الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
447- حدثنا محمدُ بن بشارٍ، حدثنا محمدُ بنُ جعفرٍ حدثنا عبدُ الله بن سعيدٍ بن أبي هندٍ عن سالمٍ أبي النضرِ عن بسْر بن سعيدٍ عن زيدِ بن ثابتٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أفضلُ صلاتِكم في بيوتِكم إلاّ المكتوبةَ". (قال) وفي الباب عنْ (عُمرَ بن الخطابِ) وجابرِ (بن عبدِ الله) وأبي سعيدٍ وأبي هريرةَ وبن عُمرَ وعائشةَ وعبدِ الله بن سعدٍ وزيدِ بن خالدِ الجهنيّ. قال أبو عيسى: حديثُ زيدِ بن ثابتٍ حديثٌ حسن. وقد اختلف الناس في (رواية) هذا الحديث فروى موسى بن عقبةَ وإبراهيمُ (بن أبي النضر) عن أن النّضْر مرفوعاً ورواهُ (بن أنس) مالكٌ عن أبي النضرِ ولَمْ يَرفعْهُ، وأوقفَهُ بعضُهم. والحديثُ المرفوعُ أصحّ. 448- حدثنا إسحاقُ بن منصورٍ أخبرنا عبدُ الله بن نميرٍ عنْ عبيدِ الله بن عُمرَ عنْ نافعٍ عن ابن عُمرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "صلوا في بُيوتِكمْ ولاَ تّتخذوها قُبوراً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. قوله: (أخبرنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند) الفزاري مولاهم أبو بكر المدني صدوق ربما وهم كذا في التقريب. قلت: هو من رجال الكتب الستة وثقه ابن معين وأحمد وغيرهما (عن سالم أبي النضر) هو سالم بن أبي أمية التيمي المدين ثقة ثبت وكان يرسل وهو من رجال الستة (عن يسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون السين المدني العابد مولى ابن الحضرمي ثقة جليل من الثانية مات سنة مائة قال مالك مات ولم يخلف كفنا. (أفضل صلاتكم) مبتدأ وخبره في بيوتك، وهذا عام الجميع النوافل والسنن إلا النوافل التي من شعار الإسلام كالعيد والكسوف والاستسقاء (إلا المكتوبة) أي المفروضة فإنها في المسجد أفضل لأن الجماعة تشرع لها فهي بمحلها أفضل. قوله: (وفي الباب عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وأبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر وعائشة وعبد الله بن سعد وزيد بن خالد الجهني) أما حديث عمر رضي الله عنه فأخرجه مسلم بلفظ: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجد فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله عز وجل جاعل في بيته من صلاته خيراً. وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجه مثل حديث جابر. قال العراقي وإسناده صحيح. وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم والنسائي مرفوعاً: لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة. وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وغيرهما وأخرجه الترمذي أيضاً من هذا الباب. وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها عليكم قبوراً. وأما حديث عبد الله بن سعد فأخرجه ابن ماجه والترمذي في الشمائل ولفظه: قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أفضل الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد، فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة. وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه أحمد والبزار والطبراني مرفوعاً: صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً. قال العراقي إسناده صحيح. قوله: (حديث زيد بن ثابت حديث حسن) قال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر حديثه بلفظ أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، رواه الجماعة إلا ابن ماجه. قوله: (صلوا في بيوتكم) أي النوافل وفي رواية الصحيحين: اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم (ولا تتخذوها قبوراً) أي لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيتوتهم وهي القبور: وقيل المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر، ويؤيده ما رواه مسلم: مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت، وقيل معناه لا تدفنوا فيها موتاكم، قال الخطابي هذا ليس بشيء فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته. وقال الكرماني متعقباً عليه: لعل ذلك من خصائصه. وقد روى أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون. قول (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
449- حدثنا قتيبةُ، حدثنا الليثُ بن سعد عن يزِيدَ بن أبي حبيبٍ عنْ عبدِ الله بن راشدٍ الزوْفيّ عن عبدِ الله بن أبي مرّةَ الزوْفيّ عن خارجةَ بن حُذافةَ أنهُ قالَ: "خرجَ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّ الله أمدّكُمْ بصلاةٍ هي خيرٌ لكُمْ منْ حُمْرِ النّعَمِ، الوِتْر جعلهُ الله لكُمْ فيما بَينَ صلاةِ العشاءِ إلى أنْ يطلُعَ الفجر". (قال) وفي الباب عن أبي هريرةَ وعبدِ الله بن عَمرٍو وبُريدةَ وأبي بصرةَ (الغفاري) (صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم). قال أبو عيسى: حديثُ خارجةَ بن حذافةَ حديثٌ غريبٌ لا نعرفهُ إلاّ منْ حديثِ يزيدَ بن أبي حبيبٍ. وقد وهم بعض المحدثين في هذا الحديث فقال: (عن) عبدالله بن راشد الزّرقيّ وهو ورهم في هذا (وأبو بصرة الغفاري اسمه حُميّل بن بَصْرة وقال بعضهم جميل بن بصرة ولا يصح) (وأبو بصرة العفاري رجل آخر يروى عن ابن ذرّ وهو ابن اخي ابن ابي ذرّ). قوله: (عن يزيد أبي حبيب) المضري أبي رجاء واسم أبيه سويد ثقة فقيه من رجال الكتب الستة (عن عبد الله بن راشد الزوفي) بفتح الزاي وسكون الواو وبفاء الحافظ مستور وقال الخزرجي وثقه ابن حبان، وقال الذهبي في الميزان في ترجمته: روي عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة بحث الوتر، رواه عنه يزيد بن أبي حبيب وخالد بن يزيد لا يعرف سماعه من ابن أبي مرة. قلت: ولا هو بالمعروف وذكره ابن حبان في الثقات انتهى (عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي) صدوق أشار البخاري إلى أن روايته عن خارجة منقطعة، قاله الحافظ. وقال الخزرجي في الخلاصة: قال ابن حبان خبره باطل والإسناد منقطع انتهى، والمراد بخبره حديث الوتر كما صرح به الحافظ في التهذيب (عن خارجة بن حذافة) هو صحابي سكن مصر كان أحد فرسان قريش يقال إنه كان يعدل بألف فارس وعداده في أهل مصر، وهو الذي قتله الخارجي ظناً منه أنه عمرو بن العاص، والخارجي هو أحد الثلاثة الذين اتفقوا على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص وتوجه كل واحد منهم إلى واحد من الثلاثة فنفذ قضاء الله في علي دونهما، وكان قتل خارجة في سنة أربعين. قوله: (إن الله أمدكم بصلاة) قال الطيبي أي زادكم كما في بعض الروايات انتهى. وقال صاحب مجمع البحار: هو من أمد الجيش إذا ألحق به ما يقويه أي فرض عليكم الفرائض ليؤجركم بها ولم يكتف به فشرع صلاة التهجد والوتر ليزيدكم إحساناً على إحسان انتهى وقال القاري وغيره: أي جعلها زيادة لكم في أعمالكم من مد الجيش وأمده أي زاد، والأصل في المزيد أن يكون من جنس المزيد عليه فمقتضاه أن يكون الوتر واجباً انتهى. قلت: (استدل به الحنفية على وجوب الوتر بهذا التقرير)، وقد رد عليهم القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي حيث قال فيه: به احتج علماء وأبي حنيفة فقالوا إن الزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد وهذه دعوى بل الزيادة تكون من غير جنس المزيد كما لو ابتاع بدرهم فلما قضاه زاده ثمناً أو ربعاً إحساناً، كزيادة النبي صلى الله عليه وسلم لجابر في ثمن الجمل فإنها زيادة وليست بواجبة، وليس في هذا الباب حديث صحيح يتعللون به انتهى. قلت الأمر كما قال ابن العربي لا شك في أن قولهم إن الزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد مجرد دعوى لا دليل عليها، بل يردها ما ذكره هو بقوله كما لو ابتاع بدرهم إلخ وقال الحافظ في الدارية ليس في قوله زادكم دلالة على وجوب الوتر لأنه لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزيد، فقد روى محمد بن نصر المروزي في الصلاة من حديث أبي سعيد رفعه: إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل الفجر. وأخرجه البيهقي ونقل عن ابن خزيمة أنه قال: لو أمكني لرحلت في هذا الحديث انتهى. ويأتي الكلام في هذه المسألة في الباب الاَتي (هي خير لكم من حمر النعم) بضم الحاء وسكون الميم جمع أحمر، والنعم الإبل، فهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف، وإنما قال ذلك ترغيباً للعرب فيها لأن حمر النعم أعز الأموال عندهم فكانت كناية عن أنها خير من الدنيا كلها لأنها ذخيرة الاَخرة التي هي خير وأبقى (الوتر) بالجر بدل من صلاة بدل المعرفة من النكرة، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي الوتر. قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وبريدة وأبي بصرة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي في الخلافيات بلفظ: إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن. وله حديث آخر عند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يوتر فليس منا، وفي إسناده الخليل بن مرة، قال فيه أبو زرعة شيخ صالح وضعفه أبو حاتم والبخاري. وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها وهي الوتر. وأما حديث بريدة فأخرجه أبو داود بلفظ: الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، قال المنذري في إسناده عبيد الله بن عبد الله أبو المنيب العتكي المروزي، وقد وثقه ابن معين وقال أبو حاتم الرازي صالح الحديث، وتكلم فيه البخاري والنسائي وغيرهما. وأما حديث أبي بصرة فأخرجه أحمد ولفظه إن الله زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها في ما بين العشاء إلى الفجر ورواه الطبراني بلفظ فحافظوا عليها. قوله: (حديث خارجة بن حذافة حديث غريب) وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه لتفرد التابعي عن الصحابي، ورواه ابن عدي في الكامل ونقل عن البخاري أنه قال: لا يعرف سماع بعض هؤلاء عن بعض كذا في نصب الراية. وقد عرفت. أن البخاري أشار إلى أن رواية عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة منقطعة، وقال ابن حبان: خبره باطل والإسناد منقطع، وقال السيوطي ليس لعبد الله الزوفي ولا لشيخه عبد الله بن أبي مرة ولشيخه خارجة بن حذافة عند المؤلف يعني أبا داود والترمذي وابن ماجه إلا هذا الحديث الواحد وليس لهم رواية في بقية الكتب الستة انتهى.
