فالظاهر ما قال صاحبا أبي حنيفة رحمه الله (وقد جلس في آخر صلاته) قال القاري أي قدر التشهد انتهى. قلت: ليس في الحديث بيان مقدار الجلوس (قبل أن يسلم فقد جازت صلاته) أستدل به أبو حنيفة وأصحابه على أن المصلي إذا أحدث في آخر صلاته بعد ما جلس قدر التشهد فقد جازت صلاته. وفيه أن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج. قوله: (هذا حديث ليس إسناده بالقوي وقد اضطربوا في أسناده) قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما. قال الدارقطني وعبد الرحمن بن زياد ضعيف لا يحتج به. وقال البيهقي: وهذا الحديث إنما يعرف بعبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وقد ضعفه يحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي، قال وإن صح فإنما كان قبل أن يفرض التسليم، ثم روى بأسناده عن عطاء بن أبي رباح قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في آخر صلاته قدر التشهد أقبل على الناس بوجهه وذلك قبل أن ينزل التسليم أنتهى. قال القاريء في المرقاة تحت هذا الحديث: قال ابن الصلاح المضطرب هو الذي يروى على أوجه مختلفة متفاوتة، والإضطراب قد يقع في السند أو المتن أو من راو أو من رواة والمضطرب ضعيف لإشعاره بأنه لم يضبط ذكره الطيبي. قال القاري: لهذا الحديث طرق ذكرها الطحاوي، وتعدد الطرق يبلغ الحديث الضعيف إلى حد الحسن انتهى كلام القاري. قلت: فيه إن تعدد طرق الحديث إنما يبلغه إلى حد الحسن إذا كانت تلك الطرق متباينة ولم يكن مدار كلها على ضعيف لا يحتج به، وطرق هذا الحديث التي ذكرها الطحاوي ليست متباينة بل مدار كلها على عبد الرحمن بن زياد الإفريقي. قوله: (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا قالوا: إذا جلس مقدار التشهد وأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته) وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه لكن عند أبي حنيفة إذا أحدث عمداً صوتاً وعند صاحبيه مطلقاً بنا على أن الخروج من الصلاة بصنعه فرض عنده لا عندهما. واستدلوا بحديث الباب وقد عرفت أنه لا يصلح للاستدلال (وقال بعض أهل العلم إذا أحدث قبل أن يتشهد أو قبل أن يسلم أعاد الصلاة وهو قول الشافعي) بناء على أن التشهد والسلام كليهما فرضان عنده (وقال أحمد إذا لم يتشهد وسلم أجزأه لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتحليلها التسليم والتشهد أهون) أي ليس بفرض قام النبي صلى الله عليه وسلم في اثنتين فمضى في صلاته ولم يتشهد هذا دليل الأهوينة فعند الإمام أحمد التسليم فرض والتشهد ليس بفرض (وقال إسحاق بن إبراهيم إذا تشهد ولم يسلم أجزأه وأحتج بحديث ابن مسعود حين علمه النبي صلى الله عليه وسلم التشهد فقال إذا فرغت من هذا فقد قضيت ما عليك) أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني. وقال الصحيح أن قوله إذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، من كلام ابن مسعود فصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود، وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه، كذا في المنتقى. وقال البيهقي في المعرفة ذهب الحافظ إلى أن هذا وهم من زهير بن معاوية. وقال النووي في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها مدرجة. وقد روى البيهقي من طريق أبي الأحوص عن ابن مسعود ما يخالف هذه الزيادة بلفظ مفتاح الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم إذا سلم الإمام فقم إن شئت. قال وهذا الأثر صحيح عن ابن مسعود. وقال ابن حزم قد صح عن ابن مسعود إيجاب السلام فرضاً وذكر رواية أبي الأحوص هذه عنه كذا في النيل. وقال ابن العربي في شرح الترمذي وإنما يعني به فقد قضيت صلاتك فأخرج عنها بتحليل كما دخلتها بإحرام انتهى.
(باب ما جاء إذا كان المطر فالصلاة في الرحال) قال النووي وغيره الرحال المنازل، سواء كان من حجر أو مدر أو خشب أو شعر أو صوف أو وبر أو غير ذلك، واحده رحل. 406- حدثنا أبو حفصٍ عمرُو بن علي البصري حدثنا أبو داودَ الطيالسيّ حدثنا زهيرُ بن معاويةَ عن أبي الزبيْرِ عن جابرٍ قال: "كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فأصابَنا مطرٌ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "من شاءَ فليصلّ في رحْلِهِ". (قال) وفي الباب عن ابن عمرَ وسَمُرَةَ وأبي المليحِ عن أبيهِ وعبدِ الرحمن بن سَمُرَةَ. قال أبو عيسى حديثُ جابرٍ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وقد رخّصَ أهلُ العلمِ في القعُودِ عن الجماعةِ والجمعةِ في المطَرِ والطينِ وبه يقولُ أحمدُ وإسحاقُ. (قال أبو عيسى): سمعتُ أبا زُرْعَةَ يقولُ: روى عفانُ بن مسلمٍ عن عمرِو بن عَلي حديثاً وقال أبو زُرْعَةَ: لم نَر بالبصرةِ أحفظَ من هؤلاء الثلاثةِ: عليّ بن المدينيّ وابنِ الشاذكونِي وعمرو بن علي وأبو المليحِ بنِ أسامةَ اسمه عامر ويقال زيدُ بن أسامةَ بنِ عميرٍ الهذليّ. قوله: (أخبرنا زهير بن معاوية) بن خديج بن خيثمة الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة ثقة ثبت إلا أن سماعه عن أبي إسحاق بآخره (من شاء فليصل في رحله) فيه دليل على أن الصلاة في الرحال لعذر المطر ونحوه رخصة وليست بعزيمة. قوله: (وفي الباب عن ابن عمر وسمرة وأبي المليح عن أبيه وعبد الرحمن بن سمرة.) أما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول: ألا صلوا في الرحال. وأما حديث سمرة فأخرجه أحمد من طريق الحسن عنه بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين في يوم مطير: الصلاة في الرحال، زاد البزار كراهة أن يشق علينا رحاله ثقات كذا في التلخيص. وأما حديث أبي المليح عن أبيه فأخرجه أبو داود بلفظ: أن يوم حنين كان يوم مطر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال قال المنذري وأبو المليح أسمه عامر بن أسامة. وقيل زيد بن أسامة، وقيل أسامة بن عامر، وقيل عمير بن أسامة، هذلي بصري أتفق الشيخان على الاحتجاج بحديثه، وأبوه له صحبة أنتهى. وأما حديث عبد الرحمن بن سمرة فأخرجه الحاكم وعبد الله بن أحمد في زيادات السند بلفظ: إذا كان مطر وابل فصلوا في رحالكم، وفي إسناده ناصح بن العلاء وهو منكر الحديث قاله البخاري. وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ووثقه أبو داود. كذا في التلخيص. (قوله حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود. قوله: (وقد رخص أهل العلم في القعود عن الجماعة والجمعة الخ) لأحاديث الباب ولحديث بن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حي على الصلاة، قل صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا فقال: فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض، رواه البخاري في صحيحه وبوب عليه الرصخة إن لم يحضر الجمعة في المطر. قال: الحافظ في الفتح: أورد المصنف يعني البخاري هنا حديث ابن عباس وهو مناسب لما ترجم له، وبه قال الجمهور، ومنهم من فرق بين قليل المطر وكثيره، وعن مالك لا يرخص في تركها بالمطر، وحديث ابن عباس هذا حجة في الجواز أنتهى. واعلم أنه وقع في حديث ابن عمر المذكور في رواية للبخاري في الليلة الباردة أو المطيرة، وفي صحيح أبي عوانة ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح. قال الشوكاني: وفيه أن كلا من الثلاثة عذر في التأخر عن الجماعة. ونقل ابن بطال فيه الإجماع لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل. وفي السنن من طريق أبي أسحاق عن نافع في هذا الحديث في الليلة المطيرة والغداة القرة وفيها بأسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه أنهم مطروا يوماً فرخص لهم، وكذلك في حديث ابن عباس في يوم مطير قال الحافظ. ولم أر في شيء من الأحاديث الترخيص لعذر الريح في النهار صريحاً أنتهى كلام الشوكاني. وقال