الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
في باب الإيمان بالله واليوم الآخر طريقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان على الصراط المستقيم علمًا، وعملًا يعرف ذلك من تتبعها بعلم وعدل فقد حققوا الإيمان بالله واليوم الآخر، وأقروا بأن ذلك حق على حقيقته، وهم في عملهم مخلصون لله، متبعون لشرعه، فلا شرك، ولا ابتداع، ولا تحريف، ولا تكذيب. وأما المنحرفون عن طريقتهم فهم ثلاث طوائف: أهل التخييل، وأهل التأويل، وأهل التجهيل. فأما أهل التخييل: فهم الفلاسفة، والباطنية ومن سلك سبيلهم من المتكلمين وغيرهم. وحقيقة مذهبهم أن ما جاءت به الأنبياء مما يتعلق بالإيمان بالله واليوم الآخر أمثال وتخييلات لا حقيقة لها في الواقع، وإنما المقصود بها انتفاع العامة وجمهور الناس، لأن الناس إذا قيل لهم : إن لكم ربًا عظيمًا، قادرًا، رحيمًا، قاهرًا، وأمامكم يومًا عظيمًا تبعثون فيه، وتجازون بأعمالكم ونحو ذلك استقاموا على الطريقة المطلوبة منهم، وإن كان هذا لا حقيقة له على زعم هؤلاء. ثم إن هؤلاء على قسمين: غلاة، وغير غلاة. فأما الغلاة فيزعمون أن الأنبياء لا يعلمون حقائق هذه الأمور وأن من المتفلسفة الإلهية ومَن يزعمونهم أولياء من يعلم هذه الحقائق، فزعموا أن من الفلاسفة من هو أعلم بالله واليوم الآخر من النبيين الذين هم أعلم الناس بذلك. وأما غير الغلاة فيزعمون أن الأنبياء يعلمون حقائق هذه الأمور ولكنهم ذكروا للناس أمورًا تخييلية لا تطابق الحق لتقوم مصلحة الناس، فزعموا أن مصلحة العباد لا تقوم إلا بهذه الطريقة التي تتضمن كذب الأنبياء في أعظم الأمور وأهمها. فالطائفة الأولى حكمت على الرسل بالجهل. والطائفة الثانية حكمت عليهم بالخيانة والكذب. هذا هو قول أهل التخييل فيما يتعلق بالإيمان بالله واليوم الآخر. أما في الأعمال فمنهم من يجعلها حقائق يؤمر بها كل أحد، ومنهم من يجعلها تخييلات ورموزًا يؤمر بها العامة دون الخاصة فيؤولون الصلاة بمعرفة أسرارهم، والصيام بكتمانها، والحج بالسفر إلى شيوخهم ونحو ذلك. وهؤلاء هم الملاحدة من الإسماعيلية والباطنية ونحوهم. وفساد قول هؤلاء معلوم بضرورة الحس، والعقل، والشرع فإننا نشاهد من الآيات الدالة على وجود الله وكمال صفاته ما لا يمكن حصره: وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد فإن هذه الحوادث المنتظمة لا يمكن أن تحدث إلا بمدبر حكيم قادر على كل شيء. والإيمان باليوم الآخر دلت عليه جميع الشرائع واقتضته حكمة الله البالغة، ولا ينكره إلا مكابر، أو مجنون، وأهل التخييل لا يحتاجون في الرد عليهم إلى شيء كثير، لأن نفور الناس عنهم معلوم ظاهر. وأما أهل التأويل: فهم المتكلمون من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم. وحقيقة مذهبهم أن ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من نصوص الصفات لم يقصد به ظاهره، وإنما المقصود به معان تخالفه يعلمها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكنه تركها للناس يستنتجونها بعقولهم ثم يحاولون صرف ظواهر النصوص إليها، وغرضه بذلك امتحان عقولهم، وكثرة الثواب بما يعانونه من محاولة صرف الكلام عن ظاهره وتنزيله على شواذ اللغة وغرائب الكلام. وهؤلاء هم أكثر الناس اضطرابًا وتناقضًا، لأنهم ليس لهم قدم ثابت كأم هنا نقصًا يمكن تأويله وما لا يمكن، ولا في تعيين المعنى المراد. ثم إن غالب ما يزعمونه من المعاني يعلم من حال المتكلم وسياق كلامه أنه لم يرده في ذلك الخطاب المعين الذي أولوه. وهؤلاء كانوا يتظاهرون بنصر السنة ويتسترون بالتنزيه، ولكن الله تعالى: هتك أستارهم برد شبهاتهم ودحض حججهم، فلقد تصدى شيخ الإسلام وغيره [] (1) للرد عليهم أكثر من غيرهم لأن الاغترار بهم أكثر من الاغترار بغيرهم لما يتظاهرون به من نصر السنة.
|