(باب ما جاء أن الوتر ليس بختم) أي ليس بواجب. وقد ذهب الجمهور إلى أن الوتر غير واجب بل سنة وخالفهم أبو حنيفة فقال إنه واجب، وروى عنه أنه فرض. قال الحافظ بن حجر. وقد بالغ أبو حامد فادعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر ولم يوافقه صاحباه. مع أن ابن أبي شيبة أخرج عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود والضحاك، يدل على وجوبه عندهم وعنده عن مجاهد: الوتر واجب، ولم يثبت، ونقله ابن العربي عن أصبغ عن المالكية ووافقه سحنون وكأنه أخذه من قول مالك من تركه أدب وكان جرحة في شهادته انتهى. 450- حدثنا أبو كُريبٍ حدثنا أبو بكرٍ بن عياشٍ أخبرنا أبو إسحاقَ عن عاصمٍ بن ضَمْرَةَ عن علي قال: "الوترُ ليس بحَتْمٍ كصلاتِكم المكتوبةِ، ولكنْ سنّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الله وِترٌ يحبّ الوترَ فأوترُوا يا أهل القرآنِ". (قال) وفي الباب عن ابنِ عُمرَ وابن مسعودٍ وابن عباسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ علي حديثٌ حسَنٌ. 451- وروى سفيانُ الثوريّ وغيره عن أبي إسحاقَ عن عاصمِ بن ضمرةَ عن علي قال: "الوترُ ليس بحَتْمٍ كهيئة الصلاةِ المكتوبةِ، ولكن سنّة سَنّها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم". حدثنا بذلِكَ محمد بن بشّارٍ حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مهدِيّ عن سفيانَ عن ابن اسحاق. وهذا أصحّ من حديثِ أبي بكر بن عَيّاشٍ. وقد رواه منصورُ بنُ المُعْتَمِرِ عن أبي إسحاقَ نحوَ رواية أبي بكرٍ بن عياشٍ. قوله: (الوتر ليس بختم) قال في النهاية: الختم اللازم الواجب الذي لا بد من فعله انتهى (ولكن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جعله مسنوناً غير حتم (إن الله وتر) قال في النهاية: الوتر الفرد وتكسر واوه وتفتح، فالله واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزية، واحد في صفاته فلا شبه له ولا مثل، واحد في أفعاله فلا شريك له ولا معين (يحب الوتر) أي يثيب عليه ويقبله من عامله. قال القاضي: كل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة (فأوتروا) أمر بصلاة الوتر وهو أن يصلي مثنى مثنى ثم يصلي في آخرها ركعة مفردة أو يضيفها إلى ما قبلها من الركعات كذا في النهاية. قال ابن الملك: الفاء تؤذن بشرط مقدر كأنه قال: إذا أهتديتم إلى أن الله يحب الوتر فأوتروا انتهى (يا أهل القرآن) أي أيها المؤمنون به، فإن الأهلية عامة لمن آمن به سواء قرأ أم لم يقرأ، وإن كان الأكمل منهم من قرأ وحفظ وعلم وعمل شاملة ممن تولى قيام تلاوته ومراعاة حدوده وأحكامه. قوله: (وفي الباب عن ابن عمر وابن مسعود وابن عباس) أما حديث ابن عمر فأخرجه مالك في الموطأ بلاغاً أن رجلاً سأل ابن عمر من الوتر أواجب هو؟ فقال عبد الله: قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون، فجعل الجرل يردد عليه وعبد الله يقول أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون: وأما حديث ابن مسعود فأخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل من طريق أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن، فقال أعرابي ما يقول النبي؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليست لك ولا لأحد من أصحابك. وفي رواية ما يقول رسول الله؟ قال لست من أهله. وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي مرفوعاً: ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى. هذا لفظ أحمد، وهو حديث ضعيف كما بينه الحافظ في التلخيص: وفي الباب عن عبادة ابن الصامت أخرجه الحاكم بلفظ قال: الوتر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وليس بواجب، ورواته ثقات قاله البيهقي كذا في التلخيص. قوله: (حديث علي حديث حسن) وأخرجه النسائي وصححه الحاكم. اعلم أن الجمهور قد استدلوا على عدم وجوب الوتر بأحاديث الباب وبحديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر على بعيره رواه الجماعة، وهو ظاهر في عدم الوجوب لأنه الفريضة لا تصلي على الراحلة. وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، وبما روى عبد الله بن محيريز أن رجلاً من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلاً بالشام يدعى أبا محمد يقول إن الوتر واجب، قال فرحت إلى عبادة بن الصامت فأخبرته فقال عبادة كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة الحديث، أخرجه أبو داود وأحمد وقد عقد الحافظ محمد بن نصر المروزي في كتابه قيام الليل بابا بلفظ: باب الأخبار الدالة على أن الوتر سنة وليس بفرض، وذكر فيها أحاديث، وأثاراً كثيرة من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه. واستدل من قال بوجوب الوتر بحديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً، رواه الشيخان، وتعقب بأن صلاة الليل ليست بواجبة فكذا آخره وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل كذا في فتح الباري. قلت: هذا الحديث إنما يدل على وجوب جعل آخر صلاة بالليل وتراً على وجوب نفس الوتر والمطلوب هذا لاذا: فالاستدلال به على وجوب الوتر غير صحيح، وكذا الاستدلال بحديث جابر رضي الله عنه: أوتروا قبل أن تصبحوا، رواه الجماعة إلا البخاري ليس بصحيح فإنه إنما يدل على وجوب الإيتار قبل الإصباح لا على وجوب نفس الإيتار. واستدلوا أيضاً بحديث بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا، الحديث رواه أبو داود. قال الحافظ في الفتح: في سنده أبو المنيب وفيه ضعف، وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظ حق بمعنى واجب في عرف الشارع، وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الاَحاد انتهى. واستدلوا أيضاً بحديث: إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم الوتر. الحديث وقد تقدم في باب فضل الوتر، وقد عرفت هناك الجواب عنه. قال ابن قدامة في المغنى بعد ذكر أحاديث القائلين بوجوب الوتر ما لفظه: وأحاديثهم قد تكلم فيها ثم إن المراد بها تأكيده وفضيلته وأنه سنة مؤكدة وذلك حق وزيادة الصلاة يجوز أن تكون سنة والتوعد على تركه للمبالغة في تأكيده كقوله: من أكل هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا انتهى. وقال الشوكاني في النيل بعد ذكر الأحاديث التي تدل بظاهرها على الوجوب والأحاديث التي تدل على عدمه ما لفظه: واعلم أن هذه الأحاديث فيها ما يدل على الوجوب كقوله: فليس منا، وقوله الوتر حق وقوله: أوتروا وحافظوا، وقوله الوتر واجب، وفيها ما يدل على عدم الوجوب وهو بقية أحاديث الباب فتكون صارفة لما يشعر بالوجوب. وأما حديث الوتر واجب، فلو كان صحيحاً لكان مشكلاً لأن التصريح بالوجوب لا يصح أن يقال إنه مصروف إلى غيره بخلاف بقية الألفاظ المشعرة بالوجوب انتهى. قلت: حديث: الوتر واجب على كل مسلم، أخرجه البزار عن ابن مسعود وفي إسناده جابر الجعفي فهو ضعيف. ثم التصريح بالوجوب لا يمنع أن يقال إنه مصروف إلى غيره إذا قامت قرينة صارفة. ثم قال الشوكاني: ومن الأدلة الدالة على عدم وجوب الوتر ما اتفق عليه الشيخان من حديث طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد الحديث، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة، قال هل على غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع، وروى الشيخان أيضاً من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمين: الحديث وفيه فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة. قال الشوكاني: وهذا من أحسن ما يستدل به لأن بعث معاذ كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بيسير انتهى. قوله: (حديث علي حديث حسن) وأخرجه النسائي وصححه الحاكم كذا في التلخيص.
(باب ما جاء في كراهية النوم قبل الوتر) أي لمن يخشى أن لا يستيقظ من آخر الليل. 452- حدثنا أبو كُريبٍ، حدثنا عن زكريّا بنُ أبي زائدةَ عن إسرائيلَ عن عيسى بنِ أبي غَرّةَ عن الشعبيّ عن أبي ثورٍ الأزديّ عن أبي هريرةَ قال: "أمرَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أوتِرَ قبلَ أن أنامَ". (قال عيسى بنُ أبي عزّةَ)، وكان الشعبيّ يوترُ أولَ الليلِ ثم ينامُ. (قال): وفي الباب عن أبي ذر. قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ (حسَنٌ) غريبٌ منْ هذا الوجهِ. وأبو ثورٍ الأزدِيّ اسمهُ حبيبُ بنُ أبي مُلَيْكَةَ. وقدْ اختارَ قومٌ من أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدَهُم أن لاَ ينامَ الرجلُ حتى يوترَ. ورُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن خشِيَ منكم أن لا يستيقظَ منْ آخر الليلِ فليوتِرْ منْ أوّلِهِ، ومنْ طَمِعَ مِنكمْ أنْ يقومَ مِن آخرِ الليلِ فليوتر من آخر الليل، فإن قراءةَ القرآنِ في آخِرِ الليلِ محضورةٌ، وهي أفْضَلُ". حدثنا بذلك هنّادٌ حدثنا أبو معاويةَ عن الأعمشِ عن أبي سفيانَ عن جابرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم (بذلك). قوله: (عن عيسى بن أبي غرة) بمهملة ثم معجمة مشددة واسمه مساك الكوفي مولى عبد الله بن الحارث الشعبي روى عن ابن عمر مولاه عامر الشعبي وشريح القاضي وعنه إسرائيل وغيره صدوق ربما وهم كذا في تهذيب التهذيب والتقريب (عن أبي ثور الإزدي الحداني الكوفي قيل هو حبيب بن أبي مليكة مقبول من الثانية كذا في التقريب وذكره بن حبان في الثقات). قوله: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتر قبل أن أنام) وروى الشيخان عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام. قال الحافظ في الفتح: وفيه استحباب تقدم الوتر على النوم، وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ. وهذه الوصية لأبي هريرة ورد مثلها لأبي الدرداء فيما رواه مسلم ولأبي ذر فيما رواه النسائي. قوله: (وفي الباب عن أبي ذر) أخرجه النسائي بلفظ: قال أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن إن شاء الله تعالى أبداً: أوصاني بصلاة الضحى وبالوتر قبل النوم وبصيام ثلاثة أيام في كل شهر. وفي الباب عن أبي الدرداء أيضاً أخرجه مسلم بمعنى حديث أبي ذر. قوله: (حديث أبي هريرة حديث غريب من هذا الوجه) وأخرجه الشيخان من وجه آخر عنه باللفظ الذي ذكرنا (وأبو ثور الأزدي اسمه حبيب بن أبي مليكة) كذا جزم الترمذي بأنهما واحد، وفرق الحاكم أبو أحمد وغيره بينهما، كذا في تهذيب التهذيب. وقال في التقريب في ترجمة حبيب بن أبي مليكة النهدي: إنه أبو ثور الكوفي مقبول من الثالثة وقيل إنه أبو ثور الأزدي ولا يصح إنتهى (وقد اختار قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن لا ينام الرجل حتى يوتر) والظاهر أنهم اختاروه لمن يخشى أن لا يستيقظ من آخر الليل كما يدل عليه حديث جابر رضي الله عنه الذي ذكره الترمذي بعد هذا (وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من خشي منكم. إلخ) رواه مسلم أيضاً فإن قراءة القرآن في آخر الليل محضورة أي تحضرها ملائكة الرحمة (وهي) أي قراءة القرآن في آخر الليل. قال الحافظ في الفتح: لا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة: وإنتهى وتره إلى السحر، لأن الأول لإرادة الاحتياط والاَخر لمن علم من نفسه قوة كما ورد في حديث جابر عند مسلم انتهى. وقال النووي تحت حديث جابر هذا: فيه دليل صريح على أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخر الليل وأن من لا يثق بذلك فالتقديم له أفضل، وهذا هو الصواب يحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصحيح الصريح انتهى.
453- حدثنا أحمدُ بنُ منيعٍ حدثنا أبو بكرٍ بنِ عياشٍ حدثنا أبو حَصِينٍ عنْ يحيَى بنِ وثّابٍ عن مسروقٍ: "أنه سألَ عائشةَ عن وترِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: مِن كلّ الليلِ قد أوترَ أوّلهِ وأوسطِهِ وآخرِهِ، فانتهى وترهُ حينَ ماتَ في إلى السَحَر". قال أبو عيسى: أبو حَصِينٍ اسمُهُ عثمانُ بن عاصمٍ الأسَديّ. (قال) وفي الباب عن علي وجابرٍ وأبي مسعودٍ (الأنصاريّ) وأبي قتادةَ. قال أبو عيسى: حديثُ عائشةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وهو الذي اختارَه بعضُ أهلِ العلمِ: الوترُ من آخرِ الليلِ. (أخبرنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهلتين (عن يحيى بن وثاب) بتشديد المثلثة الأسدي مولاهم الكوفي المقري ثقة عابد من الرابعة. قوله: (من كل الليل قد أوتر) أي قد أوتر من كل أجزاء الليل (وأوله وأوسطه وآخره) بالجر بدل من كل الليل، والمراد بأوله بعد صلاة العشاء (فانتهى وتره حين مات في وجه السحر) قال النووي: معناه كان آخر أمر الإيتار في السحر، والمراد به آخر الليل كما قالت في الروايات الأخرى، ففيه استحباب الإيتار آخر الليل وقد تظارهت الأحاديث الصحيحة عليه، قال وفيه جواز الإيتار في جميع أوقات الليل بعد دخول وقته انتهى، وقال الحافظ: أجمعوا على أن ابتداء وقت الوتر مغيب الشفق بعد صلاة العشاء كذا نقله ابن المنذر لكن أطلق بعضهم أنه يدخل بدخول وقت العشاء، قالوا ويظهر أثر الخلاف فيمن صلى العشاء وبان أنه كان بغير طهارة ثم صلى الوتر متطهراً أو ظن أنه صلى العشاء فصلى الوتر فإنه يجزئ على هذا القول دون الأول انتهى. قوله: (وفي الباب عن علي وجابر وأبي مسعود الأنصاري وأبي قتادة) أما حديث علي فأخرجه ابن ماجه بنحو حديث عائشة المذكور في الباب. وأما حديث جابر فقد تقدم في الباب المتقدم، وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد والطبراني بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر من أول الليل وأوسطه وآخره. قال العراقي: إسناده صحيح. وأما حديث أبي قتادة فأخرجه أبو داود. وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في النيل. قوله: (حديث عائشة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة.