الكرماني: هل يكفي المطر فقط أو الريح أو البرد في رخصة ترك الجماعة أم احتجاج إلى ضم أحد الأمرين بالمطر. فأجاب بأن كل واحد منها عذر مستقل في ترك الحضور إلى الجماعة نظراً إلى العلة وهي المشقة. انتهى كلام الكرماني. قلت رواية أبي عوانة المذكورة نص صريح في أن لك واحد منها عذر مستقل في التأخر عن الجماعة، فإن كلمة أو فيها للتنويع لا للشك والله تعالى أعلم. وقال القاري في المرقاة. قال ابن الهمام عن أبي يوسف سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين وردغة أي وحل كثير، فقال: لا أحب تركها، وقال محمد في الموطأ الحديث رخصة يعني قوله عليه السلام إذا أبتلت النعال فالصلاة في الرحال أنتهى كلام القاري. قلت: قال محمد في الموطأ بعد رواية حديث ابن عمر المذكور ما لفظه: هذا رخصة والصلاة في الجماعة أفضل انتهى. فقول القارئ يعني قوله عليه السلام: إذا أبتلت الخ نظر ظاهر وأما الحديث بلفظ إذا أبتلت النعال فالصلاة في الرحال، فقال الحافظ في التلخيص لم أره في كتب الحديث. وقال الشيخ تاج الدين الفزاري في الإقليد: لم أجده في الأصول وإنما ذكره أهل العربية انتهى كلام الحافظ. قوله: (قال سمعت أبا زرعة) أي قال أبو عيسى سمعت أبا زرعة وأبو زرعة هذا هو أبو زرعة الرازي واسمه عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ إمام حافظ ثقة مشهور وقد تقدم ترجمته في المقدمة (روى عفان بن مسلم عن عمرو بن علي حديثاً) يعني أن عفان بن مسلم من شيوخ عمرو بن علي وهو من تلاميذه ومع هذا فقد روى عفان ابن مسلم عنه حديثاً كما أن الإمام البخاري من شيوخ الترمذي وقد روى عنه حديثاً كما تقدم في المقدمة. قال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة عمرو ابن علي: حدث عنه الستة والنسائي أيضاً بواسطة وعفان وهو من شيوخه وأبو زرعة الخ (وقال أبن زرعة لم أر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي) كذا وقع في نسخ جامع الترمذي وابن الشاذكوني، ووقع في تذكرة الحفاظ والشاذكوني بحذف لفظ ابن، وعبادة تذكرة الحفاظ هكذا: قال أبو زرعة ذلك (يعني عمرو بن علي) من فرسان الحديث لم ير بالبصرة أحفظ منه ومن ابن المديني والشاذكوني. انتهى عبارة تذكرة الحافظ. الشاذكوني هذا هو سليمان بن داود المنقري البصري أبو أيوب الحافظ، ذكر ترجمته الذهبي في تذكرة الحفاظ والميزان، وعمرو بن علي هذا هو أبو حفص المذكور في أسناد حديث الباب ثقة حافظ.
(باب ما جاء في التسبيح في أدبار الصلاة) واحد الأدبار الدبر، قال في القاموس: الدبر بالضم وبضمتين نقيض القبل ومن كل شيء عقبه ومؤخره انتهى 407- حدثنا إسحاقُ بن إبراهيمَ بن حبيبِ بن الشهيدِ (البصري) وعليّ بن حُجْرٍ قالا: حدثنا عتّابُ بنُ بشيرٍ عن خُصَيْفٍ عن مجاهدٍ وعِكْرِمةَ عن ابن عباس قال: "جاء الفقراء إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسولَ الله إنّ الأغنياءَ يصلونَ كما نصلّي ويصومونَ كما نصومُ ولهم أموالٌ يُعْتِقون ويتصدقونَ قال: فإذا صلّيتُم فقولوا سبحانَ الله ثلاثاً وثلاثينَ مرةً والحمدُ لله ثلاثاً وثلاثينَ مرةً والله أكْبرُ أربعاً وثلاثينَ مرةً ولا إلهَ إلا الله عشرَ مراتٍ"، فإنكم تدركونَ به منَ سبقكمْ ولا يسبِقُكُم منْ بعدَكمْ". (قال) وفي البابِ عن كعبِ بنِ عجرةَ وأنس وعبدِ الله بن عمرٍو وزيدِ (بن ثابتٍ) وأبي الدرداءِ وابن عمرَ وأبي ذرّ. قال أبو عيسى: (و) حديثُ ابنِ عباسٍ حديثٌ حسَنٌ غريبٌ. وفي الباب أيضاً عن أبي هريرة والمغيرة. وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: "خصلتانِ لا يحصيهما رجلٌ مسلمٌ إلا دخل الجنة: يسبحُ الله في دبرِ كلّ صلاةٍ عشراً ويحمدُه عشراً ويكبرهُ عشراً ويسبحُ الله عند مَنامِه ثلاثاً وثلاثين ويحمدهُ ثلاثاً وثلاثين ويكبرهُ أربعاً وثلاثين". قوله: (جاء الفقراء) وفي حديث أبو هريرة المتفق عليه أن فقراء المهاجرين أتوا (ولهم أموال يعتقون ويتصدقون) أي ونحن لا نعتق ولا نتصدق (قال فإذا صليتم) أي المكتوبة كما في حديث كعب بن عجرة، ووقع في حديث أبي هريرة تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة. قال الحافظ في الفتح ظاهره يشمل الفرض والنفل، لكن حلمه أكثر العلماء على الفرض، وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة وكأنهم حملوا المطلقات عليها (فقولوا سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة والله أكبر أربعاً وثلاثين مرة ولا إلَه إلا الله عشرة مرات) وفي حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعاً: من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر. وفي حديث كعب بن عجرة عند مسلم مرفوعاً: معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وعشرون تكبيرة. قال الحافظ في الفتح: قال النووي: ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبر أربعاً وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله وحده إلى آخره وقال غيره بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بلا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث انتهى. قلت: وهذا هو الأولى عندي وعلى هذا فيقول مرة كما في حديث الباب والله تعالى أعلم. واعلم أن في كل من تلك الكلمات الثلاث روايات مختلفة قال ابن حجر المكي: ورد التسبيح ثلاثاً وخمساً وعشرين وإحدى عشرة وعشرة وثلاثاً ومرة واحدة وسبعين ومائة، وورد التحميد ثلاثاً وثلاثين وخمساً وعشرين وإحدى عشرة وعشرة ومائة، وورد التهليل عشرة وخمساً وعشرين ومائة: قال الحافظ الزين العراقي: وكل ذلك حسن وما زاد فهو أحب إلى الله تعالى: وجمع البغوي بأنه يحتمل صدور ذلك في أوقات متعددة وأن يكون على سبيل التخيير أو يفترق بافتراق الأحوال. فائدة: قال الحافظ في الفتح: قد كان بعض العلماء يقول: إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلاة إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الاَتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد. قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وفيه نظر لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الإتيان بعد حصوله انتهى. ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية، فإن نوى عند الإنتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محالة، وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلاً فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي. وقد بالغ القرافي في القواعد فقال: من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحددة شرعاً لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئاً أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئاً للأدب انتهى. وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مثلاً فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به، فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع، ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الإتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة تفوت بفواتها ولله أعلم انتهى كلام الحافظ. قوله: (وفي الباب عن كعب بن عجرة وأنس وعبد الله بن عمرو وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وابن عمر وأبي ذر) أما حديث كعب بن عجرة فأخرجه مسلم وتقدم لفظه. وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي والنسائي. وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه النسائي. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الخمسة وأما حديث أبي ذر فأخرجه ابن ماجة. وفي الباب أحاديث أخرى. قوله: (حديث ابن عباس حديث حسن) وأخرجه النسائي (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم الخ) أخرجه الترمذي في الدعوات.
408- حدثنا يحيى بن موسى حدثنا شبابة بن سوّار حدثنا عمرُ بن الرماحِ (البلُخىّ) عن كثير بن زيادٍ عن عمرَ بنِ عثمانَ بن يعلَى بن مرةَ عن أبيهِ عن جدّه "أنهم كانوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم (في مسير) فانتهوْا إلى مضيق وحضرتِ الصلاةُ فمُطروا، السماء من فوقهم والبِلةُ من أسفلَ منهم فأذّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (وهو) على راحلته وأقامَ (أو أقام) فتقدمَ على راحلتهِ فصلّى بهم يومئُ إيماء يجعلُ السجودَ أخفضَ من الركوع". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ تفرد به عمرُ بنُ الرماحِ (البلخي) لا يعرفُ إلا من حديثِهِ. وقد روى عنه غيرُ واحدٍ من أهلِ العلم وكذا رُوِيَ عن أنسِ بن مالك أنه صلى في ماء وطينٍ على دابتهِ والعملُ على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمدُ وإسحاقُ. قوله: (أخبرنا عمر بن الرماح) بفتح الراء وتشديد الميم هو عمر بن ميمون، قال في التقريب: عمر بن ميمون بن بحر بن سعد الرماح البلخي أو علي القاضي وسعد هو الرماح ثقة عمى في آخره (عن عمر بن عثمان بن يعلى بن مرة) قال الحافظ في التقريب: مستور، وقال الخزرجي في الخلاصة: وثقه ابن حبان (عن أبيه) أي عثمان بن يعلى، قال الحافظ في التقريب: مجهول (عن جده) أي يعلى بن مرة وهو صحابي شهد الحديبية وما بعدها. قوله: (إلى مضيق) أي إلى موضع ضيق (فمطروا) بصيغة المجهول (السماء من فوقهم) السماء مبتدأ، ومن فوقهم خبره، والجملة حلا بلا واو، والمراد من السماء ههنا المطر، قال الشاعر: إذا نزل السماء بأرض قوم *** رعيناه وإن كانوا غضابا قال الجوهري: يقال ما زلنا نطأ في السماء حتى أتيناكم (والبلة) بكسر الموحدة وتشديد اللام أي النداوة (فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم) من التأذين، قال السيوطي في قوت المغتذي: استدل بهذا الحديث النووي وغيره على أنه صلى الله عليه وسلم باشر الأذان بنفسه وعلى استحباب الجمع بين الأذان والإمامة ذكره في شرح المهذب مبسوطاً وفي الروضة مختصراً، ووردت رواية أخرى مريحة ذلك في سنن سعيد بن منصور. ومن قال إنه صلى الله عليه وسلم لم يباشر هذه العبادة بنفسه وألغز في ذلك بقوله ماسنة أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها فقد غفل، وقد بسطت المسألة في شرح الموطأ وفي حواشي الروضة انتهى كلام السيوطي في قوت المغتذي. وقال القاري في المرقاة: جزم النووي بأنه صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر واستدل له بخبر الترمذي، ورد بأن أحمد أخرجه في مسنده من طريق الترمذي فأمر بلالا فأذن، وبه يعلم اختصار رواية الترمذي وأن معنى أذن فيها أمر بلالاً بالأذان كبنى الأمير المدينة، ورواه الدارقطني أيضاً بلفظ: فأمر بلالاً فأذن، قال السهيلي: والمفصل يقضي على المجمل انتهى. وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري: ومما كثر السؤال عنه: هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه وقد وقع عند السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في السفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم، السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم، أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى أبي هريرة اهـ. وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة. وكذا جزم النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه: فأمر بلالاً فأذن، فعرف أن في رواية الترمذي اختصاراً وأن معنى قوله أذن أمر بلالاً به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفاً وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمراً به انتهى كلام الحافظ. (فصلى بهم) قال أبو الطيب المدني الحنفي في شرح الترمذي: يعني أمهم في تلك الصلاة، والظاهر أنه كان فرضاً لأن المتبادر من صلاة الجماعة الفرض، وكذلك يدل عليه هذا الاهتمام والأذان، لأن النوافل لم يشرع لها الأذان فدل الحديث على جواز الفرض على الدابة عند العذر، وبه قال علماؤنا وأهل العلم كما جزم به المصنف انتهى. قوله: (هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه النسائي والدارقطني وثبت ذلك عن أنس من فعله وصححه وحسنه التوزي وضعفه البيهقي كذا في النيل (والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق) ويجوز الفريضة عندهم على الدابة إذا لم يجد موضعاً يؤدي فيه الفريضة نازلاً، ورواه العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي، وقال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة: حديث يعلى ضعيف السند صحيح المعنى، قال الصلاة بالإيماء على الدابة صحيحة إذا خاف من خروج الوقت ولم يقدر على النزول لضيق الموضع أو لأنه غلبه الطين والماء انتهى.
(باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة) قال في القاموس: الجهد الطاقة والمشقة، واجهد جهدك أبلغ غايتك وجهد كمنع جد كاجتهد. 409- حدثنا قُتَيْبَةُ وبِشرُ بن معاذ العقدي قالا: حدثنا أبو عَوانة عن زياد بن علاقَةَ عن المغيرةِ بن شُعبَة قال: "صلّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخَتْ قدماهُ فقيلَ لهُ: أتَتَكلفُ هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدمَ من ذنبكَ وما تأخر قال: أفلا أكون عبداً شكوراً". (قال) وفي الباب عن أبي هريرةَ وعائشة. قال أبو عيسى: حديثُ المغيرةِ بن شعبةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. (حتى انتفخت قدماه) وفي رواية للبخاري: حتى تورمت، وفي رواية له: حتى ترم من الورم، وللنسائي من حديث أبي هريرة: حتى تزلع قدماه بزاي وعين مهملة، وقال البخاري في صحيحه: قالت عائشة: حتى تفطر قدماه، والفطور الشقوق. قال الحافظ في الفتح: لا اختلاف بين هذه الروايات فإنه إذا حصل الانتفاخ أو الورم حصل الزلع والتشقق انتهى (أتتكلف هذا) أي تلزم نفسك بهذه الكلفة والمشقة، وفي رواية الشيخين: لم تصنع هذا (وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) قال ابن حجر المكي: قد ظن من سأل عن سبب تحمله المشقة في العبادة أن سببها إما خوف الذنب أو رجاء المغفرة، فأقادهم أن لها سبباً آخر أتم وأكمل وهو الشكر على التأهل لها مع المغفرة وإجزال النعمة انتهى (أفلا أكون عبداً شكوراً) أي بنعمة الله علي بغفران ذنوبي وسائر ما أنعم الله علي. قال ابن حجر المكي في شرح الشمائل: أي أترك تلك الكلفة نظرا إلى المغفرة فلا أكون عبداً شكوراً، لا بل ألزمها وإن غفر لي لأكون عبداً شكوراً.، وقال الطيبي: الفاء مسبب عن محذوف أي أأترك قيامي وتهجدي لما غفر لي فلا أكون عبداً شكوراً، يعني أن غفران الله إياي سبب لأن أقوم وأتهجد شكراً له فكيف أتركه. قول ابن بطال: في هذا الحديث أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة وإن أضر ذلك ببدنه، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف بمن لم يعلم بذلك، فضلاً عمن لم يأمن من أنه استحق النار انتهى. قال الحافظ: ومحل ذلك ما إذا لم يفض إلى الملال، لأن حال النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكمل الأحوال فكان لا يمل من عبادة ربه وإن أضر ذلك ببدنه، بل صح أنه قال: وجعلت قرة عيني في الصلاة. فأما غيره صلى الله عليه وسلم فإذا خشي الملال لا ينبغي له أن يكره نفسه، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا انتهى. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي. وأما حديث عائشة فأخرجه البخاري. قوله: (حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه.