454- حدثنا هنّادٌ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمشِ عن عمرِو بن مُرّةَ عن يحيى بنِ الجزارِ عن أمّ سَلَمَةَ قالت: "كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوترُ بثلاثِ عشرةَ (ركعة) فلما كبِرَ وضعُفَ أوتر بسبعٍ". (قال): وفي الباب عن عائشةَ رضي الله عنها. قال أبو عيسى: حديثُ أمّ سَلَمَةَ حديثُ حسنٌ. وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الوترُ بثلاثِ عَشْرَةَ وإحدى عَشْرَةَ وتسعٍ وسبعٍ وخمسٍ وثلاثٍ وواحدةٍ. قال إسحاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ: معنى ما رُوِيَ "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يوترُ بثلاثِ عَشْرَةَ" قال: إنما معْناهُ أنّه كانَ يُصَلّي مِن الليلِ ثلاثَ عَشْرَةَ (ركعةً) مع الوترِ فنُسِبَتْ صلاةُ الليلِ إلى الوِترِ. ورَوَى في ذلكَ حديثاً عن عائشةَ. واحتجّ بما رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قالَ: "أوْتِرُوا يا أهلَ القرآنِ". قال: "إنّمَا عَنَى بهِ قيامُ الليلِ، يقولُ: إنما قيامُ الليلِ على أصحابِ القرآنِ". قوله: (عن يحيى بن الجزار) العرني الكوفي قيل اسم أبيه زبان صدوق رمى بالغلو بالتشيع. قوله: (يوتر بثلاث عشرة) أي مع سنة العشاء أو مع الركعتين الخفيفتين اللتين يفتتح بهما صلاة الليل كما ستعرف (فلما كبر) من باب علم يستعمل في كبر السن. قوله: (وفي الباب عن عائشة) أخرجه البخاري في صحيحه في باب ما يقرأ في ركعتي الفجر من طريق الزهري عن عروة عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء ركعتين خفيفتين، وقد أخرج البخاري من طريق القاسم بن محمد بن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر. وفي رواية مسلم من هذا الوجه: كانت صلاته عشر ركعات ويوتر بسجدة ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة، فظاهر رواية عائشة الأولى يخالف روايتها الثانية، قال الحافظ: يحتمل أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء لكونه كان يصليها في بيته أو ما كان يفتتح به صلاة الليل فقد ثبت عند مسلم من طريق سعد بن هشام عنها أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين. قال الحافظ: وهذا أرجح في نظري لأن رواية أبي سلمة عنها بلفظ: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة الحديث. دلت على الحصر في إحدى عشرة جاء في صفتها عند المصنف يعني البخاري وغيره يصلي أربعاً ثم أربعاً ثم ثلاثاً، فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين وتعرضت لهما في رواية الزهري، والزيادة من الحافظ مقبولة، وبهذا يجمع بين الروايات انتهى كلام الحافظ. قوله: (حديث أم سلمة حديث حسن) وأخرجه النسائي (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الوتر بثلاث عشرة وإحدى عشرة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة) ورد في كل ذلك أحاديث كما ستعرف (قال إسحاق بن إبراهيم) هو إسحاق بن راهويه (قال إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة مع الوتر فنسبت صلاة الليل إلى الوتر) وأطلق على صلاة الليل مع الوتر لفظ الوتر، فمعنى قوله يوتر بثلاث عشرة أي يصلي صلاة الليل مع الوتر ثلاث عشرة ركعة (وروى في ذلك حديثاً عن عائشة) الظاهر أنه أشار إلى ما وقع عند أحمد وأبي داود من رواية عبد الله بن أبي قيس عن عائشة بلفظ: كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث وعشرة وثلاث ولم يكن يوتر بأكثر من ثلاث عشرة ولا أنقص من سبع.
455- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ (الكوسَجُ)، حدثنا عبدُ الله بن نُمَيرٍ حدثنا هشام (بنُ عُرْوَةَ) عنْ أبِيهِ عن عائشةَ قالت: "كانَتْ صَلاَةُ النبي صلى الله عليه وسلم منْ الليلِ ثلاثَ عشرةَ ركعةً يُوترُ منْ ذلكَ بخمسٍ لا يَجلسُ فِي شيءٍ منهنّ إلاّ فِي آخرِهنّ، فَإذا أذّنَ المؤَذّنُ قامَ فصلّى ركعتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ". (قال) وفي الباب عنْ أبي أيوبَ. قال أبو عيسى: حديثُ عَائِشَةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وقدْ رأى بعضُ (أهلِ العلمِ) (منْ) أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهمْ الوِتْرَ بخمس، وقالوا: لا يَجلِسُ في شيء منهنّ إلاّ في آخرِهنّ. (قال أبو عيسى): وسألت أبا مصعب المديني عن هذا الحديث "كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بالتسع والسبغ" قلت: كيف يوتر بالتسع والسبع قال: "يصلى مثنى مثنى ويسلّم ويوتر بواحدة). قوله: (لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن) أي لا يجلس في ركعة من الركعات الخمس إلا في آخرهن. وفيه دليل على جواز الإيتار بخمس ركعات بقعدة واحدة، وفيه رد على من قال بتعيين الثلاث، وفي رواية عند محمد بن نصر في قيام الليل: كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة بركعتيه قبل الفجر: إحدى عشرة ركعة من الليل ست منهن مثنى مثنى ويوتر بخمس لا يقعد فيهن. وروى أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن سعيد بن هشام أنه قال لعائشة، أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه: فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول فتلك تسع يا بني، وفي رواية لأحمد وأبي داود والنسائي فلما أسنا وأخذه اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في السابعة، فهاتان الروايتان تدلان على إثبات القعود في السادسة في الإيتار بالسبع، والروايتان الأوليان تدلان على نفيه. قال الشوكاني: ويمكن الجمع يحمل النفي للقعود في الروايتين على القعود الذي يكون فيه التسليم انتهى. قلت: الظاهر عندي أنه صلى الله عليه وسلم كان قد يقعد في السادسة في الإيتار بالسبع وقد لا يقعد فيها والله تعالى أعلم. قوله: (وفي الباب عن أبي أيوب) أخرجه النسائي بلفظ: الوتر حق فمن شاء بسبع ومن شاء أوتر بخمس وقد روى في الإيتار بسبع وبخمس أحاديث كثير، فمنها عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام، أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وعن ابن عباس عند أبي داود بلفظ: ثم صلى سبعاً أو خمساً لم يسلم إلا في آخرهن. قوله: (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان. قوله: (وقد رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الوتر بخمس وقالوا لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن) روى محمد بن نصر في قيام الليل عن إسماعيل بن زيد بن ثابت كان يوتر بخمس ركعات لا ينصرف فيها أي لا يسلم. وقال الشيخ سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي. وهو مذهب سفيان الثوري وبعض الأئمة انتهى.
456- حدثنا هنّادٌ، حدثنا أبو بكرِ بنِ عيّاشٍ عن أبي إسحاقَ عنْ الحارِثِ عنْ عليّ قال: "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يُوترُ بِثلاثٍ يَقرأُ فيهنّ بِتسعِ سُوَرٍ منَ المَفصّلِ يَقْرأُ في كلّ ركعةٍ بِثلاثِ سور آخرُهُنّ {قُلْ هُوَ الله أحَدٌ}". (قال) وفي الباب عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَينٍ وعَائشةَ وابنِ عباسٍ وأبي أيوبَ (وعبدِ الرحمَنِ بنِ أبْزَى عنْ أبيّ بنِ كعبٍ. ويُرْوَى أيضاً عنْ عبدِ الرحمَنِ بنِ أبْزَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. هكذا روَى بَعضُهمْ فلم يَذكرْوا فيهِ عنْ أُبيّ. وذكرَ بَعضُهمْ عنْ عبدِ الرحمَنِ بنِ أبزَى عنْ أبيّ). قال أبو عيسى: وقدْ ذَهبَ قَومٌ منْ أهلِ العلمِ من أصْحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهِم إلى هذا ورَأَوا أنْ يُوترَ الرّجلُ بِثلاثٍ. قالَ سفيانُ: إنْ شِئْتَ أوْتَرْتَ بخَمْسٍ، وإنْ شئْتَ أوْترتَ بِثلاثٍ، وإنْ شِئْتَ أوْتَرْتَ بركعةٍ. قالَ سفيانُ: والذي أستَحِبّ: أن أوترَ بِثلاثِ ركعاتٍ. وهوَ قولُ ابنِ المباركِ وأهلِ الكوفةِ. حدثنا سعيدُ بنُ يعقوبٍ الطالَقَانِيّ حدثنا حمادُ بن زيدٍ عنْ هشامٍ عنْ محمدِ بنِ سيرينَ قالَ: كانوا يُوترونَ بخمسٍ وبثلاثٍ وبركعةٍ ويَروْنَ كلّ ذلكَ حسناً. قوله: (عن الحارث) هو ابن عبد الله الأعور صاحب على أحد كبار الشيعة قال الشعبي وابن المديني كذاب. قوله: (يقرأ في كل ركعة بثلاث سور آخرهن قل هو الله أحد) زاد في مسند أحمد قال أسود بن عامر شيخ أحمد يقرأ في الركعة الأولى (ألهاكم التكاثر، وإنا أنزلناه في ليلة القدر وإذا زلزلت الأرض)، وفي الركعة الثانية: (والعصر، وإذا جاء نصر الله والفتح، وإنا أعطيناك الكوثر)، وفي الركعة الثالثة: (قل يا أيها الكافرون وتبت يدا أبي لهب وقل هو الله أحد). كذا في قوت المغتذي. قوله: (وفي الباب عن عمران بن حصين وعائشة وابن عباس وأبي أيوب وعبد الرحمن بن أبزي عن أبي بن كعب) أما حديث عمران بن حصين فأخرجه النسائي والطبراني ومسلم وفيه يصلي أربعاً فلا تسأل، عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً الحديث. ولعائشة رضي الله عنها أحاديث أخرى في الإيتار بثلاث. وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم وفيه: ثم أوتر بثلاث، ولابن عباس حديث أخرجه الترمذي في الباب الاَتي. وأخرجه النسائي وابن ماجه أيضاً. وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الأربعة إلا الترمذي وصححه ابن حبان، ورجح النسائي وقفه. وسيأتي لفظه في هذا الباب. وأما حديث عبد الرحمن بن أبزي عن كبي بن كعب فأخرجه الخمسة إلا الترمذي. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى أو قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، وفي رواية النسائي يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد (ويروى أيضاً عن عبد الرحمن بن أبزي عن النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه النسائي والطحاوي وأحمد وعبد بن حميد (هكذا روى بعضهم إلخ) قال الشوكاني في النيل: وعبد الرحمن بن أبزى قد وقع الاختلاف في صحبته، وقد اختلفوا هل هذا الحديث من روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو من روايته عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى. قلت قال الحافظ في التقريب: صحابي صغير قال البخاري: له صحبة، ووقع في رواية الطحاوي أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فالراجح أنه صحابي، وروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة أبي بن كعب وبغير واسطة أيضاً والله تعالى أعلم. قال العراقي: وكلاهما عند النسائي بإسناد صحيح. انتهى. قوله: (قال سفيان إن شئت أوترت بخمس، وإن شئت أوترت بثلاث، وإن شئت أوترت بركعة) روى أبو داود والنسائي وابن ماجه وآخرون عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الوتر حق واجب على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل. قال الحافظ في التلخيص: صحح أبو حاتم والذهلي والدارقطني في العلل والبيهقي وغير واحد وقفه وهو الصواب انتهى. وقال الأمير اليماني في سبل السلام: وله حكم الرفع إذ لا مسرح للاجتهاد فيه انتهى. فهذا الحديث والأحاديث الأخرى تدل على ما قال سفيان. وقال محمد بن نصر في قيام الليل: الأمر عندنا أن الوتر بواحدة وبثلاث وخمس وسبع وتسع كل ذلك جائر حسن على ما روينا من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده انتهى. قلت: وهو الحق (قال والذي أستحب أن يوتر بثلاث ركعات) وقد كره بعض أهل العلم أن يوتر بثلاث ركعات كما ستقف عليه (وهو قول ابن المبارك وأهل الكوفة) وأستدلوا بأحاديث الباب وقال الحنفية الوتر ثلاث ركعات لا يجوز أكثر من ذلك ولا أقل. وقولهم هذا باطل ظاهر البطلان، فإنه قد ثبت الإيتار بأكثر من ثلاث ركعات وبأقل منها بالأحاديث الصحيحة والآثار القوية كما عرفت وكما ستعرف. قوله: (حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني) أبو بكر ثقة صاحب حديث قال ابن حبان: ربما أخطأ (عن هشام هو ابن حسان الأزدي القردوسي) بالقاف وضم الدال البصري ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما (قال كانوا يوترون) أي الصحابة والتابعون (بخمس وبثلاث وبركعة ويرون كل ذلك حسناً) ولم يقل أحد منهم ما قال الحنفية من أنه لا يجوز الإيتار بأكثر من ثلاث ركعات ولا بأقل. قال محمد بن نصر في قيام الليل: وزعم النعمان أن الوتر ثلاث ركعات لا يجوز أن يزاد على ذلك ولا ينتقص منه، فمن أوتر بواحدة فوتره فاسد والواجب عليه أن يعيد الوتر فيوتر بثلاث إلى أن قال محمد بن نصر: وقوله هذا خلاف للأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلاف لما جمع عليه أهل العلم انتهى. تنبيه: قال الحنفية إن العلماء قد أجمعوا على جواز الإيتار بثلاث واختلفوا فيما عداه فأخذنا ما أجمعوا عليه وتركنا ما عداه وقلنا لا يجوز بأقل من ثلاث ولا بأكثر. قلت: دعوى الإجماع مردودة عليهم، وقد ثبت الإيتار بأقل من ثلاث وبأكثر منها بأحاديث صحيحة صريحة فلا تترك باختلاف العلماء البتة، قال محمد بن نصر: قد احتج بعض أصحاب الرأي للنعمان في قوله: إن الوتر لا يجوز بأقل من ثلاث ولا بأكثر بأن زعم أن العلماء قد أجمعوا على أن الوتر بثلاث جائز حسن، واختلفوا في الوتر بأقل من ثلاث وأكثر فأخذ بما أجمعوا عليه وترك ما اختلفوا فيه، وذلك من قلة معرفة المحتج بهذا بالأخبار واختلاف العلماء. وقد روى في كراهة الوتر بثلاث أخبار بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضها عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ثم ذكر حديث أبي هريرة مرفوعاً: لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو أكثر من ذلك. قال وفي الباب عن عائشة وميمونة، وعن ابن عباس الوتر سبع أو خمس ولا نحب ثلاثاً بتراً، وفي رواية: إن لأكره أن تكون ثلاثاً بتراً لكن بسبع أو خمس، وعن عائشة رضي الله عنها الوتر سبع أو خمس وإني لأكره أن تكون ثلاثاً بتراً، وفي لفظ أولى للوتر خمس، وعن يزيد بن حازم قال: سألت سليمان بن يسار عن الوتر بثلاث فكره الثلاث وقال لا تشبه التطوع بالفريضة أوتر بركعة أو بخمس أو بسبع انتهى. قلت: وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر حديث أبي هريرة: لا توتروا بثلاث إلخ من رواية محمد بن نصر ما لفظه: وقد صححه من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه وإسناده على شرط الشيخين، وقد صححه ابن حبان والحاكم ومن طريق مقسم عن ابن عباس وعائشة كراهة الوتر بثلاث وأخرجه النسائي أيضاً، وعن سليمان بن يسار أنه كره الثلاث في الوتر، فهذه الآثار تقدح في الإجماع الذي نقله انتهى كلام الحافظ. فإن قلت: ما وجه الجمع بين حديث أبي هريرة المذكور الذي يدل على المنع من الإيتار بثلاث والتشبيه بصلاة المغرب وبين الأحاديث التي تدل على جواز الإيتار بثلاث موصولة؟ قلت: قد جمع بينهما بأن النهي عن الثلاث إذا كان يقعد للتشهد الأوسط لأنه يشبه المغرب، وأما إذا لم يقعد إلا في آخرها فلا يشبه المغرب. قال الأمير اليماني: وهو جمع حسن. وقال الحافظ في فتح الباري: وجه الجمع أن يحمل النهي عن صلاة الثلاث بتشهدين وقد فعله السلف يعني الإيتار بثلاث بتشهد واحد، فروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير، ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن، ومن طريق ابن طاوس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن، ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن أيوب مثله، وروى محمد بن نصر عن ابن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاث كالمغرب وكأنهم لم يبلغهم النهي المذكور انتهى كلام الحافظ. قلت: يؤيد هذا الجمع حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن، وهذا وتر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذه أهل المدينة. رواه الحاكم في المستدرك من طريق أبان بن يزيد العطار عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عنها. فإن قلت: هذا الحديث بهذا اللفظ غير محفوظ والمحفوظ ما رواه الحاكم في المستدرك من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة بلفظ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر، فإن سعيد بن أبي عروبة ثقة حافظ أثبت الناس في قتادة، وأبان بن يزيد العطار وإن كان من الثقات لكنه دون سعيد فيكون ما رواه سعيد عن قتادة أرجح مما رواه أبان عنه. قلت: لا مخالفة بين قوله: لا يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر وقوله: لا يقعد إلا في آخرهن فتفكر. على أن أبان بن يزيد ثقة ثبت قال الحافظ في تهذيب التهذيب: قال أحمد ثبت في كل المشايخ. وقال ابن معين: ثقة انتهى، وكان صاحب كتاب. قال ابن عدي في الكامل. وهو حسن الحديث متماسك يكتب حديثه انتهى. ومع هذا لم يكن فيه شيء من الاختلاط قط. وأما سعيد بن أبي عروبة فلم يكن صاحب كتاب. قال أبو حاتم: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يكن لسعيد بن أبي عروبة كتاب إنما يحفظ ذلك كله انتهى، ومع هذا كان قد اختلط في آخر عمره. قال الأزدي اختلط اختلاطاً قبيحاً. قال ابن حبان في الثقات: بقي في اختلاطه خمس سنين، وقال الذهلي عن عبد الوهاب الخفاف خولط سعيد سنة (841) وعاش بعد ما خولط تسع سنين انتهى. وروى عن سعيد بن أبي عروبة هذا فكيف يكون ما رواه سعيد عن قتادة أرجح مما رواه أبان عن قتادة؟ فإن قلت: قد رواه هشام الدستوائي ومعمر وهمام عن قتادة مثل رواية سعيد. قلت: لم أقف على رواية هؤلاء، فمن يدعى صحة متابعة هؤلاء لسعيد فعليه أن يذكر رواياتهم سنداً ومتناً لينظر هل هي صالحة للمتابعة أم لا. هذا ما عندي والله تعالى أعلم. تنبيه: قال صاحب آثار السنن متعقباً على هذا الجمع ما لفظه: هذا الجمع سخيف جداً بعيد في غاية البعد، لا يذهب إليه ذهن الذاهن بل هو غلط صريح. ثم بين معنى حديث لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب. فقال المعنى أنه لا يترك تطوعاً قبل الإيتار بثلاث فرقاً بينه وبين المغرب. قلت: كلام صاحب آثار السنن هذا مبني على فرط التعصب، فإن حسن الجمع المذكور لا يخفى على أهل العلم والإنصاف. وأما قوله في بيان معنى حديث لا توتروا بثلاث إلخ أنه لا يترك تطوعاً قبل الإيتار. بثلاث فكفى لبطلانه أنه يلزم منه أن يكون التطوع قبل الإيتار بثلاث واجباً واللازم باطل فالملزوم مثله فتفكر، ولبطلانه وجوه أخرى لا تخفى على المتأمل.
457- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا حمادُ بن زيدٍ عنْ أنسِ بنِ سيرينَ قال: سألتُ ابن عمرَ فقلت: أطيل في ركعتي الفجرِ؟ فقالَ: "كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلي منَ الليلِ مثْنَى مثْنَى، ويُوترُ بركعةٍ، وكانَ يُصلي الركعتَيْنِ والأذَانُ في أُذُنهِ" (يعني يخفف). (قال) وفي البابِ عنْ عائشةَ وجَابرٍ والفضلِ بنِ عباسٍ وأبي أيوبَ وابنِ عباسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ ابن عُمرَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عندَ بَعضِ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم والتابعينَ: رأَوْا أنْ يَفْصلَ الرّجلُ بينَ الركعتينِ والثالثةِ، يُوترُ بركعةٍ. وبه يقولُ مالكٌ والشافعِي وأحمدُ وإسحاقُ. قوله: (عن أنس بن سيرين) هو أخو محمد بن سيرين ثقة. قوله: (أطيل في ركعتي الفجر) بتقدير همزة الاستفهام، والمراد بركعتي الفجر سنة الفجر وفي رواية البخاري: قلت لابن عمر أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة أطيل فيهما القراءة (يصلي من الليل مثنى مثنى) بلا تنوين لعدم انصرافه للعدل والوصف على ما قاله سيبويه أي ثنتين ثنتين. قال ابن الملك: أستدل أبو يوسف ومحمد والشافعي به على أن الأفضل في صلاة الليل أن يسلم من كل ركعتين (ويوتر بركعة) فيه المشروعية الإيتار بركعة واحدة وهو الحق (وكان يصلي الركعتين) أي سنة الفجر (والأذان في أذنه) وفي رواية البخاري: وكأن الأذان بأذنيه، قال حماد أي بسرعة. قال الحافظ في الفتح قوله بأذنيه أي لقرب صلاته من الأذان، والمراد به ههنا الإقامة، فالمعنى أنه كان يسرع بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة الصلاة خشية فوات أول الوقت، ومقتضى ذلك تخفيف القراءة فيهما فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما، قال وقوله بسرعة هو تفسير من الراوي لقوله كأن الأذان بأذنيه انتهى. وقال النووي قال القاضي: المراد بالأذان هنا الإقامة، وهو إشارة إلى شدة تخفيفها بالنسبة إلى باقي صلاته صلى الله عليه وسلم. قوله: (وفي الباب عن عائشة وجابر والفضل بن عباس وأبي أيوب وابن عباس) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة الحديث. وأما حديث جابر فأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل بلفظ: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [؟؟]الله مثنى مثنى وأوتر بواحدة. وأما حديث الفضل بن عباس فأخرجه أيضاً محمد بن نصر في قيام الليل وفيه: فتوضأ ثم صلى ركعتين ركعتين حتى صلى عشر ركعات ثم سلم ثم قام فصلى سجدة فأوتر بها ونادى المنادي عند ذلك. قال محمد بن نصر فجعل هذه الرواية عن الفضل بن عباس، والناس إنما رووا هذا الحديث عن عبد الله بن عباس وهو المحفوظ عندنا انتهى. وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عنه مرفوعاً: الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل، وقد تقدم أن وقفه هو صواب. وأما حديث ابن عباس فأخرجه محمد بن نصر بإسناده عن أبي مجلز: سألت ابن عباس عن الوتر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوتر ركعة من آخر الليل. قوله: (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) فأخرجه الشيخان. قوله: (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين رأوا أن يفصل الرجل بين الركعتين والثالثة يوتر بركعة، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) واستدلوا بأحاديث الباب وبحديث القاسم بن محمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة. رواه الدارقطني وإسناده صحيح، وبحديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يفصل بين الوتر والشفع بتسليمة ويسمعناها. قال الحافظ في التلخيص بعد ذكره: رواه أحمد وابن حبان وابن السكن في صحيحهما، والطبراني من حديث إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر به وقواه أحمد انتهى. قال محمد بن نصر بعد روايته ابن عمر رضي الله عنه بلفظ: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ما لفظه: فالذي تختاره لمن صلى بالليل في رمضان وغيره أن يسلم بين كل ركعتين حتى إذا أراد أن يوتر صلى ثلاث ركعات يقرأ في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون ويتشهد في الثانية ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والموذتين. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في آخرهن: وقد روى عنه أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة، وكل ذلك جائز أن يعمل به اقتداء به صلى الله عليه وسلم، غير أن الإختيار ما ذكرنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صلاة الليل أجاب أن صلاة الليل مثنى مثنى فاخترنا ما هو اختيار لأمته وأجزنا فعل من اقتدى به ففعل مثل فعله إذا لم يرو عنه نهى عن ذلك بل قد روى عنه أنه قال: من شاء فليوتر بخمس ومن شاء فليوتر بثلاث ومن شاء فليوتر بواحدة، غير أن الأخبار التي رويت عنه أنه أوتر بواحدة هي أثبت وأصح وأكثر عند أهل العلم بالأخبار. وقد روينا عن جماعة من السلف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أوتروا بركعة: ثم ذكر محمد بن نصر الأخبار المروية عن السلف في الوتر بركعة، فنحن نذكر ههنا بعضاً منها من كتابه قيام الليل وغيره. روى البخاري في صحيحه عن ابن أبي مليكة قال: أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس فقال دعه فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الطحاوي والدارقطني حسن عن عبد الرحمن التيمي قال: قلت: لا يغلبني الليلة على المقام أحد، فقمت أصلي فوجدت حس رجل من خلف ظهري فإذا عثمان بن عفان فتنحيت له فتقدم فاستفتح القرآن حتى ختم ثم ركع وسجد، فقلت أوهم الشيخ، فلما صلى قلت يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة واحدة، فقال، أجل هي وترى. وروى الطحاوي بإسناد حسن عن عبد الله بن سلمة قال: أمنا بعد بن أبي وقاص في صلاة العشاء الاَخرة، فلما انصر حتى تنحى في ناحية المسجد فصلى ركعة فأتبعته فأخذت بيده فقلت يا أبا إسحاق ما هذه الركعة فقال وتر أنام عليه. وفي كتاب قيام الليل ن المطلب بن عبد الله المخزومي قال: أتى عبد الله بن عمر رجل فقال كيف أوتر قال أوتر بواحدة، قال إني أخشى أن يقول الناس إنها البتيراء، قال: أسنة الله وسنة رسوله تريد هذه اسنة الله وسنة رسوله. وعن حنش الصنعاني قال: كان أبي بن كعب حين أمره عمر بن الخطاب أن يقوم بالناس يسلم في اثنتين من الوتر: ثم قرأ بعد زيد بن ثابت فسلم في ثلاث، فقال له ابن عمر لم سلمت في ثلاث؟ فقال إنما فعلت ذلك لئلا ينصرف الناس فلا يوترون. وعن نافع سمعت معاذ القاري يسلم بين الشفع والوتر وهو يؤم الناس في رمضان بالمدينة على عهد عمر بن الخطاب. وعنه: كنا نقوم في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يؤمنا معاذ فكان يسلم رافعاً صوته ثم يقوم فيوتر بواحدة، وكان يصلي معه رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أر أحداً يعيب ذلك عليه. وعن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان قرأ القرآن في ركعة أوتر بها. وعن مالك بن دينار عن مولى بن أبي طالب أن علي بن أبي طالب أوتر بركعة. وعن شرحبيل أنه رأى سعداً دخل المسجد فصلى ركعة أوتر بها ثم خرج. وعن أبي عبيد الله رأيت أبا الدرداء وفضالة بن عبيد ومعاذ بن جبل يوتر كل واحد منهم بركعة. وذكر محمد بن نصر في هذا الباب آثاراً أخرى من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه.
458- حدثنا عليّ بن حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ عن أبي إسحاقَ عنْ سعيدِ بن جُبَيْرٍ عن ابنِ عباسٍ قال: "كانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ فِي الوِترِ بـ{سبّحْ اسمَ ربّكَ الأعلَى}، {وقُل يَا أيها الكافرونَ}، {وقلْ هوَ الله أحدٌ} فِي ركعةٍ ركعةٍ". (قال) وفي الباب عنْ عليَ وعائشةَ وعبدِ الرحمَنِ بن أبزَى عنْ أبيّ (بن كعبٍ) (ويروى عن عبدالرحمن بن أبزى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم). قال أبو عيسى: وقدْ رُوِيَ عنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أنهُ قَرأ في الوِتر في الركعةِ الثالثةِ بالمعوّذِتينِ وقُلْ هوَ الله أحدٌ". والذي اختارَه (أكْثَرُ) أهلِ العلمِ مِنْ أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَنْ بَعدَهم أنْ يَقرأ بـ{سبّحْ اسمَ ربكَ الأعلَى}، {وقلْ يا أيها الكافرون} {وقلْ هوَ الله أحدٌ}. يَقرأُ فِي كلّ ركعةٍ منْ ذلكَ بِسورةٍ. 459- حدثنا إسحاقُ بن إبراهيمَ بن حبيبِ بن الشهيدِ البَصْريّ حدثنا محمدُ بن سَلَمَةَ الحرّانيّ عنْ خُصَيْفٍ عنْ عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قالَ: "سألنا عائشةَ بأيّ شيء كانَ يوترُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالتْ كانَ يقرأُ فِي الأولى بـ{سبحْ اسمَ ربّكَ الأعلى، } وفي الثانيةِ بِـ {قلْ يا أيها الكافرونَ}، وفي الثالثةِ بِـ {قلْ هوَ الله أحدٌ} والمعوّذَتينِ". قال أبو عيسى: وهذا حديثٌ حسَنٌ غريبٌ. (قال) وعبدُ العزيزِ هذا هو والدُ بنِ جُرْيجٍ صاحب عطاءٍ. وابنُ جُرَيجٍ اسمهُ عبدُ الملكِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ جريجٍ. وقد روى يحيى بنُ سعيدٍ الأنصاريّ هذا الحديث عن عمرةَ عن عائشةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله: (عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر إلخ) الحديث رواه أبو داود وابن ماجه أيضاً. قوله: (في ركعة ركعة) قال العراقي: انفرد المصنف يعني الترمذي بهذه الزيادة عن النسائي وابن ماجه ومعناها أنه يقرأ بكل سورة من السور الثلاث في ركعة كذا في قوت المغتذي. قوله: (وفي الباب عن علي) أخرجه الترمذي في باب ما جاء في الوتر بثلاث (وعائشة) أخرجه الترمذي في هذا الباب (وعبد الرحمن بن أبزى عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه أحمد وأبو داود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد. قوله: (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الوتر في الركعة الثالثة بالمعوذتين وقل هو الله أحد) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، ورواه الترمذي في هذا الباب، ورواه الدارقطني والطحاوي والحاكم عن عمرة عن عائشة بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث: يقرأ في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (والذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد يقرأ في كل ركعة من ذلك بسورة) وبه قال الحنفية، قال ابن الهام وذلك لأن أبا حنيفة روى في مسنده عن حماد عن إبراهيم عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد انتهى. قلت: وإنما اختاره أكثر أهل العلم لأن حديث ابن عباس وأبي بن كعب بإسقاط المعوذتين أصح. وقال ابن الجوزي: أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين كذا في التلخيص. قوله: (حدثنا إسحاق بن حبيب بن الشهيد البصري) الشهيدي ثقة من العاشرة (أخبرنا محمد بن سلمة الحراني) ثقة (عن خصيف) بالصاد المهملة مصغراً هو ابن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره رمى بالإرجاء كذا في التقريب. وقال في الخلاصة ضعفه أحمد ووثقه ابن معين وأبو زرعة. وقال ابن عدي: إذا حدث عنه ثقة فلا بأس به (عن عبد العزيز بن جريج) المكي مولى قريش لين. قال العجلي لم يسمع من عائشة، وأخطأ خصيف فصرح بسماعه من الرابعة كذا في التقريب، وقال في الخلاصة لا يتابع فيها حديثه انتهى. قوله: (وهذا حديث حسن غريب) في كونه حسناً نظر فإن عبد العزيز بن جريج لم يسمع من عائشة كما عرفت، وأيضاً فيه خصيف وهو قد خلط بآخره ولا يدري أن محمد بن سلمة رواه عنه قبل الاختلاط أو بعده والله تعالى أعلم. نعم يعتضد برواية عمرة عن عائشة التي أشار إليها الترمذي. قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث: فيه خصيف وفيه لين انتهى. قوله: (وعبد العزيز هذا) الذي وقع في إسناد حديث عائشة المذكور (والد ابن جريج) ابن جريج هذا هو الفقيه المشهور المكي المتوفي سنة 150 خمسين ومائة (صاحب عطاء) قال ابن جريج: لزمت عطاء سبع عشرة سنة وعطاء هذا هو ابن أبي رباح (واسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج) فهو منسوب إلى جده جريج. قوله: (وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة) رواه الدارقطني والطحاوي والحاكم وقد ذكرنا لفظه: قال الحافظ في التلخيص: ورواه الدارقطني وابن حبان والحاكم من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة، وتفرد به يحيى بن أيوب عنه وفيه مقال ولكنه صدوق، وقال العقيلي إسناده صالح انتهى.
460- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا أبو الأحْوَصِ عنْ أبي إسحاقَ عنْ بُرَيْدِ بنِ أبي مريمَ عنْ أبي الحَوْرَاءِ السّعدي قالَ: قالَ الحسنُ بن علي (رضي الله عنهما): "علمني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهنّ في الوتر: اللهمّ اهدنيِ فيمنْ هَدَيْتَ وعَافِنِي فِيمَنْ عافَيْتَ وَتَوَلّنِي فِيمَنْ تَوَلّيْتَ وَبَارِكْ لِي فيمَا أعْطَيْتَ وَقِنِي شَرّ ما قضيْتَ فَإِنكَ تَقْضِي ولا يُقْضَى عليكَ، وإنه لا يذِلّ من واليْتَ، تباركتَ ربّنا وتعاليْتَ". (قال): وفي الباب عن علي. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ لا نعرفهُ إلاّ منْ هذا الوجهِ منْ حديثِ أبي الحَوْراءِ السعديّ واسمُهُ ربيعةُ بنُ شيبانَ. ولاَ نعرفُ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم في القُنوتِ (في الوتر) شيئاً أحسنَ من هذا. واختلفَ أهلُ العلمِ في القنوتِ في الوترِ، فرأى عبدُ الله بنُ مسعودٍ القنوتَ فِي الوترِ في السّنَةِ كلّها، واختارَ القنوتَ قبلَ الركوعِ. وهو قولُ بعضِ أهلِ العلمِ. وبهِ يقولُ سُفيانُ الثوريّ وابنُ المباركِ وإسحاقُ (وأهلُ الكُوفةِ). وقدْ رُوِيَ عنْ عليّ بنِ أبي طالبٍ أنهُ كانَ لا يقنُتُ إلا في النصفِ الاَخِرِ منْ رَمَضَانَ، وكانَ يَقْنُتُ بعدَ الركوعِ. وقدْ ذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى هذا. وبهِ يقولُ الشافعيّ وأحمدُ. قوله: (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء مصغراً (بن أبي مريم) السلولي البصري ثقة مات سنة 144 أربع وأربعين ومائة (عن أبي الحوراء) بفتح المهملتين اسمه ربيعة بن شيبان السعدي البصري ثقة. قوله: (اللهم اهدني) أي ثبتني على الهداية (فيمن هديت) أي في جملة من هديتهم أو هديته من الأنبياء والأولياء كما قال سليمان (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) وقال ابن الملك: أي أجعلني فيمن هديتهم إلى الصراط المستقيم، وقيل في فيه وفيما بعده بمعنى مع قال تعالى {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} (وعافني فيمن عافيت) قال ابن الملك من المعافاة التي هي دفع السوء (وتولني فيمن توليت) أمر مخاطب من تولى أحب عبداً وقام بحفظه وحفظ أمره (وبارك) (أي أكثر الخير لي) أي لمنفعتي (فيما أعطيت) أي فيما أعطيتني من العر والمال والعلوم والأعمال (وقني) أي احفظني (شر ما قضيت) ما قدرت لي (فإنك تقضي) أي تقدر أو تحكم بكل ما أردت (ولا يقضي عليك) فإنه لا معقب لحكمك (وإنه) أي الشأن (لا يذل) بفتح فكسر أي لا يصير ذليلاً (من واليت) الموالاة ضد المعاداة، قال ابن حجر: أي لا يذل من واليت من عبادك في الاَخرة أو مطلقاً وإن ابتلى بمات ابتلى به وسلط عليه من أهانه وأذله باعتبار الظاهر لأن ذلك غاية الرفعة والعزة عند الله وعند أوليائه ولا عبرة إلا بهم، ومن ثم وقع للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الامتحانات العجيبة ما هو مشهور وزاد البيهقي وكذا الطبراني من عدة طرق: ولا يعز من عاديت: أي لا يعز في الاَخرة أو مطلقاً وإن أعطي من نعيم الدنيا وملكها ما أعطى لكونه لم يمتثل أوامرك ولم يجتنب نواهيك (تباركت) أي تكاثر خيرك في الدارين (ربنا) بالنصب أي يا ربنا (وتعاليت) أي ارتفع عن مشابهة كل شيء. وقال الحافظ في بلوغ المرام: زاد النسائي في آخره: وصلى الله على النبي. قوله: (وفي الباب عن علي) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في آخر وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك الحديث. قوله: (هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي. قوله: (واختلف أهل العلم في القنوت في الوتر) هل يقنت في الوتر في السنة كلها أم في النصف الاَخر من رمضان فقط وهل يقنت قبل الركوع أم بعده (فرأى عبد الله بن مسعود القنوت في الوتر في السنة كلها وأختار القنوت قبل الركوع) روى محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن إبراهيم أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقنت السنة كلها في الوتر قبل الركوع وسنده منقطع. وروى ابن أبي شيبة عن علقمة أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع: قال ابن التركماني في الجوهر النفي: هذا سند صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ في الدراية: إسناده حسن (وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق وأهل الكوفة) وهو قول الحنفية واستدلوا بحديث أبي بن كعب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع، رواه ابن ماجه والنسائي، وبما روى البخاري في صحيحه في المغازي عن عبد العزيز قال سأل رجل أسناً رضي الله عنه عن القنوت بعد الركوع أو عند فراغ من القراءة قال بل عند فراغ من القراءة، وبما روى البخاري ومسلم عن عاصم قال: سألت أنس عن بن مالك رضي الله عنه عن القنوت فقال: قد كان القنوت، قلت قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله، قال: فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع، فقال: كذب إنما قلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهراً أراه كان بعث قوماً يقال لهم القراء زهاء سبعين رجلاً إلا قوم مشركين دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو عليهم. قلت: قد جاء عن أنس روايات مختلفة في هذا الباب. (وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه كان لا يقنت إلا في النصف الاَخر من رمضان. وكان يقنت بعد الركوع) روى محمد بن نصر في قيام الليل عن علي أنه كان يقنت في النصف الاَخر من رمضان وروى أيضاً فيه أن علياً كان يقنت في الوتر بعد الركوع، وقد عقد بابا بلفظ: باب ترك القنوت في الوتر إلا في النصف الاَخر من رمضان، وذكر فيه آثاراً عديدة فروى أثر معاذ بن الحارث الأنصاري: إذا انتصف رمضان لعن الكفرة، وكان ابن عمر لا يقنت في الصبح ولا في الوتر إلا في النصف الاَخر من رمضان. وعن الحسن كانوا يقنتون في النصف الاَخر من رمضان. وكان الحسن ومحمد وقتادة يقولون: القنوت في النصف الأواخر من رمضان. وعن عمران بن حدير: أمرني أو مجلز أن أقنت في النصف الباقي من رمضان، قال: إذا رفعت رأسك من الركوع فاقنت. وعن ابن شهاب كانوا يلعنون الكفرة في النصف، وفي رواية: لا قنوت في السنة كلها إلا في النصف الاَخر من رمضان. وروى فيه عن الحسن عن أبي بن كعب: أم الناس في رمضان فكان لا يقنت في النصف الأول ويقنت في النصف الاَخر فلما دخل العشر أبق وخلا عنهم فصلى بهم معاذ القاري. وسئل سعيد بن جبير عن بدء القنوت في الوتر فقال: بعث عمر بن الخطاب جيشاً فورطوا متورطاً خاف عليهم فلما كان النصف الاَخر من رمضان قلت يدعو لهم. قوله: (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا وبه يقول الشافعي وأحمد) قال محمد بن نصر في قيام الليل: قال الزعفراني عن الشافعي أحب إلى أن يقنتوا في الوتر في النصف الاَخر ولا يقنت في سائر السنة ولا في رمضان إلا في النصف الاَخر، قال محمد بن نصر وكذلك حكى المزني عن الشافعي حدثني أبو داود قلت لأحمد: القنوت في الوتر السنة كلها؟ قال إن شاء قلت فما تختار؟ قال أما أنا فلا أقنت إلا في النصف الاَخر متى يبتديء؟ قال إذا مضى خمس عشرة ليلة سادس عشرة. وكان إسحاق بن راهويه يختار القنوت في السنة كلها انتهى كلام محمد بن نصر. قلت: استدل من قال بكون القنوت بعد الركوع بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت بعد الركعة وأبو بكر وعمر حتى كان عثمان فقلت قبل الركعة ليدرك الناس قال العراقي إسناده جيد، وبحديث أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع رواه البخاري في المغازي، وبحديث عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الاَخرة من الفجر يقول: اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعدما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، فأنزل الله (ليس لك من الأمر شيء) إلى قوله (فإنهم ظالمون) قال الحافظ في التلخيص: روى البخاري من طريق عاصم الأحول عن أنس أن القنوت قبل الركوع، وقال البيهقي رواة القنوت بعد الرفع أكثر وأحفظ وعليه درج الخلفاء الراشدون انتهى. وقال محمد بن نصر في قيام الليل: وسئل أحمد عن القنوت في الوتر قبل الركوع أم بعده ترفع الأيدي في الدعاء في الوتر؟ فقال القنوت بعد الركوع ويرفع يديه على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الغداة، وبذلك قال أبو أيوب وأبو خيثمة وابن أبي شيبة، وكان إسحاق يختار القنوت بعد الركوع في الوتر. قال محمد بن نصر: وهذا الرأي أختاره انتهى. قلت: يجوز القنوت في الوتر قبل الركوع وبعده، والمختار عندي كونه بعد الركوع قال العراقي: ويعضد كونه بعد الركوع أولى فعل الخلفاء الأربعة لذلك والأحاديث الواردة في الصبح انتهى. واعلم أن الحنفية اختاروا القنوت قبل الركوع فإذا كانوا يريدون القنوت قبل ركوع الركعة الثانية، يكبرون ويرفعون أيديهم كرفع اليدين عند التحريمة ثم يقنتون، أما التكبير فيستدلون على ثبوته ببعض الآثار. وقد عقد محمد بن نصر في قيام الليل لذلك باباً فقال باب التكبير للقنوت، وذكر فيه عن طارق بن شهاب أن عمر بن الخطاب لما فرغ من القراءة بكر ثم ثنت ثم كبر وركع يعني في الفجر. وعن علي أنه كبر في القنوت حين فرغ من السورة كبر ثم قنت، وعن إبراهيم في القنوت في الوتر إذا فرغ من القراءة كبر ثم قنت ثم كبر وركع، وعن سفيان كانوا يستحبون إذا فرغ من القراءة في الركعة الثالثة من الوتر أن يكبر ثم يقنت، وعن أحمد إذا كان يقنت قبل الركوع افتتح بتكبيرة. قلت: لم أقف على حديث مرفوع في التكبير للقنوت ولم أقف على أسانيد هذه الآثار. وأما رفع اليدين في قنوت الوتر فلم أقف على حديث مرفوع فيه أيضاً، نعم جاء فيه عن ابن مسعود من فعله فروى البخاري في جزء رفع اليدين عن الأسود عن عبد الله رضي الله عنه أنه كان يقرأ في آخر ركعة من الوتر قل هو الله أحد ثم يرفع يديه فيقنت قبل الركعة. وقد عقد محمد بن نصر باباً بلفظ باب رفع الأيدي عند القنوت، وذكر فيه عن الأسود أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يرفع يديه في القنوت إلى صدره. وعن أبي عثمان النهدي كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة ويرفع يديه حتى يخرج ضبعية. وكان أبو هريرة يرفع يديه في قنوته في شهر رمضان وعن أبي قلابة ومكحول أنهما كانا يرفعان أيديهما في قنوت رضمان، وذكر آثاراً أخرى عن التابعين وغيرهم بعضها في ثبوت رفع اليدين وبعضها في نفيه من شاء الوقوف عليها فليرجع إلى كتاب قيام الليل. وقد استدل الحنفية على ثبوت رفع اليدين في قنوت الوتر كرفعهما عند التحريمة بهذه الآثار وفي الاستدلال بها على هذا المطلوب نظر إذ ليس فيها ما يدل على هذا بل الظاهر منها ثبوت رفع اليدين كرفعهما في الدعاء فإن القنوت دعاء.