410- حدثنا عليّ بن نصر بن علي (الجهضَمِيّ) حدثنا سهلُ بن حمادٍ حدثنا همامٌ (قال) حدثَني قتادةُ عنِ الحسن عن حريثِ بن قَبيصَةَ قال: قدِمتُ المدينةَ فقلتُ اللهمّ يسر لي جليساً صالحاً قال فجلستُ إلى أبي هُريرَةَ فَقلت: إني سأَلتُ الله أن يرزقني جليساً صالحاً فحدثني بحديثٍ سمعتهُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لعلّ الله أن ينفعَنِي به، فقال سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنّ أولَ ما يُحَاسَبُ به العبد يومَ القيامةِ من عملهِ صَلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أفلحَ وأنجحَ، وإن فَسَدَتْ فقد خابَ وخسرَ، فإن انتقصَ من فريضته شيءٌ قال الرب عز وجل: أنظروا هل لَعْبْدِيَ منْ تطوعٍ؟ فيُكْمِلُ بها ما انتقصَ من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِهِ على ذلك". (قال) وفي الباب عن تميمٍ الداريّ. قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسَنٌ غريبٌ منْ هذا الوجْه. وقد رُوِيَ هذا الحديثُ من غيرِ هذا الوجْهِ عَنْ أبي هُريرةَ. وقد رَوَى بعضُ أصحابِ الحسنِ عن الحسنِ عن قَبِيصَةَ بن حريث غيرَ هذا الحديثِ. والمشهورُ هو قَبِيصةُ بنُ حُريثٍ. ورُوِيَ عن أنسِ بن حكيمٍ عن أبي هريرةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوُ هذا. قوله: (عن الحسن) هو الحسن البصري (عن حريث بن قبيصة) قال في التقريب: قبيصة بن حريث ويقال حريث بن قبيصة والأول أشهر الأنصاري البصري صدوق من الثالثة. قوله: (إن أول ما يحاسب به العبد) بالرفع على نيابة الفاعل (يوم القيامة من عمله صلاته) أي المفروضة. قال العراقي في شرح الترمذي: لا تعارض بينه وبين الحديث الصحيح: إن أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء. فحديث الباب محمول على حق الله تعالى، وحديث الصحيح محمول على حقوق الاَدميين فيما بينهم. فإن قيل: فأيهما يقدم محاسبة العباد على حق الله أو محاسبتهم على حقوقهم، فالجواب أن هذا أمر توقيفي وظواهر الأحاديث دالة على أن الذي يقع أولاً المحاسبة على حقوق الله تعالى قبل حقوق العباد انتهى. وقيل الأول من ترك العبادات والثاني من فعل السيئات (فإن صلحت) بضم اللام وفتحها، قال ابن الملك: صلاحها بأدائها صحيحة (فقد أفلح وأنجح) الفلاح الفوز والظفر، والإنجاح بتقديم الجيم على الحاء يقال أنجح فلان إذا أصاب مطلوبة. قال القاري في المرقاة: فقد أفلح أي فاز بمقصوده، وأنجح أي ظفر بمطلوبه فيكون فيه تأكيد، وفاز بمعنى خلص من العقاب، وأنجح أي حصل له الثواب (وإن فسدت) بأن لم تؤد أو أديت غير صحيحة أو غير مقبولة (فقد خاب) بحرمان المثوبة (وخسر) بوقوع العقوبة، وقيل معنى خاب ندم وخسر أي صار محروماً من الفوز والخلاص قبل العذاب (فإن انتقص) بمعنى نقص المتعدي (شيئاً) أي من الفرائض (هل لعبدي من تطوع) أي في صحيفته سنة أو نافلة من صلاة على ما هو ظاهر من السياق قبل الفرض أو بعده أو مطلقاً (فيكمل) بالتشديد ويخفف على بناء الفاعل أو المفعول وهو الأظهر وبالنصب ويرفع قاله القاري (بها) قال ابن الملك: أي بالتطوع وتأنيث الضمير باعتبار النافلة. وقال الطيبي: الظاهر نصب فيكمل على أنه من كلام الله تعالى جواباً للاستفهام، ويؤيده رواية أحمد فكلموا بها فريضته، وإنما أنث ضمير التطوع في بها نظر إلى الصلاة (ما انتقص من الفريضة) فهو متعد قال العراقي في شرح الترمذي: يحتمل أن يراد به ما انتقصه من السنن والهيئات المشروعة فيها من الخشوع والأذكار والأدعية وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله فيها وإنما فعله في التطوع، ويحتمل أن يراد به ما انتقص أيضاً من فروضها وشروطها، ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأساً فلم يصله فيعوض عنه من التطوع. والله سبحانه وتعالى يقبل من التطوعات الصحيح عوضاً من الصلوات المفروضة انتهى. وقال ابن العربي: يحتمل أن يكون يكمل له ما نقص من فرض الصلاة وإعدادها بفضل التطوع، ويحتمل ما نقصه من الخشوع عندي أظهر لقوله ثم الزكاة كذلك وسائر الأعمال، وليس في الزكاة إلا فرض أو فضل فكما يكمل فرض الزكاة بفضلها كذلك الصلاة وفضل الله أوسع ووعده أنفذ وعزمه أعم انتهى (ثم يكون سائر عمله على ذلك) أي إن انتقص فريضة من سائر الأعمال تكمل من التطوع. قوله: (وفي الباب عن تميم الداري) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بلفظ. أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن كان أتمها كتبت له تامة وإن لم يكن أتمها قال الله تعالى لملائكته: أنظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فيكمل بها فريضة ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن غريب إلخ) وأخرجه أبو داود ورواه أحمد عن رجل كذا في المشكاة قال ميرك: ورواه الترمذي بهذا اللفظ وابن ماجه. قال: ابن حجر: ورواه النسائي وآخرون، ورواه أبو داود أيضاً من رواية تميم الداري معناه بإسناد صحيح: وأما خبر لا تقبل نافلة المصلى حتى يؤدي الفريضة فضعيف كذا في المرقاة. قوله: (وقد روى بعض أصحاب الحسن عن الحسن عن قبيصة بن حريث غير هذا الحديث والمشهور هو قبيصة بن حريث) قال الحافظ في تهذيب التهذيب: قبيصة بن حريث، ويقال حريث بن قبيصة الأنصاري البصري روى عن سلمة بن المحبق وعنه الحسن البصري. قال البخاري: في حديثه نظر. وقال الترمذي: في حديث حريث بن قبيصة عن أبي هريرة: رواه بعض أصحاب الحسن عنه عن قبيصة بن حريث والمشهور هو قبيصة بن حريث، وذكر ابن حبان في الثقات وقال مات في طاعون الجارف سنة 167 سبع وستين ومائة. قال الحافظ: وجهله ابن القطان، وقال النسائي لا يصح حديثه، وذكر أبو العرب التميمي أن أبا الحسن العجلي قال: قبيصة بن حريث تابعي ثقة، وأفرط ابن حزم فقال ضعيف مطروح انتهى. قوله: (وروى عن أنس بن حكيم) الضبي البصري مستود من الثالثة (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا) رواه أبو داود، عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة قال فنسبني فانتسبت له فقال يا فتى ألا أحدثك حديثاً قال: قلت: بلى رحمك الله، قال: إن أول ما يحاسب الناس الحديث.