461- حدثنا محمودُ بنُ غَيلاَنَ، حدثنا وكيعٌ حدثنا عبدُ الرحمَنِ بنُ زيدِ بن أسلمَ عنْ أبيهِ عنْ عطاءِ بنِ يسارٍ عنْ أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "منْ نامَ عنِ الوترِ أوْ نسيَهُ فليصلّ إذا ذكرَ وإذا استيقظَ". 462- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا عبدُ الله بنُ زيدِ بن أسلمَ عنْ أبيهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "منْ نامَ عنْ وِترِهِ فَليصلّ إذَا أصبحَ". (قال أبو عيسى) وهذَا أصحّ منَ الحديثِ الأولِ. (قال أبو عيسى) سمعتُ أبا داودَ السّجْزِيّ (يعني) (سليمانَ بنَ الأشعثِ) يقولُ: سألتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ عن عبدِ الرحمَنِ بنِ زيدِ بنِ أسلمَ؟ فقال: أخوه عبدُ الله لا بَأسَ بهِ". (قال) وسمعْتُ محمداً يذكرُ عن عليّ بنِ عبدِ الله أنهُ ضعّفَ عبدَ الرحمنِ بنَ زيدِ بنِ أسلمَ، وقالَ: عبدُ الله بن زَيْدِ بن أسلمَ ثِقةٌ. (قال) وقد ذهب بعضُ أهلِ الكوفةِ إلى هذا الحديثِ. فقالوا: يُوترُ الرّجلُ إذَا ذكَرَ وإنْ كانَ بعدَ ما طلعَتْ الشمسُ. وبهِ يقولُ سفيانُ الثوريّ. قوله: (أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم) ضعيف ضعفه أحمد وابن المديني والنسائي وغيرهم (عن أبيه) زيد بن أسلم العدوي فولى عمر بن الخطاب ثقة. قوله: (من نام عن الوتر) أي عن أدائه (أو نسيه) فلم يصله (فليصل) أي قضاء (إذا ذكر) راجع إلى النسيان (وإذا استيقظ) راجع إلى النوم والحديث أخرجه أيضاً أبو داود وابن ماجه. قوله: (أخبرنا عبد الله بن زيد بن أسلم) صدوق فيه لين من السابعة قاله الحافظ وقال الخزرجي وثقه أحمد والقزاز وضعفه ابن معين وابن عدي. قوله: (من نام عن وتره فليصل إذا أصبح) قال ابن الملك أي فليقض الوتر بعد الصبح متى اتفق، وإليه ذهب الشافعي في أظهر قوليه. وقال مالك وأحمد لا يقضي الوتر بعد الصبح انتهى. قلت: مذهب الشافعي موافق لهذا الحديث وهو حجة على مالك وأحمد. فإن قلت: هذا الحديث مرسل والمرسل من أقسام الضعيف. قلت: قال ميرك نقلاً عن التصحيح: وله شاهد من حديث أغر المدني عند الطبراني بإسناد جيد انتهى، ويؤيده حديث أبي سعيد المذكور في الباب وإسناده عند أبي داود صحيح كما ستعرف. قوله: (وهذا أصح من الحديث الأول) يعني عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه مرسلاً أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري متصلاً، فإن عبد الرحمن بن زيد ضعيف، وعبد الله بن زيد ثقة عند أحمد وابن المديني لكن حديث أبي سعيد هذا قد رواه أبو داود من طريق أخرى. قال في النيل: وإسناد الطريق التي أخرجه منها أبو داود صحيح كما قال العراقي. قوله: (سمعت أبا داود السجزي) بسين مكسورة وغيرها وسكون جيم وبزاي نسبة إلى سجز واسم لسجستان وقيل نسبة إلى سجستان بغير قياس كذا في المغنى، وأبو داود هذا هو صاحب السنن واسمه سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد الأزدي السجستاني (وسمعت محمداً) هو محمد بن إسماعيل البخاري (يذكر عن علي بن عبد الله) هو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو الحسن ابن المديني البصري ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصرة بالحديث وعلله حتى قال البخاري ما استغفرت نفسه إلا عنده وقال فيه شيخه ابن عيينة كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلمه مني كذا في التقريب: قوله: (وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث وقالوا يوتر الرجل إذا ذكر وإن كان بعد ما طلعت الشمس إلخ) قال الشوكاني في النيل: الحديث يعني حديث أبي سعيد الخدري يدل على مشروعية قضاء الوتر إذا فات. وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وفضاله بن عبيد وعبد الله ابن عباس كذا قال العراقي، قال ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وعبيدة السلمان وإبراهيم النخعي ومحمد بن المنتشر وأبو العالية وحماد بن أبي سليمان، ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة. ثم اختلف هؤلاء إلى متى يقضي على ثمانية أقوال: أحدها مالم يصل الصبح، وهو قول ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ومسروق والحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي أيوب وأبي خيثمة حكاه محمد بن نصر عنهم. ثانيها: أنه يقضي الوتر ما لم تطلع الشمس ولو بعد صلاة الصبح، وبه قال النخعي. ثالثها: أنه يقضي الصبح وبعد طلوع الشمس إلى الزوال، روى ذلك عن الشعبي وعطاء والحسن وطاووس ومجاهد وحماد بن أبي سليمان، وروى أيضاً عن ابن عمر وذكر الشوكاني باقي الأقوال قال ثامنها التفرقة بين أن يتركه لنوم أو نسيان وبين أن يتركه عمداً فإن تركه لنوم أو نسيان قضاه إذا استيقظ أو إذا ذكر في أي وقت كان ليلاً أو نهاراً وهو ظاهر الحديث، واختاره ابن حزم واستدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها: قال وهذا عموم يدخل فيه كل صلاة فرض أو نافلة وهو في الفرض أمر فرض وفي النفل أمر انتهى.
463- حدثنا أحمدُ بنُ مَنيعٍ، حدثنا يحيى بنُ زكريا بن أبي زائدةَ حدثنا عُبَيْدُ الله عن نافعٍ عنْ ابنِ عمرَ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "بَادِرُوا الصبحَ بالوترِ". (قال أبو عيسى): هذا حديثٌ (حسَنٌ) صحيحٌ. 464- حدثنا الحسنُ بن علي الخلاّل، حدثنا عبدُ الرزّاقِ أخبرنا مَعْمَرٌ عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي نَضْرَةَ عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أوتروا قبلَ أن تصْبِحُوا". 465- حدثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا عبدُ الرزّاقِ أخبرنا ابنُ جُرَيْجٍ عن سليمانَ بنِ موسى عنْ نافعٍ عنْ ابنِ عمرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا طلَعَ الفجرُ فقد ذهبَ كلّ صلاةِ الليلِ والوِترُ فأوْتِروا قبلَ طلوعِ الفجرِ". قال أبو عيسى: (و) سليمانُ بنُ موسى قد تفرّدَ بهِ على هذا اللفظِ. ورُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا وِتْرَ بعدَ صلاةِ الصّبحِ". وهو قولُ غيرِ واحدٍ من أهلِ العلمِ. وبهِ يقولُ الشافعيّ وأحمدُ وإسحاقُ: لا يرونَ الوترَ بعدَ صلاة الصّبحِ. قوله: (أخبرنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة) الهمداني أبو سعيد الكوفي ثقة متقن من رجال السنة (أخبرنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثقة ثبت. قوله: (بادروا الصبح بالوتر) أي أسرعوا بأداء الوتر قبل الصبح، والحديث رواه أبو داود أيضاً. قوله: (أوتروا قبل أن تصبحوا) الحديث رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود. قوله: (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا وتر بعد صلاة الصبح) أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وتر بعد الفجر، وفي سنده أبو هارون العبدي، قال الدارقطني يتلون خارجي وشيعي وضعفه شعبة وكذبه الجوزجاني. قال محمد بن نصر بعد رواية حديث ابن عمر وحديث أبي سعيد الخدري المذكورين في الباب ما لفظه: فالذي عليه جمهور أهل العلم أن لا يؤخر الوتر إلى طلوع الفجر أتباعاً للاَثار التي رويناها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوتر قبل الصبح، وكان وتره صلى الله عليه وسلم عامته كذلك في آخر الليل قبل طلوع الفجر. ثم اختلف الناس فيمن نام عن الوتر أو سها عنه أو فرط فيه فلم يوتر حتى طلع الفجر فرأى بعضهم أن الفجر إذا طلع فقد ذهب وقت الوتر ولا يقضي بعد ذلك لأنه ليس بفرض وإنما يصلي في وقته فإذا ذهب وقته لم يقض على ما روينا عن عطاء وغيره. واحتج بعضهم بحديث يروى عن أبي سعيد الخدري ثم ذكره بإسناده وقد ذكر لفظه آنفاً ثم قال: وهذا حديث لو ثبت لكان حجة لا يجوز مخالفته، غير أن أصحاب الحديث لا يحتجون برواية هارون العبدي. قال والذي ذهب إليه جماعة من أصحابنا أن من طلع عليه الفجر ولم يوتر فإنه يوتر ما لم يصل الغداة إتباعاً للأخبار التي رويت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم أوتروا بعد الصبح. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه أوتر بعد ما أصبح فإذا صلى الغداة فإن جماعة من أصحابنا قالوا لا يقضي الوتر بعد ذلك، وقد روى ذلك عن جماعة من المتقدمين أيضاً. وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم من أصحابنا. ثم ذكر محمد بن نصر الأخبار التي جاءت في الوتر بعد طلوع الفجر بعضها مرفوعة وأكثرها آثار الصحابة والتابعين ومن بعدهم ثم قال: والذي أقول به أنه يصلي الوتر ما لم يصل الغداة فإذا صلى الغداة فليس عليه أن يقضيه بعد ذلك، وإن قضاة على ما يقضي التطوع فحسن، قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين قبل الفجر بعد طلوع الشمس في الليلة التي نام فيها عن صلاة الغداة حتى طلعت الشمس، وكذا الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر بعد العصر في اليوم الذي شغل فيه عنها، وقد كانوا يقضون صلاة الليل إذا فاتتهم بالليل نهاراً، فلذلك حسن وليس بواجب انتهى كلام محمد بن نصر. قوله: (وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق لا يرون الوتر بعد صلاة الصبح) قال في شرح السنة: قيل وتر بعد صلاة الصبح وهو قول عطاء وبه قال مالك وأحمد. وذهب آخرون إلى أنه يقضيه متى كان، وهو قول سفيان الثوري وأظهر قولي الشافعي لما روى أنه قال: من نام عن وتر فليصل إذا أصبح ذكره الطيبي. ومذهب أبي حنيفة أنه يجب قضاء الوتر حتى لو كان المصلى صاحب ترتيب وصلى الصبح قبل الوتر ذاكراً لم يصح .
466- حدثنا هنّادٌ، أخبرنا مُلاَزِمُ بنُ عَمْرٍو قال حدثني عبدُ الله بن بَدْرٍ عن قَيْسِ بن طلْقِ بن علي عن أبيهِ قال سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا وِتْرَانِ في ليلةٍ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسَنٌ غريبٌ. واختلفَ أهلُ العلمِ في الذي يُوترُ مِن أولِ الليلِ ثم يقومُ مِن آخِرِهِ فرأى بعضُ أهلِ العلمِ مِن أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ومَن بَعْدَهُمْ نَقْضَ الوِترِ، وقالوا: يُضِيفُ إليها ركعةً ويصلّي ما بَدَا له، ثم يُوتِرُ في آخرِ صلاتِهِ لأنّه لا وترانِ في ليلةٍ. وهو الذي ذهبَ إليه إسحاقُ. وقال بعضُ أهلِ العلمِ مِن أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوترَ مِن أولِ الليلِ ثم نامَ قام مِنْ آخر الليل: فإنه يصلّي ما بدَا لهُ ولا ينقضُ وترَهُ ويدَعُ وِترَهُ على ما كانَ. وهو قولُ سفيانَ الثوريّ ومالكِ (بنِ أنسٍ) وابنِ المبارَكِ (والشافعيّ) وأهل الكوفة) وأحمد. وهذا أصحّ لأنه قد رُوِيَ مِن غير وجهٍ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد صلّى بعدَ الوترِ. 467- حدثنا محمدُ بن بشارٍ، حدثنا حَمّادُ بن مسعَدَةَ عن مَيْمونِ بن موسى الَمَرِئيّ عن الحسنِ عن أُمّهِ أمّ سلمة: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعدَ الوِترِ ركعَتَيْنِ". (قال أبو عيسى) وقد رُوِيَ نحوُ هذا عن أبي أُمامةَ وعائشةَ وغيرِ واحدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله: (أخبرنا ملازم بن عمرو) هو ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر اليمامي صدوق من الثامنة (حدثني عبد الله بن بدر) اليمامي عن ابن عباس وطلق بن علي وعنه سبطه ملازم بن عمرو وعكرمة بن عمار وثقه ابن معين وأبو زرعة كذا في الخلاصة. قوله: (لا وتران في ليلة) قال ابن العربي في عارضة الأحوذي: معناه أن من أوتر في آخر الليل ثم صلى بعد ذلك لا يعيد الوتر انتهى. قوله: (هذا حديث حسن غريب) أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه كذا في المنتقى. وقال الشوكاني في النيل: قال عبد الحق وغير الترمذي صححه وأخرجه أيضاً ابن حبان وصححه (فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم نقص الوتر وقالوا يضيف إليها ركعة الخ) روى محمد بن نصر في قيام الليل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: إني إذا أردت أن أقوم من الليل أوترت بركعة فإذا قمت ضممت إليها ركعة فما شبهتها إلا بالغربية من الإبل تضم إلى الإبل. وقاله سعيد بن مالك: أما أنا فإذا ركعت أردت أن أصلي من الليل أوترت بركعة فإذا استيقظت صليت إليها ركعة ثم صليت ركعتين ركعتين ثم أوترت. وعن سالم كان ابن عمر رضي الله عنه إذا أوتر أول الليل ثم قال يصلي يشفع وتره الأول بركعة ثم يصلي بوتر. وعن ابن عباس أنه قال: إذا أوتر الرجل من أول الليل ثم أراد أن يصلي شفع وتره ثم صلى ما بدا له ثم أوتر من آخر صلاته. وعن أسامة بمعناه. وعن هشام بن عروة: كان أبي يوتر أول الليل فإذا قام شفع انتهى باختصار. واحتج هؤلاء بحديث الباب، واحتجوا أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً، فقالوا إذا هو قام من الليل فلم يشفع وتره وصلى مثنى مثنى ثم لو يوتر في آخر صلاته كما قد جعل صلاته من الليل شفعاً لا وتراً وترك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً، كذا في قيام الليل، واحتجوا أيضاً بآثار الصحابة المذكورين رضي الله عنهم. قوله: (هذا حديث حسن غريب) أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه، وأخرجه أيضاً ابن حبان وصححه. قال عبد الحق: وغير الترمذي صححه. قوله: (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوتر من أول الليل ثم نام ثم قام من آخره أنه يصلي ما بدا له ولا ينقص وتره الخ) روى محمد ابن نصر في قيام الليل عن عائشة عن أبي بكر الصديق أنه كان يوتر قبل أن ينام، فإذا قام من الليل صلى مثنى مثنى حتى يفرغ مما يرد أن يصلي: وعن عمار بن ياسر وقد سئل عن الوتر فقال أما أنا فأوتر قبل أن أنام فإن رزقني الله شيئاً صليت شفعاً شفعاً إلى أن أصبح. وعن عائشة: الذين ينقضون وترهم هم الذين يلعبون بصلاتهم. وروي عن ابن عباس أيضاً بنحوه. وعنه في رواية: في الذي يوتر ثم يريد أن يصلي قال يصلي مثنى مثنى، وفي رواية: حسبه وتره الأول. وعنه لما بلغه فعل ابن عمر لم يعجبه وقال إن ابن عمر يوتر في ليلة ثلاث مرات. وعن أبي هريرة إذا صليت العشاء صليت بعدها خمس ركعات ثم أنام فإن قمت صليت مثنى مثنى وإن أصبحت على وتر. وسئل رافع بن خديج عن الوتر فقال أما أنا فإني أوتر من أول الليل فإن رزقت شيئاً من آخره صليت ركعتين ركعتين حتى أصبح. قوله: (وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وأحمد وابن المبارك وهذا أصح) وقال محمد بن نصر في قيام الليل: وهذا مذهب الشافعي وأحمد وهو أحب إلي، وإن شفع وتره اتباعاً للأخبار التي رويناها رأيته جائزاً انتهى. وقال العراقي: وإلى هذا ذهب أكثر العلماء وقالوا إن من أوتر وأراد الصلاة بعد ذلك لا ينقص وتره ويصلي شفعاً شفعاً حتى يصبح انتهى. وهذا هو المختار عندي ولم أجد حديثاً مرفوعاً صحيحاً يدل على ثبوت نقص الوتر والله تعالى أعلم. قوله: (لأنه قد روى من غير وجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر) وأجابوا عن القائلين بجواز نقص الوتر بأنه إذا أوتر الرجل أول الليل فقد قضى وتره، فإذا هو نام بعد ذلك ثم قام وتوضأ وصلى ركعة أخرى فهذه صلاة غير تلك الصلاة وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالركعة الأولى التي صلاها في أول الليل فلا يصيران صلاة واحدة وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام في الغالب وإنما هما صلاتان متباينتان، ومن فعل ذلك فقد أوتر مرتين، ثم هو إذا أوتر أيضاً في آخر صلاته صار موتراً ثلاث مرات. وقد قال صلى الله عليه وسلم: إجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً، وهذا قد جعل الوتر في مواضع من صلاة الليل. وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم: لا وتران في ليلة، وهذا قد أوتر ثلاث مرات، وقال محمد بن نصر: وقد قال من ذهب هذا المذهب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً إنما هو ندب واختيار وليس بإيجاب: والدليل على ذلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوتر بالليل، قال والدليل على ذلك أيضاً أن ابن عمر الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً، وهو الذي كان يشفع وتره. وروى عنه أنه سئل عمن قام من الليل وقد أوتر قبل أن ينام مثنى مثنى ولم يشفع وتره قال ذلك حسن جميل، فدل فتياه أنه رأى قوله: إجعلوا آخر صلاتكم وتراً ندباً لا إيجاباً، ثم ذكر محمد بن نصر فتياه بسنده وكذلك قوله صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة إنما هو ندب واختيار لا إيجاب، والدليل عليه وتر النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وسبع وتسع لم يسلم إلا في آخرهن انتهى. قوله: (أخبرنا حماد بن مسعدة) التميمي أبو سعيد البصري ثقة (عن ميمون بن موسى الموائي) بفتحتين وهمزة أبو موسى البصري صدوق مدلس من السابعة (عن الحسن) هو مدلس البصري (عن أمه) اسمها خيرة مولاة أم سلمة مقبوله من الثانية. قوله: (كان يصلي بعد الوتر ركعتين) ورواه أحمد وابن ماجه وزادا وهو جالس. قوله: (وقد روى نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد والبيهقي بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس يقرأ جالس يقرأ فيهما بإذا زلزلت الأرض زلزالها وقل يا أيها الكافرون، وأخرجه بنحوه محمد بن نصر في قيام الليل وأما حديث عائشة وقل يا أيها الكافرون، وأخرجه بنحوه محمد بن نصر في قيام الليل وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وفي الباب عن أنس رضي الله عنه عند الدارقطني بنحو حديث أبي أمامة. قال النووي: الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالساً لبيان الجواز ولم يواظب على ذلك بل فعله مرة أو مرات قليلة ولا يغتر بقولها كان يصلي، فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظ كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار قال: وإنما تأولنا حديث الركعتين لأن الروايات المشهورة في الصحيحين كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وتراً، فكيف يظن به صلى الله عليه وسلم مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ويجعلهما آخر صلاة الليل. قال: وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد رواية الركعتين فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين وقد جمعنا بينها ولله الحمد انتهى كلام النووي.
468- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا مالكُ بن أنسٍ عن أبي بكرٍ بن عُمرَ بن عبدِ الرحمَنِ عن سَعِيدِ بن يسارٍ قال: "كنتُ (أمشى) مع ابن عُمَرَ في سفرٍ فَتَخَلّفْتُ عنه فقال أينَ كنتَ؟ فقلت: أوترتُ، فقال أليس لك في رسولِ الله أسوةٌ؟ رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُوترُ على راحِلَتِه". (قال) وفي الباب عن ابن عباسٍ. قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عُمَرَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ. وقد ذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا، ورَأَوا أن يُوتِرَ الرجلُ على راحلتِهِ. وبه يقُولُ الشافعيّ وأحمدُ وإسحاقُ. وقالَ بعضُ أهلِ العلمِ: لا يُوترُ الرجلُ على الراحلَةِ وإذا أرادَ أن يُوترَ نزلَ فأوترَ على الأرضِ. وهو قولُ بعضِ أهلِ الكوفةِ. آخر أبواب الوتر. قوله: (عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن عمر القرشي العدوي المدني ثقة (عن سعيد بن يسار) المدني ثقة. قوله: (فتخلفت عنه) وفي رواية البخاري فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت ثم لحقته (فقال أين كنت فقلت أوترت) وفي رواية البخاري: فقال عبد الله بن عمر أين كنت؟ فقلت خشيت الصبح فنزلت فأوترت (أليس لك في رسول الله أسوة حسنة) قال في القاموس: الأسوة بالكسر والضم القدوة إرشاد العالم لرفيقه ما قد يخفى عليه من السنن (يوتر على راحلته) فيه دليل على جواز الوتر على الراحلة وهو الحق، وفي رواية: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح وهو على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة كذا في قيام الليل. قوله: (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر على راحلته. قوله: (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة. قوله: (وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا ورأوا أن يوتر الرجل إلى راحلته) روى محمد بن نصر في قيام الليل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يوتر على راحلته. عن نافع كان عبد الله رضي الله عنه يوتر على البعير يوميء برأسه. وعن ابن جريج قلت لعطاء أوتر وأنا مدبر عن القبلة على دابتي قال نعم. وعن عطاء: لا بأس أن يوتر على بعيره. وعن سفيان: إن أوترت على دابتك فلا بأس والوتر بأرض أحب إلى (وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو الحق. قوله: (وقال بعض أهل العلم لا يوتر الرجل على الراحلة الخ) وهو قول أبي حنيفة. قال محمد بن نصر في قيام الليل بعد رواية حديث ابن عمر وابن عباس المذكورين والآثار المذكورة ما لفظه: وزعم النعمان يعني أبا حنيفة. أن الوتر على الدابة لا يجوز خلافاً لما روينا. وأحتج بعضهم له بحديث رواه عن ابن عمر أنه نزل عن دابته فأوتر بالأرض، فيقال لمن احتج بذلك هذا ضرب من الغفلة هل قال أحد إنه لا يحل للرجل أن يوتر بالأرض إنما قال العلماء لا بأس أن يوتر على الدابة وإن شاء أوتر بالأرض، وكذلك كان ابن عمرو يفعل ربما أوتر على الدابة وربما أوتر على الأرض، وعن نافع أن ابن عمر كان ربما أوتر على راحلته وربما نزل، وفي رواية كان يوتر على راحلته وكان ربما نزل انتهى. وقال صاحب التعليق الممجد: أخذ أصحابنا يعني الحنفية بالآثار الواردة بنزول ابن عمر رضي الله عنه للوتر وشيدوه بالأحاديث المرفوعة الواردة في نزوله صلى الله عليه وسلم للوتر وقال المجوزون لأدائه على الدابة إنه لا تعارض ههنا إذا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الأمرين فأحياناً أدى الوتر على الدابة وأحياناً على الأرض واقتدى به ابن عمر. ويؤيده ما أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار عن مجاهد عن محمد بن أسحاق عن نافع قال كان ابن عمر يوتر على الراحلة وربما نزل فأوتر على الأرض. وذكر الطحاوي بعد ما أخرج آثار الطرفين الوجه في ذلك عندنا أنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على الراحلة قبل أن يحكم ويغلظ أمره ثم أحكم بعد ولم يرخص في تركه ثم أخرج حديث: إن الله أمدكم بصلاة هي خير من حمر النعم ما بين صلاة العشاء إلى الفجر الوتر الوتر. من حديث خارجة وأبي بصرة، ثم قال فيجوز أن يكون ما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وتره على الراحلة كان منه قبل تأكيده أياه ثم نسخ ذلك انتهى. وفيه نظر لا يخفى، إذ لا سبيل إلى إثبات النسخ بالاحتمال ما لم يُعلم ذلك بنص وارد في ذلك انتهى.
|