411- حدثنا محمدُ بنُ رافعٍ حدثنا إسحاقُ بن سليمانَ الرازيّ حدثنا المغيرةُ بنُ زيادٍ عن عطاء عن عائشةَ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ثابرَ على ثنتَيْ عشرةَ ركعةً من السّنةِ بنى الله له بيتاً في الجنة: أربعَ ركعاتٍ قبلَ الظهر، وركعتين بعدها وركعَتَيْنِ بعدَ المغربِ، وركعتَيْنِ بعدَ العشاء، وركعتَيْنِ قبلَ الفجرِ". (قال) وفي الباب عن أُمّ حبيبةَ وأبي هريرةَ وأبي موسى وابنِ عمرَ. قال أبو عيسى: حديثُ عائشةَ حديثٌ غريب من هذا الوجهِ. ومغيرةُ بن زيادٍ قد تَكَلّمَ فيه بعضُ أهلِ العلمِ من قِبَلِ حِفظهِ. 412- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا مؤملٌ (هو ابن اسماعيل) حدثنا سفيانُ الثوريّ عن أبي إسحاق عن المسيّبِ بن رافعٍ عن عنبسة بن أبي سُفيانَ عن أُمّ حبيبةَ قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من صلّى في يومٍ وليلةٍ ثنتَيْ عشرةَ ركعةً بُنيَ له بيتٌ في الجنّةِ: أربعاً قبلَ الظهر، وركعتينِ بعدَها وركعتين بَعدَ المغربِ وركعتينِ بعدَ العِشاءِ، وركعتين قبلَ صلاة الفجر". قال أبو عيسى: وحديثُ عَنْبَسَةَ عن أُمّ حَبِيبَةَ في هذا البابِ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ عن عَنْبَسَةَ من غيرِ وجهٍ. قوله: (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة عابد من الحادية عشرة (أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي) أبو يحيى كوفي الأصل ثقة فاضل من التاسعة (أخبرنا المغيرة بن زياد) البجلي الموصلي وثقه وكيع وابن معين وابن عدي وغيرهم، وقال أبو حاتم: شيخ لا يحتج به كذا في الخلاصة، وقال في التقريب: صدوق له أوهام (عن عطاء) هو عطاء بن أبي رباح كما في رواية للنسائي وهو ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال. قال ابن سعد: كان ثقة عالماً كثير الحديث انتهت إليه الفتوى بمكة، وقال أبو حنيفة: ما لقيت أفضل من عطاء. وقال ابن عباس وقد سئل عن شيء: يا أهل مكة تجتمعون علي وعندكم عطاء مات سنة 114 أربع عشرة ومائة. قوله: (من ثابر) أي دام قال في النهاية المثابرة الحرص على الفعل والقول وملازمتهما (أربع ركعات إلخ) بالجر بدل من ثنتي عشرة ركعة. قوله: (وفي الباب عن أم حبيبة وأبي هريرة وأبي موسى وابن عمر) أما حديث أم حبيبة فأخرجه مسلم وغيره بلفظ: قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة، وفي رواية تطوعاً، وأخرجه الترمذي في هذا الباب وفي زيادة التفسير. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وابن ماجه مرفوعاً بلفظ: من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة: ركعتين قبل الفجر وركعتين بعد الظهر قبل الظهر وركعتين أظنه قال قبل العصر وركعتين بعد المغرب أظنه قال وركعتين بعد العشاء الاَخرة، وفي إسناده محمد بن سليمان الأصبهاني وهو ضعيف. وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط بنحو حديث أم حبيبة بدون التفسير. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان عنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب بعد العشاء وركعتين قبل الغداة الحديث. قوله: (حديث عائشة حديث غريب من هذا الوجه) وأخرجه النسائي وابن ماجه (ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه) قد عرفت أنه قد وثقه وكيع وابن معين في رواية وابن عدي وغيرهم، فالظاهر أن إسناد هذا الحديث لا ينحط عن درجة الحسن والله تعالى أعلم. قوله: (أخبرنا مؤمل) بن إسماعيل العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن البصري عن شعبة والثوري وجماعة وعنه أحمد وإسحاق وابن المديني وطائفة، وثقه ابن معين وقال البخاري ومنكر الحديث مات سنة 206 ست ومائتين كذا في الخلاصة: وقال في الميزان: وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ. وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير، وذكره أبو داود فعظمه ورفع من شأنه، مات بمكة في رمضان سنة 206 ست ومائتين (عن أبي إسحاق) هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة عابد اختلط بآخره (عن المسيب بن رافع) الأسدي الكاهلي الكوفي ثقة من الرابعة (عن عنبسة بن أبي سفيان) بن حرب بن أمية القرشي الأموي أخي معاوية يقال له روية. وقال أبو نعيم: اتفق الأئمة على أنه تابعي، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. قوله: (أربعاً قبل الظهر إلخ) فيه وفي حديث عائشة المتقدم دلالة على أن السنة قبل الظهر أربع ركعات: وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة. وفي حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر رضي الله عنهما اللذين أشار إليهما الترمذي وذكرنا لفظهما دلالة على أن السنة قبل الظهر ركعتان. قال الحافظ في الفتح: قال الداودي: وقع في حديث ابن عمران قبل الظهر ركعتين وفي حديث عائشة أربعاً وهو محمول على أن كل واحد منهما وصف ما رأى، قال ويحتمل أن يكون نسي ابن عمر ركعتين من الأربع. وقال الحافظ: هذا الاحتمال بعيد والأولى أن يحمل على حالين فكان تارة يصلي ثنتين وتارة يصلي أربعاً، وقيل هو محمول على أنه كان يقتصر في المسجد على ركعتين وفي بيته يصلي أربعاً، ويحتمل أن يكون يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فصلى ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته واطلعت عائشة على الأمرين، ويقوي الأول ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة. كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعاً ثم يخرج. قال أبو جعفر الطبري: الأربع كانت في كثير من أحواله والركعتان في قليلها انتهى كلام الحافظ. قوله: (وحديث عنسبة عن أم حبيبة في هذا الباب حسن صحيح) وأخرجه النسائي.
413- حدثنا صالحُ بن عبدِ الله (الترمذي) حدثنا أبو عَوَانَةَ عن قتادةَ عن زُرَارَةَ بن أوفَى عن سعدِ بنِ هشامٍ عن عائشةَ قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجرِ خيرٌ منَ الدنيا وما فيهَا". (قال): وفي الباب عن علي وابنِ عمرَ وابنِ عباسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ عائشةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وقد رَوَى أحمدُ بنُ حنبلٍ عن صالحِ بنِ عبدِ الله الترمذيّ حديث عائشة.. قوله: (حدثنا صالح بن عبد الله) بن ذكوان الباهلي أبو عبد الله الترمذي نزيل بغداد ثقة من العاشرة (عن زرارة) بضم الزاي المعجمة (بن أوفى) العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة البصري قاضيها ثقة عابد من الثالثة مات فجأة في الصلاة (عن سعد بن هشام) بن عامر الأنصاري المدين ثقة من الثالثة استشهد بأرض الهند. قوله: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) أي من متاع الدنيا قاله النووي: وقال الطيبي: إن حمل الدنيا على أعراضها وزهرتها فالخير إما مجرى على زعم من يرى فيها خيراً أو يكون من باب أي الفريقين خير مقاماً. وإن حمل على الإنفاق في سبيل الله فتكون هاتان الركعتان أكثر ثواباً منها. وقال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة: إنما كانتا خيراً منها لأن الدنيا فانية ونعيهما لا يخلو عن كدر النصب والتعب، وثوابهما باق غير كدر انتهى. قوله: (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم من طريق محمد بن عبيد الغبري عن أبي عوانة بعين سند الترمذي، وفي رواية له عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن الركعتين عند طلوع الفجر: لهما أحب إلي من الدنيا جمعياً. قوله: (وفي الباب عن علي وابن عمر وابن عباس) أما حديث علي فلينظر من أخرجه. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الكبير عنه قال: قال رجل يا رسول الله دلني على عمل ينفعني الله به. قال عليك بركعتي الفجر فمن فيهما فضيلة، وفي رواية له أيضاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تدعوا الركعتين قبل صلاة الفجر فإن فيهما الرغائب. وروى أحمد عنه: ركعتي الفجر حافظوا عليهما فإن فيهما الرغائب، كذا في الترغيب للمنذري. وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن عدي في الكامل. قوله: (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وفي رواية له عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن الركعتين عند طلوع الفجر: لهما أحب إلي من الدنيا جميعاً.
414- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ وأبو عمارٍ قالا: حدثنا أبو أحمدَ الزبيريّ، حدثنا سفيانُ عن أبي إسحاقَ عنِ مُجاهدٍ عن ابنِ عمرَ قال رَمَقْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم شهراً فكانَ يقرأُ في الركعَتَيْنِ قبلَ الفجرِ بـ {قلْ يا أيها الكافرونَ} و{قلْ هو الله أحد}". (قال) وفي الباب عن ابنِ مسعودٍ وأنس وأبي هريرةَ وابن عباسٍ وحفصةَ وعائشةَ. قال أبو عيسى: حديث ابنِ عمرَ حديثٌ حسنٌ. ولا نعرفُه من حديثِ الثوريّ عن أبي إسحاقَ إلا من حديث أبي أحمد والمعروف عند الناس حديث إسرائيل عن أبي إسحاق. وقد رُوِيَ عن أبي أحمدَ عن إسرائيلَ هذا الحديثُ أيضاً. وأبو أحمدَ الزبيريّ ثقةٌ حافظٌ (قال): سمعتُ بنداراً يقولُ: ما رأيتُ أحداً أحسنَ حفظاً من أبي أحمدَ الزبيريّ. و أبو أحمد اسمهُ محمدُ بن عبدِ الله بنِ الزبير الكوفيّ الأسدّى. قوله: (وأبو عمار) اسمه حسين بن حريث الخزاعي مولاهم المروزي ثقة من العاشرة روى عن الجماعة سوى ابن ماجه وسوى أبو داود فكتابة (أخبرنا أبو أحمد الزبيري) بضم الزاي وفتح الموحدة اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري (أخبرنا سفيان) هو الثوري. قوله: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً) أي نظرت إليه صلى الله عليه وسلم (فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) فيه دلالة على استحباب قراءة سورتي الإخلاص في ركعتي الفجر. قوله: (وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وأبي هريرة وابن عباس وحفصة وعائشة) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الترمذي في باب ما جاء في الركعتين بعد المغرب والقراءة فيهما. وأما حديث أنس فأخرجه البزار ورجال إسناده ثقات قاله الشوكاني. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وأما حديث ابن عباس فأخرجه الجماعة بلفظ: فصلى ركعتين خفيفتين، وله حديث آخر عند مسلم وأبو داود والنسائي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا، والتي في آل عمران؟ تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، وفي رواية لمسلم: وفي الاَخرة بآمنا بالله واشهد بأنا مسلمون. وأما حديث حفصة فأخرجه الجماعة إلا أبا داود بلفظ: ركعتين خفيفتين. وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان بلفظ: قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم القرآن. وأما حديث الباب تدل على مشروعية التخفيف: وقد ذهب إلى ذلك الجمهور، وخالف في ذلك الحنفية، فذهبت إلى استحباب إطالة القراءة وهو مخالف لصرائح الأدلة، وبحديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه، تمسك مالك وقال بالاقتصار على قراءة فاتحة الكتاب في هاتين الركعتين، وليس فيه إلا أن عائشة رضي الله عنها شكت هل كان يقرأ بالفاتحة أم لا لشدة تخفيفه لهما، وهذا لا يصلح التمسك به لرد الأحاديث الصريحة الصحيحة الواردة من طرق متعددة. وقد أخرج ابن ماجه عن عائشة نفسها أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فكان يقول نعم السورتان هما يقرأ بهما في ركعتين الفجر، قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، ولا ملازمة بين مطلق التخفيف والإقتصار على الفاتحة لأنه من الأمور النسبية. وقد اختلف في الحكمة في التخفيف لهما فقيل ليبادر إلى صلاة الفجر في أول الوقت، وبه جزم القرطبي. وقيل ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما يصنع في صلاة الليل ليدخل في الفرض أو ما يشابهه بنشاط واستعداد تام، ذكره الحافظ في الفتح والعراقي في شرح الترمذي. قوله: (حديث ابن عمر حديث حسن) أخرجه الخمسة إلا النسائي كذا في المنتقى، وقال الشوكاني في النيل: وأخرجه أيضاً مسلم "وأبو أحمد الزبيري ثقة حافظ وكذا وثقه غير واحد من أئمة الحديث كأبن معين والعجلي والنسائي وغيرهم: وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل: كان كثير الخطأ في حديث سفيان كذا في تهذيب التهذيب (واسمه محمد بن عبد الله بن الزبيري) كذا في النسخ الموجودة ولا شك في أنه غلط والصحيح محمد بن عبد الله بن الزبيري أو محمد بن عبد الله الزبيري. قال الحافظ في التقريب: محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي أبو أحمد الزبيري الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطيء في حديث الثوري انتهى.
415- حدثنا يوسفُ بنُ عيسى (المرزويّ)، حدثنا عبدُ الله بنُ إدريسَ قال سمعتُ مالكَ بنَ أنسٍ عن أبي النضر عن أبي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ قالت: "كانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا صلّى ركعَتَيْ الفجْرِ فإن كانت له إليّ حاجةٌ كلمني وإلا خرجَ إلى الصلاة". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد كرهَ بعضُ أهلِ العلم مِنْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم الكلامَ بعدَ طُلوع الفجرِ حتى يصلّيَ صلاةَ الفجرِ إلاّ ما كانَ من ذكرِ الله أو مما لا بدّ منه، وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ. قوله: (أخبرنا عبد الله بن أدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي بسكون الواو أبو محمد الكوفي ثقة فقيه عابد من الثامنة (عن أبي النضر) اسمه سالم بن أمية المدني ثقة ثبت (عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن. قوله: (فمن كانت له إلي حاجة كلمني وإلا خرج إلى الصلاة) وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا أضطجع واللفظ لمسلم. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة. قوله: (وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الكلام بعد طلوع الفجر إلخ). قال الشوكاني في النيل: وفي تحديثه صلى الله عليه وسلم لعائشة بعد ركعتي الفجر دليل على جواز الكلام بعدهما، وإليه ذهب الجمهور، وقد روى عن ابن مسعود أنه كرهه، روى ذلك عن سعيد بن المسيب، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الكلام بعد الركعتين، وعن عثمان بن أبي سليمان قال: إذا طلع الفجر فليسكتوا وإن كانوا ركباناً وإن لم يركعوها فليسكتوا انتهى (وهو قول أحمد وإسحاق) قال النووي في شرح مسلم: فيه دليل على إباحة الكلام بعد سنة الفجر وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور، وقال القاضي: وكرهه الكوفيون، وروى عن ابن مسعود وبعض السلف أنه وقت الاستغفار، والصواب الإباحة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وكونه وقت استحباب الاستغفار لا يمنع من الكلام انتهى. وقال القسطلاني في إرشاد الساري: وفيه أنه لا بأس بالكلام المباح بعد ركعتي الفجر قال ابن العربي: ليس في السكوت في ذلك الوقت فضل مأثور إنما ذلك بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس انتهى. قلت: أما أثر ابن مسعود رضي الله عنه في الكراهة، فروى الطبراني في الكبير عن عطاء قال: خرج ابن مسعود على قوم يتحدثون بعد الفجر فنهاهم عن الحديث وقال إنما أجبتم للصلاة فإما أن تصلوا وإما أن تسكتوا، وكذا رواه فيه عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وليس هذا الأثر بمتصل، عطاء لم يسمع من ابن مسعود، وكذا أبو عبيدة لم يسمع من أبيه وإن صح فيحمل على أن القوم المتحدثين لعلهم كانوا يتكلمون بما لا يجدي فنهاهم عن ذلك. والسكوت عن مثل هذا ليس بمختص في هذا بوقت، وإن لم يحمل على هذا فالتحديث بالكلام المباح ثابت من الشارع، وكلام الصحابة لا يوازن كلام الشارع. وأما قول ابن العربي: إنما ذلك بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس فأشار إلى ما ورد في ذلك من الأحاديث فمنها حديث أنس مرفوعاً: من صلى الصبح في جماعة ثم قعد بذكر الله حتى كانت له تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كأجر حجة وعمرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تامة تامة تامة، أخرجه الترمذي وغيره.
416- حدثنا أحمدُ بنُ عَبدَةَ الضبيّ، حدثنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ عن قُدَامَةَ بنِ موسى عن محمدِ بنِ الحُصَيْنِ عن أبي عَلقمَةَ عن يسارٍ مولى ابنِ عمرَ ابن عمرَ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاةَ بعد الفجرِ إلا سجدَتَيْنِ". ومعنى هذا الحديث انما يقول لا صلاة بعد طلوع الفجر إلاّ ركعتي الفجر. (قال) وفي البابِ عن عبدِ الله بن عمرٍو وحفصةَ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عمرَ حديثٌ غريبٌ لا نعرِفِهُ إلا من حديثِ قُدامَةَ بن موسى. ورَوَى عنه غيرُ واحدٍ. وهو ما أجتمعَ عليهِ أهلُ العلم، كَرِهوا أنْ يُصَليَ الرجلُ بعدَ طلوع الفجرِ إلا رَكعتَي الفجر. قوله: (لا صلاة بعد الفجر) أي بعد طلوع كما فسر به الترمذي في آخر الباب الفجر (إلا سجدتين) يعني ركعتي الفجر السنة. قوله: (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وحفصة) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الدارقطني بلفظ: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين، وأخرجه أيضاً محمد بن نصر في قيام الليل بهذا اللفظ، وفي إسنادهما عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي. وأما حديث حفصة فأخرجه الشيخان عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين واللفظ لمسلم. قوله: (حديث ابن عمر حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى وروى عنه غير واحد) قال الحافظ في التلخيص: قد اختلف في اسم شيخه يعني شيخ قدامة بن موسى فقيل أيوب بن حصين وقيل محمد بن حصين وهو مجهول انتهى. وقال الذهبي في الميزان: لا يعرف، وقال الدارقطني: مجهول انتهى. فحديث ابن عمر هذا ضعيف. وقد أعترض الحافظ الزيلعي على قول الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى، بأن الطبراني قد رواه من طريقين آخرين ليس فيهما قدامة، قلت: لا اعتراض على الترمذي فإنه إنما ينفي علمه ومعرفته (وهو ما أجمع عليه أهل العلم، قال الحافظ في التلخيص: دعوى الترمذي الإجماع على الكراهة لذلك عجيب، فإن الخلاف فيه مشهور حكاه ابن المنذر وغيره). وقال الحسن البصري لا بأس به وكان مالك يرى أن فعله من فاتته صلاة الليل. وقد أطنب في ذلك محمد بن نصر في قيام الليل انتهى. وقد استدل من أجاز التنفل بأكثر من ركعتي الفجر بما أخرجه أبو داود في حديث عمرو بن عنبسة قال: يا رسول الله أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير، فصل ما شئت فإن الصلاة مشهورة مقبولة حتى تصلي الصبح، وفي لفظ: فصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح الحديث. قلت: الراجح عندي هو قول من قال بالكراهة لدلالة أحاديث الباب عليه صراحة وأما حديث أبي داود فليس بصريح في عدم الكراهة والله تعالى أعلم.
417- حدثنا بِشرُ بنُ معاذٍ (العقَديّ) حدثنا عبدُ الواحدِ بنُ زيادٍ حدثنا الأعمشُ عن أبي صالحٍ عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلّى أحدُكم ركعتيْ الفجرِ فليضطجِعْ على يمينِه". (قال) وفي البابِ عنْ عائشةَ. قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسَنٌ (صحيحٌ) (غريبٌ) (من هذا الوجه). وقد رُويَ عن عائشةَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى ركعتَيْ الفجرِ في بيتِه اضطجعَ على يمينه". وقد رأى بعضُ أهلِ العلمِ أنْ يُفعلَ هذا استحباباً. قوله: (حدثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (بن معاذ العقدي) بفتح العين المهملة والقاف أبو سهل البصري الغرير صدوق من العاشرة (أخبرنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري قال الحافظ في مقدمة فتح الباري: قال ابن معين: أثبت أصحاب الأعمش شعبة وسفيان ثم أبو معاوية ثم عبد الواحد بن زياد وعبد الواحد ثقة وأبو معاوية أحب إلي منه، ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن سعد والنسائي وأبو داود والعجلي والدارقطني حتى قال ابن عبد البر: لا خلاف بينهم أنه ثقة ثبت كذا قال. وقد أشار يحيى القطان إلى لينه فروى ابن المديني عنه أنه قال ما رأيته طلب حديثاً قط وكنت أذاكره لحديث الأعمش فلا يعرف منه حرفاً، قال الحافظ: وهذا غير قادح لأنه كان صاحب كتاب وقد احتج به الجماعة انتهى (إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر) يعني سنة الفجر كما يشهد له حديث عائشة قاله الطيبي يعني بحديث عائشة الذي، أخرج الشيخان بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة الحديث، وفي آخره فإذا سكت المؤذن من أذان الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج (فليضطجع على شقه الأيمن) هذا نص صريح في مشروعية الاضطجاع بعد سنة الفجر لكل أحد المتهجد وغيره وهو الحق. قوله: (وفي الباب عن عائشة) أخرجه الشيخان وتقدم لفظه آنفاً وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن، وفي رواية: كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع، وفي الباب أحاديث أخرى. قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، قال في النيل: رجاله رجال الصحيح، وقال النووي في شرح مسلم: إسناده على شرط الشيخين، وكذلك قال الشيخ أبو يحيى زكريا الأنصاري في فتح العلام أن إسناده على شرط الشيخين. فإن قلت: كيف يكون حديث أبي هريرة هذا حسناً صحيحاً وكيف يكون إسناده إلى الأعمش على شرط الشيخين وفيه الأعمش وهو مدلس وقد رواه عن أبي صالح بالعنعنة. قلت: نعم هو مدلس لكن عنعنته عن أبي صالح محمولة على الاتصال. قال الحافظ الذهبي في الميزان هو يدلس وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به فمتى قال أخبرنا فلان فلا كلام ومتى قال: عن، تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وابن وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال انتهى. فإن قلت: قال ابن القيم في زاد المعاد بعد ذكر حديث أبي هريرة: سمعت ابن تيمية يقول هذا باطل وليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل والأمر تفرد به عبد الواحد ابن زياد وغلط فيه. قلت: تفرد عبد الواحد بن زياد به غير قادح في صحته فإنه ثقة ثبت قد احتج به الأئمة الستة وهو من أثبت أصحاب الأعمش كما عرفت من عبارة مقدمة الفتح، فقول الإمام ابن تيمية هذا باطل وليس بصحيح إلخ ليس بصحيح، كيف وقد صححه الترمذي وهو من أئمة الشان، وقال النووي وغيره: إسناده على شرط الشيخين: وأما قول يحيى القطان: ما رأيته طلب حديثاً قط وكنت أذاكره لحديث فلا يعرف منه حرفاً فغير قادح أيضاً فإنه كان صاحب كتاب وقد احتج به ما عرفت فيما سبق، والحاصل أن حديث أبي هريرة صحيح وكل ما ضعفوه به فهو مدفوع. قوله: (وقد روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر في بيته اضطجع على يمينه) قد تقدم تخريجه واستدل بهذه الرواية على استحباب الاضطجاع في البيت دون المسجد، وهو محكي عن ابن عمر وقواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد، وصح عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد في هذا الباب مطلق فبإطلاقه يثبت استحباب الاضطجاع في البيت وفي المسجد، وإنما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي سنة الفجر في البيت فكان يضطجع في البيت. قوله: (وقد رأى بعض أهل العلم أن يفعل هذا) أي الاضطجاع بعد سنة الفجر (استحباباً) أي على طريق الاستحباب دون الوجوب، وإن كان ظاهر الأمر في حديث أبي هريرة المذكور الوجوب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على هذا الاضطجاع كما يدل عليه رواية عائشة: كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع. قال الحافظ في الفتح: وبذلك احتج الأئمة على عدم الوجوب، وحملوا الأمر الوارد بذلك في حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره على الاستحباب، قال: وأفرط بن حزم فقال: يجب على أحد وجعله شرطاً لصلاة الصبح، ورده عليه العلماء بعده حتى طعن ابن تيمية ومن تبعه في صحة الحديث لتفرد عبد الواحد بن زياد به، وفي حفظه مقال، والحق أنه تقوم به الحجة انتهى كلام الحافظ. وللعلماء في هذا الاضطجاع أقوال. الأول: أنه مشروع على سبيل الاستحباب كما حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم وهو قول أبي موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبي هريرة. قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد: قد ذكر عبد الرزاق. في المصنف عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن أبا موسى ورافع بن خديج وأنس بن مالك رضي الله عنهم كانوا يضطجعون بعد ركعتي الفجر ويأمرون بذلك: وقال العراقي: ممن كان يفعل ذلك أو يفتي به عن الصحابة أبو موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة انتهى. ومن قال به من التابعين محمد بن سيرين وعروة بن الزبير كما في شرح المنتقى. وقال أبو محمد علي بن حزم في المحلى: وذكر عبد الرحمن بن زيد في كتاب السبعة أنهم يعني: سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وأبا بكر هو ابن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عتبة بن سليمان بن يسار كانوا يضطجعون على أيمانهم بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح انتهى. وممن قال به من الأئمة الشافعي وأصحابه. قال العيني في عمدة القاري: ذهب الشافعي وأصحابه إلى أنه سنة انتهى. والقول الثاني: أن هذا الاضطجاع واجب لا بد من الإتيان به وهو قول أبي محمد علي بن حزم الظاهري كما قال في المحلى: كل من ركع ركعتي الفجر لم يجز له صلاة الصبح إلا بأن يضطجع على جنبه الأيمن بين سلامة من ركعتي الفجر وبين تكبيره لصلاة الصبح، فإن لم يصل ركعتي الفجر لم يلزمه أن يضطجع، فإن عجز عن الضجعة على اليمن لخوف أو مرض أو غير ذلك أشار إلى ذلك حسب طاقته، ثم قال بعيد هذا. قال علي: قد أوصحنا أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كله على الفرض حتى يأتي نصس آخر أو إجماع متيقن على أنه ندب فنقف عنده، وإذا تنازع الصحابة رضي الله عنهم فالرد إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم انتهى. قلت: قد عرفت أن الأمر الوارد في حديث أبي هريرة محمول على الاستحباب، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على الاضطجاع فلا يكون واجباً فضلاً عن أن يكون شرطاً لصحة صلاة الصبح وقد مال العلامة الشوكاني إلى الوجوب حيث قال في آخر بحث الاضطجاع: وعلمت بما أسلفنا لك من أن تركه صلى الله عليه وسلم لا يعارض الأمر للامة الخاص بهم ولاح لك قوة القول بالوجوب. والقول الثالث: أن هذا الاضطجاع بدعة ومكروه: وممن قال به من الصحابة ابن مسعود وابن عمر على اختلاف عنه. والقول الرابع أنه خلاف الأولى. روى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان لا يعجبه الاضطجاع بعد ركعتي الفجر. والقول الخامس: التفرقة بين من يقوم الليل فيستحب له ذلك للاستراحة وبين غيره فلا يشرع له واختاره ابن العربي وقال لا يضطجع بعد ركعتي الفجر لانتظار الصلاة إلا أن يكون قام الليل فيسنطجع استجماماً لصلاة الصبح فلا بأس، ويشهد لهذا ما رواه الطبراني وعبد الرزاق عن عائشة أنها كانت تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليلة فيستريح، وهذا لا تقوم به حجة، أما أولاً فلان في إسناده رواياً لم يسم كما قال الحافظ، وأما ثانياً فلأن ذلك منها ظن وتخمين وليس بحجة، وقد روت أنه كان يفعله والحجة في فعله، وقد ثبت أمره به فتأكدت بذلك مشروعيته. وقد أجاب من لم ير مشروعية الاضطجاع عن أحاديث الباب بأجوبة كلها مخدوشة فإن شئت الوقوف عليها وعلى ما فيها من الخدشات فعليك أن تطالع فتح الباري والنيل وغيرهما. والقول الراجح المعول عليه هو أن الاضطجاع بعد سنة الفجر مشروع على طريق الاستحباب والله تعالى أعلم.
|